المهند
30-11-2006, 01:49 PM
هيكل يهدى انتصار المقاومة العراقية الى بوش!
http://www.baghdadalrashid.com/vb3/imgcache/609.imgcache
حتى لا نقع فى الفخ الذى ينصبه محمد حسنين هيكل لناقديه وخصومه –وللمشاهدين والقراء بطبيعة الحال -نشير اولا الى انه ذكر الكثير من الوقائع الصحيحة فى حديثه لقناة الجزيرة مساء الخميس الماضى –لاسباب سنتعرض لها لاحقا- على راسها ،ان الولايات المتحدة تحتاج الى الانتصار فى العراق لحسابات استراتيجية حاسمة تتعلق بمشروعها الامبراطورى وانه يصعب عليه القبول بالهزيمة فى العراق بالنظر للخطورة البالغة على الوضع الدولى للولايات المتحدة جراء تلك الهزيمة.وكذا هو قال كلاما صحيحا باشارته الى ان الحزب الديموقراطى لا يختلف مع الحزب الجمهورى حول الاهداف العامة فى الحملة على العراق ونضيف نحن ولا فى الاهداف الامريكية فى العالم ،وان الديموقراطى لم يقدم فى الانتخابات الاخيرة خطة مختلفة للوضع فى العراق .وايضا فى اشارته الى ان الوضع فى فيتنام هو جد مختلف عن الوضع فى العراق .ولإراحة البال نقول انه قال اشياء هامة وصحيحة طوال حديثه فى الجزيرة وفى كل موضع تحدث فيه او عنه –من ناحية الوقائع والحكايات والروايات والاسرار التى يحكيها -الى درجة اننا نقول انه لم يقل أي معلومة خاطئة لكى نريح البال ونتوجه الى ما هو اهم .وهل هناك اهم من ان الرجل قال ويقول كلاما صحيحا ؟.نعم؟ .
فالاهم هو ان هيكل ينتقل من الحقائق العامة المتعلقة باهداف المشروع الامريكى ومن طبيعة التوازن المختل بين الولايات المتحدة وخصومها ومن الاتفاق الامريكى العام داخل امريكا حول الاهداف من السياسة الخارجية ومن ان هزيمة الولايات المتحدة غير ممكنة فى "معركة واحدة "باعتبارها دولة عظمى ،الى خطأ وخطورة التحدث عن النصر عليها والى التعمية على حدوث انكسار للمشروع الامريكى فى المنطقة والى تصوير حالة الاندفاع الايرانى فى المنطقة بأنها تأتي هى وحالة الاندفاع السورى فى العراق ،كحالة من حالات التوظيف الامريكى للادوار العربية وغير العربية لمصلحة الولايات المتحدة ،بما يصيب بالعمى فى فهم خطورة المشروع الايرانى ،كما هو يقدم حالة "الفشل"- كما سماها كبديل للهزيمة-باعتبارها امر يتعلق باخطاء رامسفيلد لا بقوة ودور المقاومة العراقية ودون ان يشير الى دور المقاومة وما كبدته للجيش الامريكى فى العراق وافغانستان (والاخيرة نسيها الاستاذ هيكل عمدا لا سهوا-من خسائر فى تغيير مواقف الناخب الامريكى ،والى ان تلك المقاومة هى من تسبب فى "فشل رامسفيلد ،اذ هو قام بادراج كثير من المعلومات فى حديثه ليؤكد ان كل ما تقوم به المقاومة لا يؤثر على المجتمع الامريكى حيث ان القتلى من الجنود الامريكان هم فى نهاية المطاف قتلى من امريكا اللاتينية او غيرها من الدول وليس لمواطنين امريكيين "أصلاء".وهكذا فان كل استنتاجات هيكل وتحليلاته فى تلك الحلقة –من متابعة الشأن الجاري-تشير إلى شيء واحد .لم تفعلوا شيئا لامريكا -ولن تفعلوا-والفشل الذي حدث لأمريكا يتعلق بأخطاء رامسفيلد ..الخ ،وهو امر لا يمكن وصفه إلا بعملية سرقة مبرمجة وممنهجة لنصر المقاومة ،وإهدائه إلى الرئيس الأمريكي المأزوم جورج بوش ،وليس الا إشاعة لجو من الهزيمة –وليس الفشل هنا- فى صفوف المقاومين الذين يظهرون فى هذه المعركة حسب ما يظهر من كلام هيكل ،دون حاجة لاى عناء ودون لبس فى الاستنتاج ، مجرد اناس لا يفعلون شيئا حيث الفشل جاء لاخطاء رامسفيلد ،وحيث قتلى الامريكان ليسوا امريكان ،وحيث امريكا لا تهزم ،وحيث الديموقراطيين الذين جاءوا للحكم لن يغيروا شيئا ،وان فكرة الانسحاب الامريكى غير واردة كما قال هيكل.
واللافت بداية هو ان هيكل يتجاهل حقائق كلية فى كل ما قاله :
أولها أن فكرة الانسحاب من العراق هى فكرة طرحت فى داخل امريكا ولم يطرحها من الاساس المحللون العرب ،بل هى وردت رميا ضمن خيارات لجنة بيكر-هاملتون للخروج من المازق فى العراق.
وثانيها أن فكرة التغيير المطروحة فى كثير من الاروقة الامريكية تتعلق بالفكر الاستراتيجى لا بالتكتيكات –كما زعم هو وردد وشدد وانكر على المفكرين العرب الخلط بين التكتيكات والاستراتيجية-وان هيكل فى تشديده هذا يتفق تماما مع ما يقوله بوش ،بينما هناك من الامريكيين من يتحدثون عن تغيير استراتيجى فى العراق.
وثالثها انه اذ حاول الاستناد الى ان اختيار وزير الدفاع الجديد البديل لرامسفيلد ،يؤكد ان الانسحاب لن يحدث وان الخطة لم تتغير ، باعتبار سابق عمله بالمخابرات الامريكية ولادواره التى عددها ، فهو فى ذلك نسى او تناسى ان السفير الامريكى السابق –ولا نقول وزير الحرب الامريكى-كان ايضا من اصحاب الخبرة فى العمل فى المخابرات الامريكية وانه ودع بغداد مهزوما الى رئاسة اجهزة الامن والمخابرات الامريكية جميعها.
لكن الاصل فى فهم "لعبة" هيكل الاعلامية -ومن امساكه بتجاهل حقائق اخرى بعقلية انتقائية مفرطة –فى كل كتاباته واحاديثه الاعلامية ،هو انها تقوم على امرين متلازمين:
أولهما ذكر معلومات صحيحة تتميز ببريق خاص بسبب سريتها وكليتها وعدم معرفتها لدى المتابع والمشاهد، وهو يحرص حرصا مطلقا ان تكون صحيحة وشديدة التاثير الى درجة تشابه ألاعيب السحرة.
وثانيهما انه من بعد هذا الاعلام بالوقائع غير المعروفه والتى يسندها اسنادا متميزا ،يدخل الى عالم فقه اللغة وفلسفة العلاقات بين الاحداث والوقائع ،لكى يدخل فى ذهن المتابع -الذى يكون ما زال يفكر بانبهار في تلك الأفكار الكلية والوقائع السرية -ليحشو عقله بافكار غير صحيحة او باستنتاجات غير صحيحة .هذا هو "منهج" هيكل الاعلامى دون لبس ولا غموض ،حيث يمكن لمن يراجع كل أحاديثه على قناة الجزيرة ان يكتشف تلك اللعبة فى الخداع الاعلامى بنفس الطريقة التى سيصل بها إلى أن هيكل لا يطرح فى كل ما يقول النتيجةالمنطقية المترتبة على معلوماته وان حكاياته كلها لا تصب الا فى فكرة واحدة هى:امريكا لا يمكن هزيمتها ونحن لا شىء فى كل شىء.إن الرجل ببساطة فى حديثه الاخير-وبتحليل المضمون وبعيدا عن الجمل التى يرمى بها هنا او هناك- لا يهدف الى شىء سوى سرقة انتصار المقاومة فى العراق وإهدائه إلى الولايات المتحدة.
أمريكا والهزيمة
هل تهزم امريكا ؟ هذا هو ما تحدث فيه مطولا محمد حسنين هيكل دون ان يكون هو عنوان فقرة الحديث .إجابته يمكن تلخيصها فى التالى :امريكا لا تهزم ،هى فقط تفشل .وفى ذلك تحدث عن الحالة الفيتنامية والعراقية وحشد كل الاسباب واستخدم كل الوسائل .والقضية هنا ليست قضية لغوية بل هى أخطر أنماط الحرب النفسية وأجلى أنواع الحرب الاعلامية ،وهى تأتي ارتباطا بدور هيكل فى مثل تلك الحالات تحديدا. أليس هو من ابتكر "مصطلح" النكسة فى عام 67 فى مصر،بدلا من الهزيمة ،ليصبح هذا المفهوم منقذا للنظام من المحاسبة ،وليكرس فكرة ابعاد الناس عن المحاسبة والتاثير ،اذ لو قيل للناس اننا هزمنا لكن بامكاننا ان ننتصر لولج الناس في الأسئلة المتتالية حول اسباب الهزيمة ومن المسئول عنها ولحاسبوه ولحددوا هم عوامل تحقيق النصر..الخ.
والحقيقة ان هيكل طرح الفكرة فى حديثه الاخير بالجزيرة بمنطق الحرص على التوصيف الدقيق للحدث وكأنه يخاطب باحثين فى العلوم السياسية، لكن ذلك هو الظاهر فى الامر –اذ الهدف المتحقق فى الحلقة ،هو ان لا امكانية لهزيمة امريكا ،اذ لو كان هدفه "التدقيق" من اجل الوقوف على ارضية صحيحة فى المواجهة لكان تحدث عن هزيمة للولايات المتحدة فى "معركة" مع التشديد على الحرب مكونة من معارك عديدة يجب ان يحدد بشانها معالم صحيحة لتحقيق الانتصار فى التالية وذلك حتى لا تظهر الولايات المتحدة بمثابة "الغول" الذى لا يهزم ،وحتى لا يشاع الاحباط واليأس في صفوف الناس والمقاومة بشكل خاص.
فيتنام والعراق
اللافت فيما قاله هيكل من الافتراق بين حالتى فيتنام والعراق هو ان الرئيس الامريكى جورج بوش هو نفسه من بات يتحدث عن تشبيه لما يجرى فى العراق بفيتنام .لكن الاستاذ هيكل لا يرى مثلما يرى الرئيس بوش . والمشكلة هنا هى ان هيكل يفهم بالفعل ما لا يفهمه الرئيس بوش ،ليس لان الهزيمة غير جارية العراق كما كان الحال فى فيتنام ،ولكن لان الرئيس بوش لا يفهم المعنى الخطير الذى يلحق بسمعة الولايات المتحدة فى العالم العربى فى حالة الاعتراف الامريكى بتشابه ما يجرى فى العراق بما جرى فى فيتنام ،بسبب ان العالم العربى يفهم ان امريكا هزمت فى فيتنام وقهرت،كما صورة العملاء للامريكان فى فيتنام معروفة جيدا فى المنطقة العربية بما يهز صورة الولايات المتحدة فى أعين عملائها ..الخ ،ومن ثم فان "السيد" هيكل ينفى اى تشابه بين ما هو حادث فى العراق وفى فيتنام ،وهو فى ذلك ادرى وأفهم من الرئيس الامريكى.
هو لجأ إلى الوقائع الحقيقية فى المقارنة ،اذ هو اشار الى ان فيتنام لم تكن معزولة عن جيرانها كما هو حال العراق ومقاومته وهذا صحيح ،حيث كل جوار العراق معادى للمقاومة بينما كانت المقاومة فى فيتنام مستندة الى ارض صديقة فى فيتنام الشمالية .كما هو اشار ايضا –وهو صحيح –الى ان الاهداف والمصالح الامريكية فى المعركة فى فيتنام التى كانت اساسا حربا فى مواجهة الشيوعية ،تختلف عن الاهداف الاستراتيجية الامريكية من العدوان على العراق بسبب النفط ومنطقة الخليج .ثم شرد قليلا وصاغ فكرة كلية براقة -لكنها ليست صحيحة بالمنطق الذى تحدث فيه -اذ هو اشار الى ان فيتنام قد واجهت الولايات المتحدة ككتلة موحدة بينما العراق ممزق الاعراق كما هو معروف ،إذ هو نسى أو أسقط عمدا فكرة ان فيتنام الجنوبية كانت دولة "كاملة" تحت السيطرة الامريكية لها جيش يفوق الجيش الامريكى على الارض عددا وأن تلك الدولة كانت تقوم بمذابح ضد المقاومة الفيتنامية وكانت الجيش المحارب على الارض فى مرحلة كانت القدرات الامريكية مكرسة للقصف الجوى وان ذلك كان حال كوريا المنقسمة ،كما هو نسى كيف جرت برامج ممنهجة لتفسيم الفيتناميين الشماليين انفسهم ،كما نسى ان الفرنسيين كانوا قد لعبوا نفس اللعبة فى الجزائر ونجحوا فى ذلك لسنوات طوال ،الى اخر ما هو معروف من تطبيقات مبدا فرق تسد.
إن ذلك لا يعنى ان العراق ليس حالة خاصة لوجود قيادات شيعية وكردية عميلة تسيطر على أنصار ليسوا قليلين ،لكن أمر الانقسام في العراق ليس حالة فريدة من نوعها ولم تكن موجودة فى كل البلاد التى حاربت وفق اسلوب المقاومة ،اذ حتى فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وبعد ان استسلم قادة البرلمان والحكومة وانفرط جيشها ،تشكلت فيها حكومة فيجى التى كانت تحت امرة النازى،ووقفت ضد المقاومة الفرنسية ذاتها .
والمهم هنا هو ان هيكل انطلق من ذلك الى الفلسفة والابهار ليكرس فى عقل المتابع الفكرة التى يستهدف توصيلها بدهاء شديد دون ان يذكرها تحديدا الا بشكل فلسفى يتركها الى عقل المشاهد .هو دخل الى الفلسفة والابهار بالحديث عن فكرة "الفجوة السحرية" التى تحدث عنها كيسنجر ،ليذهب بعقول المتابعين الى حالة من الاعجاب النفسى بعقل كيسنجر وسحره ،وليدوخ المتابع فى عالم الفجوة السحرية .والفجوة السحرية هى ان كيسنجر خلال المفاوضات للانسحاب من فيتنام اتفق مع الفيتناميين على تأخير الاستيلاء على فيتنام الجنوبية –التى حسب وصفة كان متاكدا كيسنجر من سقوطها بيد فيتنام الشمالية-فترة من الوقت ،حتى لا تظهر الولايات المتحدة منهزمة .
وهنا وفى ظل الاغراق العقلى فى تلك الفكرة وفي ثوان ذهب فيها عقل القارىء الى براعة كيسنجر والى انه اخرج امريكا من هزيمة مذلة ،ذهب هيكل الى استنتاج بان أمريكا لا تقبل الهزيمة العلنية .وهنا ومرة أخرى، وبدلا من أن يذهب إلى حالة مقابلة-وهذا هو المنطقى –فى العراق لرفع وعى الناس بألاعيب التفاوض الأمريكية وتحذيرهم من تلك الألاعيب الجارية،خطف عقل المشاهد إلى أن أمريكا لا تقبل الهزيمة فى العراق . لقد نسى هيكل الاشارة الى سقوط 54 الف قتيل امريكى فى فيتنام ،والى ان الحقيقة الاصل خارج براعة كيسنجر والاعيبه كانت ان امريكا هزمت واكرهت على الانسحاب وان براعة كل الجنرالات الامريكيين لم تنقذها من هزيمة لم تعرفها فى تاريخها،لكن الاخطر انه فى الحالة العراقية ذهب فى سرد كل ما يثير الياس فى نفوس المقاومين العراقيين ،حيث من يقتلون ليسوا أمريكيين وحيث إن هزيمة أمريكا غير ممكنة وان الفشل الحادث الان ناتج عن اخطاء رامسفيلد –دون ان يقدم ايضاح حول أسباب احتفاظ بوش به حتى النهاية رغم فشله-وان اهداف امريكا لا يمكن التنازل عنها مع الفشل ،ثم هرب الى الفلسفة مرة اخرى ،حيث القوات الامريكية لها مدد استراتيجى بقدرة الدولة العظمى وهو امر صحيح لكن الصحيح ايضا ان امريكا خرجت من فيتنام ،وان العراق ليست المعركة الوحيدة التى تخوضها الامة ،وان الاقتصاد الامريكى يواجه تعثرات ضخمة ..الخ.
المرتزقة والتجنيد الاجبارى
كالعادة وقبل ان يفيق المشاهد او يفكر فى التناقضات السابقة ،ذهب هيكل الى المقدمات الصحيحة ليهرب من بعد الى الفلسفة بعد ان يرسخ مفهوم اخر خاطىء وخطير.والمقدمة الصحيحة البارعة هنا هى ان خسائر الجيش الامريكى فى العراق كانت من جنود مرتزقة – فلتمت المقاومة بغيظها اذن ،فهى دفعت كل تضحياتها لقتل أجانب أغراب لا علاقة لهم بالمشروع الأمريكي!! -وهنا دعم الأمر بالمعلومات بأنه اطلع وتابع اسماء القتلى الامريكان ،ثم انطلق من ذلك الى انه دليل على قدرة الامبراطورية على توظيف الاخرين دون خسائر .لقد نسى هيكل هنا ان يقول لنا الى ان الفرنسيين والبريطانيين فعلوا نفس الامر من قبل ،كما كان يجدر به وهو المطلع على كل الوثائق السرية والعلنية فى كل الدنيا ، ان يتذكر ويذكرنا بان الفرنسيين جندوا من كل دول افريقيا الجيوش التى حررت فرنسا ذاتها وان الامر ليس بجديد ولا يحزنون ولا يظهر عظمة وجلال تفكير الامبراطورية الامريكية اذ قامت كل الدول "الاستعمارية" بالفعل نفسه فى كل الحروب.لكن الاهم انه "سرح بالقارىء" فلم يطرح دلالات هذه الخسائر التى اصيب بها الجيش الامريكى –حيث الخسائر الامريكية فى الثلاث سنوات الماضية على المقاومة أعلى من الخسائر الامريكية فى الفترة المقابلة للحرب فى فيتنام –حتى خيل للمشاهد ان المقاومة كان يجب عليها ان تطلب من الامريكان ان يرسلوا أبناءهم من ذوى البشرة البيضاء الى القتال حتى تقاتلهم المقاومة،كما هو لم يذكر ان الاهم هو ان الجيش المقاتل اسمه الجيش الامريكى ،وان السلاح المستخدم هو السلاح الامريكى ،وان جنسية المقاتلين أمريكية –إضافة إلى من هم غير حاملى الجنسية-وان النصر والهزيمة لا تأتى أو تقرر بعد فحص جوازات سفر الجنود المشاركين فى الحرب ،ولن يطلب فيها اقرار هيئة الجوازات والهجرة الامريكية بصحة مواطنة الجنود الامريكان القتلى فى العراق.والامر المدهش هنا ان الامريكيين أنفسهم صوتوا ضد الجمهوريين بسبب أبنائهم القتلى كما هم رفعوا شعارات العودة للوطن ،وهو ما سيدفع بعض الامريكيين الى اللجوء للقضاء ضد "السيد هيكل" ،بسبب سحبه الجنسية من ابنائهم !
أوقات ظهور هيكل
لاشك أن "السيد هيكل" يختار مواعيد اطلالاته السياسية بتدقيق شديد ،كما لا شك انه لا يظهر الا فى اللحظات المفصلية التى يتعرض فيها المشروع الامريكى لضربات قوية ،وانه دوما يقدم "تخريجات" لكل ما تتعرض له الولايات المتحدة من ضربات ،وانه ينظر من المنظار الامريكى فيرى كل ما يجرى فى أمتنا من المنظور الأمريكي، وأن رؤيته تقوم على ان كل ما يجرى مهما كان وزنه يمكن استيعابه امريكيا .
فـ"السيد هيكل" لا ترى عينه ولا قدراته التحليلية والاعلامية أبدا أن المقاومة هي من اسقط الجمهوريين امام الديموقراطيين ،وأن الأمريكيين الذين صوتوا ضد الفشل الامريكى لم يصوتوا بالنظر الى مهارة الديموقراطيين ولا لبراعتهم فى اظهار جوانب النقص فى خطط المتغطرس رامسيفيلد وانما صوتوا لأن المقاومة العراقية قد أوقعت الخسائر بالقوات الامريكية وأذلتها وأن النعوش التي تصل لأمريكا هي ما وجهت تصويت المواطن الامريكى ،ثم هو بدلا من أن يستخدم قدراته "النافذة" في الحصول على الارقام الحقيقية للخسائر الامريكية-وهو من يذكر أخطر المعلومات والأشد سرية منها –ليقدم حقيقة الامر ولا نقول ليكشف للناس حجم الخسائر الامريكية يذهب بنا الى احاديث الفلسفة .
لقد كان بإمكانه أن يسجل سبقا صحفيا واعلاميا يليق بمن هو مثله بأن يذكر أرقام القتلى الأمريكيين وكذا أرقام الضحايا العراقيين ،ليقدم خدمة للحقيقة ولإنجاز عمل إعلامي متميز.
كما كان بامكانه ان يطل قليلا من نافذة المعلومات على افغانستان ليقول للناس شيئا فى الشأن الجاري هناك .
وفى تحليله الاستراتيجى هو أشار إلى عدم وجود قوة أخرى دوليا قادرة على المنافسة مع الولايات المتحدة على النفوذ فى المنطقة-وأشار هنا وهو صحيح إلى أن الصين منشغلة بأوضاعها الاقتصادية-لكنه لم يفسر الاندفاع الاوروبى نحو المنطقة والذى هو مبنى على تقديرات بانكسار المشروع الامريكى ،مظاهره واضحة فى النزول بقوات اوروبية فى لبنان وفى طرح مبادرات منفردة حول الوضع الفلسطينى من قبل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
إن مشكلة المحللين مع هيكل ان لديه كثرة من المعلومات الاسترتيجية والبالغة السرية ،ومشكلة المشاهدين معه انه يقدم "كلاما كالسحر فى ما يتعلق بوضع الوحش "وانه يطلعهم على معلومات لا يعرفون عنها شىء .لكن المشكلة الأعقد هي للمقاومة الإسلامية مع هيكل الذى اذ هو لا يراها ابدا ابدا ،كما هو يخرج على الناس دوما فى الاوقات التى يعانى فيها المشروع الامريكى من مازق فيشغل الناس بقصصه ورواياته حتى يلملم الامريكان مواقفهم وارتباكهم ليعودوا للهجوم ضد المقاومة.
طلعت رميح
7/11/1427
http://www.baghdadalrashid.com/vb3/imgcache/609.imgcache
حتى لا نقع فى الفخ الذى ينصبه محمد حسنين هيكل لناقديه وخصومه –وللمشاهدين والقراء بطبيعة الحال -نشير اولا الى انه ذكر الكثير من الوقائع الصحيحة فى حديثه لقناة الجزيرة مساء الخميس الماضى –لاسباب سنتعرض لها لاحقا- على راسها ،ان الولايات المتحدة تحتاج الى الانتصار فى العراق لحسابات استراتيجية حاسمة تتعلق بمشروعها الامبراطورى وانه يصعب عليه القبول بالهزيمة فى العراق بالنظر للخطورة البالغة على الوضع الدولى للولايات المتحدة جراء تلك الهزيمة.وكذا هو قال كلاما صحيحا باشارته الى ان الحزب الديموقراطى لا يختلف مع الحزب الجمهورى حول الاهداف العامة فى الحملة على العراق ونضيف نحن ولا فى الاهداف الامريكية فى العالم ،وان الديموقراطى لم يقدم فى الانتخابات الاخيرة خطة مختلفة للوضع فى العراق .وايضا فى اشارته الى ان الوضع فى فيتنام هو جد مختلف عن الوضع فى العراق .ولإراحة البال نقول انه قال اشياء هامة وصحيحة طوال حديثه فى الجزيرة وفى كل موضع تحدث فيه او عنه –من ناحية الوقائع والحكايات والروايات والاسرار التى يحكيها -الى درجة اننا نقول انه لم يقل أي معلومة خاطئة لكى نريح البال ونتوجه الى ما هو اهم .وهل هناك اهم من ان الرجل قال ويقول كلاما صحيحا ؟.نعم؟ .
فالاهم هو ان هيكل ينتقل من الحقائق العامة المتعلقة باهداف المشروع الامريكى ومن طبيعة التوازن المختل بين الولايات المتحدة وخصومها ومن الاتفاق الامريكى العام داخل امريكا حول الاهداف من السياسة الخارجية ومن ان هزيمة الولايات المتحدة غير ممكنة فى "معركة واحدة "باعتبارها دولة عظمى ،الى خطأ وخطورة التحدث عن النصر عليها والى التعمية على حدوث انكسار للمشروع الامريكى فى المنطقة والى تصوير حالة الاندفاع الايرانى فى المنطقة بأنها تأتي هى وحالة الاندفاع السورى فى العراق ،كحالة من حالات التوظيف الامريكى للادوار العربية وغير العربية لمصلحة الولايات المتحدة ،بما يصيب بالعمى فى فهم خطورة المشروع الايرانى ،كما هو يقدم حالة "الفشل"- كما سماها كبديل للهزيمة-باعتبارها امر يتعلق باخطاء رامسفيلد لا بقوة ودور المقاومة العراقية ودون ان يشير الى دور المقاومة وما كبدته للجيش الامريكى فى العراق وافغانستان (والاخيرة نسيها الاستاذ هيكل عمدا لا سهوا-من خسائر فى تغيير مواقف الناخب الامريكى ،والى ان تلك المقاومة هى من تسبب فى "فشل رامسفيلد ،اذ هو قام بادراج كثير من المعلومات فى حديثه ليؤكد ان كل ما تقوم به المقاومة لا يؤثر على المجتمع الامريكى حيث ان القتلى من الجنود الامريكان هم فى نهاية المطاف قتلى من امريكا اللاتينية او غيرها من الدول وليس لمواطنين امريكيين "أصلاء".وهكذا فان كل استنتاجات هيكل وتحليلاته فى تلك الحلقة –من متابعة الشأن الجاري-تشير إلى شيء واحد .لم تفعلوا شيئا لامريكا -ولن تفعلوا-والفشل الذي حدث لأمريكا يتعلق بأخطاء رامسفيلد ..الخ ،وهو امر لا يمكن وصفه إلا بعملية سرقة مبرمجة وممنهجة لنصر المقاومة ،وإهدائه إلى الرئيس الأمريكي المأزوم جورج بوش ،وليس الا إشاعة لجو من الهزيمة –وليس الفشل هنا- فى صفوف المقاومين الذين يظهرون فى هذه المعركة حسب ما يظهر من كلام هيكل ،دون حاجة لاى عناء ودون لبس فى الاستنتاج ، مجرد اناس لا يفعلون شيئا حيث الفشل جاء لاخطاء رامسفيلد ،وحيث قتلى الامريكان ليسوا امريكان ،وحيث امريكا لا تهزم ،وحيث الديموقراطيين الذين جاءوا للحكم لن يغيروا شيئا ،وان فكرة الانسحاب الامريكى غير واردة كما قال هيكل.
واللافت بداية هو ان هيكل يتجاهل حقائق كلية فى كل ما قاله :
أولها أن فكرة الانسحاب من العراق هى فكرة طرحت فى داخل امريكا ولم يطرحها من الاساس المحللون العرب ،بل هى وردت رميا ضمن خيارات لجنة بيكر-هاملتون للخروج من المازق فى العراق.
وثانيها أن فكرة التغيير المطروحة فى كثير من الاروقة الامريكية تتعلق بالفكر الاستراتيجى لا بالتكتيكات –كما زعم هو وردد وشدد وانكر على المفكرين العرب الخلط بين التكتيكات والاستراتيجية-وان هيكل فى تشديده هذا يتفق تماما مع ما يقوله بوش ،بينما هناك من الامريكيين من يتحدثون عن تغيير استراتيجى فى العراق.
وثالثها انه اذ حاول الاستناد الى ان اختيار وزير الدفاع الجديد البديل لرامسفيلد ،يؤكد ان الانسحاب لن يحدث وان الخطة لم تتغير ، باعتبار سابق عمله بالمخابرات الامريكية ولادواره التى عددها ، فهو فى ذلك نسى او تناسى ان السفير الامريكى السابق –ولا نقول وزير الحرب الامريكى-كان ايضا من اصحاب الخبرة فى العمل فى المخابرات الامريكية وانه ودع بغداد مهزوما الى رئاسة اجهزة الامن والمخابرات الامريكية جميعها.
لكن الاصل فى فهم "لعبة" هيكل الاعلامية -ومن امساكه بتجاهل حقائق اخرى بعقلية انتقائية مفرطة –فى كل كتاباته واحاديثه الاعلامية ،هو انها تقوم على امرين متلازمين:
أولهما ذكر معلومات صحيحة تتميز ببريق خاص بسبب سريتها وكليتها وعدم معرفتها لدى المتابع والمشاهد، وهو يحرص حرصا مطلقا ان تكون صحيحة وشديدة التاثير الى درجة تشابه ألاعيب السحرة.
وثانيهما انه من بعد هذا الاعلام بالوقائع غير المعروفه والتى يسندها اسنادا متميزا ،يدخل الى عالم فقه اللغة وفلسفة العلاقات بين الاحداث والوقائع ،لكى يدخل فى ذهن المتابع -الذى يكون ما زال يفكر بانبهار في تلك الأفكار الكلية والوقائع السرية -ليحشو عقله بافكار غير صحيحة او باستنتاجات غير صحيحة .هذا هو "منهج" هيكل الاعلامى دون لبس ولا غموض ،حيث يمكن لمن يراجع كل أحاديثه على قناة الجزيرة ان يكتشف تلك اللعبة فى الخداع الاعلامى بنفس الطريقة التى سيصل بها إلى أن هيكل لا يطرح فى كل ما يقول النتيجةالمنطقية المترتبة على معلوماته وان حكاياته كلها لا تصب الا فى فكرة واحدة هى:امريكا لا يمكن هزيمتها ونحن لا شىء فى كل شىء.إن الرجل ببساطة فى حديثه الاخير-وبتحليل المضمون وبعيدا عن الجمل التى يرمى بها هنا او هناك- لا يهدف الى شىء سوى سرقة انتصار المقاومة فى العراق وإهدائه إلى الولايات المتحدة.
أمريكا والهزيمة
هل تهزم امريكا ؟ هذا هو ما تحدث فيه مطولا محمد حسنين هيكل دون ان يكون هو عنوان فقرة الحديث .إجابته يمكن تلخيصها فى التالى :امريكا لا تهزم ،هى فقط تفشل .وفى ذلك تحدث عن الحالة الفيتنامية والعراقية وحشد كل الاسباب واستخدم كل الوسائل .والقضية هنا ليست قضية لغوية بل هى أخطر أنماط الحرب النفسية وأجلى أنواع الحرب الاعلامية ،وهى تأتي ارتباطا بدور هيكل فى مثل تلك الحالات تحديدا. أليس هو من ابتكر "مصطلح" النكسة فى عام 67 فى مصر،بدلا من الهزيمة ،ليصبح هذا المفهوم منقذا للنظام من المحاسبة ،وليكرس فكرة ابعاد الناس عن المحاسبة والتاثير ،اذ لو قيل للناس اننا هزمنا لكن بامكاننا ان ننتصر لولج الناس في الأسئلة المتتالية حول اسباب الهزيمة ومن المسئول عنها ولحاسبوه ولحددوا هم عوامل تحقيق النصر..الخ.
والحقيقة ان هيكل طرح الفكرة فى حديثه الاخير بالجزيرة بمنطق الحرص على التوصيف الدقيق للحدث وكأنه يخاطب باحثين فى العلوم السياسية، لكن ذلك هو الظاهر فى الامر –اذ الهدف المتحقق فى الحلقة ،هو ان لا امكانية لهزيمة امريكا ،اذ لو كان هدفه "التدقيق" من اجل الوقوف على ارضية صحيحة فى المواجهة لكان تحدث عن هزيمة للولايات المتحدة فى "معركة" مع التشديد على الحرب مكونة من معارك عديدة يجب ان يحدد بشانها معالم صحيحة لتحقيق الانتصار فى التالية وذلك حتى لا تظهر الولايات المتحدة بمثابة "الغول" الذى لا يهزم ،وحتى لا يشاع الاحباط واليأس في صفوف الناس والمقاومة بشكل خاص.
فيتنام والعراق
اللافت فيما قاله هيكل من الافتراق بين حالتى فيتنام والعراق هو ان الرئيس الامريكى جورج بوش هو نفسه من بات يتحدث عن تشبيه لما يجرى فى العراق بفيتنام .لكن الاستاذ هيكل لا يرى مثلما يرى الرئيس بوش . والمشكلة هنا هى ان هيكل يفهم بالفعل ما لا يفهمه الرئيس بوش ،ليس لان الهزيمة غير جارية العراق كما كان الحال فى فيتنام ،ولكن لان الرئيس بوش لا يفهم المعنى الخطير الذى يلحق بسمعة الولايات المتحدة فى العالم العربى فى حالة الاعتراف الامريكى بتشابه ما يجرى فى العراق بما جرى فى فيتنام ،بسبب ان العالم العربى يفهم ان امريكا هزمت فى فيتنام وقهرت،كما صورة العملاء للامريكان فى فيتنام معروفة جيدا فى المنطقة العربية بما يهز صورة الولايات المتحدة فى أعين عملائها ..الخ ،ومن ثم فان "السيد" هيكل ينفى اى تشابه بين ما هو حادث فى العراق وفى فيتنام ،وهو فى ذلك ادرى وأفهم من الرئيس الامريكى.
هو لجأ إلى الوقائع الحقيقية فى المقارنة ،اذ هو اشار الى ان فيتنام لم تكن معزولة عن جيرانها كما هو حال العراق ومقاومته وهذا صحيح ،حيث كل جوار العراق معادى للمقاومة بينما كانت المقاومة فى فيتنام مستندة الى ارض صديقة فى فيتنام الشمالية .كما هو اشار ايضا –وهو صحيح –الى ان الاهداف والمصالح الامريكية فى المعركة فى فيتنام التى كانت اساسا حربا فى مواجهة الشيوعية ،تختلف عن الاهداف الاستراتيجية الامريكية من العدوان على العراق بسبب النفط ومنطقة الخليج .ثم شرد قليلا وصاغ فكرة كلية براقة -لكنها ليست صحيحة بالمنطق الذى تحدث فيه -اذ هو اشار الى ان فيتنام قد واجهت الولايات المتحدة ككتلة موحدة بينما العراق ممزق الاعراق كما هو معروف ،إذ هو نسى أو أسقط عمدا فكرة ان فيتنام الجنوبية كانت دولة "كاملة" تحت السيطرة الامريكية لها جيش يفوق الجيش الامريكى على الارض عددا وأن تلك الدولة كانت تقوم بمذابح ضد المقاومة الفيتنامية وكانت الجيش المحارب على الارض فى مرحلة كانت القدرات الامريكية مكرسة للقصف الجوى وان ذلك كان حال كوريا المنقسمة ،كما هو نسى كيف جرت برامج ممنهجة لتفسيم الفيتناميين الشماليين انفسهم ،كما نسى ان الفرنسيين كانوا قد لعبوا نفس اللعبة فى الجزائر ونجحوا فى ذلك لسنوات طوال ،الى اخر ما هو معروف من تطبيقات مبدا فرق تسد.
إن ذلك لا يعنى ان العراق ليس حالة خاصة لوجود قيادات شيعية وكردية عميلة تسيطر على أنصار ليسوا قليلين ،لكن أمر الانقسام في العراق ليس حالة فريدة من نوعها ولم تكن موجودة فى كل البلاد التى حاربت وفق اسلوب المقاومة ،اذ حتى فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وبعد ان استسلم قادة البرلمان والحكومة وانفرط جيشها ،تشكلت فيها حكومة فيجى التى كانت تحت امرة النازى،ووقفت ضد المقاومة الفرنسية ذاتها .
والمهم هنا هو ان هيكل انطلق من ذلك الى الفلسفة والابهار ليكرس فى عقل المتابع الفكرة التى يستهدف توصيلها بدهاء شديد دون ان يذكرها تحديدا الا بشكل فلسفى يتركها الى عقل المشاهد .هو دخل الى الفلسفة والابهار بالحديث عن فكرة "الفجوة السحرية" التى تحدث عنها كيسنجر ،ليذهب بعقول المتابعين الى حالة من الاعجاب النفسى بعقل كيسنجر وسحره ،وليدوخ المتابع فى عالم الفجوة السحرية .والفجوة السحرية هى ان كيسنجر خلال المفاوضات للانسحاب من فيتنام اتفق مع الفيتناميين على تأخير الاستيلاء على فيتنام الجنوبية –التى حسب وصفة كان متاكدا كيسنجر من سقوطها بيد فيتنام الشمالية-فترة من الوقت ،حتى لا تظهر الولايات المتحدة منهزمة .
وهنا وفى ظل الاغراق العقلى فى تلك الفكرة وفي ثوان ذهب فيها عقل القارىء الى براعة كيسنجر والى انه اخرج امريكا من هزيمة مذلة ،ذهب هيكل الى استنتاج بان أمريكا لا تقبل الهزيمة العلنية .وهنا ومرة أخرى، وبدلا من أن يذهب إلى حالة مقابلة-وهذا هو المنطقى –فى العراق لرفع وعى الناس بألاعيب التفاوض الأمريكية وتحذيرهم من تلك الألاعيب الجارية،خطف عقل المشاهد إلى أن أمريكا لا تقبل الهزيمة فى العراق . لقد نسى هيكل الاشارة الى سقوط 54 الف قتيل امريكى فى فيتنام ،والى ان الحقيقة الاصل خارج براعة كيسنجر والاعيبه كانت ان امريكا هزمت واكرهت على الانسحاب وان براعة كل الجنرالات الامريكيين لم تنقذها من هزيمة لم تعرفها فى تاريخها،لكن الاخطر انه فى الحالة العراقية ذهب فى سرد كل ما يثير الياس فى نفوس المقاومين العراقيين ،حيث من يقتلون ليسوا أمريكيين وحيث إن هزيمة أمريكا غير ممكنة وان الفشل الحادث الان ناتج عن اخطاء رامسفيلد –دون ان يقدم ايضاح حول أسباب احتفاظ بوش به حتى النهاية رغم فشله-وان اهداف امريكا لا يمكن التنازل عنها مع الفشل ،ثم هرب الى الفلسفة مرة اخرى ،حيث القوات الامريكية لها مدد استراتيجى بقدرة الدولة العظمى وهو امر صحيح لكن الصحيح ايضا ان امريكا خرجت من فيتنام ،وان العراق ليست المعركة الوحيدة التى تخوضها الامة ،وان الاقتصاد الامريكى يواجه تعثرات ضخمة ..الخ.
المرتزقة والتجنيد الاجبارى
كالعادة وقبل ان يفيق المشاهد او يفكر فى التناقضات السابقة ،ذهب هيكل الى المقدمات الصحيحة ليهرب من بعد الى الفلسفة بعد ان يرسخ مفهوم اخر خاطىء وخطير.والمقدمة الصحيحة البارعة هنا هى ان خسائر الجيش الامريكى فى العراق كانت من جنود مرتزقة – فلتمت المقاومة بغيظها اذن ،فهى دفعت كل تضحياتها لقتل أجانب أغراب لا علاقة لهم بالمشروع الأمريكي!! -وهنا دعم الأمر بالمعلومات بأنه اطلع وتابع اسماء القتلى الامريكان ،ثم انطلق من ذلك الى انه دليل على قدرة الامبراطورية على توظيف الاخرين دون خسائر .لقد نسى هيكل هنا ان يقول لنا الى ان الفرنسيين والبريطانيين فعلوا نفس الامر من قبل ،كما كان يجدر به وهو المطلع على كل الوثائق السرية والعلنية فى كل الدنيا ، ان يتذكر ويذكرنا بان الفرنسيين جندوا من كل دول افريقيا الجيوش التى حررت فرنسا ذاتها وان الامر ليس بجديد ولا يحزنون ولا يظهر عظمة وجلال تفكير الامبراطورية الامريكية اذ قامت كل الدول "الاستعمارية" بالفعل نفسه فى كل الحروب.لكن الاهم انه "سرح بالقارىء" فلم يطرح دلالات هذه الخسائر التى اصيب بها الجيش الامريكى –حيث الخسائر الامريكية فى الثلاث سنوات الماضية على المقاومة أعلى من الخسائر الامريكية فى الفترة المقابلة للحرب فى فيتنام –حتى خيل للمشاهد ان المقاومة كان يجب عليها ان تطلب من الامريكان ان يرسلوا أبناءهم من ذوى البشرة البيضاء الى القتال حتى تقاتلهم المقاومة،كما هو لم يذكر ان الاهم هو ان الجيش المقاتل اسمه الجيش الامريكى ،وان السلاح المستخدم هو السلاح الامريكى ،وان جنسية المقاتلين أمريكية –إضافة إلى من هم غير حاملى الجنسية-وان النصر والهزيمة لا تأتى أو تقرر بعد فحص جوازات سفر الجنود المشاركين فى الحرب ،ولن يطلب فيها اقرار هيئة الجوازات والهجرة الامريكية بصحة مواطنة الجنود الامريكان القتلى فى العراق.والامر المدهش هنا ان الامريكيين أنفسهم صوتوا ضد الجمهوريين بسبب أبنائهم القتلى كما هم رفعوا شعارات العودة للوطن ،وهو ما سيدفع بعض الامريكيين الى اللجوء للقضاء ضد "السيد هيكل" ،بسبب سحبه الجنسية من ابنائهم !
أوقات ظهور هيكل
لاشك أن "السيد هيكل" يختار مواعيد اطلالاته السياسية بتدقيق شديد ،كما لا شك انه لا يظهر الا فى اللحظات المفصلية التى يتعرض فيها المشروع الامريكى لضربات قوية ،وانه دوما يقدم "تخريجات" لكل ما تتعرض له الولايات المتحدة من ضربات ،وانه ينظر من المنظار الامريكى فيرى كل ما يجرى فى أمتنا من المنظور الأمريكي، وأن رؤيته تقوم على ان كل ما يجرى مهما كان وزنه يمكن استيعابه امريكيا .
فـ"السيد هيكل" لا ترى عينه ولا قدراته التحليلية والاعلامية أبدا أن المقاومة هي من اسقط الجمهوريين امام الديموقراطيين ،وأن الأمريكيين الذين صوتوا ضد الفشل الامريكى لم يصوتوا بالنظر الى مهارة الديموقراطيين ولا لبراعتهم فى اظهار جوانب النقص فى خطط المتغطرس رامسيفيلد وانما صوتوا لأن المقاومة العراقية قد أوقعت الخسائر بالقوات الامريكية وأذلتها وأن النعوش التي تصل لأمريكا هي ما وجهت تصويت المواطن الامريكى ،ثم هو بدلا من أن يستخدم قدراته "النافذة" في الحصول على الارقام الحقيقية للخسائر الامريكية-وهو من يذكر أخطر المعلومات والأشد سرية منها –ليقدم حقيقة الامر ولا نقول ليكشف للناس حجم الخسائر الامريكية يذهب بنا الى احاديث الفلسفة .
لقد كان بإمكانه أن يسجل سبقا صحفيا واعلاميا يليق بمن هو مثله بأن يذكر أرقام القتلى الأمريكيين وكذا أرقام الضحايا العراقيين ،ليقدم خدمة للحقيقة ولإنجاز عمل إعلامي متميز.
كما كان بامكانه ان يطل قليلا من نافذة المعلومات على افغانستان ليقول للناس شيئا فى الشأن الجاري هناك .
وفى تحليله الاستراتيجى هو أشار إلى عدم وجود قوة أخرى دوليا قادرة على المنافسة مع الولايات المتحدة على النفوذ فى المنطقة-وأشار هنا وهو صحيح إلى أن الصين منشغلة بأوضاعها الاقتصادية-لكنه لم يفسر الاندفاع الاوروبى نحو المنطقة والذى هو مبنى على تقديرات بانكسار المشروع الامريكى ،مظاهره واضحة فى النزول بقوات اوروبية فى لبنان وفى طرح مبادرات منفردة حول الوضع الفلسطينى من قبل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
إن مشكلة المحللين مع هيكل ان لديه كثرة من المعلومات الاسترتيجية والبالغة السرية ،ومشكلة المشاهدين معه انه يقدم "كلاما كالسحر فى ما يتعلق بوضع الوحش "وانه يطلعهم على معلومات لا يعرفون عنها شىء .لكن المشكلة الأعقد هي للمقاومة الإسلامية مع هيكل الذى اذ هو لا يراها ابدا ابدا ،كما هو يخرج على الناس دوما فى الاوقات التى يعانى فيها المشروع الامريكى من مازق فيشغل الناس بقصصه ورواياته حتى يلملم الامريكان مواقفهم وارتباكهم ليعودوا للهجوم ضد المقاومة.
طلعت رميح
7/11/1427