خطاب
12-02-2007, 03:32 PM
نهاية أحلام التتار
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: (بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض)
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم لا يعرفون الخبر
يتصور كثير من ضعاف النفوس أن الأمة الإسلامية الآن فى مرحلة الاحتضار وأوشكت على الموت المحقق , ولكن المفاجئة القاسية لهم, أن الأمة قد مرت بنكبات فوق الخيال فنجاها الله لما تمسكت بعراه وثابت إلى دينه وطلقت حياة الترف والرذيلة, لذا نقول لهؤلاء المرجفين :
لاتهىء كفنى يا عاذلي فأنا لى مع الفجر مواثيق وعهد
سنمضي والنجوم لنا دليل *** متى أصغى السحاب إلى النباح
أحلام التتار !!!!!!!
المغول والتتار قبائل موطنهم الأصلى منغوليا (شمال صحراء غوبى)، وكانت هذه القبائل تقضى أوقاتها فى النزاعات القبلية وفى البحث عن منابت الشعب ودانت بالوثنية التى تعرف باسم الشامانية.
واستطاع تيموجين بسوكاى الذى ولد فى منغوليا عام 549هـ – 1155م أن يوحد هذه القبائل عام 603هـ/ 1206م ووضع لهم دستوراً اجتماعيا حربيا مختصرا عرف باسم الياسة الكبرى أو السياق بالغ الشدة والعنف للطاعة فيه اكبر نصيب فكانوا اعظم الأمم طاعة لسلاطينهم، دون معرفة معانى الشفقة أو الرحمة، وبعد أن وحدهم لقب نفسه "جنكيز خان" أى أعظم الملوك.
وكان التتار يعتمدون فى طعامهم أساساً على صيد الحيوانات وعندما كانوا يقتلون أى شئ (كالآيائل) مثلا كانوا يلتهمون الحيوان كله نيئاً ،بما فى ذلك الأجزاء الكريهة منه، وكان الحصان هو حيوانهم الرئيسى، ولبن الفرس هو طعامهم المفضل عندما يتم تخمير هذا اللبن، فإنه يتحول إلى مسكر قوى وفى الحفلات كانوا يشربون من جماجم قتلى الأعداء
واندفع بهم إلى الصين واستولى على بكين عام 612هـ فاستولى بذلك على مزيد من الكنوز والنفائس، وتعلم المغول استعمال البارود، ثم قضى على دولة الخطا السوداء (قره خطى) التركية المتاخمة لبلاد الصين 615هـ فأصبح يطرق أبواب العالم الإسلامى ويتحداه وكان هذا التحدى شريكا لبعض الوقت للغزو الصليبى على عالم الإسلام، وقد حمل بهمجية وبربرية ووحشية على العالم الإسلامى وكانت حملاته وحملات أخلافه غاشمة كمد البحر أو الطوفان الذى كاد أن يبدد الحضارة الإسلامية.
اصطدم جنكيز خان بالدولة الإسلامية الخوارزمية – وكانت بمثابة السور الفولاذى المنيع الذى يحمى الجبهة الإسلامية من جهة المشرق تمتد من العراق العجمى غربا إلى نهر السند شرقا، ومن شمال بحر قزوين وآرال شمالا إلى الخليج العربى والمحيط الهندى جنوبا شاملة أذر بيجان والعراق العجمى وفارس وكرمان وسجستان وخراسان وأفغانستان والبامير والصفد وما وراء النهر. وكان على رأس هذه الدولة جين بدأت تطرقها المطارق المغولية السلطان علاء الدين محمد خزارزم شاه.
أوضاع مركز الخلافة والعالم العربى فى هذا العصر
توزعت المملكة الأيوبية بعد وفاة السلطان صلاح الدين الأيوبى فى سنة 589هـ بين أولاده وأفراد أسرته، ولكن هؤلاء لم يستخدموا مؤهلاتهم وكفاءاتهم فى أداء هذه الأمانة التى آلت إليهم، شأن كثير من أولاد الولاة، وأولى العزم من الحكام، فقد ظل الصراع قائماً بينهم إلى مدة طويلة، حتى أن بعضهم لم يتلكأ فى الاستعانة بالصليبين بتدبير المؤامرة ضد إخوانهم وأصحابهم، وقد أنتج هذا الوضع الشاذ اضطراباً سياسياً، وانحلالاً خلقياً، وفوضى فى سائر الولايات التابعة لهذه المملكة، وكان الناس يعيشون فى جو من القلق والخوف.
هذا وكانت الغارة الصليبية الأفرنجية تتعاقب على تلك الحواضر الإسلامية، التى كان السلطان صلاح الدين قد استردها بعد تضحيات، وقد فشت أمراض وأوبئة ومجاعات شديدة نتيجة لهذا الانحطاط الخلقى، والانحراف الإدارى.
وفى سنة 597هـ حدثت مجاعة فى مصر فما فاض فيها النيل، وتزلزلت أرض مصر بمناعات الملكين العادل والأفضل، حتى اشتد الغلاء بأرض مصر، فهلك خلق كثير جداً من الفقراء والأغنياء، ثم أعقبه فناء عظيم حتى حكى الشيخ أبو شامة فى الذيل: "إن العادل كفن من ماله فى مدة شهر من هذه السنة نحو من مئتى بمصر، وأكل من الصغار والأطفال خلق كثير، يشوى الصغير والداه ويأكلانه، وكثر هذا فى الناس جداً حتى صار لا ينكر بينهم، فلما فرغت الأطفال والميتان غلب القوى الضعيف فذبحه وأكله.
[البداية والنهاية ج 13 ص 26]
واستمرت هذه الحالة وفقاً لسنة الله فى الأرض، وظلت الإنذارات السماوية، والأحداث الجسام تحذر الناس، وكانت كفيلة بأن تبعث الناس على التوبة والإنابة إلى الله، وإصلاح أحوالهم
قال تعالى ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
"وحدثت فى نفس هذه السنة زلزلة عظيمة ابتدأت من بلاد الشام إلى الجزيرة والروم والعراق.. وأخربت محال كثيرة من طرابلس ونابلس ولم يبقى بنابلس سوى حارة السامراء، ومات بها وبقراها ثلاثون ألفاً تحت الردم.. ومات أمم لا يحصون ولا يعدون ، حتى قال صاحب "مرآة الزمان" أنه مات فى هذه السنة بسبب الزلزلة نحو ألف ومائة ألف إنسان قتلا تحتها. [أيضاً ص 27] والله أعلم.
هذا وقد تفاقم الشر فى مركز الخلافة (دار الإسلام بغداد)، وسيطرت عليه مظاهر الأبهة الملوكية والسلطان الأعمى، وتغلغل نفوذ الخدم والحشم فى قصور الخلفاء، وبلغت الثروة والمدينة ذروتها، ولا يمكن أن نتصور ما كان يمتلكه الخدم والمماليك الذين كانوا لدى الخلفاء من المال والعقار.
ويكفى أن نذكر على سبيل المثال، أن علاء الدين الطبرسى الظاهرى، وهو ممن اشتراهم الخليفة الظاهر، كان يحصل له من أملاكه التى استجدها نحو ثلاث مائة ألف دينار سنوياً، وكانت له دار لم تكن ببغداد مثلها،
وكذلك مجاهد الدين أيبك الدويدار المستنصرى، وقد ملك جزيل الأموال من العين، والرقيق ، والدواب، والعقار، والبساتين والضياع ويتعذر وصف ما أنفقه من قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والجواهر التى جهز بها أولاده وبناته فى ليالى الزفاف، كما أن الفراش الصلاح عبد الغنى بن فاخر ، وكان شيخ الفراشين بدار الخلافة، كان يعيش مع خلوه من العلم عيشة الملوك، بينما كان مدرسو المدرسة المستنصرية فى هذا العصر وهم من كبار علماء بغداد بوصفهم يدرسون فى أكبر جامعة إسلامية فيها، لا يتقاضى الواحد منهم أكثر من 12 دينار شهرياً.
تموت الأسد جوعا فى البرايا ولحم الضأن يرمى للكلاب.
وذو جهل ينام على حرير وذو علم ينام على التراب.
وبجانب ذلك نجد أن 4000دينار ينثرها خادم للشرابى على مجد الدين أيبك المستنصرى، عند زواجه من ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وأن 3000دينار أعطاها الشرابى للأشخاص الثلاثة الذين أتوا بطائر من الموصل.
ولكى ندرك مدى نفوذ هذه المظاهر الكاذبة، والتظاهر بالفخفخة والأبهة الملوكية يجب أن نعرف أن المواكب التى كانت تخرج فى مناسبات العيد والتتويج كانت تشغل الناس، حتى أنهم كانوا يتناسون أنفسهم، ويتشاغلون عن أداء الصلوات، ونستطيع أن نقيس ذلك بالموكب الملكى، الذى خرج يوم عيد الفطر سنة 640هـ استمر إلى الليل، وصلى الناس صلاة العيد قبل نصف الليل قضاء. [الحوادث الجامعة أخبار سنة 640هـ]. وذكر فى المسجد المسبوك" أن العساكر فى عاشر ذى الحجة سنة 644هـ خرجوا إلى ظاهرة البلد، وصلوا صلاة العيد وقت غروب الشمس.
جرح الحسام له آس يطببه وما لجرح قناة الدين من آس .
تميز هذا العصر بكثرة المصادرات، ونفش الرشوة وعزل كبار الموظفين وإلقاء القبض عليهم، وبيع ممتلكاتهم وتفاقم أمر الباطنية والشطار والعيارين، واشتداد النزاع الطائفى والتفكك الخلقى، والانصراف إلى الملاهى والقيان والتكاثر فى الأموال.
مساوىء لو قسمن على الغوانى لما أمهرهن إلا بالطلاق.
وفى نفس هذه الأيام كان التتر يعيثون بكرامة فارس وتركستان، ويأتون عليها من كل جانب وكانت أبصارهم شاخصة إلى بغداد، أكبر مركز إسلامى فى ذلك العهد، يتحدث المؤرخ الشهير ابن كثير عن استهلال سنة 626هـ بما يأتى:
استهلت هذه السنة وملوك بنى أيوب مفترقون، مختلفون" ، وظلت بغداد دار الخلافة الإسلامية مركز للاضطراب والفساد، ولم يتمكن الناس من السفر للحج، ولا استطاع الخليفة تغيير كسوة الكعبة الشريفة، التى قد جرت عادة خلفاء الإسلام من قديم بتغييرها، بين 640هـ و643هـ، وبقيت جدران الكعبة عارية عن الكسوة إلى 21يوماً، فتشاءم بها الناس.
فى سنة 575هـ جلس الخليفة الناصر لدين الله على عرش الخلافة، وطالت أيام خلافته إلى أكثر من 46سنة، وهى مدة طويلة لم تتيسر لأحد من الخلفاء العباسيين، ولكنها أظلم عهد فى تاريخ الخلافة العباسية، وقد ذمة المؤرخون وتناولوا أعماله وأخلاقه بالنقد اللاذع
زحف التتار نحو العالم الإسلامى
وقد ابتدأ التتار ببخارى وأتوا عليها من كل جانب، فدمروها حتى عادت كومة من تراب، ثم توجهوا إلى سمرقند وأحرقوها وأبادوا أهلها، ولقيت نفس المصير المدن الشهيرة للعالم الإسلامى كهمدان وزنجان، وقزوين، ومرو، ونيسابور،
وخوارزم شاه الذى كان يعتبر الملك الوحيد للعالم الإسلامى وأقوى الملوك فى عصره، فكان يعيش فى خوف وهلع، وتنقل وارتحال، يبحث عنه التتار ويتعقبونه حتى توفى فى جزيرة مجهولة. كان خوازم شاه قد ضم ولايات فارس وتركستان المسلمة ودولها المستقلة إلى مملكته، فلما هزمه التتار لم يكن هناك من يقاومهم فى هذا بالجزء الشرقى
توفى جنكيز خان عام 624هـ/ 1227م فقام حفيدة هولاكو بإتمام دوره فى بلاد الإسلام فتحالف مع الصليبين وكانت زوجته نصرانية (نسطورية)، وأعلن الخاقان الأعظم أنه إنما أرسل هولاكو إلى غرب آسيا ليقضى على الخلافة العباسية ويعيد بيت المقدس بعد أن كان قد حررها صلاح الدين عام 583هـ، فاعتبر هولاكو نفسه محررا للنصارى من المسلمين، وأرسل إلى الصليبين قبل أن يبدأ غزوه المسلمين يقول: "لدينا أعداداً كبيرة من المسيحيين من العبودية ومن الضرائب التى فرضها عليهم المسلمون ومعلنين ضرورة معاملة المسيحيين معاملة تليق بهم، فلا يعتدى عليهم ولا على تجارتهم أحد ونحن نصرح بأننا سنعيد بناء الكنائس التى خربها المسلمون"' ..
دخل رعب التتار فى قلوب المسلمين، إلى حد أن أحد التتار دخل بعض الأحيان فى سكة من سكك مدينة حيث وجد مائة رجل من المسلمين، فقتلهم كلهم وأتى على آخرهم دون أن يتجرأ أحد منهم لمقاومته.
وذات مرة دخلت امرأة تتارية بيتا متزينة بزى الرجال، وقتلت جميع أفراد الأسرة، وقد عرف أحد المسجونين الذى كان معها أنها امرأة فقتلها، وقد حدث بعض الأحيان أن تاتارياً أسر مسلماً وقال له ضع رأسك على هذا الحجر حتى آتى بالخنجر فأذبحك ، وخضع له المسلم ولم يسعه أن يبرح مكانه ذاك، ثم أتى التتارى بالخنجر من المدينة وذبحه به.
استولى الرعب والخوف على العالم الإسلامى من أقصاه إلى أقصاه، وغلب على الناس اليأس والتشاؤم، فكانوا يعتبرون التتار بلاء سماويا، ومقاومتهم مستحيلة، وانهزامهم فوق القياس، حتى سار المثل.
" إذا قيل لك أن التتار انهزموا فلا تصدق" [ص18 ، ص19 غارة التتار على العالم الإسلامى]
لم يكن فى وسع الإنسان أن يسد سيل المغول، فقد تغلبوا على جميع أخطار الصحارى والغابات، ولم يقف فى وجههم أى شئ من الجبال والبحار، وشدائد الطقوس والفصول، والقحط والأوبئة، ولم يكونوا يخافون أى خطر ولا مانع، ولا هناك قلعة ترد بأسهم .
الشيعة ودورهم فى إسقاط الخلافة
"وأما بغداد فضعف دست(موارد) الخلافةوقطعوا أخبار(مرتبات) الجند الذين استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق، كل ذلك من عملالوزير ابن العلقمي الرافضي جهد في أن يزيل دولة بني العباس ويقيم علويا وأخذ يكاتبالتتار ويراسلونه والخليفة غافل لا يطلع على الأمور ولا له حرص على المصلين ' . "
هكذا وصف الإمام الذهبي قصة سقوط بغداد في عام 656 هـ على أيدي التتار وبمعاونةهامة للغاية من الشيعة ، بل أن الكثير من المؤرخين يرون أنه لولا مساعدة وخيانةمؤيد الدين بن العلقمي ونصير الدين الطوسي ما سقطت بغداد ؛ وكأن التاريخ يعيد نفسهوتسقط بغداد مرة أخرى ولكن هذه المرة على أيدي الأمريكان وبمساعدة غير محمودة منشيعة العراق الذين يعدون العدة منذ زمن للانقضاض على سنة العراق .
يقول السبكي عن ابن العلقمي : ' وكان شيعيا رافضياً في قلبه غلللإسلام وأهله وحبب إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر فصار الجند يطلبونمن يستخدمهم في حمل القاذورات ومنهم من يكاري على فرسه ليصلوا إلى ما يتقوتون به ' .
ويقول أحد المؤرخين : ' ابن العلقمي الرافضي كان قد كتب إلى هولاكو ملكالتتار في الدست:" أنك تحضر إلى بغداد وأنا أسلمها لك . و كان قد داخل قلب اللعينالكفر، فكتب هولاكو : إن عساكر بغداد كثيرة فإن كنت صادقا فيما قلته ، و داخلا فيطاعتنا ، فرّق عساكر بغداد ، و نحن نحضر ، فلما وصل كتابه إلى الوزير ، و دخل إلىالمستعصم و قال ؛ إنك تعطي دستورا لخمسة عشر ألف من عسكرك وتوفر معلومهم. فأجابالمستعصم لذلك ، فخرج الوزير لوقته ومحا اسم من ذكر في الديوان ثم نفاهم من بغدادومنعهم من الإقامة بها ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الأولى ومحا اسم عشرين ألفا منالديوان ، ثم كتب إلى هولاكو بما فعل و كان قصد الوزير بمجيء هولاكو أشياء منها :
أنه كان رافضيا خبيثا وأراد أن ينقل الخلافة من بني العباس إلى العلويين فلميتم له ذلك من عظم شوكة بني العباس وعساكرهم ففكر أن هولاكو قد يقتل المستعصموأتباعه ثم يعود لحال سبيله وقد زالت شوكة بني العباس وقد بقي هو على ما كان عليهمن العظمة والعساكر وتدبير المملكة فيقوم عند ذلك بدعوة العلويين الرافضة من غيرممانع لضعف العساكر و لقوته ثم يضع السيف في أهل السنة فهذا كان قصده لعنه الله.
و لما بلغ هولاكو ما فعل الوزير ببغداد ركب وقصدها إلى أن نزل عليها وصارالمستعصم يستدعي العساكر ويتجهز لحرب هولاكو وقد اجتمع أهل بغداد وتحالفوا على قتالهولاكو وخرجوا إلي ظاهر بغداد ومضي عليهم بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا، وصبر كل منالطائفتين صبرا عظيما ، وكثرت الجراحات والقتلى في الفريقين إلى أن نصر الله تعالىعساكر بغداد وانكسر هولاكو أقبح كسرة وساق المسلمون خلقهم وأسروا منهم جماعة وعادوابالأسرة ورؤوس القتلى إلى ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدو ، فأرسلالوزير ابن العلقمي في تلك الليلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط دجلة فخرج مائها علىعساكر بغداد وهم نائمون فغرقت مواشيهم وخيامهم وأموالهم وصار السعيد منهم من لقيفرسا يركبها، وكان الوزير قد أرسل إلى هولاكو يعرفهبما فعل ويأمره بالرجوع إلىبغداد فرجعت عساكره إلى بغداد وبذلوا فيها السيف.
ثم يصف لنا السبكي مؤامرة ابنالعلقمي في قتل الخليقة والعلماء والفقهاء واستباحة بغداد وإراقة الخمور في بيوتالله تعالى فيقول: ' وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي ثم إنه ضرب سوار علىعسكرة وأحاط ببغداد فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال؛ أخرج أنا إليهم فيتقرير الصلح، فخرج وتوثق لنفسه من التتار ورجع إلى المعتصم وقال؛ إن السلطان يامولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصبالخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كانأجدادك مع السلاطين السلجوقية ، ونصرف عنك بجيوشه فمولانا أمير المؤمنين يفعل هذافان فيه حقن دماء المسلمين وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد والرأي أن تخرج إليه . فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان ومعه 1200 شخصية من قضاة ووجهاء وعلماء
فأنزل الخليفة في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعىالفقهاء والأماثل ليحضروا العقد فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم وصار كذلك يخرجطائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم ثم طلب حاشية الخليفة فضرب أعناق الجميع ثم طلبأولاده فضرب أعناقهم، و أما الخليفة فقيل أنه طلبه ليلا وسأله عن أشياء ثم أمر بهليقتل. فقيل لهولاكو: إن هذا إن أريق دمه تظلم الدنيا و يكون سبب خراب ديارك فإنهابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة الله في أرضه فقام الشيطان المبينالحكم نصير الدين الطوسي وقال يقتل ولا يراق دمه وكان النصير من أشد الناس علىالمسلمين، فقيل إن الخليفة غم في بساط و قيل رفسوه حتى مات.
و لما جاءواليقتلوه صاح صيحة عظيمة، و قتلوا أمرائه عن أخرهم، ثم مدوا الجسر وبذلوا السيفببغداد و استمر القتل ببغداد بضعاً وثلاثين يوماً و لم ينجوا إلى من اختفى و قيل إنهولاكو أمر بعد ذلك بعدّ القتلى فكانوا ألف ألف وثمانمائة ألف
ثم نودي بعد ذلك بالأمان فخرج من كان مختبئ وقد ماتالكثير منهم تحت الأرض بأنواع من البلايا والذين خرجوا ذاقوا أنواع الهوان والذل ثمحفرت الدور وأخذت الدفائن والأموال التي لا تعد ولا تحصى وكانوا يدخلون الدارفيجدون الخبيئة فيها وصاحب الدار يحلف أن له السنين العديدة فيها ما علم أن بهاخبيئة،
ثم طلبت النصارى أن يقع الجهر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أن يفعل معهمالسلمون ذلك في شهر رمضان، فألزم المسلمون بالفطر في رمضان و أكل الخنزير و شربالخمر، و دخل هولاكو إلى دار الخليفة راكباً لعنه الله و استمر على فرسه إلى أن جاءسدة الخليفة و هي التي تتضاءل عندها الأسود و يتناوله سعد السعود كالمستهزئ بها وانتهك الحرم من بيت و غيره، و أعطى دار الخليفة لشخص من النصارى و أريقت الخمور فيالمساجد و الجوامع و منع المسلمون من الإعلان بالأذان فلا حول و لا قوة إلا باللهالعلي العظيم، هذه بغداد لم تكن دار كفر قط و جرى عليها هذا الذي لم يقع قط من منذقامت الدنيا مثله، و قتل الخليفة و إن كان وقع في الدنيا أعظم منه إلا أنه أضيف لههوان الدين و البلاء الذي لم يختص بل عم سائر المسلمين ' .
وانظروا ما فعل نصير الدين الطوسيالذي يسميه الخميني أستاذ الأساتذة ، أفتى الطوسي لهولاكو بجواز قتل المسلمين ؛يقول أحد المؤرخين : ' تجمع المصادر التي وصفت الساعات الأخيرة من حياة الخلافةالعباسية الإسلامية على أن هولاكو قد استشار أحد المنجمين قبل أن يبدأ غزوته و كانالمنجم الفلكي حسام الدين مسلما غيورا على المسلمين و حياتهم فقرأ له ما يلي: إن كلمن تجاسر على التصدي للخلافة و الزحف بالجيش إلى بغداد لم يبق له العرش و لا الحياة، و إذا أبى الملك أن يستمع إلى نصحه و تمسك برأيه فسينتج عنه ست مهالك: تموت الخيل، و يمرض الجند ، لن تطلع الشمس و لم ينزل المطر ثم يموت الخان الأعظم.
لكنمستشاري هولاكو قالوا بغزو بغداد وعدم الاستماع لرأي المنجم ، فاستدعى هولاكو نصيرالدين الطوسي الذي نفا ما قاله حسام الدين و طمأن هولاكو بأنه لا توجد موانع شرعيةتحول دون إقدامه على الغزو و لم يقف الطوسي عند هذا الحد بل أصدر فتوى يؤيد فيهاوجهة نظره بالأدلة العقلية و النقلية وأعطى أمثلة على أن كثيرا من أصحاب الرسولقتلوا ولم تقع الكارثة، و غزا هولاكو بغداد بفتوى الطوسي وبمعلومات ابن العلقميوهما وزيراه الفارسيان ، و لم يستسلم المستعصم فقد أشار عليه البعض بأن ينزلبالسفينة إلى البصرة ويقيم في إحدى الجزر حتى تسنح الفرصة ويأتيه نصر الله لكنوزيره ابن العلقمي خدعه بأن الأمور ستسير على ما يرام لو التقى بهولاكو.
، و وضعالمستعصم في صرة من القماش و داسته سنابك الخيل وكان قتلى بغداد كما تقول المصادرالمعتدلة 800 ألف مسلم ومسلمة كانوا هم ضحايا ابن العلقمي و الطوسي و الأخير كان قدأصدر فتوى بجواز قتل المستعصم حين تردد هولاكو عن قتله ،،،فافهمه الطوسي أن من هوخير منه قد قتل و لم تمطر الدنيا دماً، و قد استبيحت بغداد في اليوم العاشر من شباطعام 1258م و لم يكن ذلك اليوم آخر نكبة حلت بالأمة على يد الوزراء الفرس و لابسيالعمامة الفارسية المجوسية '.
ثم بعد هذه الخيانات يأتي الخميني فيقول : ' .. ويشعر الناس بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي و أضرابه ممن قدموا خدماتجليلة للإسلام .. ' .
ويقول مؤرخ الشيعة الميرزا محمد باقر الخوانساري في صفحة 578 من كتابه [روضات الجنات] في ترجمة شيخهم نصير الدين الطوسي: 'ومن جملة أمرهالمشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم في محروسة إيران هلاكو خانبن تولى خان بن جنكز خان من عظماء سلاطين التتارية وأتراك المغول ومجيئه في موكبالسطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلادوقطع دابر سلسلة البغي والفساد، وإخماد ثائرة الجور والإلباس، بإبادة دائرة ملك بنيالعباس، وإيقاع [القتل العام] في أتباع أولئك الطغام، إلى أن أسال من دمائهمالأقذار كأمثال الأنهار، فانهار بها في ماء دجلة ومنها إلى نار جهنم دار البوار،ومحل الأشقياء والأشرار'.
هكذا ينظر شيعة اليوم إلى العلقمي والطوسي فهل يعتقدأنهم سيرقبون في سنة العراق إلا أو ذمة ..خاصة وأن العراق تمثل بالنسبة لهم وضعاخاصا وذلك للأسباب الآتية :
1 – المزارات والأماكن الشيعية المقدسة لديهم فيجنوب العراق ، وتمثل هذه المزارات أهمية كبيرة لهم ، حيث يشدون إليها الرحال منمختلف بلدان العالم الإسلامي ، كما يعتقد معظمهم أن الحج إليها أفضل من الحج إلىمكة ، ولن يقر لهم قرار ما دامت هذه الأماكن لا تخضع لسلطانهم .
2 – السيطرة على العراق هو مفتاحهم للسيطرة على بقية دول الخليج ومن ثم بقيةالعالم العربي
. وكان ابن العلقمى يطمع فى أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة باتخاذه عند هولاكو يداً، وعمل بالفعل على تعطيل المدارس والمساجد والجماعات والربط ببغداد، واستمر بالمشاهد ومحال الرفض، وكان يريد أن يبنى مدرسة هائلة للرفض. ولكن هولاكو أهمله وأذله فذاق وبال أمره، وتوفى مذموما مدحوراً
تدمير بغداد656هجريا
وبعد قتلالخليفة وسادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحل والعقد فيبلاده مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدانوالمشايخ والكهول والشبان ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقِنيّ الوسخوكمنوا كذلك أياماً لا يظهرون.
وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخاناتويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ثم يدخلون عليهمفيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة حتى تجري الميازيب من الدماء فيالأزقة فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهودوالنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان فى القلب إسلام وإيمان.
وعادتبغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس وهم فيخوف وجوع وذلة وقلة .
وقُتل الخطباء والأئمةوحملة القرآن وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات عدة شهور ببغداد وأراد الوزير ابنالعلقمي قبحه الله ولعنه أن يعطل المساجد ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض وأن يبنيللرافضة مدرسة هائلة ينشرون عِلْمَهم وعَلَمَهم بها وعليها فلم يُقْدره الله تعالىعلى ذلك بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيره من هذه الحادثة وأتبعه بولده.
ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية علىعروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول وقد سقطعليهم المطر فتغيّرت صُوَرهم وأنْتنتْ من جيفهم البلد وتغيّر الهواء فحصل بسببهالوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام فمات خلق كثير من تغيّر الجووفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون فإنا للهوإنا إليه راجعون، ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطاميروالقِنيِّ والمقابر كأنهم الموتى إذا نُبشوا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضاً فلايعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهممن القتلى واجتمعوا تحت الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو لهالأسماء الحسنى ورحل السلطان المسلّط هولاكوخان عن بغداد وفوَّض أمر بغداد إلىالأمير علي بهادر وإلى الوزير ابن العلقمي فلم يمهله الله ولا أهمله بل أخذه أخذعزيز مقتدر . انتهى باختصار .
يقول المؤرخ ابن كثير: "ومازال السيف يقتل أهلها أربعين يوما، ولما انقضى الأمر المقدور، وانقضت الأربعين يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد، إلا الشاذ من الناس، والقتلى فى الطرقات كأنها التلول" وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى فى الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من الجو وفساد الريح ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء" .
البداية والنهاية ج3 ص203]
ويصف هـ. ج ويلز، عن عداء التتار للإسلام. فيقول: "وأظهر المغول فى ذلك الزمان عداوة مريرة للإسلام، ولم يكتفوا بتذبيح سكان بغداد عندما استولوا على تلك المدينة بل شرعوا فى تدمير نظام الرى السحيق القدم الذى ظل على الدوام يجعل من أرض الجزيرة بلادا رغيدة آهلة بالسكان منذ أيام سومر القديمة. وصارت أرض الجزيرة منذ تلك اللحظة التعسة يبابا من الخرائب والأطلال، لا تتسع إلا للعدد القليل من السكان
وقع الحوافــر يا بغداد أغنيـــة ***** ثراك ينشدها والرمل أفــــواه
وحمحمات خيـــول الله تطربني ***** الحرب دائرة والنـــاصر الله
صهيلها في دروب الحق يملكني ***** فكم أذوب بها وجداً وأهـــــواه
هذا المثنى يُروي الأرض من دمه ***** والعين في رؤية الأحداث عيناه
لم يستعر مقلة أخرى ولا شفة أخــ ***** ــرى ولم تصغ للتضليل أذناه
كيانك الضخم يا بغداد حصّـنه *** سيف المثنى ونور الحق جلاه
النور فوق ذراع الشمس صبّـحه ***** والنور فوق ذراع البدر مساه
نهاية الخلافة العباسية عقاب إلهى
(وإذا أردنا أن نهلك قريةأمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنا ها تدميرا) الإسراء وقد رأى الخليفة المستعصم بنفسه طرفاً من ذلك قبل أن يقتله المغول رفسا بأقدامهم..!!!
يقول الهمذانى فى كتابه: (جامع التواريخ) أن هولاكو بعد أن اقتحم بغداد، دخل قصر الخلافة، وأشار بإحضار الخليفة المستعصم وقال له: أنت مضيف ونحن الضيوف.. فهيا أحضر ما يليق بنا.. فأحضر الخليفة وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس، فلم يلتفت إليها هولاكو، ومنحها للحاضرين، وقال للخليفة: إن الأموال التى تملكها على وجه الأرض ظاهرة، وهى ملك لعبيدنا، لكن اذكر ما تملكه من الدفائن، وما هى وأين توجد؟. فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه، كان مليئاً بالذهب الأحمر، وكان كله سبائك، تزن الواحدة مائة مثقال..!! واستحق الخليفة احتقار هولاكو السفاح الدموى، إذ تعجب هولاكو، كيف يكون للخليفة كل هذه الكنوز ثم يبخل على الجنود بأرزاقهم؟!!
ولم ينس هولاكو أن يذكر ذلك فى منشوره الذى أرسله إلى حاكم دمشق ينذره بالتسليم، ويخوفه من مصير الخليفة العباسى، وما حدث لبغداد، ويقول فيه عن الخليفة المستعصم: "واستحضرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب فواقعة الندم، واستوجب منا العدم، وكان قد جمع ذخائر نفيسة ، وكانت نفسه خسيسة، فجمع المال ولم يعبأ بالرجال".
أمر هولاكو بإحصاء نساء الخليفة، فبلغن سبعمائة زوجة وسرية وألف خادمة"..!! وتضرع له الخليفة قائلاً: "من على بأهل حرمى اللائى لم يطلع عليهن الشمس والقمر".. يقول الهمذانى: "وقصارى القول، إن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل".
وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنوز التى ورثها هولاكو من الخليفة العباسى، فإنه صهرها جميعاً فى سبائك وأقام لها قلعة محكمة فى أذربيجان. لقد كان هولاكو– ذلك الهمجى السفاح – يعى تماماً أنه عقاب إلهى للخلافة العباسية والحكام الظلمة فى المنطقة، وحرص على إبراز هذا المعنى فى رسائله إلى الحكام، يقول فى رسالته إلى حاكم دمشق: "إن قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى، وقتلنا فرسانها، وهدمنا بنيانها، وأسرنا سكانها".. ويقول فى رسالته إلى السلطان قطز فى مصر: "يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها.. إنا نحن جند الله فى أرضه، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل به غضبه.. فإنكم أكلتم الحرام، ولا تقفون عن الكلام. وخنتم العهود والإيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة". [تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل ص 108 – الشيخ محمد الغزالى] [ص54، ص 56 عرب ومسلمون للبيع – د. عبد الودود شلبى – المختار الإسلامى]
وهكذا أصبحت بغداد – دار السلام – بفعل التتار – والنصارى والرافضة مأوى لجماعة من النصارى والشيعة والوثنيين، فقد طلب هولاكو من بطريق النساطرة أن يجمع النصارى فى إحدى الكنائس حتى يميزوا عن غيرهم فلا يتعرض لهم جند التتار. وكان سقوط بغداد عاصمة الخلافة أشبه بزلزال رهيب دك بنيان بلاد الإسلام من أقصاها ، ونظم الشعراء من العرب والفرس المراثى التى تشع الأسى فى النفس وتسير الشجون.
غزو الشام
تقدم هولاكو بعد ذلك إلى الشام، وهاجم حلب ودخلها بعد حصار شديد وتركها شعلة من اللهب والدخان، ودخل كتبغا دمشق، فسقطت حاضرة الشام صريعة تحت أقدام المغول سنة 657هـ، واشتركت معه فرق نصرانية أرمنية وأفرنجية، فسنحت للنصارى الفرصة للتفشى والانتقام من المسلمين، فنظموا مواكب عامه حملوا فيها الصلبان وأنشدوا الأناشيد ويذمون دين الإسلام وأهله، وأجبروا المسلمين على أن يقفوا احتراما لمواكبهم ومن امتنع تعرض للسب والإهانة، وبلغ بهم التحدى أقصاه فدقوا النواقيس، وتظاهروا بالخمر فى رمضان ورشوه على ثياب المسلمين فى الطرقات، كما صبوه على أبواب المساجد ولم يستثنوا حتى الجامع الأموى، فضجر المسلمون ورفعوا شكواهم إلى ابل سبان متسلم البلد وكان نصرانيا فلم يحفل بهم بل أهانهم وضرب بعضهم وأخذ يزور الكنائس ويعظم رجالها على مذاهبهم.
وما تزال بقلبى ألف مبكية من رهبة البوح تستحى وتضطرب.
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ونحن من دمانا نحسو ونفترق
وقعة عين جالوت
هذه الأمة لايزيدها بطش الأعداء إلا شدة وأبلغ دليل على ذلك فلسطين وأفغانستان .
أرى البلايا تحيط المرء تحصنه حتى لئن صح ذوب الصخر لم يذب.
أو صح أن قناة الصلب قد وهنت فلا يلين إذا ما صب فى اللهب.
ما حصحص الحق إلا بعدما انسلخت من عمر يوسف أعوام من النصب.
وقيض الله سبحانه وتعالى لأمه الإسلام: المماليك فى مصر بقيادة قطز والظاهر بيبرس، وعلماء مثل العز بن عبد السلام، فتحركت فى الأمة روح الجهاد واستثيرت طاقات الأمة ووجهت إلى الجهاد فى مصر والشام، وتحركت جيوش الإسلام من مصر عام 658هـ/ 1260م والتقت بجيوش المغول تؤيدهم وتؤازهم بعض النجدات النصرانية من الأرمن والكرج – فى عين جالوت بين بيسان ونابلس على أرض فلسطين فى 25 رمضان
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا فإذا افترقن تكسرت آحادا .
وكان التتار متوجهين نحو مصر بعد الشام بحكم الطبيعة، وكانت مصر وحدها التى لم تصبها ويلات التتار، وقد كان ملك مصر الملك المظفر سيف الدين قطز قد تفرس أن التتار يزحفون إلى مصر بعد الشام، وعند ذلك يصعب التخلص من وطأتهم، فرأى أن يخرج من مصر بالجنود ويشن عليهم الهجوم فى نفس الشام، حتى وقعت الحرب بين عساكر مصر الإسلامية، والتتار فى عين جالوت يوم 25 من رمضان سنة 658هـ، وانهزم التتار شر هزيمة بخلاف ما سبق لهم من الحروب، فخرجوا منها هاربين، وتعاقبهم المسلمون فقتلوهم وأسروا منهم عدداً كبيراً، يقول العلامة السيوطى فى كتابة "تاريخ الخلفاء" فهزم التتار شر هزيمة، وانتصر المسلمون ولله الحمد، وقتل من التتار مقتلة عظيمة، وولوا الأدبار، وطمع الناس فيهم يتخطفونهم وينهبونهم". [تاريخ الخلفاء ص 425]
رسالة هولاكو
وعقب احتلال المغول دمشق تقدم المغول بسرعة فاحتلوا نابلس وقتلوا حاميتها، ثم تقدموا إلى غزة دون أن يلقوا أية مقاومة. وأصبحوا بذلك بالقرب من حدود مصر، وأرسل هولاكو إلى "قطز" سلطان مصر رسالة قاسية يهدد فيها ويتوعد. ومما جاء فيها قوله: سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، ولكن أى أرض تأويكم، وأى بلاد تحميكم خيولنا سوابق "وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال" وتلقى المسلمون هذه الرسالة، ودار حولها نقاش، وكان معنى الاستسلام أن يضيع العالم الإسلامى تحت سلطان المغول، وأحس القادة المسلمون في مصر بمسئوليتهم تجاه الإسلام والمسلمين، مع ما فى ذلك من مخاطرة، ولم يكن من الممكن الاتفاق مع المغول فقد عرف هؤلاء بنقد العهود، والقضاء على المسلمين، ولم يبق إلا المواجهة، وعلى هذا الاتجاه اتفق السلطان "قطز" وأمير الأمراء قائد الجيوش "بيبرس" وكل القادة المسلمين، وتنفيذاً لذلك صدرت الأوامر بقتل سفراء المغول الذين حملوا التهديد، وكان ذلك إيذانا بقيام الحرب. ولم يقنع الجيش المسلم بموقف الدفاع من داخل الحصون، ذلك النظام الذى كان يلجأ إليه الأمراء فى البلاد المختلفة التى هاجمها المغول، فقد كان ذلك يتيح للمغول أن يسحقوا الحصون ويدفنوا أعدائهم فى حصونهم، أو أن يتركوهم فى الحصون حتى ينضب الزاد والعتاد فيستسلموا. ويواجهوا الموت عقب الاستسلام، وتحاشيا لذلك لجأ المسلمون للهجوم فزحف "بيبرس" واقتحم غزة، وقضى على حاميتها، ثم زحف "قطز" بجزء آخر من الجيش ليتعاون مع "بيبرس" وجاءت بعد ذلك موقعة "عين جالوت" ومكانها بين بيسان ونابلس، وهى معركة من أخطر معارك التاريخ، فقد اتجه لها "كيتو برقا" مزمجرا عندما وصلته الأبناء عن اندحار جيشه فى غزة، واتجه لها كذلك جيش المسلمين اللجب، وكان اللقاء فى 15رمضان سنة 658هـ .
الخطة الذى هزم بها قادة المسلمين التتار
كان الإعصار الأصفر يكتسح الدول والممالك اكتساحاً، وكان الفارون أمام جيش (هولاكو) وقوة التتار يلجأون إلى القاهرة، وكان موعد اللقاء الذى لابد منه بين المسلمين والتتار قد اقترب، بعد الإطاحة بعرش (بغداد) وفى هذه الأيام، كانت الروح المعنوية لدى المسلمين عالية جداً بعد هزيمة الصليبين فى (المنصورة) عام (1253) وأسر (لويس التاسع)، ملك فرنسا ففكر القائد العام للجيش المسلم (بيبرس) فى أن تزويد الشعب باللياقة البدنية، إلى جانب الروح المعنوية، كفيل بهزيمة التتار. فوضع سياسته العسكرية، على أساس الرياضة البدنية، وزاد من اهتمامه بتدريب الشباب فى الساحات الشعبية واشترك هو و (المظفر قطز): أمير البلاد، فى وضع خطة مدروسة لملاقاة التتار، وعكفوا على دراسة خطط (التتار) الجريئة فوجدوا ان مصدر قوة التتارفى ثلاث: أنهم يقاتلون وهم على ظهور خيولهم، ثم يعتمدون، على سرعة تجمعهم أمام جزء ضعيف من جبهة عدوهم، ثم يهجمون بعنف على هذا الجزء كأنهم عاصفة من السماء تثير الرعب فى الخصم فينهار -. وكانت الصعوبة فى مواجهة هذه العاصفة التترية، أنه لم يكن من اليسير على أى شعب أن يقلدها. لأن أسلوبهم هذا فى القتال مع طبيعة حياتهم العادية، من ركوب الخيل باستمرار، وقتال دائم، ومعيشة فى الخلاء، وتحرك مستمر لا يهدأ، وكان القوس الذى يستعملونه أصلب قوس فى هذا العصر، ويحتاج استعماله إلى قوه بدنية كبيرة ودراية خاصة فكيف فكر القائد (بيبرس)؟
أدرك (بيبرس) أن شر خطورة المحارب التترى هو بقاؤه على سرج جواده، وخفته وضراوته. وأدرك انه لابد من هزيمة التتار بنفس أسلوبهم، كما أدرك أنه من العسير أن يحول كل المحاربين المسلمين، ومعظمهم من الصعايده والفلاحين إلى (ركبدارية) مهرة أى (ركاب خيل). فقرر خطته وقوامها، إنزال التتار عن خيولهم والالتحام بهم يدا بيد على الأرض، وإعداد الشعب بدينا لهذه الملحمة عن طريق الرياضة البدنية.
نهاية التتار
بدأ الاستعداد لملاقاة التتار وصدرت الأوامر بتجهيز الشعب للقتال وأصدر أوامره بزيادة الساحات الشعبية إلى جانب ميدان التدريب العسكرى، مع التركيز على الألعاب التى تنمى العضلات ولا سيما الأكتاف والذراع بما يؤهلها لشد القوس الثقيل الذى اخترع وأعد لمحاربة (التتار) ثم العناية بالمصارعة تمهيدا للاشتباك مع العدو الرهيب، وبالتركيز على ألعاب القوى لتحمل مشاق الميدان. ومرت سنتان، وذات يوم لاح فى الأفق عشر فوارس من فرسان القتال جاؤوا بإنذار من قائدهم بالتسليم. واستشار رئيس الدولة (المظفر قطز) مجلس الحرب، وكان رد المسلمين هو الرد الحقيقى.. ضرب أعناق ثمانية من فرسان التتار العشرة ما عدا فارسين، وعلقت جثتهم على (باب زويله)، وحمل الفرسان رءووس زملائها إلى قائدهم المغرور (كتبغا). وخرج الجيش المسلم للقاء العدو، وبدأت معركة (عين جالوت) فى صباح الجمعة الخامس عشر من شهر رمضان عام 658هـ وهى توافق اليوم التالى من ديسمبر (كانون الأول) عام 1260م، وهى واحدة من أهم المعارك الحاسمة فى تاريخ العالم.
وبدأت المعركة ، كما توقعت القيادة المسلمة، بهجوم شديد مكثف للتتار، تحت عاصفة من السهام على يسار جبهة الجيش المسلم، وكان المجاهدون يحملون دروعا كاملة لأول مرة اتقاء للسهام، إلا أنهم تنفيذا اللحظة التى استعاروها من التتار أنفسهم ، تظاهروا بالانكسار والفرار تاركين ثغرة كبيرة فى خط القتال المسلم ، واندفع التتار بجيادهم من هذه الثغرة بقوة وعنف كالسيل الجارف.
وألقى قطز بخوذته على الأرض أثناء المعركة وصاح بصوت كالرعد: وا إسلاماه، اللهم أنصر عبدك قطز على التتار " فكتب الله النصر المبين للإسلام، وانهزم المغول هزيمة منكرة لأول مرة فى تاريخهم، بعد أن كانت القلوب قد يئست من النصرة عليهم لاستيلائهم على معظم البلاد الإسلامية، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه، ولا عسكر إلا هزموه. فتكسرت حدة موجات التتار، وتحول مدهم إلى جزر، واسترجع المماليك منهم الشام بأكملها، فكانت عين جالوت فاتحة سلسلة من الانتصارات توالت على المسلمين، وحطمت أسطورة قوى المغول، وعاد دين الإسلام غصن الإهاب.
وبعد أن تركهم المجاهدون حتى أوغلوا راكبين ، ثم انقض عليهم جناحا الجيش المسلم بقوة وانهالت عليهم السهام، وأحجار المقاليع. ثم قام الفرسان بحملات هائلة لدفع التتار، وفى هذه اللحظة ظهرت الإشارة المتفق عليها فبدأت عشرات الطبول والنقرزانات تدق وتعزف بعنف، فأطبق المسلمون من كل اتجاه وحاصروا التتار الذين أخذت خيولهم تجمح بفعل السهام والأحجار المطلقة من المقاليع، فترجلوا وكان هذا ما تبغيه القيادة ، إذ بدأ القتال الرهيب يدا بيد. وفقد التتار مزيتهم . وفى إجادة القتال الراكب، وكان المسلمون قد أعدوا إعدادا كاملا، واكتسبوا مهارات حركية بالرياضة بجانب التدريب العسكرى على أجهزتهم الحربية الجديدة والثقيلة، ودروعهم الكاملة .
نهضت جموع المسلمين لجولة لله تدفع كل عزم منجد
كل يقول لنفسه إن راعها خطر , سبيل الله أبلج فاشهدى
يوم من الأسد الهزبر أعز من عمر الثعالب أو حياة الأسود
لله درك إذ حملت مع الردى نفسا تعز أو همة لم تقعد
وما أن انتصف النهار حتى رفع أحد الجنود المسلمين رأس (كتبغا) قائد التتار على سنان رمحه حتى يراها الفريقان، وما أن شاهدها التتار حتى فترت عزائمهم وفروا لأول مرة فى تاريخ حروبهم وأصبحوا فلولا تم تطهيرها بسرعة. واتبع الأمير (بيبرس) وجماعة الشجعان التتار يقتلونهم فى كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وهرب من دمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم ، ويطلقون الأسارى من أيديهم . وانتهت معركة عين جالوت بانتصار المسلمين، الذى أوقف زحف التتار على الشرق الأوسط كما أوقف زحفهم على أوربا . [الوعى الإسلامى العدد/ 340 ذو الحجة 1414هـ مايو 1994]
وهكذا سطر التاريخ ملحمة العقيدة ,فالمسلمون لهم النصر دائما ما داموا بدينه متمسكون وعلى خطى الجهاد سائرون , وبوحدة الدين قائمون.
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا.
نحن الذين بايعوه على الهدى نحن دعاة الحق أبطال الفدا.
إنا إذا ما شئت مصباح الهدى أ و إننا نار على كل العدا.
بالحق قمنا رافعين صوتنا أ و حاملين فى الورى دستورن.
لا نرهب الذل ولا نخشى الفنا وهل يهاب الناس من يهوى الردى.
سلوا الدماء فى السهول والربى كم من طغاة لم ننلهه مأربا.
فينا رجال لا يخافون مركبا لما الندا عاليا له صدى.
فى الله نحيا أو نمت فى حبه ولنقفوا إثر المصطفى وصحبه.
فكل شىء قد غدا فى حبه شىء يسير من لدن رب الهدى
.
جمع وترتيب أبو مسلم12-3-2003
أبو مسلم
birgas10@yahoo.com
walleed20@hotmail.com
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: (بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض)
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم لا يعرفون الخبر
يتصور كثير من ضعاف النفوس أن الأمة الإسلامية الآن فى مرحلة الاحتضار وأوشكت على الموت المحقق , ولكن المفاجئة القاسية لهم, أن الأمة قد مرت بنكبات فوق الخيال فنجاها الله لما تمسكت بعراه وثابت إلى دينه وطلقت حياة الترف والرذيلة, لذا نقول لهؤلاء المرجفين :
لاتهىء كفنى يا عاذلي فأنا لى مع الفجر مواثيق وعهد
سنمضي والنجوم لنا دليل *** متى أصغى السحاب إلى النباح
أحلام التتار !!!!!!!
المغول والتتار قبائل موطنهم الأصلى منغوليا (شمال صحراء غوبى)، وكانت هذه القبائل تقضى أوقاتها فى النزاعات القبلية وفى البحث عن منابت الشعب ودانت بالوثنية التى تعرف باسم الشامانية.
واستطاع تيموجين بسوكاى الذى ولد فى منغوليا عام 549هـ – 1155م أن يوحد هذه القبائل عام 603هـ/ 1206م ووضع لهم دستوراً اجتماعيا حربيا مختصرا عرف باسم الياسة الكبرى أو السياق بالغ الشدة والعنف للطاعة فيه اكبر نصيب فكانوا اعظم الأمم طاعة لسلاطينهم، دون معرفة معانى الشفقة أو الرحمة، وبعد أن وحدهم لقب نفسه "جنكيز خان" أى أعظم الملوك.
وكان التتار يعتمدون فى طعامهم أساساً على صيد الحيوانات وعندما كانوا يقتلون أى شئ (كالآيائل) مثلا كانوا يلتهمون الحيوان كله نيئاً ،بما فى ذلك الأجزاء الكريهة منه، وكان الحصان هو حيوانهم الرئيسى، ولبن الفرس هو طعامهم المفضل عندما يتم تخمير هذا اللبن، فإنه يتحول إلى مسكر قوى وفى الحفلات كانوا يشربون من جماجم قتلى الأعداء
واندفع بهم إلى الصين واستولى على بكين عام 612هـ فاستولى بذلك على مزيد من الكنوز والنفائس، وتعلم المغول استعمال البارود، ثم قضى على دولة الخطا السوداء (قره خطى) التركية المتاخمة لبلاد الصين 615هـ فأصبح يطرق أبواب العالم الإسلامى ويتحداه وكان هذا التحدى شريكا لبعض الوقت للغزو الصليبى على عالم الإسلام، وقد حمل بهمجية وبربرية ووحشية على العالم الإسلامى وكانت حملاته وحملات أخلافه غاشمة كمد البحر أو الطوفان الذى كاد أن يبدد الحضارة الإسلامية.
اصطدم جنكيز خان بالدولة الإسلامية الخوارزمية – وكانت بمثابة السور الفولاذى المنيع الذى يحمى الجبهة الإسلامية من جهة المشرق تمتد من العراق العجمى غربا إلى نهر السند شرقا، ومن شمال بحر قزوين وآرال شمالا إلى الخليج العربى والمحيط الهندى جنوبا شاملة أذر بيجان والعراق العجمى وفارس وكرمان وسجستان وخراسان وأفغانستان والبامير والصفد وما وراء النهر. وكان على رأس هذه الدولة جين بدأت تطرقها المطارق المغولية السلطان علاء الدين محمد خزارزم شاه.
أوضاع مركز الخلافة والعالم العربى فى هذا العصر
توزعت المملكة الأيوبية بعد وفاة السلطان صلاح الدين الأيوبى فى سنة 589هـ بين أولاده وأفراد أسرته، ولكن هؤلاء لم يستخدموا مؤهلاتهم وكفاءاتهم فى أداء هذه الأمانة التى آلت إليهم، شأن كثير من أولاد الولاة، وأولى العزم من الحكام، فقد ظل الصراع قائماً بينهم إلى مدة طويلة، حتى أن بعضهم لم يتلكأ فى الاستعانة بالصليبين بتدبير المؤامرة ضد إخوانهم وأصحابهم، وقد أنتج هذا الوضع الشاذ اضطراباً سياسياً، وانحلالاً خلقياً، وفوضى فى سائر الولايات التابعة لهذه المملكة، وكان الناس يعيشون فى جو من القلق والخوف.
هذا وكانت الغارة الصليبية الأفرنجية تتعاقب على تلك الحواضر الإسلامية، التى كان السلطان صلاح الدين قد استردها بعد تضحيات، وقد فشت أمراض وأوبئة ومجاعات شديدة نتيجة لهذا الانحطاط الخلقى، والانحراف الإدارى.
وفى سنة 597هـ حدثت مجاعة فى مصر فما فاض فيها النيل، وتزلزلت أرض مصر بمناعات الملكين العادل والأفضل، حتى اشتد الغلاء بأرض مصر، فهلك خلق كثير جداً من الفقراء والأغنياء، ثم أعقبه فناء عظيم حتى حكى الشيخ أبو شامة فى الذيل: "إن العادل كفن من ماله فى مدة شهر من هذه السنة نحو من مئتى بمصر، وأكل من الصغار والأطفال خلق كثير، يشوى الصغير والداه ويأكلانه، وكثر هذا فى الناس جداً حتى صار لا ينكر بينهم، فلما فرغت الأطفال والميتان غلب القوى الضعيف فذبحه وأكله.
[البداية والنهاية ج 13 ص 26]
واستمرت هذه الحالة وفقاً لسنة الله فى الأرض، وظلت الإنذارات السماوية، والأحداث الجسام تحذر الناس، وكانت كفيلة بأن تبعث الناس على التوبة والإنابة إلى الله، وإصلاح أحوالهم
قال تعالى ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
"وحدثت فى نفس هذه السنة زلزلة عظيمة ابتدأت من بلاد الشام إلى الجزيرة والروم والعراق.. وأخربت محال كثيرة من طرابلس ونابلس ولم يبقى بنابلس سوى حارة السامراء، ومات بها وبقراها ثلاثون ألفاً تحت الردم.. ومات أمم لا يحصون ولا يعدون ، حتى قال صاحب "مرآة الزمان" أنه مات فى هذه السنة بسبب الزلزلة نحو ألف ومائة ألف إنسان قتلا تحتها. [أيضاً ص 27] والله أعلم.
هذا وقد تفاقم الشر فى مركز الخلافة (دار الإسلام بغداد)، وسيطرت عليه مظاهر الأبهة الملوكية والسلطان الأعمى، وتغلغل نفوذ الخدم والحشم فى قصور الخلفاء، وبلغت الثروة والمدينة ذروتها، ولا يمكن أن نتصور ما كان يمتلكه الخدم والمماليك الذين كانوا لدى الخلفاء من المال والعقار.
ويكفى أن نذكر على سبيل المثال، أن علاء الدين الطبرسى الظاهرى، وهو ممن اشتراهم الخليفة الظاهر، كان يحصل له من أملاكه التى استجدها نحو ثلاث مائة ألف دينار سنوياً، وكانت له دار لم تكن ببغداد مثلها،
وكذلك مجاهد الدين أيبك الدويدار المستنصرى، وقد ملك جزيل الأموال من العين، والرقيق ، والدواب، والعقار، والبساتين والضياع ويتعذر وصف ما أنفقه من قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والجواهر التى جهز بها أولاده وبناته فى ليالى الزفاف، كما أن الفراش الصلاح عبد الغنى بن فاخر ، وكان شيخ الفراشين بدار الخلافة، كان يعيش مع خلوه من العلم عيشة الملوك، بينما كان مدرسو المدرسة المستنصرية فى هذا العصر وهم من كبار علماء بغداد بوصفهم يدرسون فى أكبر جامعة إسلامية فيها، لا يتقاضى الواحد منهم أكثر من 12 دينار شهرياً.
تموت الأسد جوعا فى البرايا ولحم الضأن يرمى للكلاب.
وذو جهل ينام على حرير وذو علم ينام على التراب.
وبجانب ذلك نجد أن 4000دينار ينثرها خادم للشرابى على مجد الدين أيبك المستنصرى، عند زواجه من ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وأن 3000دينار أعطاها الشرابى للأشخاص الثلاثة الذين أتوا بطائر من الموصل.
ولكى ندرك مدى نفوذ هذه المظاهر الكاذبة، والتظاهر بالفخفخة والأبهة الملوكية يجب أن نعرف أن المواكب التى كانت تخرج فى مناسبات العيد والتتويج كانت تشغل الناس، حتى أنهم كانوا يتناسون أنفسهم، ويتشاغلون عن أداء الصلوات، ونستطيع أن نقيس ذلك بالموكب الملكى، الذى خرج يوم عيد الفطر سنة 640هـ استمر إلى الليل، وصلى الناس صلاة العيد قبل نصف الليل قضاء. [الحوادث الجامعة أخبار سنة 640هـ]. وذكر فى المسجد المسبوك" أن العساكر فى عاشر ذى الحجة سنة 644هـ خرجوا إلى ظاهرة البلد، وصلوا صلاة العيد وقت غروب الشمس.
جرح الحسام له آس يطببه وما لجرح قناة الدين من آس .
تميز هذا العصر بكثرة المصادرات، ونفش الرشوة وعزل كبار الموظفين وإلقاء القبض عليهم، وبيع ممتلكاتهم وتفاقم أمر الباطنية والشطار والعيارين، واشتداد النزاع الطائفى والتفكك الخلقى، والانصراف إلى الملاهى والقيان والتكاثر فى الأموال.
مساوىء لو قسمن على الغوانى لما أمهرهن إلا بالطلاق.
وفى نفس هذه الأيام كان التتر يعيثون بكرامة فارس وتركستان، ويأتون عليها من كل جانب وكانت أبصارهم شاخصة إلى بغداد، أكبر مركز إسلامى فى ذلك العهد، يتحدث المؤرخ الشهير ابن كثير عن استهلال سنة 626هـ بما يأتى:
استهلت هذه السنة وملوك بنى أيوب مفترقون، مختلفون" ، وظلت بغداد دار الخلافة الإسلامية مركز للاضطراب والفساد، ولم يتمكن الناس من السفر للحج، ولا استطاع الخليفة تغيير كسوة الكعبة الشريفة، التى قد جرت عادة خلفاء الإسلام من قديم بتغييرها، بين 640هـ و643هـ، وبقيت جدران الكعبة عارية عن الكسوة إلى 21يوماً، فتشاءم بها الناس.
فى سنة 575هـ جلس الخليفة الناصر لدين الله على عرش الخلافة، وطالت أيام خلافته إلى أكثر من 46سنة، وهى مدة طويلة لم تتيسر لأحد من الخلفاء العباسيين، ولكنها أظلم عهد فى تاريخ الخلافة العباسية، وقد ذمة المؤرخون وتناولوا أعماله وأخلاقه بالنقد اللاذع
زحف التتار نحو العالم الإسلامى
وقد ابتدأ التتار ببخارى وأتوا عليها من كل جانب، فدمروها حتى عادت كومة من تراب، ثم توجهوا إلى سمرقند وأحرقوها وأبادوا أهلها، ولقيت نفس المصير المدن الشهيرة للعالم الإسلامى كهمدان وزنجان، وقزوين، ومرو، ونيسابور،
وخوارزم شاه الذى كان يعتبر الملك الوحيد للعالم الإسلامى وأقوى الملوك فى عصره، فكان يعيش فى خوف وهلع، وتنقل وارتحال، يبحث عنه التتار ويتعقبونه حتى توفى فى جزيرة مجهولة. كان خوازم شاه قد ضم ولايات فارس وتركستان المسلمة ودولها المستقلة إلى مملكته، فلما هزمه التتار لم يكن هناك من يقاومهم فى هذا بالجزء الشرقى
توفى جنكيز خان عام 624هـ/ 1227م فقام حفيدة هولاكو بإتمام دوره فى بلاد الإسلام فتحالف مع الصليبين وكانت زوجته نصرانية (نسطورية)، وأعلن الخاقان الأعظم أنه إنما أرسل هولاكو إلى غرب آسيا ليقضى على الخلافة العباسية ويعيد بيت المقدس بعد أن كان قد حررها صلاح الدين عام 583هـ، فاعتبر هولاكو نفسه محررا للنصارى من المسلمين، وأرسل إلى الصليبين قبل أن يبدأ غزوه المسلمين يقول: "لدينا أعداداً كبيرة من المسيحيين من العبودية ومن الضرائب التى فرضها عليهم المسلمون ومعلنين ضرورة معاملة المسيحيين معاملة تليق بهم، فلا يعتدى عليهم ولا على تجارتهم أحد ونحن نصرح بأننا سنعيد بناء الكنائس التى خربها المسلمون"' ..
دخل رعب التتار فى قلوب المسلمين، إلى حد أن أحد التتار دخل بعض الأحيان فى سكة من سكك مدينة حيث وجد مائة رجل من المسلمين، فقتلهم كلهم وأتى على آخرهم دون أن يتجرأ أحد منهم لمقاومته.
وذات مرة دخلت امرأة تتارية بيتا متزينة بزى الرجال، وقتلت جميع أفراد الأسرة، وقد عرف أحد المسجونين الذى كان معها أنها امرأة فقتلها، وقد حدث بعض الأحيان أن تاتارياً أسر مسلماً وقال له ضع رأسك على هذا الحجر حتى آتى بالخنجر فأذبحك ، وخضع له المسلم ولم يسعه أن يبرح مكانه ذاك، ثم أتى التتارى بالخنجر من المدينة وذبحه به.
استولى الرعب والخوف على العالم الإسلامى من أقصاه إلى أقصاه، وغلب على الناس اليأس والتشاؤم، فكانوا يعتبرون التتار بلاء سماويا، ومقاومتهم مستحيلة، وانهزامهم فوق القياس، حتى سار المثل.
" إذا قيل لك أن التتار انهزموا فلا تصدق" [ص18 ، ص19 غارة التتار على العالم الإسلامى]
لم يكن فى وسع الإنسان أن يسد سيل المغول، فقد تغلبوا على جميع أخطار الصحارى والغابات، ولم يقف فى وجههم أى شئ من الجبال والبحار، وشدائد الطقوس والفصول، والقحط والأوبئة، ولم يكونوا يخافون أى خطر ولا مانع، ولا هناك قلعة ترد بأسهم .
الشيعة ودورهم فى إسقاط الخلافة
"وأما بغداد فضعف دست(موارد) الخلافةوقطعوا أخبار(مرتبات) الجند الذين استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق، كل ذلك من عملالوزير ابن العلقمي الرافضي جهد في أن يزيل دولة بني العباس ويقيم علويا وأخذ يكاتبالتتار ويراسلونه والخليفة غافل لا يطلع على الأمور ولا له حرص على المصلين ' . "
هكذا وصف الإمام الذهبي قصة سقوط بغداد في عام 656 هـ على أيدي التتار وبمعاونةهامة للغاية من الشيعة ، بل أن الكثير من المؤرخين يرون أنه لولا مساعدة وخيانةمؤيد الدين بن العلقمي ونصير الدين الطوسي ما سقطت بغداد ؛ وكأن التاريخ يعيد نفسهوتسقط بغداد مرة أخرى ولكن هذه المرة على أيدي الأمريكان وبمساعدة غير محمودة منشيعة العراق الذين يعدون العدة منذ زمن للانقضاض على سنة العراق .
يقول السبكي عن ابن العلقمي : ' وكان شيعيا رافضياً في قلبه غلللإسلام وأهله وحبب إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر فصار الجند يطلبونمن يستخدمهم في حمل القاذورات ومنهم من يكاري على فرسه ليصلوا إلى ما يتقوتون به ' .
ويقول أحد المؤرخين : ' ابن العلقمي الرافضي كان قد كتب إلى هولاكو ملكالتتار في الدست:" أنك تحضر إلى بغداد وأنا أسلمها لك . و كان قد داخل قلب اللعينالكفر، فكتب هولاكو : إن عساكر بغداد كثيرة فإن كنت صادقا فيما قلته ، و داخلا فيطاعتنا ، فرّق عساكر بغداد ، و نحن نحضر ، فلما وصل كتابه إلى الوزير ، و دخل إلىالمستعصم و قال ؛ إنك تعطي دستورا لخمسة عشر ألف من عسكرك وتوفر معلومهم. فأجابالمستعصم لذلك ، فخرج الوزير لوقته ومحا اسم من ذكر في الديوان ثم نفاهم من بغدادومنعهم من الإقامة بها ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الأولى ومحا اسم عشرين ألفا منالديوان ، ثم كتب إلى هولاكو بما فعل و كان قصد الوزير بمجيء هولاكو أشياء منها :
أنه كان رافضيا خبيثا وأراد أن ينقل الخلافة من بني العباس إلى العلويين فلميتم له ذلك من عظم شوكة بني العباس وعساكرهم ففكر أن هولاكو قد يقتل المستعصموأتباعه ثم يعود لحال سبيله وقد زالت شوكة بني العباس وقد بقي هو على ما كان عليهمن العظمة والعساكر وتدبير المملكة فيقوم عند ذلك بدعوة العلويين الرافضة من غيرممانع لضعف العساكر و لقوته ثم يضع السيف في أهل السنة فهذا كان قصده لعنه الله.
و لما بلغ هولاكو ما فعل الوزير ببغداد ركب وقصدها إلى أن نزل عليها وصارالمستعصم يستدعي العساكر ويتجهز لحرب هولاكو وقد اجتمع أهل بغداد وتحالفوا على قتالهولاكو وخرجوا إلي ظاهر بغداد ومضي عليهم بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا، وصبر كل منالطائفتين صبرا عظيما ، وكثرت الجراحات والقتلى في الفريقين إلى أن نصر الله تعالىعساكر بغداد وانكسر هولاكو أقبح كسرة وساق المسلمون خلقهم وأسروا منهم جماعة وعادوابالأسرة ورؤوس القتلى إلى ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدو ، فأرسلالوزير ابن العلقمي في تلك الليلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط دجلة فخرج مائها علىعساكر بغداد وهم نائمون فغرقت مواشيهم وخيامهم وأموالهم وصار السعيد منهم من لقيفرسا يركبها، وكان الوزير قد أرسل إلى هولاكو يعرفهبما فعل ويأمره بالرجوع إلىبغداد فرجعت عساكره إلى بغداد وبذلوا فيها السيف.
ثم يصف لنا السبكي مؤامرة ابنالعلقمي في قتل الخليقة والعلماء والفقهاء واستباحة بغداد وإراقة الخمور في بيوتالله تعالى فيقول: ' وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي ثم إنه ضرب سوار علىعسكرة وأحاط ببغداد فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال؛ أخرج أنا إليهم فيتقرير الصلح، فخرج وتوثق لنفسه من التتار ورجع إلى المعتصم وقال؛ إن السلطان يامولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصبالخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كانأجدادك مع السلاطين السلجوقية ، ونصرف عنك بجيوشه فمولانا أمير المؤمنين يفعل هذافان فيه حقن دماء المسلمين وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد والرأي أن تخرج إليه . فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان ومعه 1200 شخصية من قضاة ووجهاء وعلماء
فأنزل الخليفة في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعىالفقهاء والأماثل ليحضروا العقد فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم وصار كذلك يخرجطائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم ثم طلب حاشية الخليفة فضرب أعناق الجميع ثم طلبأولاده فضرب أعناقهم، و أما الخليفة فقيل أنه طلبه ليلا وسأله عن أشياء ثم أمر بهليقتل. فقيل لهولاكو: إن هذا إن أريق دمه تظلم الدنيا و يكون سبب خراب ديارك فإنهابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة الله في أرضه فقام الشيطان المبينالحكم نصير الدين الطوسي وقال يقتل ولا يراق دمه وكان النصير من أشد الناس علىالمسلمين، فقيل إن الخليفة غم في بساط و قيل رفسوه حتى مات.
و لما جاءواليقتلوه صاح صيحة عظيمة، و قتلوا أمرائه عن أخرهم، ثم مدوا الجسر وبذلوا السيفببغداد و استمر القتل ببغداد بضعاً وثلاثين يوماً و لم ينجوا إلى من اختفى و قيل إنهولاكو أمر بعد ذلك بعدّ القتلى فكانوا ألف ألف وثمانمائة ألف
ثم نودي بعد ذلك بالأمان فخرج من كان مختبئ وقد ماتالكثير منهم تحت الأرض بأنواع من البلايا والذين خرجوا ذاقوا أنواع الهوان والذل ثمحفرت الدور وأخذت الدفائن والأموال التي لا تعد ولا تحصى وكانوا يدخلون الدارفيجدون الخبيئة فيها وصاحب الدار يحلف أن له السنين العديدة فيها ما علم أن بهاخبيئة،
ثم طلبت النصارى أن يقع الجهر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أن يفعل معهمالسلمون ذلك في شهر رمضان، فألزم المسلمون بالفطر في رمضان و أكل الخنزير و شربالخمر، و دخل هولاكو إلى دار الخليفة راكباً لعنه الله و استمر على فرسه إلى أن جاءسدة الخليفة و هي التي تتضاءل عندها الأسود و يتناوله سعد السعود كالمستهزئ بها وانتهك الحرم من بيت و غيره، و أعطى دار الخليفة لشخص من النصارى و أريقت الخمور فيالمساجد و الجوامع و منع المسلمون من الإعلان بالأذان فلا حول و لا قوة إلا باللهالعلي العظيم، هذه بغداد لم تكن دار كفر قط و جرى عليها هذا الذي لم يقع قط من منذقامت الدنيا مثله، و قتل الخليفة و إن كان وقع في الدنيا أعظم منه إلا أنه أضيف لههوان الدين و البلاء الذي لم يختص بل عم سائر المسلمين ' .
وانظروا ما فعل نصير الدين الطوسيالذي يسميه الخميني أستاذ الأساتذة ، أفتى الطوسي لهولاكو بجواز قتل المسلمين ؛يقول أحد المؤرخين : ' تجمع المصادر التي وصفت الساعات الأخيرة من حياة الخلافةالعباسية الإسلامية على أن هولاكو قد استشار أحد المنجمين قبل أن يبدأ غزوته و كانالمنجم الفلكي حسام الدين مسلما غيورا على المسلمين و حياتهم فقرأ له ما يلي: إن كلمن تجاسر على التصدي للخلافة و الزحف بالجيش إلى بغداد لم يبق له العرش و لا الحياة، و إذا أبى الملك أن يستمع إلى نصحه و تمسك برأيه فسينتج عنه ست مهالك: تموت الخيل، و يمرض الجند ، لن تطلع الشمس و لم ينزل المطر ثم يموت الخان الأعظم.
لكنمستشاري هولاكو قالوا بغزو بغداد وعدم الاستماع لرأي المنجم ، فاستدعى هولاكو نصيرالدين الطوسي الذي نفا ما قاله حسام الدين و طمأن هولاكو بأنه لا توجد موانع شرعيةتحول دون إقدامه على الغزو و لم يقف الطوسي عند هذا الحد بل أصدر فتوى يؤيد فيهاوجهة نظره بالأدلة العقلية و النقلية وأعطى أمثلة على أن كثيرا من أصحاب الرسولقتلوا ولم تقع الكارثة، و غزا هولاكو بغداد بفتوى الطوسي وبمعلومات ابن العلقميوهما وزيراه الفارسيان ، و لم يستسلم المستعصم فقد أشار عليه البعض بأن ينزلبالسفينة إلى البصرة ويقيم في إحدى الجزر حتى تسنح الفرصة ويأتيه نصر الله لكنوزيره ابن العلقمي خدعه بأن الأمور ستسير على ما يرام لو التقى بهولاكو.
، و وضعالمستعصم في صرة من القماش و داسته سنابك الخيل وكان قتلى بغداد كما تقول المصادرالمعتدلة 800 ألف مسلم ومسلمة كانوا هم ضحايا ابن العلقمي و الطوسي و الأخير كان قدأصدر فتوى بجواز قتل المستعصم حين تردد هولاكو عن قتله ،،،فافهمه الطوسي أن من هوخير منه قد قتل و لم تمطر الدنيا دماً، و قد استبيحت بغداد في اليوم العاشر من شباطعام 1258م و لم يكن ذلك اليوم آخر نكبة حلت بالأمة على يد الوزراء الفرس و لابسيالعمامة الفارسية المجوسية '.
ثم بعد هذه الخيانات يأتي الخميني فيقول : ' .. ويشعر الناس بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي و أضرابه ممن قدموا خدماتجليلة للإسلام .. ' .
ويقول مؤرخ الشيعة الميرزا محمد باقر الخوانساري في صفحة 578 من كتابه [روضات الجنات] في ترجمة شيخهم نصير الدين الطوسي: 'ومن جملة أمرهالمشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم في محروسة إيران هلاكو خانبن تولى خان بن جنكز خان من عظماء سلاطين التتارية وأتراك المغول ومجيئه في موكبالسطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلادوقطع دابر سلسلة البغي والفساد، وإخماد ثائرة الجور والإلباس، بإبادة دائرة ملك بنيالعباس، وإيقاع [القتل العام] في أتباع أولئك الطغام، إلى أن أسال من دمائهمالأقذار كأمثال الأنهار، فانهار بها في ماء دجلة ومنها إلى نار جهنم دار البوار،ومحل الأشقياء والأشرار'.
هكذا ينظر شيعة اليوم إلى العلقمي والطوسي فهل يعتقدأنهم سيرقبون في سنة العراق إلا أو ذمة ..خاصة وأن العراق تمثل بالنسبة لهم وضعاخاصا وذلك للأسباب الآتية :
1 – المزارات والأماكن الشيعية المقدسة لديهم فيجنوب العراق ، وتمثل هذه المزارات أهمية كبيرة لهم ، حيث يشدون إليها الرحال منمختلف بلدان العالم الإسلامي ، كما يعتقد معظمهم أن الحج إليها أفضل من الحج إلىمكة ، ولن يقر لهم قرار ما دامت هذه الأماكن لا تخضع لسلطانهم .
2 – السيطرة على العراق هو مفتاحهم للسيطرة على بقية دول الخليج ومن ثم بقيةالعالم العربي
. وكان ابن العلقمى يطمع فى أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة باتخاذه عند هولاكو يداً، وعمل بالفعل على تعطيل المدارس والمساجد والجماعات والربط ببغداد، واستمر بالمشاهد ومحال الرفض، وكان يريد أن يبنى مدرسة هائلة للرفض. ولكن هولاكو أهمله وأذله فذاق وبال أمره، وتوفى مذموما مدحوراً
تدمير بغداد656هجريا
وبعد قتلالخليفة وسادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحل والعقد فيبلاده مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدانوالمشايخ والكهول والشبان ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقِنيّ الوسخوكمنوا كذلك أياماً لا يظهرون.
وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخاناتويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ثم يدخلون عليهمفيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة حتى تجري الميازيب من الدماء فيالأزقة فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهودوالنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان فى القلب إسلام وإيمان.
وعادتبغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس وهم فيخوف وجوع وذلة وقلة .
وقُتل الخطباء والأئمةوحملة القرآن وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات عدة شهور ببغداد وأراد الوزير ابنالعلقمي قبحه الله ولعنه أن يعطل المساجد ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض وأن يبنيللرافضة مدرسة هائلة ينشرون عِلْمَهم وعَلَمَهم بها وعليها فلم يُقْدره الله تعالىعلى ذلك بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيره من هذه الحادثة وأتبعه بولده.
ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية علىعروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول وقد سقطعليهم المطر فتغيّرت صُوَرهم وأنْتنتْ من جيفهم البلد وتغيّر الهواء فحصل بسببهالوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام فمات خلق كثير من تغيّر الجووفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون فإنا للهوإنا إليه راجعون، ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطاميروالقِنيِّ والمقابر كأنهم الموتى إذا نُبشوا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضاً فلايعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهممن القتلى واجتمعوا تحت الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو لهالأسماء الحسنى ورحل السلطان المسلّط هولاكوخان عن بغداد وفوَّض أمر بغداد إلىالأمير علي بهادر وإلى الوزير ابن العلقمي فلم يمهله الله ولا أهمله بل أخذه أخذعزيز مقتدر . انتهى باختصار .
يقول المؤرخ ابن كثير: "ومازال السيف يقتل أهلها أربعين يوما، ولما انقضى الأمر المقدور، وانقضت الأربعين يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد، إلا الشاذ من الناس، والقتلى فى الطرقات كأنها التلول" وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى فى الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من الجو وفساد الريح ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء" .
البداية والنهاية ج3 ص203]
ويصف هـ. ج ويلز، عن عداء التتار للإسلام. فيقول: "وأظهر المغول فى ذلك الزمان عداوة مريرة للإسلام، ولم يكتفوا بتذبيح سكان بغداد عندما استولوا على تلك المدينة بل شرعوا فى تدمير نظام الرى السحيق القدم الذى ظل على الدوام يجعل من أرض الجزيرة بلادا رغيدة آهلة بالسكان منذ أيام سومر القديمة. وصارت أرض الجزيرة منذ تلك اللحظة التعسة يبابا من الخرائب والأطلال، لا تتسع إلا للعدد القليل من السكان
وقع الحوافــر يا بغداد أغنيـــة ***** ثراك ينشدها والرمل أفــــواه
وحمحمات خيـــول الله تطربني ***** الحرب دائرة والنـــاصر الله
صهيلها في دروب الحق يملكني ***** فكم أذوب بها وجداً وأهـــــواه
هذا المثنى يُروي الأرض من دمه ***** والعين في رؤية الأحداث عيناه
لم يستعر مقلة أخرى ولا شفة أخــ ***** ــرى ولم تصغ للتضليل أذناه
كيانك الضخم يا بغداد حصّـنه *** سيف المثنى ونور الحق جلاه
النور فوق ذراع الشمس صبّـحه ***** والنور فوق ذراع البدر مساه
نهاية الخلافة العباسية عقاب إلهى
(وإذا أردنا أن نهلك قريةأمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنا ها تدميرا) الإسراء وقد رأى الخليفة المستعصم بنفسه طرفاً من ذلك قبل أن يقتله المغول رفسا بأقدامهم..!!!
يقول الهمذانى فى كتابه: (جامع التواريخ) أن هولاكو بعد أن اقتحم بغداد، دخل قصر الخلافة، وأشار بإحضار الخليفة المستعصم وقال له: أنت مضيف ونحن الضيوف.. فهيا أحضر ما يليق بنا.. فأحضر الخليفة وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس، فلم يلتفت إليها هولاكو، ومنحها للحاضرين، وقال للخليفة: إن الأموال التى تملكها على وجه الأرض ظاهرة، وهى ملك لعبيدنا، لكن اذكر ما تملكه من الدفائن، وما هى وأين توجد؟. فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه، كان مليئاً بالذهب الأحمر، وكان كله سبائك، تزن الواحدة مائة مثقال..!! واستحق الخليفة احتقار هولاكو السفاح الدموى، إذ تعجب هولاكو، كيف يكون للخليفة كل هذه الكنوز ثم يبخل على الجنود بأرزاقهم؟!!
ولم ينس هولاكو أن يذكر ذلك فى منشوره الذى أرسله إلى حاكم دمشق ينذره بالتسليم، ويخوفه من مصير الخليفة العباسى، وما حدث لبغداد، ويقول فيه عن الخليفة المستعصم: "واستحضرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب فواقعة الندم، واستوجب منا العدم، وكان قد جمع ذخائر نفيسة ، وكانت نفسه خسيسة، فجمع المال ولم يعبأ بالرجال".
أمر هولاكو بإحصاء نساء الخليفة، فبلغن سبعمائة زوجة وسرية وألف خادمة"..!! وتضرع له الخليفة قائلاً: "من على بأهل حرمى اللائى لم يطلع عليهن الشمس والقمر".. يقول الهمذانى: "وقصارى القول، إن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل".
وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنوز التى ورثها هولاكو من الخليفة العباسى، فإنه صهرها جميعاً فى سبائك وأقام لها قلعة محكمة فى أذربيجان. لقد كان هولاكو– ذلك الهمجى السفاح – يعى تماماً أنه عقاب إلهى للخلافة العباسية والحكام الظلمة فى المنطقة، وحرص على إبراز هذا المعنى فى رسائله إلى الحكام، يقول فى رسالته إلى حاكم دمشق: "إن قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى، وقتلنا فرسانها، وهدمنا بنيانها، وأسرنا سكانها".. ويقول فى رسالته إلى السلطان قطز فى مصر: "يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها.. إنا نحن جند الله فى أرضه، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل به غضبه.. فإنكم أكلتم الحرام، ولا تقفون عن الكلام. وخنتم العهود والإيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة". [تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل ص 108 – الشيخ محمد الغزالى] [ص54، ص 56 عرب ومسلمون للبيع – د. عبد الودود شلبى – المختار الإسلامى]
وهكذا أصبحت بغداد – دار السلام – بفعل التتار – والنصارى والرافضة مأوى لجماعة من النصارى والشيعة والوثنيين، فقد طلب هولاكو من بطريق النساطرة أن يجمع النصارى فى إحدى الكنائس حتى يميزوا عن غيرهم فلا يتعرض لهم جند التتار. وكان سقوط بغداد عاصمة الخلافة أشبه بزلزال رهيب دك بنيان بلاد الإسلام من أقصاها ، ونظم الشعراء من العرب والفرس المراثى التى تشع الأسى فى النفس وتسير الشجون.
غزو الشام
تقدم هولاكو بعد ذلك إلى الشام، وهاجم حلب ودخلها بعد حصار شديد وتركها شعلة من اللهب والدخان، ودخل كتبغا دمشق، فسقطت حاضرة الشام صريعة تحت أقدام المغول سنة 657هـ، واشتركت معه فرق نصرانية أرمنية وأفرنجية، فسنحت للنصارى الفرصة للتفشى والانتقام من المسلمين، فنظموا مواكب عامه حملوا فيها الصلبان وأنشدوا الأناشيد ويذمون دين الإسلام وأهله، وأجبروا المسلمين على أن يقفوا احتراما لمواكبهم ومن امتنع تعرض للسب والإهانة، وبلغ بهم التحدى أقصاه فدقوا النواقيس، وتظاهروا بالخمر فى رمضان ورشوه على ثياب المسلمين فى الطرقات، كما صبوه على أبواب المساجد ولم يستثنوا حتى الجامع الأموى، فضجر المسلمون ورفعوا شكواهم إلى ابل سبان متسلم البلد وكان نصرانيا فلم يحفل بهم بل أهانهم وضرب بعضهم وأخذ يزور الكنائس ويعظم رجالها على مذاهبهم.
وما تزال بقلبى ألف مبكية من رهبة البوح تستحى وتضطرب.
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ونحن من دمانا نحسو ونفترق
وقعة عين جالوت
هذه الأمة لايزيدها بطش الأعداء إلا شدة وأبلغ دليل على ذلك فلسطين وأفغانستان .
أرى البلايا تحيط المرء تحصنه حتى لئن صح ذوب الصخر لم يذب.
أو صح أن قناة الصلب قد وهنت فلا يلين إذا ما صب فى اللهب.
ما حصحص الحق إلا بعدما انسلخت من عمر يوسف أعوام من النصب.
وقيض الله سبحانه وتعالى لأمه الإسلام: المماليك فى مصر بقيادة قطز والظاهر بيبرس، وعلماء مثل العز بن عبد السلام، فتحركت فى الأمة روح الجهاد واستثيرت طاقات الأمة ووجهت إلى الجهاد فى مصر والشام، وتحركت جيوش الإسلام من مصر عام 658هـ/ 1260م والتقت بجيوش المغول تؤيدهم وتؤازهم بعض النجدات النصرانية من الأرمن والكرج – فى عين جالوت بين بيسان ونابلس على أرض فلسطين فى 25 رمضان
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا فإذا افترقن تكسرت آحادا .
وكان التتار متوجهين نحو مصر بعد الشام بحكم الطبيعة، وكانت مصر وحدها التى لم تصبها ويلات التتار، وقد كان ملك مصر الملك المظفر سيف الدين قطز قد تفرس أن التتار يزحفون إلى مصر بعد الشام، وعند ذلك يصعب التخلص من وطأتهم، فرأى أن يخرج من مصر بالجنود ويشن عليهم الهجوم فى نفس الشام، حتى وقعت الحرب بين عساكر مصر الإسلامية، والتتار فى عين جالوت يوم 25 من رمضان سنة 658هـ، وانهزم التتار شر هزيمة بخلاف ما سبق لهم من الحروب، فخرجوا منها هاربين، وتعاقبهم المسلمون فقتلوهم وأسروا منهم عدداً كبيراً، يقول العلامة السيوطى فى كتابة "تاريخ الخلفاء" فهزم التتار شر هزيمة، وانتصر المسلمون ولله الحمد، وقتل من التتار مقتلة عظيمة، وولوا الأدبار، وطمع الناس فيهم يتخطفونهم وينهبونهم". [تاريخ الخلفاء ص 425]
رسالة هولاكو
وعقب احتلال المغول دمشق تقدم المغول بسرعة فاحتلوا نابلس وقتلوا حاميتها، ثم تقدموا إلى غزة دون أن يلقوا أية مقاومة. وأصبحوا بذلك بالقرب من حدود مصر، وأرسل هولاكو إلى "قطز" سلطان مصر رسالة قاسية يهدد فيها ويتوعد. ومما جاء فيها قوله: سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، ولكن أى أرض تأويكم، وأى بلاد تحميكم خيولنا سوابق "وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال" وتلقى المسلمون هذه الرسالة، ودار حولها نقاش، وكان معنى الاستسلام أن يضيع العالم الإسلامى تحت سلطان المغول، وأحس القادة المسلمون في مصر بمسئوليتهم تجاه الإسلام والمسلمين، مع ما فى ذلك من مخاطرة، ولم يكن من الممكن الاتفاق مع المغول فقد عرف هؤلاء بنقد العهود، والقضاء على المسلمين، ولم يبق إلا المواجهة، وعلى هذا الاتجاه اتفق السلطان "قطز" وأمير الأمراء قائد الجيوش "بيبرس" وكل القادة المسلمين، وتنفيذاً لذلك صدرت الأوامر بقتل سفراء المغول الذين حملوا التهديد، وكان ذلك إيذانا بقيام الحرب. ولم يقنع الجيش المسلم بموقف الدفاع من داخل الحصون، ذلك النظام الذى كان يلجأ إليه الأمراء فى البلاد المختلفة التى هاجمها المغول، فقد كان ذلك يتيح للمغول أن يسحقوا الحصون ويدفنوا أعدائهم فى حصونهم، أو أن يتركوهم فى الحصون حتى ينضب الزاد والعتاد فيستسلموا. ويواجهوا الموت عقب الاستسلام، وتحاشيا لذلك لجأ المسلمون للهجوم فزحف "بيبرس" واقتحم غزة، وقضى على حاميتها، ثم زحف "قطز" بجزء آخر من الجيش ليتعاون مع "بيبرس" وجاءت بعد ذلك موقعة "عين جالوت" ومكانها بين بيسان ونابلس، وهى معركة من أخطر معارك التاريخ، فقد اتجه لها "كيتو برقا" مزمجرا عندما وصلته الأبناء عن اندحار جيشه فى غزة، واتجه لها كذلك جيش المسلمين اللجب، وكان اللقاء فى 15رمضان سنة 658هـ .
الخطة الذى هزم بها قادة المسلمين التتار
كان الإعصار الأصفر يكتسح الدول والممالك اكتساحاً، وكان الفارون أمام جيش (هولاكو) وقوة التتار يلجأون إلى القاهرة، وكان موعد اللقاء الذى لابد منه بين المسلمين والتتار قد اقترب، بعد الإطاحة بعرش (بغداد) وفى هذه الأيام، كانت الروح المعنوية لدى المسلمين عالية جداً بعد هزيمة الصليبين فى (المنصورة) عام (1253) وأسر (لويس التاسع)، ملك فرنسا ففكر القائد العام للجيش المسلم (بيبرس) فى أن تزويد الشعب باللياقة البدنية، إلى جانب الروح المعنوية، كفيل بهزيمة التتار. فوضع سياسته العسكرية، على أساس الرياضة البدنية، وزاد من اهتمامه بتدريب الشباب فى الساحات الشعبية واشترك هو و (المظفر قطز): أمير البلاد، فى وضع خطة مدروسة لملاقاة التتار، وعكفوا على دراسة خطط (التتار) الجريئة فوجدوا ان مصدر قوة التتارفى ثلاث: أنهم يقاتلون وهم على ظهور خيولهم، ثم يعتمدون، على سرعة تجمعهم أمام جزء ضعيف من جبهة عدوهم، ثم يهجمون بعنف على هذا الجزء كأنهم عاصفة من السماء تثير الرعب فى الخصم فينهار -. وكانت الصعوبة فى مواجهة هذه العاصفة التترية، أنه لم يكن من اليسير على أى شعب أن يقلدها. لأن أسلوبهم هذا فى القتال مع طبيعة حياتهم العادية، من ركوب الخيل باستمرار، وقتال دائم، ومعيشة فى الخلاء، وتحرك مستمر لا يهدأ، وكان القوس الذى يستعملونه أصلب قوس فى هذا العصر، ويحتاج استعماله إلى قوه بدنية كبيرة ودراية خاصة فكيف فكر القائد (بيبرس)؟
أدرك (بيبرس) أن شر خطورة المحارب التترى هو بقاؤه على سرج جواده، وخفته وضراوته. وأدرك انه لابد من هزيمة التتار بنفس أسلوبهم، كما أدرك أنه من العسير أن يحول كل المحاربين المسلمين، ومعظمهم من الصعايده والفلاحين إلى (ركبدارية) مهرة أى (ركاب خيل). فقرر خطته وقوامها، إنزال التتار عن خيولهم والالتحام بهم يدا بيد على الأرض، وإعداد الشعب بدينا لهذه الملحمة عن طريق الرياضة البدنية.
نهاية التتار
بدأ الاستعداد لملاقاة التتار وصدرت الأوامر بتجهيز الشعب للقتال وأصدر أوامره بزيادة الساحات الشعبية إلى جانب ميدان التدريب العسكرى، مع التركيز على الألعاب التى تنمى العضلات ولا سيما الأكتاف والذراع بما يؤهلها لشد القوس الثقيل الذى اخترع وأعد لمحاربة (التتار) ثم العناية بالمصارعة تمهيدا للاشتباك مع العدو الرهيب، وبالتركيز على ألعاب القوى لتحمل مشاق الميدان. ومرت سنتان، وذات يوم لاح فى الأفق عشر فوارس من فرسان القتال جاؤوا بإنذار من قائدهم بالتسليم. واستشار رئيس الدولة (المظفر قطز) مجلس الحرب، وكان رد المسلمين هو الرد الحقيقى.. ضرب أعناق ثمانية من فرسان التتار العشرة ما عدا فارسين، وعلقت جثتهم على (باب زويله)، وحمل الفرسان رءووس زملائها إلى قائدهم المغرور (كتبغا). وخرج الجيش المسلم للقاء العدو، وبدأت معركة (عين جالوت) فى صباح الجمعة الخامس عشر من شهر رمضان عام 658هـ وهى توافق اليوم التالى من ديسمبر (كانون الأول) عام 1260م، وهى واحدة من أهم المعارك الحاسمة فى تاريخ العالم.
وبدأت المعركة ، كما توقعت القيادة المسلمة، بهجوم شديد مكثف للتتار، تحت عاصفة من السهام على يسار جبهة الجيش المسلم، وكان المجاهدون يحملون دروعا كاملة لأول مرة اتقاء للسهام، إلا أنهم تنفيذا اللحظة التى استعاروها من التتار أنفسهم ، تظاهروا بالانكسار والفرار تاركين ثغرة كبيرة فى خط القتال المسلم ، واندفع التتار بجيادهم من هذه الثغرة بقوة وعنف كالسيل الجارف.
وألقى قطز بخوذته على الأرض أثناء المعركة وصاح بصوت كالرعد: وا إسلاماه، اللهم أنصر عبدك قطز على التتار " فكتب الله النصر المبين للإسلام، وانهزم المغول هزيمة منكرة لأول مرة فى تاريخهم، بعد أن كانت القلوب قد يئست من النصرة عليهم لاستيلائهم على معظم البلاد الإسلامية، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه، ولا عسكر إلا هزموه. فتكسرت حدة موجات التتار، وتحول مدهم إلى جزر، واسترجع المماليك منهم الشام بأكملها، فكانت عين جالوت فاتحة سلسلة من الانتصارات توالت على المسلمين، وحطمت أسطورة قوى المغول، وعاد دين الإسلام غصن الإهاب.
وبعد أن تركهم المجاهدون حتى أوغلوا راكبين ، ثم انقض عليهم جناحا الجيش المسلم بقوة وانهالت عليهم السهام، وأحجار المقاليع. ثم قام الفرسان بحملات هائلة لدفع التتار، وفى هذه اللحظة ظهرت الإشارة المتفق عليها فبدأت عشرات الطبول والنقرزانات تدق وتعزف بعنف، فأطبق المسلمون من كل اتجاه وحاصروا التتار الذين أخذت خيولهم تجمح بفعل السهام والأحجار المطلقة من المقاليع، فترجلوا وكان هذا ما تبغيه القيادة ، إذ بدأ القتال الرهيب يدا بيد. وفقد التتار مزيتهم . وفى إجادة القتال الراكب، وكان المسلمون قد أعدوا إعدادا كاملا، واكتسبوا مهارات حركية بالرياضة بجانب التدريب العسكرى على أجهزتهم الحربية الجديدة والثقيلة، ودروعهم الكاملة .
نهضت جموع المسلمين لجولة لله تدفع كل عزم منجد
كل يقول لنفسه إن راعها خطر , سبيل الله أبلج فاشهدى
يوم من الأسد الهزبر أعز من عمر الثعالب أو حياة الأسود
لله درك إذ حملت مع الردى نفسا تعز أو همة لم تقعد
وما أن انتصف النهار حتى رفع أحد الجنود المسلمين رأس (كتبغا) قائد التتار على سنان رمحه حتى يراها الفريقان، وما أن شاهدها التتار حتى فترت عزائمهم وفروا لأول مرة فى تاريخ حروبهم وأصبحوا فلولا تم تطهيرها بسرعة. واتبع الأمير (بيبرس) وجماعة الشجعان التتار يقتلونهم فى كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وهرب من دمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم ، ويطلقون الأسارى من أيديهم . وانتهت معركة عين جالوت بانتصار المسلمين، الذى أوقف زحف التتار على الشرق الأوسط كما أوقف زحفهم على أوربا . [الوعى الإسلامى العدد/ 340 ذو الحجة 1414هـ مايو 1994]
وهكذا سطر التاريخ ملحمة العقيدة ,فالمسلمون لهم النصر دائما ما داموا بدينه متمسكون وعلى خطى الجهاد سائرون , وبوحدة الدين قائمون.
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا.
نحن الذين بايعوه على الهدى نحن دعاة الحق أبطال الفدا.
إنا إذا ما شئت مصباح الهدى أ و إننا نار على كل العدا.
بالحق قمنا رافعين صوتنا أ و حاملين فى الورى دستورن.
لا نرهب الذل ولا نخشى الفنا وهل يهاب الناس من يهوى الردى.
سلوا الدماء فى السهول والربى كم من طغاة لم ننلهه مأربا.
فينا رجال لا يخافون مركبا لما الندا عاليا له صدى.
فى الله نحيا أو نمت فى حبه ولنقفوا إثر المصطفى وصحبه.
فكل شىء قد غدا فى حبه شىء يسير من لدن رب الهدى
.
جمع وترتيب أبو مسلم12-3-2003
أبو مسلم
birgas10@yahoo.com
walleed20@hotmail.com