عبدالغفور الخطيب
15-12-2007, 01:31 AM
هناك من يلعب جيدا بأوراق قليلة
يسهل على المراقب السياسي أن يستنتج استنتاجا واضحا خلال الفترة السابقة، وهي قدرة بعض اللاعبين السياسيين الإقليميين على اللعب بأوراق قليلة أفضل ممن لديهم أوراق أكثر .. ويبدو أن جودة اللعب أحيانا تتناسب عكسيا مع حجم الأوراق، فمن معه أوراق أقل يلعب بها بحرص أكبر مما لديه أوراق يعتقد أنها من الكثرة بمكان بحيث لا يعود يبالي بطريقة لعب غيره!
من يراقب الساسة السوريين والإيرانيين، تجبره حركاتهم على الاعتراف بمهارتهم في اللعب بأوراق قليلة، لكنهم لم يفرطوا بتلك الأوراق بسرعة ويسر بل يمسكون بها جيدا حتى اللحظة الأخيرة..
كنا نشاهد السوريين في السنوات السابقة وحجم تعاطفهم مع حزب العمال الكردستاني التركي (علوي المذهب) .. وكيف أنهم أبقوا الغطاء المعنوي والإعلامي لقادته، ولم يقبلوا بتسليم زعيمه (عبد الله أوجلان) إلا عندما وصل (السكين على المفصل) كما يقول المثل .. وكيف أنهم أبقوا قنوات تدخلهم المستترة داخل لبنان ولم يقطعوها مرة واحدة، بل كانوا يتعاملون بها كتاجر يهودي دربته طرق المراباة حتى بدا احترافه يقر به الجميع .. فكانوا ينحنون أمام العاصفة حتى تمر ثم يعودون فينهضون .. ومن تابع تصريحات (وليد جنبلاط) النارية تجاه أركان القيادة السورية، وكيفية هبوطها مرة واحدة خلال ثلاثة أسابيع مرت، يدرك مدى احتراف السوريين في إدارة أزماتهم الدولية ـ على ندرة من يقف الى جانبهم ـ، ويستنتج من يراقب الأوضاع أن السوريين قد خرجوا من أزمتهم، رغم قلة أوراقهم التي يلعبون بها، والتي أهمها أن دولتهم حاضنة لدولة لبنان بشكل كامل وما لتلك الورقة من أهمية اقتصادية وجيوسياسية ..
بالطرف الآخر، هناك إيران التي لا يشك عاقل أن آخر ما يهمها هو القضية الفلسطينية أو حتى قضية (شيعة لبنان) [ مع اعتذاري للتعبير] .. وحتى لو ملكت سلاحا نوويا ذات يوم، لن يهمها معاداة الكيان الصهيوني، ولا معاداة الولايات المتحدة، بل تهمها مصلحتها بالدرجة الأولى، فشعبها الذي زاد عن سبعين مليون نسمة، في حين لا تتمتع أراضيها بخصوبة تكفي لإطعام هذا الكم من الساكنين، ولا نفطها الذي سينضب قبل غيره سيكفي لتنمية مواردها. وهذا ما أقلق الشاه، حيث كان تفكيره بذلك مقدمة سقوطه..
من هنا فإيران التي لا ينقصها تراث قومي يجعلها تشعر بالتفوق على جيرانها الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم دون مساعدة الغير، جعلت من مصلحتها محركا لخطابها التخويفي والتبشيري في إبراز دورها وأنها ستزعج من يحاول اغتنام الفرص الدولية والإقليمية دون أن يعطيها حصتها .. فهي تطل على معبر دولي هام وعندما يكون على خصرها مسدس معبأ بالذخيرة النووية فإنها ستقلق الغير إن لم يعطوها (إتاوة) لتجعلهم يمرون بسلام حاملين أكثر سلعة احتياجا للعالم في هذا الوقت (النفط) ..
إن إيران تعرف، أن خطابها هذا سيطيل من سكوت شعوبها التي تعاني من أكثر من مصيبة، ولكنهم سيسكتون في حالات المناوشات التي تجعل من إيران دولة مثار جدل عالمي .. كما أن إيران تخيف دولة الكيان الصهيوني من زاوية أخرى بأنها بإطلاقها التصريحات النارية وهذا يرسخ من الهدف الأخير من استعمال أوراق إيران، وهو التعاطف الدفين الذي تلقاه من الكثير من العرب الذين خاب أملهم في حكامهم من عمل أي شيء أو حتى اللعب بأوراقهم التي لديهم، وهي بالمناسبة أكثر من أوراق إيران وحتى أكثر من أوراق أمريكا نفسها.
بالمقابل فإن من يتصدى للمخاطر الإيرانية، هم من المثقفين أو السياسيين الذين يلجئون لمنطق ما يسمى بالسياسة (اليقين السهل) والمتمثل بالهجوم على إيران بحجة أنهم (شيعة و رافضة) وما الى ذلك من الصفات التسطيحية التي تذهب أحيانا الى أبعد من ذلك عندما تشمل المقاومة اللبنانية وبالذات (حزب الله) بأنهم شيعة ورافضة .. وهذا يزيد في تمزيق الرؤية العربية الشعبية التي تتعاطف مع بطولة المقاومة اللبنانية، وترى بهذا الخطاب في أحسن مواقعه الوصفية بأنه خطاب ركيك لا يرقى لمستوى أهلية القيادة عند من يحمله.
إن كانت سوريا سياسيا تتصرف بمنطق قطري تخشى على نظامها السياسي فهذا حق يتساوى به الجميع، وإن كانت إيران سياسيا تتصرف بمنطق قومي تريد تحسين وضعها إقليميا ودوليا، فلا نستطيع مصادرة أحلامها، فهذا شأن كل دول العالم التي تبحث عن مصالحها ..
لكن ما يعيبنا نحن، هو أننا لا ندرك أهمية الأوراق التي نملكها، وأننا في الكثير من الأحيان نقدمها مجانا أو بطلب بسيط ممن يطلبها، حتى أصبح وزننا في السياسة الدولية قريبا من الصفر، لكن في اتجاه الأقل!
يسهل على المراقب السياسي أن يستنتج استنتاجا واضحا خلال الفترة السابقة، وهي قدرة بعض اللاعبين السياسيين الإقليميين على اللعب بأوراق قليلة أفضل ممن لديهم أوراق أكثر .. ويبدو أن جودة اللعب أحيانا تتناسب عكسيا مع حجم الأوراق، فمن معه أوراق أقل يلعب بها بحرص أكبر مما لديه أوراق يعتقد أنها من الكثرة بمكان بحيث لا يعود يبالي بطريقة لعب غيره!
من يراقب الساسة السوريين والإيرانيين، تجبره حركاتهم على الاعتراف بمهارتهم في اللعب بأوراق قليلة، لكنهم لم يفرطوا بتلك الأوراق بسرعة ويسر بل يمسكون بها جيدا حتى اللحظة الأخيرة..
كنا نشاهد السوريين في السنوات السابقة وحجم تعاطفهم مع حزب العمال الكردستاني التركي (علوي المذهب) .. وكيف أنهم أبقوا الغطاء المعنوي والإعلامي لقادته، ولم يقبلوا بتسليم زعيمه (عبد الله أوجلان) إلا عندما وصل (السكين على المفصل) كما يقول المثل .. وكيف أنهم أبقوا قنوات تدخلهم المستترة داخل لبنان ولم يقطعوها مرة واحدة، بل كانوا يتعاملون بها كتاجر يهودي دربته طرق المراباة حتى بدا احترافه يقر به الجميع .. فكانوا ينحنون أمام العاصفة حتى تمر ثم يعودون فينهضون .. ومن تابع تصريحات (وليد جنبلاط) النارية تجاه أركان القيادة السورية، وكيفية هبوطها مرة واحدة خلال ثلاثة أسابيع مرت، يدرك مدى احتراف السوريين في إدارة أزماتهم الدولية ـ على ندرة من يقف الى جانبهم ـ، ويستنتج من يراقب الأوضاع أن السوريين قد خرجوا من أزمتهم، رغم قلة أوراقهم التي يلعبون بها، والتي أهمها أن دولتهم حاضنة لدولة لبنان بشكل كامل وما لتلك الورقة من أهمية اقتصادية وجيوسياسية ..
بالطرف الآخر، هناك إيران التي لا يشك عاقل أن آخر ما يهمها هو القضية الفلسطينية أو حتى قضية (شيعة لبنان) [ مع اعتذاري للتعبير] .. وحتى لو ملكت سلاحا نوويا ذات يوم، لن يهمها معاداة الكيان الصهيوني، ولا معاداة الولايات المتحدة، بل تهمها مصلحتها بالدرجة الأولى، فشعبها الذي زاد عن سبعين مليون نسمة، في حين لا تتمتع أراضيها بخصوبة تكفي لإطعام هذا الكم من الساكنين، ولا نفطها الذي سينضب قبل غيره سيكفي لتنمية مواردها. وهذا ما أقلق الشاه، حيث كان تفكيره بذلك مقدمة سقوطه..
من هنا فإيران التي لا ينقصها تراث قومي يجعلها تشعر بالتفوق على جيرانها الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم دون مساعدة الغير، جعلت من مصلحتها محركا لخطابها التخويفي والتبشيري في إبراز دورها وأنها ستزعج من يحاول اغتنام الفرص الدولية والإقليمية دون أن يعطيها حصتها .. فهي تطل على معبر دولي هام وعندما يكون على خصرها مسدس معبأ بالذخيرة النووية فإنها ستقلق الغير إن لم يعطوها (إتاوة) لتجعلهم يمرون بسلام حاملين أكثر سلعة احتياجا للعالم في هذا الوقت (النفط) ..
إن إيران تعرف، أن خطابها هذا سيطيل من سكوت شعوبها التي تعاني من أكثر من مصيبة، ولكنهم سيسكتون في حالات المناوشات التي تجعل من إيران دولة مثار جدل عالمي .. كما أن إيران تخيف دولة الكيان الصهيوني من زاوية أخرى بأنها بإطلاقها التصريحات النارية وهذا يرسخ من الهدف الأخير من استعمال أوراق إيران، وهو التعاطف الدفين الذي تلقاه من الكثير من العرب الذين خاب أملهم في حكامهم من عمل أي شيء أو حتى اللعب بأوراقهم التي لديهم، وهي بالمناسبة أكثر من أوراق إيران وحتى أكثر من أوراق أمريكا نفسها.
بالمقابل فإن من يتصدى للمخاطر الإيرانية، هم من المثقفين أو السياسيين الذين يلجئون لمنطق ما يسمى بالسياسة (اليقين السهل) والمتمثل بالهجوم على إيران بحجة أنهم (شيعة و رافضة) وما الى ذلك من الصفات التسطيحية التي تذهب أحيانا الى أبعد من ذلك عندما تشمل المقاومة اللبنانية وبالذات (حزب الله) بأنهم شيعة ورافضة .. وهذا يزيد في تمزيق الرؤية العربية الشعبية التي تتعاطف مع بطولة المقاومة اللبنانية، وترى بهذا الخطاب في أحسن مواقعه الوصفية بأنه خطاب ركيك لا يرقى لمستوى أهلية القيادة عند من يحمله.
إن كانت سوريا سياسيا تتصرف بمنطق قطري تخشى على نظامها السياسي فهذا حق يتساوى به الجميع، وإن كانت إيران سياسيا تتصرف بمنطق قومي تريد تحسين وضعها إقليميا ودوليا، فلا نستطيع مصادرة أحلامها، فهذا شأن كل دول العالم التي تبحث عن مصالحها ..
لكن ما يعيبنا نحن، هو أننا لا ندرك أهمية الأوراق التي نملكها، وأننا في الكثير من الأحيان نقدمها مجانا أو بطلب بسيط ممن يطلبها، حتى أصبح وزننا في السياسة الدولية قريبا من الصفر، لكن في اتجاه الأقل!