المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التضليل الإعلامي.. هيكل نموذجاً



ali2004
23-02-2007, 04:33 PM
التضليل الإعلامي.. هيكل نموذجاً
نوع التحليل: دائرة الحوار المصدر: خاص
المؤلف: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ) التقييم: n/a
--------------------------------------------------------------------------------
التضليل الإعلامي.. هيكل نموذجاً
- توقيت ظهور هيكل.
- الرسالة الإعلامية.. وأجندة كشف الخداع.
- هيكل والمقاومة الإسلامية.. تصادم أم تضليل.
في افتتاح الدورة الجديدة لدائرة "حوارات استراتيجية" وقع الاختيار على "النمط الإعلامي" الذي يمثله الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، ليكون هو البداية لسلسة من الندوات حول الإعلام وأنماطه وأهدافه واتجاهاته ووسائله وتأثيراته، باعتباره الأشد خطراً في العصر الراهن، من قصف الطائرات والصواريخ والمدافع، وباعتباره أداة استراتيجية لاختراق العقول والسيطرة عليها، دون استنفار لرد فعل، وربما دون "شعور" وإدراك عقلي على مستوى الإنسان (الفرد)، حيث الإعلام ينهج نفس طريقة غزو "الفيروسات" في الجسم أو أجهزة الكمبيوتر – وإن وفق كفاءة أرقى – إذ هو يعطل أولاً كل خلايا الحماية في الجسم (أو برامج المقاومة في الكمبيوتر) إلى درجة يصعب إصلاحها في الحالة البشرية أو الإنسانية باعتبار العقل الإنساني لا يمكن "إعادة تهيئته" كما هو حال "القرص الصلب" في الكمبيوتر.
وجاء اختيار الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، باعتباره "حالة خاصة متفردة" في الإعلام "العربي"، وباعتبار ما يحظى به من مشاهدة واسعة في حلقات الجزيرة، وكذا بالنظر إلى قدرته في التأثير بشكل خاص داخل أوساط "النخب" والمثقفين، وإن كان الأهم من كل ذلك هو أنه "يمثل نمطاً إعلامياً متماسكاً ومتكامل الأبعاد"، بما يسمح بدراسته بالجدية البحثية والعلمية المطلوبة في هذه المرحلة من مراحل تأثير الإعلام في الإنسان في عصر الهيمنة الفضائية.
أعد الندوة وأدارها:
- الأستاذ/ أحمد الوكيل، المشرف العام على وكالة الأخبار الإسلامية "نبأ".
وتولى مراجعتها تحريرياً الكاتب والمحلل السياسي د. محمد مورو.
وشارك بالحوار فيها كل من:-
- د. عبد العزيز كامل، الكاتب والمفكر الإسلامي - عضو هيئة تحرير مجلة "البيان" اللندنية.
- د. باسم الزرقا، الباحث والمحلل الاستراتيجي.
- الأستاذ/ طلعت رميح، المحلل الاستراتيجي والخبير الإعلامي.
- إضافة لرؤساء أقسام الأخبار والملفات والتحليلات بالوكالة.
وكان سبق الندوة، ووفق دراسات أولية، اختيار لقاء "هيكل" على الجزيرة لمناقشة الشأن الجاري بتاريخ 23-11-2006 باعتبارها واحدة من أهم الحلقات التي حملت كل ملامح "نمط" هيكل وأسلوبه الإعلامي، وجاءت تلخيصاً وتكثيفاً لحواراته السابقة، وأيضاً باعتبارها نموذجاً للارتباط بين "الفكر والأهداف والرؤى السياسية" والأسلوب والخطة والطريقة الإعلامية في التعامل مع هذا الفكر وتلك الأهداف والرؤية السياسية المحددة وفي لحظة حرجة من لحظات صراع الأمة مع أعدائها وخصومها.
الكلمة الافتتاحية:
في افتتاح الندوة البحثية تحدث الأستاذ أحمد الوكيل رئيس مجلس الإدارة والمشرف العام مرحباً بالضيوف ومتحدثاً عن افتتاح الدورة الجديدة لمائدة الحوار الاستراتيجي في الوكالة، باعتبارها محاولة للفهم الاستراتيجي للتحولات الجارية في عالمنا الإسلامي ضمن حالة الصراع الضاري الجارية على مختلف الصعد، مشيراً إلى أن ندوات الحوار الاستراتيجي هي جانب مهم من نشاط ودور مركز الدراسات الاستراتيجية بالوكالة الذي يحرص على أن تكون ندواته ودراساته وفق نمط علمي مدروس، وبإدراك لمفاهيم الدراسات الاستراتيجية مختلف عن الأنماط التبريرية السائد إنجازها في المراكز الرائجة والذائعة الصيت في المنطقة.
وقال الوكيل: " كانت الفكرة أن نأخذ "حالة" لقاء "محمد حسنين هيكل" على قناة الجزيرة بتاريخ 23-11-2006 كنموذج وحالة بحث في نماذج الإعلام المخطط والمدروس من الناحية الاستراتيجية"، حيث هي تحديداً أحد نماذج الارتباط بين "خطوط مواجهة الأزمات على المستويات السياسية.. و"الخطط" الإعلامية المرتبطة بالخطط السياسية.
وأضاف: "إننا نتعشم ان نقدم نموذج حواري وبحثي لتلك الحالة من خلال ندوة اليوم، وأن نتناول طبيعة التوجهات الإعلامية مع التركيز على "النمط الإعلامي" باعتباره حالة من خلال التخطيط الاستراتيجي، وضمن "خطط" استراتيجية شاملة ومحددة" سواء في مواجهة أزمات محددة أو ضمن إطار استراتيجيات شاملة.
وقال: "هناك – مبدئياً – ملحوظة سريعة نتمنى أن تأخذ حقها في الحوار، ملحوظة قد تبدو عارضة، لكننا نراها غابت عن الكثيرين من الذين تعاملوا نقدياً مع لقاء هيكل المشار إليه.
عندما سئل "هيكل" في حواره على الجزيرة عن صعود الديموقراطيون في الانتخابات وهزيمة الجمهوريين، هل ينظر إليه كهزيمة للمشروع الأمريكي أم دلالة على هزيمة أمريكا؛ دخل "هيكل" إلى الحوار من باب أن هناك فرقاً بين الفشل والهزيمة، وأن الفشل هو ما يدفعك لتغيير السياسات وتغيير التكتيك، بينما الهزيمة تدفعك لتغيير الاستراتيجيات أو الأهداف، في حين أن النقطة التي غابت ونريد توضيحها في الحديث عن المهنية أو كيفية تأثير الخطاب السياسي، أن "محمد كريشان" – مذيع الجزيرة ومقدم الحلقة – في السؤال التالي في الحوار سأل "هيكل" عن الفشل ولم يسأله عن الهزيمة!.
كما لم يكرر مصطلح "الهزيمة" مرة أخرى طوال الحوار وإنما استخدم المصطلح الذي باعه أو نحته "هيكل"، في حين "هيكل" لم يرد على السؤال الأصلي للحلقة وإنما نحت مصطلح آخر كي يمرر من خلاله أفكاره، الطرف المقابل في الحوار "الخصم" تبنى هذا المصطلح بالفعل ولم يسأل عن مشروعيته أو صحته؛ بما يعني أن "هيكل" أثر في المحاور وجعله يدور حول وجهة نظره هو.
وما ألفت النظر له هنا، هو أن تلك الحالة هي مؤشر مهم حول "القدرة من خلال طرق إعلامية" على تغيير جدول التفكير السياسي واتجاهاته، كما هي تلقي الضوء على طريقة "هيكل" حيث هو لجأ إلى "فلسفة" العلاقات بين الوقائع – التي يذكرها هو أو يختزلها هو فيما يريد – ليصنع عالماً صورياً ويصوره واقعاً متكاملاً!
عرض لأفكار هيكل.. في اللقاء
في بداية الندوة، عرض أحمد شعبان "باحث بالوكالة" أهم ما ورد في لقاء هيكل كمقدمة تمهيدية للحوار، فقال:
تناول حديث هيكل عدة قضايا:
1- الانتخابات الأمريكية التي جاءت بالأغلبية الديموقراطية للكونجرس، وكيف ينعكس الأمر على الشئون الجارية في المنطقة، وهل هي مقدمة لانعطافات حادة سوف تحدث في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
أهم تعليقات هيكل على هذا السؤال:
- ما حدث ليس هزيمة للسياسة الأمريكية وإنما هو فشل.
- الهزيمة تقتضي تغيير في السياسات لمدى واسع دون التخلي عن الأهداف، أما الفشل فيقتضي العودة إلى نفس الأهداف ولكن بأساليب جديدة.
ووصل هيكل إلى فكرة "أن الهدف لم يتغير وإنما الوسائل؛ نتيجة انتخابات الكونجرس" واستنتج "هيكل" من ذلك أن الديموقراطيين سوف يتعاونوا مع "بوش" بدعوى الوطنية (واللعب على قضية حساسة يمشون على قشورها بحذر) لكن لن يمنع هذا أنهم سيزعجونه بلجان التحقيق ولجان الاستماع والتقضي.. إلخ
2- إقالة رامسفيلد: قال "هيكل" عن سبب الإقالة: لأنه – رامسفيلد – وقعت عليه مسئولة التنفيذ وفشله كان نتيجة فكره الذي دخل به الحرب والذي رفض كل النظريات التقليدية وبتصور خادع أن العراقيين سوف يرحبون به ففشل في أسلوب الحرب وفشل في الاستعداد بعد الحرب وفشل في تصور ما سوف يلقاه بعد الحرب.
3- أطنب "هيكل" في الفكرة العامة حول الهزيمة والفشل وعلاقتها "بأحجام وقدرات الدول" فأكد على أن الامبراطوريات الكبرى لا تُهزم بضربة قاضية – واحدة – وإنما بتراكم الفشل واستمراره عكس أية دولة صغيرة (وضرب مثلاً بإسرائيل) إذا هزمت في معركة انتهت.
وقال: إنها – يقصد الإمبراطورية الأمريكية – لم تصل لتلك المرحلة بعد والتي هي الإخفاق الدائم الذي يؤدي للسقوط، وأن هذه الفكرة، وبالارتباط مع حجم أهداف أمريكا في الشرق الأوسط تؤكد أن الولايات المتحدة ستدافع عن الاستمرار في المنطقة بكل الوسائل أو على الأقل (بوسائل جرارة) على حد تعبيره.
وفي ذلك أشار إلي أن الإمبراطورية الأمريكية لا تحارب بمواردها وإنما موارد غيرها (نصفها موارد عربية وعراقية) وكذلك تستخدم في حربها جيش من المرتزقة وهي سابقة نادرة – كما يقول – من خلال متابعته باهتمام لقوائم القتلى الأمريكان في العراق إذ هو وجد أن معظم القتلى من الجنود هم من أصول أمريكية جنوبية وإفريقية.
فهي توظف وسائل بعيداً عنها لتحقيق أهدافها، ودون أن تجشم نفسها عناء كبير أو دون أن تلوث ثيابها.
ولقد توقع أن "بوش" سيكون أكثر شراً في العامين الباقيين له في الرئاسة لأنه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة.
4- حول "روبرت جيتس" عضو لجنة بيكر الذي حل محل رامسفيلد.. تحدث "هيكل" عن نظرية أن الرجل يحدد المهمة بمقدار أن المهمة تحدد الرجل الذي يمكنه القيام بها، وضرب مثالاً بصعود (جنرال بوليس) إلى الحكم بما ينبئ بمرحلة قمع.
تحدث عن روبرت جيتس مستعرضاً تاريخه وعلاقته مع الـCIA وتحديداً في فروع العمليات والتنفيذ، وعدد هيكل عدة نماذج لعمليات قام بها روبرت جيتس تتسم بالطابع الإنقلابي في مجملها.
وربط "هيكل" بين تاريخ الرجل واحتياجات المرحلة الحالية لخبرته الانقلابية كوسيلة جديدة للصراع.
5- حول الحوار الجاري بشأن التفاوض الأمريكي مع إيران وسوريا رأى هيكل أن "بوش" يحاول أن يوظفهم لتحقيق أهدافه السياسية رغم ادعاؤه السابق بتصنيفهم من محاور الشر.
6- وفي حديثه عن التجربة الفيتنامية ومدى صحة مقارنتها بالتجربة العراقية قال "هيكل" أنها – تجربة الأمريكان في فيتنام – مختلفة عن العراق، وعدد لذلك الاختلاف أسباباً منها أن جوار فيتنام كان مؤيداً لها على عكس العراق، حيث الجوار كله إما طامع فيها أو متآمر عليها، أيضاً فيتنام – على حد رؤيته – واجهت الأميركان ككتلة إنسانية متماسكة وليست كتلة ممزقة، والأمر الثالث أن المقاومة في فيتنام كانت أكثر ذكاءاً في استخدام الإعلام (وضرب مثالاً بين الفرق في استخدام صورة "الطفلة" الفيتنامية المحترقة بالنابالم وما قاله عن أن ما يعرض في العراق من (جثث مذبوحة) وأيضاً – يضيف – أمريكا لم يكن لها مصالح حيوية في فيتنام في حين مصالحها كلها هنا.
وتطرق إلى نظرية استخدمها "كيسنجر" في الخروج من فيتنام تدعى (الفجوة السحرية).
7- وعن رؤيته المستقبلية للأوضاع في العراق قال "هيكل" أنه لا يخشى من خطر تقسيم العراق، وقال أن الجيش التركي عنده خطة جاهزة لاحتلال الموصل، وأن فشل الولايات المتحدة في العراق لو استمر فسوف يؤثر على المصالح الحيوية لأنها إذا هُزمت في العراق فقد انكشف الخليج كله.
8- وتطرق "هيكل في حديثه إلى الوضع اللبناني، حيث وصف لبنان أنه البلد الجميل الذي يمثل نافذة زجاج معشق وملون في جدار عربي وإذا انفرط الجدار وقعت لوحة الزجاج الجميلة.
9- والقضية الثالثة التي تناولها هيكل في حديثه كانت القضية الفلسطينية حيث تحدث عن الوضع الفلسطيني الداخلي ووصف تحويل قضية فلسطين من صراع سياسي إلى قضية إنسانية بالكارثة الكبرى وأشار إلى تحبيذه فكرة أن تظل حركة حماس حركة نقية بعيداً عن مساومات السياسة.. إلخ.
وذكر في سياق حديثه واقعة أن الصين لم تعترف بإسرائيل إلا بعدما وقعت منظمة التحرير إتفاق أوسلو التي اعترفت بموجبه بدولة إسرائيل.
أسئلة واستنتاجات
وبعد هذا الاستعراض أعطى مدير الندوة الأستاذ أحمد الوكيل الكلمة الأولى في إطار زيادة مساحة التساؤلات وتحديد اتجاهات الحوار في الندوة، كان المتحدث هو الأستاذ محمد يوسف "باحث بالوكالة" فقال:
نبدأ بطرح سؤال مهم: هل هناك فعلاً فرق بين الهزيمة والفشل، الأستاذ "هيكل" شدد على مصطلح جديد (الفشل) في مواجهة مصطلح (الهزيمة)، وباعتبار أن الهزيمة هي تكرار أو تراكم زمني للفشل على عكس الفشل الذي هو فشل مرحلة مؤقتة، وأعتقد أن هذا التعريف غير متداول، ولا أدري إذا كان علماء الاجتماع قد اتفقوا على فروق علمية محددة بين الهزيمة والفشل، لكن في رأيي أن الفشل هو هزيمة جزئية وأنه يقدم مؤشرات على هزيمة حالية ومباشرة، وحتى إذا اتفقنا مع الأستاذ هيكل على أن هناك فرقاً بين الفشل والهزيمة ففي الحالة العراقية نستطيع القول أن القوات الأمريكية تعاني من هزيمة وليس فشل؛ لأنها احتلت العراق في 2003 ومن وقتها وحتى الآن وهي تعاني حالة من تراكم الفشل بالفعل، على الصعيد العسكري والسياسي وعلى مستوى الهيئات والأشكال والمؤسسات التي راهنت عليها لكي "تثبت حالة الاحتلال".
ويبدو لي كباحث ان الأستاذ هيكل إذ أسقط من حساباته كل دور الطرف الآخر في معادلة الصراع الجارية في العراق – أي المقاومة العراقية – فقد كان طبيعياً ألا يصل إلى استنتاجات صحيحة.
هو بالضبط قال أن رامسفيلد وبريمر تمت تنحيتهم بسبب أخطاء إدارية وأنهم لم يستطيعوا التحكم في العراق ما بعد الحرب وأن القادم إلى وزارة الدفاع مختلف عنهم، ولم ير هنا الطرف الآخر.
ولما كانت فرضية البحث العلمي يمكن أن تقود إلى استنتاج آخر وهو أنه سواء كان رامسفيلد أو كان جيتس كانوا سيفشلون، وكانوا سيهزمون من المقاومة العراقية؛ لأن القضية تتعلق بطرفين في الصراع، والمقاومة العراقية حتى الآن تكبد بالفعل القوات الأمريكية وقوات الاحتلال خسائر فادحة في العدة والعتاد.
وكذلك إذ هو لم ير المقاومة العراقية ودورها، فهو لم يلحظ أيضاً أن الديموقراطيون حال فوزهم في الانتخابات قالوا أنهم سيعملون على سحب قواتهم من العراق خلال ستة أشهر.
على أي الأحوال فإن الأستاذ "هيكل" رأى أن الإمبراطورية الأمريكية أو أي إمبراطورية لا تسقط بفعل الضربة القاضية، وتلك مقولة صحيحة ومهمة، لكن لم ير أبعاد أخرى للصراع، ولم ينظر إلى أفغانستان وغيرها، هو لم ير أن أمريكا تعاني من خسائر فادحة في العراق وفي أفغانستان أيضاً، كما هو لم يضع في اعتباره فشل أمريكا في إدارة الموقف الإيراني حيث مازالت إيران ماضية في برنامجها النووي، كما هو لم ير فشل أمريكا في المحادثات السداسية بالنسبة لكوريا الشمالية وبرنامجها النووي حتى وصلت كوريا إلى إجراء تجربة نووية مؤخراً.
إذاً أمريكا تعاني حالة من حالات الاختلال السياسي والعسكري، وحالة من تراكم الفشل والإخفاق، فلم لم يضم هيكل كل تلك المعارك وهو الذي يتحدث عن إمبراطورية وخطة إمبراطورية؟
في محطة أخرى من الحوار يشير الأستاذ "هيكل" إلى أن الجيش الأمريكي المحارب في العراق هو جيش مرتزق.
وهذا أمر غير صحيح على إطلاقه، فنحن نسمع كل يوم أن الجيش الأمريكي يعلن كل يوم عن خسائر في جنوده وهم من حاملي الجنسية الأمريكية، وهم كذلك تعلن أسماؤهم بشكل رسمي على خلاف غيرهم من حامل الـ"جرين كارد" والمهم هنا هو أن الأستاذ "هيكل" أحالنا إلى "مصلحة الجوازات والهجرة الأمريكية" لتأكيد ارتباط الجيش الأمريكي بالولاء الوطني الأمريكي، أو هو تغافل عن الفكرة الجوهرية وهي أن هذا الجيش يسير وفق خطة أمريكية ويقاتل بالتكنولوجيا الأمريكية والمنوط به تحقيق المصالح الأمريكية.
الأستاذ "هيكل" وصف المرحلة الحالية أنها ستكون مرحلة "إنقلابية" وأن أمريكا ستسعى لتوظيف آخرين لتحقيق خططها التي لم تتغير ويقصد سوريا وإيران، لكني أعتقد أن سوريا وإيران ليستا من الغباء السياسي حتى تنشرا قوات لهما في العراق أو تقوما بدور شرطي في العراق لمصلحة الولايات المتحدة وهما يريان التجربة الأمريكية في العراق والخسائر المتتالية، وإذا كانت سوريا أعطت بعض الاهتمام للقضية العراقية وذهب وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" إلى العراق، فهذا مؤشر أنها تكسب أرضاً في رؤيتها حول العراق على حساب الرؤية الأمريكية، التي كانت تقوم على استبعاد أي دور سوري في العراق، وتتهم سوريا بتسهيل مرور المجاهدين.. إلخ.
الأستاذ "هيكل" تناول مسألة أن العراق ليس فيتنام، وطرح عدة عناصر للتفرقة بين التجربتين من بينها إشارته الضمنية إلى أن المقاومة في فيتنام كانت أكثر ذكاء، في استشهاده بصورة الفتاة الفيتنامية المحترقة بالنابالم.
وهنا أثبت مجدداً "واحدية" نظرته، إذ في العراق بشاعة الأمريكان وجرائم الاحتلال الأمريكي، الجثث، والدماء المسالة، أعتقد أن هذه صورة أفظع كثيراً من الفتاة الفيتنامية والمفترض أن تؤثر بشكل أكبر، ونحن نعلم أن المقاومة العراقية ذكية بما يكفي لكشف عورات الاحتلال وجرائمه، وأن المشكلة هنا هي أن هيكل لا يريد أن يرى أن الهيمنة الأمريكية على الإعلام الآن مختلفة عن سيطرتها عليه خلال الحرب الفيتنامية.
في النهاية الأستاذ هيكل في حديثه عن الحالة العراقية وصل لنتيجة هامة، أنه يرفض الهزيمة الأمريكية في العراق، ويقول أن أمريكا لو هزمت في العراق فهذا معناه أن الجيش التركي سيضم الموصل..
أحمد الوكيل: أنت تتكلم هنا عن تقسيم العراق وليس عن الفشل..
محمد يوسف: نعم..
أحمد الوكيل: هيكل كان سئل هل سيحدث تقسيم؟، فقال لا لن يقسم العراقي، مشيراً إلى أن الجيش التركي قد أعطى خططاً للتدخل في شمال العراق لمنع "استقلال" الأكراد بالشمال.
محمد يوسف: نعم، وهيكل أضاف أن هناك دول سوف تتضرر من الفشل الأمريكي في العراق مثل السعودية، وكان واضحاً من سياق حديثه إجمالاً أنه يؤيد بقاء القوات الأمريكية في العراق.
بالنسبة للوضع اللبناني، وصف هيكل لبنان أنها مثل اللوحة التشكيلية الجميلة بها أجزاء تكمل بعضها وتحافظ على رونق الصورة، وهو يشير إلى الفئات والطوائف المتعددة في لبنان، وتحدث عن علاقة البناء العربي بتلك اللوحة، لكنه بالمقابل تجاهل المؤامرات الخارجية على لبنان، والأهداف الخفية وراء اغتيال الحريري ووزير الصناعة اللبناني "بيار الجميل"، وتجاهل عدم انتصار الكيان الصهيوني، وتجاهل عدد من المؤشرات القوية في لبنان والمخططات والأهداف في لبنان وركز فقط على الحرب الأهلية.
وفي كل ذلك يبقى الأمر الأهم في فحوى كلام هيكل، هو أن ما حدث في العراق لم يكن هزيمة أمريكية بل هو نمط من الفشل تسبب فيه رامسفيلد.
لكن هيكل أشار إلى فكرة صحيحة هي: أن الفشل في إسرائيل أقوى من الفشل في أمريكا، لأن إسرائيل ليست إمبراطورية.
هيكل والمصطلحات
وهنا أعطى مدير الجلسة الكلمة إلى الأستاذ محمد عبد الحميد "الصحفي والباحث بالوكالة" ليكمل إبداء الملاحظات النقدية قبل بدء الحوار من قبل الضيوف فقال: بالنسبة لحوار هيكل، فهو بدأ بالمصطلحات، هو حاول أن يخفف [أو يميع] المصطلحات ونثرها لتتسلل في عقول أبناء الأمة، فحين تحدث عن "احتلال العراق" قال "الاستيلاء على العراق" أو "دخول بغداد" ولم يصف ما جرى في العراق بأنه حالة احتلال، بل لتأكيد فكرة أن ما جرى هو تغيير نظام وأن هناك نظام آخر جاء مكان النظام السابق.
خطورة ما يقوم به هيكل من الناحية الإعلامية هو أن يغير في المصطلحات السائدة لإحلال مصطلحات بمفاهيم خادعة أو تشيع حالة من الاستسلام في الأمة.
وأضاف: في الزاوية الإستراتيجية قال هيكل أن الأمريكان حملوا "رامسفيلد" الفشل في إدارة الحرب وهو أمر لا يصمد للمناقشة،، إذ المعروف أن أمريكا لا تذهب لاحتلال أي دولة إلا وتكون ملفات هذه الدولة جاهزة وتعلم ماذا ستعمل فيما بعد وما قبل، ومن ثم فإن هيكل هنا أعطى الأمريكان فرصة جديدة، كما هو سعى لانتشالهم من حالة الفشل عن طريق تحميل فشل الدولة على شخص واحد فقط، ليبقى الكيان الأمريكي بمؤسساته ونظمه خارج دائرة الفشل.
وهو حاول أيضاً تهميش حالة النصر في العراق بالنسبة للمقاومة العراقية، بنفس الطريقة التي سعى فيها إلى رفع الهزيمة من فوق كاهل الدولة الأمريكية، وهنا هو نفى نفياً قاطعاً أن يكون الذي حدث للأمريكان هزيمة.
ملاحظة أخيرة في هذه العجالة:
عندما حاول هيكل وصف إدارة الصراع بعد الحرب قال إن الجيش هو الذي تولى المسئولة كاملة في العراق ولم تكن بقية المؤسسات مسئولة مثل وزارة الخارجية، فهل لهذا دلالات معينة؟
حوار الضيوف:
كانت الكلمة الأولى في الحوار هي كلمة د. عبد العزيز مصطفى كامل الذي قال: بداية فرجل في حجم وخبرة هيكل تراكمت عنده الخبرات والمعلومات والمعارف وتطورت إلى حد كبير عكست هذا الموضع الذي هو فيه: فإنه يضع مصطلحات ويعممها، وهذا حقه في موقعه، ولكنه مع هذا التضخم المتعلق بالتجارب والمعلومات في تقديري مازال عنده ضمور في المفاهيم؛ وسببه قناعاته هو، وبالدقة قناعاته العقدية والفكرية، ومن ضمنها – التي يلحظها أي مراقب الإسلامي – نوع من النكران والجحود لكل ما هو إسلامي، وفي ذلك فهو يستفيد في كل تجاربه الضخمة أن يضيفها لمعلوماته القومية، فهذه الأمة – حتى من المنظور القومي – عندها أشياء عظيمة وأن الإسلام هو أساس حضارتها وبدونه أي مفاهيم أخرى لا قيمة لها.
ومع ذلك أقول يستفاد في الجوانب التي عند هيكل، لأنه من المفترض أننا كإسلاميين لنا رؤيتنا المستقلة، والتي تعتمد أيضاً على الاستفادة من خبرات الآخرين وتنقيتها وتصفيتها من خلال مفاهيمنا الصحيحة.
نقطة أخرى متعلقة بأصل الموضوع: أنني لاحظت أن هيكل أجاب على سؤال على غير ما يقصد السائل، وهو كذلك خلط بين الهزيمة والسقوط، هو افترض أن السائل يسأله "أمريكا سقطت أم لا" فأخذ يجيب بأن أمريكا لم تسقط، وكل هذا لكي يهرب من أن أمريكا هزمت فعلاً على يد المقاومة العراقية الإسلامية السنية، مع أن محمد كريشان "مقدم الحلقة"، لم يسأله من الأصل هل أمريكا سقطت أم لا، لا أحد يسأل هذا السؤال أصلاً.
لكن حتى بمعنى الهزيمة وحسب مصطلحه أيضاً نفهم أن تعدد الهزائم يوصل لسقوط، حتى الكيان الإمبراطوري يهزم في عدة معارك ثم في الأخير يسقط، هو جعلها تراكم الفشل يؤدي للهزيمة، لا، هذا ليس صحيحاً.
ومع ذلك حتى بمفهوم الهزيمة فإنه نفسه له كلام سابق – وهذا من متناقضات هيكل – جاء في لحظة تجلي حيث قال: "أن المقاومة في العراق أياً كانت – ولم يسمها إسلامية أو غيرها – (كعبلت) المشروع الأمريكي"!.
هناك جزئية أتفق مع هيكل في توقعاته فيها، وهي متعلقة بالوزير الجديد "روبرت جيتس" لو صح توصيف هيكل له من خلال استعراض تاريخه وفي ذلك يمكن أن نصفه بـ(وزير الفتن) بعد وزير آخر نصفه بـ (وزير النهب)، وفعلاً مثلما قال هيكل أن "جيتس" رجل المرحلة حسب تصوري، رامسفيلد جاء لينهب رجل شركات بترول وبيزنس ظنها رحلة سريعة ويجني ثمرتها بسرعة وحسابات الحرب كانت بالنسبة له أسهل مما تصور.
أنا قناعاتي – وأشرت لها في كتاباتي الأخيرة – أن المرحلة القادمة بالنسبة لأمريكا حتى تجهض هذا النصر الذي صنعته المقاومة بتوفيق من الله عز وجلْ , أن تغرق المنطقة في أتون الفتن، وهذا الرجل بهذا التوصيف المختصر الذي ذكره هيكل يبدو رجل هذه المرحلة، والخوف أن تبدأ أمريكا ممارسة عملية الأرض المحروقة لكن بشكل آخر، من خلال رقعة الحرب المذهبية الطائفية في العراق، ويبدو أن مقدمات هذا الأمر قد بدأت من خلال توسيع ما يمكن أن يسمى تجاوزاً من خلال الهدف الامريكي المعلن بتشكيل ما يسمى (الحلف السني الأمريكي) , الذي هو طبعاً ليس سني بالمعنى الحقيقي بل زور وبهتان، لكن أمريكا تريد أن تجلب مصر والأردن وغيرها وتجمع حلف سني في مواجهة الحلف الشيعي، ومن خلاله تبدأ ممارسة دورها في مرحلة الفتن القادمة.
الإعلام.. وعلم الاجتماع الغربي
وكان التعليق البحثي الثاني هو للدكتور محمد مورو، الذي قال: المسألة فيها شق مهني وشق سياسي وشق منهجي، وبداية عندما يتعامل الشخص مع نص أو حوار أو خبر يجب عليه أن يرى خلفياته، يعني بالنسبة لحوار هيكل مع كريشان في الجزيرة، يجب أن نعرف من هو هيكل؟ علاقته بالأمريكان، علاقة بالمقاومة، علاقته بالأمة، تاريخه، أيضاً يجب أن نرى ماهي الرسالة التي يريد أن يقولها، ولماذا جاء في هذا التوقيت.
أيضاً المنهج الذي استخدمه، ومنهجه أساساً في تناول أي ظاهرة، هل هو منهج فيه بعد غيبي إيماني أم لا، يعني هل فيه إدراك لمدد الله أم هو منهج مادي جداً، واستطرد قائلا: أنا لست ضد المادية بالمعنى هذا، لكن مع الأخذ بالمادية مع الغيبية، كقول سيدنا أبو بكر رضي الله عنه نأخذ بالأسباب حتى يقال أنه لم يترك للتوكل شيء، ونتوكل على الله حتى لا يقال أنه لم يترك للأسباب شيء، الاثنين معاً.
هيكل في مشكلتة الأولى أنه يستخدم أدوات علم الاجتماع الغربي ويطبقها على المنطقة وهذا خطأ علمي , إذ هو لا يدرس الظاهرة من داخلها ويستفيد بها وبالتالي يستخلص نتائج صحيحة.
وكنموذج عملي في التحليل , فحينما أتكلم عن رامسفيلد، لا ينفع هنا أن أقول أن رامسفيلد أقيل لخطأه في التنفيذ، حيث رامسفيلد هذا يمثل المحافظين الجدد وهم أصحاب مشروع إمبراطوري، النتيجة الأولى المتوقعة من أي باحث محترم تقول: معنى أن يفشل رامسفيلد أن يكون المشروع الإمبراطوري الأمريكي هُزم استراتيجياً، يعني لم يعودوا يحلموا بالإمبراطورية، أي أن المقاومة العراقية السنية تحديداً منعت قيام الإمبراطورية الأمريكية، هذه حقيقة واضحة كالشمس، الأمريكان أنفسهم – في مسألة الهزيمة والفشل – تُرى أي مصطلح استخدموه عندما وصفوا الكارثة التي هم فيها، يقولون عنها هزيمة أم فشل؟.
وهنا أضاف د.محمد مورو: أن لعبة التوصيفات الخادعة هذه ليست طريقة جديدة على هيكل للهروب للأمام وسحب رصيد الثقة من الأمة، ومنع الناس من الإفاقة، ومنع الناس من إدراك عناصر قوتها وعناصر ضعفها الحقيقة.
في عام 67 تحديداً سقط المشروع القومي العلماني وانتهى. وإذا كان المشروع العلماني الليبرالي سقط في 48 ، فان المشروع العلماني اليساري والقومي سقط في 67 ليصبح البديل الطبيعي جداً المشروع الإسلامي، لكن [هيكل] لم ير فيما جرى أي سقوط للمشروع فقال عن هزيمة 67 "دي نكسة مش هزيمة".
أنا في رأيي أن كلمة (الفشل) أصعب من كلمة (الهزيمة)، إنما هو يريد أن يدخلنا متاهة: هل هذا الذي حدث للولايات المتحده في المنطقة فشل أم هزيمة، وما تعريف هذا وذاك والفرق بينهما.
لغوياً ونفسياً الفشل أشد من الهزيمة، إنما هناك نقطة غائبة، كل الصراعات لا تنتهي نهاية كاملة قاطعة ، لا يوجد صراع يحسم أبداً، مثلاً الصراع بين الهند والصين على شيء له ألف سنة، الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية له 1400 سنة، الصراع بين إنجلترا وفرنسا مازال، لا يوجد أحد يحسم المعركة نهائياً، وبالتالي نلغي كلمة الهزيمة والنصر من قاموس العالم ونستخدم الفشل والنجاح.
دور هيكل
أنا بالنسبة لهيكل يجب أن أضع في اعتباري الآتي:
هيكل رجل نشأ قبل الثورة، أخذ جوائز من الملك، مدح الملك كثيراً جداً، كان على علاقة قوية جداً بالأمريكان ومصطفى أمين وعلي أمين، (طبعاً أنا لا اتهم أحداً هنا).
لكن يجب أن نضع هذا في اعتبارنا، بل إن السؤال المهم هنا هو: لماذا استدعي في هذه اللحظة التي تعيش فيها الولايات المتحدة هذه الحالة الكارثية؟ إن كل المرات التي استدعي فيها كانت ذات دلالات حاسمة تظهر توجهاته ودورة.
عقب وفاة عبد الناصر ألف كتاباً اسماه (عبد الناصر والعالم) قال فيه إن "عبد الناصر كان يتلقى هدايا من التفاح من إيجال يادين" لماذا؟، هيكل يبرر ويقول: "لأنه كان يتعلم من إيجال يادين كيف يقاوم الإنجليز"!!، يعني هو يريد أن يتعلم كيف يقاوم الإنجليز حين يعود لمصر.
الوكيل: أثناء حصار الفالوجة تقصد.
محمد مورو: نعم أثناء حصار الفالوجة في فلسطين، فاليهود لهم تجربة في إخراج الاحتلال الإنجليزي من فلسطين (حسب كلام هيكل) ، ماذا يريد أن يقول من هذا؟ يريد أن يقول أن عبد الناصر نفسه لم يكن يقاطع الإسرائيليين ومن الممكن أن يكون هناك تطبيع، أي يؤسس مبكراً لمرحلة السلام!.
عندما مات السادات قال في (خريف الغضب) أن السادات هذا شخص معقد لأنه أمه كانت سوداء وعنده عقدة النجومية، فيريد أن يقول أن العيب ليس في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي استخدمها السادات ويمكن أن تعيش بعده بشخصيات أخرى، أي أن العيب في العقدة وليس في السادات، هذا كلام خطير يسحب رصيد الثقة من الناس.
في كتابه (مدافع آية الله) يريد أن يقول أن الحركة الإسلامية يمكن أن تصل للسلطة لأن عندها مدافع لكن ليس عندها مشاة فلا تستطيع أن تحكم.
المسألة واضحة شديدة الوضوح، عندما كان يقول في الحوار الذي نناقشة ليس هناك شيء اسمه هلال شيعي، ولا مشروع شيعي، فماذا يعني هذا القول ؟ ولماذا هذا الانكار بالذات الآن ؟ وما علاقة هذا القول بفكرة "الحوار الامريكي الايراني" ؟ وهنا أشير أنه حتى لو كان ملك الأردن هو الذي قالها، فبصرف النظر من قالها، فإن فكرة الهلال الشيعي والمشروع الشيعي هو كلام صحيحاً , ونحن نأخذ الكلام الصحيح من أي طرف، نحن نعامل هيكل نفسه بهذه الطريقة فهو قال كلاماً صحيحاً في الحوار عندما طالب حماس أن تظل رمز، نعم نحن معه أن تظل حماس رمز، لكن ما يجب ان نفهمه هنا في طريق هيكل هو انه يقول معلومات صحيحه لتسريب المعلومات الخطأ والاستنتاجات الأشد خطأ، وقد يصل الى درجة المغالطه وأساليب الكذب.
وكنموذج للمعلومات الكاذبة في حواره الأخير هو ماقاله مثلا: "أنا اللي عرفت عرفات على عبد الناصر" ما علينا، هو دائماً شهوده أموات، عبد الناصر وعرفات مات من نسأل؟ خلاصة هو الذي عرف الاثنين على بعضهما، إنه يريد أن يزيد في قيمته الإعلامية، وطبعاً الجهاز الإعلامي الأمريكي هو الذي ساعد في صناعة ظاهرة وإبرازه، وهو من جعلنا نقول الأستاذ هيكل وعشرات الصحف تنقل حديثه تحت عنوان "الأستاذ يقول" كأنما هو النموذج الأعلى للمحلل والسياسي، مع أن الحقيقة أن دوره مريب على المستوى الاعلامي.
الشعر السياسي
ماذا يريد من حواره الأخير في الجزيرة، من الناحية السياسية. لنبدأ بايضاح قراءتنا للاحداث:
لقد خرجنا من متابعة المسألة العراقية أن المقاومة السنية نجحت في هزيمة المشروع الإمبراطوري الأمريكي، ولذلك أمريكا غيرت استراتيجيتها فعلاً وتسعى الآن لتتواجد في المنطقة بشكل أو بآخر إنما بعيداً عن المشروع الأمريكيالذي حاولت فرضة بالقوة.
سقوط رامسفيلد بما أنه مؤشر على الهزيمه باعتباره أهم رموز اليمين الأمريكي، وقبله ريتشارد بيرل الذي قال: "أمريكا هزمت في العراق والمشروع الإمبراطوري الأمريكي هزم وإحنا غلطنا".
في نفس الوقت كسينجر – حكيم الغرب – قال: أمريكا لم تنتصر وهذه هزيمة للغرب كله، وضربة لمنجزات الغرب في 200 سنة، أي أنه يعتبر أن هذه هزيمة استراتيجية.
نفس الأمر جاء في تصريحات "جاك شيراك" رئيس فرنسا اعترض على دخول أمريكا وإنجلترا العراق بسبب خلاف المصالح، لكن لما رأى المشروع الغربي كله يهزم قالت , لا أنا أريد المشروع الغربي ينتصر ولا أريد المقاومة تنتصر.
وما يهمني هنا وكفكرة عكسية لما قاله هيكل , هو أن الأحداث أثبتت أنه يمكن لأمة صغيرة أو جماعة صغيرة وحتى لو كان المحيط بتاعها معادي، يعني ضدها الأكراد وضدها الشيعة وفيه خيانات من الشيعة ومن الأكراد وهناك دول محيطة بها ضدها أيضاً أو على الأقل غير متعاطفة حتى، فهناك جزء من العراقيين ممكن أن ينتصر على الأمريكان، وجزء من اللبنانيين ممكن أن ينتصر على الأمريكان، معنى هذا أن أمريكا دولة هشة، هي في الحقيقة دولة هشة، أو بمعنى آخر نريد أن نصل أن: أمريكا ممكن تهزم جيش، ممكن تهزم دولة بسهولة، لكن لا تستطيع أن تهزم مجتمع أو تهزم شعب أو تهزم جماعة، وأن حرب المقاومة الشعبية اعتماداً على العقيدة الإسلامية – وهيكل ضرب العقيدة أيضاً في حواره هذا – لا يمكن هزيمتها، هذه سنة الله سبحانه وتعالى، أروني مرة قاتلنا ولم ننتصر، في حرب السويس خرج الشيخ "حافظ سلامة" انتصر على اليهود، المقاومة الشعبية في كل مصر انتصرت على الحملة الفرنسية، ليس الجيش بل المقاومة.. في كل مرة نقاتل ننتصر، لكن لا نقاتل جيش ضد جيش؛ لأننا أضعف تكنولوجياً هذه هي الحقيقة ويجب أن نعترف بها لكن عندنا وسائل أخرى للقوة تحيّد هذه التكنولوجيا هي الحرب الشعبية، حرب المجتمعات، واليوم في فرنسا هناك كاتب فرنسي قال: حرب المجتمعات أمريكا غير قادرة عليها، والغرب كله غير قادرة عليها، أنا قلت هذا المصطلح قبله في الحقيقة، لكنه قاله وانتشر.
هيكل لا يريد هذا التراكم ينمو عندنا ,ويريد أن لا تتكرس رؤية باننا يمكن أن نهزم أمريكا , هو لا يريد يوم يقال فيه أن أصغر مدينة مسلمة في العالم الإسلامي تستطيع أن تهزم أمريكا في أسوأ الظروف ( كما هو حال الفلوجه مثلا ) , حيث أن قراءة أوضاعه المقاومة الاسلامية في العراق تشير إلى أنها تقاومة في أسوأ من ظروف المقاومة العراقية حيث قيادات الشيعة خانوا قيادات الأكراد خانوا والشعوب العربية مكبلة ومع ذلك نجحت المقاومة الاسلامية في الصمود والانتصار، أسقطوا طائرات وضربوا دبابات وحققوا خسائر بقوات الاحتلال الأمريكي ليس لها أول من آخر رغم أنهم يجاهدون وسط هذه الفتن، وهذا يعطينا ثقة في أنفسنا في نصر الله ، وهيكل يريد سحب رصيد الثقة هذا.
هيكل يرد أن يقول: عندما نحلل لا تتكلموا عن الأمة أو العقيدة أو المقاومة، أمريكا فشلت لأن رامسفيلد أساء التنفيذ وأتى بجيش صغير، وهذا كلام غير صحيح.
والرسالة الثانية من هيكل: أنه يريد إخافتنا أن القادم ألعن، وهذا غير صحيح ايضا، القادم ليس ألعن، لأن "روبرت جيتس" كيف قدمه هيكل؟ قال أن هذا رجل مريب وبتاع مخابرات وبيعمل فتن لكنه لم يبرز ، طب ما "نجروبونتي" الذي عمل سفيرا لامريكا في العراق هو ألعن من "روبرت جيتس" وجاء وفشل، يعني هذا النموذج جرب بالفعل , وفشل ثم أتوا بـ"خليل زاده"وهو يشهد قمة الفشل , يعني كل الأنماط جربتوها وفشلت.
ثم يزعم هيكل – كمبرر لشراسة بوش في الفترة القادمة – أنه لن يدخل الانتخابات، من قال هذا؟ هيكل هنا يعمد الى لعبة خلط , اذ هو يبرز " الشخص " للتعمية على المؤسسصة , حيث اذا كان بوش لن يدخل الانتخابات فان الحزب الجمهوري نفسه – حزب بوش – سيدخل الانتخابات، وبالتالي سيضغط على بوش حتى لا يصل بالهزيمة في العرقا الى حد الكارثة فيخسر في الانتخابات القادمه يخسر الانتخابات، فليس معنى أن "بوش" لن يدخل الانتخابات القادمة انه لذلك سيفعل ما يشاء فالمسألة ليست بهذه الطريقة.
ما الذي تجاهله هيكل
يجب أن نلاحظ في هيكل أمر هام جداً، فهيكل لا يقول شيء، في رأيي أنه محلل سياسي رديء جداً ولا يقول شيء قاطع ، بل يقول كلام عام ينفع لأي شيء , فهو يقدم بعض الاقول المبهرة البراقة ويقول بضع معلومات صحيحة ثم يخرج باستنتاجات مفادها فكرة واحده .. هي الرسالة التي يريدها ، يمكن أن نفهمها من أن هيكل لم يأت مرة إلا إذا كان مستدعى لصناعة رسالة محددة لصالح الأمريكان.
ولما كان الأمريكان والإسرائيليين لن ينتصروا إلا إذا قررنا أننا لن ننتصر وإذا قررنا أننا لن نقاتل، إذا خفنا من البداية وانسحبنا، فهم يعرفون هذه الحقيقة جيداً فيرسلون شخصاً يقول لنا "يااخونا مفيش داعي، مفيش فايدة، وأوعوا تثقوا في نفسكم".
لتجاهل "هيكل" المقاومة السنية فلذلك الى الوقت الذي قال هيكل أنه لا يوجد مشروع شيعي، غريبة! هيكل يدافع عن إيران!، إذن أمريكا تريد من إيران أن تلعب دور معين، دور قذر، هيكل بالمناسبة من الشخصيات التي حين تأخذ موقف تفهم أن الموقف الصحيح هو العكس لكن هذا ليس دائماً طبعاً، عكس هذا الكلام هو الصحيح وهو المقصود.
الحقيقة أن هيكل ليس مكشوفاً لنا وحدنا، هناك أُناس كثيرين كشفوه، بل كتبوا قصائد هجائية وشعر (نجيب سرور وأحمد فؤاد نجم).
يعني رجل مكشوف منذ البداية، وحتى العلمانيين أنفسهم، فؤاد زكريا ألف كتاب اسمه (كم عمر الغضب؟) عن هيكل أيضاً، وأنا أيضاً ألفت كتابة منذ قرابة 20 سنة اسمه (مفتريات هيكل في خريف الغضب) وأسميته [هيكل] "كاهن اليأس" لأنه لابد دائماً أن ينقل لنا رسالة إحباط ويأس في كلامه.
المنهج
بقي جزء المنهج عند هيكل، إذ يستخدم منهج غربي أو هو يفكر بالأسلوب الغربي وفي ذلك فان المقياس في النصر والهزيمة والتقدم والتأخر هو المقياس الغربي، وهذا أمر خطير جداً يجب أن ننبذه، ويجب أن نبتكر لأنفسنا علم اجتماع إسلامي يحدد ما معنى التقدم الحقيقي، وما معنى النصر الحقيقي، وما معنى الهزيمة الحقيقية، ويدخل في المسألة بعد الغيب، وأن الله عز وجل عنده مدد يمدنا به والمدد , وهو أمر واضح جداً في حالات المقاومة الإسلامية الجارية الآن , فالمقاومة العراقية نشأت في ظروف صعبة جداً في محيط معادي جداً، في ظرف دولي وإقليمي غير مواتي بالمرة وكانت في القطاع السني وفيه جزء من السنة خانوا أيضاً وبرغم ذلك انتصرت المقاومة على الكتلة الغربية مجتمعه.
نفس الكلام – بصرف النظر عن رأينا في الشيعة وهو مذهب سيئ للغاية – حزب الله برغم أنه بمفرده انتصر في لبنان، أو على الأقل لم يسمح لإسرائيل بتحقيق أهدافها ضده, أما المقاومة الفلسطينية أيضاً صمدت صموداً مذهلاً لا يمكن فهمه إلا بالغيب وبمدد الله عز وجل. شكراً.
الوكيل: جزاكم الله خير يا دكتور محمد، لقد أتعبت من بعدك فلن يستطيع أحد التعليق مثلك، وأحطت بالموضوع، يتفضل الدكتور بسام.
د. بسام الزرقا: المصطلح والمقياس
وكانت المداخلة الثالثة للدكتور بسام الزرقا الذي قال: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الجزء الذي سأركز فيه هو الجزء الذي قيل في بداية الندوة، وهو الجزء المتعلق بمحاولة نقل الخبرات وتدويرها مع الشباب، لذلك أنا لن أتكلم في قضية العراق أو لبنان إلا كمثال لهذا الجزء.
أمامنا حوار هو التعبير الطبي مثل جثة نشرحها لنفهم، سنتكلم في مسألتين: مسألة المصطلح، لأنها مسألة مهمة جداً جداً.. في العمل الإعلامي والشرعي.
المسألة الثانية: المقياس.
بالنسبة للمصطلح: هيكل تكلم أثناء 67 وقال هزيمة 67 ليست هزيمة ولكنها نكسة، مع أن كلمة نكسة أشد من كلمة هزيمة، لكن دخلنا في الجدل هل هي هزيمة أم نكسة وتم تفريغ الموضوع من محتواه.
أيضاً من المصطلحات التي تستخدم عندما كان يتكلم هيكل عن 67 التي فقدنا فيها سدس مساحة مصر ، كان يقول "صحراء سيناء" ليجعلها حقيرة، مجرد صحراء!
البناء الأيدلوجي هو أساس التحليل، نقطة التحليل الأساسية أي الخلفية الأيدلوجية للشخص المحلل , هو ما يعطينا إلى أين يريد الوصول بي.
هيكل ينتمي لأي مدرسه هو له توجه، وتوجهه قومي، وهو يعتبر نبي القومية العربية في مصر.
التوجه القومي كمشروع ما هي أخطر شيء عليه؟
و المشروع القومي سقط بسقوط البعث في العراق وعبد الناصر في مصر , فظهر البديل الموجود الآن وهو المشروع الإسلامي، لذلك أي شيء فيه إسلامي يجب أن تحول إلى صحراء سيناء.
في مسألة المصطلح، فإن الإسلام والقرآن يعلمنا أن المصطلح مهم جداً، {لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: من الآية104]، ما الفرق؟ نعم يوجد فرق، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث صحيح: (لا يقل أحدكم خبثت نفسي وليقل أحدكم قلصت نفسي).
لماذا الإصرار على المصطلحات، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تغلبنكم الأعراب على تسمية المغرب – كانوا يسمونها العشاء الأولى – ).
لماذا؟ لأن المصطلح حين ينحت يتحول إلى قضيب، فإذا وضعنا القطار على القضيب فان من يقود القطار هو القضيب لا السائق على المستوى الفعلي.
هيكل يضع مجموعة مصطلحات فهذه المصطلحات تقودك إلى وجهة.
المفترض أن محمد كريشان مذيع الجزيرة إعلامي من الطراز الأول لم يسأل هيكل ما الفرق بين الهزيمة والفشل، هيكل نحت له القضيب فسار عليه.
الإعلامي المسلم لا يُرسم له قضيب يمشي عليه، بل من الأساس هو له قضيب.
الميزان، الميزان مسألة مهمة جداً لتقدم العلم، بدون الميزان يفشل العلم، وبدون الميزان يفشل العلم.
{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:7]، إذن لابد أن يكون عندي ميزان، بدون الميزان ستفلت الأمور منك.. طيب ليس عندي ميزان أصنع ميزان لنفسي وأقيس به، فكلمة النصر والفشل حاكمناها كمصطلح، وسنحاكمها كميزان، ماذا يعني نصر وهزيمة وفشل؟ نريد أن نضع الميزان، هل تقصد الهزيمة أو الفشل عسكري، أم تقصده سياسي؟
تضع موازينك من خلال مجموعة أسئلة.
سأعطي أمثلة فيها نقد للذات ونقد للآخرين، حرب 73 في أغلب المراجع الأجنبية منصوص فيها أنها الحرب التي هزمت فيها إسرائيل العرب، ستقول لي أننا انتصرنا في 6 أكتوبر!، لو رجعت لدوائر المعارف ستجد أن المنتصر هو إسرائيل!
حرب أخرى، لبنان، حزب الله ضد إسرائيل، بتوع 14 آذار يقولوا لم يحدث شيء، لكن حزب الله تحول إلى أسطورة.
مثال منا نحن، ستجد الكثير من كتابنا الإسلاميين يقولون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهزم في أحد، طيب وماذا بعد؟ حسناً، نحن نحتاج لمقياس للنصر والهزيمة، مقياس قابل للتطبيق والمقارنة.
هنا تدخل مشكلتنا في العلوم الإنسانية، الخلط بين الموضوعي والقيمي، الموضوعي: هو ما يمكن قياسه بالحواس الخمس للإنسان، القيمي: لا يقاس بالحواس، القيمي مثل عيب وغلط وحرام "وما يصحش"، القيمي له مقاييس أخرى.
المشكلة أننا نستخدم مقاييس قيمية لأشياء تحتاج لمقاييس موضوعية.
التضليل الإعلامي في النصر والهزيمة
الحرب والهزيمة في الحرب للأسف مقاييسها ليس على الأرض وليس في الحرب وليس في المعارك العسكرية، وهذا هو التضليل الذي عمله هيكل.
إنما الحرب هي في حقيقتها إحدى الأدوات السياسية لفرض الإرادة، إذن المقياس ليس قتل كم جندي وضرب كم طائرة ودبابة، نرجع للأصل؛ لذلك يقول أهل السياسة: "الإستراتيجية والدبلوماسية وجهان لعملة واحدة"، وهي هنا معناها الحرب، فهم يقصدون "الحرب والدبلوماسية – وهي الاستخدام السلمي للسياسة – وجهان لعملة واحدة".
أي أنا أريد تحقيق إرادتي، إما بالحوار والتخاطب والدبلوماسية، أو بالقوة.
تعريف الحرب عند السياسيين: "هي استخدام العنف المنظم للوصول لحالة أفضل من السلم"، بمعنى أن وظيفة الـ ..... هي الوصول إلى حالة من السلم – تكون أفضل – ، فإذا لم أصل لحالة من السلم باستخدام الحرب أكون فشلت.
نريد تطبيق، الحرب العالمية الثانية، إنجلترا بالمقياس العسكري انتصرت، لأن قوات الحلفاء دخلت وقسمت برلين، لكن سياسياً إنجلترا تحولت من دولة عظمى إلى درجة ثانية بعد الحرب العالمية الثانية، إذن هي عسكرياً انتصرت لكن بالمقياس الأعلى هزمت وتولى الأمر قوة أخرى، لذلك أحياناً يكون هناك نصر من الهزيمة، مثالها القديس يوحنا، كانوا موجودين في جزيرة قبرص في البحر أو كريت فالعثمانيون هاجموها والجيش العثماني لم يستطيع أن يحتل الجزيرة لكن حجم الخسائر التي وقعت في صفوف قوات القديس يوحنا لم تجعل له قيام من بعد.. فالعسكريين العثمانيون هزموا وسياسياً انتصروا.
نابليون حينما دخل روسيا وكانت هزيمته المدوية صك عملة ذهبية تشيد بانتصاره على روسيا، هنا دخلنا في "ألاعيب" الإعلام.
نرجع هنا إلى مقياسنا الحقيقي، قلنا أن الحرب أداة مع الدبلوماسية مع السياسة، ماذا تعني السياسة، السياسة هي "فن فرض الإرادة"، أنا عندي إرادة أريد فرضها على مجتمع، على دول، على جماعات، إذا استطعت أن أفرض إرادتي أكون نجحت سياسياً، فرض الإرادة في علم السياسة شيء أعلى من الإقناع أو استخدام القوة العاجلة، إنما هو الاستخدام والتوظيف الأمثل للقوة سواء كانت ناعمة مخفية بالقفاز أو واضحة باطشة لفرض الإرادة.
إذن أمريكا تريد أن تفرض إرادة معينة في منطقتنا من أجل الوصول إلى أهداف معينة، هذه الإرادة كانت تفرض في الماضي بالدبلوماسية أكثر من القوة العنيفة المنظمة أو الحرب، وجدوا أن هذا لن يحقق نجاح الخطة وأن المفروض أن يكون التسارع أسرع فنزلت مجموعة يسمونهم – تدليساً – المحافظون الجدد، هم ليسوا (المحافظين الجدد) هم (الاستعماريون الجدد)، الفكر استعماري تقليدي، الذي يستند على الغزو بالقوة وإقامة الأمر الواقع على أسنة الحراب، كانوا يسمونها دبلوماسية البوارج الحربية، البارجة تدخل إلى الميناء وتضع المدافع وتطلب من أهل المنطقة أن ينفذوا ويجب أن ينفذوا.
أمريكا تجاوزت مرحلة المدافع الموجهة ونزلت بقواتها على الأرض.
وكانت تريد أن يكون العراق نموذج، فماذا حدث؟ الذي حدث هو ما اعترف به الجميع (بما فيهم هيكل): أن المقاومة الإسلامية أسقطت المشروع الاستعماري.
هل أمريكا استطاعت أن تفرض إراداتها ؟ إذا استطاعت أن تفرض إرادتها وفي سبيل ذلك سقط منها مائة طائرة فإنها انتصرت.. لم تسقط منها ولا طائرة لكن لم تستطيع فرض إرادتها فقد فشلت.
نعود للمقياس مقياس النصر والهزيمة هو (فرض الإرادة).
مَن فرض الإرادة في العراق هذا هو السؤال، ما هي الإرادة الأمريكية، وهل نجحت أم فشلت؟
إذا كانت قد نجحت في فرض إرادتها بوجود نصف مليون عسكري، فهذا انتصار، حتى لو لم يمت لها جندي واحد.. وإذا لم تفرض إرادتها فهذه هزيمة، وهكذا يكون الحوار والتحليل في هذه المسألة.
ماذا تريد أمريكا؟
أمريكا تريد الوصول لما يسمى "السلام الأمريكي"، وهذه مراحل نادرة في التاريخ الإنساني لم يعرف قبلها غير السلام الإنجليزي، والسلام الأمريكي يقوم على وجود قوة واحدة مهيمنة لها إرادة عالمية تفرضها، القطب الواحد، لأننا عندنا أشياء اسمها موازين القوى والنسق، وهذا نتوء شاذ في التاريخ، وأمريكا تريد الوصول لهذه الدرجة العليا.
(بيكس أمريكانا) ما معناها؟، قلنا أن السياسة (هي فن فرض الإرادة) وتعريف آخر (هي فن استخدام القوة لفرض الإرادة)، لنجعله أكثر رقياً (هو فن معالجة القوة لفرض الإرادة)، ماذا يعني معالجة القوة، أي أنني لن استخدم قوتي بل استخدم قوة الآخرين لتحقيق الهدف، وهذا ما أشار إليه هيكل.
ليس شرط أن هيكل يمارس الدجل عليّ أن أرفض الخير الذي جاء به.. فهو تكلم في أمر في منتهى الخطورة، هو قال أننا ضيعنا أنفسنا لأننا بعنا قضيتنا، هو لم يقلها صريحة هكذا، بل قال إن الصين لم تعترف بإسرائيل إلا بعد أن اعترف بها عرفات، فلا تلوم الصين ولكن لوم نفسك والأوراق التي سلمتها لعدوك ليوظفها ضدك.
أمريكا تريد في طريق الوصول إلى (بيكس أمريكانا) هناك قوى موجودة حولها، مثل الصين والهند، هناك قوة مهددة مثل روسيا، هناك قوى حليفة وفي نفس الوقت منافسة مثل أوروبا المتحدة، إذن كيف تنفرد أمريكا بشرايين القوى، وأحد أهم شرايين القوى البترول، إذن في الحرب العالمية الأولى كان الأمريكان مغفلين هم من جاءوا بالنصر للحلفاء وتركوا لهم البترول. في الحرب العالمية الثانية تشرشرل قال عندما سألوه: "سنعطي للروس في ألمانيا المناطق الزراعية، ونحن نأخذ المناطق الصناعية، والأمريكان سنعطيهم المناظر الطبيعية". تحولت أمريكا الآن من مشروع فيه شيء من المثالية الأولى إلى استعماري خبيث، فلكي تسيطر لابد أن تمسك البترول ولكي تمسكه ما العائق ؟ أن تنشأ قوة حقيقية تستفيد من موارد البلاد، فلابد من إيجاد قوى متحالفة تكون مصالحها متداخلها مع الغرب أكثر مع شعوبها وتكون هي الطبقة المسيطرة و"شايلني وأشيلك" وتكون القاعدة مثلما يوزع شيخ المنصر.
إذن ما الذي يعوق هذا المشروع؟ سأستعير هنا جملة في الوثائق البريطانية تتكلم عن والحركة الوهابية في الجزيرة العربية – أقصد الوهابية الثانية وليست الأولى – يقول التقرير: (وإن الآن في نجد حركة جديدة أصيلة ليست من تلفيقاتنا)، السياسية الإنجليزية تأتي بلاعبين على المسرح وتجعلهم يتشاجروا مع بعضهم وتصنع العدو، سعد زغلول هم من اختاروه وزوجوه من ابنة مصطفى فهمي رجل الإنجليز الأول وأصبح هو المناضل باسمنا ضد الإنجليز، فالتقرير الإنجليزي يقول أن هذه قوى جديدة ليست من تلفيقاتنا، إنما القوى الموجودة الآن هي قوى ملفقة. ما الخطر على تلك القوى الملفقة؟ الإسلام. إذن المشروع الأمريكي لكي يتحقق في المنطقة يجب أن يذهب الإسلام الحقيقي وينشأ بدلاً من الإسلام الأمريكي الذي تقول عنه "شارلي بنتر" وأرجو يكون الاسم صحيحاً: "ليس من السهل صناعة دين جديد"، إذن لابد أن ينحى الإسلام.
المشكلة عندهم أنه لا يوجد انتصار تحصده الأمة الآن إلا تحت راية الإسلام.. الذي يتم في فلسطين، ولبنان وحزب الله المبتدع الضال وفي النهاية في نظر الجماهير الإسلام بغض النظر إذا كان متوافق أو مخالف.
فأصبح اليوم المشروع الإسلامي هو المشروع البديل، سأنقل الآن حاجتين في منتهى الخطورة، ومنشورة على الشبكة الدولية للإنترنت.
هناك تقرير مترجم وضعته الـCIA مع مجموعة من كبار صانعي السياسة وخبراء السياسة في العالم مشروع ضخم جداً شاركت فيه الـCIA و"بريتش بتروليو" وجهات عليا جداً في كل أوروبا، يقول ما هي توقعاتنا في الـ20 سنة القادمة.
أنا فوجئت وهم يقولون السيناريوهات المتوقعة ذكروا عدة سيناريوهات من بينها أن تجيء الصين وتحدث فوضى وإرهاب، فوقع بصري على كلمة بالإنجليزية لم استطع قراءتها في البداية
New Clefet التقرير مترجم، فوجدت الجملة التي بعدها (الخلافة الجديدة)، من ضمن السيناريوهات التي وضعتها أمريكا قيام الخلافة، وهذا شيء عجيب جداً! يعني شعورنا بالضعف هم يقولون لا، هناك احتمال لقيام الخلافة ويخشون من ذلك.
وهناك مقالة لابد أن تقرأ لأن بها أربع أسطر، للأستاذ/ السيد ياسين نقل فيها عن أحد خبراء علم السياسة لمعهد يعتبر شبه رسمي يقول: "إن المستقبل، أمريكا سوف تنسحب وتفقد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وأن المستقبل للمتطرفين" وفي ذلك هو حدد نتيجة نهائية ومن ثم فإن "السيد ياسين" بغض النظر عن ما إذا كانا نوافقه أم نرفض ما يقول، فنحن قلنا أن البناء الأيدولوجي هو أساس تحليل التحليل، فـ"السيد ياسين" له طريق معروف، فبغض النظر عن طريقة "السيد ياسين"، فأنا أريد أن أوضح نفسية شخص خبير شبه رسمي، نعود لنجمل هذا الكلام.
لابد من التأكيد على مسألة المصطلحات لأنها القضيب الذي يقود قاطرة الفكر.
البناء الأيدولوجي هو أساس تحليل التحليل.
التقييم لابد له من مقياس.. وعندنا نوعين من المقاييس:
- مقياس موضوعي لا يختلف فيه أحد، مسلم أو كافر أو بوذي أو كاثوليكي.
- وهناك مقياس قيمي نختص به نحن المسلمين.
يجب ألا نخلط بين المقاييس ولابد ألا يضيع منا المقياس.
سأختم بمثال، قلنا قبل قليل مثال أوضحنا فيه كيف يلعب هيكل بالمقاييس ونحن خالفناه، سنستخدم هذه المرة مثال بالعكس مثل أمر انتقدناه على هيكل وبالمقاييس نجد كلامه صواب فأخونا الفاضل قال ملاحظة مهمة جداً، قال إن قضية فلسطين ليست قضية إنسانية، هي قضية سياسية، ويمكن أن نقول أنها قضية دينية، "هيكل" قال إنها تحولت لتصبح قضية إنسانية، يجب أن نوافق هيكل في ذلك، فبالحكم القيمي كلامه مرفوض، لكن بالمقياس الموضوعي هذه هي الحقيقة، لو تابعت قناة "الجزيرة" كانت تذيع فيلم عن فلسطين يدور كله حول أن حماس منذ أن وصلت للسلطة أصبح الناس جائعون ولا توجد أموال ولا يجوز أن نترك هذه الناس تجوع، أين إذن القضية الأساسية؟ القضية حين نحولها إلى هذا الشكل فنحن نفرغها من موضوعها، وهذا ما يسير عليه الإعلام، تفتح جريدة (الأهرام) فلا تجد التركيز على مسألة أن فلسطين (ضاعت) وليس أن فلسطين (محتلة)، إذن لو استخدمنا هنا المقاييس الموضوعية والقيمية من الممكن أن نوافق شخص نعتبره على خطأ.
الأمر الأخير: البناء الأيدلوجي للشخص الذي أقرأ له، إلى أين يريد أن يأخذني حتى لا يخدعني.. جزاكم الله خيراً.
ملاحظات شخصية..
وهنا تدخل الأستاذ أحمد الوكيل؛ ليشير إلى الجوانب التي جرى التطرق لها باعتبارها جوانب عامة لما استهدفت هيكل، وكشف للمفاهيم التي ينطلق منها ليمارس خداعه السياسي، وأن الباقي هو المحور الإعلامي أو المهارات الإعلامية التي من خلالها يتمكن من خلالها هيكل من تمرير رسالة الإعلامية.

يتبع:

ْ

ali2004
23-02-2007, 04:34 PM
ثم قدم الأستاذ طلعت رميح ليتحدث حول هذا الجانب تحديداً.
قال الأستاذ طلعت رميح: ابدأ بأشياء طريفة بعض الشيء، الأستاذ "هيكل" كثير الروايات عن لقاءاته، لكن ألا تلاحظون أنه ولا مرة تحدث عن لقاء، وكان هو الداعي "له"، أبداً!
وكذا من المهم أن نشير هنا إلى أنه أبداً لم يذكر معلومة من كل القصص والروايات عن واقعة حدثت في بيته. الشيء الثاني أن "هيكل" هو رجل بالفعل في حركاته الشخصية وفي تصرفه الشخصي بشكل عام يقتدي باللوردات الإنجليز، اللوردات بالمعنى الكلاسيكي لشخصية اللورد، في ملبسه وسيجاره وحركاته وطريقة نطقه للإنجليزية، وهذا جانب مهم جداً لابد من متابعته في الأستاذ "هيكل"، ونمط مهم جداً في الشخصية السياسية والإعلامية الغربية، بالذات التي تصنع في المنطقة العربية؛ أنه لابد أن يكون شخص عالي التيه بنفسه، وحوله هالة إعلامية لا تكسر أبداً، وتضعه في مرتبة أعلى من كل المثقفين وكل السياسيين وأعلى من أي أحد.
هيكل محاط بهذه الهالة الإعلامية وهذا أمر يصنع صناعة ولا يتعلق بقدرات الشخص فقط، وهو أمر يدرب عليه الشخص إذا كانت لديه ملكات محددة في شخصيته طبعاً، ومثلما تعرفون أن صناعة الشخصية صناعة السياسي صناعة الإعلامي بعيداً عن حالتنا نحن هي عملية صناعة، والأستاذ هيكل يتعامل في حلقاته بمثل ما يتعامل الرؤساء عندما يظهرون على الإعلاميين والصحفيين والرأي العام.
مثلما تعرفون أن رؤساء لديهم مستشارون في هذا الشأن طوال الوقت.. الرئيس "بوش" قبل أن يظهر على الرأي العام يقولون له: قبل أن تقول اللفظ الفلاني لابد أن تكون رافع يدك اليمين وليس الشمال، وعندما تحيي الناس اليوم يجب أن تقول كذا، وعندما تخرج في المناسبة الفلانية يجب أن ترتدي بذلة لونها كذا، وردودك اليوم يجب أن يكون فيها استعانة بالإنجيل أو عدم استعانة بالإنجيل، ألفاظك يجب أن تكون في منتهى الشراسة والقوة، حركة الأقدام، حركة اليد، المنديل، لون "البذلة"، الكرافتة، طريقة النطق، طريقة التعامل مع الشخصيات، علاقة الوجه بالرقبة.. إلخ، إن هذه الأمور يجري تدريب الرؤساء عليها، دعونا مما يجري في بلادنا.. هذه مسألة لها قواعد في التعامل مع الحدث السياسي، ما ينفع هنا لا ينفع هناك.
مثلما تابعنا حين خرج الرئيس بوش يوم نهاية العمليات العسكرية الأولى للعدوان على العراق أخرجوه على سفينة (أكبر حاملة طائرات) حتى الإكسسوار الذي وضعوه على جسمه كان يشير إلى البحرية ويشير إلى الطيران، كل هذه رموز، لغة الرمز في شكل الشخص وفي إشاراته وفي إيماءاته وطريقة نطقه والمصطلحات التي يستخدمها وحركته، كلها لا تخضع إلى حالة تقديرية للشخص أو الرئيس، وبالتالي إذا درستم الأستاذ هيكل من الناحية الإعلامية يجب أن تدرسوا هذه الزوايا، أنا تابعته ذات مرة ذهب إلى نقابة الصحفيين المصريين، فتابعت طريقة خطوه وطريقة استقباله وسلامه على الناس، ووجدته في كل الأحوال لا يتقدم خطوة واحدة – مثله مثل الرؤساء – لمد يده للسلام إلى أحد، لابد أن يأتي إليه الشخص، ورأيته يتعامل بهذه الطريقة مع وزراء، لا يتحرك من المكان الذي يقف فيه، هذه كلها أمور مصنوعة، فأرجو ونحن نرى هيكل أن نفهم أنها حالة مرسومة لشخصية إعلامية، وليست مجرد حالة متعلقة بمهارات فردية، بالأساس هو لديه مهارات، لكن يجب أن نتعامل مع ظاهرته على أنها حالة لقيت اهتماماً من صانع الإعلاميين ولقيت تدريباً.
وللتدليل ولتوضيح مثل هذه الحالة نذكر بما جرى في "ميدان الفردوس" في بغداد بعد دخول القوات الأمريكية، في هذا الحدث المصنوع كان هناك مخرج سينمائي حح تشكيل مركز الأشخاص – هؤلاء يتقدمون من هنا وهؤلاء من هنا – وحدد الأزياء ولابد في الزي أن يرتدي أحدهم مثل الكرد وآخر مثل زي الشيعة وثالث مثل السنة.. وطريقة تتابع المركز: هؤلاء يتقدمون من هنا وهنا، وإسقاط التمثال، وإطالة الوقت في جره، كل هذا لا يوجد شيء فيه بالمصادفة، المخرج السينمائي جاء وحدد كل ذلك بالسنتيمتر بما في ذلك الشخص الذي حمل الحذاء وضرب تمثال صدام.
وباعتبار "هيكل" رجل انترناشيونال ويفهم هذه الأمور جيداً فلابد أن نتصور أنه يتعامل بهذه الطريقة في الإعلام، وبالتالي هذا يعطيه حق في توجيه الأسئلة ويعطيه حق في التأثير في من يحاوره وقدرة في التأثير على المشاهدين.
وفي قضية "فخامة اللبس" فإننا – أعذروني – مازلنا نحترم الغني أكثر من الفقير، حيث الغني الذي يرتدي البزة الأنيقة مقدم في الاحترام – أي درجة الرغبة في تقليده – على الفقير، وهذا جزء من الثقافة وهذا جزء من التعامل مع الثقافة.
مفارقة!
وأضاف "رميح": شيء مهم آخر بخصوص الإشارات المهمة في هذا الحديث بالذات.
فمن أخطر ما استوقفني أن الأستاذ هيكل وصل في درجة تمثله بالفكر الأمريكي ورؤيته للمصالح الأمريكية إلى أن وجه للرئيس بوش وللخارجية الأمريكية ملاحظات عملوا بها من بعد!، حضراتكم لو انتبهتوا لمسألة فيتنام التي تناولها، دعكم من الجانب السياسي، أنا أرى هذا الشخص كموجه إعلامي.
لنسأل أنفسنا ما الذي يمكن أن ينعكس ويتحول إلى مشكلة للأمريكان إذا جرى توصيف ما يحدث في العراق بفيتنام ؟ الناس في المنطقة العربية بالانطباع – والإعلام جزء منه رسالة خليفة تستقر في عقل البشر – إذا قيل لهم أن العراق مثل فيتنام فذلك يقدم لهم دلالات معينة وإيحاءات بهزيمة واندحار أمريكي.
وقبل أن يبين هيكل هذه القضية كان يعرض هذا الأمر بشكل عادي يعني الرئيس الأمريكي كان يقول أنها فعلاً فيتنام ونحن أصبحنا مثل فيتنام، لكن وبعد أن وجه "هيكل" ملاحظته للرئيس الأمريكي وكان معناها ألا يستخدم هذا المصطلح لأن نقله في المنطقة العربية يعطي إيحاءات أخرى أخطر من الإيحاءات التي قد تخطر في ذهن الشخص الأمريكي. فإن "بوش تراجع عن هذا الاستخدام.
وهنا أشير إلى أن الناس عندما تكبر تكون أكبر من أن تتعامل بمنطق مبسط في العلاقات مع الدول وإنما تصبح هي ركن ركين في تحديد سياسات الدول في الخارج.
ورشة فهم هيكل
وأضاف "رميح": سنحاول وضع روشتة تجعل المشاهد حين يرى "هيكل" فإنه يتمكن من كشف تضليله وخداعه.
هيكل يبدأ باستمرار – وراجعوا كل فقرة من الحديث – بذكر معلومات صحيحة مبهرة، وهو بالمناسبة لا يذكر معلومة خطأ أبداً إلا إذا كان شهودها متوفين، فهو يبدأ الحديث أو المقال باستمرار بذكر كمية ضخمة من المعلومات المبهرة وغير المعروفة والتي لا يملكها إلا مصادر دولية كبرى وهي لا تكون حتى عند رؤساء كثيرين ولا عند أجهزة دول، وأظن أن الأستاذ هيكل ممن لهم حق – وهم قلائل في العالم – للدخول على مخازن أسرار الكونجرس الأمريكي، وطبعاً واضح أنهم يقدرونه تقدير عالي، المهم عندي في هذه الروشتة أن الأستاذ هيكل يبدأ دائماً بمعلومات شديدة الإثارة ودقيقة للغاية، يعني مثلاً في حديث قبل كذلك كان قد ذكر معلومة "مذهلة": نقل حديث دار بين شاه إيران وبين ملك أسبانيا، ملك أسبانيا طلب فيه من شاه إيران 4 مليون دولار إلى أحزاب اليمين في أسبانيا [بلده] لأن الاشتراكيين سيتفوقون.
حوار بين اثنين ملوك، ملك يقول لملك أرسل لحزب عندي 4 مليون!، معلومة لا أحد يستطيع أن يأتي بها.. وهي ميزة مهمة للغاية، وتذهب بخيال المشاهد وتستولي عليه.
وهكذا، لو رأيتم الحديث الذي هو موضوع حوارنا في هذه الندوة ستجدون في بداية كل فقرة فيه معلومات صحيحة غير موجودة عند أي شخص في الدنيا!.
الفقرة الثانية دائماً – في حديث هيكل – هي فقرة مكونة من "كلمات سحرية"، باستمرار توصيف أو وصف أو تقييم أو مجموعة كلمات غير مستخدمة وغير معروفة لقادة كبار في الدول ، أو لفلاسفة كبار، أو لقانونيين كبار، أو مأخوذة من مذكرات رجال سياسة كبار غير منشورة ، أو من قادة تاريخيين، باستمرار الفكرة الثانية هي بعد المعلومات وقبل أن يفيق الشخص المتلقي لكي يبحث في المعلومات التي سمعها يعاجله هيكل باستمرار بمجموعة كلمات ضافية ساحرة، ثم ينتقل من ذلك إلى الفلسفةفي الفقرة الثالثه من الاجابة عن أي سؤال ، "نكسة" أم "هزيمة"، "فشل" أم "انتصار". وهنا لايقول "كلام فاضي" بالعكس هو قاصد تماماً.
هو يقصد إثارة المقال في عقل المتلقي عندما يتصور المبنى الذي هو الأمة العربية ولبنان الذي هو الزجاج والصراع بين السعودية ومصر وسوريا وإيران والمبنى يهتز الآن فالزجاج بدأ يتكسر.. صورة غير عادية، وهو دائماً يرسم هذه الصور.
ثم ينقل إلى الفلسفة، كل حلقة هو يقدم ثلاثة أو أربعة مفاهيم في الفلسفة أو في علاقة الأشياء ببعضها سواء في فلسفة القانون أو الفلسفة العامة أو فلسفة العامة، هو يميل أن يقدم فكرة فلسفية تثير العقل جداً وتشغله، وهنا في الفقرة الرابعه من كل اجابة هو يترك الامر دون استنتاج ولا يقول رأياً قاطعاً أبداً، فقط هو يحشد جملة من الأشياء التي تعطي إيحاء شامل لكي يذهب المشاهد " مختارات" الى فكرة هيكل التي يردي دفعه إليها. هو يفعل إذن أربع أشياء:
1- وقائع صحيحة تماماً.
2- كلمات سحرية وتشبيهات بلاغية عامة.
3- يدخل إلى إقامة علاقة فلسفية بين وقائع الأشياء أو في القانون إلى آخره.
4- يترك الأمور للاستنتاج مع قدر كبير من الإيحاءات التي تؤدي إلى خلاصات معينة.
هنا مثلاً: إذا أخذنا فكرة العراق وفيتنام والتشابه بينها . نحن نقرر أنه لم يذكر معلومة واحدة قالها خطأ، بمعنى أنه عندما أشار إلى أن العراق كان محاصر من كل الجيران بينما فيتنام لم تكن محاصرة 100% وهو قالها بطريقة صحيحة مرتبة ترتيب جيد للغاية، مليئة بالإيحاءات أيضاً (وقائع صحيحة).
وهنا انتقل الى الكلمات السحرية (بعد ذلك) وانتقل إلى فيتنام وتكلم عن "الفجوة السحرية" التي قالها كيسنجر وقال كيسنجر عمل ما سماه بالفجوة السحرية، ثم شرح فلسفة الفجوة السحرية، ثم انتقل الى العلاقات الفلسفية بين الاشياء بالاشارة الى " الكتلة الموحده في فيتنام والكتلة المقسمة في العراق).. ثم ترك العراق دون أن يقول رأي قاطع: لم يقل بشكل قاطع من أخطر من الأخرى؟ لكن هو وضع كثرة من الايحاءات بأن العراق , لا يمكن الانتصار فيه، سأقول كيف لكن دعونا في طريقة تناوله الإعلامي حتى ننتبه له في كل مرة، ففي العراق في النهاية تركنا بعد المقارنة، وأنه ليس من الممكن أن يتخلى الأمريكان بسهولة لكن في الحقيقة لم يقل أن العراقيين لا يمكن أن ينتصروا أبداً لم يقلها أبداً، هو حشد لنا كمية من المعلومات، وفكرة الإيحاء هنا هي جزء من الأداء الإعلامي لهيكل، أنه يتعامل بالتلميح لكي يوصل الفكرة أخطر من أن يقولها بالتصريح.
نعود إلى الإطار العام. الإطار العام كله أنه ذكر معلومات صحيحة وعدد من الجمل الساحرة في كل موضع من المواضع، ثم دخل في علاق فلسفية في كل الحوار بين النصر والهزيمة، بين "هزيمة" و"إعلان الهزيمة"، بين قدرة الدبلوماسية وقدرة الحرب، هذه كلها علاقات فلسفية وفي النهاية ترك الأمر للاستنتاج بعد أن " مرر " كثرة من المعلومات والاشارات والايحاءات تدفع المشاهد للإتجاه الذي يستهدفه هيكل بالتحديد.
كيف نواجه خداعه؟
وواصل رميح: اللعبة الإعلامية تلك كيف تواجهها باستمرار؟ الأمر بسيط للغايه فقط نسأل انفسنا هي الأسئلة التي قلناها "هل هناك معلومات أخرى لم يذكرها هيكل؟"، هيكل لم يقدم معلومات جديدة جداً تجعل عقل المتابع ؛ لا يرى المعلومات التي في يده، وهذا من علم النفس في الإعلام المدروس وهو يجعلك تنظر لما في يده وتنسى ما في يدك، فهنا يقول لك معلومة أنت لا تعرفها والباقي أنت تعرفه لكنه يأخذك بما قاله: ولذلك فالسؤال الأول هو : ما هي المعلومات الاخرى , والتي إذا استحضرتها وصلت الى استنتاجات مختلفة تماما بما يدفعك اله هيكل.
فهنا مثلاً إذا العراق ليس فيتنام نعم ليس كفيتنام، منقسم؟ نعم منقسم، لكن الفيتناميون لم يكونوا منقسمين إنما الأمريكان قطعوهم من الداخل وعمل الأمريكان فيهم تقسيمات ألعن من التي كانت في العراق، يعني فصلوا سكان الجبل وجعلوا لهم ثقافة خاصة بهم، وضعوا أجزاء من الشعب الفيتنامي في معازل في القرى بأسوار لا تخرج منها، وهناك كان جيش فيتنام الجنوبية وهو كان أكبر من جيش الأمريكان على الأرض وفي نفس الوقت فكرة الانقسام والتقسيم كانت في فرنسا التي هي بدورها استخدمت كل الطرق للانقسام في الجزائر، والإنجليز مبدعين في هذا "فرق تسد"، يعني الفكرة بديهية، لكنه لأنه أتى لي بمعلومة ضخمة وبراقة بهذه الطريقة يأخذ عقل المتلقين.
هنا إذا أدخلنا تلك المعلومات نجد أن البريق انتهى وأننا أمام فكرة عادية تماما ومن ثم تكشف لعبة هيكل هو أن تقوم هي اكمال المعلومات التي لا يقولها هيكل فتظهر الصورة بشكل مختلف جداً عما يقوله هو بمعلوماته السابقة التي أخذ الناس بها و"سرح"بقبولها.
الفكرة الجوهرية
هيكل أحياناً يقول أشياء مضحكة، لكن الفكرة الجوهرية هو أنه يريد توصيل اليأس من المقاومة وأنها لم تفعل شيء ولن تفعل شيء، وهو لهذا قال أنا تابعت أسماء الجنود الأمريكان فكلهم أسماء من أمريكا اللاتينية.. إلخ، وأن الإمبراطورية لا تهزم فهي لديها مدد اقتصادي وعسكري كبير جداً وبالتالي الذي سيدخل في عقل القارئ – بالإيحاء أيضاً – أن المقاومة حتى عندما تقتل هي لا تقتل من الأمريكان بما يعني كل تضحيات المقاومة ليس لها معنى لأنها لا تقتل سوى أشخاص ليس لهم علاقة بالأمر وأنها مهما قتلت وأصابت فهي لن توفق لأنها تواجه مجتمع كبير جداً وعظيم جداً وقدراته عالية جداً وعنده مدد عظيم جداً فلا أحد يهزمه.
لكن إذا دققنا في الأمر ستجد أنه يصل بالمشاهد إلى حالة الضحك. هل كان مطلوب من المقاومة العراقية أن تفتش في "الباسبورات" التي يحملها الجنود الأمريكيين في العراق حتى تعرف كل شخص من الذين قتلوا حصل على الجنسية الأمريكية أم لا ومن كام سنة.
وهل الاعتراف بالقتلى الأمريكان سيأتي التحقق منه عن طريق وزارة الهجرة والجوازات في الولايات المتحدة؟!..
معه جنسية أو ليس معه ليس لي شأن.
لو دخلت في الفكرة هنا بالمعلومات الناقصة التي تكلمها أنت الموضوع سيتحول ما قاله "هيكل" إلى حالة مضحكة، ويصبح هذا العبقري الذي بهر الناس وأقنعهم يقول أشياء تثير الضحك.
الآن الذي تقاتله المقاومة العراقية، هل هو الجيش الأمريكي أم أشخاص آخرين؟ الذي قاتل هنا هو السلاح الأمريكي أم سلاح آخر ؟ القيادة التي تقاتل هل هي قيادة أمريكية أم قيادة من بلد آخر؟ وزير الدفاع الذي يقود الجنود هل هو أمريكي أم من بلد آخر؟ كون هذا الجيش به تجنيد إجباري أو ليس فيه تجنيد إجباري ليس شأننا، ثلاث أرباع جيش بريطانيا هكذا، وفرنسا هكذا، إلى آخره وأصلاً التجنيد الإجباري غير موجود، لكن بغض النظر عن كل هذا، هل معيار الهزيمة أو معيار انتصار الجيش سيتحدد من وزارة الهجرة والجوازات بجنسية الموجودين؟ ليس هذا فقط، بل إن أمر المرتزقة هو حالة شائعة وليس حالة مستحدثة بالعبقرية الأمريكية، فمن حرر فرنسا من النازي هم أصلاً جنود من دول أخرى، والجيش الذي حرر فرنسا بعدما دخلها "هتلر" الجيش الذي كان مع "ديجول" أصلاً من السنغال والمغرب والجزائر !! يعني هؤلاء الناس – الذين لم تعطهم فرنسا الجنسية حتى الآن – هم الذين حرروا فرنسا ومع ذلك فإن "ديجول" هو من حرر فرنسا..
هذه ليست لعبة جديدة، ولا موضوع مختلف عن الذي حدث في الدول الاستعمارية كلها ولا هذه بدعة للأمريكان ولا دليل عظمة الأمريكان، هنا لو أن المشاهد تذكر المعلومات الأخرى ووضعها أمام المعلومة المبهرة التي قدمها "هيكل" سيظهر أنه يقول كلام يصل لدرجة الضحك!! يعني قصة ليس فيها أي شيء جديد بالمرة، لكن كونها قيلت وسط هذا الإبهار ومن الشخصية التي بمثل هذه الهالة "محمد حسنين هيكل" وبهذه الإيحاءات فإنها توصل الناس إلى هذه النتيجة بينما الموضوع غير صحيح.
ماذا قدم هيكل من مجموعة أفكار في النهاية ؟
أمر آخر مضحك للغاية لو فتشت بالدقة فيه: كرر "هيكل" أن "رامسفيلد" كان مقتنعاً بأن العراقيين سيرحبون بجنوده!!، صحيح نحن مللنا من هذه الحكاية، في البداية حملوها "للجلبي" والآن يقولون أن رامسفيلد أيضاً اقتنع بها!! الموضوع وصل لدرجة الضحك، لماذا؟ لأن هيكل يقول هذه إمبراطورية عظيمة وبلد بلا مدد وأشياء من هذا القبيل، فكيف هو يقول أيضاً أن وزير دفاع الإمبراطورية ساذج إلى هذه الدرجة؟ هنا يظهر "هيكل" بأنه حلة تبريرية للموقف الأمريكي إلى درجة الضحك.
ولنأخذ فكرة الانسحاب من العراق، التي هي حالة واضحة من التضليل العقلي المصنوع المرتب المدروس، هو أوصلنا إلى أن الديمقراطيين لن يفعلوا شيء، والحقيقة أن الديمقراطيين في أول تصريح قالته رئيسة مجلس النواب يوم ظهور نتائج الانتخابات كان عن: "الانسحاب من العراق"، وهو لام المثقفين العرب في مسألة الانسحاب، النصر والهزيمة وفكرة الانسحاب، في الوقت الذي تظهر متابعة ما يجري أن من طرح الانسحاب ليس محللين عرب، إنما محللين أمريكيين كلهم.
لجنة "بيكر" هي من طرحت الانسحاب، الديمقراطيين طرحوا الانسحاب، سبعين جنرال أمريكي كانوا قد رفعوا مذكرة ضد "رامسفيلد" هم من قالوا بالانسحاب، "بريجينسكي" يصل إلى القول أن الحرب على العراق بالنسبة للولايات المتحدة هي حرب السويس بالنسبة لبريطانيا وفرنسا، ولا أحد من العرب قال هذا، لكن هنا هو مرر فكرة أن لا جديد وأن المقاومة لم تحقق شيء حين أشار إلى أن الديمقراطيين متوافقين في النهاية مع "بوش"، وأن المشكلة هي في رامسفيلد، وأنه لا انسحاب، وأن الجنود كلهم مرتزقة، وأنه يجب ألا نقارن بين العراق وفيتنام.
وبالتالي دائماً في التعامل مع أفكار هيكل ننتبه ونكمل بالمعلومات.
مثلاً هو لم يأت بكلمة واحدة عن أفغانستان!! وهذا ليس على سبيل السهو، هنا لعبة إخفاء معلومات وتقديم معلومات أخرى، لو تكلم عن أفغانستان لتغيرت الصورة؟ لأن الحالة في أفغانستان واضحة لا يوجد فيها لعبة الانقسام التي في العراق وهذا يضرب فكرته، وفيها أن الولايات المتحدة سلمت قيادة القوات إلى الناتو هناك، وأن طالبان عادت تكتسح... إلخ، هنا تجاهل أفغانستان ولم يذكر عنها كلمة.
أيضاً في لعبة إكمال المعلومات الناقصة في التعامل مع أفكار هيكل، نلاحظ أنه لم يأت بمعلومة عن الخسائر الحقيقية للولايات المتحدة في العراق، وفي ذلك يبدو أن هناك ضرورة للتساؤل، إذ كيف والأستاذ هيكل بكل قدراته التي تجعله يأتي بهذه المعلومات عما يحدث بين اثنين ملوك لا يستطيع أن يأتي بالمعلومات الصحيحة عن عدد القتلى الأمريكيين في العراق؟!، هنا فكرة (الانتقائية) فهو يقدم معلومات قوية جداً ويخفي قدر هائل من المعلومات.
د. محمد مورو: يعني حاوي.
طلعت رميح: بالضبط، والإعلام الغربي يقوم على هذه الفكرة بالضبط، وهذه هي الطريقة التي يعمل بها محمد حسنين هيكل في الإعلام، وبالمناسبة هذه هي الطريقة التي يعلمونها للكثير من الإعلاميين الآن، وهذا هو سبب نجاح الكثير من المحطات الفضائية الآن الفكرة أن "ينشل منك دماغك" ويضع فيه المعلومة التي يريدها في حالة إبهار شديدة، ثم هو يدفعك حتى تصل إلى الاستنتاج الذي يريده هو ثم يتركك أنت لتتخذ القرار الذي حدده هو لك!.
رسالة "هيكل"
الرسالة التي يريد هيكل توصيلها هي: أن كل ما يجري هو ضمن إطار الإستراتيجية الأمريكية، وكل ما يجري يمكن استيعابه داخل الإستراتيجية، وعليكم جميعاً أن تنظروا بإعجاب للولايات المتحدة التي حتى إذا هزمت أو ضربت أو فشلت فهي قادرة – بفعل شخصياتها العبقرية مثل كسينجر – على أن تبتكر مفاهيم مثل الفجوة السحرية فتخرج من الهزيمة منتصرة، وأن هذا البلد به أعلى درجة توافق بين حكامه على أهدافه الاستعمارية بما يثير الإحساس أن هذا وطن كله اتفاق. وهو يقدم هنا صور متقابلة لإثارة التفكير والوصول إلى قناعة يريد أن يصل إليها، ولاحظوا صورة الموافقة بين الولايات المتحدة التي بها الديمقراطيين والجمهوريين متوافقين في الأهداف وبين العراق الممزق المقطع، سترسموا في هذا كل من يعمل دراسة لمتن الكلام سيجد صور مرسومة بخبث شديد لحالة مقابلة بين أمة ممزقة وضعيفة ودولة إمبراطورية وقوية، بين رئيس يقيل وزيره لأنه فشل وبين بلاد لا تقيل أحداً لأنه فشل، انظروا الصورة التي رسمها للولايات المتحدة وانظروا للصورة التي رسمها للمنطقة وهو يقصد تماماً، الولايات المتحدة حتى حينما تهزم فهي قادرة على تحويل النصر إلى هزيمة وحتى الأطراف التي تعارضها هي قادرة على توظيفها داخل إستراتيجيتها حتى إيران وسوريا – التي من المفترض مع الملاحظات المهمة التي قالها د. محمد مورو حول التشيع إلى آخره –التي من المفترض أنها عملت حالة ممانعة واتفاق وتحالف وصراع مع المشروع الأمريكي هي توظف الآن ضمن الإستراتيجية الأمريكية وداخلها، وكل ما حدث في لبنان هو داخل الإستراتيجية الأمريكية، والمحور الذي تعمله الآن السعودية وكل نشاط دول العالم يوظف في الإستراتيجية الأمريكية.
وفي تناوله للشخصيات الأمريكية فهذا أمر مميز للغاية، فهذا الوزير القادم لاعب ماهر بدرجة تثير الإعجاب فعلاً، ما هذا الرجل الأسطورة الذي يذهب إلى أي مكان فيفعل كل شيء!! لاحظوا أن الشخصيات أساطير كلها، لا يحكي عن أحد إلا برتوش دقيقة ومجملة وحالة من العبقرية الدائمة، كل شخص أمريكي نزل المنطقة هو حالة خاصة متفردة من حالات العبقرية، الشيء المهم الذي قاله د. محمد في فكرة وزير الدفاع أن "نجروبورتي" كان موجوداً ماذا فعل؟ لا، "بريمر" كذلك كان خبيراً في تلك الأمور وغيره، ليس هذا فقط، بل كل هؤلاء بما في ذلك كسينجر كانوا موجودون أثناء الحرب ماذا فعلوا ؟ لكن الفكرة هنا أن هذه شخصيات تهز القلب، دون إشارة واحدة إلى الشخصيات الأمريكية التي لها آراء أخرى داخل الولايات المتحدة، هل لاحظتم أنه لم يأت بأي تقييم أو تعبير لشخصية أمريكية أخرى لها رأي آخر فيما يجري في العراق ؟ ولا شخصية! في الوقت الذي يأتي فيه الإعلام الأمريكي بشخصيات من المعارضين وهناك ضجة في أمريكا، لكن ولا شخصية! ولا أحد من هؤلاء يأتي بمعلومة عنه.
لن أطيل:
1- هو دائماً يقول كلام صحيح، معلومات صحيحة، لكن يخفي قدر من المعلومات.
2- يأتي بفكرة مبهرة أو مفهوم مبهر إلى آخره ويطرحه بحيث يشل عقل القارئ.
3- يدخل الناس على أفكار فلسفية أعلى من عقول الناس وتثير عقولهم وتثير حالة من الإبهار وفي وسطها يسقط معلومات توجه عقل القارئ إلى استنتاج لا يقوله أبداً، وهذا جزء من نجاح الأستاذ محمد حسنين هيكل.

ali2004
23-02-2007, 04:38 PM
http://islamicnews.net/Document/ShowDoc08.asp?Job=&TabIndex=2&DocID=88798&TypeID=8&SubjectID=0&ParentID=0&TabbedItemID=&TabbedItemSellected=

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿256﴾ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿257﴾

اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أمين