المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شظايا ذاكرة ..



عبدالغفور الخطيب
24-12-2006, 02:11 PM
أوائل شهر أيلول/سبتمبر 1959

كان اليوم الأول له في المدرسة الابتدائية.. وكونه لم يتعود أن يُرصف في مقاعد دراسية، كما أن التلاميذ الآخرين لم يتعودوا ذلك .. فكان عليه أن يلتزم بما بلغهم إياه رجل لا يلبس ملابس كملابس آبائهم، ولا يتكلم بلغتهم، فكانت الخشية من كونه كذلك، أو لأن الأطفال اعتقدوا أنه يعتمد على قوة لا يدركوا مصادرها..

وكونه التزم بالجلوس دون أي حركة، بل وقد طُلب من التلاميذ الصغار أن يشبكوا أيديهم بعضها ببعض.. فكان هذا الوضع يجعله يرى مؤخرة رأس الطفل الذي يجلس أمامه.. إنه وضع جديد .. لقد لمح حشرة تتحرك على أسفل رأس الطفل الذي أمامه إنها (قملة) كاد يختنق من الضحك .. لكنه قطع رغبته في الضحك وخطر على باله أنه قد يكون على مؤخرة رأسه (هو) ما يشبه تلك الحشرة فغارت رغبته في الضحك بأعماقه..

عبدالغفور الخطيب
21-05-2007, 04:38 PM
صيف 1966

عندما فتح لها ابنها (محمود) باب السيارة، كان عليها أن تكيف طولها المتوسط، أصلا، وتنحني بشكل جانبي لتجلس في السيارة، ولكنها تمنعت في البداية و تمتمت ببعض الكلمات غير المفهومة، وكان تمنعها كتمنع (ناقة) عاشت في الصحراء، واشتراها أبناء ريف ليذبحوها في عيد الأضحى، فهي لم تتعود الدخول من خلال بوابات لها أضلاع ثلاثة لتحصر ما بينها من فضاء يعلو الأرض ..

لم تكن أم محمود ذات السبعين خريفا، قد قامت بمغامرة لركوب السيارة قبل ذلك، ولم تكن تغادر قريتها قبل ذلك التاريخ، وقد كانت عينة من ناس كثيرين، كانوا يتصوروا حدود الكرة الأرضية أو الأرض، على بعد ما ترى عيونهم فقط، فكانوا عندما يلمحون تلالا رمادية تلتقي مع الأفق، يتهيأ لهم أن هناك حافة حادة تفضي الى المجهول .. لم يشغلوا بالهم كثيرا عن موجودات ما وراء الحافة ..

بعدما تيقن محمود من جلوس والدته العجوز في الركن الأيمن من المقعد الخلفي، دار من الباب الأيسر، فجلس الى جانبها، وفسح مجالا ليجلس شاب يافع في الركن الأيسر من المقعد الخلفي. كان السائق، الذي يضع (حطة) بيضاء على رأسه وثبتها بعقال رفيع، يميل برأسه يمينا ويعود بعد قليل ليميل به الى اليسار، وكأنه يريد إخبار الآخرين أنه ليس نموذجا من نماذج متحف الشمع، ولا أظن أن ذلك قد خطر بباله، لأنه لم يكن على علم بمتاحف الشمع.

توقف عند الباب الأيمن للمقعد الأمامي شخصان، تبدو عليهما إمارات العز (في ذلك الوقت) .. فقد كانا يرتديان (بدلتين ) مكويتين مع ربطتي عنق، وقد صففا شعريهما بطريقة متقدمة عما كان منتشرا في ذلك الوقت، وقد يكونا موظفين أو رجلي أعمال، ينويان السفر للخارج، كان لون بدلة أحدهما زرقاء غامقة ولون بدلة الآخر خضراء زيتية. حاولا تكريم بعضهما في الدخول، وقد يكون التكريم ناتجا عن تبييت النية لدى كليهما بالحظوة بالجلوس الى جانب الشباك. كان العطر الذي يضعه أحدهما يتفوق على العطر الذي يضعه الثاني، لكن العطرين اتحدا في رسالة موحدة، اندمجت عند وصولها لأنوف من يجلس في السيارة.

انطلقت السيارة عندما أدار السائق مفتاح محركها، لتنشر للحظات، موجة من رائحة البنزين التي تداخلت مع رائحة عطر من في المقعد الأمامي.

حاول السيد (صاحب البدلة الخضراء) والذي يجلس في الوسط، أن يشغل مذياع السيارة، وعندما فتحه صدر صوت (خشخشة) واضح، فأغلقه ثم أعاد تشغيله مرة أخرى.. ولكن الصوت المشَوَش لم ينقطع .. فالتفت الى صاحب البدلة الزرقاء على يمينه، وقال، إن سبب الخشخشة ناتج عن عدم إحكام وضع جهاز الراديو في مكانه بشكل جيد.. لو كان لدينا مسمارا (شعاريا) ( والمسمار الشعاري مسمار صغير جدا بطول 1أو 2سم رفيع، كان يستخدمه مصلحو الأحذية [الإسكافي] في عملهم) .. صمت وسأل صاحبه: ألا أجد معك مسمارا شعاريا؟ .. تفقد صاحبه جيوبه فأخرج مسمارا (شعاريا) .. فتناوله صاحب البدلة الخضراء ووضعه حيث أراد، فزالت الخشخشة من الراديو .. انفجر الشاب اليافع الذي يجلس خلف السائق من الضحك.. فرمقه كل من في السيارة بنظرات استغراب..

صدر صوت من أم محمود (العجوز) .. صوت مع تلوي في حركاتها، كالحالة التي تمر فيها النساء الحوامل في فترة (الوحام).. رغبة في التقيؤ، أنين، مسك لأسفل البطن، وضع اليد على الفم ..ولكن أم محمود قد عبرت سن اليأس منذ عقدين على الأقل، هذا ما أدركه السائق، الذي هدأ من سرعة السيارة، واتخذ أقصى اليمين في نية التوقف.. ثم سأل ابنها: هل تشكي الوالدة من شيء؟ ..
أجابه محمود: كلا .. كلا .. لا عليك، انطلق، فهذه أول مرة تخرج أمي من القرية..
لم تكن المسافة التي قطعها السائق تزيد عن خمسة عشر كيلومترا بعد، وأمامهم من الطريق ما يساوي خمسة أضعاف ما قطعوه .. همهم السائق، الذي خشي أن تلوث العجوز فرش سيارته، إن تقيأت، ولم يمنع خشيته ما أبقاه من غطاء من (النايلون) تضعه الشركات الصانعة على الفرش..

كانت نوبات التقيؤ عند العجوز، هي ما تقمع نوبات الرغبة في الضحك عند الشاب اليافع الذي لا زال يستحضر روح النكتة من المسمار الشعاري .. فكلما صعدت السيارة جبلا، عاودت العجوز في مناوراتها التي كان ابنها (محمود) يتعامل معها بانحناءة تجاهها، واضعا كيسا أحضره معه لتلك الغاية، على ما يبدو!

تضايق السائق، فوجه ملاحظات استنكاره لمحمود، الذي اعتذر، مبررا ما يحدث بسبب أن هذه أول تجربة لسفر والدته بالسيارات.. فأجاب السائق بحدة: وهل من الضروري أن تكون التجربة معي و في سيارتي؟ ألم يكن بإمكانك أن تدربها على السفر الى قرى مجاورة و مدن أقرب، بدلا من تأخذها في أول مشوار للعاصمة؟

كان هذا الحوار سببا إضافيا لعودة نوبات الضحك الصامت، لدى الشاب اليافع، التي كانت تتحول الى دموع نتيجة خنقه لعدم وجود من يشاركه فيه!

رغم طول المدة التي فصلت بين تلك الواقعة وهذه الأيام، فإنه عندما يتذكرها لا يستطيع أن يمنع نفسه من الضحك ..فكيف يوجه رجل وقور يلبس ملابس أنيقة ( ويتابع الأخبار!) سؤالا لصاحبه (الأفندي) (هل أجد معك مسمارا شعاريا؟) .. إن السؤال وحده مثير للضحك.. ولكن رد صاحبه بالإيجاب كان أكثر إثارة للضحك..

عبدالغفور الخطيب
04-07-2007, 04:46 AM
في أوائل الستينات بعد سنتين من سنين القحط

كان الناس في الأرياف، إذا ما تتابعت سنون القحط، يلجئون الى تدابير صارمة في تقنين استهلاكهم للغذاء، الذي لم يكن موجود أصلا، فمن كان لديه القليل من القمح أو الشعير، يطحن منه ويأكل هو وعياله باقتصاد شديد .. فالكل قد دخل في خطة (حرب البقاء) ..

ومن الطبيعي أن تظهر أعراض، لمثل تلك التدابير، قد تطال المواليد الصغار فيموتون لندرة الحليب في أثداء أمهاتهم. وقد تطال الكبار، فتظهر عليهم علامات الهزل، والضعف وارتباك السير أو الإنهاك المبكر من أي عمل بسيط، وقد تظهر عليهم علامات (العشى الليلي) وهي عدم القدرة على الإبصار في الظلام، أو حتى في النهار .. وهذا ما حدث لمسعود ..

ذهب مسعود الى جدته متلمسا طريقه، وحدثها بعدم قدرته على رؤية أي شيء، فهرعت الجدة الى ابن عمها (فرج) وكان شيخا قد مر عليه الكثير من تلك الحالات، وله بعض النوافل التي تشهد بحكمته الصحية، وحتى لو لم يكن له فالخيارات قليلة أمام من أراد أن يعالج حالة كحالة مسعود ..

ابتسم الشيخ (فرج) ومسد على لحيته البيضاء، وطمأن العجوز (ابنة عمه) .. أن الأمر مقدور عليه .. وهي عبارة يستبشر منها الخير كل من وقع بكرب.. قال الشيخ ائتوني بنصف رطل من (السمرة) وهي (كبد الجمل) .. وقطعوها (14) قطعة .. وضعوها في (صينية) وأدخلوها الفرن ولا تجعلوها تستوي كثيرا، بل نصف استواء ..

فعلت العجوز ما أمرها به (أبقراط) (فرج) .. ونادته وهو الجزء الأهم من وصفته التي لن تتم إذا لم تكن تحت إشرافه!

جلس الشيخ مرتكزا على عجزه، جامعا ساقيه بين يديه، وأمر مسعود أن يجلس كجلسته، مسندا ظهره الى ظهره، فأصبحا كأنهما تمثال حجري من العهد الكنعاني القديم .. فأمر بإحضار الصينية وما تحويه من كبد مشوي نصف شية، فأخذ يتناول قطعة من الكبد ويعطيها لمسعود، قائلا: هذه لك .. ويتناول قطعة ويضعها في فمه (هو) .. حتى انتهيا من أكل الكبد ..

عندما يتذكر مسعود تلك القصة، ويحلف: والله يا أخوان لم تمض نصف ساعة حتى أصبحت أشوف من على بعد كيلومترات .. ويصمت مسعود قليلا، ويقول: لكن ما لم أفهمه، هو ما علاقة أن يأكل الشيخ (فرج) نصف الصينية بموضوع شفائي مما كنت فيه!

صدام العرب
05-07-2007, 09:32 PM
أضحك الله سنّك ...
جميلة هذه الذكريات...

عبدالغفور الخطيب
12-08-2007, 12:15 AM
أشكركم أخي الفاضل على استحسانكم تلك الشطحات

عبدالغفور الخطيب
12-08-2007, 12:18 AM
منتصف شهر تشرين الثاني نوفمبر 1970

لم يبدأ سنته الجامعية من أولها، بل أتى قبوله متأخرا في جامعة الموصل، وكان ذلك في رمضان، وكان عليه أن يذهب لتناول طعام الإفطار في مطعم (الزوراء) حيث يذهب زملاؤه من الطلبة العرب.. وقد لاحظ ازدحام الزبائن بشكل لم يلحظه من قبل .. لدرجة أن كان على بعضهم الانتظار حتى يكمل آخرون تناول طعام الإفطار ليفسحوا مجالا لغيرهم باستخدام المنضدة .. وقد يتأخر بعض الصائمين حوالي الساعة حتى يتسنى لهم تناول إفطارهم ..

كان (غانم) رئيس العمال في مطعم (الزوراء) هو من يسأل الزبائن عما يودون تناوله .. وكان مشغولا وهو يسرد ما عنده من أصناف الطعام في الانتباه للعمال الذين يحضرون الوجبات للزبائن .. فكان يخصص بعض ثواني لكل زبون ليعرف ما يريد، ويصيح بأعلى صوته عن الصنف الذي يجب على من في المطبخ أن يملأ به صينية الطلب، وبنفس الوقت ينتبه الى من يقف أمام المحاسب لدفع ثمن طعامه ويبلغ المحاسب بالمبلغ الواجب أخذه من الزبون .. كان (غانم) لا يطيل المكوث مع أي زبون يتأخر في إبلاغه عما يريد، فكان كالماسترو الذي يقود فرقة موسيقية، عليه الانتباه وتقنين الوقت بشكل جيد ..

عندما وقف (غانم) فوق رأسه يسأله عما يريد، حاول أن يتحذلق ويسأله بلهجة عراقية مكسرة وغير متقنة (شكو عدكم عيني؟) فأجاب غانم بسرعة البرق ( قزاطمة، دولمة، بتيتا جاب، كريم جاب، جلفراي، قوزي الشام، قوزي على تمن، يابسة، تبسي، قص على تمن) لم يفهم من كل تلك الأصناف أي واحد، ولكنه تذكر آخرها قص على تمن فطلبه .. فصاح غانم: وصار عندك ثلاث قص على تمن..

وفي اليوم الثاني تكررت المسألة، فسأله بنفس الطريقة السابقة فأجاب غانم بسرعة البرق كما في المرة السابقة ( قزاطمة، دولمة، بتيتا جاب، كريم جاب، جلفراي، قوزي الشام، قوزي على تمن، يابسة، تبسي، قص على تمن)، ويطلب قص على تمن ( وهو قطع من الشاورما توضع فوق طبق الرز ومعها صحن به مرق الطماطم) .. فيصيح غانم : وصار عندك أربعة قص على تمن .. حيث كان قبل آخر طلب ثلاث طلبات أخرى ..

وهكذا حدث في اليوم الثالث والرابع .. وصاحبنا كان بوده أن يتذوق الأصناف الأخرى، ولكن لضيق الوقت والخوف من أن يتجاهله غانم، كان عليه أن يسرع في الطلب ويطلب (قص على تمن) ..

لم يعد غانم يسأله في الأيام التالية عن طلبه، فعندما يلمحه قادما، ويكون لديه طلبان من (القص على تمن) فإنه يبادر لتبليغ من في المطبخ بصوت عال : وصار عندك ثلاثة قص على تمن ..

وهكذا أنهى رمضان بصنف واحد من الطعام وهو (القص على تمن) ..

عبدالغفور الخطيب
19-09-2007, 10:30 PM
لا تاريخ محدد لتلك الشظية

يستحيل على أصدقاءه أو من تعرف عليه في مناسبة ما، أن لا يسرد كل ما سأسرده عن (نعمان) بتواصل .. ويستحيل على من يعيد إنتاج صورته وهيئته، أن يتذكره إلا بأنف محمر لامع، وكأن الزكام لا يفارقه نهائيا، كان اللمعان والحمرة تتفشى على جوار أنفه وأسفل خديه، وأطراف ذقنه المحلوق بنعومة مستمرة ..

عندما ذهب لدراسة الهندسة في جامعة دمشق، رجع ببعض المشاهدات الغريبة. عندما كان يرويها بصوته الخافت والذي تختلط الحروف بفعل الرشح المزمن، كان الجميع يصغون لتمييز مخارج تلك الحروف، لينعموا على إثرها بحكاية لم يستطع ـ حتى من تعرف عليه بعمق ـ أن يتوقع نهاياتها ..

قال: اشتكيت من ألم في بطني .. فراجعت طبيبا، فكان تشخيصه لي أنه يشك في وجود ديدان معوية تعيش في أحشاءه .. يتوقف عندها .. ثم يضيف : كنت أذهب الى المطعم وأطلب طبقا من الرز والفاصوليا البيضاء، وعندما أتأكد من أن الدود قد شبع .. أطلب لنفسي طبقا من اللحم المشوي!

ويحكي قصة أخرى، يقول : كنت أذهب الى كازينو لبنان في بيروت، في نهايات الأشهر، وفي مرة من المرات كنت أجلس أتناول عشائي، فإذا رفعت رأسي لأنظر أمامي تصادف عيناي وجه رجل يبتسم لي، فأبادله الابتسامة، وأتساءل: من يكون هذا الرجل؟ قد يكون معلم في مدرستي الابتدائية ولم أتذكره. ثم أعاود إكمال تناول وجبتي وتتكرر الابتسامة من الرجل، فأقلب ذاكرتي .. من يكون؟ قد يكون رئيس بلدية قديم وقد نسيته .. وتكررت الابتسامات والتساؤلات واحتمالية من يكون .. حتى استعنت بمن كان يجلس جانبي، فسألته أتعرف ذاك الرجل؟ فأجاب على الفور: إنه فريد الأطرش!

كان المهندس(نعمان) لا يبذل جهدا هندسيا هائلا، فقد عمل بكل شيء عدا الهندسة، وكانت أرباحه من أعماله كبيرة جدا، فقد روى أنه ربح ما يقرب من العشرين ألف دولار من عمل لم يكلفه أكثر من خمسين دولارا، حيث نفذ مكانا لاستراحة من قصب البردي حرق أطرافها بخدعة (ديكورية) .. كما أنه عمل بالأطراف الصناعية وربح منها أرباحا طيبة .. كان لا يمكث بعمل بعينه طويلا، فما أن يكتشف أن هناك من أسس مصلحة عمل تشبه مصلحته حتى يترك تلك المصلحة وينتقل لعمل آخر، استطاع أن يبني (عمارة) من ستة طبقات في موقع هام، فأصبح دخله عاليا جدا، وقيمة العمارة زادت عن مليوني دولار .. ومع ذلك كان يردد لأصحابه بأنه رجل (تافه) لا أحد ينتظره حتى زوجته وأطفاله .. ويبالغ في القول : (لو أنني أتحلل وأصبح نفطا لما افتقدني أحد!)

من قصصه التي حفظها عنه أصدقائه، أنه عندما في قريته (قبل الكهرباء)، كان في القرية (كلب أحمر) عرفته القرية بشراسته وخاف منه الأطفال وحتى الكبار .. فيقول : بليلة خرجت من سهرة عند أصحابي، فداست قدمي بطن (الكلب الأحمر) الذي كان مستغرقا في نومه، فذعر الكلب هاربا وترك عادة إخافة الآخرين .. فلما رأيته بذعره هذه .. صحت فرحا .. أي أنا من زمان وأنا أشتهي أن أدوس بطن هذا الكلب!

وقصته الأخيرة التي حكاها لأصحابه: أن امرأته سمعت صوتا في الليل، فتأكدت أن لصا يحاول سرقة الملابس المغسولة والمنشورة على الحبل .. فأيقظت (نعمان) .. فأجابها أن تحضر بنطلونه والقميص الأبيض وربطة العنق الحمراء والجوارب الرمادية .. كانت امرأته تستغرب منه تلك الطلبات وتستنكرها عليه حاثة إياه على الإسراع بالخروج واللحاق باللص قبل أن يسرق كل شيء على حبل الغسيل .. في حين ظل يصر هو على طلباته حتى تأكد أن اللص قد أخذ ما يريد وولى هاربا .. في صباح اليوم التالي اكتشف هو جيرانه أن أحد جيرانه اعترض اللص، فضربه اللص بسكين كان يحملها في أسفل عنقه .. وأن جاره لا يزال في العناية الحثيثة .. يكمل حديثه بابتسامة كأنه نموذج عن (بابا نوئيل) ولكن بدون (لحية بيضاء) .. ويضيف (مو قلة عقل لو تصديت للص و شمطني سكينا من الخاصرة للخاصرة .. مشان شوية هدوم؟) ..

صدام العرب
22-09-2007, 09:03 PM
هذا النعمان عين العقل

عبدالغفور الخطيب
29-09-2007, 01:36 AM
الحمد لله على سلامتكم أيها العزيز

عبدالغفور الخطيب
28-10-2007, 06:20 PM
خريف 1972

المكان: الموصل/ حمام العليل/كلية الزراعة والغابات/مختبر الآلات الزراعية

دخل المحاضر الدكتور بولتن ومعه مساعده أرمني اسمه (كراكين) .. جلس الطلاب قباله، فيما بدأ هو يتكلم ويخط بعض الرسوم على اللوح، وكراكين يساعده في إيصال المعلومات للطلاب ..

فجأة برز أحد الطلاب ولم يكن كالطلاب أو الأساتذة فكان يفوق متوسط عمر الطلاب بعشرة أعوام على الأقل .. ولم يلتزم بالزي الموحد المكون من بنطلون رمادي وسترة زرقاء غامقة .. وعلا بصوته (سير .. سير Sir.. Sir) انتبه المحاضر الكندي على صوته وتفاجأ كما تفاجأ الطلاب به أيضا .. فهي أول مرة يجلس مع الطلاب في محاضرة ..

أجابه المحاضر بسؤال ماذا تريد؟
فأخبره الطالب بأنه (Parallel) وهذه الكلمة معناها بالعربي متوازي (الأضلاع) وهي كلمة علمية .. والعراقيون عندما يتضايق أحدهم من شيء خصوصا إذا احتاج الذهاب للحمام، فإنه يقول (متوازي) ..

لم يفهم الكندي ماذا كان يعني الطالب على وجه التحديد فسأله عن اسمه؟
أجاب الطالب : (My name is double) كان يقصد أن اسمه مثنى!

زادت حيرة الكندي فسأله: هل أنت طالب في هذه الشعبة؟
فأجاب : (Yes I am precipitate from the last year ) كان يقصد أنه راسب من السنة الفائتة .. وفعلا لقد كان مثنى من الطلاب القلة الذين استفادوا من أي قانون يبقيهم في الجامعة مدة أطول

ولما كان اللفظ precipitate يعني بالرواسب الكيميائية فقط، فإن الكندي شق عليه الفهم في الإجابات الثلاثة .. متوازي .. دبل .. مترسب .. فطلب من الطالب أن يفعل ما يشاء .. في حين غرق الصف في موجة من الضحك لم يستطع لا الكندي ولا الأرمني أن يفهم لماذا.. فالكلمات إنجليزية ولكن ماذا تعني؟؟

عبدالغفور الخطيب
30-11-2007, 02:57 PM
للتطبيع ذاكرة

صيف 1966

كان الحاج فالح يغيب عدة أسابيع خارج البلاد، ورغم تقدمه بالسن إذ كان يقارب الثمانين عاما، لكنه كان يصر على أنه قادر على القيام بعمله جيدا، ولكنه كان أحيانا يقع ضحية بعض الخدع التي يقوم بها من يتعاملون معه..

أحضر معه بعد غيابه، أربعة بغال ذات أجسام قوية وعيون لامعة، فكانت بعمر فتي، وكان الجميع يستغربون كيف لهذا الرجل المسن أن يركب واحدة من تلك البغال ويقود الأخريات لعدة أيام، ويوصلها من مسافة سير طويلة تصل عدة مئات من الكيلومترات .. لكن زوجته وبعض أولاده كانوا يعرفون جزءا من الحقيقة ..

بعد وصوله بعدة أيام، كانت البغال تغير من طباعها بشكل جذري، فإن اقترب منها أي كائن حي سواء كان من البشر أو حتى طيور الدجاج و(الحبش) فإنها تشغل قوائمها الخلفية بالرفس العنيف، فتؤذي أو تقتل من تصيبه .. وعندما تشتكي زوجته من تلك الحالة، يضحك حتى تنزل دموعه على لحيته البيضاء.. وعندما يسألونه عن سبب الضحك، يجيب بعد أن يهدئ موجة الضحك فيقول: لقد كنت ضحية لهؤلاء الملاعين الذين باعوني تلك البغال.. ويبدأ بالشرح: بأنهم قد قاموا بغلي ثمار التين المجفف (القطين) وأذابوها بكمية من الماء وقدموها لتلك البغال، فيبقى أثر تخديرها لمدة أسبوعين على الأقل!

يفتش عن ابن أخيه العنيف، ويطلب منه (تطبيع ) تلك البغال، كان (ابراهيم) يأخذ البغلة، الى مكان خارج البلدة، ويربط برقبتها حجرا طوله أكثر من طول البغلة ورقبتها .. ودون أن يضع على رقبتها ما يمنع من احتكاك حبل الليف الخشن المربوط بجهتين من طرفي البغلة، كان ثقل الحجر يقارب نصف طن، وكان يقف على بعد آمن من البغلة، فيضربها بأداة مرنة رفيعة طويلة كان اسمها (شوحط)، فتسقط ضربات تلك الأداة على أذني البغلة، فتقاوم بقائمتيها الخلفيتين، دون جدوى، فتضطر الى الخنوع و الطاعة، ولكنه لا يتركها، فعندما يتأكد أنها أصبحت ذليلة يتحرك نحو أنفها أو أذنها ويعضها بأسنانه ..

كانت البغلة الفتية، عندما ترى إبراهيم بتلك الحالة، تبول (خوفا) .. فينظر الى ابن عمه الصغير ويقول له : هيا اركبها واذهب بها الى الدار .. فيركبها بعد أن يزول خوفه منها .. فتصبح البغلة (مُطًبًعة : أي تم تطبيعها) ..