مشاهدة النسخة كاملة : مؤامرة آل الصباح على العراق في 2/8/1990
الزبير
31-07-2004, 12:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام لقد قام بكتابة هذا البحث القيم الدكتور صباح محمد سعيد الراوي وأنا أعرضه لكم هنا لأهميته، واستجابة مني لطلبه الكريم، كي تعم الفائدة، فيفهم من بَعُدَ فهمه ويعلم من قصُرَ علمه.
[line]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخواني الكرام في منتدى بغداد العروبة والشهامة والاباء والنخوة والجهاد والبطولة.. بغدادنا العظيمة الكريمة الصابرة المجاهدة... اشكر لكم قبولكم نشر هذا الملف في هذا المنتدى المحترم وان شاء الله سأبدأ النشر على حلقات لن تكون طويلة كي لا يمل القاريء من المواضيع الطويلة.. وسنبدأ الان ان شاء الله.
اخوكم ابوالمعتصم
الطبيب الجراح
د. صباح محمد سعيد الراوي
كييف - اوكرانيا
مالم يكن يجول بخاطري أبدا فتح هذا الملف الذي تكثر شجونه على شؤونه، ملف عانى منه العراق أكثر من أي دولة في هذا العالم وخسر من أبناءه ما لم تخسره دولة أخرى، خسر من الشهداء أضعافا مضاعفة من عدد سكان قطعة الأرض التي سلخها الاستعمار البريطاني عنه وزرعها في جنوبه كدويلة هزيلة ذات حكومة كرتونية، حوصر العراق حصارا جائرا لم يشهد له تاريخ البشرية مثيلا، انقطع عنه الدواء والغذاء وحتى المياه كانت ملوثة بسبب المواد الكيماوية واليورانيوم، انقطعت عن العراق كل مكونات التقدم والتطور والاسلحة، صار دولة معزولة عن العالم إلا من قبل بعض الدول التي أبت أن تسير في ركب أمريكا، لأن أمريكا حاربته، فقد حاربه أيضا كل من سار بركبها وخضع لها، حاربته أمريكا إعلاميا فحاربه أذنابها إعلاميا أيضا، فصار كل ما تفعله أمريكا يفعله أذنابها منفذين الأوامر بحذافيرها. حاصر العرب العراق قبل العجم، وحاصره المسلمون قبل الروم، صار الجميع في ركب أمريكا وساروا ورائها خائفين على عروشهم وفلوسهم منها، فأطاعوا العبد ونسوا المعبود وظن بعض العرب أن أمريكا بيدها الجنة والنار والموت والحياة، وكم تعرض العراق للظلم من القربى قبل الغربا، وصدق الشاعر حين قال : وظلم ذوي القربى أشد مضاضة في النفس من وقع الحسام المهند.
بلادي واقعة تحت الاحتلال الصهيوصليبي، ولربما يقول قائل من الأولى الآن التركيز على عمليات الجهاد البطولي في العراق والالتفات الى الأخبار الواردة من هناك والتي تثلج القلب وتشعرنا جميعا أن يوم النصر قادم بإذن الله. لكن ما دفعني لكتابة هذا الموضوع ما يلي:
- لانريد ابدا من يكتب لنا تاريخنا، ولانريد الأيادي الصهيونية أو الأيادي التي تعمل لصالح الصهيونية أن تخبرنا مستقبلا ماالذي حدث وكيف حدث ولماذا حدث وأين حدث وبسبب من حدث ؟ لذلك آثرت أن أعيد هذا الملف إلى الواجهة لعله يفيد في قراءة الأحداث المستقبلية في ربطها مع ما مضى من أحداث.وليفهم المواطن العربي أن المؤامرة على العراق قديمة صفة الموصوف بالقدم، وأن المستعربين نفذوا ما أملي عليهم بحذافيره.
- أن الاعلام في تلك الفترة بكل اطيافه والوانه وجنسياته كان لصالح ال الصباح والدولار والدينار، لم تكن هناك وسيلة اعلامية عربية مؤيدة لوجهة النظر العراقية إلا القليل القليل قياسا بما توفر للطرف الآخر، وبلا شك فإن الدولار لعب لعبته القذرة بجدارة في ذلك الوقت. فسالت اقلام النفاق والكذب تكتب ما تشاء وتقول ما تشاء بلا رقيب او حسيب، بل وصل الأمر ببعض الصحفيين المصريين الحقراء (يكرم الشعب المصري عنهم) ان تطاولوا على الرئيس صدام حسين وعلى عائلته وعلى السيدة ساجدة بكلام يستحي اقذر البشر من قوله. وعلى هذا فإن المواطن العربي البسيط الذي ليس لديه أي خلفية سياسية أو وعي بما كان يجري على الساحة العربية من مؤامرات صهيونية صليبية صدق كل ما يقوله هذا الاعلام المنافق وصار العراقي بنظره بعبعا يخيف او غوريلا ترعب او مارد شرير خرج من القمقم يريد تدمير العالم بأسره حتى باتت كلمة عراقي كأنها نكرة لدى البعض، وصار الانتماء الى اعظم بلد في العالم والى البلد الذي علم الدنيا اصول الحضارة والرقي والتقدم والتمدن تهمة يعاقب عليها أبناء العراق اينما حلوا وحيثما نزلوا.
- تبيان حقيقة ما جرى داخل ارض الكويت نفسها من قبل ابناء الشعب في الكويت وكيف واجهو جيشنا وماذا فعل بعض جنود الجيش العراقي هناك وكيف عوقبوا اذا ما ثبتت تهمة المخالفة على واحد منهم، ففي هذه الأيام وبعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على الأزمة لا زلنا نسمع ونقرأ ونرى عدد لا يستهان به من الحقائق المقلوبة والمغلوطة والكاذبة والتي لفقها عملاء واذناب ال الصباح سواء من كان مواليا لهم او مواليا لدولاراتهم وخصوصا قبل بدء العدوان واجتياح العراق، ذلك أنهم ربطوا الماضي بالحاضر وأخذوا ينبشون القديم كي يحركوا القلوب في الصدور ويستدروا العطف عليهم بأن ما سيحصل للعراق يستحقه كونه ارتكب الفظائع (على حد زعمهم) حين دخل جيشهم الى ارض الكويت محاولا إعادتها الى الأصل، (ولا أعتقد أن هناك داع لذكر قصة حاضنة الأطفال وابنة السفير الكويتي التافهة التي كذبها الاعلام الأمريكي ولم يأخذها على محمل الجد). ولقد رصدت بنفسي أكثر من مائة مقال (حقيقة لا خيال) تهاجم الرئيس صدام حسين بقسوة، وبعضها في جرائد ومجلات عربية اما صادرة داخل الوطن العربي نفسه او تصدر في خارج الوطن العربي ولكن بتمويل دول البترودولار وكلها تصب في خانة واحدة ولديها هدف واحد، الا وهو ان هذا الرجل شر لابد من التخلص منه، وان اسلحة الدمار الشامل العراقية تشكل خطرا على العالم باسره وخصوصا على أبناء الشعب في الكويت، واذكر هنا ان صحفيا حقيرا تافها يدعي علي سالم لم يجد حرجا من القول بكل دناءة وصفاقة ووقاحة ان اسلحة الدمار الشامل العراقية تشكل خطرا على عملية السلام وعلى جميع الأطراف في المنطقة !!!!!!
- انه عندما بدأ العدوان على العراق العظيم منطلقا من دول الجوار وخصوصا من الجنوب حيث أرض الكويت، تداولت الصحف ومحطات التلفزة روايات تقول ان الصمود الأسطوري العظيم للجيش العراقي البطل في ام قصر كان بسبب ان الجنود العراقين الصامدين تعلموا المقاومة والصمود من أبناء الشعب في الكويت!!!!! ، حيث قاومهم ابناء الشعب عندما دخل الجيش العراقي، وكانت هذه قمة المهزلة والسخرية… فهل وجد جيشنا رجال عندما دخل ؟ لقد قال أحدهم يوما ما، لو كان فيهم مائة من امثال الشيخ سليمان بوغيث او انس الكندري (تقبله الله شهيدا) أو هذا أخينا الشهيد أبوالبراء رحمه الله لربما فكر الجنود العراقيون كثيرا في اطاعة الأوامر وإكمال إحكام الأنتشار والسيطرة على كل أنحاء الكويت لأننا فعلا ساعتها سنواجه بمقاومة حقيقة رجولية، لكن.. هيهات.. وعندما أوقف الجنود العراقيون (للأسف) الشيخ سليمان بوغيث، تركوه بعد التحقيق لرجولته ولإعجابهم بشجاعته ولصدقه ولإيمانه أولا وأخيرا ولأنه حسبما ما قال لي ابن عمي الذي تولى التحقيق معه مع من تولى أنهم وجدوا أمامهم رجل بكل معنى الكلمة، فلم يملكوا إلا إطلاق سراحه.
قبل أن أبدا. اعتمدت في هذا البحث على : روايات لشهود عيان منهم اقرباء لي ومنهم اصدقاء – ما رأيته بأم عيني من معاملة للأسرى في معسكرات الجيش العراقي في بغداد وغيرها عندما اديت خدمة العلم كطبيب حيث صادف في ذلك الوقت أن عالجت مع باقي الأطباء العراقيين عدد من الأسرى الجرحى من ابناء الشعب في الكويت - ما نشره تلفزيون العراق من الوثائق والأفلام التي اكتشفها جيشنا سواء في بيوتات عائلة الصباح او في مقرات وزارات الخارجية والداخلية والأعلام ومبنى الأمن العام. بعض الكتب التي أحتفظ بها والتي تحدثت مطولا عما حدث يوم الثاني من أغسطس عام 1990، وقد قسـمت هـذا الموضوع المطول الى خمسة أقسام تبدأ بـ:
المقدمة وهي عن تاريخ الكويت وال الصباح
أحداث ما قبل دخول الجيش العراقي الى الكويت
دخول الجيش العراقي الى الكويت
العدوان الثلاثيني ثم انسحاب الجيش العراقي
قضية ما يسمى الأسرى الكويتيين في العراق
الخاتمة
على أنني نشرت هذا الموضوع في منتدى القلعة والانبار وواحة العرب وقامت شبكة البصرة المحترمة بنشر هذا الموضوع لديها على اجزاء، وتعرفت على هذا المنتدى المحترم من شبكة البصرة نفسها، واشكركم مرة ثانية على قبول نشر هذا البحث لديكم. وكما اسلفنا سيكون النشر على حلقات ليست مطولة كي لايمل القاريء من الحلقات الطويلة وكي يفهم بالضبط ماذا حصل وكيف حصل ولماذا حصل..
والله ولي التوفيق..
الزبير
31-07-2004, 01:43 PM
القسم الأول
المقدمة عن تاريخ الكويت وال الصباح
لا يوجد لدى أي عراقي أدنى شك في أن هذه الأرض هي أرض عراقية كانت ولا زالت وستبقى الى قيام الساعة، ويروى ان الرئيس صدام حسين أيام العدوان المجوسي على العراق زار مستشفى للأطفال يتعالج فيه أبناء وأرامل الشهداء العراقيين، فوجد سيدة عراقية قد وضعت مولودها للتو، فحمل وليدها وسألها هل أذن له أحد ؟ فأجابت بالنفي، فأذن واقام الصلاة في أذنيه حسب السنة النبوية الشريفة، ثم قال لها : سترضعيه ؟ فأجابت نعم، فأعطاها الطفل وقال لها: أرضعيه ايضا أن الكويت مالتنا..وهذه القصة تدل على أن كل عراقي يرضع مع حليب امه أن له أرضا مسلوخة في الجنوب لابد أن تعود يوما ما طال الزمان أم قصر.. عائدون إلى أم قصر.. هذا الذي يقوله العراقيون على لسان أبناء الشعب في الكويت.
ولكي أعود عودة بسيطة وسريعة الى الوراء لمن لا يعرف أصل هذه العائلة وهذه الأرض وكيف ومتى وأين أقول:
كانت قبيلة عنزة واحدة من أقوى قبائل نجد في الجزيرة العربية، واليها يقال أن كل الأسر التي ظهرت فيما بعد وحكمت ووصل نفوذها الى شواطيء الخليج ومراكزها السكانية المتناثرة هنا وهناك تنتمي إلى هذه القبيلة, وكان فرع العتوب من قبيلة عنزة واحدا من الفروع، وزعموا أن ال الصباح انتسبوا اليه، على أن هذا الفرع (العتوب) لم ينشأ في الكويت ابدا وانما في نجد وكان نشاطه مثل نشاط غيره يتمثل في الاغارة على طرق القوافل أو حمايتها مقابل أتاوة، حسب الظروف وما يستجد، اما أتاوة او مقابلها من بضائع ومواشي. وتشير دائرة المعارف الاسلامية طبعة سنة 1960 والصادرة عن جامعة ليدن في هولندا – وهي أهم مركز للدراسات الاسلامية في أوربا – ان فرع ال الصباح دخل في عراك مع غيره من فروع العتوب و عنزة، وكان أن جرى طرده من نجد وملاحقته خارجها، فرحل بخيامه ومواشيه الى الشمال الى منطقة ام قصر في العراق، وعاد من هناك يواصل الغارة على القوافل مما دعا الحاكم في ذلك الوقت باسم الوالي في بغداد الممثل للخليفة العثماني في استانبول الى طرد ال الصباح من ام قصر بسبب شكاوي الفلاحين وكان الرحيل من ام قصر امرا حتميا لا بد منه، ولكن هؤلاء الذين رحلوا لم يستطيعوا العودة الى نجد بسبب الثأر القديم هناك، فما كان منهم إلا ان توقفوا في منتصف الطريق بين البصرة ونجد.
لكن من أين جائت كلمة كويت ؟
كان العراق ايام الخلافة الاسلامية العثمانية، وكانت أهم الولايات فيه بغداد والموصل والبصرة، كانت بغداد مقر الوالي العثماني وكانت مسؤوليته تمتد الى البصرة والى ما بعد البصرة وما وراءها جنوبا الى ما يعرف حاليا بالخليج العربي بل الى حيث تستطيع قوته أن تمد سلطاتها في عمق الصحارى ولم يكن باقيا في هذه الصحارى الا بعض قبائل نجد التي تصل الى الشواطيء بين الحين والاخر لتبادل منتجاتها مع التجار والصيادين الذين أنشأوا مراكز تجمع صغيرة عند نقاط متباعدة على شطآن الخليج تزورهم فيها أحيانا سفن قادمة من بحر العرب عبر مضيق هرمز تحمل اليهم البضائع كالأقشمة والتوابل.
في ذلك الوقت كانت هناك منطقة صغيرة تعتبر ميناءا طبيعيا واسعا على رأس الخليج وكانت من توابع ميناء البصرة العراقي واستخدمت في بعض الاوقات بديلا له، وقام بجوار هذا الميناء مركز سكاني صغير بني فيه حصن أطلق عليه اسم الكويت تصغيرا لكلمة (الكوت) وهي تعني الحصن او نقطة المراقبة للدفاع. إذا من هنا جاءت كلمة ومسمى الكويت.
كان قدر الناس المتواجدين في هذا المركز السكاني الصغير وجلهم من التجار أن يتركوا عائلاتهم هناك وان يذهبوا الى البحر على متن السفن إما للتجارة اولصيد السمك واستخراج اللؤلؤ، وفي ظل ظروف غياب الرجال عن بيوتهم فإن عوائل المسافرين كان لابد لها من وجود من يحميها من قطاع الطرق واللصوص فوجد تجار هذا المركز السكاني الذي اسمه الكويت أن ال الصباح الذين لجأوا اليهم هاربين من نجد بسبب العراك والثارات القديمة والمطرودين من والي بغداد بسبب الاغارة على قوافل الطرق، والذين أثبتوا للسكان فيما بعد انهم اقلعوا عن مهاجمة القوافل وبدأو حياة مستقيمة نوعا ما وصارت بينهم وبين الأهالي مصاهرة ونسب أنهم خير من يقوم بدور الحماية للاهالي في ظل غياب الرجال، وكان أن تم الاتفاق والتراضي معهم، اجر مقابل حماية، لم تكن اسرة حاكمة بالمعنى المعروف للاسرة الحاكمة، وانما أختيرت لهذه المهمة مقابل جزء معلوم من أرباح التجارة وكأمر واقع فرض نفسه في ظل غياب حارس حقيقي يحمي العوائل في غياب أربابها لاسيما وان قوات والي البصرة كان هدفها الرئيسي أمور عسكرية خاصة بالولاية وليست حراسات شخصية، صحيح تعتبر هذه الأراضي تابعة له وللوالي في بغداد تلقائيا وللخليفة العثماني بالضرورة، إلا أن الأمر يختلف هنا، فألاجر على حماية عوائل وليس حماية بلد.
واذا أردنا أن نحول هذ الكلام الى لغة العصر الحالي، فالعملية مثل اسئتجار شركات الحراسة الخاصة.. هناك بدو يحملون البنادق البدائية ويركبون الجمال أو الخيل، وهنا حراس يرتدون البذلات الانيقة ويضعون النظارات السوداء ويحملون الرشاشات الاوتوماتيكية وأجهزة الاتصال الحديثة والهواتف المتحركة ويركبون سيارات الرانج روفر والجيمس. (يمكن تشبيه وضع عائلة الصباح في الكويت بوضع الاشراف الهاشميين في الحجاز، كانت لهم سلطة دينية فقط وليست سلطة دولة، مع الفرق ان هؤلاء سلطتهم مستمدة من النسب الذي يرتبطون به أما أولئك فوضعهم في الكويت كان وضع الحارس، استمدوا سلطتهم من هذا المسمى).
اذا هي تحت ادارة ال الصباح وليس حكم آل الصباح، فالحكم للوالي في بغداد الذي يعتبر ممثلا للخليفة العثماني.
الزبير
01-08-2004, 08:46 PM
تعاقب شيوخ ال الصباح على ادارة قوة الحماية في الكويت، وكان الشيخ السادس منهم قد توفي تاركا ثلاثة أبناء هم محمد – جراح – مبارك، وقد اختلفوا فيما بينهم على ارث ابيهم، واتفق اثنان منهم هما محمد وجراح واختلفوا مع الثالث وهو مبارك، وتصاعد الخلاف بينهم على قائمة حساب تحوي عشرين ليرة عثمانية وسيف معطوب يتكلف اصلاحه تسع ليرات، وذلك حسبما يروي نقيب أشراف البصرة الشريف خلف باشا النقيب ( بالمناسبة عائلة النقيب في البصرة تعود اليه ولا زالت تحتفظ بالشجرة الموصلة اليه) وهذه الرواية سمعها منه الشيخ عبد العزيز الرشيد عمدة المؤرخين التقليديين في الخليج، رواها في كتابه (تاريخ الكويت).
واحتدم الخلاف بين الاخوة بمشادة كلامية على قائمة الحساب تلك، ثم انتهى الى أن أحد الاخوين المتفقين وهو جراح دخل الى سوق الجزارين في الكويت وصاح مناديا أصحاب الدكاكين : إياكم أن تعطوا مبارك شيئا، فقد تبين أنه مفلس وعليه ديونا عظيمة، وحسبما يذكر الشيخ عبد العزيز الرشيد في نفس الكتاب في الصفحة 119(بعد هذا الحادث صمم مبارك على التضحية بأخويه على مذبح الغضب والانتقام وعلى هتك حرمتهما وقطع رحمهما واسالة دمائهما الطاهرة) ويصل الشيخ عبد العزيز لوصف عملية الذبح في نفس الكتاب فيقول : في ليلة من ليالي ذي القعدة المظلمة سنة 1313 للهجرة (1896 ميلادية) بعد أن مضى هزيع من الليل وبعد أن هجع القوم، نهض مبارك مسرعا فقتل أخويه محمد وجراح يسانده ابناه جابر وسالم، ولفيف من الخدم، وجعل من كان معه اقساما ثلاثة: هو لأخيه محمد، وجابر وبعض الخدم لأخيه جراح، وابنه سالم وبعض الخدام حرسا في صحن الدار.
صعد مبارك الى محمد فأيقظه من النوم، وبعد أن انتبه أطلق عليه البندقيه ولكنها لم تجهز عليه، فاستغاث الاخ بأخيه وذكره بما له من الحق والحرمة، فما وجد ذلك الصوت المحزن ولا ذلك الاستعطاف الحار سبيلا الى قلب مبارك الذي امتلأ حقدا وغضبا، فصوب اليه البندقية متصامما عن سماع النداء حتى تركه بلا حراك يتخبط بدمه يوجود بنفسه العزيزة.
أما جابر فقد ذهب الى عمه في حينه فألفاه يقظا وزوجته بجانبه فسدد البندقية اليه ولكنها لم تنطلق، فعاجله عمه بالقبض عليه وكان ان ساعدته زوجته في الأمر وكادا يتغلبان عليه لولا مبادرة أحد الخدام الى مساعدة جابر بتصويب بندقية الى نحر العم فأرداه صريعا، ووقفت زوجته تبكي وتنوح وتندب عليه.
ونصب مبارك نفسه حاكما على الكويت بينما كان أهلها في حالة ضجيج وعويل لهذه المصيبة التي لم يحدث لها مثيل.
فذهب بعض أهالي الكويت بعد هذه الجريمة الى البصرة يشتكون الى السلطات هناك ما وقع في مدينتهم وكذلك فعل الشيخ مبارك الصباح الذي أراد من هذا الذهاب أن يطمئن والي البصرة ومن ورائه باشا بغداد إلى أنه مقيم على العهد وسيبقى على ولائه للوالي وللباشا وللخليفة ولن يخلف العهد وكان جل طموحه ان يثبته الخليفة العثماني في موقعه ويعينه قائممقام على الكويت على أن يكون هذا بتوصية من والي البصرة ثم باشا بغداد الذي بدوره سيرفع أمره للخليفة في استانبول.
جدير بالذكر أنه لجأ الى والي البصرة أيضا مع من لجأ أبناء وزوجات الشيوخ القتلى، وقد ظلت عائلاتهم هناك حتى سمح لبعضهم بالعودة بعد عشرات السنين على مرور تلك الجريمة، وكان من بين العائدين الشيخ علي خليفة الصباح الذي تسلم منصب وزير المالية الكويتي ثم وزير النفط أثناء مقدمات أزمة الخليج.
الزبير
01-08-2004, 08:48 PM
لكن بريطانيا (الدولة الاستعمارية الخبيثة وسبب بلاء العرب والاسلام) لم تكن على استعداد لأن يحزم الخليفة العثماني أمره بتعيين مبارك الصباح قائممقام أولا يعينه، فيقر ما جرى ويقبل بالواقع ويعين مبارك او يسجنه على الجريمة التي اقترفها، فظهر الكولونيل البريطاني المعتمد في الخليج ليوقع معاهدة حماية للشيخ مبارك ضد من يحاول المساس به أو الاعتداء عليه، وكانت هذه المعاهدة بتاريخ 23/1/1899، وقد ورد ذكرها في مجموعة وثائق وزارة المستعمرات البريطانية عن الكويت، وبدأت المعاهدة على النحو التالي:
الحمد لله وحده – بسم الله تعالى شأنه
الغرض من تحرير هذا السند الملزم والقانوني هو أنه قد تم التعهد والاتفاق بين المقدم مالكوم جون ميد حامل وسام الصليب الامبريالي، المقيم السياسي لصاحب الجلالة البريطانية في الخليج (الفارسي) نيابة عن الحكومة البريطانية من ناحية، والشيخ مبارك بن الشيخ صباح شيخ الكويت من ناحية ثانية، بأن الشيخ المذكور مبارك بن الشيخ صباح قد ألزم نفسه هنا بإرادته ورغبته الحرة وورثته ممن يخلفه ألا يستقبل وكيل أو ممثل أي قوة أو حكومة في الكويت أو أي مكان أخر ضمن حدود أراضيه دون الموافقة المسبقة للحكومة البريطانية، كما يلزم نفسه أيضا وورثته ومن يخلفه بأن لا يتنازل أو يبيع أو يؤجر أو يرهن أو يعطي لغرض الاحتلال أو لأي غرض آخر أي جزء من أراضيه لحكومة أو رعايا أي دولة أخرى دون الموافقة المسبقة لحكومة صاحب الجلالة. ويشمل هذا الاتفاق أيضا أي جزء من أراضي الشيخ المذكور مبارك، التي قد تكون في حوزة رعايا أي حكومة في الوقت الحاضر. وتعبيرا عن ابرام هذا السند الملزم والقانوني، وقع الطرفان المقدم مالكون جون ميد حامل وسام الصليب الامبريالي والمقيم السياسي لصاحب الجلالة البريطانية في الخليج (الفارسي) والشيخ مبارك بن الشيخ صباح، الاول نيابة عن الحكومة البريطانية والثاني نيابة عن نفسه وعن ورثته ومن يخلفه، أمام الشهود بتاريخ العاشر من رمضان عام 1316 الموافق للثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير 1899
توقيع###########توقيع
م.ج. ميد###########مبارك الصباح
الشهود
ويكهام هور
قبطان السفية الهند لصاحب الجلالة
ج. جاسكن
محمد رحيم بن عبد النبي صفر
لكن الشيخ مبارك لم يقطع على نفسه خط الرجعة وأخذ بالحسبان أن شيئا ما قد يحدث في يوم ما، لذلك لا بد من ابقاء الخيط موصولا مع الخليفة العثماني أولا ثم مع والي بغداد وعامله في البصرة ثانيا، وظل يحاول الحصول على اعتراف من السلطان العثماني بحكمه، وحينما راجعه المعتمد البريطاني في شأن اتصالات يجريها مع استانبول كان رده: انه يملك مزارع نخيل في الفاو (في العراق) تدر عليه دخلا قدره أربعة ألاف جنيه في السنة اشتراها من مدخراته، وعلقت صحيفة التايمز في ذلك الوقت على هذا الخبر بقولها ( ان الشيخ يريد قدما في المعسكر العثماني وقدما في المعسكر البريطاني) ولم تكن نتيجة الصراع بين المعسكرين بحاجة الى ذكاء لمعرفة النتيجة، فنجم لندن كان يعلو يوما بعد يوم، بينما نجم العثمانيين بدأ يخبو وأذنت شمسهم أن تغيب، ولا يخفى على اي متتبع للتاريخ في ذلك الوقت المؤامرات اليهودية التي كانت تحاك ضد دولة الخلافة الاسلامية من كل جانب بعد رفض السلطان المرحوم عبد العزيز بيع فلسطين لليهود، فالهاشميون في الحجاز مدفوعين من الانجليز من جهة وجماعة الاتحاد والترقي، والجمعيات العربية السرية التي تكونت على اساس قومي من جهة أخرى وكان جلها مرتبط بالماسونية في ذلك الوقت، ناهيك عن دسائس ومؤامرات الارمن والمشاكل الداخلية والافلاس والتذمر.. ومع هذا كله كان الشيخ مبارك حريصا على أخذ موافقة الخليفة على تثبيته حاكما على الكويت، وبريطانيا في نفس الوقت تدفعه الى توسيع أراضيه وتقوم بتهديد العثمانيين كلما تعرضوا له، ثم ما لبث الانجليز أن اقترحوا عليه علما مستقلا يختلف عن علم دولة الخلافة الاسلامية ترفعه سفن الصيد والتجارة التابعة له. لكن الشيخ مبارك أبدى تخوفه من هذه الخطوة قائلا ان الناس في الكويت لن تعرف الفرق في التغيير الحاصل، وأن مثل هذا العمل سيضاعف عداوة العثمانيين لا سيما وأن الكثير من السكان في الكويت لا زال متعلقا بالخليفة العثماني نظرا لسلطته الدينية وان كانت في تلك الايام الاخيرة قد صارت اسمية أكثر منها فعلية ولا زالوا يعتبرون الوالي في بغداد هو الممثل الرسمي للسلطان (الخليفة). لكن المقيم البريطاني بيرسي كوكس ما برح يلح على الشيخ بتبديل العلم وعرض عليه نماذج من الاعلام لاختيار أحدها، فقرر الشيخ أن يكون علم الكويت هو العلم العثماني على أن تكتب عليه كلمة كويت بالعربية.
عندما قام ما يسمى الشريف حسين بن عون بالخيانة العربية الكبرى ضد دولة الخلافة الاسلامية العثمانية بتحرض ودعم من الانجليزوغابت شمس العثمانيين عن الوطن العربي بعد عام 1916كان المقيم البريطاني بيرسي كوكس قد اصبح السير بيرسي كوكس مفوض حكومة الهند ومندوبها السامي في الخليج وأتخذ من بغداد مقرا له.
تروي محفوظات الوثائق البريطانية مشهدا غريبا من المشاهد التي تم بها رسم خطوط بين الكويت ونجد، كان السلطان عبد العزيز ال سعود سلطانا على نجد فقط، وطلب اليه السير بيرسي كوكس ان يلقاه في منطقة تدعى ((العقير)) لحل مشكلة المنازعات على الحدود بينه وبين الكويت، وعندما جيء بالشيخ والسلطان قام بيرسي كوكس وأمسك قلما ورسم خطا على خريطة واصبح هذا الخط حدودا دولية، وكان خط الحدود مع العراق أصعب ، ذلك أن العراق كان كيانا أظهر وأكبر. وعلى أي حال فقد كان السير بيرسي كوكس ومساعدوه هم الذين اختاروا بمساعدة المكتب البريطاني في القاهرة ملكا هو فيصل بن الحسين الذي تولى عرش العراق باسم فيصل الاول، وذلك بعد أن طرده الفرنسيون من سوريا عقب غزوهم لها في عام 1920 اثر معركة ميسلون الشهيرة.
على أن فيصل الذي تولى حكم العراق بإرادة بريطانية لم يستطع أن يقبل خط الحدود الذي وضعته السلطات البريطانية فاصلا بين العراق والكويت وكذلك فعل رجال بريطانيا في بغداد وأولهم نوري السعيد باشا. ومات الملك فيصل وجاء بعده ابنه غازي واذا به يأخذ موضوع تبعية الكويت للعراق بمنتهى الجدية إلى درجة أنه أمر بإنشاء إذاعة خاصة في قصر الزهور راح يذيع منها بيانات تنادي بعودة الكويت إلى الوطن الأم العراق. ويكشف تقرير يحمل رقم(23180/371) بعث به السير موريس بيترسون (المندوب السامي البريطاني في العراق) أن بيترسون احتج على نوري السعيد بسبب هذه الاذاعة الموجهة من قصر الزهور وجاء في التقرير ما يلي:
(( أخبرني الجنرال نوري السعيد الذي كان مع الملك طيلة هذا الصباح بأن البث من إذاعة القصر سببه تسلم الملك برقيات معنونة إليه شخصيا عن هذا الموضوع. وقد عبرت الحكومة الموالية لنا عن أسفها لاستمرار هذا البث، وأعربت عن أملها أن ذلك سوف يتوقف. وقلت إن الصحف العراقية ما زالت تنشر المقالات تلو المقالات التي تنادي بعودة الفرع إلى الأصل والتي يقول كاتبوها إن هذه أرض عراقية مائة بالمائة وأن أهلها هم عراقيون ويجب إعادتها الى الوطن الأم بأي شكل، وبأن طلبة كلية الحقوق في بغداد قد طالبوا السماح لهم بالقيام بتظاهرات تنادي بعودة الفرع للأصل، وأن هذا الذي يحصل من محاولات السلخ وإقامة كيان منفصل عن الكيان العراقي يجب أن يتوقف. ثم أظهرت استغرابي من أن الصحف العراقية كلها تطلب من الحكومة العراقية تسليح الجيش العراقي بشكل جيد كي يتمكن من استعادة الكويت وضمها الى الوطن الأم)).
ويأخذ هذ الموضوع حيزا واسعا في تقارير المندوب السامي التي كان يرسلها بشكل شبه يومي، ولم يتوانى المندوب السامي البريطاني عن توجيه إنذار مباشر للملك غازي بأن التفكير بموضوع الكويت يجب أن يتوقف.
وعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 قتل الملك غازي في حادث سيارة مريب في قصر الزهور نفسه، وراجت اقوال وشائعات على أن الملك لقي مصرعه بسبب مشكلة الكويت نفسها وإلى حد كبير كانت هذه الشائعات صحيحة، فقد تبين أن مقتل الملك لم يكن بسبب اصطدام سيارته بعمود داخل القصر وانما بسبب ضربة مفاجئة من فأس تلقاها على مؤخرة رأسه، وقد أكد هذا الأمر العديد من الضباط والاطباء العراقيين الذين حاولوا فعل شيء لانقاذ حياة الملك.
ظلت القضية معلقة تظهر وتختفي حتى جائت سنة 1958 وفي وقائعها ذلك الفوران الشديد الذي عاشته المنطقة العربية بقيام الوحدة بين مصر وسوريا، ثم محاولة الملوك في بغداد وعمان اعلان قيام اتحاد هاشمي ليجمع بين البلدين، وتكشف الوثائق البريطانية ان البلدين طالبا الحكومة البريطانية بحل مشكلة العلاقات بين العراق والكويت . وفي شهر يونيو عام 1958 كتب السفير البريطاني في بغداد الى حكومته ما يلي:
(( أنه سمع أن هناك تفكيرا بأنه اذا لم توافق الحكومة البريطانية على الطلب الهاشمي، فإن الاتحاد الجديد يستطيع أن يتدخل ويضم الكويت إليه، عارفا أن بريطانيا لن تستطيع عمل شيء لمقاومة ذلك، وإلا كان معناه أنها ستحارب الطرف العربي الوحيد الذي يساندها في عدائها وحربها لجمال عبد الناصر الذي يطارد بقايا نفوذها في المنطقة بعد معركة السويس، والذي سيجد له أنصارا كثيرين بين العناصر القومية والثورية في الدويلات الناشئة على شواطيء الخليج)).
لم تمض أسابيع على هذا الكلام حتى قامت ثورة 14 يوليو 1958 في العراق وانتهى الحكم الملكي بالنهاية المأساوية إياها وبدأ حكم اللواء عبد الكريم قاسم، وبدوره قام اللواء عبد الكريم بفتح موضوع تبعية الكويت للعراق، فاثاره في مناسبة اتفاق تم التوصل إليه بين بريطانيا وشيخ الكويت سنة 1961 يقضي بإعلان إمارة الكويت دولة مستقلة، وتقدمت الدولة الجديدة لعضوية الأمم المتحدة ولعضوية جامعة الدول العربية، لكن عبد الكريم قاسم ما لبث أن حشد الجيش العراقي حول البصرة مهددا بالتدخل العسكري لإعادة الكويت إلى العراق، حينها حاول الانجليز تأخير انسحاب قواتهم من الكويت وأعادوا بعض القوات التي انسحبت عائدة الى لندن.
الزبير
02-08-2004, 01:43 PM
وكان خط الحدود مع العراق أصعب ، ذلك أن العراق كان كيانا أظهر وأكبر. وعلى أي حال فقد كان السير بيرسي كوكس ومساعدوه هم الذين اختاروا بمساعدة المكتب البريطاني في القاهرة ملكا هو فيصل بن الحسين الذي تولى عرش العراق باسم فيصل الاول، وذلك بعد أن طرده الفرنسيون من سوريا عقب غزوهم لها في عام 1920 اثر معركة ميسلون الشهيرة.
على أن فيصل الذي تولى حكم العراق بإرادة بريطانية لم يستطع أن يقبل خط الحدود الذي وضعته السلطات البريطانية فاصلا بين العراق والكويت وكذلك فعل رجال بريطانيا في بغداد وأولهم نوري السعيد باشا. ومات الملك فيصل وجاء بعده ابنه غازي واذا به يأخذ موضوع تبعية الكويت للعراق بمنتهى الجدية إلى درجة أنه أمر بإنشاء إذاعة خاصة في قصر الزهور راح يذيع منها بيانات تنادي بعودة الكويت إلى الوطن الأم العراق. ويكشف تقرير يحمل رقم(23180/371) بعث به السير موريس بيترسون (المندوب السامي البريطاني في العراق) أن بيترسون احتج على نوري السعيد بسبب هذه الاذاعة الموجهة من قصر الزهور وجاء في التقرير ما يلي:
(( أخبرني الجنرال نوري السعيد الذي كان مع الملك طيلة هذا الصباح بأن البث من إذاعة القصر سببه تسلم الملك برقيات معنونة إليه شخصيا عن هذا الموضوع. وقد عبرت الحكومة الموالية لنا عن أسفها لاستمرار هذا البث، وأعربت عن أملها أن ذلك سوف يتوقف. وقلت إن الصحف العراقية ما زالت تنشر المقالات تلو المقالات التي تنادي بعودة الفرع إلى الأصل والتي يقول كاتبوها إن هذه أرض عراقية مائة بالمائة وأن أهلها هم عراقيون ويجب إعادتها الى الوطن الأم بأي شكل، وبأن طلبة كلية الحقوق في بغداد قد طالبوا السماح لهم بالقيام بتظاهرات تنادي بعودة الفرع للأصل، وأن هذا الذي يحصل من محاولات السلخ وإقامة كيان منفصل عن الكيان العراقي يجب أن يتوقف. ثم أظهرت استغرابي من أن الصحف العراقية كلها تطلب من الحكومة العراقية تسليح الجيش العراقي بشكل جيد كي يتمكن من استعادة الكويت وضمها الى الوطن الأم)).
ويأخذ هذ الموضوع حيزا واسعا في تقارير المندوب السامي التي كان يرسلها بشكل شبه يومي، ولم يتوانى المندوب السامي البريطاني عن توجيه إنذار مباشر للملك غازي بأن التفكير بموضوع الكويت يجب أن يتوقف.
وعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 قتل الملك غازي في حادث سيارة مريب في قصر الزهور نفسه، وراجت اقوال وشائعات على أن الملك لقي مصرعه بسبب مشكلة الكويت نفسها وإلى حد كبير كانت هذه الشائعات صحيحة، فقد تبين أن مقتل الملك لم يكن بسبب اصطدام سيارته بعمود داخل القصر وانما بسبب ضربة مفاجئة من فأس تلقاها على مؤخرة رأسه، وقد أكد هذا الأمر العديد من الضباط والاطباء العراقيين الذين حاولوا فعل شيء لانقاذ حياة الملك.
ظلت القضية معلقة تظهر وتختفي حتى جائت سنة 1958 وفي وقائعها ذلك الفوران الشديد الذي عاشته المنطقة العربية بقيام الوحدة بين مصر وسوريا، ثم محاولة الملوك في بغداد وعمان اعلان قيام اتحاد هاشمي ليجمع بين البلدين، وتكشف الوثائق البريطانية ان البلدين طالبا الحكومة البريطانية بحل مشكلة العلاقات بين العراق والكويت . وفي شهر يونيو عام 1958 كتب السفير البريطاني في بغداد الى حكومته ما يلي:
(( أنه سمع أن هناك تفكيرا بأنه اذا لم توافق الحكومة البريطانية على الطلب الهاشمي، فإن الاتحاد الجديد يستطيع أن يتدخل ويضم الكويت إليه، عارفا أن بريطانيا لن تستطيع عمل شيء لمقاومة ذلك، وإلا كان معناه أنها ستحارب الطرف العربي الوحيد الذي يساندها في عدائها وحربها لجمال عبد الناصر الذي يطارد بقايا نفوذها في المنطقة بعد معركة السويس، والذي سيجد له أنصارا كثيرين بين العناصر القومية والثورية في الدويلات الناشئة على شواطيء الخليج)).
لم تمض أسابيع على هذا الكلام حتى قامت ثورة 14 يوليو 1958 في العراق وانتهى الحكم الملكي بالنهاية المأساوية إياها وبدأ حكم اللواء عبد الكريم قاسم، وبدوره قام اللواء عبد الكريم بفتح موضوع تبعية الكويت للعراق، فاثاره في مناسبة اتفاق تم التوصل إليه بين بريطانيا وشيخ الكويت سنة 1961 يقضي بإعلان إمارة الكويت دولة مستقلة، وتقدمت الدولة الجديدة لعضوية الأمم المتحدة ولعضوية جامعة الدول العربية، لكن عبد الكريم قاسم ما لبث أن حشد الجيش العراقي حول البصرة مهددا بالتدخل العسكري لإعادة الكويت إلى العراق، حينها حاول الانجليز تأخير انسحاب قواتهم من الكويت وأعادوا بعض القوات التي انسحبت عائدة الى لندن.
تكشف وثائق وزارة الخارجية العراقية أنه في شهر يوليو 1961 وقف عدنان الباجه جي ((الذي كان يعتبر من خيرة الدبلوماسيين العراقيين والعرب وابن أحد رؤساء الوزارة البارزين وهو أحمد حمدي الباجه جي والذي لوث ولطخ سمعته في أواخر سني حياته)) وقف أمام مجلس الأمن بادئا بطلب رفض شكوى حكومة الكويت من التهديدات العراقية قائلا (( إن الكويت ليست الآن، ولم تكن في أي وقت في الماضي دولة مستقلة، وقانونيا وتاريخيا فإن الكويت كانت باستمرار جزءا لا يتجزأ من ولاية البصرة العراقية)) ثم يمضي حسب الوثائق في شرح الحجج التاريخية والقانونية التي يعزز بها هذا الرأي كاشفا ان ال الصباح كانوا مجرد حرس لأهالي السكان الذين كانوا يجوبون البحار في سفنهم إما لصيد السمك او استخراج اللؤلؤ أو للتجارة.
نجح العراق في تعطيل انضمام الكويت الى عضوية الأمم المتحدة لمدة سنتين، رغم ان العرب ارسلوا قوات لحماية الكويت من الجيش العراقي، وكانت تلك القوات مصرية بالدرجة الأولى، ولم ينفتح الطريق أمام الكويت لدخول الأمم المتحدة إلا بحملة علاقات عامة (وخاصة) ودفع رشاوي هنا وهناك تكلفت قرابة مليون دولار في ذلك الوقت، تضمنت فيما تضمنته تأمين الحصول على أصوات بعض الدول الافريقية والاسيوية الصغيرة والفقيرة في الجمعية العامة، وتحقق ذلك سنة 1963، وكانت الظروف في العراق على وشك أن تتغير. وكانت الأزمة وموضوع الكويت مؤجلا أكثر منه منتهيا.( أعاد التاريخ نفسه عام 1990 عندما قاموا بنفس الدور وراحوا يدفعون المليارات هنا وهناك لأجل شراء المواقف والذمم والضمائر).
اللقاء مع جمال عبد الناصر
سقط نظام اللواء عبد الكريم قاسم عام 1963 وانتهى الحكم الانفصالي في دمشق بعده بشهر واحد، وطلب البلدان (سوريا والعراق) وحزب البعث إقامة وحدة مع تجمعهما مع مصر. وعندما جاء الوفد العراقي برئاسة علي صالح السعدي نائب رئيس وزراء العراق الى القاهرة للتباحث حول موضوع الوحدة مع جمال عبد الناصر فإن أول موضوع فتحه العراقيون هو موضوع الكويت وحق العراق الذي لاينازع فيه ولا يمكن التخلي عنه مهما حصل، وكان الوفد العراقي يحفظ عن ظهر قلب كل الحجج والوقائع التاريخية والوثائق والخرائط التي تعزز دعاويه، لكن جمال عبد الناصر كان له رأي آخر في الموضوع تلخص في ((أن ما يطلبه العراقيون حق مشروع ولكن يعتقد أنه الآن قد فات أوانه بعض الشيء بسبب أن الانجليز لم يعودوا وحدهم يريدون السيطرة على بترول الخليج، وانما هذه السيطرة انتقلت أكثر إلى أيدي الأمريكان، ولذلك فإن أي أحد يريد أن يضم دولة من دويلات الخليج فإن أول من سيواجهه هو أمريكا القوة العظمى المتنامية، على ان الاتحاد السوفييتي نفسه يسلم بأهمية بترول الخليج لأمريكا والغرب عامة، إنكم لا تعرفون مدى حساسية الغرب تجاه موضوع الكويت، أننا حين أعدنا العلاقات مع بريطانيا، طلبوا فتح خمس قنصليات في كل من: القاهرة والاسكندرية وبورسعيد ودمشق وحلب، فطالبنا نحن ايضا بخمس قنصليات في بريطانيا وتوابعها، وطلبنا أن تكون هذه القنصليات في كل من: لندن وليفربول ودار السلام وعدن والكويت، فوافقوا على كل المدن الا الكويت.. وقال لنا السير كولين كرو، أبدا إلا الكويت..فهذه المنطقة بالنسبة لهم ليس فيها هزار....ثم مضى عبد الناصر بشرح الكثير من الوقائع والمخاطر وخطط الغرب وأمريكا)) والتي تبين فيما بعد أنها كلها صحيحة صادرة من رجل لديه بعد نظر استراتيجي.
وحين قامت ثورة 17 تموز عام 1968 التي جاءت بحزب البعث الى السلطة في العراق، فإن هذا الموضوع أيضا لم ينساه الحكام الجدد وإن علقوه لفترة معينة، فقد كان العراق في تلك الفترة يمر من مرحلة إلى مرحلة، عدا عن التمرد الكردي الذي كان يواجهه والمدعوم من اسرائيل وايران، فعلقوا الموضوع قليلا لكنهم في قرارة أنفسهم لم ينسوه أبدا، وبدا كل واحد من المسؤولين العراقيين منهمكا ومنشغلا بمراجعة ما وقع تحت يديه من وثائق تتعلق بالكويت وكيف نشأتها ومتى حصل ذلك، ملقيا باللوم على بريطانيا التي أوجدتها كما أوجدت الكيانين الصهيوني والاردني، وعلق أحد المسؤولين العراقيين البارزين يومها أمام الرئيس أحمد حسن البكر – يرحمه الله – ان بريطانيا دقت في جسد العرب ثلاثة مسامير قاتلة كفيلة بجعل المارد العربي مريضا لا يقوى على النهوض ما لم يتخلص من هذه المسامير وهي : الاردن والكويت واسرائيل، وأن المارد العربي اذا ما أراد العودة إلى أيام المجد القديمة وإقامة الوحدة العربية الكبرى تمهيدا لقيادة العالم الإسلامي بأسره فإن عليه أولا التخلص من هذه المسامير وإخراجها من جسده وإعادتها إلى أصولها.
كان لابد من هذه المقدمة عن تاريخ الكويت وكيف انسلخت هذه الدويلة عن العراق وصار لها كيان مستقل، وأسرة آل الصباح ومن هم واين كانوا وكيف كانوا.
الزبير
08-08-2004, 12:52 PM
القسم الثاني
أحداث ما قبل دخول الجيش العراقي الى الكويت
قبل بداية الأزمة عام 1990 كان العراق خارجا من حرب ضروس نتيجة العدوان الفارسي عليه الذي تزامن بعد أشهر من ثورة الخميني على الشاه عام 1979، واللافت انه حين قامت الثورة في إيران ظن الخميني ان الشيعة في العراق سيثورون على الحكم في بغداد ويقيمون أيضا جمهورية على غرار جمهورية إيران، وارسل الخميني رسالته الشهيرة إلى الرئيس صدام حسين اختتمها بالعبارة المشهورة (والسلام على من أتبع الهدى) (وغني عن القول لمن كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه العبارة في خواتيم رسالاته الى الملوك والامراء عندما دعاهم الى اعتناق الإسلام) وحين قرأ الرئيس صدام حسين هذه الجملة ثارت ثائرته وأحس بالغضب الشديد منها قائلا بكل عصبية:
شنو هذا يعني.. إحنا كفار.. هو بس المسلم وإحنا كفار.. الله يلعن.......)وقامت الحرب بين البلدين واستمرت حتى عام 1988 صمد فيها الجيش العراقي صمودا اسطوريا واستطاع تحرير جميع الأراضي التي احتلها الفرس في بداية العدوان.
دول الخليج قدمت الدعم للعراق، لكنها لم تفعل هذا حبا بالعراق او بصدام حسين شخصيا وانما لخوفها من وصول تيار الثورة الخمينية الى أراضيها مما يعني الاطاحة برؤوس الشيوخ والامراء الجالسين بكل وداعة واسترخاء في قصورهم على شواطيء الخليج، لاسيما وأن دول الخليج فهيا عدد لا بأس به من الشيعة لم يخف بعضهم غبطته لقيام ثورة الخميني بل وصل الأمر ببعض تجار الخليج المشهورين أن وضع صورة على طول الحائط في منزله للخميني، حتى جاء من يطلب منه إزالتها بأمر الحاكم شخصيا قائلا له: إن الخير الذي أنت فيه من الشيخ.... وليس من الخميني، (حين زار شاه إيران الكويت قبل أن ينهار حكمه بسنوات، قامت الجالية الايرانية في الكويت بفرش الطريق من المطار إلى حيث مقر إقامته بالسجاد العجمي الفاخر كي تسير عليها سيارته وذلك في إشارة لافتة للنظر إلى قوة نفوذ الجالية الايرانية في دولة واحدة هي الكويت والى الثراء الذي تتمتع به) لذلك قدمت الحكومات الخليجية الدعم للعراق بمختلف أنواعه. على أن الحاكم الخليجي الوحيد الذي كان مستاء من الحرب ومحذرا منها كان الملك خالد – يرحمه الله- الذي جاء لمجلسه يوما ما فوجده مكتظا بالأمراء والمستشارين والوزراء جالسين يتحدثون عن الحرب الدائرة بين العراق وإيران وكانت لا زالت في بداياتها، فجلس صامتا لم يتحدث ابدا بينما الحاضرين منهمكين في أحاديث جانبية، ثم ما لبث أن قال ( وربما تموت الافاعي من لدغ العقارب) وكان هذا القول يغني عن كل حديث.
وحين توقفت الحرب خرج العراق بجيش لا يمكن الاستهانة به أبدا، جيش خاض حربا لمدة ثماني سنوات، ولكن بنفس الوقت بإقتصاد عليه عبء كبير وديون أكبر والاف الشهداء والارامل والمعوقين وجرحى الحرب وذوي العاهات المستديمة. كان لا بد من عائد يحقق شيء من التوازن بين الايرادات والمصروفات.
قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981
لو استعرضنا بنظرة سريعة قيام مجلس التعاون الخليجي لراينا أنه تجمع أغنياء خائفين على ثروتهم يجمعهم هم واحد وهو الأمن، فقد كان السلام الظاهر على شواطيء المنطقة وهما والعمران المتزاحم على بعض البقع سرابا والنشاط البادي داخل هذه البقع وعلى أطرافها قلقا وخوفا أكثر منه طمأنينة، وتلك حالة طبيعية عندما يكون هناك كنز مدفون، ويكون لهذا الكنز صاحب يمكله ومطالب به يدعيه ومستفيد منه يعرف قيمته ثم يجد الثلاثة معا أن التظاهر أدعى وأولى لتحقيق الرجاء:
فصاحب الكنز يتظاهر بالأمان حتى لا يتجرأ عليه غيره إذا استشعر خوفه والمطالب بالكنز يتظاهر بالصبر والأناة يداري بهما العجلة واللهفة، والمستفيد من الكنز يتظاهر بأنه يعطي أكثر مما يأخذ ويحمي الكنز من الطامعين فيه وهم محيطون به من كل ناحية.
قام المجلس الذي جمع الدول الست فيما عرف بعد باسم مجلس التعاون الخليجي، لكن قرارات وتوصيات هذا المجلس بقيت حبرا على ورق حتى يومنا هذا، ولعل الأمر الوحيد الذي اتفقوا عليه بشكل دوري هو قيام بطولة كرة القدم كل سنتين، أما مسألة توحيد العملة والقوات المسلحة والمجلس النيابي والوزاري وغيرها من اللجان التي اتفقوا عليها فقد بقيت كلاما انشائيا بدون تنفيذ. ولا يخفى على أحد الحكومات الهشة التي كانت تحكم تلك الدول، والخلافات العميقة بين كل دولة على حدة، خلافات امتدت من اسطبلات الخيول ومرمى كرة القدم الى غرف نوم الحكام أنفسهم.
وكان كل طرف يرى نفسه أنه افضل من غيره، فالسعوديون مثلا يرون أن لهم خاصية تميزهم عن غيرهم، ألا وهي خدمة الحرمين الشريفين، كما يرون أن دولتهم تمتد الى البحر الأحمر ولديها حدود مجاورة لبلاد الشام ولديهم سكان أكثر من غيرهم وبالتالي هم حماة طبيعيين للخليج وأهله، عدا عن التاريخ العريق الذي تتمتع به دولتهم، واسرتهم تعتبر من الأسر العريقة والأصيلة في المنطقة، وبنفس الوقت ينظرون الى القطريين على أنهم دخلاء على قطر وهم أساسا من قبيلة تميم السعودية الأصل، بينما يعير القطريون السعوديين بأنهم نسبوا الدولة إلى أنفسهم وجعلوا الشعب تابعا لهم. ولا تختلف نظرة آل سعود الى الكويتيين كثيرا عن نظرتهم إلى آل ثاني، فهم يعرفون ويعلمون علم اليقين كيف نشأت دولتهم، ولا تتعدى نظرة آل سعود اليهم على أنهم مجموعة من التجار أنشأ لهم الانجليز دولة، والى فترة قريبة كان بندر بن سلطان يمازح أصحابه عندما يريد استخدام الحمام بقوله ( عفوا أنا ذاهب الى الكويت لأقضي حاجتي!!!!) بينما ينظر آل الصباح اليهم على أنهم أسرة متسلطة عزلت نفسها عن الشعب واستأثرت بالثروة والسلطة. ونفس النظرة تقريبا متبادلة بين شيوخ الامارات وسلطان عمان الذي كان إلى فترة ليست بالبعيدة يعتبر تلك الأرض تابعة له وكان اسمها ساحل بحر عمان، ويرى في قرارة نفسه هؤلاء الشيوخ على أنهم مجموعة من المتطفلين أنشأوا بالفلوس تاريخا لنفسهم وأوجدوا لهم كيان كان جزء من أراضي السادة ال البوسعيد الذين لهم الشرف (حسب نظرته) بأن صراعهم الأزلي كان مع القراصنة البرتغاليين في البحر الأحمر، ولا تختلف نظرة أهل البحرين الى الدول الأخرى، على أن البعض ينظر الى هذه المشيخة الصغيرة جدا والتي بالكاد ترى على الخريطة على أنها المكان المفضل للعربدة وشرب الخمر واللهو مع النساء لباقي أهل الخليج الذين لا يتوفر في بلادهم ما يتوفر في البحرين من ملاهي وفنادق حتى أطلق عليها البعض اسم (دويلة الخمارات).
ولعل أبلغ وصف كاريكاتوري معبر عن هذا الواقع الهش هو ما تخيله أحد رسامي الكاريكاتير العرب الراحلين حين قيام هذا المجلس، فقد تخيل شيوخ وأمراء الخليج وهم واقفين بصف واحد يبتسمون ويضحكون لبعضهم البعض وأيديهم على ظهور بعضهم تعبيرا عن التكاتف والتعاضد، بينما يصور الجانب الخلفي للصورة كل واحد منهم بيده سلاح يحاول أن يقتل به الآخر، فهذا بيده سكين والثاني سيف والثالث مسدس والرابع قنبلة والخامس فأس والسادس بندقية. وعلق أحد الصحفيين العرب المشهورين يوما ما على هذا المشهد بأن كل واحد منهم يتمنى أن يرى الثاني على الخازوق كي يشمت به !!!!!.
وبقي هذا المجلس الى يومنا هذا رغم الخلافات الحادة التي نشأت بين أعضائه حتى كاد ينفرط عقده في مرحلة من المراحل.
الزبير
25-08-2004, 06:40 AM
كانت نظرة صدام حسين الى شيوخ الخليج وأمرائها نظرة لا تخلو من الريبة والشك، وبلا اي شك فقد كان يحتقر بعضهم، فقد كان دائما ما يردد القول إن هؤلاء القوم يشكلون عبئا على الوطن العربي، وكان يدرك تماما المؤامرات التي يحيكها البعض ضده بالتعاون مع أمريكا وبريطانيا وخصوصا الكويت. لذلك آثر على نفسه عدم زيارة تلك الدول مطلقا(زار السعودية للعمرة واجتمع مع فهد بن عبد العزيز) بل وصل الأمر به مرة أنه أطلق على هذه الدويلات اسم دول الخطأ والخطيئة، او بئر البترول الذي صار دولة. على أن صدام حسين وللانصاف كان دائم التحدث عن ثلاثة من الحكام باحترام وتقدير، فإذا ما تحدث عن الوحدة وتوحيد الكيانات الصغيرة كان يستشهد بعبد العزيز، واصفا إياه بالرجل مرددا القول ما أحوجنا لمثله، وإذا ما تحدث عن القيادة والحزم كان يذكر فيصل متذكرا موقفه الشهير في حرب تشرين عام 1973 حين اتخذ قرار قطع البترول العربي عن أمريكا والغرب، وإذا ما تحدث الرئيس صدام عن الزهد في الحكم والتواضع والتدين كان يذكر خالد بن عبد العزيز – يرحمهم الله جميعا- كان في قرارة نفسه يكن الاحترام لهؤلاء الثلاثة، وكان صدام حسين يرى أن الخليج العربي يجب أن يكون دولتين فقط، هما العراق والسعودية، على أن الرئيس صدام حسين ابدى في غير مرة اشادته بالأمير عبد الله واصفا إياه بالعروبي وبصاحب المواقف الأصيلة، لكنه في نفس الوقت كان دائم القول عند ذكره بأنه محاصر من قبل السباع السبعة وثعلبهم في واشنطن، وحين سأله أحد أعضاء القيادة من هم السباع السبعة يا سيدي الرئيس ؟ أجاب : إنهم السديريين السبعة، أما ثعلب واشنطن فهو أعرف من أن يعرف.
قيام مجلس التعاون العربي
إذا عندما توقفت حرب الخليج الأولى وجد العراق نفسه مرهقا بعد الحرب، شديد القلق والعصبية، فقد رأى في السنوات الأخيرة من الحرب ان الولايات المتحدة تتجه لوضع ثقلها في صف إيران، وكذلك بدت اسرائيل نشيطة في العمل ضد العراق، ووجد العراق نفسه مثقلا بالديون التي بلغت قرابة 60 بليون دولار، وكانت هناك مطالب ملحة في مجال إعادة إعمار ما دمرته الحرب أو فتح فرص العمل أمام مئات الألوف من الشباب العائد من خنادق الحرب وكان ظن العراق أنه يستطيع استعادة التوازن كما قلنا من قبل بفضل البترول، لكن هذه السوق لم تكن على استعداد للاستجابة بهذه السرعة أو بهذا المقدار.
في ظل هذا الوضع ظهرت الى السطح فكرة انشاء مجلس التعاون العربي وهي ولدت أصلا في عمان ومنها انتقلت الى بغداد ومنها الى القاهرة ثم اليمن. كان هذا التجمع بالواقع تجمع اختلافات وليس انسجام مقاصد، وحتى على مستوى القيادات فإن التباين كان واضحا بينهم، وخلفية كل منهم وتكوينه ونوع سلطته وطموحات نظامه، كان كل منهم في واد. وبذلك فإن اللقاء بينهم كان حكم ضرورة غير قادر على البقاء وكان من الممكن أن يؤدي الى انفجار في اول صدمة، وقد بدا تجمع محتاجين تضغط عليهم المشاكل والضرورات وتملي عليهم أحكامها وتلك هي طبيعة الاحتياج.
أحس السعوديين ان انضمام اليمن أمرا لا يبشر بالخير أبدا، وبأن ذلك ممكن أن يطوقهم من الشمال ومن الجنوب، فأدركوا أن هذا أمرا مقصودا من حسين، الذي لم يخف أطماعه بالعودة لحكم الحجاز إن لم يكن بشخصه فبواسطة هاشمي من أهل بيته، مكررا في الكثير من مجالسه الخاصة أن الأرض أرضهم وأن لا تنازل عنها. لذلك لم يسكت السعوديين على هذا الأمر ابدا ومضت اسابيع قليلة وانفجر الموقف في جنوب الاردن بقيام مظاهرات معادية للحكم في عمان وكان احتجاجها على ارتفاع الاسعار والغلاء ونقص المؤن وردد المتظاهرون هتافات معادية للاسرة الحاكمة وبالعودة من حيث أتوا وبعضهم كان يردد شعارات تطالب بالوحدة والاندماج مع السعودية. كانت منطقة المظاهرات هي الكرك وهي منطقة تسكنها قبائل وعشائر تتمتع فيها السعودية بنفوذ كبير، وعمت المظاهرات جنوب الاردن كله وأدت الى اسقاط حكومة زيد الرفاعي كما أدت الى هروب خمسمائة مليون دولار من رأس المال وانخفضت قيمة الدينار وحصلت بلبلة وفوضى. وقصد السعوديون من هذا، اذا كنت تقصد مضايقتنا باليمن في الجنوب، فنحن نضايقك ايضا ولكن في جنوب الاردن نفسه.
على كل حال لم يمض وقت طويل حتى بدأت الخلافات والتشققات تظهر بين أعضاء هذا المجلس، فكل دولة تريد منافعها، وكل دولة وجدت نفسها على النقيض تماما من الدولة الأخرى، تماما كحال مجلس التعاون الخليجي، وبالنهاية انفرط المجلس نهائيا عند حدودث الأزمة، وعلى أي حال فهو قد ولد ميتا كما قال أحد الدبلوماسيين العراقيين.
أواخر 1989 والأشهر الأولى من عام 1990
قبل أن نتحدث عن عام 1990 والقمة التي صارت فيه، نذكر أنه بعد توقف الحرب بين العراق وايران، تقاطرت الوفود العربية الى بغداد لتقديم التهاني بالنصر، ولم يكن ضمن هذه الوفود وفد كويتي، وكان بعض السياسين الكويتيين والوزراء قد اشاروا على الامير بأن يتوجه ايضا الى بغداد كما فعل غيره، لكنه كان مترددا بعض الشيء مصغيا للرأي الذي يقول بأن العراق هو الذي يجب ان يبعث بوفد الى الكويت ليقدم الشكر لحكومتها على المساعدات التي قدموها للعراق، لكن برز في النهاية حل وسط وهو ان يقوم الشيخ سعد الصباح بزيارة استطلاعية قبل أن يذهب الأمير بنفسه، ويبدو انه في التمهيد لزيارة الشيخ سعد قامت بعض الصحف الكويتية بحملة اعلامية أثارت فيها قضية ترسيم الحدود، وحين وصل الشيخ سعد في فبراير عام 1989 كان الدور على الصحف العراقية للرد، وكان من بين منشورات الصحف العراقية مقال له معنى خاص جدا ظهر في جريدة القادسية، وراجت اشاعة بين اعضاء الوفد الكويتي ان الرئيس صدام حسين أملاه بنفسه على الجريدة وكان المقال يقول: ان العراق لا يطلب فقط جزيرتي بوبيان ووربة كما هو شائع، فهاتان الجزيرتان لم تعودا محل مناقشة لان ملكيتهما للعراق ثابتة، ان هناك أراضي في الكويت تخص العراق، كما اتضح أن الكويت انتهزت فرصة الحرب الايرانية العراقية وانشغال العراق بها وغيرت خط الحدود فأزاحته عن مكانه وأعادته من جديد بعد أن قضمت معه قطعة ضخمة من أراضي العراق.
اجتمع الشيخ سعد مع عدنان خير الله – يرحمه الله – وكان وزير الدفاع في ذلك الوقت وكانت بينهما علاقة ود، واشتكى سعد اثناء الاجتماع من اقوال الصحف العراقية وقال انه بسببها كاد ان يغادر بغداد عائدا الى الكويت. لكن حصل والتقى مع صدام الذي كان ودودا للغاية الى درجة أطمأن بها الشيخ سعد. ثم راح صدام حسين في هذا الاجتماع يتحدث عن الاسطول البحري العراقي المبعثر في كل مكان وكيف أن العراق بحاجة إلى ميناء عميق يسمح لغاطس السفن بالملاحة وأخذ يؤكد على الحاجة الماسة لتواجد الاسطول في مياه الخليج حيث هناك اساطيل من نوع غريب وليس بينها اسطول عربي واحد!!! فقال الشيخ سعد ان هذا الموضوع يحتاج الى تعاون كل مجموعة الخليج ولا يظن ان هناك عقبة والمح بطريق غير مباشر الى ان الكويت يمكن ان تعطي تسهيلات للعراق في جزيرتي بوبيان ووربة، دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير وضعهما.
وكان لابد من تعزيز التفاهم بين البلدين، فجرى الترتيب لزيارة يقوم بها جابر الى العراق، وكانت الزيارة ودية من كافة النواحي وانتهزها صدام فرصة ليقدم لجابر أعلى وسام عراقي تقديرا من العراق لموقف الكويت أثناء الحرب مع إيران، وحاول أحد الوزراء الكويتيين اثارة نقطة تتعلق بعقد معاهدة عدم اعتداء بين الكويت والعراق أسوة بالتي عقدت بين السعودية والعراق والعراق والبحرين، وكان رأيه أن مثل هذه المعاهدة تؤدي الى تطمين الخواطر، لكن تعليق الدكتور سعدون حمادي كان أنه قد يكون من الملائم ترتيب الخطى، فتنتهي اولا مفاوضات ترسيم الحدود ثم تبحث بعد ذلك مسألة المعاهدة.
هنا نشير إلى أمر هام جدا، وهو أن جابر وبعد دخول القوات العراقية إلى الكويت وهروبه مع من هرب إلى السعودية، التقى في مقر إقامته فيما بعد بالطائف بعدد من محرري الصحف المصرية، فسألوه عن زيارته للعراق قبل الأزمة، فتحدث عنها، ثم أضاف فيما أضاف، أنه سأل الرئيس صدام حسين هذا السؤال: متى تنوي زيارتنا في الكويت؟ فعند زعم جابر أن صدام أجابه بخبث، سأزورك بعد ثلاثة أشهر، وعلق أمير الكويت على هذه الجملة بعد أن قالها أمام محرري الصحف المصرية قائلا: بالفعل زارني بعد ثلاثة أشهر ولكن بقواته وليس بالهدايا. وهذا الحديث بين صدام وجابر لم يحدث مطلقا وكذب في كذب.
لماذا كذب؟ زيارة جابر كانت في شهر سبتمبر 1989، ودخول القوات العراقية كان في شهر أغسطس 1990، يعني مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الزيارة والوعد. وهذا أكبر دليل على أن صدام حسين لم يكن فعلا بوارد إرسال جيشه الى الكويت. صحيح كان في بال المسؤولين العراقيين أن هذه الارض أرضنا ولا بد أن تعود ولكن ليس في تلك الفترة، فقد كان صدام حسين مع باقي رجال القيادة العراقية يتحينون فرصة أكثر ملائمة من تلك الفرصة.
في الاشهر الاربعة الأولى من عام 1990 تعرض العراق لأزمة مع الغرب بسبب الصواريخ والأسلحة الكيماوية والبيولوجية ثم بسبب قضية الجاسوس البريطاني الايراني الأصل فرزاد بهزود الذي أعدمه العراق بعد أن ثبتت عليه تهمة التجسس، ولم يستجب الرئيس صدام حسين لمناشدات العفو عنه ومنها عربية كالعادة عندما يتعلق الأمر بغربي أو أمريكي محكوم بالاعدام في بلد عربي، حيث يصبح الكل رؤوف وانساني وحنون. في ظل التهديد الامريكي والغربي والهجوم الإعلامي على العراق ارتفعت الأصوات الي تنادي بعقد القمة العربية تضامنا مع العراق لمواجهة الأخطار المحدقة به وأضاف السيد ياسر عرفات الى فكرة القمة تحبيذ عقدها في بغداد لتكون مظاهرة تأييد للعراق في مواجهة تهديدات أمريكية واسرائيلية ضده.
قمة بغداد في شهر مايو 1990
الزبير
25-08-2004, 06:53 AM
حال الكويت قبل الأزمة وبداية الأزمة
كان ايضا مما التقطه العراقيون عن الكويتيين برقيات متبادلة بين الكويت وايران في اعقاب انتهاء الحرب بين العراق وايران، كانت احدى البرقيات موجهة الى القائم بالأعمال الكويتي في طهران تطلب منه الاجتماع مع علي أكبر ولايتي وزير الخارجية يبلغه سعادة الكويت في توقف الحرب وانتهائها وانهم ينوون فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وهل في امكان الكويت تقديم شيء لإيران يساعدها في الظروف الصعبة التي تمر بها حاليا، ثم يرد القائم بالأعمال بأنه فعل ما طلب منه وأن أحد مساعدي وزير الخارجية الايراني طلب منه اذا كان بإمكان الكويت تقديم كميات من مادة الكيروسين وانها ستكون شاكرة لو استطاعت الكويت تقديمها.
ثم رسالة تبلغ القائم بالأعمال استعداد الكويت لتقديم ما تريده إيران.
وكان التعليق العراقي على هذه الرسائل هو: لماذا لم يبدأو بسؤالنا نحن عما نحتاج إليه قبل أن يسألوا ايران ؟ فعلق أحد الوزراء العراقيين قائلا: إنهم يخطبون ود العجم.
على أن هذا وللامانة والانصاف لم يكن دقيقا لأن الكويت قدمت بالفعل للمجهود الحربي العراقي مساعدات يصعب انكارها. ويتوجب عليها خلق نوع من التوازن بين الجارين الكبيرين.
ثم أضيف لهذا واقعة جرت أثناء زيارة سعد الصباح الى واشنطن لشراء طائرات اف 18، فحين تم اللقاء في مجلس الشيوخ الامريكي لاجل الاتفاق على تلك الصفقة، سأل أحد أعضاء اللجنة الفرعية المتخصصة بمبيعات السلاح للخارج في مجلس الشيوخ عضو الوفد الكويتي :
ماهي الضمانات التي تستطيع حكومتكم تقديمها للتأكيد على أن هذه الطائرات لن تستخدم ضد إسرائيل بواسطتكم أو بواسطة طرف عربي آخر يحصل عليها منكم ؟
فرد عضو الوفد الكويتي دون تفكير قائلا: إننا نريد هذه الطائرات للدفاع عن أنفسنا ضد جيراننا ولا نريد استعمالها ضد إسرائيل !! وصل هذا الكلام بحرفيته إلى آذان العراقيين واعتبروا أنفسهم هم المقصودين بهذا الكلام.
كان يمكن لهذه الحوادث وغيرها أن تمر وكان يمكن التجاوز عنها لو أن جو العلاقات بين البلدين يسمح لهما بحوار لا تحكمه عقد التاريخ والجغرافيا، ومع ذلك فإن هذه العقدة بقيت قائمة وعلى ما يبدو أنها لن تنتهي ابدا.
حال الكويت قبل الأزمة
قبل أن نتحدث عن بدايات الأزمة، لعله من المفيد ان نتحدث قليلا عن الكويت قبل دخول الجيش العراقي اليها، وكيف كان حالها.
كان عقد آل الصباح مع السكان يقضي بتقديم الحماية فقط، حرس فقط، دون الاشتغال بالتجارة، لكن اكتشاف البترول وتدفق الأموال جعل الموازين تختل بين الحراسة والتجارة، اصحبت عوائد البترول بأيدي الحراس واصبحوا هم من يوزعون على من يشاؤون ويمنعون عمن يشاؤون وفاضت الثروة بأيديهم وراحوا يتصرفون في ثراء لم يكونوا يحلمون به وليسوا على استعداد له، وقد خيل اليهم في وقت من الاوقات ان البلاد صارت بمن فيها وما فيها وما بها وما عليها ملكا شخصيا لهم، ذلك أن عوائد البترول تركزت في أيديهم فالدولة هي الأسرة والأسرة هي الدولة – والواقع وللانصاف يمكن أن يقال أن هذا الوضع لم ينطبق عليهم وحدهم فقط، بل انطبق على جميع الأسر الحاكمة في الخليج دون استثناء -.
كما ان الفقر له مشاكله فالثراء له مشاكله أيضا، واصعب مشاكل الثراء حين يكون مقترنا مع الضعف وحالة ما يسمى الانكشاف الكامل ومن جميع الجوانب والاتجاهات.
كانت التركيبة السكانية في الكويت عجيبة غريبة، فقد كان تعداد السكان في الكويت قبل دخول الجيش العراقي يبلغ مليونين نسمة مقسمين الى فئات هي في حقيقة أمرها طبقات، فقد كان عدد السكان العرب الاصليين في الكويت (اي مواطنوا الدرجة الأولى) 620 الف نسمة، وعدد البدون يقرب من 300 الف نسمة والباقون اي حوالي مليون ومائة الف نسمة هم ما يطلق عليهم لفظ الأجانب أي بمسمى آخر الوافدين الذين لا يحق لهم الحصول على الجنسية الكويتية إلا بمعجزة مثل العرب والاسيويين وباقي الجنسيات التي جاءت أصلا للعمل، والاف مؤلفة من ابناء هذه الجاليات ولد على أرض الكويت وعاش فيها.
على أن هذا التركيب الطبقي العجيب خلق تناقضات لايمكن اغفال أثرها، صحيح أن فرص العمل كانت متاحة للجميع ولكن التفاوت المريع في الدخول كان من شأنه أن يزرع في قلب المجتمع اسبابا للقلق الاجتماعي الذي بدا يظهر بوضوح شديد.
وفي الحقيقة ان التركيبة السكانية في الكويت باتت هرما اجتماعيا لا يظهر على سطحه – بتأثير الرخاء الظاهري – ما يدور في داخله بسبب التناقضات من حساسيات ومشاكل.
وكانت قمة الهرم بالطبع هي الاسرة الحاكمة ثم يأتي بعدها طبقة كبار التجار من عائلات الكويت الأصلية وهم من العرب واكثر من تسعين بالمائة منهم من البصرة في العراق ونشأت بين الاثنين علاقات شد وجذب مردها أن التجار يعتبرون الشيوخ موظفين للخدمة العامة بما في ذلك الحاكم نفسه الذي كان يتقاضى راتبا شهريا قدره مليون دينار.
ثم راح وهم الاستقلال يتبدد يوما بعد يوم، ذلك ان الاعتماد على القوى الخارجية بات خيارا لا مفر منه، وقد بدت سياسة التسليح الكويتية مضيعة للوقت والجهد والمال، وكانت الاشكالية ان السلاح الذي يشتريه الكويتيين بعشرات البلايين من الدولارات لا يستطيع الصمود امام تهديد خارجي وفي نفس الوقت لا يصلح لمواجهة اي تهديد داخلي، فالطائرات والصواريخ لا تصلح لفض مظاهرات ولا لمواجهة معارضة، ناهيك عن ان الكويت صرفت قبل دخول الجيش العراقي ما يقرب من 22 مليار دولار على التسليح لم تستفد منه بشيء حين حاول افراد جيشها مواجهة رجال الجيش العراقي.
ثم اضيف هذا كله أثره الى الشخصية الكويتيه التي راحت تتمسك بمقولة انها متميزة عن غيرها ولها خاصية فيها مهما كانت الظروف، وانهم يعتبرون انفسهم شعب الخليج المختار، فلهم الثقافة والعلم والفن والثروة والرفاهية والرخاء ولبلادهم العز والسؤدد، ولغيرهم الفقر والجهل والمرض والوباء.
وساعد على ذلك بالطبع أن الغنى الفاحش المحاط بالفقر المدقع يورث أصحابه نوعا من التكبر والتعالي يمكن أن يحسب كنوع من التجبر والتسلط، وكانت الكويت بالنسبة للآخرين بلد اصاب أهله وحكامه التجبر والتعالي والغرور بلا مبرر حقيقي، وهذا ما خلق حساسيات شديدة بينهم وبين باقي العرب، فحتى هؤلاء الذين كانوا يحاولون فهم مشاكل الكويت ويتعاطفون معها شعروا بتكبر هذه الشخصية.
بداية الأزمة
بعد هذا الاستعراض كله
نأتي إلى يوم 17يوليو 1990، وهو اليوم الذي يلقي فيه عادة الرئيس صدام حسين خطابه التقليدي بمناسبة ثورة تموز، وراح يستعرض في هذا الخطاب أهم الحوادث في السنة التي انقضت فقال:
إن أهم وأخطر الأحداث خلال الفترة الماضية هي الحملة الواسعة المدبرة التي تشنها الدوائر الامبريالية والصهيونية الرسمية وغير الرسمية ضد العراق بصورة خاصة وضد الأمة العربية بوجه عام... ثم تطرق للقول: ان القوى الامبريالية لم تستخدم في حملتها الأخيرة السلاح ولم تهدد بالأساطيل والقواعد الجوية المنتشرة في العالم وفي المنطقة، ولكنها بدأت تمارس القتل واضعاف القدرة التي تحمي الكرامة والسيادة بأدوات أخرى، وبأسلوب آخر أخطر من الاسلوب الأول من حيث نتائجه، انه اسلوب ظهر بين صفوف العرب ويستهدف قطع الأرزاق بعد أن تم تطويق الاسلوب الأول الذي كان يستهدف قطع الأعناق...
ثم وصل إلى الأزمة الراهنة فقال:
إن الأساليب الجديدة ينفذها عرب.. أفراد.. وربما الدول في المنطقة، وأعني بذلك السياسة البترولية التي يتبعها منذ حين الحكام في دول الخليج تعمدا في تخفيض أسعار النفط بدون مسوغ اقتصادي، وعلى الضد من إرادة غالبية المنتجين في الاوبك وعلى الضد من مصلحة الأمة العربية، وعلى سبيل المثال فإن انخفاض دولار واحد في سعر النفط من جراء هذه السياسة يؤدي إلى انخفاض ألف مليون دولار من عائدات العراق سنويا..
ثم مضى يتحدث بشكل عام عن سياسة أمريكا وتحكمها بمصائر منتجي البترول وعدم سماحها بنمو امكانياتهم المادية ومصادر ثروتهم بما يتيح لهم فرصة المناورة الطبيعية بين المالك والبائع وبين المشتري..
كان يمكن لهذا الخطاب أن يمر بسلام،،،،،
لكن في تونس،،،،
كان طارق عزيز يحضر مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا لمناقشة هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل،،، توجه طارق عزيز إلى مكتب الأمين العام وسلمه رسالة من الحكومة العراقية...
وقع الانفجار بعدها.....
تتالت الردود الى بغداد تؤيد عقد القمة العربية، ووافق كل العرب على الحضور ما عدا سوريا ولبنان، هذا بالرغم من أن الرياض والقاهرة حاولتا تأجيل عقد القمة إلى موعد آخر.
كان أمر دمشق مفهوما ان الاسد لن يحضر القمة بعد المواجهة بينه وبين صدام في الدار البيضاء على الرغم من أن الرئيس صدام ارسل له وزير العدل يومها محمد أكرم عبد القادر، إلا أن الاسد عند استقباله له اعتذر عن الحضور قائلا أنه لابد من الاعداد الجيد للقمة وإن سوريا وإن لم تحضرها لكنها تقف مع العراق بكل قوة في وجه التهديدات الأمريكية الصهيونية. طبعا وقف اللبنانيون في صف سوريا ولم يحضروا القمة ايضا، ولم يبد أن أحدا انزعج لعدم حضور سوريا ولبنان. في النهاية تحدد يوم 28 ايار/ مايو 1990 للانعقاد.
لن نخوض فيما دار قبل القمة من مناقشات حامية بين الوزراء المدافعين عن أمريكا والمطالبين بعدم إدراجها بالاسم في البند الأول من جدول الأعمال وذكر (التهديدات التي يتعرض لها العراق بدون كلمة (ألامريكية) على أساس أنه لا يمكن توجيه الاتهام للحكومة الامريكية بسبب ما ينشر في الصحف الأمريكية.
لان الحديث عن هذه الامور مضحك مبكي بنفس الوقت، فقد تبين ان بعض العرب صاروا امريكيين اكثر من الامريكيين انفسهم. يدافعون عن امريكا بكل ما أوتوا من سحر اللغة والبيان حتى ليتحول أحدهم الى سيبويه العصر في اللغة العربية ومفرداتها التي يختارها بعناية قبل اي مؤتمر.
بدأت أعمال القمة بخطاب للرئيس صدام حسين أشار فيه إن على العرب إذا ما اعتدت أسرائيل عليهم فإن عليهم الرد والضرب بقوة وإذا استخدمت أسلحة دمار شامل فيجب ايضا استخدام اسلحة دمار شامل ضدها وأن لا تنازل عن فلسطين.،
وأضاف الرئيس صدام الى خطابه جمل ذات مغزى وهي ((لا يحق لكائن من يكون أن يتمتع بثرواتنا ومواردنا في الوقت الذي يحاربنا أو يناهض تقدمنا العلمي والتكنولوجي ويجب أن نحول هذا المبدأ الى سياسة ومفردات تطبق ويلتزم بها بصورة جماعية))
وهذا ما زاد جو القمة كآبة فضلا عما كانت فيه من كآبة اصلا، ثم ما لبث أن أضاف ((إن الامة العربية كلها مستهدفة والعراق او المستهدفين فهو الان في مواجهة مؤامرة أمريكية عسكرية واقتصادية وحصار تكنولوجي وإعلامي، ويتحتم على الامة أن تتصرف على اعتبار انها كلها حالة واحدة لأن الأعداء يعاملونها كحالة واحدة، وحتى ان استعملوا البعض منا أحيانا ضد البعض الآخر ونحن جميعا على فوهة بركان، ولا يتصور أحد أن بمقدوره أن يجري بسرعة ليبتعد عن مركز الانفجار أو مجرى الحمم)).
كان الصمت مخيما على الجميع، ولعله تجبنا للمشاكل حتى تمر الساعات التي كانت بطيئة ويذهب كل في حال سبيله، فعلى ما يبدو أن كل واحد منهم كان يلعن الساعة التي أتت به إلى هذا المؤتمر وتسببت في إحراجه مع الأمريكان.
ثم أضاف الرئيس صدام أكثر الجمل أهمية (إن الحرب لاتكون بواسطة الجنود وعلى جبهات القتال، بل بالاقتصاد ايضا واننا نتعرض لعملية تخريب منظمة في اقتصادنا وهناك سرقات تحدث وحدثت أثناء انشغال العراق بالحرب، ثم التفت الى شيوخ الامارت قائلا: أنا أعلم أنه طوال فترة الحرب مع إيران كانت السفن المحملة بالسلاح تصل إلى ميناء عبدان عن طريق دبي، ولكننا لم نتكلم في تلك الفترة وسيبقى هذا الموضوع معلقا).
وحسب شهود عيان حضروا تلك الجلسة قيل ان الرئيس صدام كان يتحدث بغضب شديد وضرب الطاولة بقبضة يده اليمنى أكثر من مرة.
وعندما طرحت القرارات النهائية للمناقشة، بدا كما لو أن الحاضرين جميعا على استعدا لأن يوافقوا على أي شيء في سبيل الخروج سالمين من بغداد وحتى أكثر الدول تحفظا وافقت على أكثر القرارات عنفا، ولم يتوقفوا على أي بند أو مسمى.
حاول الملك فهد تلطيف الأجواء، فاختلى بالرئيس صدام وقال له: لاحظت طوال المؤتمر أنك غاضب يا أبوعدي، فاجاب صدام على الفور: الحقيقة يابوفيصل أنا أكثر من غاضب، أحسست النار تخرج من خشمي، ولكني أمسكت أعصابي، الضيق يخنق أهلنا تحت الاحتلال والأخوان هنا ساكتون لا أحد منهم يستجيب وكل واحد وضع على أذنيه حجارة!!!!
ثم سأله الملك فهد عن العلاقة مع الكويت، فرد الرئيس صدام: غير قابلين بشيء حتى الان لا حصص البترول ولا تخطيط الحدود وهم الان يخربون في الداخل عندنا... يضاربون على الدينار العراقي لتخفيض سعره ويحاولون افساد ماجدات العراق بطريقة مستفزة، وقد علت لهجة الرئيس صدام حسين وقال بغضب شديد: وردني أن أحد دبلوماسييهم في بغداد قال انه سيأتي اليوم الذي يشتري فيه نساء العراق بعشرة دنانير...هل يقبل هذا.. اننا سنقطع لسان من يتحدث بالسوء عن ماجدات العراق.
ارجو أن تدققوا جيدا بكلمات الرئيس صدام حسين هذه ((ولا تخطيط الحدود)) ماذا يعني هذا؟ يعني ان العراق قبل بالامر الواقع وبوجود دويلة اسمها الكويت الى جواره، ولكن دولة تكون مثلما أراد العراق والعراقيين تتعاون ولا تتآمر.
لكن ال الصباح لم يكونوا متعاونين بالشكل المطلوب، بل كان تأمرهم على العراق أكثر من تعاونهم، وستكشف الحلقات القادمة للقراء بعضا من هذا التآمر الخطير.
شعر الملك فهد بضيق نوعا ما من هذا الكلام وأبدى عدم موافقته عليه أبدا، وبنفس الوقت أحس أن المشكلة باتت اقتصادية أكثر من اي شيء آخر فاقترح عقد اجتماع على مستوى القمة لعدد محدود من دول الخليج بغية التوصل الى حل حازم وحاسم لقضية الحصص، واختتم القول : كل المشاكل ميسرة ان شاء الله وعندما نجتمع سويا ومعنا الشيخ زايد والشيخ جابر فسوف نحل كل شيء.
انتهز جابر فرصة قيام الرئيس صدام بمرافقته إلى المطار لوداعه، فقال له جابر: كل المشاكل لها حل ونحن أخوة وأول من يتفهم ظروف العراق، فرد الرئيس صدام: الحقيقة ان العراق حائر معكم، حين نطالبكم بمساعدات تذكروننا بالديون، وحين نذكركم بحصص البترول المتفق عليها حتى لا تنخفض الأسعار تطلبون توقيعنا للتنازل عن أراض عراقية نحن في حاجة إليها لكي نجد منفذا إلى البحر.
فقال جابر عن الديون: هل طالبكم أحد بأن تدفعوا الديون، نحن لم نطالبكم ؟ وكان رأي الرئيس صدام أنه يجب التنازل عنها من أجل الحصول على تسهيلات من الآخرين.
وحين بدأ الرئيس صدام يتحدث عن الحدود كان الموكب قد وصل الى المطار وكان رد جابر: لابد من تنشيط عمل اللجان.
إذا انتهت القمة وكل راح في حال سبيله.
وهنا أيضا نشير إلى أمر هام، وهو أن مبارك أثناء الأزمة واستمرارا للدور الدنيء الذي لعبه في الرقص على الجراح وتغذيتها واشعال النار أكثر مما هي مشتعلة، ذكر امرا كان كله كذب في كذب وفي غاية الوضاعة والانحطاط. وذلك ضمن الخطابات الكثيرة التي تفتحت قريحته على القائها بمناسبة وغير مناسبة.
وهذا الأمر يقول، انه أثناء اجتماع المجتمعين في قمة ببغداد على العشاء الذي دعاهم إليه الرئيس صدام حسين، فإن مبارك (عند زعمه) لاحظ أن الرئيس صدام حسين كان ينظر نظرات إلى جابر كلها (خبث ولؤم وسخرية) وأنه كان يسكب له الطعام بنفسه، وأنه قال له : أتدري يا جابر، لقد قلت لأولادي أن ينادونك عمي جابر، وقلت لهم اذا حصل لي مكروه يوما ما فعليكم بعمكم جابر، كما أخبرتهم أنكم إذا احتجتم إلى شيء من الفلوس يوما ما فما عليكم اللجوء إلا إلى عمكم جابر، فهو كريم جدا.
وهذا الكلام كله افتراء ودجل وكذب، وغني عن القول ان حسني لعب لعبة قذرة في تلك الأزمة ونفذ الأوامر الأمريكية بحذافيرها. ومن ينظر إلى صورة المدعوين على العشاء في اليوم المذكور سيلاحظ حتما المسافة البعيدة التي كانت تفصل بين صدام وجابر وأنهما لم يجلسا بجوار بعضهما على الاطلاق وحسب شهود عيان حضروا العشاء وكانوا ضمن الوزراء والمستشارين العراقيين أن هذا الحديث لم يدر مطلقا. والأمر لا يعدو كونه كذب وافتراء من افتراءات حسني الغير معدودة.
إضافة الى انه اتخذ دور المهرج في الخطابات التي كان يلقيها والتي كما يظن انه حاول ان يضحك الحضور الذين كانوا يصفقون له بمظهر مهرجاني سخيف مقيت. فلم يجد الا اختراع الاكاذيب عما دار بينه وبين الرئيس صدام ثم هذه الكذبة السخيفة التي لاتنطلي الا على صغار العقول مثله او مثل من يسير في ركبه.
وفي يوم 10/6/1990 انعقد اجتماع لدول الاوبك في جدة وحضره وزراء النفط في كل من العراق والسعودية والامارات والكويت وقطر وقيل لوزير النفط العراقي يومها إن هذا الاجتماع بديل للاجتماع على مستوى القمة،
ولم يكن هذا ما فهمه الرئيس صدام في آخر حديث له مع الملك فهد في بغداد.
ثم كان أن حصلت المخابرات العراقية على نص حديث تلفوني بين الملك فهد وأمير قطر خليفة بن حمد وكان الملك فهد يشير الى المشاكل التي يثيرها العراق ويقول :
- لا اعرف ماذا يريد صدام
- سائر لمواجهة مع الاسرائيليين،
- نسي ما نشر ان اسرائيل لديها 200 قنبلة نووية
- نسي ما حصل لعبد الناصر
- يا ليته يأخذ الدرس مما يحدث في الاتحاد السوفييتي
- والله انا اخشى أنه سوف يودي نفسه في داهية.
ثم أذاع العراق فيما بعد الحديث بأصوات أطرافه وكان صحيحا مائة بالمائة، وإن قال وزير الاعلام السعودي إنه تم التلاعب ببعض أجزائه، إلا أنه كان صحيحا وكان مبعث دهشة في بغداد.
لعله من المفيد أن نذكر أمرا هاما جدا لم ينتبه إليه الكثيرون، ولم يراجعوه عندما حصل وهو أنه أثناء اجتماع الاوبك في فيينا في شهر يونيو 1989 لم يخف الشيخ علي خليفة الصباح وزير النفط الكويتي رأيه في عدم الالتزام بمسألة حصص البترول، بل وصل الأمر به أنه أدلى الى صحيفة وول ستريت جورنال بحديث نشرته في يوم 12 يونيو 1989 وكان ما قاله أشبه ما يكون بإملاء قوة عظمى تفرض شروطها دون الاكتراث بأحد.
وكان من بين ما قاله ان الكويت لا تنوي الالتزام بحصتها المقررة وهي 1037000 برميل في اليوم، وانها سوف تصر على حصة مقدارها 1350000 برميل يوميا، على ان الصحيفة علقت بعد نشر الحديث بخبر يقول ان الكويت تنتج حاليا 1700000 برميل يوميا.
ثم شن الشيخ هجوما مركزا وعنيفا على السعودية قال فيه: ان الكويت والسعودية على طريق تصادم محقق بسبب الحصص ونحن لا ننوي التراجع، ثم اضاف جملة أعنف من الأولى وهي: إن السعودية مثل شركة كبيرة منهارة تجري في كل اتجاه محاولة أن تفلت من قوانين الافلاس.
وكأنه كان بهذا الكلام يردد المثل المشهور في بلاد الشام (الكلام لك يا جارة واسمعي يا كنة).
كانت السعودية ربما تستطيع ان تصبر ولكن العراق لم يكن بمقدوره الصبر ابدا لان دخله بسبب انخفاض اسعار البترول نزل بمقدار سبعة بلايين دولار سنة 1989 وهو مبلغ يعادل المطلوب منه لخدمة ديونه في ميزانية تلك السنة.
وكان العراق يتوقع زيادة في خسائره، فقد كان انخفاض دولار واحد في سعر البرميل يعني نقصا قدره بليون دولار في كل سنة من دخله.
على أن العراقيين الذين كانوا يرصدون كل شيء وكل تصريحات المسؤولين الكويتيين ويضعونها في ملفات خاصة، رصدوا هذا التصريح وأضافوه الى ارشيفهم الضخم المتعلق بهذه الدولة.
كان المسؤولون العراقيون مندهشين من سياسة التحدي الكويتي، وبما أنهم وجدوا أن السعودية وايران في صفهم ومتضررين من هذه السياسة، فقد أخذتهم الظنون بأن الكويت تنفذ سياسة مرسومة وهذه السياسة لا يمكن أن تستقوي على السعودية بالذات إلا إذا كان ورائها من يحرضها ويساندها على خفض الأسعار.
الزبير
25-08-2004, 07:01 AM
بدأت الرسالة بمقدمة انشائية، وصلت بعدها الى صميم الموضوع، فطرحت قضيتين في غاية الأهمية:
الأولى : قضية الحدود
فأشارت الرسالة الى ان الكويت استغلت انشغال العراق بالحرب مع إيران ومضت في تنفيذ مخطط يهدف الى تصعيد وتيرة الزحف التدريجي والمبرمج باتجاه أرض العراق، فأقامت المنشآت العسكرية والمخافر والمنشأت النفطية والمزارع على أرض العراق.. وقد سكتنا على ذلك واكتفينا بالتلميح والاشارات، ولكن تلك الاجراءات استمرت وبأساليب ماكرة واصرار يؤكد التعمد وقد صبرنا على هذه التصرفات بداعي الحكمة والحلم.. ولكن الأمور وصلت الى مستوى خطير لم يعد ممكنا السكوت عليه.
الثانية: أن حكومة الكويت اشتركت مع حكومة الامارات في تنفيذ عملية مدبرة لاغراق سوق النفط بمزيد من الانتاج وخارج حصتهما المقررة في أوبك..
ثم أجرت الرسالة عملية حساب لخسائر العراق من جراء هذا.. وكررت الرسالة عملية سرقة الكويت لنفط العراق من حقل الرميلة وهو أحوج ما يكون الى عوائده وقدرت الرسالة قيمة ما سرقته الكويت من حقول العراق بمقدار 2400 مليون دولار.. ثم اختتمت بالقول بأن ما فعلته حكومتا الكويت والامارات يمثل عدوانا على العراق.
وحين عرض الامين العام للجامعة الرسالة العراقية على مجلس وزراء الخارجية العراب دارت مناقشات كانت كلها مشوشة ولم تصل الى نتيجة (كحال معظم الاجتماعات العربية باستثناء اجتماعات وزراء الداخلية الناجحة جدا والمتفقة على قمع المواطن العربي)،
وبدا كل طرف يتداول الكلام من هنا وهناك وتناثرت الفاظ وحكايات وروايات، و ساد التشويش واختلط الحابل بالنابل، لكن طارق عزيز عندما شعر ان الجلسة بدأت تتفكك وقف قائلا:
((انني احدثكم عن موقف يعتبره العراق عدوانا مباشرا عليه ومعنى ذلك أن العراق سوف يرد على هذا العدوان وإذن حالة حرب، ومع ذلك فالمناقشات تشعبت بنا وخرجت عن الموضوع وأنتم تتصرفون وكأنكم لم تسمعوا)) وانهار الاجتماع بعدها..
وانشغلت كل عاصمة على هواها فيما بعد، فانزعج المصريون مما قيل يومها ان طارق عزيز أساء لشخصية من شخصياتهم وهو النحاس باشا ( رئيس وزراء مصر) وذلك حين ذكر ياسر عرفات واقعة تعود الى عام 1939 حين استقبل مصطفى النحاس باشا وفدا فلسطينيا مسافر الى لندن لحضور مؤتمر عقد هناك حول القضية الفلسطينية، وأن النحاس قال للوفد يومها : (انكم تمنعون اليهود من الوصول الى حائط المبكى فأعطوهم الحائط وخلصونا....) فعقب طارق عزيز على هذا بقوله: إن النحاس وغيره من زعماء تلك الفترة اطيح بهم في الخمسينات وهذا مصير المسؤولين الذين لايقومون بمسؤولياتهم.
كان أبسط رد على هذا ان النحاس في تلك الفترة لم يكن رئيسا لوزراء مصر، وبالتالي فالواقعة كلها مشوشة وليست صحيحة.
وحتى ولو كانت صحيحة، فإن ما نشر في الصحف المصرية يومها من ضجيج وعويل لايستاهل كل هذا.. فمن هو النحاس باشا يعني مثلا وماذا قدم لمصر وللعرب والاسلام ؟ فإذا قلنا ان السادات خائن قامت القيامة ولم تقعد واذا قلنا ان جمال عبد الناصر زعيم وطني له مواقف مؤثرة ايضا قامت القيامة من البعض ليسألك وماذا عن حسني مبارك؟ وهكذا ...
لكن مشكلة بعض اخواننا في مصر انهم لايريدونك ان تتحدث ولا بحرف واحد عن اي شخصية من شخصياتهم حتى ولو كانت على خطأ. ولاداعي القول ان هذا الامر من صميم العنصرية لدى بعض المصريين وليس لدى الكثير من الشرفاء منهم.
على ان طارق عزيز ذهب بنفسه الى حسني بعد اتصال من صدام الذي ابدى انزعاجه من سوء تأويل ما نسب الى طارق عزيز الذي وضع بين يدي حسني شريطا مسجلا عما دار في جلسة الوزراء العرب ومفندا ما نشر في الصحف المصرية، وقال له حسني يومها انني اعلم ان العراق ورجالاته لا يمكن ان يسيئوا الى مصر ويكفيني قولك انك لم تسيء الى مصر.
وحين الح عليه طارق عزيز أن يستمع الى الشريط، قال حسني ان هناك ما هو أهم من الشريط وهو الموقف العصيب الذي نحن فيه الآن.
وفي الصورة التي نشرها الاستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه أوهام القوة والنصر، تظهر صورة طارق عزيز مع حسني، وحسني يحمل بيده مسجلة صغيرة يضعها على الطاولة التي أمامه، والصورة في الصفحة رقم (325). والحقيقة انني استعنت كثيرا بهذا الكتاب القيم.
جدير بالذكر ان حسني حين اتصل به صدام حسين ليكلمه عن موضوع الاساءة المزعومة، طلب منه حسني ان ينسى هذا الامر وان الموضوع الان هو كيف نحل الخلاف بين الاشقاء، فقال له الرئيس صدام: اننا حاضرين لأي شيء تراه.
ايضا اصدر مكتب عرفات في تونس بيانا ينفي فيه الاساءة الى مصر او الى اي من شخصياتها وقال البيان ان الاجتماعات تركزت على المخاطر والتهديدات التي تعرضت لها الامة العربية في الماضي وتتعرض لها اليوم.
ثم بدأت حرب الصحف بين كل من العراق والكويت التي اذاعت وزارة الخارجية فيها نص مذكرة رسمية وجهتها الى الجامعة العربية ترفض فيها ما ورد في الرسالة العراقية، لا بل بكل وقاحة تقول المذكرة الكويتية ان العراق هو الذي اعتدى على اراضي الكويت وحفر آبار داخلها استولى منها على بترول كويتي.. وهي كذبة من اوقح ما يمكن ان يسمعه المرء من كذبات هذه العائلة الكاذبة اصلا.
ايضا اصدرت الامارات مذكرة استغربت فيها الاتهامات العراقية الموجهة اليها.
المشكلة انك حين تضع بعض العرب تحت المجهر وتبين لهم بالحقائق والوقائع ماقاموا به من مؤامرات ضد العراق، يبدأ الجميع بالاستغراب !!! وكأنه لم يقم بأي شيء، بل يريد أن يظهر نفسه أنه بريء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام.
خرجت إحدى الصحف الكويتية بمانشيت عريض يقول: الكويت لو حكت..
نسوا في العراق اننا ساعدنا وقدمنا قرضا بخمسة بلايين دولار يساعد على أغراض الحرب، ثم لم تتوقف مساعداتنا..
فردت الصحف العراقية بقولها: ها أنتم تقولون انه قرض وليس منحة، والمال أرخص تكاليف الحرب وانتم تطالبون بما أعطيتمونا اياه، رغم انه من فلوسنا التي سرقتوها منا ايام الحرب.. لقد سرقتم نفطنا بينما كنا مشغولين بالدفاع عنكم..
فقالت الكويت: لقد طالتنا الصواريخ الايرانية وسال الدم على أرضنا وحاولوا اغتيال شيخنا..
فقال العراق: انكم لم تساعدوا بشيء في مجهودنا الحربي، وطلبنا منكم تسهيلات في جزيرتي بوبيان ووربة ولم نحصل عليها، ولو حصلنا عليها لامكن تحرير الفاو قبل الموعد بكثير.
وترد الكويت، لو اعطيناكم مثل هذه التسهيلات لما أعدتم الجزر..
فيقول العراق: هذه الارض أرضنا والجزر عراقية وليس هناك شك في عراقيتها وملكيتها لنا..
وراحت الصحف والكتاب العراقيين يعودون الى الماضي والى قصة كيف نشأت هذه الدولة ومن هم ال الصباح وكيف كانوا والى كل تلك السالفة التي نشرناها في البداية مروروا بمقتل الملك غازي واتهام صريح لال الصباح بقتله الى أيام عبد الكريم قاسم وما تلاها.
ففي حين راح العراقيون يتحدثون عن التاريخ وتاريخ بلادهم وحضارتهم كان الكويتيون متمسكين بالوقائع الراهنة.
وبدأت الاضواء الحمراء في الخليج العربي تشتعل..
كان الجو في بغداد مشحونا الى أبعد الحدود، وكان السفير الكويتي في بغداد يرسل التقارير تلو التقارير التي قال في أحدها انه لا يريد أن يتسبب في اثارة الذعر لكن التقارير تشير الى تحركات الجيش العراقي باتجاه الجنوب، ثم تحدث عن لقاء جمعه بالسفير السويدي في العراق، الذي قال له انه اجتمع مع عزة ابراهيم وقال له عزة في الاجتماع: ان العراق ليس مستعدا لان يموت بالخنق الاقتصادي في صمت، واننا مستعدين للتضحية بالملايين في سبيل ان يعيش باقي أبناء شعبنا في عزة وكرامة.
بدأ العرب يحاولون فعل شيء لتطويق الأزمة، فوصل الى بغداد سعود الفيصل حاملا رسالة الى الرئيس صدام من فهد، كما وصل عبد الرحمن العوضي وزير الدولة الكويتي الى بغداد والتقى حسين مع حسني في الاسكندرية وانضم اليهما طارق عزيز.
في يوم 24 يوليو وصل الى بغداد حسني مبارك يحمل معه مشروع من نقطتين: وقف الحملات الاعلامية بين جميع الاطراف فورا – وأن تبدأ الأطراف المعنية مباشرة مفاوضات هادئة على مستوى عال لبحث مشكلة الحدود بين البلدين باعتبارها مشكلة حساسة.
على أن سعود الفيصل الذي زار بغداد قبلا ركز في مباحثاته على أهمية عقد لقاء على مستوى رفيع بين العراق والكويت، وتم الاتفاق على أن يكون الوفد العراقي برئاسة عزت ابراهيم والكويتي برئاسة سعد الصباح.
ما الذي جرى بين الرئيس صدام وحسني ؟
اللقاء كان بينهما فقط، على ان هذه الاجتماعات المغلقة وفي ظل هذه الظروف ينتج عنها مشاكل وتأويلات لا حصر لها، لأن كل طرف يتمسك بما قاله، ففي ضوء عدم وجود شهود، فإن كل منهم يتمسك بتفسيره للكلام الذي قيل في الجلسة.
الرئيس صدام قال وبكل وضوح لحسني ما يلي:
إن هذه الأرض أرضنا منذ الأزل، والاستعمار البريطاني هو الذي سلخها وجعل منها دولة تتآمر علينا، وعرض على حسني بعض الوثائق التي اكتشفها فرع الخليج في إدارة المخابرات العامة العراقية التي تثبت قوله، ثم أضاف: ومع ذلك نحن سلمنا حاليا بوجودها دولة تعمل معنا وليست ضدنا، دولة تتعاون ولا تتآمر، لكن هؤلاء القوم يابوعلاء ما انفكوا في مضايقتنا وسرقة نفطنا وتنفيذ أوامر الأمريكان، قل لهم والله اذا لم يغيروا من سياستهم في كل النواحي سواء النفطية أو غيرها ويكفوا عن إيذاء العراق والشعب العراقي، ويعيدوا الأراضي التي سرقوها أيام الحرب مع إيران ويقبلوا بترسيم الحدود بعد إعادتها، وايضا يعيدوا لنا قيمة ما سرقوه من بترول، فإن بلادهم ستمحى من على الخريطة في يوم وليلة، ألا يكفي أنها بلادنا وأرضنا وأننا ساكتين إلى الآن على هذا الأمر..
ثم راح الرئيس صدام يتحدث بعصبية وانفعال وبصوت مرتفع أحيانا يستعرض ايام الحرب مع إيران وكيف عانى العراق وخسر من أبناءه ودمرت بنيته التحتية وتوقفت عجلة التنمية فيه في حديث متشابك متشعب دار حول الماضي والحاضر وامتد حتى الى مستقبل الوطن العربي والصراع العربي الصهيوني.
حسني طوال فترة الاجتماع كان مستمعا أكثر منه متحدثا وإن حاول تهدئة الوضع بين الطرفين.
عندما انتهى الاجتماع وقف الرئيس صدام حسين أمام الصحفيين والمرافقين والوزراء والمستشارين يقول لحسني ضاحكا:
على كل حال بالله عليك يابوعلاء لا تطمئنهم وقل لهم ما قلت لك في الاجتماع.. هذولا ناس ما يعرفون الحيا.. وهذا جابر عنده مال قارون ما يصرفه على شعبه ويكنزه في بنوك أوربا وأمريكا.. عنده 17 مليار دولار في اسمه..
ثم توجه الرئيس صدام الى الصحفيين المصريين المرافقين لحسني قائلا لهم: لو هذا المبلغ تحت تصرف الشعب المصري كم أزمة يمكن حلها ؟
عندما غادر حسني بغداد إلى الكويت سمع تصريحا على الطائرة منسوبا الى طارق عزيز قال فيه:
إن زيارة مبارك الى بغداد كانت مخصصة لبحث قضايا ثنائية في العلاقات بين البلدين وليست لبحث الأزمة الحالية كما روجت الأنباء السابقة. شعر حسني ان هذا التصريح ليس منصفا في حقه وفي الجهود التي يقوم بها،
على أن طارق عزيز قصد من هذا التصريح اخافة الكويتيين لا أكثر ولا اقل لانهم كانوا يترقبون نتائج زيارة حسني واجتماعه مع الرئيس صدام.
جدير بالذكر هنا أن الاستاذ طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية وهو رجل ذي ميول ناصرية كتب مقالا في غاية الأهمية في ذلك الوقت بالذات قال فيه: فقراء العرب يتوسطون بين أغنيائهم، فعسى أن تكون الوساطة خير وأن لا ينحازوا لطرف ضد طرف آخر،
والمسألة ليست بحاجة إلى كثير من الذكاء ليفهم من هذا المقال أنه كان يقصد به حسني مبارك بالتحديد.
ايضا تجدر الاشارة إلى أن حسين وعرفات قاما بجولات مكوكية بين بغداد والكويت لم تسفر عن شيء، بل على العكس فإن عرفات حذر الكويتيين من مغبة مواجهة العراق، لكن شيوخ الكويت قالوا له ولحسين: اذا اراد صدام عبور الحدود الى الكويت فليعبر فسوف يطرده الامريكان خلال 24 ساعة. ما سمعا منهم الا كلمات مجبرة عنجهية، على ان حسين كان قد تذكر كلاما لطه ياسين رمضان من قبل حين التقاه في بغداد أنه قال له: يا جلالة الملك وصلتنا معلومات استخباراتية تؤكد أن الكويتيين يتصلون بالامريكان لطلب المعونة من الان.. وكان هذا الكلام قبل مغادرة حسين بغداد الى الكويت.
وصل حسني إلى الكويت، واجتمع مع جابر وزكى فكرة اجتماع جدة، وطمئن (عند زعمه) الكويتيين بأنه فهم من الرئيس صدام أنه لاينوي استخدام القوة في حل النزاع. والحقيقة أن هذا تصريح ينافي الواقع تماما، فالرئيس صدام لم يقل له هذا ابدا، بل تعمد الطلب من حسني أمام الصحفيين المصريين وبصوت عال أن لا يطمئنهم أبدا.. فمن اين جاء حسني بهذا الكلام؟؟ ثم إن الحشود العسكرية العراقية كانت ظاهرة والسفير الكويتي في بغداد ما برح يرسل البرقية المحذرة تلو الأخرى من أن قطعات الحرس الجمهوري العراقي تتحرك جنوبا باتجاه الكويت.
تم الاتفاق على اجتماع جدة برعاية فهد بن عبد العزيز يوم 31/7/1990 ووجه الدعوة إلى رؤساء الوفود حسب ما تقضي المراسيم. كانت رسالة الدعوة الموجهة من فهد إلى صدام هي كالتالي بالنص الحرفي:
ديوان رئاسة مجلس الوزراء
برقية رقم : 354
التاريخ 7/1/1411
فخامة الأخ العزيز الرئيس صدام حسين
رئيس جمهورية العراق حفظه الله
فإنني أود أن أشير إلى الاتصالات الأخوية التي جرت مع فخامتكم وسمو الأخ الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وما تم التفاهم عليه بأن يجتمع دولة الأخ عزة ابراهيم وسمو الأخ الشيخ سعد العبد الله الصباح في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية. وإنه لمن دواعي سروري أن نرحب بدولة الأخ عزة إبراهيم في مدينة جدة يوم الثلاثاء التاسع من شهر محرم 1411 الموافق الحادي والثلاثين من شهر يوليو/تموز 1990 وفقا لما تم التفاهم عليه. وفي الوقت الذي أتطلع فيه لهذا الاجتماع الأخوي فإنني اثق كل الثقة بأن حكمة فخامتكم وثاقب بصيرتكم ستحقق بمشيئة الله ما نتطلع إليه (أشقاء لكم في البلاد العربية) من تذليل كل الصعاب وتجاوز كل العقبات، وتأكيد الصحبة والوئام بين البلدين الشقيقين.
وفي الختام أغتنم هذه الفرصة لأعبر عن صادق مودتي وتقديري المقرون بأخلص تمنياتي الأخوية لفخامة الأخ صدام بموفور الصحة والسعادة، وللشعب العراقي الشقيق بالمزيد من التقدم والرخاء والإزدهار. والله يحفظكم ويرعاكم.
أخوكم
خادم الحرمين الشريفين
فهد بن عبد العزيز آل سعود
وكانت البرقية التي وجهها فهد إلى جابر نفس البرقية الموجهة إلى صدام مع تغيير في الأسماء فقط.
المملكة العربية السعودية
ديوان رئاسة مجلس الوزراء
برقية رقم : 353
التاريخ 7/1/1411
صاحب السمو الاخ العزيز الشيخ جابر الأحمد الصباح
أمير دولة الكويت حفظه الله
فإنني أود أن أشير إلى الاتصالات الأخوية التي جرت مع سموكم وفخامة الأخ الرئيس صدام حسين رئيس الجمهورية العراقية، وما تم التفاهم عليه بأن يجتمع سمو الأخ الشيخ سعد العبد الله الصباح ودولة الأخ عزة ابراهيم في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية. وإنه لمن دواعي سروري أن نرحب بسمو الأخ الشيخ سعد في مدينة جدة يوم الثلاثاء التاسع من شهر محرم 1411 الموافق الحادي والثلاثين من شهر يوليو/تموز 1990 وفقا لما تم التفاهم عليه. وفي الوقت الذي أتطلع فيه لهذا الجتماع الأخوي فإنني اثق كل الثقة بأن حكمة سموكم وثاقب بصيرتكم ستحقق بمشيئة الله ما نتطلع إليه (أشقاء لكم في البلاد العربية) من تذليل كل الصعاب وتجاوز كل العقبات، وتأكيد الصحبة والوئام بين البلدين الشقيقين.
وفي الختام أغتنم هذه الفرصة لأعبر عن صادق مودتي وتقديري المقرون بأخلص تمنياتي الأخوية لسمو الأخ بموفور الصحة والسعادة، وللشعب الكويتي الشقيق بالمزيد من التقدم والرخاء والإزدهار. والله يحفظكم ويرعاكم.
أخوكم
خادم الحرمين الشريفين
فهد بن عبد العزيز آل سعود
وعند دخول رجال الجيش العراقي إلى الكويت وجدوا في قصر دسمان هذا الخطاب، وكان في اسفله تأشيرة بخط جابر تحمل عبارات لا تخلو من التكبر والغرور أذهلت ضباط الحرس الجمهوري العراقي نصها كما يلي:
الشيخ سعد
نحضر الإجتماع بنفس شروطنا المتفق عليها والأهم بالنسبة لنا مصالحنا الوطنية. ومهما ستسمعونه من السعوديين والعراقيين عن الأخوة والتضامن العربي لاتصغوا اليه. كل واحد له مصالحه. السعوديين يريدون إضعافنا واستغلال تنازلنا للعراقيين لكي نتنازل لهم مستقبلا عن المنطقة المقصودة، والعراقيين يريدون تعويض حربهم من حساباتنا.
لاهذا يحصل ولاذاك. وهو رأي اصدقاؤنا في مصر وواشنطن ولندن.. أصروا في مباحثاتكم، نحن أقوى مما يتصورون.
تمنياتنا لكم بالتوفيق
(إمضاء)
جابر
ابن العراق يقول لاحظوا يااخوان هذه العبارة ( رأي اصدقاؤنا في مصر وواشنطن ولندن) شوفوا من متى التآمر على العراق بمساعدة أطراف عربية.
وعلى أية حال، فإن التوجيهات التي حملها أيضا الوفد الكويتي للتفاوض لم تكن أفضل من العبارات المدونة في تلك الرسالة، وأيضا حمل الوفد العراقي تعليمات متشددة من صدام فقد قال لعزة ابراهيم حين الوداع في القصر الجمهوري: يا ابوأحمد اذا أبدى الكويتيين عنادهم المعروف فقل لهم إن لدينا صورا فوتوغرافية لسور الطين القديم حول الكويت، وهذا هو خط الحدود الذي مستعدين أن نعترف به.
على أنه وللفائدة فإن هذه الصور تظهر أن أكثر من سبعين بالمائة من الأراضي الحالية في الكويت هي ملكا للعراق وتابعة بالضرورة لمدينة البصرة، في أحضان تلك الأراضي أيضا أكثر من ثلاثة أرباع آبار البترول التي تبيعها الكويت على أنها ملكها بينما بالواقع وتاريخيا هي للعراق بدون أدنى شك.
مواقف العواصم ذات الصلة قبل يوم الاجتماع
لعله من المفيد القاء نظرة سريعة على مواقف العواصم العربية قبل الاجتماع.
بالنسبة لبغداد أولا فقد كان شعورها أن الأزمة وصلت إلى الذروة وانها في مفترق طرق حاسم.
بالنسبة للرياض، فقد كان الملك فهد شخصيا له موقف متموج، فهومن ناحية يؤيد العراق كليا في موضوع الأسعار ومع العراق جزئيا من ناحية موضوع الحدود، لأن السعودية لها إشكال مماثل مع الكويت من أيام الخط الشهير لبيرسي كوكس،
وضد العراق كليا في التهديد بالقوة لأن استخدامها يضع سابقة لا يمكن قبولها، كما انه كان يخشى أن يتحول صدام حسين الى زعيم الخليج بسبب القوة الهائلة للجيش العراقي التي لم تتوفر في اي دولة من دول الخليج.
بالنسبة للكويت، كانت لديهم حسابات ومعلومات تستبعد استخدام القوة، وترى في التهديد العراقي حرب أعصاب ليس إلا، ومع هذا فقد كانت قلقة من الاسلحة غير التقليدية التي يمتكلها العراق، وأجرت اتصالات بهذا الخصوص مع واشنطن،
وقد عثر العراقيون فيما بعد على تقرير يحمل رقم 102/90 بتاريخ 31/7/1990 بتوقيع السفير الكويتي في بروكسل أحمد الابراهيم جاء في البند الثالث منه: التقيت بعد خروجي من مكتب السيد ماتيوس (المفوض الاوربي المسؤول عن الشؤون الشرق أوسطية) بالسيد ماكوين أحد مساعدي وزير الخارجية الأمريكي الذي يقوم بجوله أوربية وقد تلمست الأمور التالية أثناء مباحثاتي معه:
1) إن أساليب الضغط على العراق التي اقترحها سمو أمير البلاد المفدى بما فيها السعي الأمريكي والغربي لتدمير الأسلحة العراقية المتطورة وجد حماسا لدى الولايات المتحدة لأنه أول طلب عربي بهذا الخصوص.
2) تختلف الإدارة الأمريكية في النقطة الثانية مما ورد في رسالة أمير البلاد المفدى التي يعتقد بها أن الضغوط الاقتصادية لا تكفي لوحدها في توقيف الصناعة العسكرية العراقية المتطورة، حيث تعتقد الولايات المتحدة أن بإمكان هذه الضغوط أن تؤثر في نمو الصناعات العسكرية العراقية إذا لعبت كل من مصر والسعودية الدور المتفق عليه.
وكانت الاشارة في الغالب في هذا البند الى انسحاب مصر من مشروع صواريخ كوندور الذي كان قد جرى في فترة سابقة بين مصر والعراق والارجنتين. كما ان السعودية كانت قد بدأت بالتوقف عن تمويل مشاريع السلاح العراقي بعد ضغوطات من واشنطن.
ولعل هذا التقرير يشرح حاله، ويشرح الدور الخطير الذي كانت الكويت تقوم به ضد العراق قبل الأزمة إياها.
وبالنسبة لعمان، فقد كان حسين ساخطا وغاضبا على شيوخ الخليج بالجملة وبلا استثناء، فقد كانت بلاده تمر بأزمة خانقة تعصرها والاثرياء لا يساعدونها بالقدر المنتظر، ويروى أنه سمع كلاما قاسيا ومهينا من جابر حينما جاء اليه يوما ما يطلب مساعدة لأجل تحديث شبكة الهاتف في بلاده.
وكان حسين يشعر في أعماقه ان شيوخ البدو هؤلاء الذين كانوا يتطلعون إلى أجداده باعتبارهم أشراف الشيوخ الهاشميين صاروا الآن بموقع من يعطي ويمنع.
وربما لم يكن يضايقه كثيرا أن يشعر هؤلاء الشيوخ بخطر ماحق ينزل بهم يعيدهم الى طبقات الأرض بعد أن حلقوا بلا أجنحة الى طبقات السحاب بفضل الثروة التي نزلت عليهم بلا حساب ولم يحسنوا استغلالها على الشكل المطلوب.
أما بالنسبة للقاهرة، فقد كان حسني مع صدام في طلباته المشروعة من حيث أسعار البترول وموضوع الحدود وضد صدام في استخدام القوة، وعلى كل حال هو لم يكن يشعر براحة من شخصية صدام حسين والافكار التي دائما ما يطرحها بالنسبة للصراع العربي الصهيوني، كان حسني يشعر ان صدام يصعد الى دور اقليمي عربي يكون على حسابه شخصيا وعلى حساب مصر التي يجب ان تكون عند زعم مبارك قائدة للعرب.
أما بالنسبة لدمشق وحافظ الاسد، فقد كانت دمشق على اية حال بعيدة قليلا عن هذه الأزمة وان كان الأسد صرح مرارا وتكرارا بأن حل مشاكل العرب يجب ان يكون بين العرب أنفسهم دون تدخل خارجي أبدا، ولا شك أن الصحف السورية التي صدرت في ذلك الوقت والتي كانت ناطقة باسم الحكومة السورية بالطبع، كانت تحث على حل المشاكل بطريقة ودية أخوية، على أن الأسد أبدى استعداده غير مرة للقيام بما يطلب منه في سبيل انهاء الأزمة.
أخيرا بالنسبة لواشنطن،
فمن قبل، كانت فضحية ايران كونترا قد تركت تأثيرا عميقا على التفكير الرسمي العراقي، وقد تركت دليلا حاسما على وجود مؤامرة تستهدف العراق وتشترك فيها اطراف عربية مع بريطانيا واسرائيل وأمريكا. وفي سنة 1986 وصل الى بغداد سرا رئيس عربي، واجتمع مع الرئيس صدام حسين وقال له هذا الكلام الخطير جدا:
سمعت من السفير الامريكي في بلادي ان هناك تفاهما بين الولايات المتحدة الامريكية والسعودية والكويت واسرائيل للحيلولة دون انتصار عراقي في الحرب ضد ايران، لأن العراق اذا خرج من الحرب منتصرا فإنه سوف يثير في المنطقة مشاكل لاحدود لها، وأن هؤلاء الاطراف الذين تحدث عنه السفير الامريكي مستعدين لكل الاحتمالات حتى وان ادت الى تقسيم العراق، وأضاف الرئيس العربي: انني زرت السعودية وبحثت هذا الامر مع فهد ولكنه نفاه.
ولأن هذه الرواية الخطيرة شغلت الرئيس صدام حسين، فقد ارسل مبعوثا خاصا لمقابلة الملك فهد، الذي نفى هذه الرواية برمتها، ثم اضاف الى النفي نصيحة الى القيادة العراقية بأن تحاول الدخول مع واشنطن في حوار مباشر لازالة الشكوك المتبادلة بين الطرفين.
لكن القيادة العراقية كان يساورها الكثير من الشكوك حول صحة هذه الرواية بل أكد بعض اعضاء القيادة العراقية انها صحيحة.
اذا انتقل تركيز واشنطن بعد رسالة الحكومة العراقية الى الجامعة العربية مباشرة إلى الخليج ووجدت أن الأزمة تتصاعد بحساب الساعات وليس بحساب الأيام، وقد ربطت واشنطن بسرعة بين خطاب الرئيس صدام في 17 يوليو ثم رسالة طارق عزيز إلى الأمين العام للجامعة العربية بعدها بيوم واحد.
على أن السفيرة الأمريكية في بغداد ابريل جلاسبي كانت قد تلقت من قبل تعليمات من واشنطن تطلب اليها ايضاحات حول خطاب صدام ورسالة طارق عزيز، فالتقت السفيرة السفير نزار حمدون ودار بينهما حديث لم يخرج عن الحدود التقليدية واستعرض فيه السفير نزار جذور الازمة بين العراق والكويت ومسارها والمحاولات العربية لحلها واحتوائها.
وحين عادت الى سفارتها في بغداد فوجئت بالتلفون يرن وبنزار حمدون على الخط يطلب منها العودة الى مكتبه لأمر هام، وحين عادت السفيرة الى وزارة الخارجية العراقية وجدت نزار حمدون بانتظارها حيث قال لها انهم ذاهبون لمقابلة هامة جدا.
ركبت معه في نفس السيارة ولاحظت بحكم معرفتها ببغداد ان السيارة اتجهت الى ميدان نصب الجندي المجهول ثم توقفت أمام بيت من بيوت الضيافة الرسمية، ولم تدري من ستقابل الا حين فوجئت بالرئيس صدام حسين نفسه يدخل قاعة الاستقبال مرحبا بها.
لن نخوض فيما دار من حديث بين صدام وابريل غلاسبي، لكن من استقراء محضر الجلسة الذي فرغه الدبلوماسيين العراقيين من شريط التسجيل الى ورق، يظهر ان صدام تحدث مع السفيرة عن تاريخ العراق ثم علاقاته مع امريكا مرورا بالحرب مع ايران وصولا الى الأزمة الراهنة والى الهجوم الاعلامي الشديد سواء الامريكي ام الغربي عليه شخصيا وعلى العراق.
وزارة الخارجية الامريكية اعترفت بأن كل ما اذاعه العراق في المحضر صحيح، على انه من ضمن هذا الصحيح الذي قالت عنه وزارة الخارجية انه صحيح هو تأكيد الرئيس صدام للسفيرة جلاسبي ان العراق ربما يستخدم القوة ضد الكويت من باب التخويف، لكن للاسف لم تذع وزارة الخارجية هذا البيان الا بعد ثلاثة اشهر من انتهاء العدوان على العراق وعودة الأمور الى ما كانت عليه، وحتى عندما أدلت ابريل غلاسبي بشهادتها أمام مجلس الشيوخ كانت عصبية جدا الأمر الذي دعا أعضاء المجلس للتعاطف مع حالتها النفسية لاسيما وانها تجاوزت الخمسين ولم تتزوج.
على أنه تجدر الاشارة إلى أن السفيرة غادرت العراق بعد لقائها الرئيس صدام حسين وكانت مغادرتها في يوم 30/7/1990 ونفس الأمر فعله السفير البريطاني الذي غادر بغداد في اليوم التالي متصورا أن الأزمة في طريقها الى الحل ما دام هناك اجتماع سيحصل بين عزة ابراهيم وسعد الصباح.
فقد كانت كل عواصم العرب والعالم المعنية بهذه الأزمة والمتابعة لها تراهن على هذا الاجتماع.
أما بالنسبة لموقف اسرائيل بالذات..
لم يكن العراق على اية حال دولة مواجهة مباشرة مع اسرائيل، وان اعتبر نفسه كذلك بحكم ارتباط الشعب العراقي بالقضية الفلسطينية، ولكن الحقائق الجغرافية والسياسية واهمها عدم وجود خطوط التماس المباشرة بينه وبين اسرائيل لم تكن تفرض على العراق مواجهة مباشرة، وكان هذا البعد يعطي العراق ميزة كبيرة، فهو قريب من خطوط النار اذا اراد، ومعزول عنها اذا اختار، وكان العراق هو الدولة العربية الوحيدة التي شاركت بقوات في حرب سنة 1948 ولم تعقد اي هدنة.
كما اني اود ان اشير الى امر هام جدا نبهني عليه اخي الكاتب في الساحة العربية ابونوار وهو سوري الاصل، كنا نتحادث على الماسينجر يوما ما عن هذا الموضوع بالذات، فقال ان والده الذي كان ضابطا في الجيش العربي السوري ايام حرب 1973 اخبره بأن مشاركة الجيش العراقي في الدفاع عن دمشق كانت فاعلة ومؤثرة جدا وان رجال الجيش العراقي استطاعو ارغام القوات الصهيونية على التراجع عشرات الكيلومترات، ولعل هذا ما يدعو للتأمل في أنه لما لم يعقد العراق هدنة مع اسرائيل، كما فعلت سوريا ومصر والاردن، فقد كان يكفي العراق ان يسحب قواته من ميدان القتال، فإذا هو في وضع هدنة عملية حاصلة وغير موقعة.
كان العراق اكبر دولة عربية على الجبهة الشرقية بتعداد سكانه واغنى دولة عربية على هذه الجبهة بموارده البترولية وهو صاحب أعلى الاصوات في الدعوة الى الجهاد من أجل فلسطين وعروبتها، ولعلنا جميعا نتذكر هذه العبارة التي كان يختتم بها الرئيس صدام كل خطاباته:
والله اكبر وعاش العراق وعاشت امتنا العربية المجيدة وعاشت فلسطين حرة ابية من النهر الى البحر، وهو الرئيس العربي الوحيد الذي كان يختتم خطاباته بهذه الجمل وهي ذات مغزى وتدعو لطول التأمل والتفكير بها.
كانت الدوائر السياسية والامنية والاستخباراتية تراقب العراق عن كثب، وتراقب تحركات العراق اينما اتجه دبلوماسيوه ووزراؤه، فحين توجه طارق عزيز الى امريكا في اكتوبر عام 1989 والتقى بوش، راقبت اسرائيل تلك التحركات، وفي يوم 11 فبراير 1990 قام مساعد وزير الخارجية الامريكي جون كيلي بزيارة بغداد والتقى الرئيس صدام الذي ابدى انزعاجه من الحملات الامريكية ضده وانها زادت عن الحد.
وفي يوم 20 فبراير 1990 اعلنت اسرائيل انها اكتشفت وجود وحدات عسكرية
عراقية في الاردن واضافت انها لاتنوي السكوت عن هذا ابدا.
وفي يوم 30مارس اعلن ايهود باراك الذي تسلم رئاسة اركان الجيش الصهيوني ان على اسرائيل ان تكون جاهزة لضربة وقائية من العراق ثم تبعه شامير رئيس الوزراء بقوله: ان اسرائيل سوف تهاجم العراق اذا احست انه اقترب من انتاج اسلحة نووية.
وفي يوم اول ابريل رد الرئيس صدام حسين بخطابه المشهور الذي قال فيه بالحرف الواحد: انه اذا تعرض العراق لهجوم نووي اسرائيلي فإنه سوف يستعمل اسلحة متطورة تحرق بالنار نصف اسرائيل.
وهو التصريح الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، تناسى العالم كله تصريح شامير وما قاله وركزوا على كلام الرئيس صدام، علما بأن صدام جعل كلامه مشروطا، بكلمة اذا، والمتتبع سيلاحظ ما قاله الرئيس صدام.. اذا.. يتبعها سوف... فإذا لم تتحقق اذا، فبالطبع لن يكون هناك سوف.
الزبير
25-08-2004, 07:03 AM
اجتماع جدة بين عزة ابراهيم وسعد الصباح يوم 31/7/2003
قبل ان نتحدث عن اجتماع جدة لعله من المفيد القول ان الرئيس صدام حسين في يوم 27/3/1990 توجه الى حفر الباطن في السعودية حيث اجتمع مع الملك فهد اثناء رحلة صيد كان فهد يقوم بها، وكان لدى الرئيس صدام شكوى من الكويت التي زادت من انتاجها للبترول عن الحصة المقررة لها طبقا لقرارات الاوبك، وهذا يؤثر على اقتصاد العراق في وقت يتعرض فيه لضغوط من كل جانب وكان رأي الملك فهد: ان الاخوان في الكويت يضرون حتى بمصالح السعودية بانتاجهم الزائد عن حصتهم ولكنه على اتصال بهم وسوف يحاول اقناعهم بالالتزام بحصة أوبك.
وصل عزة ابراهيم صباح يوم الثلاثاء 31/7/2003 الى مطار جدة واستقبله الأمير عبد الله الذي استقبل ايضا سعد الصباح، ثم استقبل الملك فهد الاثنين معا، واقترح عليهما فترة يستريح كل منهما من عناء السفر إلى جدة ثم يعقدان اجتماعا أوليا على أن ينضما لاحقا إلى العشاء على مائدة فهد يحضرها بقية أعضاء الوفدين والأمراء، وبدا أنه استبشر خيرا حين لاحظ أن عزة وسعد تصافحا بطريقة العناق والتقبيل.
حين بدأت الجلسة الافتتاحية، بدأ عزة ابراهيم (المعروف بتدينه وحفظه للقرآن الكريم كاملا)بتلاوة آيات من القرآن الكريم اختارها بعناية فائقة وكانت هذه الايات هي التي ما يطلق عليها في القرآن الكريم آيات عقيدة الولاء والبراء.
ثم تلا على الحاضرين قائمة من التهم العراقية الموثقة الموجهة ضد الكويت. وغلف خطابه ايضا بصبغة دينية ايمانية حتى ظن البعض انه يلقي خطبة الجمعة (وهو المشهور عنه بلاغة اللسان) حاول سعد الصباح رد هذه التهم ولكنه لم يستطع تفنيدها، لأن العراقيين طرحوا طلبات ولم يطرحوا ادعاءات. وحسب ما قال عضو حضر تلك الجلسة أن وجهه كان مكفهرا، وختم عز ابراهيم قوله بأنه وحسب تعليمات (السيد الرئيس القائد صدام حسين فإننا نطلب من الأشقاء في الكويت بأن يدفعوا لنا عشرة مليارات دولار على شكل قرض إذا لم يكن من الممكن تقديم هذا المبلغ كمنحة).
سعد الصباح قال انه على استعداد لدفع تسعة مليارات فقط وليس عشرة، فرد عزة ابراهيم بأن العراق لن يقبل بأقل من عشرة.
بعد أن أنفضت الجلسة الأولى وذهب الجميع لأداء صلاة العشاء كان الموعد على مائدة فهد للعشاء بحضور حسين.
كان جو الكآبة مسيطرا على الوفدين ولاحظ فهد بفراسته العربية ما يرتسم على الوجوه، فأدرك أن السماء ملبدة بالغيوم وراح يحاول تلطيف الجو وتغيير مسار المناقشات التي كانت تدور في الجلسة، فأخذ يتحدث عن مباهج العيش مع الخيول العربية الأصيلة وتوالدها، ثم قال مبتسما: المملكة العربية السعودية ستدفع المليار دولار.. وراح عزة ابراهيم يشكره على موقفه النبيل فيما تبدت على وجه سعد الصباح أمارات الحيرة والدهشة من هذا الكلام.
عاد الوفدان إلى الاجتماع، وبادر سعد الصباح بالقول بأنه قبل الاتفاق على تفاصيل الدفع يجدر بنا طرح قضية الخط النهائي والثابت للحدود بين بلدينا، ويمكن معالجة المسالة الآن وسوف يكون المال معكم.
لكن هذا الأمر كان غير مقبول الآن بالنسبة لدولة تعتبر هذه الدولة كلها قطعة منها، وأدى هذا الشرط إلى انفجار الموقف من جديد، فقال عزة ابراهيم غاضبا:
ولماذا صمتم كل هذا الوقت .ألم يكن بمقدوركم طرح هذا الأمر منذ ابداية إذا كان هو الأهم ؟
فقال سعد: تعليمات الأمير لدينا هي ألا نثير النزاع الحدودي من البداية. وكانت هذه حركة غير خافية على أحد على أن الوفد الكويتي منذ البداية لم يكن يرغب بالحل وأن لا مجال لوساطة الملك فهد من جديد.
لاسيما وأن سعد تفوه ببعض العبارات التي تشير إلى (ضمانات حصلت عليها الكويت من بريطانيا العظمى لحمايتنا).
تسربت من أعضاء الوفد العراقي المرافق لعزة ابراهيم بعض المناقشات التي دارت والتي استطاع أحد أعضاء الوفد تدوينها بسرعة ويمكن تلخصيها فيما يلي:
عزة ابراهيم: ان المفاوضات القادمة ستتولى مسألة الحدود وان المفاوضات التي أجريناها الآن مقتصرة على الاتفاق المالي فقط الذي يقول بدفع تسعة مليارات دولار.
سعد: أنا لا أوافق على ذلك، إن المراحل القادمة ستتناول تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين والاتفاق على النواحي الأمنية وأنا أصر على اتفاق رسم الحدود قبل الاتفاق بأي شكل على منح العراق تسعة مليارات دولار.
عزة ابراهيم: هل يعني هذا إن الاتفاق السابق ملغى ؟
سعد: ليس ملغى بل مشروط
عزة ابراهيم: العراق لا يقبل ولن يقبل اشتراطات
سعد: اذا انتم لا تريدون التسعة مليارات ؟
عزة ابراهيم: هذا المبلغ لايمكن أن يكون ثمنا للمساومة على بعض حقوقنا الأخرى. وأراكم تتراجعون عما تم الاتفاق عليه أمام الملك فهد.
سعد: أنتم تتحدثون دائما عن الحدود ونحن نصمم على عقد اتفاق جديد يحل هذه المسألة.
عزة ابراهيم: عندي اقتراح (قالها باللهجة العراقية العامية) (أكو اقتراح عدنا) بأن يعود كل منا إلى بلده ويطرح مسألة الحدود على قيادته السياسية ثم نناقش ذلك في اجتماع بغداد المقبل
سعد: أوافق بشرط أن تعتبروا مبلغ التسعة مليارات معلقا وكأننا لم نتفق عليه.
عزة ابراهيم: لانوافق على هذا وأقول لكم مالم ينفذ هذا الاتفاق فإننا قادرون على تنفيذه بالطريقة التي لا تريحكم.
سعد: هذا تهديد باستخدام القوة ضدنا
عزة ابراهيم: فسره كيف ما تريد ولكن إذا أخللتم بالاتفاق فلن نخسر شيء وستخسرون كل شيء.
سعد: لاتظنوا أن عملكم العسكري ضدنا سيمر بسهولة
عزة ابراهيم: نحن نعرف ونقدر ما نفعل
سعد: إذا كانت قواتنا غير قادرة على مواجهتكم فإن لدينا أصدقاء أقوياء سيهبون لمساعدتنا حالما تحصل تهديدات لأمننا وأرضنا.
(هنا يؤكد أعضاء الوفد العراقي أن سعد حرك يده بطريقه استفزازية قائلا بما معنا: بحركة مثل هذي بيدي نستطيع احضار الجيش الأمريكي إلى الخليج)
عزة ابراهيم: لاتنخذع بمن تسميهم أصدقاء وقدوم هؤلاء سيكون شر مستطير عليكم وعلى بلدكم ومجتمعكم قبل أن يكون علينا.
سعد: أنتم واهمون وأنا أثق فيما أقول، وأؤكد لك أن الجيش الامريكي سيكون هنا في ظرف 24 ساعة ولن تستطيعوا فعل شيء ضدنا وتذكروا التاريخ.
عزة ابراهيم: إذا فلتتحملوا النتائج
سعد (بصوت مرتفع وبنبرة تحدي استفزازية للغاية) لا تهددنا
عزة ابراهيم: نحن لانهدد، بل نحذركم فقط.
سعد: حتى التحذير لانقبله اعرف مع من تتكلم (ايضا بصوت مرتفع وبنبرة تحدي أشد من الأولى)
عزة ابراهيم: أنت المسؤول عما وصلنا إليه الآن.
سعد: أنت المسؤول عن انهاء الاتفاق الذي حدث.
عزة إبراهيم: لم يحدث اي اتفاق ولن نطلب وساطة أحد لإرضائكم.
سعد: ونحن لن نطلب أيضا.
(يؤكد أعضاء الوفد العراقي أن سعد هم بمغادرة قاعة الاجتماعات وهو يهدد ويتوعد بالجيش الأمريكي كل من يحاول عبور حدود الكويت، معيدا إلى الأذهان عام 1961)
فشل الاجتماع وحبس العرب أنفاسهم قبل العالم.
عاد عزة ابراهيم والوفد المرافق إلى بغداد، وتوجه مباشرة الى حيث مقر تواجد الرئيس صدام حسين الذي عرف بفراسته أن الاجتماع قد فشل، فقد كان وجه عزة الدوري مكفهرا، بعد السلام والعناق بين الرجلين الصديقين استاذن الدوري صدام حسين ليصلي ركعتين سنة على عادته كلما عاد من رحلة خارجية، ثم بعد الانتهاء من الصلاة حكى لصدام كل ما دار في الاجتماع، وكان بعدها أن دعا الرئيس صدام حسين إلى اجتماع مجلس قيادة الثورة واتخذ القرار بالإجماع بإرسال رجال الجيش العراقي (لتأديب آل الصباح).
على أن سعد كان قد أسر لمن رافقه في الطائرة أن لديه شعور قوي بأن شيئا ما سيحدث في تلك الليلة، وقد تضاربت الروايات عما فعله في ذلك الوقت، فبعضها يقول انه ذهب الى بيته حتى نام وايقظوه على أنباء الغزو، ورواية تقول أنه ذهب مباشرة للقاء ابن عمه جابر ليطلعه على ما حدث، لكن يعتقد أن جابر لم يكن موجودا في ذلك الوقت في مقر اقامته والارجح انهما تحادثا هاتفيا إلى أن التقيا في الطائف بعد حين.
الزبير
25-08-2004, 07:35 AM
القسم الثالث
دخول القوات العراقية إلى الكويت
يجدر القول بأن الخطة التي كانت موضوعة من قبل القيادة العسكرية العراقية تقضي باحتلال جزيرتي وربة وبوبيان فقط، حسب الخرائط والتوجهيات التي كانت أعطيت من قبل للقائد الذي تولى العملية ولضباط الجيش العراقي.
ذلك أن العراق يعتبر هاتين الجزيرتين حق ثابت له لانزاع فيه. لكن حدث تغيير للخطة في اللحظات الأخيرة. وهذا أكبر دليل على أنه فعلا لم تكن هناك نية عراقية لضم الكويت، بل الأمر كله لايعدو أن يكون مجرد تأديب لآل الصباح وبمعنى آخر ترهيب.
وأيضا لم يكن في وارد الجيش العراقي الاقتراب - مجرد الاقتراب - من الحدود السعودية على الاطلاق، وسوف نعود لهذه النقطة بالتحديد لاحقا.
كان السفير الأمريكي في الكويت قد وضع خطة محكمة بالتعاون مع السي آي ايه والشيوخ لانقاذهم في حالة ما اذا نفذ الرئيس صدام تهديده وارسل الجيش لدخول الكويت، ففي الساعة الأولى من صباح يوم 2/8/1990 كان بعض العمال والخدم والحاشية مشغولين بإعداد الحقائب وحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه، يعملون مثل خلية النحل داخل قصر دسمان الفاخر والواقع على شاطيء البحر، وانشغل آل الصباح بالاتصال ببعضهم البعض، فيما كان البعض منهم قد بدأ فعلا بمغادرة البلد عن طريق البر متجها إلى الطائف.
وعند الساعة الرابعة فجرا وصل جابر وبصحبته عدد من افراد العائلة وبعض الشيوخ والحاشية إلى السفارة الأمريكية حيث كان السفير ناثانيان هول في استقبالهم، فتم ترحيل جابر وبعض افراد الأسرة بالطوافات العمودية، وبقية أفراد الأسرة والخدم والحاشية توجهوا بالسيارات برا إلى الطائف في السعودية.
أما سعد، فقد كان متجها إلى السعودية بطريق البر، حيث أعطى بعض الأوامر لأجهزة الدولة والحرس الوطني تنفيذا لما سمي وقتها خطة الطواريء، وقد كان عصبيا وثائر الأعصاب ومنفعلا إلى أقصى درجة، فاتصل على الفور بالسفير الأمريكي الذي أكد له أن جابر وعائلته وبعض أفراد الأسرة والحاشية قد تم ترحيلهم إلى الطائف، لكن سعد قال له على الفور: نحن نعتمد عليكم، وهذا هو الظرف الذي تثبت فيه أمريكا صداقتها للكويت وتثبت للعالم كله احترامها لتعهداتها.
لكن السفير سأله: هل اعتبر ما قلت طلبا رسميا من حكومتكم بالمساعدة الأمريكية؟
فرد سعد بدون انتظار: طبعا نحن نطلب مساعدتكم.
فسأل السفير: هل هذا رأيك أم رأي الحكومة؟
فرد سعد: هذا طلب من الحكومة.
ثم اتصل سعد بجابر الذي كان قد وصل إلى الخفجي ليخبره بما دار بينه وبين السفير الأمريكي، فاثنى جابر على خطوته طالبا منه إعادة الاتصال بالسفير وإخباره أن الامير بنفسه يطلب هذه المساعدة وأنه باعتباره ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء يعززه مرة أخرى. ففعل سعد ذلك وأضاف قائلا للسفير: الكويت أميرا وحكومة وشعبا لا أمل لهم الآن إلا في الرئيس بوش وصداقة الشعب الأمريكي.
وصل جابر الى حفر الباطن قادما من الخفجي ثائرا هائجا واصفا العراقيين بالكفار وكان في حالة ثورة عارمة يرغي ويزبد القول ما يعلم وما لايعلم، واتصل مع الملك فهد يقول له انه لابد من اخراج العراقيين اليوم، لانهم اذا باتوا ليلتهم فلن يخرجوا من الكويت ابدا، حاول الملك فهد قصارى جهده تهدئة ثورته وطلب من عبد الله ارسال طائرة خاصة له تحضره إلى جدة للقائه وطمأنته.
أشترك في الهجوم على الكويت، من ثلاثين إلى أربعين ألف جندي من الجيش والحرس الجمهوري، وليس مائة ألف كما أشيع وزعموا يومها، والأغلب أن عدد الجنود لم يتجاوز الخمسة وثلاثين الف جندي، واجهوا في البداية بعض الوحدات العسكرية هنا وهناك التي ما لبثت أن اختفت وحاول بعض الطيارين الكويتيين القيام بطلعات استعراضية ومهاجمة الجيش العراقي، لكنهم ما لبثوا ايضا أن اختفوا بطائراتهم متجهين بها إلى المأوى الآمن في المملكة العربية السعودية.
اتخذت الوحدات العراقية على الفور أماكنها ووصلت إلى مركز المدينة في عصر يوم 2/8/1990، فيما تحصنت وحدات الجيش الكويتي بمواقعها بمدينة الشويخ الواقعة في شمال مدينة الكويت، كما قام رجال الجيش العراقي بإنزال جوي في جزيرتي وربة وبوبيان وأقاموا على الفور تحصينات فيهما وفي جزيرة فيلكة،
وفي منطقة الجهرة الواقعة في غرب مدينة الكويت كان هناك معسكرا لوحدة يطلق عليها اسم كتيبة المغاوير الخاصة، التي وللأمانة قاتلت ببسالة للدفاع عن معسكراتها ولكنها مع الأسف تكبدت خسائر جسيمة.
واستطاع رجال الجيش العراقي اسر من تبقى من تلك الوحدة وإذا بهم كلهم عرب ومن أصول عراقية ومن البصرة تحديدا (فعلق أحد ضباط الجيش العراقي قائلا : لان اصولهم عراقية قاومونا ببسالة، أما ذوي الاصول الفارسية وقوم هشتة بشتة فقد هربوا الى السعودية)
للمصادفة استطاع رجال الجيش العراقي حصر أكثر من مائة وخمسين فردا من هذه الكتيبة امهاتهم عراقيات، فأخلوا سبيلهم. على أن جميع من اسر من افراد تلك الوحدة قد أخلي سبيله فيما بعد حتى قبل بدء العدوان الثلاثيني.
اما بالنسبة لمصير الشيوخ وفهد الأحمد بالتحديد،،
قبل أن نتحدث عن تواجد الجيش العراقي في الكويت، لابد من ان نذكر أنه حين وصلت طلائع القوات العراقية إليها وأحكمت قبضتها، كان جل افراد اسرة الصباح قد رحلوا، وتبعهم فيما بعد بعض كبار الضباط والوزراء والمستشارين والنواب وكبار موظفي الدولة وكبار التجار وعلية القوم في الكويت.
هناك ثلاث روايات تحدثت عن مقتل الشيخ فهد الأحمد
الرواية الأولى تقول:
إنه كان في قصر دسمان مع شقيقه جابر، وحين أزفت ساعة الرحيل رفض الخروج مع من خرج وأقسم أنه سيقاتل حتى النهاية، فعاجله أحد أفراد الأسرة برصاصة حتى لا يزايد عليهم في الشجاعة ويصبح بطلا قوميا بنظر الكويتيين والعرب ويظهروا هم بمظهر الجبان الذي ترك أرض المعركة. فبقي مضرجا بدمه حتى جاء الجنود العراقيون فوجدوه مفارقا للحياة، فغطوا جثته وتم دفنه فيما بعد . (على أن هذه الرواية نشرتها منتديات الانترنت بكثرة وخصوصا قبل العدوان واجتياح بغداد ولم يؤكد أو ينفي أحد صحتها وأغلب أظن أنها غير صحية وملفقة)
الرواية الثانية تقول:
إنه كان في رحلة خارج مدينة الكويت في البر، وحين عاد إلى منزله في ساعة متأخرة من الليل فوجيء بوجود بعض الجنود الذين لم يستطع التعرف عليهم ولاسبب تواجدهم في منزله، وأخرج مسدسا كان معه يطلب إليهم الخروج، وأثناء النقاش معهم بدا وكأنه يهم بإطلاق النار فعاجله أحد الجنود العراقيين برصاصة سقط على أثرها قتيلا.
(هذه الرواية ذكرها الاستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه أوهام القوة والنصر صفحة (358 لكن هل يعقل أن فهد وهو شقيق الحاكم لم يعلم بأمر دخول القوات العراقية إلى الكويت ؟ علما بأن أفراد اسرة الصباح اتصلوا مع بعضهم البعض حين علا هدير صوت دبابات الجيش العراقي.
الرواية الثالثة تقول:
إنه كان في رحلة مع أصدقاءه في البر، واتصل به من اتصل من أفراد الأسرة يخبره بدخول الجيش العراقي إلى الكويت، فأسرع بالوصول إلى منزله متخذا طريقا مختصرا وسريعا حتى لايمر بجوار آليات الجيش العراقي، فوصل إلى المنزل وأخرج سلاحه وانتظر قدوم القوات العراقية، وحين وصلوا بدأ مع بضعة من الحراس الذين بقوا حول القصر بمواجهة شجاعة وغير متكافئة انتهت بمقتلهم جميعا.
للأمانة والانصاف بحق الرجل الذي ذهب للقاء ربه، فإن هذه الرواية الثالثة هي الأصح بين الروايات الثلاث. لاسيما وأنه لم يعرف عن المرحوم الجبن والخوف وهو الذي خالف أفراد الأسرة كلهم وقاتل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان.
على أن بعض الضباط العراقيين الذين كانوا ضمن من وصل متأخرا إلى القصر بعد أن انتهى كل شيء قالوا إنهم حين دخلوا القصر وجدوه ملقى على الأرض ويقوم أحد الجنود العراقيين بتغطية جثته بشرشف ابيض سحبه من طاولة مستديرة كانت في منتصف الصالون،
انحنى أحد الضباط فتحسس الجثة فوجدها ما زالت ساخنة قليلا، مما يدل على أن الرجل قد فارق الحياة من مدة ليست طويلة، وحين تم التحقيق على أنه كيف حصل الأمر؟ ولماذا لم يلقى القبض على الرجل حيا، اقسم أحد الجنود العراقيين أنه دخلوا القصر فوجدوه جثة هامدة.
فتم دفن الرجل على الفور حسب ما تقضي الأمور بذلك بعد أن صلوا على روحه.والله أعلم بحاله على أية حال.
ويقال أن عدي صدام حسين شعر بالغضب الشديد حين علم بمقتله لأنه لم يكن يرد له هذه النهاية ابدا. والله أعلم، فالرجلان بين يدي الحق.
إذا في اليوم الثاني من أغسطس كان كل شيء قد انتهى، وكان رجال الجيش العراقي قد حققوا مهمتهم بنجاح، ولكن الأساس السياسي الذي قامت عليه الخطة لم ينجح، ذلك أن خروج جابر وباقي افراد الأسرة سالمين من الكويت فتح ثغرة كبيرة في الأساس السياسي للخطة العراقية.
فقد كان من المفترض أن يتم أسر جابر وافراد العائلة المقربين، حتىلا يظل هناك من يملك حقا في طلب النجدة من الدول الأخرى. والحاصل أن الشرعية في هذا النوع من النظم التقليدية لاتقوم بدور الحاكم فحسب، وانما بنوع من الأبوية التي يحق لها وحدها أن تتكلم طالما كانت قادرة على الكلام او مازالت على قيد الحياة، فإذا تكلمت فإن كلامها هو المسموع، وإذا بقيت على قيد الحياة فإن رأيها هو المنتظر، ولا يستطيع أحد أن يصم أذنيه أو يتصرف دون إشارتها.
ولذلك وتبعا لهذا الكلام، يمكن بسهولة فهم لماذا لم تتم مقاومة في الكويت اصلا، صحيح حصلت بعض المناوشات هناك وهناك فيما يعرف باللغة العسكرية جيوب مقاومة محدودة، إلا أنها سرعان ما توقفت بعد أن طلب افراد اسرة آل الصباح المتواجدين في الطائف من أبناء الشعب في الكويت التوقف عن اي مقاومة للجيش العراقي والتصرف بسلام وبروح سلمية.
سأؤجل الحديث عن تصرفات الجيش العراقي في أرض الكويت إلى الخاتمة لأني سأربط هذا الموضوع بموضوع الأسرى وما نجم عن حصار الشعب العراقي من جرائم بحق أطفال العراق قبل غيرهم.
الأزمة ودول العالم
لن ندخل في التفاصيل التي تحدثت عن الاتصالات واللقاءات التي جرت بين الحكام العرب والتي زعمت أنهم حاولوا تطويق الأزمة فيها، لأن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت قرارها على الفور بالعدوان على العراق ولذلك أصدرت الأوامر إلى عملائها بقطع الطريق على اي محاولة لإيجاد مخرج عربي للأزمة.
وإن حصل جدل بين هذا البلد أو ذاك في أن الحاكم العربي الفلاني حاول الدعوة إلى مؤتمر قمة مصغر وأن فلان من الحكام رفض الذهاب الى بغداد او حتى الاتصال ببغداد كي (لايكذبوا عليه مرة أخرى) علما بأن العراقيين لم يكذبوا على أحد. بل ان حسني هو الذي كان الكاذب الأكبر في كل تلك الأزمة.
(للتاريخ والأمانة والانصاف) تسجل بعض المواقف المشرفة لحسين دونا عن حسني. وموقفه هذا دعا البعض إلى القول إنه مع صدام، علما بأنه أعلنها صراحة أنه ضد دخول القوات العراقية إلى الكويت ولكن بنفس الوقت ضد الاستعانة بالقوات الاجنبية لحل الأزمة، فهذا الأمر هو الذي جعل غضب دول البترودولار يحل عليه.
على أن حسين كان قد قابل صدام بعد دخول الجيش العراقي الى الكويت ودار بينهما حديث استطاع حسين ان يستخلص منه ان القوات العراقية لاتنوي البقاء داخل الكويت ابدا، وقال الرئيس صدام لحسين بالحرف: ((إننا على كل حال كنا قد اتخذنا قرارا بالانسحاب)) ((إننا سوف نعقد اجتماعا لمجلس قيادة الثورة ونعرض عليه آراءكم)).
ووافق الرئيس صدام حسين على فكرة حسين بعقد القمة العربية المصغرة في جدة، وان كان اشار انه ربما لن يحضرها بسبب مشاغله لكن على الاقل وافق على الفكرة.
وبينما حسين يغادر بغداد في الطائرة، وصلته إشارة من الرئيس صدام حسين تقول له بالحرف الواحد (( إن مجلس قيادة الثورة وافق على وجهة نظرك في اجتماع عقد على عجل. سوف يحضر العراق اجتماع جدة وسوف يعلن انسحابه من الكويت، لكن هناك شرطا واحدا هو ألا يتخذ وزراء الخارجية العرب المجتمعون في القاهرة قرارا مسيئا أو عنيفا ضد العراق فالادانة والتهديدات لاتنفع معنا ومن المهم جدا أن لايوفر العرب أي غطاء للتدخل الخارجي))
وحين كان حسين يسابق الزمن لكي لايتخذ المجتمعون في القاهرة اي قرار عنيف ضد العراق، تلقى اقسى صدمة في حياته، وهو عندما أخبره وزير خارجيته ان مصر اصدرت بيانا منفردا بإدانة العراق في الساعة الرابعة والنصف أي ان مصر حسني مبارك لم ينتظروا حتى اجتماع وزراء الخارجية العرب في الساعة السادسة بنفس اليوم وتصرف حسني بمفرده بناء على تعليمات واشنطن، وايضا لم ينتظر حسني نتائج زيارة حسين إلى بغداد.
وحين سأل حسين حسني لم فعلت هذا وانا الذي حصلت على تعهد من الرئيس صدام بسحب الجيش العراقي من الكويت، أجاب حسني بالحرف: أصلي الضغط عليا كان قوي شويا ومخي وقف عن الشغل وماعدش يشتغل، هنا أجابه حسين: اذا اتصل بي لما يشتغل مخك.
سنختصر الحديث كله ونتناول موضوعين فقط يغنيا عن الحديث حول اي شيء حصل في تلك الازمة، لان هذين الامرين بالواقع كانا حاسمين وهما اللذين قطعا الطريق عن كل شيء، والموضوعين هما :
-تحركات بندر في واشنطن، وجولة ديك تشيني في المنطقة العربية والتي تشبه بالتمام والكمال جولته قبل العدوان الأخير على العراق.
-مؤتمر القمة العربي الذي أعطى الشرعية للقوات الأمريكية للعدوان على العراق.
لكن قبل أن نتحدث عن هذين الأمرين لابد أن اشير إلى أمر هام جدا بل وفي غاية الأهمية، وهو أن الرئيس صدام والقيادة العراقية أدركوا من خلال بعض المعلومات الاستخباراتية أن أمريكا ستوهم القيادة السعودية أن الجيش العراقي سيكمل طريقه إلى السعودية من خلال الكويت، وهو أمر كان لن يحدث أبدا، وسيكتشف القاريء من سياق الكلام التالي عن انه ما كان ممكن الحدوث أبدا.
سارع الرئيس صدام حسين إلى تكليف عزة ابراهيم بمهمة السفر الى السعودية والاجتماع مع فهد وطمأنته حول هذا الموضوع.
وصل عزة ابراهيم الى جدة واجتمع على الفور مع الملك فهد. وطبقا لمحضر الاجتماع فإن عزة ابراهيم طمأن الملك فهد أولا بأنه مهما تسمعون من كلام عن اقتراب الجيش العراقي من الحدود السعودية فإنه لا أساس له من الصحة وسوف لن يحصل هذا الأمر ابدا، وأسهب عزة ابراهيم بقوله للملك فهد:
جلالة الملك إن عديد قوات الجيش العراقي الذي دخل إلى الكويت هو اقل من خمسين الف جندي، ومساحة المملكة واسعة جدا، فأنى لهذا الجيش أن يسيطر على بلد أكبر من العراق بحوالي أربع مرات ؟؟ كم يحتاج للوصول إلى الرياض وكيف سيكون حال الجنود بعدها؟
إننا لاننوي ذلك ابدا ياجلالة الملك ومعاذ الله أن يخطر ببال الرئيس صدام والقيادة العراقية فكرة دخول السعودية او الاقتراب من حدودها، لقد وقعنا معكم معاهدة عدم اعتداء ونحن إن شاء الله ملتزمون بها ايما ألتزام، أما بالنسبة للكويت، فهذا جزء من العراق عاد إليه، لقد سلخه الاستعمار البريطاني عن العراق وجعل منه دويلة، وأنتم تعلمون أن أول موضوع يشغل بال كل حاكم يمر على العراق هو هذا الموضوع.
وتحدث عزة ابراهيم مطولا عن موضوع الأزمة معيدا إلى الاذهان قضية أسعار النفط وما قامت به الكويت وما اكتشفه العراق من مؤامرات ودسائس والوضع الاقتصادي في العراق وخسائر العراق من تصرفات الكويت وسرقات الكويت من حقول العراق أثناء الحرب مع إيران.
كان الملك فهد يستمع إليه والحيرة لم تفارق وجهه، ثم سأله: هذا الذي تريد أن تقوله لي ؟ اذا كان الأمر كذلك ففيم كنا نتحدث خلال الشهور الأخيرة كلها، لقد تعاملتم مع الكويت كدولة مستقلة وأميرها كان أمس في بغداد كرئيس دولة.
فأجاب عزة ابراهيم: يا جلالة الملك إنهم متعنتين ويريدون خنق العراق وإماتة الشعب العراقي ونحن لن نرضى هذا أبدا.
غادر عزة ابراهم جدة وبنفس الوقت غادر سعدون حمادي القاهرة بعد أن اجتمع مع حسني ووضعه بالصورة لما حصل ووجهة النظر العراقية في هذا الخصوص.
صباح يوم 4 أغسطس اتصل الملك فهد بحسين وهوثائر الاعصاب وغاضب جدا قائلا له ان هناك معلومات باقتراب الجيش العراقي من الحدود السعودية، لقد أخبرني الاخوان في العراق بقبول فكرة عقد مؤتمر قمة مصغر وعن قبولهم الانسحاب وبندر الان يخبرني من واشنطن ان قوات عراقية في طريقها الى المملكة وهي الان في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت.
وكان رد الملك حسين: لقد رأيت الرئيس صدام أمس وأكد لي ان هذا الكلام لن يحدث ابدا، على كل حال سأتصل به وأسأله عن الامر وأعود لاتصل معكم.
اتصل حسين مع الرئيس صدام وأخبره بما سمع من فهد، وأبدى الرئيس صدام دهشته من هذا الكلام قائلا: لقد وقعنا مع السعودية معاهدة عدم اعتداء وكان ذلك بناء على اقتراح مني للملك فهد، فلم يقول لك هذا الكلام؟
ثم اردف الرئيس صدام قوله لحسين، لحظة يابوعبد الله لوسمحت معي الان رئيس اركان الجيش العراقي وسأستفسر منه عن هذا الامر واسمع بنفسكم، ثم سمع حسين اصداء حديث واضح جدا بين الرئيس صدام ورئيس اركان الجيش العراقي الذي أكد أنه ليس هناك ولاجندي عراقي واحد في المنطقة المحايدة وأن أقرب قوات لتلك المنطقة تبعد خمسين كيلو متر إن لم يكن أكثر،
ثم أكمل الرئيس صدام حديثه لحسين قائلا: هل سمعت يابوعبد الله ما قاله رئيس الاركان ؟ فأجاب حسين بالايجاب، ثم اضاف الرئيس صدام: اننا حريصون على أن تظل قوات الجيش العراقي بعيدة عن أي مركز سعودي لمسافة تزيد عن خمسين كيلو متر..... أرجو منكم يابوعبد الله ان تتصلوا بالأخ فهد وتطمئنوه عن هذا الأمر.
ثم سأله حسين عن مواعيد الانسحاب من الكويت، فأجاب الرئيس صدام: ان لواء عراقيا كاملا مؤلف من عشرة آلاف جندي انسحب الان وغادر الكويت، وصورت الصحف العراقية والتلفزيون العراقي صور انسحابه عائدا الى بغداد وسوف نعلن جدول انسحاب كامل نبلغه للامم المتحدة.
وبالفعل، أنا كعراقي مجند في الجيش في ذلك الوقت، أؤكد بما لايقطع الشك، أن القوات العراقية بدأت الانسحاب من الكويت، وتحدثت أكثر من صحيفة عربية حول هذا الأمر وعرضت صور انسحاب الجيش العراقي.
ثم اتصل حسين مع فهد وحكى له ما دار بينه وبين الرئيس صدام وقال له:
انني أخشى يا جلالة الملك أن تتعقد الأمور بأكثر من قدرتنا على حلها، ما رأيك أن أتوجه الان إلى جدة للقائكم ووضعكم شخصيا بالصورة علنا نتوصل إلى حل نتدارك فيه العواقب.
لكن فهد تردد عند هذه النقطة بالذات، وأجاب حسين: إنني مشغول بالكامل في اجتماعات لاتنتهي في جدة، ربما أفضل لو تم تأجيل الزيارة الى وقت لاحق.
هنا شعر حسين بصدمة عنيفة جرحت كبرياؤه في العمق، لكنه مع ذلك غالب الكبرياء الموجود لديه وقال له: الحقيقة يا جلالة الملك لدي الكثير أريد أن أقوله لك شخصيا وأريدك أن تسمعه، فكان جواب الملك فهد: سأطلب من سعود أن يمر على عمان وهو في طريقه الى القاهرة ويمكنك أن تخبره ما تريد. فقال حسين: اذا أنا بانتظار الاخ سعود.
وبعد نصف ساعة من هذه المكالمة تلقى ديوان الملك حسين مكالمة من ديوان فهد تقول: إن سعود الفيصل لن يكون بمقدروه المجيء إلى عمان لانشغاله باجتماعات وزراء خارجية دول الخليج، وسوف يكون السيد عبد العزيز الخويطر هو مبعوث الملك فهد إلى عمان.
ايضا صدم الملك حسين من هذ الاستهتار، ومع ذلك استقبل عبد العزيز الخويطر وشرح له ما دار بينه وبين الرئيس صدام وتأكيدات الرئيس صدام بأن الجيش العراقي ينسحب الان من الكويت، ثم قال:
أخشى أن تصل الامور إلى أيد غير عربية اذا ما تركت هكذا ، ان هناك من يقدم للملك فهد أخبارا كاذبة تثير أعصابه كمثل الاخبار التي تتحدث عن تقدم الجيش العراقي إلى السعودية، إن هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، وانه خطر ببالي أن أعرض على الملك فهد أن أرسل الجيش الأردني كله ليتصدى للجيش العراقي مع الجيش السعودي فيما لو كان الرئيس صدام ينوي فعلا أن يكمل طريقه إلى السعودية، ولكني أخشى أن يقال ان لي نوايا هاشمية في السعودية، أرجو أن لايكون الخبر الذي قرأته في الصحف صحيحا عن أن السعودية تفكر بإغلاق خط أنابيب البترول العراقي الممتد عبر السعودية إلى البحر الأحمر، لان ذلك لو حدث فسوف يضيف عقدة جديدة إلى وضع محشور أصلا بالعقد.
لكن عبد العزيز الخويطر أكد للملك فهد أن هذا الكلام مجرد اشاعات وأنه كان حاضرا بنفسه في مجلس الملك فهد وأن فهد تصدى لمن أثار هذه النقطة ورفض الاقتراح رفضا قاطعا.
مع الاسف كان كلام الخويطر كلاما انشائيا، فبمجرد توافد طلائع الجيش الأمريكي إلى السعودية أغلق خط الأنابيب المذكور.
إذا بعد أن وضعنا القاريء بالصورة عن موضوع اقتراب الجيش العراقي من الحدود السعودية وأنه كان وهما وغير وارد أصلا. نبدا الحديث عن جولة ديك تشيني في الوطن العربي والتي تشبه مائة بالمائة الجولة التي قام بها قبل العدوان على العراق في شهر 3/2003 والتي زار فيها 11 دولة في الوطن العربي.
الزبير
25-08-2004, 07:37 AM
تحركات بندر في واشنطن
تحركات بندر في واشنطن، وجولة ديك تشيني في المنطقة العربية والتي تشبه بالتمام والكمال جولته قبل العدوان الأخير على العراق.
كان بندر بن سلطان سفيرا غير عادي في واشنطن، وبحكم انه سفير السعودية بأهميتها الكبرى بالنسبة للولايات المتحدة، وبحكم انه من ابناء الامير سلطان وزير الدفاع، وبحكم انه متزوج من ابنة الملك فيصل، وبحكم انه يتمتع بصلاحيات سياسية ومالية غير محدودة، فإن صلاته بالبيت الابيض ووزارتي الخارجية والدفاع والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية كانت وثيقة الى درجة غير عادية.
والذي ساعد بندرعلى هذه المكانة التي حققها في واشنطن انه كان ممثل السعودية في العمليات السرية التي كانت الادارة الامريكية تحتاج فيها الى اعتمادات لاتمر عن طريق الكونجرس لتنفذ بها سياسات معينة، وكان الامير بندر مثلا هو الذي قام بتقديم مبلغ الخمسة والثلاثين مليون دولار التي استعملتها الولايات المتحدة الامريكية في حربها الخفية ضد نظام السانديستا في نيكاراجوا، كذلك كانت سفارته هي (( صندوق الدفع)) في حروب خفية أخرى لاتعد ولاتحصى، كذلك الممول الرئيسي لعمليات اغتيال لشخصيات معارضة لسياسة الولايات المتحدة وخصوصا في الوطن العربي.
في يوم 27 يوليو من نفس العام اجتمع بندر بن سلطان سفير السعودية مع كولين باول رئيس الاركان الامريكي الذي استدعاه الى مكتبه قائلا انه لديه الكثير من الاسئلة التي يريد اجابتها من السفير الواسع الاطلاع والنفوذ.
سأل باول بندر: ما الذي يفعله صديقك صدام؟ فأجاب بندر: لا اعرف بالضبط ولكن أتصور عملية استعراض عضلات لتخويف الكويتيين،
ثم يصل بندر إلى أخطر كلام يمكن أن يقوله سفير دولة عربية اسلامية لوزير حرب الدولة المعادية للعرب والاسلام:
((ان هذه ليست المشكلة، ولكن المشكلة ان عمليات استعراض العضلات لن تتوقف، فإذا مرت هذه الازمة بسلام، فالراجح انها ستكرر مرة أخرى، ومعنى ذلك أن النظام في العراق سوف يظل باستمرار ولسنوات طويلة مصدرا للقلق الدائم)).
وحين سأله باول عن الكويتيين ومدى صلابتهم، كان رد بندر هو: ان عائلة الصباح عائلة تجار، وليست لهم هوية سياسية محددة، والكويت كلها أقرب إلى أن تكون شركة منها إلى أن تكون دولة.
وقد أسلفنا من قبل حين تحدثنا عن مجلس التعاون الخليجي أن بندر كان يمازح اصحابه حين يريد استخدام الحمام لقضاء الحاجة بقوله: انا ذاهب الى الكويت لأقضي حاجتي!!!!!.
كانت أول إشارة وصلت الى واشنطن عن دخول الجيش العراقي الى الكويت رسالة من كلمتين بعث بهما الجنرال بيل اوينز قائد الاسطول الامريكي السادس في البحر الابيض المتوسط يقول فيها: العراقيون اخترقوا.
ووصلت هذه الاشارة الى كولين باول الذي جمع على الفور مساعديه في هيئة الاركان لتقدير الموقف وكان ظنه انه سيستدعى فورا الى البيت الابيض وعليه ان يكون جاهزا للرد على اي استفسار يطرح عليه.
ثم ما لبث بوش ان تلقى الخبر عن طريق مستشاره للامن القومي برنت سكوكروفت.
يجدر بنا أن نذكر أنه عندما اجتمع مجلس الامن على عجل في الامم المتحدة، اصدر قرارا يحمل رقم 660 الذي أدان دخول القوات العراقية وطالب العراق بسحب قواته من الكويت ودعا بالتحديد الى الوصول إلى اتفاق عن طريق التفاوض بين العراق والكويت، على ان بعض الدول العربية احتجت على تجاهل الجزء الاخير من القرار الذي يشير صراحة الى ايجاد حل عربي ودون تدخل من الدول الغربية.
وافق جميع الاعضاء على القرار باستثناء اليمن التي قال مندوبها انه لم يتلق أي تعليمات من حكومته بهذا الخصوص.
وبينما كانت المداولات مستمرة في مجلس الامن تقدم توماس بيكرينج سفير الولايات المتحدة من عبد الله صلاح سفير الاردن وقال له : تشجع يا سعادة السفير، لدي رسالة عاجلة جدا أرجو ارسالها الى عمان وطالبهم بالرد الفوري فما زال هناك أمل في انقاذ الموقف.
((ارجو من جميع القراء تمعن النظر طويلا في هذه الفقرات الخمس التالية، لانها حاليا وفي ظل وضع العراق الحالي ( عراق علاوي والياور تحت الاحتلال) هي النقاط التي سترتكز عليها السياسة الامريكية بخصوص موضوع العراق والكويت وقضية اعادة الفرع للأصل)).
كانت الرسالة الامريكية موجهة الى القيادة العراقية تحمل في طياتها خمسة نقاط:
اولا: لابد من انسحاب الجيش العراقي علنا من الكويت واعلان جدول زمني لذلك.
ثانيا: يمكن ارجاء قضية رجوع ال الصباح الى وقت آخر.
ثالثا: الولايات المتحدة تعتقد ان النزاع القائم بين العراق والكويت على قدر من الوجاهة وبالرغم من انها لن تتحيز الى اي من الطرفين، الا انها ستبذل كل الجهود اللازمة من اجل توفير الوسائل المطلوبة من وساطة وغيرها.
رابعا: الولايات المتحدة تقدر حاجة العراق الى منفذ افضل على ممرات الخليج المائية ومن الوارد ان تميل الولايات المتحدة الى توفير حرية الوصول الى جزيرتي وربة وبوبيان.
خامسا: تقترح الولايات المتحدة في أن يدعو العراق الى استفتاء شعبي تدعمه الامم المتحدة لتمكين المواطنين في الكويت من تحديد مستقبلهم
ارسل السفير الاردني رسالة مشفرة الى عمان يبلغهم فيها ما تلقاه، ووصلت هذه المذكرة الى زيد بن شاكر رئيس الديوان الملكي الذي قال انها مدهشة حقا، لكن هي من افكار السفير الامريكي ام بالونة اختبار من الرئيس بوش ؟ اتصل السفير الاردني بالسفير بيكرينج وطرح عليه السؤال، فأجاب السفير بأنه لايعلم ولكنها قريبة جدا من وجهة نظر الادارة الامريكية.
ومع ذلك اتصل السفير بيكرينج بالوزير بيكر الذي رد عليه من خلال خط مباشر: يمكننا قبول تلك النقاط.
كان من المفروض أن يتولى الديوان الاردني نقل هذه الرسالة الى الرئيس صدام حسين، لكن حتما تلك الرسالة لم تصل الى القيادة العراقية بسبب فشل وسائل الاتصال.
اذا عودة الى بوش وماذا فعل بعد ان اضفنا تلك الاضافة الهامة عما حصل بين السفيرين الامريكي والاردني في مبنى الامم المتحدة.
في صباح يوم 2 أغسطس في واشنطن كان بوش في طريقه الى مكتبه البيضاوي، وكان مستشاره قد أعد له تقريرا عما حدث وما تجمع لديه من معلومات وردت اليه من أجهزة الادارة الامريكية سواء العلنية او السرية، وبعد اجتماعه مع كل من: وزير الدفاع، رئيس الاركان ونواب رئيس الاركان وبول وولفويتز مدير التقديرات الاستراتيجية، مساعد وزير الخارجية، مدير وكالة السي آي ايه ونائبه، واخيرا المستشار القانوني خلص إلى مجموعة قرارات هي:
- بيان باسم الرئيس يدين الغزو ويطالب بسرعة الانسحاب بلا قيد أو شرط.
- قرار بارسال قوة من الطيران الى السعودية
- قرار بتجميد كل الاموال الكويتية والعراقية في كافة البنوك.
- قرار تشكيل لجنة طواريء.
- انشاء لجنة طواريء تعمل تحت رئاسة مستشار الامن القومي.
ايضا لابد ان نذكر هذا الحوار الهام جدا الذي دار اثناء الازمة بين الجنرال كولين باول رئيس الاركان الامريكي وسلفه الجنرال ويليام كرو، حيث قال كرو لباول في هذا الحوار:
ارجوك ان تنصح الرئيس ان يتذرع بالصبر، اننا صبرنا اربعين سنة انتصرنا على أكبر خصم واجهناه هو الاتحاد السوفييتي، ان العراق هدف سهل وسوف نقتل عشرات الوف من العرب هناك دون عناء، وسوف يتحمس بعض العرب لنا في البداية ولكن كل العرب بعد ان تمر السنين لن ينسوا ابدا، ومهما كان هدفك نبيلا في اي معركة، فإن عنصر النبل فيه سوف ينسى، ويظل فقط عنصر القتل.
باول ايضا فكر نفس التفكير الذي كان سلفه يفكر فيه، فرد عليه:
انني افهمك وانا شخصيا من انصار الضغط على العراق بالحصار الاقتصادي والدبلوماسي، ولكن الاخرين عبر النهر يريدون شيئا آخر، وكان يقصد بالاخرين عبر النهر المتواجدين في البيت الابيض.
فقال: كرو: هناك وسائل أخرى لردع العراق، قل رايك الكامل للرئيس،
فرد باول: قلت ذلك، ولكني لااستطيع ان الح، فإذا فعلت ذلك ورفض فعلي أن استقيل واستقالتي لن توقف العمليات العسكرية.
فسال كرو: وماذا عن الاعباء الاقتصادية للحرب ؟
ورد باول: تقديرهم أن عرب البترول سيدفعون التكاليف.
في مساء نفس اليوم انتقل بوش الى غرفة العمليات الخاصة ومعه كل من رئيس الاركان ووزير الطاقة ومساعد وزير الخارجية وقائد القوات المركزية الجنرال شوارزكوف، ووزير الخزانة ومدير السي آي ايه، وكان اول ما قاله بوش يتلخص في ثلاث نقاط:
- لايمكن قبول ما حدث وليس هناك شيء قابل للتفاوض أو حل وسط.
-لابد من تعبئة الراي العام الأمريكي والعالمي في صف الولايات المتحدة.
- إن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن العمل وبالتالي فإن ما هو مطروح للبحث الآن هو خطط العمل.
وحين جاء دور وزير الطاقة قال: ان ما حدث سوف يسبب فوضى في اسواق البترول، ولايمكن للولايات المتحدة ان تسمح بزواج مليون جندي عراقي وثلثي انتاج البترول في الشرق الاوسط.
اما العسكريين ممثلين بباول فكان رأيهم:
ضربة جوية قوية موجعة
أو
التدخل العسكري الشامل على أوسع نطاق طبقا للخطة 1002-90
ثم وصل الى اخطر نقطة في عرضه وهي: ان هذه الخطة هي الخيار الحقيقي المؤثر، ولكن شرطها الرئيسي هو وجود قاعدة لحشد القوات، وهذه القاعدة لايمكن أن تكون إلا السعودية.
وأضاف وزير الخزانة من عنده قوله: بدون وجود قاعدة عربية نعمل منها فإننا نواجه فيتنام أخرى. ثم خلصت المناقشات الى ثلاث نقاط اتفق عليها الجميع وهي:
- لابد من الاتصال بالملك فهد لتأمين وجود القاعدة الوحيدة الممكنة لتنفيذ الخطة.
- يستحسن المسارعة على الفور إلى إغلاق خطوط انابيب البترول العراقي عبر السعودية وتركيا.
- لابد من ترتيبات خاصة يتحمل بمتقضاها (عرب البترول) (هكذا وردت الكلمة في النص الانجليزي) تكاليف الخطة العسكرية، فالولايات المتحدة ليست مستعدة لدفع دولار واحد، واذا كانت امريكا على استعداد لان تعطي الدم، فعلى (أصحاب البترول) أن يقدموا من مالهم ما يغطي نفقات الحملة.
فهم بوش من مستشاريه ان السعودية لم توافق على استقبال 24 طائرة امريكية، وقالوا له: اذا لم توافق السعودية الى الان على استقبال الطائرات، فكيف سيوافقون على استقبال مائة الف جندي لتنفيذ الخطة 1002-90؟؟ اذا لابد من ان يقوم الرئيس بنفسه بالاتصال مع الملك السعودي.
هنا تولى بوش الاتصال مع الملك فهد لأنه أدرك أهمية الاتصال، وفعلا تم اتصال بوش مع فهد، وفيما بعد لخص بوش المكالمة لمستشاريه بقوله:
ان فهد في حالة صدمة – غاضب الى اقصى درجة – يطالب بضرورة اجبار صدام حسين على الخروج من الكويت.
لكنه (والكلام لازال لبوش) فوجيء بطلب انزال قوات عسكرية امريكية في السعودية، لأن وضع المملكة الحساس وتواجد الاماكن الاسلامية المقدسة لدى كافة المسلمين يجعل المهمة مستحيلة وتواجد قوات غير اسلامية يثير ثائرة الدنيا ويزلزل حكم ال سعود.
وحاول بوش افهام فهد وكل زعيم عربي اتصل معه ان صدام لن يتوقف في الكويت فحسب، بل سيكمل طريقه الى السعودية والى كل دول الخليج ايضا.
وراح يثور ويهيج اكثر مما هو هائج وخرجت منه عبارة في غاية الدناءة والوضاعة وهي:
هذا البلطجي العربي التافه يتحدى رئيس الولايات المتحدة سألقنه درسا لن ينساه.
لاحظوا ما قال ( البلطجي العربي التافه) كان يمكن أن يقول مثلا العراقي بدون العربي، لكن لانه حاقد على ابناء العروبة كلهم نظرا لميوله الصهيونية، فقد استخدم كلمة العربي التافه بحق صدام حسين، وبهذا هو يشتم العرب كلهم بالواقع وليس صدام فقط.
للامانة والتاريخ نقول ان فهد في البداية لم يكن مبتهجا للعرض الامريكي بحماية السعودية، فالدولة السعودية لها خاصية تميزها عن كل بلاد العرب والاسلام وهي وجود اقدس وأطهر اماكن الدنيا فيها، عدا عن انها موطن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمهد الاول لرسالة الاسلام الخالدة، وهي المكان الذي شهد من قبل معارك المسلمين وانتصاراتهم، ناهيك عن الاف مؤلفة من الصحابة والتابعين المدفونين في تلك البقاع الطاهرة.
لكن بنفس الوقت كان وجلا من الاخبار التي ترد من واشنطن عن ان الجيش العراقي يتقدم نحو المملكة وهي اخبار عارية عن الصحة.
الان امام بوش وادارته أمرا في غاية الاهمية وهو كيفية اقناع القيادة السعودية بأن صدام يشكل خطرا عليهم وان الذي يفطر بالكويت لابد أن يتغذى بالسعودية ما العمل اذا ؟؟
هنا جاء دور بندر...
وصل بندر بن سلطان الى البيت الابيض يوم 3/8/1990 في الساعة الثالثة بعد الظهر واجتمع على الفور مع المستشار سكاوكروفت الذي كان قد قال من قبل لجورج بوش: ((ان منفذنا الى الملك فهد هو بندر بن سلطان، ويجب ان يكون لبندر منفذا مباشرا اليك عند الضرورة)).
حاول المستشار اقناع الامير ان صدام سيكمل طريقه الى السعودية وانه لابد من تعاون السعودية مع امريكا لاجل الحماية، وان الرئيس بوش ميال لتقديم المساعدة بأية طريقة ممكنة،
فقال بندر:
هل تمتلكون الشجاعة للذهاب معنا حتى انلهاية ام تريدون ان تمدوا يدكم ثم تسحبوها وتتركونا مع هذا الرجل – صدام حسين – على حدودنا وقد جن ضعفي ما هو حاله الآن ؟
فأجاب المستشار: اننا في منتهى الجدية ولكن عليكم أن تقبلوا بقدوم القوات الامريكية.
في تلك اللحظة دخل بوش الى مكتب المستشار فلم يكلف خاطره السلام على سفير دولة عربية اسلامية، بل حتى لم ينظر الى وجه بندر وانما نظر فورا الى المستشار واشار بيده الى بندر قائلا:
هل هذا هو صديقك؟؟ يا للتأكيدات المضحكة، وكان بوش يريد ان يشير الى تأكيدات بندر بعد اجتماعه مع صدام من ان العراق لن يقدم على خطوات عنف ضد الكويتيين..
وضحك بندر ضحكة مكبوتة لكنها متألمة من تجاهل بوش حتى السلام عليه. لكنه أضاف: ايها السيد الرئيس: لقد تم استغلالنا معا.
بوش: الكويتيين طلبوا مساعدتنا بعد دقائق من دخول الجيش العراقي فهل تنوون انتم ايضا طلب المساعدة؟
بندر: مانوع المساعدة التي يمكن ان تقدموها وما نوعية الاسلحة والطائرات، لابد ان يقف جلالة الملك على كل هذه التفاصيل، اذا كان الأمر جديا.
امتعض بوش من العبارة الاخيرة لبندر (اذا كان الأمر جديا) فرفع صوته بنبرة حادة قليلا قائلا: هذا ليس من اختصاصي ولااختصاص المستشار، اذهب الى باول وتشيني وسيقدمون لك القائمة، ثم علت نبرة صوته اكثر وقال بحدة: اسمع انت... ليس هنا مجال الرهانات على الشرف، انني اتعهد بشرفي ان اسير في هذا الموضوع الى النهاية.
هنا، اتصل سكاوكروفت بتشيني قائلا له: ان الرئيس يريد منك اطلاع بندر على الخطط وصور الاقمار الاصطناعية، اطلعه على كل ما لدينا، فرد تشيني: سيكون البنتاغون في استقباله بعد ساعة من الان.
ولعلي اشير الى ما ذكره الاستاذ الفاضل حمدان حمدان في كتابه القيم (الخليج بيننا) اذ قال الاستاذ حمدان:
((طبعا لم يكن هناك شيء اسمه غزو العراق للسعودية وانما كانت لعبة سياسية، وهناك فرقا بين ما كانت عليه الفرق العراقية قبل الاجتياح وما هي عليه الان وقد انتشرت في ارجاء الكويت واتخذت وضعا عسكريا دفاعيا على حدود الدويلة المحتلة حديثا.
اذ لايعقل ان يفكر العراقيون باحتلال السعودية أو شن هجوم عيها، فالتحضيرات اللوجستية العراقية كانت ناقصة حتى وقت قريب من الدخول الى الاراضي الكويتية، وان من الحماقة الاستنتاج بأن العراق سيشن هجوما على السعودية مماثلا للهجوم الذي شنه على الكويت، اذ يجب الوضع في الحسبان معادلات الحرب ونسبة القوى واحتمال تدخل اكيد من قبل حاملات الطائرات الامريكية في البحرين والمتوسط والاحمر)).
وصل بندر الى البنتاجون وعلى الفور بدأ الاجتماع مع تشيني وباول الذي لخص امامه العناوين الرئيسية كما يلي:
اربع فرق – ثلاث حاملات طائرات – اسراب هجومية كثيرة (لم يذكروا عددها امام بندر) ثم سمحوا له بالاطلاع على روزنامة تدفق القوات الى السعودية بعد تحديد ساعة الصفر.
سأل بندر: كم عدد القوات ؟
تردد باول في الاجابة لكنه قال: بين مائة الى مائتين الف جندي ( لكن الواقع كان يقول ان 400 الف جندي تدفقوا على السعودية)
بندر: (مطلقا صفير من بين شفتيه ) يبدو ان الامر في غاية الجدية!!!
باول: نعم بالغ الخطورة، ولكنه يفقد معناه اذا لم تكن له قاعدة على الارض.
وافق بندر على كل شيء قائلا: أعدك بأنني سأنقل ذلك الى الملك ووالدي وعمي وسوف نرى ما يمكن فعله.
وهنا بدأت واحدة من أكبر عمليات الخداع في تاريخ العرب الحديث، وبد دق أكبر اسفين في العلاقات بين الدول العربية بواسطة الد اعداء العروبة والاسلام، الادارة الامريكية التي لعبت لعبة قذرة بالتعاون بين المخابرات الامريكية والبنتاجون.
اتصل بندر بالملك فهد الذي كان يريد أن يتأكد من ابن شقيقه أن التهديد حقيقي وليس قناعا لنقل القوات الأمريكية إلى أراضيه، فقال له بندر:
جلالة الملك ان صور الاقمار الصناعية تدعم الحجة القائلة بأن المملكة تواجه تهديدا حقيقيا.
فهد: هل رأيت الصور بأم عينيك أم لا ؟
بندر: نعم سيدي رأيتها
فهد: اطلب منهم أن يحضروا وأن يجلبوا معهم الصور.
بعدها اتصل بندر بابن عمه تركي بن فيصل رئيس المخابرات السعودية ودار بينهما تقريبا نفس ما دار مع الملك فهد.
اتصل بندر ايضا بـ سكاوكروفت قائلا له: انني قررت الذهاب بنفسي الى السعودية لكي انقل صورة لما رايت وسمعت، لا الرسائل ولا البرقيات يمكن ان تنقل ما هو كاف، واعتقد انني أؤدي دورا مفيدا في هذه اللحظة ، فأنا أشعر ان المملكة تحس بحالة عري كامل إزاء الموقف الذي واجهته، فالاسرة والدولة في حالة انكشاف كامل، وكلهم مصاب بالخوف والهلع وعاجز عن اتخاذ اي قرار.
وكان سكاوكروفت من انصار سفر بندر الذي استأذن عمه بترك مقر عمله والقدوم الى جدة، لكن فهد طلب منه ان يبقى هناك ليكون قريبا من دوائر صنع القرار، فألح بندر قائلا: الاخوان هنا يريدون ان يسمعوا منا، فرد فهد: المهم قبل ان يسمعوا منا يجب أن يعرفوا ويدرسوا جيدا موقفهم.
سافر بندر الى الدار البيضاء أولا للقاء والده الذي كان يقضي اجازة بعد عملية جراحية في ركبته اجراها في سويسرا، وضع بندر والده بالصورة لما رآه وسمعه في واشنطن ثم التقى الاثنان مع الملك الحسن.
لو نظرنا سريعا الى موقف امراء ال سعود لوجدنا تباينا في المواقف، فالامراء الكبار في السن كانوا دائما حريصين على مراعاة المظاهر والمحافظة على الشكل، كذلك حرصوا على أن يكون هناك غطاء معقول للحقائق التي تفرض نفسها على المملكة، ومعظمهم كان يستبعد اقدام الجيش العراقي على غزو السعودية، لكن مجرد احتلال العراق للكويت، سيجعل التعامل معه مهينا لكل القبائل والاسر الحاكمة في شبه الجزيرة العربية.
كان الامراء الكبار في السن يريدون اخراج العراق من الكويت، لكن بشرط أن لايتورطوا هم بهذا.
اما الامراء الشبان، فقد كان رأيهم مختلفا، ان الظروف تغيرت، والمحاذير التي كانت تحكم تصرفات افراد الاسرة فيما مضى لم يعد لها داع الان، واستشهد أحدهم بالسادات الذي زار القدس منفردا جهارا نهارا دونما اعتبار لأحد او حتى وضع بالبال حكاية مشاعر العرب أو المسلمين. وان العنصر الوحيد الذي يستحق الاهتمام هو أمن الاسرة والمملكة ولايمكن أن تتعايش المملكة في شبه الجزيرة العربية مع صدام حسين.
كان جورج بوش يخشى من ثلاثة أمور:
- أن يؤثر حسين على فهد ويجعله يقبل حلولا وسط.
- حتى لو انسحب العراقيون من الكويت، فإنهم سوف يتركونها بلدا تابعا وسوف تنتقل عدوى التبعية الى كل دول الخليج
- ليس هناك ضمان بألا يعود الجيش العراقي الى تكرار ما فعله مع الكويت في فرصة أخرى.
ثم ما لبث أن بدى استغرابه من الملك فهد الذي لم يطلب المساعدة حتى هذ اللحظة، لكن تشيني كان له رايا آخر وهو أنه يعول كثيرا على جهود بندر مع الملك فهد، فقال بوش : ان بندر كان يقول ان المملكة عارية تماما من اي غطاء ونحن نوفر لهم اقوى غطاء ومع ذلك يترددون.
هنا تدخل جون سنونو رئيس هيئة المستشارين في البيت الابيض وهو يحمل مواريث عربية نظرا لأصوله اللبنانية فرفع يده – على طريقة من يستأذن للحديث – ووجه حديثه لبوش:
سيادة الرئيس ألا يمكن أن يكون الملك بحاجة إلى غطاء آخر يؤمن له ظهره وأجنابه ؟ أظن ان الملك فهد بحاجة الى غطاء عربي أو اسلامي أو الاثنين معا..إن فهد يحس بالحرج الشديد اذا طلب قوات امريكية مسيحية لتحمي بلده العربي الاسلامي واما اذا ذهبت القوات الامريكية في إطار أوسع يشارك فيه عرب ومسلمون فإن المسألة في هذه الحالة يمكن أن تكون PALATABLE (أي مبلوعة).
أعجبت الفكرة بوش وقال انه سوف يعمل على توفير مثل هذا الغطاء العربي والاسلامي، ثم التفت الى تشيني طالبا منه أن يذهب بنفسه الى السعودية ويأخذ معه شوارزكوف حتى تقوم بدفعة أخيرة تحسم تردد فهد.
ومن كامب ديفيد عاد الرئيس بوش لممارسة دبلوماسية التلفون، فاتصل بالملك الحسن في الرباط وبحسني مبارك في القاهرة طالبا منهما ارسال قوات الى السعودية. كما طلب ايضا الى حسني اقناع الاسد بارسال قوات سورية ايضا الى السعودية لتكون الى جانب القوات العربية الأخرى.
وغني عن القول ان الدول التي تدور في فلك السياسة الامريكية سواء العربية أو غيرها بدأت بإرسال قواتها الى السعودية ليصل عدد قوات التحالف الى ثلاثة وثلاثين دولة.
وبدأ توافد القوات العربية وغير العربية الى السعودية، وهنا نذكر امرا بهذا الخصوص، ان طائرة قادمة من جمهورية افريقيا الوسطى هبطت في مطار القاهرة من غير اذن، وحين فتح الباب نزل منها عدد من الجنود، وطالب قائد القوة الصغيرة سرعة نقل قواته الى المملكة العربية السعودية لتنضم الى التحالف وحين شرح اهداف مهمته قال: انهم سمعوا في افريقيا الوسطى ان المساعدات توزع بسخاء على الدول التي تشترك بقواتها في التحالف، وان حكومته وجدت انها تحتاج بعضا من هذه المساعدات، فأرسلته مع قواته للانضمام الى مجموعة قوات التحالف.
وحين وصلت هذه القوة الافريقية الى السعودية احتار السعوديون ماذا يمكن ان يفعلوه حيالها، وفي النهاية رحبوا بها ضمن اطار التحالف لكي يزيد عدد اطرافه بدولة جديدة.
وعلى الجانب الاخر، حين ارسلت باكستان قواتها الى السعودية، لم يستطع الجنرال ميرزا اسلام رئيس اركان الجيش الباكستاني ان يخفي ما يعرف، فقال علنا في مؤتمر صحفي: إن هناك مؤامرة لتدمير العراق باعتباره بلدا مسلما.
قبل أن نسهب الحديث عن جولة تشيني لعله من المفيد ذكر هذه الحاشية.
اذا كان صدام حسين قد قال يوما ما ان البشرية ستكون بخير لو لم يكن فيها عنصرين بشريين هما: اليهود والفرس، فإن تشيني يرى ان عنصرين بشريين ما كان يجب ان يكونا على وجه الارض وهما: العرب والمسلمين.
هذه هي عقلية تشيني التي لاتختلف ابدا عن عقلية بوش،(وهنا أتوجه بالشكر الجزيل لأخي أبوبشار فارس القلعة على المعلومات التي زودني بها بحكم اطلاعه على الصحف والمجلات الانجليزية والامريكية التي كتبت كثيرا عن هذا الشخص،)
فتشيني عمل مع بوش الاب، ولانه على نفس عقلية بوش الابن اختاره الى جواره ليكون نائبا له. ولن نتحدث كثيرا عن عقلية هذا وذاك وما يؤمنون به لان الموضوع اشبع بحثا في منتديات الانترنت، ولعل البعض قرأ موضوعا في الساحة العربية كان بعنوان كيف يعمل هذا التنظيم الارهابي، وهذا التنظيم هو الذي ينتمي اليه هذين الاثنين.
المشكلة تكمن انه حين قال صدام حسين يوما ما عن بوش انه شخص شرير، أجابه زعيم عربي خليجي قائلا: انا اعرف الرئيس بوش وهو طيب القلب !!
ونحن نقول لهذا الزعيم الخليجي ان طيب القلب هذا تجاهل الاعراف الدبلوماسية بين الدول وتعمد ليس ان لايسلم على ابن أخيك حين تواجده في البيت الابيض فحسب، بل ان لاينظر إلى وجهه. فإذا كان طيب القلب هكذا نفسيته تجاه العرب والمسلمين فكيف بنفسية وعقلية وزير دفاعه الصهيوني حتى النخاع.
أنا أريد من اخواني السعوديين الذين يقرأون هذا الكلام، ان يكونوا مقتنعين مائة بالمائة ان العراق لم يكن بوارد ارسال جيشه الى السعودية ابدا، انظروا فقط الى الخريطة وشاهدوا بأعينكم كم المسافة بين بغداد والرياض ؟ وبين بغداد وجدة أو المدينة ؟ هل يمكن لجيش قوامه 50 الف جندي ان يسيطر على كل السعودية؟ وهل من المعقول ان يبقى أهل السعودية متفرجين وهم يرون (جيش البعث الكافر حسب زعم البعض منكم) وهو يقترب من الاراضي المقدسة؟؟ وكيف سيكون حال الجنود العراقيين حين وصولهم الى الرياض مثلا ؟
وأنا لا أفرض يا اخوان رأيي على أحد ، هذا الكلام كله يعتبر نابع من قلب مجند عراقي رأى كل شيء بعينه وعاش الاحداث لحظة بلحظة، فعندما أؤكد ان جيشنا لم يكن ابدا بوارد غزو السعودية ، لا اقول هذا الكلام لانني عراقي مجند في الجيش في ذلك الوقت ادافع عن بلدي، لا، ولكن من باب حدثوا العاقل بما يعقل.
يا اخواني كانت تلك خديعة كبرى من امريكا ساهم فيها مع الاسف بندر بن سلطان ولعب لعبته القذرة، وانا ارجو ان لايظن أحد أنني أهاجم اسرة ال سعود، ففيهم الصالح والطالح مثلهم مثل باقي خلق الله عز وجل، وستقرأون في سياق الكلام التالي ما حدث حين زار تشيني جدة.
ثم ان رجالكم على الحدود أكدوا لقادتهم انهم لم يلحظوا ولاجندي عراقي واحد قريبا من حدود السعودية.. هذ ما قاله رجال كشافة الحدود عندكم وليس كلامي انا.
نعود الى تشيني بعد الاستطراد اياه.
ولابد من أن أضيف أمرا هاما يتعلق بالعلاقة بين العرب وأمريكا، المشكلة تكمن انه حين يزور مسؤول أمريكي رفيع المستوى أي دولة عربية، تتعامل وسائل اعلام الدولة التي يزورها المسؤول الامريكي مع الزيارة وكأنها زيارة ملاك قادم من الجنة، فتقرأ المقالات هنا وهناك وتسمع التحليلات التي تتحدث عن العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها وان الرئيس الامريكي الفلاني أشاد بالحاكم العربي الفلاني يوما ما وانه معجب جدا بأفكار الزعيم العربي الفلاني وبحكمته السديدة ونظرته الثاقبة للاحداث على الساحة العالمية وكل هذه الترهات والخزعبلات.
نفس الامر يتكرر حين زيارة مسؤول عربي (وخصوصا اذ كان رئيس أوملك أو شيخ) فترى وسائل الاعلام العربي لاتنفك تكرر هذه الجملة :
وسائل الاعلام الامريكية تهتم بزيارة السيد الرئيس او صاحب السمو او صاحب الجلالة.. متناسين على ما يبدو ان عددا كبيرا من الشعب الامريكي لايعرف أين تقع دولة هذا الرئيس او الشيخ او الملك على خريطة العالم فحسب، بل حتى لايدري إلى أي حزب ينتمي الرئيس الامريكي نفسه.
ناهيك عن أن وسائل الاعلام العربية لاتبرح ايضا تكرر عبارات ممقوتة من مثل ان الزعيمين بحثا الاوضاع الراهنة والقضايا المستجدة والعلاقات الثنائية وان الرئيس او الشيخ او الملك شكر شعب الولايات المتحدة على حسن الضيافة والكرم وما الى ذلك من عبارات الكذب والنفاق والدجل.
يا سادة، ان زيارة مسؤول امريكي مثل وزير الخارجية او الدفاع او نائب الرئيس الى اي دولة عربية هي زيارة غطرسة وتكبر وتعالي وهي بالدرجة الأولى لاملاء الأوامر مثلما يملي المدرس على التلاميذ درس النحو والاملاء، وزيارة أي مسؤول عربي مهما كانت درجته إلى الادارة الأمريكية هي لتلقي الأوامر ومعرفة ما اذا كانت الأوامر السابقة قد نفذت بحذافيرها ام لا، وقبل ذلك لتقديم فروض الطاعة والولاء للسي اي ايه والبنتاجون ومن ورائهم منظمة آيباك و(الموساد).
الامريكيين يبحثون العلاقات الثنائية مع دول غرب أوربا واليابان والصين والصهاينة والدول التي لم تخضع لسيطرتهم ولو كانت دولة صغيرة مثل بلجيكا، هذه الزيارات بين مسؤولي تلك الدول وبين المسؤولين الامريكيين هي لبحث العلاقات والتعاون، وليست الزيارة بين الحاكم الامريكي والمحكوم العربي.
وسترون في سياق زيارة تشيني ما يثبت صحة هذا الكلام، راجيا منكم التمعن جيدا بقراءة هذه الفقرات الهامة.
اتصل تشيني ببندر بن سلطان في جدة واخبره: إن الرئيس قرر أن أجيء بنفسي لمقابلة الملك ومعي أفكار طيبة قد يجدها مفيدة،
فأجاب بندر: ان الملك ليس متحمسا لزيارة يقوم بها تشيني بنفسه، فوصول وزير الدفاع الامريكي الى المملكة في هذه الأجواء يمكن أن يثير تساؤت كثيرة محرجة،
فرد تشيني: إنني قادم على اية حال بأمر ورسالة من الرئيس ولا اعتقد أن أحدا بإمكانه أن يرد مندوبا رئاسيا يمثل الولايات المتحدة الامريكية.
وبعد برهة اتصل بندر بسكاوكروفت يقول له: ان الملك على استعداد لاستقبال تشيني فدعه يأتي على الفور.
اما الجنرال كولين باول فكان تعليقه على اجتماع كامب ديفيد (بوش مع اركان ادارته) ان الرئيس ليس ذاهبا لمنع هجوم من العراق، ولكن لهجوم على العراق.
كان تشيني قد اجرى بروفة في الطائرة على السيناريو الذي سيتبعه حين مقابلة الملك فهد وماذا سيقول له هو والجنرال شوارزكوف، وهو الذي قرأ تقريرا كاملا عن طباع الملك وعاداته وكذلك عن بعض افراد الاسرة الرئيسيين والذين يشكلون العمود الرئيسي للحكم، كذلك قرأ تقريرا عن تاريخ المملكة والاماكن المقدسة فيها ومناسبات الصوم والحج.
وهو في الطائرة تلقى خبرا يقول ان العراق بدأ بسحب قواته من الكويت بعد تشكيل حكومة مؤقتة من ضباط شبان قادوا الثوة على ال الصباح، ايضا تلقى رسالة من بيكر نقل له فيها مشروع القرار الامريكي الذي عرض على مجلس الامن وحمل رقم 661 والذي فرض عقوبات اقتصادية على العراق لم يسبق لها مثيل في تاريخ فرض العقوبات الدولية على اي طرف.
على أن أخطر بند في هذا القرار كان هذا الذي يقول: بوقف صادرات العراق من البترول تماما. وغني عن القول ان هذا القرار الجائر صيغ وكأنه قميص حديدي محكم يخنق العراق خنقا بطيئا.
كان تشيني يتذكر انه اثناء الحرب بين ايران والعراق، حاولت امريكا اخافة ال سعود من ايران، وادعت يومها أن صور الاقمار الاصطناعية تشير الى تحشدات ايرانية هدفها اختراق الفاو فالكويت فالسعودية.. وليحكم القاريء بنفسه على هذ الأمر وما يليه.
كذلك كان يتذكر وصية من وولفويتز ان عليه اقناع ال سعود ان غزو العراق للسعودية أمر حتمي وأن لدينا معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع.
في يوم 6 أغسطس هبطت طائرة تشيني في مطار جدة وبصحبته شوارزكوف وروبرت جيتس نائب مدير السي آي ايه، وكان تشيني مسلحا بذلك القرار الجائر بطريقة لاتسمح له إلا أن يربح.
كان بندر في استقباله في المطار، وقد سأله تشيني: كيف حال الملك : فرد بندر: مشغول باستطلاع رأي العلماء المسلمين حول مسألة مجيء قوات أمريكية إلى السعودية.
الزبير
25-08-2004, 07:39 AM
في نفس اليوم مساء كان تشيني ومعه الوفد يدخلون الى غرفة الاجتماعات في قصر جدة الصيفي، وهي غرفة مخصصة لاجتماعات الاسرة، وكان في استقبالهم الملك فهد ومعه ستة من كبار الاعضاء البارزين في الحكومة السعودية، ، وحين جلس الجميع كل في مكانه كان الامير عبد الله يجلس جانبا وحده في ناحية وعلى وجهه تبدو علامات الاستنكار والغضب !! وكان حاضرا ايضا سعود وزير الخارجية، ونائب وزير الدفاع، فيما جلس بندر بين تشيني وعمه فهد للترجمة.
الاصول الدبلوماسية والأدب واللباقة والكياسة معدومة لدى الامريكان حين يلتقون مسؤولا عربيا،هذه الاعراف مخصصة لدول غرب أوربا واليابان والصهاينة، فما بالك إذا كان هذا المسؤول ليس من أشد الحاقدين على ابناء العروبة والاسلام فحسب، بل يرى أن وجودهم على سطح البسيطة كان أمرا خطأ!!!! ( ولعل البعض يتذكر ان ملكة بريطانيا نظرت يوما ما الى بوش الاب بكل احتقار وغضب لانه جلس قبلها على مائدة الطعام.. الامر الذي اضطره للقيام انتظارا لها حتى تجلس هي أولا ثم اعتذر منها فيما بعد..لا بل ارسل برقية اعتذار ثانية حين غادرت طائرته اجواء بريطانيا...).
جلس تشيني بكل عنجهية وتكبر أمام الملك فهد، يتحدث بلهجة متعالية متغطرسة متعمدا طوال فترة الاجتماع عدم النظر إلى وجه الملك فهد وعدم مناداته بلقب صاحب الجلالة !!!
بدأ الملك فهد الحديث عن العلاقة الشخصية التي تربطه مع بوش، حين كان يشغل منصب وزير الداخلية ثم حين تولى ولاية العهد حيث كان بوش مندوبا في الامم المتحدة ومديرا للسي آي ايه ثم نائبا لريغان، وانه معجب جدا ببوش ومزاياه وأهمها الصدق فيما يقول ويفعل.!!!!!
ثم بدأ تشيني الحديث بقوله:
ان الولايات المتحدة تعتبر السعودية شريكا وصديقا رئيسيا لها وانها وقفت بجانبها في كل الظروف ابتداء من تواجد القوات المصرية في اليمن عام 1962 ثم الحرب الايرانية العراقية مواصلا عرضه للموقف مباشرة الى التطورات الاخيرة قائلا:
ان السعودية تتعرض لأخطر تهديد في تاريخها ونحن بلد اعتاد أن يأخذ التزاماته بجد واخلاص وقد ارسلني الرئيس الى هنا لاعزز لكم ما ذكره في احاديثه التلفونية معكم وهو يضمن شخصيا الوفاء بضمانات الامن الامريكية المقدمة اليكم.
ان الرئيس بدأ باتخاذ اجراءات دبلوماسية وعملية بحصار العراق، واتصل بكل من فرنسا والاتحاد السوفييتي والصين ليقفوا معنا كما تقف بريطانيا، وسوف يسافر الوزير بيكر الى موسكو لتنسيق موقف موحد مع الاتحاد السوفييتي، والرئيس بوش على اتصال يومي بكل من زعماء فرنسا وبريطانيا والمانيا وتركيا واليابان وايطاليا وعلينا ان نتعاون جميعا لنتأكد أن هذا الرجل ( صدام) لن ينجح.
ثم اضاف : اننا سنتعاون معكم في الدفاع عن اي هجوم محتمل على السعودية،
وسنعمل على خنق العراق بالوسائل الاقتصادية وهذه العقوبات من وجهة نظر الرئيس لن تكون كافية، لان صدام عندما يشعر بالضغط، فقد يجد مخرجا في شن هجوم على السعودية، ولهذا علينا أن نكون مستعدين لهذين المستويين ( الدفاع والخنق).
ثم ترك الحديث لشوارزكوف الذي كان اول ما قاله هو:
((اننا نعتقد ان صدام حسين يمكن أن يهاجم السعودية في ظرف 48 ساعة ونحن لا نعرف بم يفكر، هناك 21 طائرة عراقية موجودة في إحدى القواعد القتالية ومعها حاملات البترول التي تستطيع تزويدها بالوقود في الجو لكي تسمح لها بمدى عمل أبعد))
ابن العراق يقول هذه الحاشية : بالله عليكم هل هذا كلام يمكن ان يصدقه عاقل ؟؟ اين الـ 21 طائرة وفي اي قاعدة توجد؟ وهل سبق ان زودت دولة عربية طائراتها القتالية بواسطة حاملات البترول ؟؟؟
من قبل في عام 1986 أمر الجنرال حامد شعبان قائد القوات الجوية العراقية سربا من طائرات سوبر ايتندار الفرنسية الصنع بقصف ميناء النفط الايراني في جزيرة لاراك مقابل شبه جزيرة مسندم العمانية، وحين نجح الطيارين العراقيين بهذه المهمة الطويلة (مسافة طولها 1650 ميلا) ثار الحديث يومها عن أن العراق زود تلك الطائرات بالوقود وهي في الجو، لكن الواقع عكس ذلك، كان بود العراق ان يفعل ذلك، لكنه لم يستطع، صحيح جرت محاولة باستخدام طائرات ركاب كحاملات للوقود إلا أنها فشلت واضطرت الطائرات المقاتلة العراقية للتزود بالوقود في السعودية.
وأمريكا تعلم هذا الكلام علم اليقين، وتعلم أن المحاولة فشلت، والبنتاغون أصدر تقريرا بهذا، نشر حينها في مجلة تدعى ( aviation week).
فهم الملك فهد ما يرمي اليه شوارزكوف وقال: كنا نعتقد ان صدام حين رجل صادق ولقد قال لنا ولكم ولـ مبارك انه لن يهاجم الكويت وحدث العكس. لكن الواقع ان الرئيس صدام لم يقل ذلك الكلام ابدا.
ثم وصل فهد الى نقطة اساسية في حديثه فقال: اننا الان على بينة من نواياه، وطالما أن الاستعداد كاف والقوة متوافرة، فإننا فهي وضع يسمح لنا بدفع هذه العمليات العراقية وإنني لمتتن أن هذا يحدث.
وفهم جميع الحاضرين ما تعنيه تلك العبارات.
ثم راح شوارزكوف يتحدث بطريقة عسكرية عنيفة ومتعالية ومتغطرسة عما يسمى درجة استعداد القوات العراقية وحجم تسليحها وان قامة الجيش العراقي لاتصل الى عشرة اقدام !!!(تأملوا هذا الكلام الصادر من شخص يدعي انه لديه الكثير من العلوم العسكرية!!!) (ما الرابط بين استعدادات الجيش العراقي وبين قامة جنوده ؟؟؟)
ثم أكمل: ضباط الجيش العراقي لايستطيعون الحركة الا عندما يجيئهم الأمر، وسوف يكون اسلوبنا في التعامل معهم وفقا لما نقوله نحن العسكريين: اقطع الرأس وسوف تجد أن الجسد لايعمل.
(لن نغربل هذا الهراء السخيف من وجهة نظر عسكرية، لأن طفل عمره عشر سنوات يدرك ان هذا الكلام قيل وقتها للضحك على الذقون وهو يعتبر نوعا من الاستهتار بالمضيفين العرب).
ثم انتقل شوارزكوف الى القوات الامريكية المخصصة للخطة 1002-90، فسأله الامير عبد الله عن حجم الفرقة الواحدة في الجيش الامريكي، فأجاب شوارزكوف بأنها 18 الف جندي، وكان هذا يعني بحساب القوات المخصصة ان حجم الجيش المطلوب حشده واصل في شهور قليلة الى 250 الف جندي.
وهنا أدرك تشيني بأن السقف الذي كان يخشاه ( اي تحديد السعودية لعدد القوات) قد أمكن تجاوزه فتابع على الفور: تأكدوا أنه بعد 120 يوما نستطيع بمساعدة قواتكم أن نلقي بهم في بحر الخليج أو أي مكان تريدون، لكن لم يبدو على الامير عبد الله أنه انشرح كثيرا لهذا الكلام، فطلب الخرائط العسكرية التي تم ارفاقها مع خطة العمليات وتساءل قائلا:
ألا تلاحظون أن هناك فرقا بين الوضع الفعلي والوضع الفرضي للقوات العراقية هناك ؟
لكن تشيني تجاهل متعمدا الاجابة عن هذا السؤال وراح يعدد النقاط التي أكدها الرئيس بوش ومنها أن القوات ستعود الى بلادها حين زوال الخطر نهائيا..
فتنهد الامير عبد الله تنهيدة بصوت مسموع وقال: نأمل في ذلك.
ثم دارت مناقشات فرعية قال بعدها الملك فهد: يا معالي الوزير نحن موافقون على المبدأ والله يساعدنا على ان نقوم بالعمل الذي يلزم.
ثم استدار الى الامير عبد الله الذي كان متجهم الوجه وقال له: الكويتيون انتظروا طويلا والان لم يعد هناك كويت.
فرد عبد الله بعصبية ظاهرة: بل هي موجودة، ما يزال هناك كويت.
فقال فهد بهدوء: صحيح لكن جميع الكويتيون يعيشون عندنا في الفنادق.
ولم يقم بندر بترجمة ما دار بين اعمامه، ولكن السفير الامريكي فريمان الذي كان يتقن العربية فهم ما يدور بين الملك وولي عهده وقام بترجمة ذلك لتشيني فيما بعد.
ثم أخيرا قال الملك: المهم الان ان نحمي بلدنا بالتعاون مع الولايات المتحدة وقد فكرنا في دعوة بلاد عربية صديقة أخرى للاشتراك معنا ومعكم، وطبيعي القول ان هذه الفكرة لم تكن مفاجئة لتشيني، لكنه رد بالقول: انها فكرة رائعة وعقب الملك فهد بقوله: ان بعضهم اصدقاء لنا ولكم.
ثم اختتم الملك حديثه بالقول: انه يقدم شكره الجزيل الى الرئيس ونائبه والى كل الوزراء والى مجلس الكونجرس والى تشيني شخصيا، حيث انك جئت الى هناك بهدف واحد وهو هدف مساعدة المملكة واني ارجو ان تنتهي المشكلة في المنطقة بسرعة لكي أجيء اليكم في الولايات المتحدة وأقدم الشكر للجميع بنفسي.
ثم اضاف الملك فهد اضافة اخيرة وهي انه كان بوده أن يقوم معالي الوزير تشيني بجولة في المملكة ليرى حركة العمران والبناء، فنحن ال سعود استلمنا هذا البلد وهو صحارى وقفار وقد صرفنا عليه بلايين الدولارات لنجعله دولة حقيقية ولا يعقل أن نبني دولة ونتركها لصدام حسين.. لا اعرف لماذا احتل الكويت؟ نزعة العدوان والتسلط ؟ هو يظن أنه يعرف كل شيء..
لكن تشيني الذي كان يجلس مكرها في مجلس الملك، لم يكن على اي استعداد لان يهتم بأن يرى حركة عمران وغيرها فحسب، بل كان يريد المغادرة بأسرع وقت ممكن، لذلك اجاب الملك بأنه سوف يسافر في الصباح تاركا فريق العمل بعده في المملكة لكي يرتب اجراءات كثيرة من الضروري ترتيبها، فنصحه الملك فهد بأنه كلما قلل من حديثه الى وسائل الاعلام كلما كان هذا أفضل.
فتولى بندر توضيح هذه النقطة بقوله:
- ان المملكة بحاجة الى وقت ترتب فيه نفسها واصدقاءها ووسائل اعلامها قبل ان تظهر نتائج الاتفاق الى العالم، كما انه من المستحسن ان يكون الموقف العربي معدا لقبول النتائج التي اسفر عنها اجتماع تشيني مع الملك فهد.
- ان الفرصة يجب ان تعطى للحشد الامريكي لأن يتم بهدوء دون ان ينتبه صدام حسين (فهو ثعلب ماكر – حسب رأي صاحب السمو الملكي الامير بندر !!!!!).
عاد تشيني الى الفندق الذي كان يقيم فيه في جدة واتصل من هناك عن طريق شبكة خاصة ببوش الذي كان مجتمعا مع تاتشر (صاحبة اللسان السليط والتي لاتنتمي الى جنس الاناث بطبيعة الحال ولا تعي ماذا تعني كلمة أمومة) فطلب تشيني قطع الاجتماع وتوصيله بالرئيس، وفور أن سمع صوته قال له:
لقد وجه الدعوة الينا وقبل الخطة كلها.... هكذا قال،،،، بدون أن يذكر اسم الملك فهد مثلا، أو بدون أن يقول صاحب الجلالة وافق على خطتنا.... هكذا.... وجه الدعوة الينا..... وكأنه يتحدث عن شخص مجهول، لا عن ملك عربي يحكم دولة فيها اطهر مكانين في الدنيا.
فأجاب بوش: إنني سعيد للغاية ومارجريت هنا وهي سعيدة ايضا. فطلب تشيني تفويضا من الرئيس لاجل الخطوة الثانية، فأجابه بوش: لديك التفويض وسأوقعه حالا ولك أن تبدأ.
ثم اتصل تشيني بكولين باول واخبره بموافقة الملك فهد وما درا بينه وبين بوش وأنه كوزير دفاع عليه أن يبدأ التحركات.
وبدأت طلائع القوات الامريكية ترافقها الطائرات بالوصول والهبوط في قاعدة الظهران، وكتب بوش خطابا رسميا الى كل من رئيسي مجلس الشيوخ والنواب بتاريخ 9/8/1990 يخطرهما فيه بأنه أمر باستخدام القوات المسلحة الامريكية في منطقة الخليج ((الفارسي)) استجابة للدواعي التي نشأت بعد قيام العراق بغزو الكويت وانه يبعث بهذا الخطاب الى المجلس بروح التشاور والتعاون بين الفرع التنفيذي والفرع التشريعي في الحكومة الامريكية.
يجدر بنا ذكر هذه الحاشية،
ان الجنود الامريكيين (الغوغاء المرتزقة في معظمهم) لم يتصرفوا بروح الانضباط الكاف حين نزولهم في السعودية، فقد كتبوا بكل وقاحة ودناءة على بعض الطائرات التي تحمل الصواريخ عبارات موجهة بالواقع الى اهدافها تقول للعراقيين: نادوا على (( الله)) فإذا لم يستجب لكم نادوا على المسيح.. وبعضها يقول : نادوا على شوارزكوف.
على أن بعض الصحف السعودية او الموالية للسعودية كتبت المقالات تلو المقالات عن هذا الدنيء الصهيوني شوارزكوف وجعل البعض منه وكأنه امام الجماعة أو امام عصره في الزهد والورع والتقوى والتدين وأنه أحب الاسلام واعجب به وينوي الدخول في الدين الاسلامي .. وترهات وخزعبلات ما انزل الله بها من سلطان. شيء لايخطر على بال الاطفال.
سافر تشيني الى مصر، حيث طلب من حسني اعطاء الاوامر للسلطات المصرية بالسماح لعبور حاملة الطائرات ايزنهاور من قناة السويس. طبعا حكى لحسني مبارك ما دار اثناء اجتماعه مع فهد.
غادر مصر بعدها وفيما طائرته فوق ايطاليا تلقى أمر بالسفر الى المغرب للاجتماع مع الحسن، فعدل سيره الى الرباط واجتمع مع الحسن الثاني واطلعه على كل شيء، وابدى له الحسن استعداد المغرب الفوري لارسال قوات الى السعودية.
قبل أن نتحدث عن مهزلة القمة العربية التي شرعت العدوان الثلاثيني على العراق، نشير الى ان ياسر عرفات ومعه أبواياد نزلا في مطار جدة بنفس يوم وصول تشيني، وحين وصلا الى القصر الملكي في جدة كان الجميع مشغولين مثل خلية النحل، وحين سأل ياسر عرفات الذي بقي مع ابواياد ينتظران عن سر هذا الانشغال والحركة؟؟ قيل لهما ان هناك اجتماع بين جلالة الملك وتشيني الذي من المقرر ان يصل اليوم وان الملك يعتذر عن لقاء السيد عرفات.
هنا المح عرفات انه ينوي الذهاب الى النمسا للمشاركة في جنازة كرايسكي المستشار النمساوي الذي كان يؤيد قضايا العرب وبالذات قضية فلسطين، ففهم مسؤول المراسم في القصر الملكي الاشارة وغاب لدقائق ثم عاد ليقول ان جلالة الملك وضع تحت تصرفكم طائرة تنقلكم الى النمسا واهلا بكم غدا لمقابلة الملك.
عاد عرفات وأبواياد الى جدة ولكن على ما يبدو بعد فوات الاوان، فالوقت قد فات وتشيني لعب لعبته والصيف ضيعت اللبن.
وفي يوم 7 اغسطس وصل عزة ابراهيم الى القاهرة واجتمع على الفور مع حسني مبارك، وشرح له ظروف ما حصل، مبارك قال بعدها انه ابلغ عزة ابراهيم دهشته من هذا الموقف المتعنت، لكن هذا لم يحصل، فكالعادة بقي مستمعا لما قاله عزة ابراهيم الذي ذكر لحسني ان بوش لايخفي نواياه ضد العراق وانه من المستحسن الدعوة الى قمة عربية.
والواقع يقول، ان كل التحركات العربية بعد قدوم تشيني الى المنطقة باتت هباء منثورا، فلم تعد تجدي اي لقاءات بين الاطراف العربية ولم يعد ممكنا تحقيق أي شيء، لأن بوش قرر أمرا ما وقرر المضي في تنفيذه، لذلك باتت اللقاءات العربية الثنائية مضيعة للوقت اكثر منها فائدة او كما ادعو محاولة لحل الازمة.
فمن الذي سيحل الازمة ؟ هل حسني الذي اطلع من تشيني على الخطط الامريكية وبدا بإرسال القوات المصرية الى السعودية ام الحسن الذي نأى بنفسه عن كل شيء وقرر ايضا ارسال جنود الى السعودية ؟ ام دول الخليج التي استجارت بأمريكا على الفور.
في الواقع كانت جولة تشيني هي الجولة التي أجهضت كل حل عربي قبل أن يولد.
لذلك فإن الحديث عن حلول عربية واجتماعات عربية هي في الواقع مضيعة للوقت والجهد.
مؤتمر قمة القاهرة.
لو أراد من يكتب التاريخ أن يسجل جوابا على سؤال ما هو اسرع مؤتمر قمة عربي تم عقده لما اختار غير مؤتمر القاهرة الذي عقد في يوم 9/8/1990.
شيء أبعد ما يكون عن الواقع وأغرب من الخيال، لم يتفق العرب يوما على سرعة عقد أي مؤتمر قمة عربي كما اتفقوا على هذا المؤتمر، ولعله هو المؤتمر الوحيد الذي تم الاتفاق عليه بدون جدول أعمال وبدون تحضير مسبق كما العادة لوزراء الخارجية العرب، بل حتى بدون إرسال مبعوثين من رئيس المؤتمر،
على الهاتف والاذاعات تم التحضير لكل شيء.
السيد ياسر عرفات اطلق على هذا الاجتماع مؤتمر (قاتل وحدة العرب في القرن الواحد والعشرين).
تعالوا بنا لنرى كيف كان هذا الاجتماع من بداياته.
كان الشاذلي القليبي أمين عام الجامعة التونسي الجنسية في حيرة من أمره، فقد تم التحضير للمؤتمر من خارج هيئة الامانة العامة، فلا إعداد ولا أوراق ولا مشاريع ولا قرارات مطروحة للبحث، ونتيجة لهذا الاستعجال طلبت تونس دولة مقر الجامعة العربية تأجيل القمة لمدة يومين فقط كي يتسنى لهيئة الأمانة العامة مع وزراء الخارجية العرب تهيئة مخطط عمل تسير عليه القمة قبل أن تمسي كحاطب الشجر في ليل دامس، لكن الطلب التونسي لم يذهب أدراج الرياح فحسب، بل بدا وكأنه ليس هناك من يستعد لمناقشته. ومن هنا، اعتذرت تونس عن حضور القمة، فلم يبد أن أحدا انزعج لعدم حضورها.
بدأ توافد الزعماء العرب وباقي أعضاء الوفود على القاهرة صبيحة ذلك اليوم، وكان الجو قد أصبح خلال ساعات فقط متوترا، فقد شاعت اخبار الانتشار الامريكي في السعودية ووصول اسراب الطائرات المقاتلة وحاملات الطائرات والاساطيل والبوارج وتوافد الجنرالات الامريكيين الى الخليج، وبدا أن المنطقة مقبلة على حرب، وأن القمة العربية ليست إلا وسيط بين مرحلتين، مرحلة الحل العربي الذي تقرر دفنه قبل أن يولد، ومرحلة الحل الأمريكي الذي ولد فعليا في جدة وسمع صوته في أنقرة من خلال تصريح جيمس بيكر الذي قال فيه ( الولايات المتحدة تبحث مع تركيا وسيلة لتعزيز فاعلية القوات الأمريكية على أراضيها)
وهو التصريح الذي صب الزيت على النار. وما زاد الطين بلة هو تصريح جورج بوش الخطير في المؤتمر الصحفي الذي عقده في واشنطن صباح نفس يوم القمة والذي قال فيه عبارته المشهورة:
إنني رسمت خطا على الرمال، وسبب هذا التصريح حيرة كبيرة، فأين يقع خط الرمال هذا وما هو معناه وهل هي خريطة جديدة للمنطقة أم ماذا ؟ على أن خط بوش هذا على الرمال قد استكمل مسيرته مع بيكر في جبال الاناضول في تركيا.
وهذا ما أعطى انطباعا لبعض الوفود القادمة الى القاهرة بأن القمة العربية هذه المجتمعة انما هي اجتمعت في إطارهذا الخط الذي رسمه بوش على الرمال ومده بيكر الى الجبال وهو خط لايعرف عنه أحد ما فيه الكفاية ليتحدث عنه.
لكن بعض القادمين الى مؤتمر القاهرة قد عرفوا عن هذا الخط أكثر من غيرهم وأولهم هو الملك فهد، فقبل القمة بيومين تماما كان اجتماعه الحاسم مع ديك تشيني وزير الدفاع الامريكي (وقد تحدثنا سابقا عن هذا الاجتماع مفصلا) وقلنا فيه إن تشيني اطلع الملك فهد على الخطة 1002-90 وشاهد خرائطها وحجم القوات اللازمة لها، وأعطى موافقته عليها، ومن هنا بدأت طلائع القوات الأمريكية بالتوافد إلى السعودية، وبناء على موافقة فهد اصدر تشيني تعليماته من السعودية نفسها الى رئيس أركان الحرب في واشنطن كولين باول بالعمل على تنفيذ الخطة.
أما الملك الحسن ملك المغرب ولأنه كان على علم أيضا بهذه الخطة فقد آثر الابتعاد بنفسه وبأولاده عن حضور القمة العربية كي لايسجل عليه وعليهما أنه حضر مؤتمرا يقرر فيه المجتمعون المساهمة في تدمير بلد عربي. لذلك حين اجتمع المجتمعون في القاهرة كان البعض يعلم بهذه الخطة وعلى دراية بها والبعض الآخر لايدري لم هو موجود هنا أصلا، فهو في واد والناس الباقين في واد آخر، وكان هناك فريق ثالث من العرب ساورته الشكوك ولم يكن أمامه من وسيلة لقطع الشك باليقين.
حين وصل الوفد العراقي برئاسة طه ياسين رمضان الى القاهرة بدأ الاشكال والتوتر، فقد أنزل المصريون الوفد العراقي في بيت للضيافة يدعى قصر الاندلس وهو بعيد عن مقر تواجد باقي اعضاء الوفود العربية الأخرى، اي بعبارة أخرى عزلت مصر حسني مبارك الوفد العراقي عن باقي الوفود العربية كي تمنع اي اتصال بين العرب وبين العراقيين، والامر ليس بحاجة لكثير من الذكاء ليعرف المرء أنها كانت تعليمات أمريكية.
وحين سأل طارق عزيز: لماذا ننزل في احد قصور الضيافة ولا ننزل في مع باقي الوفود في نفس الفندق ؟ كان الجواب السخيف الذي تلقاه هو:
ان الوفد العراقي يواجه مشكلة أمن تجعل حالته مختلفة عن حالة بقية الوفود، فقال طارق عزيز (الذكي) هل المقصود حمايتنا أم عزلنا، اذا كان الامر يتعلق بالحماية فنحن مستعدين ان نتحمل مسؤولية انفسنا ولكم ان تتركونا لقدرنا ونحن نثق بالشعب المصري،
فقيل له: ان المشكلة ليست الشعب المصري فالقاهرة صار فيها عشرات الالوف من الكويتيين.. لكن طارق عزيز لم يقتنع واعتبرها محاولة لعزل الوفد العراقي تحول بينه وبين الاتصال ببقية الوفود. وكان تفكيره سليما.
ثم ما لبث أن حدث اشكال آخر، فحين تقرر عقد لقاء بين الوفد العراقي وبين حسني، تقرر استبعاد طارق عزيز من هذه المقابلة، فقال طارق عزيز:
نحن جئنا كوفد واحد ومن الضروري ان نقابل الرئيس كلنا وانا اعتبر نفسي صديقا للرئيس مبارك، لكن الرد من الرئاسة المصرية كان حاسما باستبعاده، فعلق قائلا لبعض أعضاء الوفد العراقي (لا اعتقد انني سأموت اذا لم التق حسني مبارك)، وحتى انه لم يجد حرجا من أن يسمع هذا الكلام لمضيفيه المصريين، على مبدأ اللي باعك بيعه.
وشغل نفسه بالاتصال بالشاذلي القليبي أمين عام الجامعة ليسأله عن موعد الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية العرب الذي يجب ان يسبق القمة ويمهد لها، ولكنه فوجيء برد القليبي انه ليس هناك اجتماع لوزراء الخارجية وانه هو نفسه يحاول الاتصال بالوفد المصري باعتباره ممثل الدولة المضيفة لكي يسأل نفس السؤال.
اختصر طارق عزيز المسافة واتصل بالوفد المصري الذي رد عليه: ان الموقف معقد جدا وبلا سابقة وانه ليس هناك اجتماع لوزراء الخارجية وان الازمة بمجملها ستعرض على الملوك والرؤساء ليروا رايهم فيها، فرد طارق عزيز انه لم يعرف من قبل في السوابق الدبلوماسية أن مؤتمرا على مستوى القمة اجتمع دون ان يسبقه ولو بساعات اجتماع لوزراء الخارجية يتفق على مشروع جدول أعمال وعلى مشروعات قرارات.
وكان الرد عليه ان الظروف الاستثنائية تفرض أوضاعا استثنائية، فاجاب ساخرا: اذا استثنائيا سجلوا احتجاجي الاستثنائي على هذا الوضع الاستثنائي.
وكان الذي دعا طارق عزيز الى هذا القول ما تناقله البعض في مؤتمر القمة هذا من خبر يقول ان اذاعة اسرائيل تندد بالغزو العراقي لدولة الكويت (( الشقيقة)).
عندما اجتمع حسني مع السيد طه ياسين رمضان (اكثر المتشددين بين اعضاء القيادة العراقية) قال له طه ياسين رمضان: ان دولا عربية معينة قد تجاوزت حد الامان وتورطت مع الامريكيين بغير عودة، ونحن نثق بك يا سيادة الرئيس وان كنا قد فقدنا الثقة بالاخرين. ثم بدأ يشرح حال الازمة وما تقوم به الكويت وما اكتشفه رجال الجيش العراقي من وثائق تدين الكويت وتثبت تآمرها ليس على العراق فحسب، بل على كل العرب.
كالعادة، خرج حسني بعدها ليقول في خطبه التهريجية السخيفة التي كان يلقيها بمناسبة وبدون مناسبة ان طه ياسين رمضان اخبره ان اجراء ضم الكويت نهائي ولا رجعة فيه، وأن الوفد العراقي قادم الى القمة لمناقشة الاوضاع العربية بمجموعها وليس موضوع الازمة وحدها.
وهذا كذب في كذب، فلم يحدث انه قال طه ياسين رمضان هذا الكلام ابدا. وغني عن القول ان حسني مبارك اظهر عداوة للعراق في تلك الازمة لاتقل عن عداوة اسرائيل نفسها.
كان الشاذلي القليبي حائرا لايدري ماذا يفعل، واذا به يلتقي بسعود الفيصل الذي سلمه ورقة راجيا منه طباعتها بواسطة سكرتارية الامانة العامة وتوزيعها على الاعضاء، ولأن الوقت كان ضيقا فلم يشغل نفسه بقراءتها واعطاها لأحد مساعديه من اجل طباعتها، فعاد المساعد بعد دقائق ليقول له ان هناك مشكلة في النص، فالنص المكتوب في المذكرة يقول في البند السادس منه:
ان القمة تقرر الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى بنقل قوات عربية لتنضم الى القوات المسلحة الموجودة فيها دفاعا عن أراضيها وسلامتها الاقليمية ضد أي عدوان خارجي، وكانت العبارة التي أقلقت مساعد الأمين العام هي (القوات المتواجدة فيها) وكان رأيه انه الان لاتوجد الا قوات امريكية تم الاعلان عن نزولها في السعودية، فهل القوات العربية ستنضم الى القوات الامريكية؟
فراح الشاذلي القليبي يبحث عن سعود الفيصل ليشرح له المشكلة، ففطن الوزير السعودي لهذه الغلطة وقال: اذا نعدل العبارة لتصبح لمساندة قواتها المسلحة بدلا من الانضمام الى القوات الموجودة فيها.. شكرا معالي الامين العام انك نبهتني الى هذه الغلطة !!!!..
لكن على من هذا.. لقد أكد الجميع أنهم تلقوا قرارا مترجما من اللغة الانجليزية الى العربية وأكد هذا الكلام جميع أعضاء الوفد الفلسطيني بما فيهم السيد ياسر عرفات ثم اعضاء الوفد الاردني واربعة وفود عربية أخرى !!!
كان النص قادما من واشنطن الى السفارة السعودية في القاهرة الى جهات معينة في الحكومة المصرية نفسها، فتم التنسيق بين الحكومتين السعودية والمصرية وتمت ترجمة القرار على عجل وتوزيعه على الوفود العربية.
وزعوا القرار الامريكي للتصويت في مؤتمر قمة عربي يفترض فيه أنه اجتمع لحل أزمة، تكهرب جو المؤتمر، واقبل طارق عزيز على الامين العام يسأله عن مصدر هذا القرار؟
فأجاب الشاذلي انه لايعرف ولكنه يظن انه وضع كمشروع بالتشاور بين سوريا ومصر والسعودية وبعض دول الخليج، فرد طارق عزيز بغضب وبصوت مرتفع:
وهل يمكن أن يعرض على القمة مشروع قرار لاتشارك في وضعه الا مجموعة قليلة من الدول، ان العراق يطلب رسميا اجراء تحقيق فيما حدث،
فرد القليبي: من الافضل ان تتفاهم الوفود مع بعضها مباشرة دون داع لتوريط الامانة العامة التي لاتملك اي سلطة عليها.، ثم اضاف بمرارة : ومنذ متى كانت للجامعة العربية سلطة على الاعضاء ؟؟
لن نتحدث عن هذا القرار السخيف جدا والتافه جدا لأن الحديث عنه يعتبر ايضا مضيعة للوقت. ولانه دار حديث طويل بين اعضاء الوفود حول فقراته وحول كل بند من بنوده التي اتضح لبعض المستشارين المشاركين للوفود العربية ان كل بند منها يحمل لغما بحد ذاته. حتى ان العقيد القذافي لم يخف ما بصدره فقال بصوت مرتفع فيما بعد عند التصويت عليه امام الزعماء:
اذا هذا ما يريدون منا ان نختم بأصابعنا عليه.. ثم توقف امام الشيخ زايد رئيس الامارات قائلا: لماذا لاتختصرون الطريق وتطلبون من اسرائيل حمايتكم بدلا من الامريكان.
وصارت حالة فوضى عارمة بين الوفود اختلط فيها الحابل بالنابل، زعماء مع مستشارين مع وزراء مع ضباط حراسة وصحفيين وموظفو الجامعة وحتى الخدم والسفرجية فقد اتيح للجميع ان يروا العرب على حقيقتهم وكيف يتصرفون في اجتماعاتهم.
بعد جهد جهيد أمكن لم الجميع الى الاجتماع الذي بدأ عند الساعة الحادية عشرة والنصف بخطاب لحسني قال فيه انهم يطالبون بانسحاب الجيش العراقي من الكويت واحترام حقوق الشعب الكويتي واعادة الحكومة الشرعية التي كانت قائمة.
انفض الاجتماع وذهب المجتمعون لاداء صلاة الجمعة.
بعد الصلاة اتفقوا على ان يعقدوا اجتماعا مغلقا وبنفس الوقت كان وزراء الخارجية ينتظرون في قاعة أخرى.
هنا سرت في أرجاء المؤتمر الكثير من الشائعات والقيل والقال وان مشاجرة حصلت ودماء سالت وان طارق عزيز ضرب بنعاله صباح الاحمد والكثير من هذا الكلام.
لم يحدث هذا ابدا والعراقيون ارفع من ان يقوموا بهذا العمل، الذي حصل انه حين دخل طارق عزيز الى الغرفة المتواجد فيها وزراء الخارجية، اتخذ مكانه بجوار سعود الفيصل الذي تحدث معه بطريقة غير لبقة ابدا ولاداعي لها قائلا:
هل أسلم عليك أو لا أسلم ؟ خاطبه بطريقة وكأن طارق عزيز سيخسر الدنيا اذا لم يسلم عليه، فأجاب طارق: بالنسبة لي لم يتغير شيء، فرد سعود: بالنسبة لي تغير كل شيء، فرد طارق: انت حر، على الاقل نحن عرب ولنحتفظ بالصداقة كبشر طالما قررتم الوقوف بجانب الطرف الآخر رغم انكم تضررتم منه،
ثم ما لبث ان روى بعضا من المؤامرات على العراق، فتدخل صباح الاحمد قائلا:
انا الذي يقال عني عميل يا اخ طارق ؟ فرد طارق عزيز: والله لم نقل هذا ولسنا نحن الذين قلنا، بل قالتها الاوراق التي وجدناها عندكم والتي تقول بتآمركم على كل العرب وليس على العراق وحده،
فوجدها صباح الاحمد اهانة وهم مسرعا بالخروج من القاعة ولم يلحظ ان هناك بابا زجاجيا امامه فاصطدم به بعنف بسبب سرعته فسال الدم من انفه على الفور، واسرع بعض من كان معه يحاولون اسعافه والبحث عن طبيب يعالج حالته.
هذا الذي حدث، أما القصص الملفقة والتي قالت عن تضارب بالصحون والملاعق والسكاكين، فهذا لم يحدث ابدا. والأمر نشر في بعض الصحف المصرية الصفراء (ذات التوجهات المشبوهة) التي زادت في الموضوع والفت القصص والروايات الغريبة.
ثم دخل الزعماء على الجلسة على مضض والجميع على اعصابهم، وقد ترجى حسني الجميع ضبط الاعصاب وأعطى الكلمة للسيد طه ياسين رمضان، الذي بدأ الحديث شارحا وجهة النظر العراقية مركزا على ضلوع الحكم في الكويت بالتآمر مع الولايات المتحدة الامريكية وان العراق لو لم يتحرك لكانت المؤامرة قد وصلت لأخطر مراحلها، ثم تحدث عن اهدار الثروة بينما الامة تعاني الفقر والحرمان واشار الى التحركات العسكرية في المنطقة والحشودات الامريكية في السعودية، ثم تلا بعض ما اكتشفه رجال الجيش العراقي من وثائق تدين اسرة الصباح وتفضحهم.
ثم جاء دور سعد للرد على هذا الكلام (كان جابر قد غادر المؤتمر تاركا لسعد مهمة رئاسة الوفد، ولانه كان مدركا ان المؤتمر مضيعة للوقت وان الامر بات بيد أمريكا)، فأبدى دهشته من قيام العراق بغزو الكويت قائلا انه في محادثات سابقة مع عزة ابراهيم ابدى استعداد الكويت لشطب ديون العراق بشرط عدم الاعلان عن ذلك وان عزة ابراهيم ابدى سعادته لذلك وانهما اتفقا على ابلاغ الرئيس صدام سوية بهذا الامر (هنا تدخل احد اعضاء الوفد العراقي وهمس في اذن طه ياسين رمضان ان هذا الامر غير صحيح ابدا)
ثم تحدث عن طلب العراق تأجير جزر وربة وبوبيان وقال ان الكويت اعتذرت عن تأجيرها لأن ذلك يعني انها ستعتبر في حالة حرب مع ايران لو أجرت الجزر للعراق لاسيما وان ايران ايضا طلبت استئجار الجزر.
طبعا لم يفت طه ياسين رمضان ان فند بسرعة وبدون انتظار اذن الكلام من رئيس المؤتمر ما قاله سعد، بأن موضوع الديون غير صحيح، وانه غريب ان تطلب ايران اسئتجار الجزر من الكويت ولماذا لم تخبر الكويت العراق بهذا الأمر ايام الحرب.
جاء دور الشاذلي بن جديد الذي اشار الى التحركات العسكرية مطالبا بإيجاد وسيلة عربية لحل الازمة والا فإن العرب يكونون قد ضيعوا كفاح اجيال من شعوبهم التي قضت عمرها في محاربة الاستعمار.
ثم جاء دور الاسد، فقال ان المؤتمرين يجب ان يفرقوا بين السبب والنتيجة، فإذا كان هناك احتمال لتدخل عسكري اجنبي في المنطقة فإن غزو الكويت هو الذي تسبب بالازمة.
ثم جاء دور الرئيس عمر البشير فأبدى مجموعة ملاحظات طويلة مختصرها أن وجود القوات الامريكية والاجنبية في المنطقة العربية هو أكبر خطر على الامة العربية حاليا، فانبرى له على الفور فهد مقاطعا اياه وقائلا:
ان الاخ السوداني لايعرف ماذا يتكلم وكلامه مليء بالخلط وأنا أتعهد أمامكم بأن القوات الموجودة في السعودية لن تقوم بأي عمل هجومي على العراق ولن تتحرك خارج حدود المملكة وهي موجودة فقط للدفاع عنها!!!!!!
ليتأمل القاريء العربي هذا الكلام الذي ورد على لسان خادم الحرمين الشريفين وليحلله بينه وبين نفسه:
القوات الاجنبية لن تقوم بأي عمل هجومي على العراق.. وهي موجودة للدفاع عن المملكة فقط.
ياله من تعهد ملكي (كما قال الاستاذ حمدان حمدان في كتابه الخليج بيننا قطرة نفط بقطرة دم) حين يصل الامر الى درجة تقطيع العراق خلال الهجوم البري مع مائتي الف شهيد عراقي وحمولات طائرات وصلت الى 120 الف طن من القنابل فوق العراق.
جلالة الملك فهد لم يقل لنا دفاع ضد هجوم ممن ؟ من اسرائيل مثلا ؟ أم من الجن والشياطين.. والايام القادمة كلها وحتى يومنا هذا اثبتت عكس هذا الكلام تماما.
وربما علينا أن نعود قليلا بالذاكرة الى الوراء والى ما حصل في مؤتمر القاهرة الاخير عام 2003 من ملاسنة ومواجهة بين الامير عبد الله ومعمر القذافي حول تواجد هذه القوات.
ثم أثناء المؤتمر حصلت واقعة من أسخف ما يكون، وهي توجه سعود الفيصل الى عمه فهد يطلعه على ورقة تقول بأن هناك نداء عراقي بالثورة على ال سعود وبنفس الوقت نداء للشعب المصري بالثورة على حسني مبارك ومنع مرور حاملات الطائرات الامريكية عبر السويس، فطلب منه فهد بعد قرائتها التوجه بها لحسني لاطلاعه عليها ففعل سعود ذلك.
وهو أمر غير صحيح على الاطلاق وكذبة سخيفة من كذبات المؤتمرين والمتآمرين على العراق
ثم علت الاصوات والمناقشات الصاخبة من جديد، وكان هناك اقتراح من ياسر عرفات (الذي تجاهله معظم الزعماء العرب ولم يردو حتى على سلامه، وأعرضوا عنه كي يتفادوا النقاش معه)، قال عرفات: انني اقترح أن تشكل لجنة وساطة من خمس دول هي: الاردن ومصر واليمن والجزائر وفلسطين وتتوجه الان الى بغداد..
فرد مبارك بحدة: التزم بجدول الاعمال فالوقت يداهمنا.. وانا لن اقوم بمثل هذه الوساطة.. لقد خان صدام ثقتي به.. المهم حان وقت التصويت يا أبو........ (متجاهلا عمدا لفظ اسمه المعروف أبوعمار...) (ذكر هذه الواقعة الاستاذين محمد حسنين هيكل - أوهام القوة والنصر- وحمدان حمدان – الخليج بيننا -).
فأجاب عرفات بذهول: بس أنا ما قلتش حاجة ؟؟؟ فتدخل أحد أعضاء الوفد الفلسطيني قائلا : لنبقى أخوة..
فأجاب حسني بتوتر وعصبية: هكذا نحن لننتقل الى التصويت..
فاعترض عرفات مرة ثانية قائلا لحسني : عليك أن تذهب أنت الى بغداد..
فرد مبارك بعصبية ظاهرة : مش مستعد روح بغداد عاجبك ولا إيه ؟؟
ثم التفت الى الشاذلي بن جديد قائلا: هل الاخ الرئيس مستعد للذهاب الى بغداد ؟ فرد الشاذلي: افضل ان يذهب غيري وحين سأل حسني حسين عما اذا كان مستعدا؟ اجاب حسين ذهبت كثيرا الى بغداد وربما افضل لو يذهب غيري.. ثم رفع الملك فهد يده محتجا على الفكرة من اساسها.
ثم قال حسني: ان الموضوع خطير والظرف هو طرح القرار للتصويت، فارتفعت أصوات في القاعة تطالب تأجيل طرح التصويت لاتاحة الوقت لمزيد من المناقشات، فقال في صفاقة: انه لايسمع مناقشات بل مهاترات، وأنه كرئيس للجلسة سيطرح الموضوع للتصويت، وطلب من الموافقين على مشروع القرار رفع ايديهم.
عد حسني الايدي المرفوعة ثم قال: حداشر ( أحدى عشر) أغلبية موافقة، ثم أضاف:
ترفع الجلسة وقام من مقعده يريد الخروج، فعلت الاصوات تطالبه بالعودة وانفعل ياسر عرفات قائلا:
ان التصويت غير دستوري.. فرد عليه مفيد شهاب القانوني المصري الذي يضع إذن الجرة حيث يشاء مالكها: لا انه دستوري وهذا اختصاصي وانا اعرف ما اقول، فرد عليه عرفات منفعلا وصارخا: انكم عملاء..... جميعكم عملاء...... فرد شهاب: ابحث عن العملاء عندكم وليس عندنا.
كان القذافي منفعلا جدا، وحين اقترب حسني منه قال له محتجا وبلهجة حانقة: لماذا لم تعطني الكلام، كل مرة كنت اطلب الكلام تتجاهلني، لماذا كنت مستعجلا على القرار.. ان قراراك هذا غير شرعي.. فرد مبارك بوجه ممتقع: انتبه لملاحظاتك.. لاتتهمني..
كان الموافقون على القرار في النهاية هم : خمس دول في الخليج، سوريا، لبنان، مصر، المغرب، الصومال ، جيبوتي (والدولتين الاخيرتين بالواقع تحدث عنهما احد المحللين السياسيين العرب في وقتها واسماهما (الدول التي تعيش على مساعدات عرب النفط والخاضعة لهم).
والمعارضون والممتنعون والمتحفظون على السواء هم : العراق – اليمن – الاردن – السودان – فلسطين – موريتانيا - الجزائر- ((تونس وعمان غائبتين.)).
اذا،، انتهت القمة، وانتهى اجتماع المؤتمر الذي شرع العدوان الامريكي على العراق، وراح كل في حال سبيله.
فعرب أمريكا، فرحوا لهذا المؤتمر الذي ختم على بياض بأن الحل والعقد وأوراق اللعبة صارت كلها بيد أمريكا، والعرب المتعاطفون مع العراق (والرافضون بنفس الوقت غزو الكويت)، كانوا حزينين لأجل ما هو مخبأ ولأجل القادم الاسوأ.
وبدأ توافد القوات العربية اكثر واكثر على السعودية وبعض دول الخليج، ففي البداية ارسل حسني ما يقرب من ثلاثة ألاف جندي ما لبث العدد أن ارتفع الى ستة وثلاثين الف جندي، في حين بلغ عديد القوات السورية خمسة عشر الف جندي، وبلغ عدد قوات المغرب الف وثلاثمائة جندي ليصل عدد القوات العربية في النهاية الى 60 الف جندي عربي لمواجهة جيش عربي، عدا عن عشرة الاف جندي من دول التعاون الخليجي، واللافت للنظر ان القوات الامريكية بدأت بطلاء طائراتها الضخمة بألوان تناسب الصحراء وسمائها كما تم تبديل الرموز والاعلام والارقام لغايات تضليلية.
الزبير
25-08-2004, 07:41 AM
الأزمة من ناحية أخرى
الناحية العربية في دول الخليج
كان العراق قد ايقن بأن تصعيد الاوضاع باتجاه المواجهة هو الغالب في مسار الازمة، فبعد انسحاب الوفد العراقي من مهزلة مؤتمر قمة القاهرة (الذي اعطى الضوء الاخضر للعدوان) تبدلت لهجة بغداد ولم يعد أمامها من خيار سوى التصعيد مقابل التصعيد، ولم يكن العراق على أية حال يملك الكثير من الاوراق في هذا المجال فهناك جيش العراق الذي سيقف وحيدا في المواجهة التي فرضت عليه، وبدأ راديو بغداد يذيع النداء تلو النداء لتحريك مواقف الشعب العربي.
هنا ارسل الرئيس صدام نداء...... وليس من قبل كما زعموا في مهزلة مؤتمر القاهرة!!!!!!! فأذاع راديو بغداد رسالة من الرئيس صدام تنادي المسلمين بانقاذ مكة المكرمة وقبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت إحدى فقرات النداء لافتة للنظر في مضمونها، إذ جاء فيها:
أيها العرب... أيها المسلمون في كل مكان، لقد زاد فهد وحسني ومن والاهما من أصحاب السوابق الشريرة والدنيئة ظلما على ظلمهم السابق عندما لعبا دور ابي رغال الذي كان دليل ابرهة الحبشي على الطريق الى مكة المكرمة قبل الاسلام وهزمه الله بطير ابابيل وبحجارة من سجيل، بل ان دور ابي رغال كان اقل مرتبة في السوء من دورهم، عندما استقدموا جيوش الغزاة التي احتلت ودنست اراضي مقدسات المسلمين والعرب، فحق علينا جميعا الجهاد المقدس لنخلص الحرمين الشريفين من الاسر والاحتلال بعد أن خان من سمى نفسه خادمها، وان اخوانكم في العراق لن يهدأ لهم بال حتى يرحل مختارا مطرودا آخر جندي من جنود الاحتلال عن ارض العروبة في نجد والحجاز...
واننا نناشد كل العرب ان يعمل كل حسب مقدرته وما يستطيع بضوء أحكام الله ومقدسات الجهاد والنضال ضد هذا الوجود الكافر المحتل وأن يفضح من غير تردد وبكل الوسائل مواقف الخونة ومن والاهم على الفساد والظلم... ونهيب شعب الحجاز الصابر المبتلى وشعب نجد والمنطقة الشرقية المظلوم ومكة والمدينة وحائل والرياض وشعب الكنانة في مصر العزيزة وكل أبناء أمتنا... أن يثوروا ضد الخيانة والخونة وان يثوروا ضد الاحتلال الاجنبي الكافر لارض مقدساتهم واننا معهم والاهم ان الله معهم.
الحقيقة ان مثل هذه النداءات لم تحرك الشعب العربي المعني بها كثيرا وان حركت جماهير العرب في كل من عمان والقدس وبعض دول المغرب العربي وحتى في لبنان خرج المتظاهرون تأييدا للعراق عند بدء العدوان وحتى في سوريا في المناطق المحاذية للحدود مع العراق.
لماذا لم تترك تلك النداءات اثرا على الشعوب المعنية بها؟؟
لأن الاعلام في تلك الدول جيش كل طاقاته وكل ما يملك ضد العراق وضد الرئيس صدام حسين شخصيا، فبدأت المقالات والتحليلات والمقابلات والفذلكات والفلسفات تتوالى من كل حدب وصوب، وصارت سيرة العراق والرئيس صدام على لسان (اللي يسوى واللي ما يسواش – على رأي المثل المصري)
واخترعت الاكاذيب والاقاويل التي لاحصر لها، بعضها لايدخل في عقول الاطفال، وبعضها لايستحق حتى القراءة، ووصل الاعلام العربي الى الحضيض في تلك الفترة، انحطاط ما بعده انحطاط ووضاعة لايجاريها وضاعة وسفالة وقذارة تجعل الحليم حيرانا.
الان، وبعد أن تأكد للجميع أن القوات الامريكية صارت بالمنطقة وانتشرت بكثاقة، استقوى المستعربين على العرب، وتطاولت السخال على النمور، وتجرأت الغربان على الطيران بوجه النسور، فانقلبت لهجة الاعلام العربي ليس مائة وثمانين درجة، بل ثلاثمائة وستون درجة، فتذكرت وسائل الاعلام ان طارق عزيز مسيحي، والان فقط تذكرت ان اسم والده حنا، والان تذكرت انه غير مسلم، والان تذكرت ان صدام حسين ينتمي الى تكريت، فصار اسمه صدام التكريتي، والان صارت تعزف على وتر كردي وعربي وسني وشيعي، وياسبحان الذي يغير ولايتغير، فقبل مؤامرة مؤتمر القاهرة، كان كل شيء شبه طبيعي، وبعد المؤامرة اياها انقلب الحال، فصار يطلق على طارق عزيز اسم طارق حنا، وصار اسم الرئيس صدام حسين، هو صدام التكريتي، وهلم جرا...
هناك مثل لدى اخواننا المصريين يقول : اللي معاه قرش ومحيره يجيب حمام ويطيره، وعلى نفس هذا المبدأ، صار أي صحفي أو اعلامي أو اي برنامج تلفزيوني ليس لديه أي موضوع يجذب الناس، وليس لديه ما يستقطب به الجماهير، فإنه لم يجد أمامه إلا العراق والرئيس صدام حسين مادة دسمة وصيد ثمين للكتابة أو الحديث عنه ما يقرأ وما لايقرأ وما يرى وما لا يرى.
اذكر أنا العبد الراجي عفو الله، ان القطعة التي كنت أؤدي فيها خدمة العلم كطبيب ارسلتني الى قطعات أخرى موقعها في مناطق مجاورة للحدود السعودية (وليس على الحدود السعودية) حيث كان بالامكان التقاط التلفزيون السعودي، فتحت في إحدى الامسيات لأتفرج على ما يقدم من برامج، واذا بي أمام مهزلة والله لم ار الى الان في حياتي مهزلة مثلها....
مذيع يجري مقابلات في الاسواق مع مواطنين سعوديين يسألهم رأيهم فيما حصل، ويسألهم هل ما فعلته (حكومة خادم الحرمين الشريفين في استعانتها بالاصدقاء لصد هجوم صدام حسين صحيح أم لا ؟؟ وهل تؤيد الحكومة( أيدها الله (في عملها ؟؟).
تأملوا السؤال ؟؟ صد هجوم من صدام حسين ؟ كانت اجوبة المواطنين تثير الغثيان.. فهذا يقول مخاطبا الرئيس صدام : يا كلـ.... انت احتليت الكويت.. شنو تريد من السعودية؟؟؟ والثاني يصف الرئيس صدام بابن الحـ .. والثالث بالوغـــ والرابع بـ ... أوصاف يعجب المرء من صدورها من أناس يجاورون اقدس مكان على الكرة الارضية، مكة المكرمة، اكثر من هذا.. ان البرنامج نفسه كان ينتقل من مذيع إلى آخر وكل واحد يغطي منطقة من مناطق السعودية، فهذا في مكة والثاني في الرياض والثالث في جدة والاخر في المدينة وهكذا.....
ناهيك عن أن الدولة السعودية وبقية دويلات الخليج جيشت المواطنين لديها وجعلتهم يتطوعون للدفاع عن بلادهم، فصرت ترى التدريب والبنادق وابناء المدارس والعلماء والموظفين وكل فرد صار يريد التطوع عن بلده ضد صدام حسين!!!!! حتى المقيمين في تلك الدول ابدوا استعدادهم للتطوع وللدفاع... ففي سبيل الدولار والدرهم والدينار بات كل شيء ممكن......
وبدأت الفتاوى تظهر من هنا وهناك بوجوب الاستعانة بالكافر لصد صائل على ديار الاسلام، واخترع الفقهاء والعلماء مختلف المسميات في سبيل استقدام القوات الامريكية والبريطانية وغيرها فيما عرف وقتها بقوات التحالف.
وتقريبا كان ما حدث في السعودية من مثل تجييش الشعب والاعلام بنفس الوقت ضد العراق والرئيس صدام حسين، قد حصل في كل دول الخليج، واقع كاذب عاشه اهل الخليج بعد دخول القوات العراقية الى الكويت، أثرت عليهم الماكينة الاعلامية الامريكية وأثر عليهم حكامهم الذين يعتبرونهم وكأنهم شيوخ قادمين من السماء لايخطئون ولايتحدثون الا الحكم والنصائح السديدة الثاقبة !!!! فصار اي خطأ ينسب الى العراق، واي مشكلة تنسب الى العراق وكأن العراق صار سبب كل كارثة ومصيبة.
في سوريا، لم يستطع المواطنون تقبل فكرة العدوان الامريكي الغربي على العراق وخرجت بعض المظاهرات في المدن السورية المجاورة للحدود العراقية انكرتها الحكومة في البداية ثم ما لبثت ان اعترفت بها، على ان وسائل الاعلام السورية بعد بدء العدوان على العراق انقلبت وصار حالها حال وسائل الاعلام العربية الاخرى الموالية للبترودولار.
ولعل مرد ذلك ان السوريين كانوا يعانون من عزلة دولية فرضتها عليهم مشكلة طائرة العال الصهيونية التي كانت ستنفجر في لندن في العام 1986وما صاحب تلك المشكلة من قطع للعلاقات مع بريطانيا وعقوبات دبلوماسية ضد سوريا، فجاءت هذه الازمة واعادت سوريا الى المجتمع الدولي. حيث ان اسرائيل في ذلك الوقت اتهمت سوريا بمحاولة تفجير الطائرة وسارت بريطانيا في ركب الصهاينة وايدوهم وقطعوا العلاقات مع دمشق بحجة دعم سوريا للارهاب.
في لبنان، كان لبنان يعاني من مشكلة وجود حكومة برأسين كل منها يدعي الشرعية، فحكومة العماد ميشيل عون العسكرية والذي كان متحصنا في قصر بعبدا وقف اعلاميا مع العراق بحكم العلاقة التي كانت قائمة بين العماد عون وصدام حسين الذي أمده بالمال والسلاح، إلى أن جاء يوم 13/10/1990 وهو اليوم الذي اقتحم فيه الجيش السوري بالتعاون مع بعض وحدات الجيش اللبناني مقر العماد عون منهيا ما يسمى التمرد العسكري بوقتها ومعيدا السلطة الى الرئيس المنتخب الياس الهراوي.
بعض الصحف اللبنانية كانت مؤيدة بالكامل لوجهة النظر العراقية، والبعض الاخر الذي كان يتلقى الدعم من دول النفط كان مع الطرف الاخر، على انه خرجت بعض المظاهرات في المخيمات الفلسطينية تؤيد العراق وترفع صور الرئيس صدام حسين.
في الاردن، كان الاردن بالكامل مؤيد للعراق وضد العدوان الامريكي عليه، ولكن بنفس الوقت ضد غزو الكويت، اذ انه نتج عن هذا الغزو ترحيل ما يقرب من ثلاثمائة الف مواطن اردني من الخليج نكاية بموقف الملك حسين الذي اعتبره بعض الشيوخ والحكام انه مع صدام، وبالواقع هو ليس مع صدام، فهو ضد الغزو وبنفس الوقت ضد الاستعانة بأمريكا لحل هذه الازمة.
تم ترحيل مواطني الاردن من معظم دول الخليج وانهاء عقود عملهم، فرحلوا بشكل جماعي فيما سماها الملك حسين نفسه وقتها الهجرة الثالثة، وكان يشير بهذا الى الهجرة الاولى لاهل فلسطين عند قيام الكيان الصهيوني، ثم الهجرة الثانية عند احتلال الضفة الغربية والقدس، والان الهجرة الثالثة على يد ابناء العمومة وذوي القربى.
في مصر، كان موقف الشعب المصري متموجا، فبعض المنافقين والموالين للحكومة العميلة والدولار، وقفوا بجانب حكومتهم، وصار العويل والضجيج وتأليف المسلسلات والشعر (المنافق الهزيل الذي وضع النقطة على غير مكانها) والكتابات الصحفية التي جعلت من العراقيين وكأنهم شياطين حمر هجموا في ليلة ظلماء على بلد وديع مسكين اهله من الملائكة والاولياء والصالحين، حتى انهم ألفوا مسرحية اطلقوا عليها اسم (الليالي المحمدية) اختلطت فيها النساء السافرات بأشباه الرجال، وصاروا يقولون فيها الأناشيد المخلوطة بالاغاني والرقص والتمايل،
كلمات وطلاسم تحتاج الى كل قواميس اللغة العربية لفك معانيها وترجمة مبانيها، المهم انه فيها بكاء وعويل ونحيب والحسين ويزيد والممثلة سعاد عبد الله ومعها بعض الماجنين من الخليط العجيب الغريب، حتى ليقول المرء هذا المثل المشهور ( شنو اللي لم الشامي على المغربي).... ((((المهم ضحكوا على الكويتيين وشفطوا منهم بعض الدولارات)))).
في اليمن، كان اليمن ايضا من الدول التي تضرر مواطنوها في دول الخليج وان كان في السعودية اكثر من غيرها، لكن بعض الصحف والكتاب اليمنيين وقفوا وقفة صريحة مع العراق، وراحوا يعيدون الى الاذهان احداث عام 1961، وقصة سلخ ارض الكويت واقامة تلك الدولة الهزيلة العميلة.
في المغرب العربي
كان المغرب العربي هو الظاهرة الملفتة بين العرب المؤيدين للعرق، والحاصل انه كان مستودع حماسة للعراق تستحق الدراسة، ولعل السبب راجع الى ان المغرب العربي قريب عهد بالعمل القومي، وفي ايام عز المد القومي في السويس عام 1956 كان المغرب العربي بعيدا الى حدا ما، وكان مشغولا بصراعه مع الاستعمار، وكانت دوافع مقاومته دينية اسلامية بالدرجة الاولى.
وعندما وقعت الازمة لم تكن لدى المغرب فرصة كافية لاختبار المقولات والتصرفات واختلط دخول القوات العراقية للكويت بالغزو الامريكي العسكري للمنطقة على نطاق واسع دون فرصة للامة تتذاكر أمورها، ثم كان ان ظهرت على التصرفات الامريكية والغربية اشارات صليبية كان المغرب العربي على استعداد لفهمها من اول لحظة.
وهكذا فإن أزمة الخليج طرحت نفسها في المغرب العربي كنوع من التحدي للارادة الغربية الغالبة والمتحكمة وكنوع من التصدي لروح صليبية اوربية أمريكية لاتخفي تعمدها إذلال العرب المسلمين ونهب مواردهم وسفك دماؤهم.
فقد شهدت الجزائر وتونس والرباط وليبيا مظاهرات ضخمة مؤيدة للعراق، وكانت المظاهرات في ليبيا بقيادة العقيد القذافي، وشاع كثيرا بين ابناء الجزائر المولودين في تلك الازمة اسم صدام حسين وتحمست احدى فرق الغناء الجزائري فألفت اغنية عن الرئيس صدام حسين.
اتخذ المغرب العربي موقفه ولم يتراجع عنه ابدا.
الأزمة من ناحية أخرى
الناحية الدولية
كان العراق في أوج أزمته اول من فتح الباب لنقد مرير لسياسات الامم المتحدة ذات الطابع المزدوج في الموضوع الواحد، فقد أكد على اختلال المعايير الصادرة عن هذه المنظمة الدولية لحساب استراتيجية الولايات المتحدة، فمنذ عام 1947 صدر عن مجلس الامن 160 قرارا بخصوص القضية الفلسطينية و400 قرار آخر صادر عن الجمعية العامة، واستخدمت الولايات المتحدة الفيتور لثمانين مرة منذ تلك الفترة واكثرية هذه المرات كانت ضد القضية الفلسطينية.
وقف زبجينو بريجنسكي مستشار الامن القومي للرئيس كارتر يقول في نبرة احتجاج: ان ازمة الخليج اصحبت عاطفية اكثر من اللازم وشخصية بأكثر من اللازم وعسكرية بأكثر من اللازم.
عاطفية عندما بالغت وسائل الاعلام بما اسمته يومها فظائع الجيش العراقي في الكويت، وهو على كل حال من اسخف الكذبات التي ظهرت يومها،
وشخصية بأكثر من اللازم عندما بدأ بوش يستخدم عبارات بحق الرئيس صدام لم يعهدها الاعلام الامريكي في غير ذلك الوقت، فقد بدأ بوش يستخدم عبارات من مثل الكرامة وماء الوجه والشرف وغيرها، وهي على اية حال عبارات لايدرك معناها بوش الاب لانه بعيد عن معاني الكرامة والشرف والنخوة بعد السماء عن الارض، ومن كثرة استخدامه لهذه العبارات تدخل احد مستشاريه في لحظة من اللحظات قائلا له: السيد الرئيس انني ارى ان الامر بات شخصي بينك وبين صدام اكثر منه بين العراق والولايات المتحدة.
وعسكرية عندما حشدت الولايات المتحدة اكثر من ثلاثين دولة لمواجهة دولة واحدة في أزمة كان العرب لولا بعض العملاء (وأولهم حسني بالطبع) قادرين على حلها فيما بينهم بدون تدخل خارجي.
عندما وصل طارق عزيز الى موسكو في يوم 5/9/1990 واجتمع مع جورباتشوف فإن الاخير لم يحاول ان يكون دبلوسيا ابدا او حتى ان يصوغ تقديراته للموقف بطريقة مغلفة، لقد بدأ يتحدث عما يسمى التفكير الجديد، ثم ما لبث ان اضاف:
ان غزو العراق للكويت يتناقض مع التفكير الجديد، ثم قال: اننا نقر وانتم ايضا يجب ان تقرون بأن الامريكان لديهم مصالح حيوية في الشرق الاوسط واننا من جانبنا نعترف بهذه المصالح ونحن في الاتحاد السوفييتي لانستطيع ان نفعل شيئا في هذا وانتم في العراق لابد ان تجروا حساباتكم لموقفكم على هذا الاساس.
فأبدى طارق عزيز ملاحظة قال فيها: لقد كنا نتصور انكم ستقفون معنا معنويا على الاقل للحيلولة دون وقوع عدوان علينا، فرد جورباتشوف: ان ما قمتم به عمل من اعمال العدوان لانستطيع ان نساعدكم فيه ماديا او معنويا.
والحقيقة ان اول من لاحظ هذا التوجه الجديد لجورباتشوف كان هو الرئيس حافظ الاسد – يرحمه الله – الذي حين ذهب للاجتماع مع جورباتشوف في العام 1987، كان في ذلك الاجتماع يشرح نظريته المتعلقة بتحقيق التوازن الاستراتيجي بين العرب والصهاينة، لكنه لم يلق اذانا صاغية ابدا من قبل جورباتشوف، بل انه قال بكل وقاحة للاسد:
ان الاتحاد السوفييتي يعتبر نفسه خارج لعبة التوازن الاستراتيجي هذه، وراح يشرح للاسد نظريته هو عن توازنات المصالح. فعاد الاسد من موسكو وفي جعبته الكثير من الخواطر ان يمد جسور التعاون مع واشنطن، ولم يخف الاسد لصديقه الحميم عبد الحليم خدام مخاوفه من جورباتشوف وان بقاءه سيكون شرا مستطيرا على العرب اولا وعلى الاتحاد السوفييتي نفسه، وكانت نظرة الاسد صحيحة، وهذا ما دعاه للانخراط في التحالف الدولي الى جانب الولايات المتحدة.
وايضا لاحظ عرفات من قبل على جورباتشوف هذا وكذلك الرئيس صدام الذي قال يوما ما في إحدى خطبه في شهر مارس عام 1990 في عمان: ان السنوات الخمس القادمة سوف تشهد سيطرة قوة أعظم واحدة تنفرد بمصائر العالم. وكان هذا الكلام صحيحا مائة بالمائة.
ما الذي دعا جورباتشوف لهذا الموقف وكذلك الصين، الذي دعا كليهما للوقوف الى جانب الولايات المتحدة ضمنيا هو ما قدمته دول النفط لكلا الدولتين، فالسعودية قدمت اربعة مليارات دولار للاتحاد السوفييتي... قيل يومها انه على شكل قروض ميسرة... وما اسهل الكلام حين يكون عن رشاوي.. يتم تغليفها بمختلف الاوصاف والنعوت... وراحت الصحف تكتب المقال تلو المقال عن العلاقات (الحميمة) التي تربط بين البلدين الصديقين، وخرجت صحيفة الشرق الاوسط بمقال في صحفة كاملة يحمل صورة فهد وجورباتشوف وان العلاقات بين الدولتين ازلية والصداقة قديمة، علما بأن الصحف السعودية كانت الى فترة ما قبل الازمة تصف الاتحاد السوفييتي بالدولة الكافرة لانه شيوعيي ملحد !!!!!!
اما الصين فقد تم تقديم ستة مليارات دولار لها، وذهب سعود الفيصل بنفسه لحضور افتتاح اولمبياد اسيا في سبتمبر من عام 1990، وذلك بعد أن قررت اللجنة الاولمبية الاسيوية ابعاد العراق من المشاركة في الالعاب في قرار لم يسبق له مثيل وغير قانوني وغير صحيح، لكن الدولار بوسعه ان يفعل كل شيء... فالمهم ان يخرج أحمد الفهد مبتسما ورافعا اشارة النصر على انه تم ابعاد العراق من المشاركة في الالعاب !!!!!!!
لن نتحدث عن مواقف دول غرب اوربا التي كانت معظمها مؤيدة للتحالف وارسلت قوات الى السعودية. فقد تأكد للجميع ان الامر صار بيد امريكا وحدها ولاتريد أي تدخل من اي طرف.
لقد وقف الغرب كله موقفا واحدا تحت قيادة الولايات المتحدة وتحول مجلس الامن بين عشية وضحاها فأصبح مجرد ختم يقوم بالتصديق على مشروعات قرارات تقدمها الولايات المتحدة تؤكد بها هيمنتها على الامم المتحدة وعلى ما يسمى الشرعية الدولية.
* * * * * * * * * * * * * * *
اذا بعد ان انتهينا من مؤامرة مؤتمر قمة القاهرة وما تلاه من تدفق للقوات الامريكية والغربية على العراق، لعله من المفيد الان أن نذكر بعض التحركات الدبلوماسية التي حدثت،
على ان حديثنا كله سيكون عن الفترة الواقعة ما بين:
بعد مؤامرة مؤتمر القاهرة
والى يوم العدوان على العراق وهو يوم 17/1/1991.
علما بأنه بقي ثلاثة أجزاء من الملف، وهي:
العدوان الثلاثيني ثم انسحاب الجيش العراقي
ما يسمى قضية (الأسرى) مربوطا مع تصرفات رجال الجيش العراقي في ارض الكويت
الخاتمة
في يوم 12/8/1990 سافر حسين الى بغداد واجتمع مع الرئيس صدام في محاولة لايجاد حل عربي للازمة، فالملك كان مقتنعا بأنه لا زال هناك أمل في حل عربي، وكان ينوي السفر بعد يومين الى واشنطن.
لكن في تعارض مع اي شكل من اشكال المنطق راحت الولايات المتحدة وبعض دول الخليج تتخذ موقفا سلبيا من دعاة الحل العربي، وفي الوقت الذي كان فيه الاردن غارقا في مصاعب اقتصادية جمة، قلنا ان دول الخليج ابعدت الكثير من ابناءه العاملين في دول الخليج وكذلك من ابناء اهل فلسطين، وصارت السعودية وامريكا تعاملان الاردن بغطرسة ظاهرة، ووصل الامر بالسعودية ان بدأت بخنق الاردن اقتصاديا، فأوقفت مرور الشاحنات الاردنية عبر الاراضي السعودية واوقفت استيراد جميع البضائع الاردنية بكل أشكالها.
قبل سفر حسين الى امريكا كان في جعبته بضعة امور لبحثها مع الادارة الامريكية، منها تفاصيل اللقاء الذي تم بين الرئيس صدام حسين وجوزيف ويلسون القائم بالاعمال الامريكي في بغداد، فحين اجتمع الرئيس صدام معه، افهمه عدة رسائل طلب منه توصيلها للادارة الامريكية، وكانت هذه الرسائل بشكل مختصر تحمل في طياتها ما يلي:
الاولى:
ان الرئيس صدام يتفهم ردة الفعل الامريكي تجاه ما قام به العراق، لكن بنفس الوقت يأمل الا تندفع الادارة الامريكية تحت استشارات مخطئة الى عمل تجد نفسها معه في موضع الاحراج.
الثانية:
ان التدخل العسكري العراقي في الكويت يقتصر على الكويت فقط ولاينسحب الى بلد غيرها. فكل العراقيين يعلمون ان هذه ارض عراقية وان شيوخ الكويت كانوا يتلقون رواتبهم من والي البصرة نظير ما يقومون به من اعمال حراسة في الكويت، وان والي البصرة فيما بعد عين أحد افراد اسرة الصباح كقائممقام للكويت تابع للبصرة.
الثالثة:
أن الرئيس العراقي يعلم حجم المصالح الامريكية في السعودية وانه ليس واردا بالنسبة اليه تهديدها، وان علاقتنا الجيدة بالسعودية كانت عامل استقرار في المنطقة، واذا كنتم تتظاهرون بالقلق لكي تدفعوا بالسعودية للقلق فهذا شيء آخر.
الرابعة:
ان اشاعات حصلت ان صدام حسين اعطى وعدا لبعض العرب بأنه لن يقوم بأي عمل عسكري ضد الكويت، وهذا لم يحصل ابدا، إذ أنني قلت لجميع المسؤولين العرب الذين التقوني وقالوا ان الكويتيين خائفين من حشودات الجيش العراقي، انني لن اقوم بأي عمل عسكري حتى نرى نتيجة انتهاء اجتماع جدة، ولم نتخذ القرار الا بعد رجوع نائب الرئيس ليخبرنا ان الموقف الكويتي ازداد تعنتا وكما هو.
الخامسة:
ان العراق حريص على علاقة طيبة مع امريكا وان نفط العراق يباع لها منذ مجيء الرئيس صدام للحكم وان امريكا هي التي اتخذت قرارها بمقاطعة النفط العراقي.
السادسة:
ان الرئيس صدام يعرف حجم الفارق في القوة بين العراق وامريكا ولكن يعتقد ان امريكا ستخسر الكثير في هذه الحرب، وعلى أية حال فإن العراق والشعب العراقي لن يركع امام امريكا.
السابعة:
ان العراق يريد صداقة الولايات المتحدة ويتفهم ويقدر حجم مصالحها.
أكد القائم بالاعمال بأنه سينقل كل ما سمعه تلفونيا من السفارة الامريكية في بغداد ثم سيرسله مكتوبا، ثم رأى القائم بالاعمال أن يتأكد من عدم وجود تهديد للسعودية فقال: انني جئت الى هنا بثلاث أفكار في ذهني تعكس قلق حكومتي:
طبيعة الغزو وتعلمون موقف حكومتي منه.
النوايا تجاه السعودية..
فقاطعه الرئيس صدام قائلا: ما الذي يطمئنكم لازالة القلق بخصوص السعودية، فأجاب القائم بالاعمال: لا اعلم ولكن سوف اسأل رئيسي ولاني اعرف انك رجل واضح وصريح فإني اريد التأكيد منكم انه ليس في نيتكم اي عمل عسكري ضد السعودية. فرد الرئيس صدام قائلا: تستطيع ان تأخذ هذا التأكيد الى السعودية والى كل انسان في الشرق الاوسط.
فاستكمل القائم بالاعمال النقطة الثالثة وهي التي تتعلق بسلامة المواطنين الامريكان والسماح لهم بالمغادرة، وهذا يشمل الامريكان في الكويت رغم انسحابكم من هناك، فالتقط الرئيس صدام على الفور هذه الجملة، وقال للقائم بالاعمال:
كيف تقولون انه لم يحصل انسحاب ثم تقولون شيء آخر بعد ذلك ؟؟
فقال ويلسون: انا شاهدت ثلاث قوافل تنسحب في اتجاه البصرة وقد أبلغت واشنطن بذلك،
فرد الرئيس صدام: قواتنا اخذت ثلاث ايم لدخول الكويت وبالنسبة للانسحاب لايمكن ان يتم بيوم واحد وان انسحاب القوات يعتمد على الجو الدولي.
انتهى اللقاء نهاية ودية، واالمفروض ان تكون الرسائل طارت بعده، وانقضت الساعات والايام وليس هناك اي رد من واشنطن او بوش والمظاهرات العسكرية ماضية في طريقها لاتتوقف.
راحت بغداد تسأل نفسها كيف يمكن ايجاد قناة مباشرة للاتصال مع البيت الابيض..
وصل الملك حسين الى واشنطن في رحلة طيران مباشرة استمرت ثلاث عشرة ساعة وتوجه على الفور الى احد بيوت الضيافة للاستراحة من عناء الرحلة وبعد ساعات من وصوله مر بوش ليأخذه بنفسه الى مقر اقامته الصيفي ليسمع ما لديه، ادرك حسين ان جو المقابلة من البداية لم يكن مريحا ولم يكن هذا ما عهده من صديقه بوش من قبل.
قال حسين: ان الحشود الامريكية في المنطقة قد رفعت درجة التوتر الى حد كبير، فقاطعه بوش بحدة:
لم نكن نحن الطرف الذي رفع حدة التوتر وحشودنا العسكرية هي ردا على احتلال عسكري عراقي للكويت، واضاف بوش: انه يدرك ان الملك حسين يشعر بالقلق على اوضاع الاردن الاقتصادية بعد فرض الحصار الكامل على العراق، ان دولا عربية تستطيع مســاعــدة الاردن ( وكان يقصد طبعا السعودية ودول النفط الاخرى)
فأجاب حسين: انه لم يأت الى هنا لبحث هذا الموضوع وانما جاء لبحث موضوعا اكبر منه بكثير وهو موضوع السلام،
وكان رد بوش جافا اذ قال:
حسين... اسمعني ان البترول بالنسبة لنا اكثر من ضرورة وهو اسلوب حياة وانا لن اسمح لهذا الرجل ان يسيطر على ثلث انتاج الخليج اليوم وعلى ثلثي احتياطي العالم غدا.
ثم اكمل: انه اثبت انه عدو الولايات المتحدة ولن اسمح لنفسي ان اترك ديكتاتورا يضع يده على شريان حياتنا، انتم العرب تعيشون على برميل بارود وهذا الرجل يهددكم وهو يستطيع ان يفعل ذلك معكم ولكن ليس معنا.. لنا في المنطقة مصالح حيوية ونحن هناك لحمايتها.. انني ترددت في مقابلتك فأنت كنت في بغداد قبل اربع وعشرين ساعة وكان ترددي هو خشيتي ان تظهر زيارتك وكأن بيني وبين هذا الرجل وساطة وانا لا اريد ذلك ولا الكونجرس ولا الرأي العام الامريكي يسمحان به..
فقال حسين: انه على استعداد للانسحاب... فرد بوش بهمهمة غير مفهومة ثم قال بنبرة حادة:
اذا اراد الانسحاب لينسحب لن يمسك به احد، لينسحب على الفور دون شروط ولا جداول زمنية ولا حدود مختلف عليها ولا حقول نفط ولا جزر فلن نبحث في كل ذلك الان.. وسوف تعود اسرة الصباح وبعدها سنرى ما يمكن عمله.
وكان يقصد بكلمة ما يمكن عمله حسب بنود قائمة جديدة ااضافتها الولايات المتحدة لقائمة طلباتها وتحدث عنها بيكر امام الكونجرس وهي:
تحديد حجم الجيش العراقي
نزع صواريخه أو تدميرها
فك المنشآت الكيميائية والجرثومية
فك المنشآت النووية..
ثم هاجم بوش الاردن لعدم التزامه بقرارات الامم المتحدة وقال ان ميناء العقبة ما زال مفتوحا للعراق رغم قرار صادر من الامم المتحدة.. ...
هنا، واثناء اجتماع بوش مع حسين تلقى بوش مكالمة من زعيم عربي، قال له بعدها بوش :
هذا أحد زملائك يحثني على سرعة العمل بالقوة العسكرية قبل أن تؤثر الدعاية العراقية على الشارع العربي (هذا الشارع العربي الذي كان هادئا نسبيا هو الشارع المصري اذ كان الشباب المصري ينوي الخروج بمظاهرات تأييد للعراق في الجامعات المصرية) والامر ليس بحاجة للكثير من الذكاء ليعرف المرء ان الزعيم العربي الذي كان يطالب بالعمل العسكري هو رئيس اكبر دولة عربية وهي مصر.... ومن وصفه احد وزارء الخارجية العرب يوما ما بأنه مخلب أمريكا في الوطن العربي.
غادر حسين امريكا محبطا بدون ان يستطيع ان يشرح وجهة نظره ولا وجهة النظر العراقية في واشنطن، فقد ادرك ان الحل السلمي بات صعب المنال في ظل عقلية بوش العدوانية.
وفي يوم 17 اب عاد تشيني مرة ثانية الى المنطقة بزيارة اشد غطرسة وعنجهية من الاولى، اذ كانت القوات الامريكية قد انتشرت اكثر في المنطقة، فزار كل من: السعودية والبحرين وعمان والامارات ومصر للحصول على مزيد من التأييد من زعماء تلك الدول.
ثم وفي يوم 30 اب التقى دي كويلار امين عام الامم المتحد بطارق عزيز في عمان، لان الولايات المتحدة رفضت منح تأشيرة دخول لطارق عزيز، وكان الموضوع الرئيسي الذي يريد التحدث عنه الامين العام ليس موضوع الازمة وكيفية حلها، وانما موضوع الرهائن الغربيين في العراق، لكن طارق عزيز اثار موضوع الازمة كلها ومن جميع جوانبها بدون اي فائدة، فقد ادرك الامين العام ايضا ان الحل العسكري هو الغالب وكان قد صرح من قبل بأن قيام الامريكيين منفردين بفرض حصار اقتصادي على العراق بالقوة يعد خرقا لميثاق الامم المتحدة. لكن الولايات المتحدة لم تكن على استعداد لسماع اي كلام من هذا النوع.
وفي اول سبتمبر توجه حسين الى لندن للقاء مع تاتشر (البعيدة بعد السماء عن الارض على اية حال من جنس الاناث) فبادرته بهجوم حاد وبلسان لاذع اطول منها قائلة:
لماذا تؤيد صدام وانت تعرف انه شرير؟
فرد حسين: انني لا أؤيد احد ولكني احاول البحث عن فرصة لانقاذ السلام في المنطقة، فردت بحدة وبصوت اعلى من صوت الرجال قائلة:
ومن المسؤول عن هذا؟ فسيطر حسين على اعصابه بمعجزة قائلا: ان عصر دبلوماسية المدافع ينتمي الى القرن التاسع عشر،
فنظرت اليه نظرات ببرق مخيف قائلة: اسمعني جيدا.... انك تقف وراء الطرف الخاسر وانا اريدك ان تعرف الحقيقة قبل فوات الاوان...
ولم يعد هناك مجال لاستمرار الحديث بينهما، وتبادل الاثنان فيما بعد رسائل كانت كلها شتائم وعبارات لاذعة، على ان عبارات تلك المرأة التي تشبه الذكور كانت اقذع، عبارات كلها وقاحة وانحطاط دلت على مستواها الوضيع السافل، فعلق حسين قائلا عنها: ان لسانها اطول من جسمها كله.
ثم توجه الى فرنسا، حيث كان ميتران الطف وارق من بوش وتاتشر، فقال له:
ان الامريكان والانجليز يتحركون طبقا لخطة واضحة امامه ومعروفة وهم قلقون على امدادات البترول وهم مستعدين للعمل العسكري والشيء الذي يجعلهم ينتظرون هو استكمال استعدادهم والسبيل الوحيد لاحراجهم هو الانسحاب العراقي الفوري.. ثم سأل حسين سؤالا مريرا وهو:
اليس في استطاعة العرب ان يقوموا بدور؟ اين العنصر العربي في الازمة ؟؟
حاول حسين فيما بعد مع شقيقه حسن وضع تصورات وخطوط عريضة لانهاء الازمة منها انسحاب متزامن لكل من القوات العراقية والاجنبية من منطقة الخليج ورفع الحصار عن العراق وتسوية وضع جزيرتي وربة وبوبيان فيما بعد، لكن ما ادهشه هو ليس عدم وجود احد مستعدا لسماع هذه الاقتراحات، بل رفضها قبل طرحها.
كان الرئيس صدام قد توصل منذ وقت مبكر من الازمة الى ان الامور خرجت من يد الدول العربية قاطبة، وباتت في يد الولايات المتحدة التي امسكت بإحكام بكل خيوط الازمة، لكن حسين كان له رأي آخر وهو ان انسحابا عراقيا سيحرج ويربك الولايات المتحدة، وحين فاتح الرئيس صدام بهذا، نادى الرئيس صدام على الفور رئيس اركان الجيش العراقي الذي كان ينتظر انتهاء اجتماع الرئيس مع الملك لمقابلته، فسأله الرئيس صدام في حضور الملك حسين:
ماذا سيكون رأي رجال الجيش لو أننا أعلنا الانسحاب من الكويت ؟؟ فرد رئيس الاركان: أعوذ بالله.. رجاء سيدي لا تقل هذه الكلمات.... فطلب منه الرئيس صدام ان ينتظره حيث كان.. والتفت الى حسين قائلا: سمعت بإذنك يابوعبد الله، انهم يريدون اكثر من الكويت..
كانت بغداد تتابع عن قرب ما يجري حولها وقد أدركت ان الابواب كلها باتت موصدة في وجه أي حل..
فالباب العربي اصبح مغلقا بالكامل بعد انتهاء مؤامرة القاهرة التي طبخت بعناية فائقة، فحاول الرئيس صدام حسين ان يرتب بينه وبين فهد لقاء عن طريق السلطان قابوس (الذي اعتاد ان يتخذ موقفا مستقلا مخالفا لكل مواقف دول الخليج) لكن المحاولة لم تنجح اذ ان الولايات المتحدة نفسها لن تسمح بمثل هذا اللقاء،
بل ان الامير سلطان بن عبد العزيز وواجه مشكلة كبيرة لانه ادلى بتصريح حين استقبل بعض زوراه المهنئين بنجاح عملية الركبة قال فيه:
ليست هناك اساءة لاية دولة عربية أن تعطي امتها العربية اي مكان ارضا او مالا او مدخلا على البحر وانه كان للعراق حقوق في الكويت فكلنا نلبي هذه المطالب وحق العربي تجاه اخيه العربي يجب ان يؤخذ بكل رحابة صدر ولكن ليس عن طريق القوة... قامت الدنيا ولم تقعد لاجل هذا التصريح لانه اشتم فيه قبول حلول تفاوضية واضطر الامير سلطان ان يعلن ان كلامه نشر محرفا مما خرج به عن قصده... ولعل هذا التصريح يعيدنا الى مقولة ان بعض الامراء الكبار من ال سعود لم يكونوا راضين عن الحل العسكري ابدا.
وباب الامم المتحدة اصبح مغلقا ايضا ولم يكن العراق على اية حال يتوقع ريحا مواتية من الامم المتحدة ولكنه كان يظن الان الاراء سوف تتوزع بما لايسمح بصدور قرارات حاسمة وكانت المفاجأة ان الولايات المتحدة سيطرت بالكامل على اجواء الامم المتحدة وضبطتها.
وتلاحقت القرارات التي تدين العراق وتحاصره على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ الامم المتحدة وكان هذا مثار دهشة ليس في بغداد فحسب وانما لدى الامين العام للامم المتحدة الذي علق قائلا ان الاعضاء الخمسة الدائمين يتصرفون وكأنهم أعضاء في ناد خاص يجمعهم ود حميم.
والباب السوفييتي مغلقا، فصحيح حصل استياء بين الكولونيلات والجنرالات السوفييت بسبب الانزال الامريكي في المنطقة، لكن شيفاردنادزه كان باردا كالصقيع حين التقى مع طارق عزيز، ولم يناقش معه الا قضية واحدة فقط، وهي متى الانسحاب ؟؟ وان الاتحاد السوفييتي يتبع الان منهجا جديدا في التفكير يراعي المصلحة اولا..
والباب الالماني الياباني مغلقا ايضا، فكلا الدولتين قدرت ان هناك صداما كبيرا قادما وان مفاتيح البترول لسنوات طويلة ستكون بيد امريكا وحدها.
والباب الفرنسي كان مواربا، فالفرنسيون يظهرون ان مستعدون للحركة اذا طلب منهم وبنفس الوقت ليسوا على استعداد لتقديم ضمانات ما بعد الانسحاب وخصوصا اذا تعلق الامر بالولايات المتحدة.
وهكذا، حتى الباب الايراني الذي حاول العراقيون طرقه، اغلق بعد حين عندما قام الاسد بزيارة الى طهران في سبتمبر من نفس العام.
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved