المهند
30-01-2007, 01:57 AM
http://www.baghdadalrashid.com/vb3/imgcache/1118.imgcache
الشؤون الإدارية في المعارك الإسلامية
لقد حاول الكثيرون طمس معالم العسكرية الإسلامية ومنع قيامها من جديد، وفرض التبعية على العرب والمسلمين في كل المجالات حتى في مجال الفكر العسكري. وأصبح رجال العسكرية من العرب والمسلمين يدرسون التدريبات العسكرية الأجنبية، وأعمال القادة الأجانب، والتاريخ العسكري للدول الأجنبية فحسب... وكأنه ليس للحرب والمسلمين نظريات عسكرية ولا قادة ولا تاريخ عسكري يستحق الدراسة والتحليل...
والحقيقة أن الاسلام كان له السبق في إيجاد نظام شامل للحرب يتسم بالرحمة والعدل. وبمتابعة تاريخ المعارك الاسلامية ثبت أن المسلمين كانت لهم معرفة عميقة بهذا الفن، وإدراك كامل بأصوله، وفهم واعٍ لأساسياته.
وما دامت الحرب قد تقررت في الاسلام لرد العدوان والدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل والدين- فلابد من أن يعد المسلمون أنفسهم لمواجهة أحداثها، ويعدوا المقاتلين للمعركة عقائديا وفنيا وإداريا.
ومن هنا كان الأمر الإلهي في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) مبدأ استراتيجياً هاماً في المعارك الاسلامية.
وسنركز في هذا المقال على النواحي الإدارية ونواحي الإعاشة في المعارك الاسلامية، وهو مجال لم يَنَلْ حقه في التاريخ العسكري حيث يركز معظم الكتّاب على أعمال القتال فحسب.
الشؤون الإدارية في المعارك الإسلامية
الشئون الإدارية هي كل ما يختص بمعيشة الجندي من مأكل ومشرب وملابس وإيواء ونقل لاحتياجاته، وكذا إسعاف وعلاج الجرحى والمرضى... وهذه المهام لها تأثير كبير على المقاتلين وروحهم المعنوية، وعلى سير القتال ونتيجة المعركة.
والتاريخ الاسلامي زاخر بالأمثلة، التي تدل على اهتمام القادة، منذ عهد الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام- بإعاشة الجنود وتوفير احتياجاتهم.
وفي معارك الاسلام الأولى- كانت الشئون الإدارية سهلة وميسرة، نظراً لقلة الأفراد المشتركين في المعركة وقصر مدة القتال- ففي غزوة (بدر) كانت قوات المسلمين تتكون من 314 رجلا فقط، ومعهم 70 جملا وبعض الخيول. وكانت احتياجات الجنود للإعاشة تتكون من بعض الطعام مثل التمر والخبز أو الشعير والألبان وكذا الماء. وكان كل جندي يحمل سلاحه من السيوف والسهام والنبل. أما وسيلة النقل لهذه الاحتياجات فكانت الجمال التي معهم، حيث كانت الخيول تستخدم في القتال.
وفي غزوة (بدر) استطاع الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام- أن يعرف قوة جيش العدو، ويستنتج عدد المشركين من سؤال غلامين من أتباع قريش، قام باستجوابهما عن عدد الإبل التي ينحرونها كل يوم.. فقالا: يوما تسعة ويوما عشرة... فقال عليه الصلاة والسلام: (القوم- أي الأعداء- ما بين تسعمئة وألف).
وهكذا استطاع الرسول القائد، أن يستخدم المعلومات الإدارية عن العدو ومقدار الطعام الذي يحتاجه في معيشته اليومية- في تقدير عدد المشركين- لأنه قدر أن البعير الواحد يأكله حوالي مئة رجل.
ومع تطور المعارك الاسلامية بعد ذلك، زادت أعداد الجند المشتركين في القتال وزادت احتياجاتهم ومطالب إعاشتهم، فكانت قوات المسلمين في غزوة (الخندق) أو (الأحزاب) حوالي ثلاثة آلاف رجل، أي أضعاف قواتهم في غزوة (بدر).
وفي هذه المعركة كان المسلمون في (المدينة المنورة) وقاموا بحفر خندق حولها لمقاومة قوات العدو التي بلغت حوالي عشرة آلاف مقاتل، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قوات المسلمين. واستمر حصار المشتركين حوالي شهر تقريبا. ولم يكن هذا الحصار يشمل الناحية القتالية فقط، بل شمل كذلك نواحي الإعاشة... فلم تكن الإمدادات والمؤن تصل إلى المدينة، حتى أكل الرسول الكريم ورجاله ورق الشجر.
وقابل الرسول القائد- عليه والصلاة والسلام- ورجاله الأشداء، حصار الأعداء بالصمود والثبات والصبر... حتى كانت هزيمة العدو الذي يحاصرهم. وكان الأعداء يركزون على نواحي الإعاشة لقوات المسلمين للتأثير على نتيجة المعركة، على أساس أن الروح المعنوية للمقاتلين تتأثر كثيرا بالنواحي الإدارية ومنع وصول الإمدادات، ولكن الصبر والايمان كانا أقوى من أي سلاح.
ومع توالي المعارك الاسلامية... زادت أعداد القوات في الجيوش الاسلامية وزادت احتياجاتهم من ناحية الأنواع والكميات واحتاجت إلى أعداد كبيرة من الدواب لحملها- خاصة في الفتوحات الاسلامية الكبرى- خارج الجزيرة العربية.
وفي تلك الغزوات والفتوحات الكبرى اعتمدت الجيوش الاسلامية على الموارد المحلية من طعام وشراب ومياه وإيواء في الدول التي قامت بفتحها.
وفي كل معارك الاسلام، كان المجاهد المسلم يتميز بالتقشف وتحمله مشاق القتال بأقل المطالب من التعيينات أو المهمات، فهو يتميز بقلة مطالبه الإدارية، وهو يرضى دائما بما هو متاح... بروح طيبة وقناعة وإيمان... فقد كان يكتفي في إحدى الوجبات بقطعة من الخبز أو قليل من التمر.
الإعداد الإداري
إذاً الإعداد الإداري للمعركة، له الأثر الأكبر في نتيجة القتال، حيث أنه يشمل أعداد المقاتلين بما يحتاجونه للمعركة من طعام وشراب وسلاح، ومختلف الاحتياجات التي تتطور على مر الزمن.
لقد بدأ جيش الاسلام الأول في العام الثاني للهجرة وقوامه ثلثمئة وعشرة مقاتلين وسبعون بعيرا وفرسا، وكانت أسلحته بسيطة جدا. ومازال يتطور وينمو في العدد والعدة وفي أسلحة القتال- وخاصة في قوة الرمي والفرسان، حتى بلغ في أواخر عهد الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام- حوالى 000،40 مقاتل مجهزين بكافة أنواع الأسلحة المتميزة في ذلك الوقت.
وكانت تبرى السهام وتجهز الكتائب للتدريب والاستعداد في المساجد. ومن فوق المنابر كانت تلقى التوجيهات والتعليمات الحربية.
والإعداد للمعركة كان يتم بكل أنواع القوة المادية التي أمر بها الله جل جلاله في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)- فكان يشمل إعداد الرجال وإعداد الخيل وإعداد الأسلحة من سيوف وسهام ورماح ونبل وكذلك إعداد المؤن والطعام، وكافة الاحتياجات اللازمة لمواصلة الجهاد والقتال.
الشؤون الإدارية في المعركة
أما أثناء المعركة، فكانت الشؤون الإدراية للمقاتلين تشمل إمدادهم بالطعام والمياه والأسلحة التي تتضمن السهام والرماح والنبل، وكذلك إسعاف الجرحى والمرضى.
ولعل من أعظم المهام التي قامت بها المرأة المسلمة في المعركة: قيامها بإسعاف الجرحى والمرضى. وكانت طريقة مداواة الجروح هي غسلها بالماء لتطهيرها، ثم إيقاف النزف باستخدام الرماد المتخلف من حرق الحصير المصنوع من البردي.
ولما جرح الرسول القائد- صلوات الله وسلامه عليه -في غزوة (أحد) جاءت ابنته (فاطمة) تغسل الدم، فلما رأت أن الدم مازال ينزف، أخذت قطعة حصير فأحرقتها حتى إذا صارت رماداً ألصقته بالجرح.. فاستمسك الدم بالرماد، روى البخاري عن الربيع بنت معوّذ- رضي الله عنها- قالت: (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة).
وروى مسلم عن أم عطية- رضي الله عنها- قالت:
(غزوت مع النبي- صلى الله وسلم- سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى).
وهكذا نجد أن دور المرأة المسلمة في المعركة، كان يشمل إعداد وحمل الطعام والمياه وسقيا الجنود المقاتلين، وإسعاف المصابين والجرحى من الجنود المسلمين وخدمتهم، وتقديم كافة المساعدات لهم، بما يتفق مع طبيعتها.
لقد كان كل مسلم أو مسلمة لم يشترك في القتال الفعلي والاشتباك مع العدو، يعاون المقاتلين في الإعداد والتجيهز والنواحي الإدارية الأخرى.... أي يشارك بطاقته وجهده في الخلف، وهو جهد له أثره في تحقيق النصر.
يقول الرسول القائد- عليه أفضل الصلاة والسلام: (من أعان مجاهدا في سبيل الله أظله الله في ظله... يوم لا ظل إلا ظله).
والمقاتل في سبيل الله، سواء كان في الخطوط الأمامية، أو كان يعمل في إمداد الجيش بكل ما يحتاجه من تموين وسلاح، وراحة لأسر المقاتلين وقضاء حوائجهم... هو غازٍ في سبيل الله، يقول الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام: (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا).
والعامل في المصنع الحربي، والجندي المختص بإمداد الجيش بالذخيرة وكل معدات القتال وأصناف التموين التي يحتاجها الجنود الآن- يسهم في هذا الخير. يقول الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليجزي بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه، ومناوله، والرامي به).
وبالقياس على هذا، فكل من يبذل جهدا في سبيل المعركة، سواء بالإعداد لها أو الإمداد والتموين أو العمل في الإسعاف والتموين أو التبرع بالدم... متعاقد مع الله، يقول تعالى: (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).
وهكذا فإن الجنود الذين لم تتح لهم الفرصة لمواجهة العدو مواجهة مباشرة في جبهة القتال لم تفتهم فرصة الجهاد.... فإن كل جندي في تخصصه، مهما كان موقعه من العدو، يقف جنبا إلى جنب الذين يواجهون العدو... من حيث الجهاد في سبيل الله. قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنه مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض).
الرسول القائد والشؤون الإدارية
لقد كان الرسول القائد- صلوات الله وسلامه عليه- قدوة لجنوده في كافة المجالات. وفي النواحي الإدارية، فكان يشارك رجاله شظف العيش وخشونته، يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون، ولم يتميز عنهم بشيء؛ ليقتدي به من حوله من المقاتلين.
وكان رسول الله في استطاعته أن يعيش منعما ومميزا لأن خزائن الدولة كلها تحت يده، وهو قائدها، ولكنه كان يشارك رجاله في مساكنهم ومطاعمهم وملابسهم؛ حتى يعلم الجميع أنهم سواسية.
إن الرسول القائد قدوة حسنة، ليس فقط في الحرب ولكن كانت حياته كلها مثلا أعلى وأسوة حسنة للأمة الاسلامية كلها، فلم يتخذ قصراً لسكنه، أو خدماً لعمله، ولا جنداً لحراسته، ولا كرسياً خاصاً لجلسته... وإنما كان يعيش كعامة الناس لم يتميز عنهم بشيء، ليقتدي به كل فرد من المسلمين.
وكان الرسول القائد، لا يسرف في الأكل وكان ينصح رجاله بذلك ويقول في حديث شريف: (ما ملأ آدمي وعاءً شرّاً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه).
وقد أشار (الحباب بن المنذر) على الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- في غزوة (بدر) بتغيير موقع المسلمين إلى مكان آخر- وكان (الحباب) عارفاً بهذا الموقع وضرورة تجفيف الآبار الموجودة حتى لا يستعملها العدو، وبناء حوض عليها يملأ ماء ويجعله خلفه فيقاتل المسلمون ويشربون منه ولا يشرب منه العدو. ولما رأى الرسول القائد حُسن مشورته وافق عليها، حتى يحرم العدو من الإمداد بالمياه، وهي أهم احتياجات الإعاشة في المعركة.
اقتصاد الحرب في عهد الرسول
كان الاقتصاد من أسلحة الحرب الهامة في تاريخنا الاسلامي المجيد. فقد أبدت قريش عداء شديدا للاسلام منذ اللحظة الأولى لظهوره، وكانت العوامل الاقتصادية من أهم عوامل هذا العداء فقد كان الاسلام ينهى عن الاحتكار والاستغلال... بينما كان اقتصاد قريش قائما على الاحتكار والاستغلال، فكانت تحتكر النشاط التجاري في بلاد الحجاز، وجنت ثروات طائلة، جعلت من قريش طبقة أرستقراطية رأسمالية، وأدركت قريش أن تعاليم الاسلام العادلة تهدد اقتصادها المستغل، ولذلك شنت حربا شعواء مستمرة ضد الاسلام.
واستخدمت قريش سلاح الاقتصاد في مناهضة الاسلام وفي اضطهاد المسلمين الأوائل، فقد أعلنت مقاطعة المسلمين من بني عبد المطلب اقتصاديا، ومنعت سائر القبائل العربية من التعامل معهم في التجارة، وفرضت عليهم حصارا اقتصاديا محكما، واضطرتهم إلى الالتجاء إلى شعاب مكة ومنعت عنهم الإمدادات والتموين... حتى أكل المسلمون حشائش الأرض، ووجدوا صعوبات كبيرة في الحصول على حاجتهم من الماء.
واستمر هذا الضغط الاقتصادي ثلاث سنوات وتحمله المسلمون في صبر شديد وإيمان عميق. وأدركت قريش أن حصارها الاقتصادي لم يأت بالنتائج التي هدفت إليها، فأعلنت إنهاء المقاطعة، وعاد المسلمون إلى بيوتهم، وإلى ممارسة نشاطهم الاقتصادي المعتاد، وبارك الله في جهودهم وتجارتهم، وعوضوا ما خسروه طوال هذه المدة.
وفي غزوة (بدر) يبدو الجانب الاقتصادي في ذلك الصراع العنيف الذي قام بين قريش والقوات الاسلامية، فقد كان اعتراض المسلمين طريق قافلة قريش القادمة من الشام إلى مكة، ضربة عنيفة أصابت اقتصاد قريش القائم على الاحتكار والاستغلال، فقد زاد عدد إبل القافلة على الألف، وكانت القافلة تحمل كثيرا من سلع إقليم البحر الابيض المتوسط. وكان من العدل تعويض المسلمين المهاجرين عن متاعهم وممتلكاتهم التي سبق أن صادرتها قريش بعد هجرتهم... وهزمت قريش في موقعة (بدر).
وفي غزوة (تبوك) ما يوضح أهمية الاقتصاد في إعداد الجيوش والاستعداد للحرب، من أجل تحقيق النصر، فقد أعلنت الدولة الرومانية عداءها السافر للدولة الاسلامية الجديدة... وكان للروم في الجاهلية أطماع استعمارية في الجزيره العربية بدّدها ظهور الاسلام.
وبعد انتصار الاسلام في بلاد العرب، وبعد فتح مكة وإسلام قريش- بدأت الدولة الرومانية تحشد جيوشها وتستعد للعدوان على الأراضي العربية الشمالية، وكان على المسلمين مواجهة هذا العدوان. وبدأ الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- في إعداد جيش قوي لمواجهة جحافل الرومان.
كان الحر شديدا، والمسافة بين المدينة وحدود الشام بعيدة، تجعل خطوط الإمدادات والتموين طويلة، ولابد من توفير حاجة الجيش من الطعام والماء. وبعث الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- إلى قبائل المسلمين يدعوهم إلى المشاركة في إعداد الجيش الاسلامي بالعدة والعتاد والاحتياجات.
وأقبلت الغالبية العظمى من المسلمين على الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- تعلن استعدادها للمشاركة التامة في الجيش الاسلامي بحمل السلاح وبذل المال وتجهيز القوات. وكان (عثمان بن عفان) مثلا من أمثلة المسلمين القادرين الذين أنفقوا على إعداد الحملة العسكرية، إذ أنفق من ماله ألف دينار.
أمثلة من التاريخ العسكري
كان سيدنا (عمر بن الخطاب) ثاني الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم- أول من جعل جند جيشه فئة مخصوصة.. إذ أنشأ (ديوان الجند) للإشراف عليهم والعناية بهم. وأمر جنده أن يتفرغوا للجهاد وخصص رواتب لهم ولأسرهم، وكذلك تكفّل -رضوان الله عليه- بإطعامهم وكسوتهم... دون مقابل. وعلاوة على ذلك، كانت توزع عليهم أربعة أخماس الغنائم التي يغتنمونها من فتوحاتهم، وكانت هذه الغنائم كبيرة جدا.
ولم يكن (عمر)- رضوان الله عليه- يسمح بتغيب الجندي عن زوجته وأولاده أكثر من أربعة أشهر، إلا إذا دعت الضرورة لذلك، محافظة على معنوياته وعلى ترابط الأسرة، وكان يبذل اهتماما كبيرا بصحة الجنود، فيُلحق بكل جيش عدداً كافيا من الأطباء للعناية بصحتهم، كما أنه أقام معسكرات فسيحة في أماكن صحية لراحة الجند في أثناء الطريق بعد أن كانوا يستريحون في أكواخ بسيطة من سعف النخل. وكان بكل معسكر حظيرة كبيرة لخيلهم بمعداتها وخُصصت مراعٍ واسعة لتلك الخيول.
وكان كل جندي يستريح أربعاً وعشرين ساعة كل أسبوع. كما أوصى- رضوان الله عليه قواد الجيوش بالاهتمام بجندهم وشئونهم الادارية والعمل على راحتهم.
وكان لاهتمامه بجنود جيوشه أثر بالغ في انتصارها على جيوش الأعداء، فامتدت الفتوحات في أيامه، وتوسعت حدود الدولة الإسلامية، وارتفع صوت الاسلام عاليا في تلك البلاد، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
وقد حذا الخلفاء المسلمون بعد ذلك حذو (عمر) - رضي الله عنه- في الاهتمام بجيوش المسلمين، مما كان له أكبر الأثر في انتصاراتهم وفتح بلاد الفرس والروم وشمال أفريقيا والحبشة والأندلس...
الشؤون الإدارية في المعارك الإسلامية
لقد حاول الكثيرون طمس معالم العسكرية الإسلامية ومنع قيامها من جديد، وفرض التبعية على العرب والمسلمين في كل المجالات حتى في مجال الفكر العسكري. وأصبح رجال العسكرية من العرب والمسلمين يدرسون التدريبات العسكرية الأجنبية، وأعمال القادة الأجانب، والتاريخ العسكري للدول الأجنبية فحسب... وكأنه ليس للحرب والمسلمين نظريات عسكرية ولا قادة ولا تاريخ عسكري يستحق الدراسة والتحليل...
والحقيقة أن الاسلام كان له السبق في إيجاد نظام شامل للحرب يتسم بالرحمة والعدل. وبمتابعة تاريخ المعارك الاسلامية ثبت أن المسلمين كانت لهم معرفة عميقة بهذا الفن، وإدراك كامل بأصوله، وفهم واعٍ لأساسياته.
وما دامت الحرب قد تقررت في الاسلام لرد العدوان والدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل والدين- فلابد من أن يعد المسلمون أنفسهم لمواجهة أحداثها، ويعدوا المقاتلين للمعركة عقائديا وفنيا وإداريا.
ومن هنا كان الأمر الإلهي في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) مبدأ استراتيجياً هاماً في المعارك الاسلامية.
وسنركز في هذا المقال على النواحي الإدارية ونواحي الإعاشة في المعارك الاسلامية، وهو مجال لم يَنَلْ حقه في التاريخ العسكري حيث يركز معظم الكتّاب على أعمال القتال فحسب.
الشؤون الإدارية في المعارك الإسلامية
الشئون الإدارية هي كل ما يختص بمعيشة الجندي من مأكل ومشرب وملابس وإيواء ونقل لاحتياجاته، وكذا إسعاف وعلاج الجرحى والمرضى... وهذه المهام لها تأثير كبير على المقاتلين وروحهم المعنوية، وعلى سير القتال ونتيجة المعركة.
والتاريخ الاسلامي زاخر بالأمثلة، التي تدل على اهتمام القادة، منذ عهد الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام- بإعاشة الجنود وتوفير احتياجاتهم.
وفي معارك الاسلام الأولى- كانت الشئون الإدارية سهلة وميسرة، نظراً لقلة الأفراد المشتركين في المعركة وقصر مدة القتال- ففي غزوة (بدر) كانت قوات المسلمين تتكون من 314 رجلا فقط، ومعهم 70 جملا وبعض الخيول. وكانت احتياجات الجنود للإعاشة تتكون من بعض الطعام مثل التمر والخبز أو الشعير والألبان وكذا الماء. وكان كل جندي يحمل سلاحه من السيوف والسهام والنبل. أما وسيلة النقل لهذه الاحتياجات فكانت الجمال التي معهم، حيث كانت الخيول تستخدم في القتال.
وفي غزوة (بدر) استطاع الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام- أن يعرف قوة جيش العدو، ويستنتج عدد المشركين من سؤال غلامين من أتباع قريش، قام باستجوابهما عن عدد الإبل التي ينحرونها كل يوم.. فقالا: يوما تسعة ويوما عشرة... فقال عليه الصلاة والسلام: (القوم- أي الأعداء- ما بين تسعمئة وألف).
وهكذا استطاع الرسول القائد، أن يستخدم المعلومات الإدارية عن العدو ومقدار الطعام الذي يحتاجه في معيشته اليومية- في تقدير عدد المشركين- لأنه قدر أن البعير الواحد يأكله حوالي مئة رجل.
ومع تطور المعارك الاسلامية بعد ذلك، زادت أعداد الجند المشتركين في القتال وزادت احتياجاتهم ومطالب إعاشتهم، فكانت قوات المسلمين في غزوة (الخندق) أو (الأحزاب) حوالي ثلاثة آلاف رجل، أي أضعاف قواتهم في غزوة (بدر).
وفي هذه المعركة كان المسلمون في (المدينة المنورة) وقاموا بحفر خندق حولها لمقاومة قوات العدو التي بلغت حوالي عشرة آلاف مقاتل، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قوات المسلمين. واستمر حصار المشتركين حوالي شهر تقريبا. ولم يكن هذا الحصار يشمل الناحية القتالية فقط، بل شمل كذلك نواحي الإعاشة... فلم تكن الإمدادات والمؤن تصل إلى المدينة، حتى أكل الرسول الكريم ورجاله ورق الشجر.
وقابل الرسول القائد- عليه والصلاة والسلام- ورجاله الأشداء، حصار الأعداء بالصمود والثبات والصبر... حتى كانت هزيمة العدو الذي يحاصرهم. وكان الأعداء يركزون على نواحي الإعاشة لقوات المسلمين للتأثير على نتيجة المعركة، على أساس أن الروح المعنوية للمقاتلين تتأثر كثيرا بالنواحي الإدارية ومنع وصول الإمدادات، ولكن الصبر والايمان كانا أقوى من أي سلاح.
ومع توالي المعارك الاسلامية... زادت أعداد القوات في الجيوش الاسلامية وزادت احتياجاتهم من ناحية الأنواع والكميات واحتاجت إلى أعداد كبيرة من الدواب لحملها- خاصة في الفتوحات الاسلامية الكبرى- خارج الجزيرة العربية.
وفي تلك الغزوات والفتوحات الكبرى اعتمدت الجيوش الاسلامية على الموارد المحلية من طعام وشراب ومياه وإيواء في الدول التي قامت بفتحها.
وفي كل معارك الاسلام، كان المجاهد المسلم يتميز بالتقشف وتحمله مشاق القتال بأقل المطالب من التعيينات أو المهمات، فهو يتميز بقلة مطالبه الإدارية، وهو يرضى دائما بما هو متاح... بروح طيبة وقناعة وإيمان... فقد كان يكتفي في إحدى الوجبات بقطعة من الخبز أو قليل من التمر.
الإعداد الإداري
إذاً الإعداد الإداري للمعركة، له الأثر الأكبر في نتيجة القتال، حيث أنه يشمل أعداد المقاتلين بما يحتاجونه للمعركة من طعام وشراب وسلاح، ومختلف الاحتياجات التي تتطور على مر الزمن.
لقد بدأ جيش الاسلام الأول في العام الثاني للهجرة وقوامه ثلثمئة وعشرة مقاتلين وسبعون بعيرا وفرسا، وكانت أسلحته بسيطة جدا. ومازال يتطور وينمو في العدد والعدة وفي أسلحة القتال- وخاصة في قوة الرمي والفرسان، حتى بلغ في أواخر عهد الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام- حوالى 000،40 مقاتل مجهزين بكافة أنواع الأسلحة المتميزة في ذلك الوقت.
وكانت تبرى السهام وتجهز الكتائب للتدريب والاستعداد في المساجد. ومن فوق المنابر كانت تلقى التوجيهات والتعليمات الحربية.
والإعداد للمعركة كان يتم بكل أنواع القوة المادية التي أمر بها الله جل جلاله في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)- فكان يشمل إعداد الرجال وإعداد الخيل وإعداد الأسلحة من سيوف وسهام ورماح ونبل وكذلك إعداد المؤن والطعام، وكافة الاحتياجات اللازمة لمواصلة الجهاد والقتال.
الشؤون الإدارية في المعركة
أما أثناء المعركة، فكانت الشؤون الإدراية للمقاتلين تشمل إمدادهم بالطعام والمياه والأسلحة التي تتضمن السهام والرماح والنبل، وكذلك إسعاف الجرحى والمرضى.
ولعل من أعظم المهام التي قامت بها المرأة المسلمة في المعركة: قيامها بإسعاف الجرحى والمرضى. وكانت طريقة مداواة الجروح هي غسلها بالماء لتطهيرها، ثم إيقاف النزف باستخدام الرماد المتخلف من حرق الحصير المصنوع من البردي.
ولما جرح الرسول القائد- صلوات الله وسلامه عليه -في غزوة (أحد) جاءت ابنته (فاطمة) تغسل الدم، فلما رأت أن الدم مازال ينزف، أخذت قطعة حصير فأحرقتها حتى إذا صارت رماداً ألصقته بالجرح.. فاستمسك الدم بالرماد، روى البخاري عن الربيع بنت معوّذ- رضي الله عنها- قالت: (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة).
وروى مسلم عن أم عطية- رضي الله عنها- قالت:
(غزوت مع النبي- صلى الله وسلم- سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى).
وهكذا نجد أن دور المرأة المسلمة في المعركة، كان يشمل إعداد وحمل الطعام والمياه وسقيا الجنود المقاتلين، وإسعاف المصابين والجرحى من الجنود المسلمين وخدمتهم، وتقديم كافة المساعدات لهم، بما يتفق مع طبيعتها.
لقد كان كل مسلم أو مسلمة لم يشترك في القتال الفعلي والاشتباك مع العدو، يعاون المقاتلين في الإعداد والتجيهز والنواحي الإدارية الأخرى.... أي يشارك بطاقته وجهده في الخلف، وهو جهد له أثره في تحقيق النصر.
يقول الرسول القائد- عليه أفضل الصلاة والسلام: (من أعان مجاهدا في سبيل الله أظله الله في ظله... يوم لا ظل إلا ظله).
والمقاتل في سبيل الله، سواء كان في الخطوط الأمامية، أو كان يعمل في إمداد الجيش بكل ما يحتاجه من تموين وسلاح، وراحة لأسر المقاتلين وقضاء حوائجهم... هو غازٍ في سبيل الله، يقول الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام: (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا).
والعامل في المصنع الحربي، والجندي المختص بإمداد الجيش بالذخيرة وكل معدات القتال وأصناف التموين التي يحتاجها الجنود الآن- يسهم في هذا الخير. يقول الرسول القائد- عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليجزي بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه، ومناوله، والرامي به).
وبالقياس على هذا، فكل من يبذل جهدا في سبيل المعركة، سواء بالإعداد لها أو الإمداد والتموين أو العمل في الإسعاف والتموين أو التبرع بالدم... متعاقد مع الله، يقول تعالى: (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).
وهكذا فإن الجنود الذين لم تتح لهم الفرصة لمواجهة العدو مواجهة مباشرة في جبهة القتال لم تفتهم فرصة الجهاد.... فإن كل جندي في تخصصه، مهما كان موقعه من العدو، يقف جنبا إلى جنب الذين يواجهون العدو... من حيث الجهاد في سبيل الله. قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنه مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض).
الرسول القائد والشؤون الإدارية
لقد كان الرسول القائد- صلوات الله وسلامه عليه- قدوة لجنوده في كافة المجالات. وفي النواحي الإدارية، فكان يشارك رجاله شظف العيش وخشونته، يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون، ولم يتميز عنهم بشيء؛ ليقتدي به من حوله من المقاتلين.
وكان رسول الله في استطاعته أن يعيش منعما ومميزا لأن خزائن الدولة كلها تحت يده، وهو قائدها، ولكنه كان يشارك رجاله في مساكنهم ومطاعمهم وملابسهم؛ حتى يعلم الجميع أنهم سواسية.
إن الرسول القائد قدوة حسنة، ليس فقط في الحرب ولكن كانت حياته كلها مثلا أعلى وأسوة حسنة للأمة الاسلامية كلها، فلم يتخذ قصراً لسكنه، أو خدماً لعمله، ولا جنداً لحراسته، ولا كرسياً خاصاً لجلسته... وإنما كان يعيش كعامة الناس لم يتميز عنهم بشيء، ليقتدي به كل فرد من المسلمين.
وكان الرسول القائد، لا يسرف في الأكل وكان ينصح رجاله بذلك ويقول في حديث شريف: (ما ملأ آدمي وعاءً شرّاً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه).
وقد أشار (الحباب بن المنذر) على الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- في غزوة (بدر) بتغيير موقع المسلمين إلى مكان آخر- وكان (الحباب) عارفاً بهذا الموقع وضرورة تجفيف الآبار الموجودة حتى لا يستعملها العدو، وبناء حوض عليها يملأ ماء ويجعله خلفه فيقاتل المسلمون ويشربون منه ولا يشرب منه العدو. ولما رأى الرسول القائد حُسن مشورته وافق عليها، حتى يحرم العدو من الإمداد بالمياه، وهي أهم احتياجات الإعاشة في المعركة.
اقتصاد الحرب في عهد الرسول
كان الاقتصاد من أسلحة الحرب الهامة في تاريخنا الاسلامي المجيد. فقد أبدت قريش عداء شديدا للاسلام منذ اللحظة الأولى لظهوره، وكانت العوامل الاقتصادية من أهم عوامل هذا العداء فقد كان الاسلام ينهى عن الاحتكار والاستغلال... بينما كان اقتصاد قريش قائما على الاحتكار والاستغلال، فكانت تحتكر النشاط التجاري في بلاد الحجاز، وجنت ثروات طائلة، جعلت من قريش طبقة أرستقراطية رأسمالية، وأدركت قريش أن تعاليم الاسلام العادلة تهدد اقتصادها المستغل، ولذلك شنت حربا شعواء مستمرة ضد الاسلام.
واستخدمت قريش سلاح الاقتصاد في مناهضة الاسلام وفي اضطهاد المسلمين الأوائل، فقد أعلنت مقاطعة المسلمين من بني عبد المطلب اقتصاديا، ومنعت سائر القبائل العربية من التعامل معهم في التجارة، وفرضت عليهم حصارا اقتصاديا محكما، واضطرتهم إلى الالتجاء إلى شعاب مكة ومنعت عنهم الإمدادات والتموين... حتى أكل المسلمون حشائش الأرض، ووجدوا صعوبات كبيرة في الحصول على حاجتهم من الماء.
واستمر هذا الضغط الاقتصادي ثلاث سنوات وتحمله المسلمون في صبر شديد وإيمان عميق. وأدركت قريش أن حصارها الاقتصادي لم يأت بالنتائج التي هدفت إليها، فأعلنت إنهاء المقاطعة، وعاد المسلمون إلى بيوتهم، وإلى ممارسة نشاطهم الاقتصادي المعتاد، وبارك الله في جهودهم وتجارتهم، وعوضوا ما خسروه طوال هذه المدة.
وفي غزوة (بدر) يبدو الجانب الاقتصادي في ذلك الصراع العنيف الذي قام بين قريش والقوات الاسلامية، فقد كان اعتراض المسلمين طريق قافلة قريش القادمة من الشام إلى مكة، ضربة عنيفة أصابت اقتصاد قريش القائم على الاحتكار والاستغلال، فقد زاد عدد إبل القافلة على الألف، وكانت القافلة تحمل كثيرا من سلع إقليم البحر الابيض المتوسط. وكان من العدل تعويض المسلمين المهاجرين عن متاعهم وممتلكاتهم التي سبق أن صادرتها قريش بعد هجرتهم... وهزمت قريش في موقعة (بدر).
وفي غزوة (تبوك) ما يوضح أهمية الاقتصاد في إعداد الجيوش والاستعداد للحرب، من أجل تحقيق النصر، فقد أعلنت الدولة الرومانية عداءها السافر للدولة الاسلامية الجديدة... وكان للروم في الجاهلية أطماع استعمارية في الجزيره العربية بدّدها ظهور الاسلام.
وبعد انتصار الاسلام في بلاد العرب، وبعد فتح مكة وإسلام قريش- بدأت الدولة الرومانية تحشد جيوشها وتستعد للعدوان على الأراضي العربية الشمالية، وكان على المسلمين مواجهة هذا العدوان. وبدأ الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- في إعداد جيش قوي لمواجهة جحافل الرومان.
كان الحر شديدا، والمسافة بين المدينة وحدود الشام بعيدة، تجعل خطوط الإمدادات والتموين طويلة، ولابد من توفير حاجة الجيش من الطعام والماء. وبعث الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- إلى قبائل المسلمين يدعوهم إلى المشاركة في إعداد الجيش الاسلامي بالعدة والعتاد والاحتياجات.
وأقبلت الغالبية العظمى من المسلمين على الرسول القائد - عليه الصلاة والسلام- تعلن استعدادها للمشاركة التامة في الجيش الاسلامي بحمل السلاح وبذل المال وتجهيز القوات. وكان (عثمان بن عفان) مثلا من أمثلة المسلمين القادرين الذين أنفقوا على إعداد الحملة العسكرية، إذ أنفق من ماله ألف دينار.
أمثلة من التاريخ العسكري
كان سيدنا (عمر بن الخطاب) ثاني الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم- أول من جعل جند جيشه فئة مخصوصة.. إذ أنشأ (ديوان الجند) للإشراف عليهم والعناية بهم. وأمر جنده أن يتفرغوا للجهاد وخصص رواتب لهم ولأسرهم، وكذلك تكفّل -رضوان الله عليه- بإطعامهم وكسوتهم... دون مقابل. وعلاوة على ذلك، كانت توزع عليهم أربعة أخماس الغنائم التي يغتنمونها من فتوحاتهم، وكانت هذه الغنائم كبيرة جدا.
ولم يكن (عمر)- رضوان الله عليه- يسمح بتغيب الجندي عن زوجته وأولاده أكثر من أربعة أشهر، إلا إذا دعت الضرورة لذلك، محافظة على معنوياته وعلى ترابط الأسرة، وكان يبذل اهتماما كبيرا بصحة الجنود، فيُلحق بكل جيش عدداً كافيا من الأطباء للعناية بصحتهم، كما أنه أقام معسكرات فسيحة في أماكن صحية لراحة الجند في أثناء الطريق بعد أن كانوا يستريحون في أكواخ بسيطة من سعف النخل. وكان بكل معسكر حظيرة كبيرة لخيلهم بمعداتها وخُصصت مراعٍ واسعة لتلك الخيول.
وكان كل جندي يستريح أربعاً وعشرين ساعة كل أسبوع. كما أوصى- رضوان الله عليه قواد الجيوش بالاهتمام بجندهم وشئونهم الادارية والعمل على راحتهم.
وكان لاهتمامه بجنود جيوشه أثر بالغ في انتصارها على جيوش الأعداء، فامتدت الفتوحات في أيامه، وتوسعت حدود الدولة الإسلامية، وارتفع صوت الاسلام عاليا في تلك البلاد، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
وقد حذا الخلفاء المسلمون بعد ذلك حذو (عمر) - رضي الله عنه- في الاهتمام بجيوش المسلمين، مما كان له أكبر الأثر في انتصاراتهم وفتح بلاد الفرس والروم وشمال أفريقيا والحبشة والأندلس...