المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تلاشي قوة المال



عبدالغفور الخطيب
18-03-2007, 03:13 PM
تلاشي أهمية المال

كان رجلا غنيا جاء غناه عن طريق إرث أسرته، فشاء أن يستثمره، فجاء بخبير في إدارة المال فنما ماله بشكل مضطرد، ففرح صاحب المال وزادت ثقته بالرجل المدير الذي كان يتصف بالأمانة و القناعة، حيث لم يحدث أن طالب المدير بزيادة في أجوره .. نما المال و استرخت أسرة الرجل الغني، فخرج أولاده وبناته منعمين، وأحسوا أنهم يتكئون على جدار صلب، ويجاورون بحرا من المال لا ينضب .. اكتشف الرجل المدير أن سر ثروة الغني في حوزته ومفاتيحه بيده، فنصح المدير الرجل الموسر بأن يولي أجمل بناته عناية خاصة فقد لمس المدير ـ بخبرته ـ ذكائها الخارق، ولا بد أن يكون للرجل الغني من أسرته من يرعى أمواله، هكذا كانت نصيحة الرجل المدير، أخذ الرجل الموسر بالنصيحة، وأعطى وكالة عامة لابنته الجميلة بالتصرف بممتلكات والدها.. أحب المدير البنت، طلب يدها من والدها، وافق والدها، مدركا أهمية المدير وعدم القدرة على رفض طلبه .. مات الرجل .. انتبهت بقية الأسرة، طالبوا بحصصهم، تدخل القضاء، تفتت الملكية، وذهب النصيب الأكبر للمدير وزوجته، طلق المدير زوجته، بعدما ركنت لخبراته و أعطته وكالة بأملاكها .. ذهب المدير .. وتشتت الأسرة التي تلاشى مالها لدرجة الفقر .. انتهت الحكاية ..

يقولون: أن المال عصب السلم والحرب .. ونقول: العصب يستخرج من اللحمة لعدم إمكانية هضمه .. ولا عصب يقاتل أو يهادن دون جسم محيط به ويلتحم به بتناغم شديد ..

ويقول الاقتصاديون: أن أي مشروع اقتصادي يشبه المنضدة، تستند الى أربعة أرجل، المال والإدارة والعمل ومستلزمات الإنتاج .. فإن نمت إحدى الأرجل دون غيرها، أي بتوقف نمو الأرجل الأخرى، فإن المنضدة سترقص، ولكن رقصة الذبيح، فستهوي للأرض دون شك ..

دفعني لكتابة ما كتبته، ما رأيته في بعض دولنا العربية، من انخداع بوجود نهضة اقتصادية صاعدة.. ومن يتأمل حقيقة ما يرى، فإنه سيلحظ ما رميت إليه بوضوح ..

إن تشوهات على أكثر من صعيد تتشكل في تلك المناطق، ففي حين تنمو نزعة الاستهلاك، فإن نمو الإبداع قد توقف، وإن نمت ثقافة الاختلاط مع الحضارات الأخرى، فإن ثقافة المساهمة في نمو الحضارة قد توقف، حتى غدونا بنظر غيرنا من أبناء الحضارات الأخرى، كأناس قد اغتنت صدفة ولا يحق لها الاحتفاظ بأموالها .. بل وجدت ثقافة فروسية و (صعلكة) لدى أبناء تلك الحضارات بضرورة سلبنا ما نملك .. واعتبار تلك المهمة مقدسة لدى أبناء تلك الحضارات ..

ترى مطارات واسعة و بها من جودة التصميم ما يبهر الناظر، ولكن من صممها ومن نفذها؟ وترى طائرات تربض كتب عليها اسم الدولة وبجنبها شعار يوحي بالقوة (أسد، صقر، نسر، ثور) وكأنهم لو وضعوا أرنب أو فأر لانكشفت حقيقتهم أمام الآخرين!

ثم تصعد تلك الطائرة الوطنية، فيتكلم معك طيار هندي أو إنجليزي، وتقدم لك الخدمات مضيفة أوكرانية، وتتذوق أكلا باكستانيا .. يا لتلك الوطنية!

إن هذا الوضع الممزق والمشوه، لن يحله إلا مشروع وحدوي، تنساب فيه الخبرات والثقافات والأموال والدماء، كانسياب السوائل حسب (نظرية الأواني المستطرقة) .. وإلا فعلينا أن نقر أن المال هو سبب من أسباب تلاشي القوة، لا من أسباب تواجدها!

صدام العرب
12-04-2007, 08:23 PM
أحسنت وأصبت الحقيقة
فهل يفيق من هم في غيّهم يعمهون

عبدالغفور الخطيب
18-04-2007, 05:13 AM
عندما تصبح أموال البيوت مصدرا للمصائب

وقف الشيخ فابتسم .. لاحظه ابنه فسأله عن سبب ابتسامته.. وكانا كلاهما يقفان عند بوابة الدار ينتظران مجموعة أخرى من الناس، للانتقال الى مكان ما، عندما مر شاب طائش ينهر سيارته الحديثة لتخرج أصواتا مزمجرة، وينبثق من السيارة أصوات ممزوجة لموسيقى أقرب للضجيح منها للموسيقى ،لا تمت للبيئة بصلة .. وكأن قائد السيارة يريد إثبات أمر ما للآخرين، لعل الأمر يكون متعلقا بوضع أسرته المالي، أو طريقة فروسيته لتلك السيارة .. كانت ملامح الشاب تجعل من هيئته كأنه (منتَج) تم تجميعه من عدة أزمنة وعدة أمكنة، فكانت حلاقته ناعمة من جهة أذنيه، في حين استفز هو، شعر رأسه من الأعلى حتى تشرذم الشعر، فتجمعت المئات من شعراته في مجموعات، جسدها وضع محلول أو مستحضر يجعلها تلمع .. كما كانت سحنته السمراء وأنفه غير المدبب، على تنافر مع التركيبة التي اختارها لنفسه .. حتى ألوان ملابسه وفصالها، لولا أنها حديثة ولامعة لاعتقد من رآه بها، أنه ألزم بها إلزاما، أو أنه اشتراها من محال الملابس المستعملة للقيام بدور تمثيلي يقتضي مثل تلك الملابس..

أجاب الشيخ ابنه بالقول: يا بني إن النعمة لها اتجاهان، الأول: عندما تأتي من الأسفل، فإنها تصعد حتى تصل الى شفتي صاحبها، فيقبلها ويضعها على رأسه، والاتجاه الثاني: الآتي من الأعلى الى الأسفل، فما أن يصل الى الأرض حتى تدوسه الأقدام ويصبح صاحبها (رافسا) للنعمة ..

أحيانا، يخفي رب البيت عن أفراد أسرته، مصادر دخله، فهو من ناحية يريد أن يبين لهم أهمية نفسه، كشخص مقتدر استطاع جمع ثروة أسبغ بنعمتها على أفراد أسرته، دون أن يدخل بتفاصيل الكيفية التي جمعت تلك الثروة بها، وأسباب اتخاذه موقف التكتم، قد تعود للسهولة التي جمع بها المال نتيجة لبيعه عقارا قديما ورثه عن أجداده، أو أنه جمعه بطريقة لها علاقة بالفساد والرشاوى والاحتيال على قوانين الدولة، ولا يريد أن يهبط بصورته النبيلة أمام أقرب الناس إليه..

لا يهتم أفراد الأسرة في كثير من الأحيان عن التحري عن مصادر دخلهم، طالما أنهم ينعمون بآثارها .. ويتعمق لديهم اعتقاد بأن حياتهم بأساليب معايشتها الراهنة ستدوم .. فيصبح سلوكهم العام جزءا من مكونات كوامن العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار لصاحب المال (رب الأسرة) .. فلا يمانع بتركهم يتصرفون بالمال كيفما يشاءون، وإن كان يبدي اعتراضا رخوا في بعض الحالات، فإنه يشعر بزهو كاذب في حالات سلوكهم الذي يخبر الآخرين بقوة صاحب المال (المالية) .. وهذا يمنحه حالة من إشباع حاجة افتقدها قبل حيازته للثروة .. كما أنها سترفعه لمراتب اجتماعية أفضل ـ بنظره ـ سواء من حيث الارتباط بأنسباء من خلال المصاهرة أو أن يُذكَر اسمه في الدواوين الخ ..

في حين، ينكفئ أفراد الأسرة الى أجواء تجعلهم لا يفكرون لا بقضايا الأمة ولا المجتمع المحلي، ولا منظومة العناصر الأخلاقية، بل يتفننون بإشباع حاجاتهم الاستهلاكية غالبا، والغرائزية أحيانا، ويوزعون حماقات على من حولهم، وما يرتبط بتلك الحماقات من أذى للمجتمع والوضع الأخلاقي والوضع السياسي العام

وترى أحيانا، أن فلسفات تظهر، تكون فارستها في تلك الحالة الزوجة أو الأم، التي تتولد لديها هواجس من خلال تزايد الثروة بين يدي زوجها، فتخاف على مستقبل تفردها ـ كزوجة ـ فتسهم بابتكار ما يبدد الثروة، ظنا منها أن ستمنع حدوث ما تخشاه .. وقد يكون ما تخشاه، قد حدث ولكن صفقة أو صفقات قد تمت بين رب الأسرة (الغني) وأحد أفراد الأسرة الذين اكتشفوا بعض ما يخفيه عن أمهم ..

إن تلك البيئة الفاسدة لا تنتج إلا نتاجا فاسدا .. وإن كان هناك استثناءات، لكن يبقى شبح المصائب واردا في حالات الغنى المفاجئ ..