خطاب
21-11-2006, 12:05 PM
الجهاد و طواحين الهواء: عن شيخ المستعربين الاسبان (خوان فِرْنِت):
صراع الحضارات اختراع لا اساس له ولا يجوز وصف الاسلام بالتطرف والجرائم ارتكبت باسم كل الاديان
لولا الورق العربي وغوتنبيرغ مطبعتها لما تهيّأت السبل لانتشار نظريات كوبرنيكوس التي اخذها عن المسلمين
21/11/2006
ثامر بيراوي
إذا كان هناك رجل في العالم يعرف أين بُنِيت أول طاحونة هواء في أوروبا من صنف تلك التي ناطحها دون كيشوت في القرن السابع عشر ، فإنّ هذا الرجل لا بدّ أن يكون خوان فيرنيت خِنيس،الذي يعتبر واحدا من أفضل المستعربين أو المستشرقين الإسبان في العالم.دكتور فلسفة وأدب منذ 1948، وأستاذ كرسيّ الّلغة والأدب العربيين في جامعة برشلونة منذ عام 1954،أحد أعرق دارسي الإسلام داخل وخارج إسبانيا، وأوّل من تخصّص من مؤرّخي الإسبان المعاصرين في دراسة علوم العرب وتطور علوم القرون الوسطي والنهضة وبخاصّة منها الفلك والخرائط البحرية وهي مواضيع صدرت له عنها عدة كتب ورسائل. عضو الأكاديمية الملكية للآداب في برشلونة منذ عام 1959 ،وعضو الأكاديمية العالمية لتاريخ العلوم في باريس منذ عام 1960وفي كثير من المؤسسات العلمية والثقافية والتاريخية الدولية والمحلية، راسل ونشر في أعرق المجلات والنشرات المتخصصة وشارك في إعداد أكثر من موسوعة علمية وتاريخية، جاوز الثمانين عاما وبذلك فهو شيخ من شيوخ المستعربين وموسوعة تاريخية وعلمية متخصصة بعلوم العرب وإسبانيا المسلمة.ولد في برشلونة عاصمة إقليم قطالونيا عام 1923، من تآليفه الكثيرة نخصّ بالذكر (ألأدب العربي ـ 1966 ) ، (التنجيم وعلم الفلك في عصر النهضة الأوروبية. الثورة الكوبرنيكوسية ـ 1974)، (تاريخ العلوم الإسبانية ـ 1976)، (الثقافة الإسبانية العربية في المشرق والمغرب ـ 1978)، (محمّد ـ 1987) وغيرها الكثيروخاصّة منها ترجمته للقرآن ولكتاب ألف ليلة وليلة.
اذا كان هناك رجل في العالم يعرف أين بُنِيت أول طاحونة هواء في أوروبا من صنف تلك التي ناطحها دون كيشوت في القرن السابع عشر، فانّ هذا الرجل لا بدّ أن يكون خوان فيرنيت خِنيس، الذي يعتبر واحدا من أفضل المستعربين أو المستشرقين الاسبان في العالم. دكتور فلسفة وأدب منذ 1948، وأستاذ كرسيّ الّلغة والأدب العربيين في جامعة برشلونة منذ عام 1954، أحد أعرق دارسي الاسلام داخل وخارج اسبانيا، وأوّل من تخصّص من مؤرّخي الاسبان المعاصرين في دراسة علوم العرب وتطور علوم القرون الوسطي والنهضة وبخاصّة منها الفلك والخرائط البحرية وهي مواضيع صدرت له عنها عدة كتب ورسائل. عضو الأكاديمية الملكية للآداب في برشلونة منذ عام 1959، وعضو الأكاديمية العالمية لتاريخ العلوم في باريس منذ عام 1960وفي كثير من المؤسسات العلمية والثقافية والتاريخية الدولية والمحلية، راسل ونشر في أعرق المجلات والنشرات المتخصصة وشارك في اعداد أكثر من موسوعة علمية وتاريخية، جاوز الثمانين عاما وبذلك فهو شيخ من شيوخ المستعربين وموسوعة تاريخية وعلمية متخصصة بعلوم العرب واسبانيا المسلمة. ولد في برشلونة عاصمة اقليم قطالونيا عام 1923، من تآليفه الكثيرة نخصّ بالذكر (الأدب العربي ـ 1966)، (التنجيم وعلم الفلك في عصر النهضة الأوروبية. الثورة الكوبرنيكوسية ـ 1974)، (تاريخ العلوم الاسبانية ـ 1976)، (الثقافة الاسبانية العربية في المشرق والمغرب ـ 1978)، (محمّد ـ 1987) وغيرها الكثير وخاصّة منها ترجمته للقرآن ولكتاب ألف ليلة وليلة.
المدافع عن العالم العربي
وأعمال الأستاذ خوان فِرنيت ومسيرته العلمية تنتمي الي مدرسة برشلونة ذات التاريخ الطويل في الانتاج الفكري المتّصل بالدراسات العربية والاسلامية، وقد كان له فضل الارتقاء بها الي مستويات عالمية قادته في مسيرته يد أستاذه (مِيّاس فايِّكروسا) وسار علي دربهما العديد من طلابهما الذين أغنوا المكتبات بثمارهم الطّيبة. وهو لا يعتريه أدني شكّ حول علاقة العرب باسبانيا وروي كيف تعرّف علي ملاكم مغربي يحمل نفس اسم عائلته ولا يُخفي تفاجؤه باكتشاف أن عائلات فاسيّة كثيرة تحمل نفس الاسم، فهل يكون فِرنيت موريسكيا؟ وأكثر ما يلفت الانتباه في سيرته الذاتية الغنية والطويلة هو ما يحلو له التصريح به من أنّه حنيف من الوجهة العقائدية، أي من الأحناف الموحدين بالله، ولذلك فلا غرابة أن يكون وسطيا كما يصف نفسه. وهو مدافع عن العالم العربي وهذا ما قد يفسّر عزوفه عن الكلام في السياسة التي يصرّح بكرهها، ولا تهمّه الأحداث الراهنة كما لم تهمّه الحرب الأهلية الاسبانية كما يقول، فكلّها حروب وصراعات قامت لأسباب غير ضرورية. هذا لا يعني نقصانا في الذّاكرة أو العلم ولكنّ السنين أنهكت الجسد، فها هو لا يستطيع النزول الي الرامبلاس البرشلونية لشراء الصحف العربية علي عادته. والأكيد أنّه يبتعد في كلامه عن التبسيط وكثيرا ما يجيب بسؤال وقد يُنهي كلامه بجملة من الصعب شرح هذا الشيء وكأنّ ما جري في العالم منذ خمس سنين قد زاد الي همومه هماً آخر. ومع هذا، وبسبب تاريخه ومعارفه يبقي الأستاذ قبلة ومنارا ومرجعا ينتظر منه الكثيرون أجوبة علي أسئلة أصبحت خبزا يوميا في الشرق والغرب، وهكذا، هل حُكم علينا أن نخوض حربا مقدّسة كما يدّعي البعض؟ وعلي طريقة العارفين يجيب الأستاذ بلا التواء: الحرب المقدّسة غير موجودة في أيّ مكان. أنا ترجمت القرآن مرّتين وفيه كلمة جهاد التي تعني بذل الجهد. ولا بدّ لي من أن أعترف بأنّني ترجمت كلمة جهاد الي حرب مقدّسة في بعض المواضع وسأظل أشعر بالذنب طيلة حياتي لهكذا خطأ . وطبعا فخطأ الشاطر العارف يظل أثقل من خطأ غيره، ولكنّ الأستاذ يعرف أنّه عوضاً عن تقنيّة الترجمة تتداخل في المسألة النوايا، فصحيح أنّ لكل مترجم ما نوي، ولكن من الثّابت أنّ مصطلح الحرب المقدّسة ليس عربياً ولا قرآنياً، ومع هذا قد نتّفق مع الأستاذ فِرنيت علي أنّ معني الجهاد خضع أيضا لتأثيرات ولتفسيرات حسب الأزمنة والمدارس الفكرية. ولا يغيب عن ذهن الأستاذ الظرف التاريخي المعاصر حيث يري أنّ الصراع بين المسلمين والغرب المسيحي قد أفرز حالة جديدة لم يتوقّعها القرآن حسب زعمه تتلخص في لجوء ملايين من المسلمين الي الغرب وما نتج عن هذا اللجوء من اختلاط وتزاوج مما استدعي العمل علي اخراج تفاسير جديدة للقرآن لحلّ الاشكالات الجديدة الناتجة عن هذا الاختلاط، وفي رأيه أنّ هذه التفاسير الجديدة للقرآن فتحت الباب للفهم الخاطيء للاسلام مما زاد طين معرفة الغرب السطحية للاسلام بلّة.
اي عصر ينتمي اليه بوش؟
ويحلو لنا في هذا المقام الاشارة الي أنّ الأستاذ فِرنيت ككثيرين من الدارسين العرب والمستشرقين الغربيين لا يتطرّق الي تجربة تاريخية غنية هي الأولي لجموع من المسلمين اضطرّوا للعيش تحت حكم غير مسلم وهي التجربة التي كانت اسبانيا ميدانها وأنتجت تراثا فكريا وفقهيا اسلاميا فريدا لا زال يحتاج الي الدّراسة والمراجعة خصوصا هذه الأيّام. ولتبيان ما أشار اليه الأستاذ من تضارب في فهم بعض مباديء الاسلام بين الماضي والحاضر وفي اشارة الي الزوابع التي أثارتها قضية الرسوم يقول الأستاذ فِرنيت أنّ هناك نقوشا وصورا لمحمّد (ص) تعود الي القرن الثّالث عشر، وفي رأينا أن في هذا خلطا مستغربا من الأستاذ خاصّة عندما يضيف أنّ هناك في ايطاليا مثلا صوراً للعذراء مريم اطارها مُزيّن بالشّهادة، وهو يعترف أنّ هذا لا يعني الاّ أنّ من وضعها لم يفعل ذلك الاّ لأنه وجدها جميلة. وعلي كلّ حال فالأستاذ يقدّم رأياً موفقا لشرح عدم امكانية وجود حرب مقدسة معلنة من طرف المسلمين، ذلك أنّ اعلانا من هذا النوع يستوجب في رأيه وجود شرطين معدومين في الوقت الراهن أولهما وجود نوع من الوحدة والتناسق بين المسلمين، وثانيهما اتّفاق عام علي هذه الحرب المفترضة. ولكن الأستاذ فِرنيت يشير الي أنّ بعض الأسر الاسلامية الحاكمة قد استخدمت مفهوم الحرب المقدسة من أجل هدف حصريّ وهو حثّ الجمهور علي الانخراط في الجيش والحصول بذلك علي أعداد متزايدة من الجنود وهذا في رأيه يشبه المباركة التي كانت تحصل عليها الجيوش الصليبية. وقد يكون حكم الأستاذ علي الحروب الحديثة هو الأهمّ، اذ يقول عنها أنّها لا تتمتع بأيّ قداسة. ويري أنّه لا يجوز وصف الاسلام بالمغالاة، وبين مصطلح المغالاة والتطرف يفضّل الأخير، ويجيب سائليه عن بن لادن بسؤالهم عن (سافونارولا) المتديّن الايطالي المعاصر لأل (مديتشي) في فلورنس، واذا كان (سافونارولا) ينتمي الي العصور الوسطي فالأستاذ يتساءل عن العصر الذي ينتمي اليه (بوش) لينتهي الي القول أنّ الجرائم قد ارتكبت في كلّ الأنحاء، وكأنه يتساءل عن سبب التركيز الحاصل علي بعضها دون الأخري، ولقليلي الذاكرة يقول الأستاذ: أتذكّرأنّ تطرّفا عمّ أوروبا في الأربعينيات مدعوما بقوانين مكتوبة وانتهي بابادة منظّمة لستّة ملايين شخص . ويصف الأستاذ ما يسمّي صراع الحضارات بأنّه اختراع. ويضيف: بالأمس كنت أضحك وأنا أقرأ نصّا من بلاد الرافدين عمره 4000 عام يتحدّث ـ بطريقة مشابهة لما يفعله حكّام أمريكا اليوم ـ عن تخفيض للضرائب بسبب ضعف الموسم الزراعي، وهذا ليس المثل الأوحد، فالعلوم السامية واليونانية واحدة، وفي الواقع وصل الينا الكمّ الأكبر من العلوم الهيلينية بواسطة اللغة العربية بالترجمات الي لاتينية القرون الوسطي . جدير بالذكر أن الأستاذ فِرنيت يري أنّ القرآن لا يحوي تطرفا أكثر مما يحويه العهد القديم مثلا، ولتأكيد هذا الرأي يدعو المستغربين الي مراجعة سفر التثنية مثلا. وعن التطور يقول انّ الاسلام متطور في كثير من الأشياء مثله مثل الغرب، والفرق يكمن في نسبة الأميين في الغرب والعالم الاسلامي. وعن امكانيات التقارب الثقافي بين العالمين الغربي والاسلامي يلجأ الأستاذ الي ما يقوله القرآن من أنّ ابراهيم عليه السلام لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكنّه كان حنيفا موحداً، وفي رأيه فانّ هذا القول يحوي مفتاحا للتفاهم والتقارب. ومن المعروف أنّ للأستاذ فِرنيت مقالات ودراسات عديدة وقيّمة عن الأدب العربي أشهرها كتابه (الأدب العربي) وهو كتاب ـ مفتاح للاطلاع بطريقة مختصرة علي واحد من أخصب الآداب واكثرها حيازة للمفاجآت كما تقول دار نشر احدي طبعاته، وفي هذا الكتاب يقدّم الكاتب العديد من النصوص بلغتها الأمّ متضمّنة شِعر ما قبل الاسلام الي القرن العشرين موضّحا التأثير الذي تركته الحضارة العربية علي الغربية وما أنتجه هذا التأثير من تراث أدبي مشترك. وعن طواحين الهواء يقول أنّ أوّل ما عُرف منها في الغرب كان في اسبانيا العربية، في القرن العاشر. ولتجنّب أيّ التباس حول مصطلح عربي وعربية يقول انّها هي تلك اللغة التي كتب بها أعلام الترك والفرس والعرب والاسبان والبربر وغيرهم في فترة من الفترات.
احترام للغة العربية
وهو يُكنّ لهذه اللّغة احترام العارفين لقدرها ودورها في تاريخ الحضارة الانسانية، لذلك ليس غريبا أن نسمعه يقول ان الثقافة بشكل عام يتمّ توارثها ونقلها عن طريق كلّ اللغات لكنّ العلوم انتقلت عن طريق خمس لغات هي اليونانية والعربية ولاتينيّة العصور الوسيطة والانجليزية . وان سألته عن المكان الذي وُجدت به أول طاحونة هواء في اسبانيا فلا بد وأن تلمع عيناه وهو يخبرك بأنّ ريف مدينة (طارّاغونا) في قطالونيا كان الموطن الأول لأول طاحونة هواء في الغرب ومنها انتشرت الي أوروبا في القرنين الحادي والثاني عشر. والصدفة العجيبة ـ وقد لا يكون الأمر مجرّد صدفة ـ أن المكان نفسه هو الذي يستضيف حاليا مجمع توليد الطّاقة البديلة عن طريق استغلال الطواحين الهوائية الحديثة. وهذه المعلومة ليست الاّ واحدة من كثير مشابه ينضح به فضل اسلام اسبانيا علي أوروبا أحد كُتُب (خوان فِرنيت). ويذكر الكاتب أن العرب جلبوا الي شبه الجزيرة الايبيرية تقنية طواحين الهواء بعد أن تعرّفوا علي استخداماتها علي حدود فارس كما يقول، وأعطوها اسم طاحونة الذي استعارته الّلغة الاسبانية لتدل به علي نفس معناه العربي اضافة الي اشارته في الاسبانية الي الفرن أو المخبز، أي مكان انضاج الخبز. ولا يشكّ هذا العلاّمة أنّ الثقافة الأوروبيّة ما كان لها أن تكون كما هي الآن بدون تأثير عرب اسبانيا. بل انّه يذهب أبعد من هذا عندما يقول بدون تردد أن الغرب لم يكن له أن يكون بدون تأثيرات العالم العربيّ. فالعالم العربي بدون أدني شكّ يشكّل قاعدة الغرب الحديث. وهو يوضح بسرعة أنه باستعماله للفظة عربي لا يقصد اي جنس او دين بل يقصد اللغة المستخدمة من طرف عرب وبربر وفرس وترك ويهود و اسبان أثناء العصور الوسطي، وهي اللغة التي استخدمت كواسطة لايصال الكثير والمتنوع من معارف وعلوم العصور القديمة ـ التقليدية منها أو الشرقية ـ الي عالم الاسلام الذي أتقنها وزاد عليها بشكل حاسم عن طريق مساهمات جديدة. واذا سأل سائل عن مساهمات العرب ومجالاتها يبدأ البروفسور بالعدّ حتي ليخيّل لسامعه أنه لن ينتهي حتي يأتي علي ذكر العلوم والفنون كلّها، فمن علم الفلك الي الرياضيات الي الفيزياء، ولا تنسي الطّبّ وعلم المِلاحة البحرية، وحدّث بلا حرج عن الفلسفة والأدب والمعمار والكيمياء وعلم الحيوان والنبات وطبقات الأرض، ويضيف أنهم أدخلوا الي اسبانيا من الهند الأرقام المستعملة حاليا في أوروبا والعالم كلّه، ووضعوا قواعد الحساب اللانهائي والذي سيطوّره (لَيْبنِز) فيما بعد. كما جلبوا لعبة الشطرنج التي كانت معروفة في الشرق منذ قرون، ويذكر الأستاذ أنّ الموسيقي العراقي زرياب هو الذي أحضر معه الشّطرنج الي قرطبة في عام 856 للميلاد. كل هذه المعلومات الدقيقة والمحقّقة التي يدلي بها علاّمة من وزن (خوان فِرنيت) قد لا تُعجب وهي لا تُعجب اولئك الذين لا يرون في العرب والمسلمين غير أولئك (الموروس) المتخلّفين سواء كان هذا التّخلّف حقيقيا أم مزعوما. وهناك من قد يتعجّب عند سماعه أو قراءته لكل هذه المعلومات عن تقدّم العرب والمسلمين في تلك العصور، وأصل العجب هي الفكرة السائدة عنهم كمحاربين احتلوا العالم في أقل من قرن من الزمن كما يقول البعض واستولوا علي شبه الجزيرة الايبيرية في بضع سنين (من سنة711 ميلادية الي 720 م) وان المحاربين عادة لا يتمتعون بثقافة عالية فمن أين للعرب والمسلمين كل هذه المعارف؟ الأستاذ (خوان فِرنيت) عنده جواب، قد لا يكون هو الجواب الشافي ولكنّه جواب العارف اذ يقول ان العسكر الذين دخلوا اسبانيا كانوا مقاتلين شمال افريقيين من الامازيغ ان صحّت التسمية حتّي لا نقول من البربر بمعناها السلبي اليوم وللبيان فهُم اخوان وأنسباء وأشقّاء العرب الذين ذكرهم وتحدّث عنهم ابن خلدون في مقدمته الشهيرة المبتدأ والخبر . . ، أمّا العلوم فيقول الأستاذ ( فِِرنيت) أنّها جاءت بعد الفتح بقرن من الزمان.
ويفصّل القول عن بغداد القرن التاسع التي شهدت حركة ترجمة واسعة لعلوم الاغريق واليونان واللاّتين والفرس وحتي البابليين، ومن هناك، من بغداد، من دار الحِكمة حملت رياح المسلمين كل تلك المعارف معها الي كلّ الأصقاع التي حلّوا فيها ومنها اسبانيا. وهل كانت تلك الكتب العتيقة المكتوبة بلغات منسية تستحق كلّ هذا الاهتمام من المسلمين؟وماذا كانت تحوي لتستحق كل ذاك الاهتمام؟ الأستاذ (فِرنيت) يجيب ببساطة علي عادته بأن تلك الكتب كانت تحوي أسراراً علمية ومعارف تقنية. فالعرب ايّامها كانوا أذكياء، أو أنّهم تصرّفوا بذكاء حسب شهادته، اذ قبِلوا أو طلبوا أن تدفع لهم بيزنطة بـأحسن ما عندها من مخطوطات العلوم التقليدية، وهكذا حوّلوا الي العربية أحسن علوم الفرس واليونان ومن ضمنها جلّ فكر أرسطو، وللمقاربة مع لغة عصرنا فان الأستاذ (فِرنيت) يعتبر ان ما فعله العرب المسلمون يومها كأنّه شراء براءات أحسن اختراعات العصر الحديث. وبهذه الترجمات لأمّهات العلوم القديمة أنقذ العرب المعارف البشرية التقليدية، بل انّهم ـ وخاصّة منهم عرب اسبانيا ـ درسوا هذه العلوم وبنوا عليها وحققوا تقدّما أصيلا في كل فروع المعرفة والثقافة، وأنتجوا قرونا من الحضارة والتقدم كان القرن الحادي عشر سَمْتها. وكان للترجمة مرّة أخري فضل نقل هذه المعارف الي أوروبا ولكن هذه المرّة من اللّغة العربية الي اللاّتينية عن طريق ما عُرف بمدرسة طُليْطِلة للترجمة حيث كان يعمل الايطالي الأصل (جيراردو دي كريمونا) الذي لم يترجم مثله أحد من العربية الي اللاّتينية، ولكن مراكز الترجمة من العربية كانت منتشرة في شبه الجزيرة الايبيرية ومنها ما كان في (طارازونا) واشبيلية و (أصطورغا).
تأثير العرب علي الغرب
ولأنّ الثقافة والعلوم العربيّتين كانتا الأكثر تقدّما حينها فقدكانت الكُتُب المترجمة من العربية تحظي باحترام وتقدير واسعين كما يذكر الكاتب. وقد انتقلت هذه الكتب من بلاط ملكي أو أميري اسباني أو أوروبي الي آخر، ومن ديْر الي دير باتّجاه الشمال الي أوروبا كلّها. وكان لـ (قَطالونيا) موطن العلاّمة دور في هذه العملية التاريخية، كيف لا وهي في الواقع البوّابة الجنوبيّة ومدخل وممرّ اجباري بين شبه الجزيرة الايبيرية وأوروبا تسندها جبال البيرينيه في جُزئها الجنوبيّ علي الأقلّ. وبالتحديد فان الأستاذ (فِرنيت) يذكر أنّ دير مدينة (ريبولّ) في عهد (جيربيرت) الذي سيصبح بابا للفاتيكان باسم (سيلفيستر الثاني) كان يحوي علي قائمة معتبرة من المخطوطات العربية في القرن العاشر. وللتلخيص فانّه لا يمل من تكرار أنّ كل علم الاغريق واللاتين والفرس و بابل قد وصل الي الغرب بفضل عرب اسبانيا. فهل يسمع الصّمّ الدّعاء؟ وكالعادة مع بني البشر ليس أفضل من المثل وسيلة لقطع الشّك باليقين، ولكنّ المحيّر في تأثير علوم العرب علي أوروبا هو نقطة البداية، فمن أين نبدأ بضرب الأمثال؟ فهل نبدأ من علم الفلك مثلا؟ حسناً: ـ يقول الأستاذ ـ اذ من المعروف أنّ (كوبرنيكوس) اقترح في القرن السادس عشر نظامه الفلكيّ المقبول حالياً والذي يقوم علي فرضيّة أنّ الأرض ـ وغيرها من الكواكب ـ تدور حول الشمس علي عكس ما كان شائعا وقتها من أن الشّمس وغيرها من الكواكب تدور حول الأرض وهذه هي الفرضيّة المسمّاة بالبطليموسيّة. وقد مثّل ما جاء به (كوبرنيكوس) ثورة علميّة لا تزال آثارها ماثلة حتي يومنا هذا. ولكن ما علاقة هذا بذاك؟ وأين العرب والمسلمون من كل هذا؟ حسنا ـ يضيف ـ فقد قام المفكّر الكبير ابن رشد في القرن الثاني عشر للميلاد بنقد النظام الفلكيّ القائم علي نظريات أرسطو وبطليموس، وكان (كوبرنيكوس)علي علم بأعمال ابن رشد هذه، كما كان علي علم بأعمال الفلكيّ القرطبيّ أبو اسحق ابراهيم ابن يحيي الذي يسمّيه الغرب (أثارقييل) وهذا تحريف لـ ابن الزرقالي وهو المنتمي للقرن الحادي عشر (1029 ـ 1100)، وهذا واحد من أكبر فلكيّي العالم في كل الأوقات، وهو الذي وضع أنظمة جديدة للكواكب. وقد لا يغفر سامع قول الكاتب عن ابن رشد بانّه عظيم أو كبير، فلماذا ينعته الأستاذ بهكذا نعت؟ والجواب عنده بسيط ولكنّه واضح: فـ ابن رشد هو الاسباني صاحب أكبر تأثير علي فكر البشرية في أي وقت وفي كلّ الأوقات ، يا للهول، هل يُعقل أن يكون هذا صحيحا؟ وكيف؟ ولكنّ الأستاذ أستاذ بحقّ يعرف ما يقول ولا يتعجب من العجب كأنّه يعرف أنّ الجهل كان دائما آفة الأمم. نعم، فعنده أنّ ابن رشد أعطي في الطبّ والفلك وعلم ما وراء الطبيعة والفلسفة وغيرها ما لم يعطه أحد من أبناء شبه الجزيرة الايبيرية قديما وحديثا ولا أمل أن يضاهي عطاءه أحد من اسبان المستقبل، والأستاذ يعرف أنّ (كوبرنيكوس) قرأ في المخطوطات العربية تعليقات ابن رشد الناقدة لعلم كونيات أرسطوطاليس. فشكراً ألف شكر لابن رشد، مع رغبة الباحث في التذكير بأنّ (كوبرنيكوس) قرأ أيضاً في مدينة (بادوفا) الايطالية سنة 1503 ترجمات بيزنطية لنظريات فلكية تتخذ من الشّمس مركزا لها ذات أصول فارسية منتمية لمدرسة (ماراغا). هكذا اذن، حرث ابن رشد وابن يحيي والفرس والروم من قبلهم ليأتي هذا (كوبرنيكوس) ويحصد الجوائز، ولكنّ الحقّ يجب أن يقال، فلولا الورق و(غوتنبيرغ) ومطبعته لما تهيّأت السبل لانتشار نظريات (كوبرنيكوس).
الورق
وعلي ذكر الورق فهو كما يقول الأستاذ اختراع صينيّ ولم يدخل أوروبا الاّ عن طريق اسبانيا العربية المسلمة، ففي القرن العاشر للميلاد كانت قرطبة تنعم بورقها وورّاقيها، وقبل هذا التاريخ كانت مثلا كتابة نسخة من التوراة و الانجيل علي الرقاق يلزمها ذبح مئتي خروف من الحجم الكبير، فلعلّ (ب. ب) أي (بريجيت باردو) تسمع أو تقرأ أو تري للعرب والمسلمين ولو حسنة واحدة. ولكن هل يعني هذا أنّ كل مساهمات العرب المسلمين كانت علمية وعلمية فقط؟ بالطبع لا وان كانت أغلبها كذلك، ولكن التأثير الأدبيّ مثلا للثقافة العربية الاسلامية نجده من (دانتي أليغييري) في كوميدياه الإلهية الي (بوكّاتشّو) المتأثر بألف ليلة وليلة في ديكاميرونه. وبذكر الكثير من الطليان المستفيدين من علوم وفنون العرب والمسلمين يكاد يكون طبيعيا التّساؤل عن أسباب مكر المتوفية حديثا (أُريانا فلاّتشي)، ولكن الأستاذ (يُنَرفِز) كما يقول عندما يقرأ أو يسمع أحداً يساوي بين دين الاسلام والارهاب، واذا كان ولا بدّ ـ يعترض ـ فلنتحدّث عن تطرّف اسلامي أو يهودي أو مسيحي. ولكن هل عرف الأندلسيّون التّطرّف، وهل وُجد بينهم متطرّفون؟ وهنا يحلو للأستاذ ذكر المنصور ابن أبي عميرة الذي يقال أنّه في عام 1002 م حرق مكتبة الحَكَم التي قيل أنّها حوت 400 ألف كتاب، كل ذلك ارضاء لرجال دين متزمّتين كان يهمّه رضاهم عليه، أو هكذا يعتقد الأستاذ، ويبدو أنّ مذبحة الكتب هذه لم تطل العلميّة منها اذ عادت وظهرت نُسَخ منها في طليطلة وسرقسطة، وكانت الكتب العقائدية الفكرية الموسومة بالالحاد هي المقصودة بالحرق. وقبل أن يترك السائل علم الأفلاك يرمي بآخر شكّ بقي يحوم في ذهنه: لماذا اهتمّ العرب كل ذاك الاهتمام بعلم الأفلاك؟وبماذا أفادتهم؟ وهل يعني هذا أنّهم كانوا ينظرون كثيرا الي السماء ويخافونها أم كانوا ينتظرون منها شيئا؟ ولكنّ الأستاذ لا يشفي الغليل هذه المرّة، فالفلك له علاقة بالدّين.. والملاحة. فالخرائط البحرية، وخرائط الطُرُق التي يتحفنا بها الغرب الآن، والبوصلة، كلّها مساهمات وتقدِمات عربية لأوروبا، وكذا الاصطرلاب الذي يعيّن درجة العرض بواسطة النجوم، وهي طريقة استخدمها كنعانيو السّاحل (أي الفنيقيين) الذين قادهم النجم القطبي في أسفارهم دون أن يبيحوا بسرّهم هذا لأحد. وعندما يتطرّق الأستاذ الي العلوم الطّبّية فلا يسعه الا أن يذكر من يسمّيه (أبهوميرون أفينثوهار) والذي يعيّن تاريخ ولادته وموته بين عامي 1092 و1161 ويقول عنه أنّه صاحب كتاب (التيسير) فائق الشُهرة وذائع الصيت والذي هو عبارة عن مختصر في علم الطبابة والوقاية وفيه أول وصف لدمّل أو خراج غلاف القلب، كما يحوي وصايا لخزع قصبة الرئة والتغذية الاصطناعية عن طريق المريء أو الشرج. وقد تُرجم (التيسير)الي اللاتينية في القرن الثالث عشر، علي ما يذكر الأستاذ الباحث. وقبل مغادرة هذه الفقرة يجب أن نوضح بالطّبع أن من يسمّيه الأستاذ وكلّ الغرب بـ(أبهوميرون أفينثوهار) ليس الاّ أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر، أشهر أبناء أسرة ابن زهر وهو المولود في اشبيلية وكان اشهر أطباء عصره، وتقول المصادر العربية أنه كانت له تجارب خطيرة وملاحظات دقيقة واضافات جمّة في الطّب منه وصفُهُ الأورام الحيزومية وخرّاج التامور، وهي أمراض لم توصف من قبل، وقد وافاه الأجل من جرّاء خرّاج خبيث سنة 557 هجرية في اشبيلية ودفن خارج باب النّصر، ومن غريب الصدف ـ تضيف نفس المصادر ـ أنّ أباه قد توفي بتأثير دمّل خبيث كذلك. واذا لم يكن هذا المثل شافيا فانّ الأستاذ يمضي قدما ويختار الحديث عن الجرّاح القرطبيّ (أبو القسّيس) كما يسمّيه وهو ليس الا عالم الطبّ وجراحته، بل أكبر الجرّاحين واشهرهم في زمانه علي الاطلاق ومؤلف الموسوعة الطبيّة الشهيرة الواقعة في ثلاثين كتابا والمعروفة باسم التصريف لمن عجز عن التأليف والحاوية لجميع علوم الطب والجراحة والمداواة في ذلك الزمن والتي يعالج الجزء الأخير منها مختلف أنواع الجراحات، وتحتوي علي رسومات وأوصاف تفصيلية لحوالي مئتي آلة جراحية منها الصنانير والمشارط والمسابر والمجارد والجفوت والكلاليب والمثاقب والمدسات وغيرها الكثير، و منها من اختراعه كثير، انّه أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (1030 ـ 1106) نسبة الي مدينة الزهراء، طبيب الحكم الثاني ومدرك هشام والمنصور بن أبي عميرة. وقد تُرجمت كتبه الي اللاتينية والعبرية والفرنسية والايطالية. ويقول عنه الأستاذ المستعرب أنّه مُستحدث الملقط الذي يستعين به الطبيب لاخراج الجنين في حال تعثّر خروجه الطبيعيّ والذي يُنسب زورًا لـ (شامبر)، كما ترك وصفا لعمليات البتر والبواسير والفتاق والثقب والقحف والكيّ ومهّد الطريق لـ أنطوان لافوازييه لصياغة قانون حفظ المادة. وبوجود كل هذه العبقريات ومع تقدّم عقولهم هل اعتني العرب أيّامها بالصّحة العقلية يا أستاذ؟ فيقول: لقد أخذت أوروبا من الطبّ العربي نظام المصحّات العقلية، ففي اسبانيا كانت هذه المؤسسات موجودة قبل القرن الثالث عشر ومنها انتشرت الي عموم أوروبا .
عنده جواب لكل سؤال
ويبدو الأستاذ خوان فيرنيت وكأنّ عنده جوابا لأي ولكلّ سؤال عن العرب وتاريخهم وعلومهم ولذلك يحتاج المتحدّث اليه الي خيال ومعرفة واسعتين لكي يستخرج منه عصائره المعرفية، وكمثال هاكم السؤال التالي: هل وُجد من بين العرب فرويد عربي أو شبيه له مثلا؟ يبدو السؤال خياليا الي حدّ ما ولكن معارف الأستاذ جامعة ويدل علي ذلك ذهابه بعيدا الي القرن الثامن للميلاد وبالتحديد الي أبو بكر محمّد بن سيرين، مولي أنس بن مالك، المتوفي سنة عشر ومائة للهجرة وهو ابن نيف وثمانين سنة، والذي يقول الأستاذ عنه أنّه كان يستنطق سائليه علي طريقة فرويد، و يفسّر أحلامهم. ويضيف الأستاذ أنّ العرب اعتنوا بـ علم الأحلام وكانت لديهم مجاميع مكتوبة منها لتفسيرها، وقد عمد المنصور بن أبي عميرة لفعل نفس الشيء وسار علي نهجه ألفونسو (الفونش) السادس. وقد يعتقد بعض الجهلة أن العرب كانوا ضالعين في كل العلوم وأنهم قد يكونون قد افتقدوا الشجاعة العلمية التجريبية مثلا، ولكن الأستاذ يأخذنا الي مثال عباس بن فرناس القرطبيّ الذي ضاق ذرعا بالأرض فطار في القرن الحادي عشر بعد أن صنع لباسا من الحرير المغطّي بالريش وجناحين مثل جناحي الطائر و. . . طار الي مسافة معينة وكان هبوطه غير موفق فدفــــعت مؤخرته الثمن، ولكنه عزي ذلك الخطأ الي افتقاده للذيل، وهذه الحادثة حفظها تراث اسبانيا وظـــــلّت تتردّد أصداؤها حتي القرن السابع عشر علي ما يذكــــر الأستاذ (خوان فيرنيت). جدير بالذكر أنّ الأستاذ (خوان خينيس فِرنيت) وتقديرا لجهــــوده لخدمة الثقافة العربية وتبيان مكانتها وعلاقتـــــها الوثيقة بالثقافة الاسبانية بنشره أربعين كتابا وأكثر من 300 مقال عنها كان قد فاز بجائزة الشارقة للثقافة العربية لعام 2004 مناصفة مع الأستاذ التونسي عبد الوهاب بوهديبة.
ہ كاتب فلسطيني يقيم في اسبانيا
7
صراع الحضارات اختراع لا اساس له ولا يجوز وصف الاسلام بالتطرف والجرائم ارتكبت باسم كل الاديان
لولا الورق العربي وغوتنبيرغ مطبعتها لما تهيّأت السبل لانتشار نظريات كوبرنيكوس التي اخذها عن المسلمين
21/11/2006
ثامر بيراوي
إذا كان هناك رجل في العالم يعرف أين بُنِيت أول طاحونة هواء في أوروبا من صنف تلك التي ناطحها دون كيشوت في القرن السابع عشر ، فإنّ هذا الرجل لا بدّ أن يكون خوان فيرنيت خِنيس،الذي يعتبر واحدا من أفضل المستعربين أو المستشرقين الإسبان في العالم.دكتور فلسفة وأدب منذ 1948، وأستاذ كرسيّ الّلغة والأدب العربيين في جامعة برشلونة منذ عام 1954،أحد أعرق دارسي الإسلام داخل وخارج إسبانيا، وأوّل من تخصّص من مؤرّخي الإسبان المعاصرين في دراسة علوم العرب وتطور علوم القرون الوسطي والنهضة وبخاصّة منها الفلك والخرائط البحرية وهي مواضيع صدرت له عنها عدة كتب ورسائل. عضو الأكاديمية الملكية للآداب في برشلونة منذ عام 1959 ،وعضو الأكاديمية العالمية لتاريخ العلوم في باريس منذ عام 1960وفي كثير من المؤسسات العلمية والثقافية والتاريخية الدولية والمحلية، راسل ونشر في أعرق المجلات والنشرات المتخصصة وشارك في إعداد أكثر من موسوعة علمية وتاريخية، جاوز الثمانين عاما وبذلك فهو شيخ من شيوخ المستعربين وموسوعة تاريخية وعلمية متخصصة بعلوم العرب وإسبانيا المسلمة.ولد في برشلونة عاصمة إقليم قطالونيا عام 1923، من تآليفه الكثيرة نخصّ بالذكر (ألأدب العربي ـ 1966 ) ، (التنجيم وعلم الفلك في عصر النهضة الأوروبية. الثورة الكوبرنيكوسية ـ 1974)، (تاريخ العلوم الإسبانية ـ 1976)، (الثقافة الإسبانية العربية في المشرق والمغرب ـ 1978)، (محمّد ـ 1987) وغيرها الكثيروخاصّة منها ترجمته للقرآن ولكتاب ألف ليلة وليلة.
اذا كان هناك رجل في العالم يعرف أين بُنِيت أول طاحونة هواء في أوروبا من صنف تلك التي ناطحها دون كيشوت في القرن السابع عشر، فانّ هذا الرجل لا بدّ أن يكون خوان فيرنيت خِنيس، الذي يعتبر واحدا من أفضل المستعربين أو المستشرقين الاسبان في العالم. دكتور فلسفة وأدب منذ 1948، وأستاذ كرسيّ الّلغة والأدب العربيين في جامعة برشلونة منذ عام 1954، أحد أعرق دارسي الاسلام داخل وخارج اسبانيا، وأوّل من تخصّص من مؤرّخي الاسبان المعاصرين في دراسة علوم العرب وتطور علوم القرون الوسطي والنهضة وبخاصّة منها الفلك والخرائط البحرية وهي مواضيع صدرت له عنها عدة كتب ورسائل. عضو الأكاديمية الملكية للآداب في برشلونة منذ عام 1959، وعضو الأكاديمية العالمية لتاريخ العلوم في باريس منذ عام 1960وفي كثير من المؤسسات العلمية والثقافية والتاريخية الدولية والمحلية، راسل ونشر في أعرق المجلات والنشرات المتخصصة وشارك في اعداد أكثر من موسوعة علمية وتاريخية، جاوز الثمانين عاما وبذلك فهو شيخ من شيوخ المستعربين وموسوعة تاريخية وعلمية متخصصة بعلوم العرب واسبانيا المسلمة. ولد في برشلونة عاصمة اقليم قطالونيا عام 1923، من تآليفه الكثيرة نخصّ بالذكر (الأدب العربي ـ 1966)، (التنجيم وعلم الفلك في عصر النهضة الأوروبية. الثورة الكوبرنيكوسية ـ 1974)، (تاريخ العلوم الاسبانية ـ 1976)، (الثقافة الاسبانية العربية في المشرق والمغرب ـ 1978)، (محمّد ـ 1987) وغيرها الكثير وخاصّة منها ترجمته للقرآن ولكتاب ألف ليلة وليلة.
المدافع عن العالم العربي
وأعمال الأستاذ خوان فِرنيت ومسيرته العلمية تنتمي الي مدرسة برشلونة ذات التاريخ الطويل في الانتاج الفكري المتّصل بالدراسات العربية والاسلامية، وقد كان له فضل الارتقاء بها الي مستويات عالمية قادته في مسيرته يد أستاذه (مِيّاس فايِّكروسا) وسار علي دربهما العديد من طلابهما الذين أغنوا المكتبات بثمارهم الطّيبة. وهو لا يعتريه أدني شكّ حول علاقة العرب باسبانيا وروي كيف تعرّف علي ملاكم مغربي يحمل نفس اسم عائلته ولا يُخفي تفاجؤه باكتشاف أن عائلات فاسيّة كثيرة تحمل نفس الاسم، فهل يكون فِرنيت موريسكيا؟ وأكثر ما يلفت الانتباه في سيرته الذاتية الغنية والطويلة هو ما يحلو له التصريح به من أنّه حنيف من الوجهة العقائدية، أي من الأحناف الموحدين بالله، ولذلك فلا غرابة أن يكون وسطيا كما يصف نفسه. وهو مدافع عن العالم العربي وهذا ما قد يفسّر عزوفه عن الكلام في السياسة التي يصرّح بكرهها، ولا تهمّه الأحداث الراهنة كما لم تهمّه الحرب الأهلية الاسبانية كما يقول، فكلّها حروب وصراعات قامت لأسباب غير ضرورية. هذا لا يعني نقصانا في الذّاكرة أو العلم ولكنّ السنين أنهكت الجسد، فها هو لا يستطيع النزول الي الرامبلاس البرشلونية لشراء الصحف العربية علي عادته. والأكيد أنّه يبتعد في كلامه عن التبسيط وكثيرا ما يجيب بسؤال وقد يُنهي كلامه بجملة من الصعب شرح هذا الشيء وكأنّ ما جري في العالم منذ خمس سنين قد زاد الي همومه هماً آخر. ومع هذا، وبسبب تاريخه ومعارفه يبقي الأستاذ قبلة ومنارا ومرجعا ينتظر منه الكثيرون أجوبة علي أسئلة أصبحت خبزا يوميا في الشرق والغرب، وهكذا، هل حُكم علينا أن نخوض حربا مقدّسة كما يدّعي البعض؟ وعلي طريقة العارفين يجيب الأستاذ بلا التواء: الحرب المقدّسة غير موجودة في أيّ مكان. أنا ترجمت القرآن مرّتين وفيه كلمة جهاد التي تعني بذل الجهد. ولا بدّ لي من أن أعترف بأنّني ترجمت كلمة جهاد الي حرب مقدّسة في بعض المواضع وسأظل أشعر بالذنب طيلة حياتي لهكذا خطأ . وطبعا فخطأ الشاطر العارف يظل أثقل من خطأ غيره، ولكنّ الأستاذ يعرف أنّه عوضاً عن تقنيّة الترجمة تتداخل في المسألة النوايا، فصحيح أنّ لكل مترجم ما نوي، ولكن من الثّابت أنّ مصطلح الحرب المقدّسة ليس عربياً ولا قرآنياً، ومع هذا قد نتّفق مع الأستاذ فِرنيت علي أنّ معني الجهاد خضع أيضا لتأثيرات ولتفسيرات حسب الأزمنة والمدارس الفكرية. ولا يغيب عن ذهن الأستاذ الظرف التاريخي المعاصر حيث يري أنّ الصراع بين المسلمين والغرب المسيحي قد أفرز حالة جديدة لم يتوقّعها القرآن حسب زعمه تتلخص في لجوء ملايين من المسلمين الي الغرب وما نتج عن هذا اللجوء من اختلاط وتزاوج مما استدعي العمل علي اخراج تفاسير جديدة للقرآن لحلّ الاشكالات الجديدة الناتجة عن هذا الاختلاط، وفي رأيه أنّ هذه التفاسير الجديدة للقرآن فتحت الباب للفهم الخاطيء للاسلام مما زاد طين معرفة الغرب السطحية للاسلام بلّة.
اي عصر ينتمي اليه بوش؟
ويحلو لنا في هذا المقام الاشارة الي أنّ الأستاذ فِرنيت ككثيرين من الدارسين العرب والمستشرقين الغربيين لا يتطرّق الي تجربة تاريخية غنية هي الأولي لجموع من المسلمين اضطرّوا للعيش تحت حكم غير مسلم وهي التجربة التي كانت اسبانيا ميدانها وأنتجت تراثا فكريا وفقهيا اسلاميا فريدا لا زال يحتاج الي الدّراسة والمراجعة خصوصا هذه الأيّام. ولتبيان ما أشار اليه الأستاذ من تضارب في فهم بعض مباديء الاسلام بين الماضي والحاضر وفي اشارة الي الزوابع التي أثارتها قضية الرسوم يقول الأستاذ فِرنيت أنّ هناك نقوشا وصورا لمحمّد (ص) تعود الي القرن الثّالث عشر، وفي رأينا أن في هذا خلطا مستغربا من الأستاذ خاصّة عندما يضيف أنّ هناك في ايطاليا مثلا صوراً للعذراء مريم اطارها مُزيّن بالشّهادة، وهو يعترف أنّ هذا لا يعني الاّ أنّ من وضعها لم يفعل ذلك الاّ لأنه وجدها جميلة. وعلي كلّ حال فالأستاذ يقدّم رأياً موفقا لشرح عدم امكانية وجود حرب مقدسة معلنة من طرف المسلمين، ذلك أنّ اعلانا من هذا النوع يستوجب في رأيه وجود شرطين معدومين في الوقت الراهن أولهما وجود نوع من الوحدة والتناسق بين المسلمين، وثانيهما اتّفاق عام علي هذه الحرب المفترضة. ولكن الأستاذ فِرنيت يشير الي أنّ بعض الأسر الاسلامية الحاكمة قد استخدمت مفهوم الحرب المقدسة من أجل هدف حصريّ وهو حثّ الجمهور علي الانخراط في الجيش والحصول بذلك علي أعداد متزايدة من الجنود وهذا في رأيه يشبه المباركة التي كانت تحصل عليها الجيوش الصليبية. وقد يكون حكم الأستاذ علي الحروب الحديثة هو الأهمّ، اذ يقول عنها أنّها لا تتمتع بأيّ قداسة. ويري أنّه لا يجوز وصف الاسلام بالمغالاة، وبين مصطلح المغالاة والتطرف يفضّل الأخير، ويجيب سائليه عن بن لادن بسؤالهم عن (سافونارولا) المتديّن الايطالي المعاصر لأل (مديتشي) في فلورنس، واذا كان (سافونارولا) ينتمي الي العصور الوسطي فالأستاذ يتساءل عن العصر الذي ينتمي اليه (بوش) لينتهي الي القول أنّ الجرائم قد ارتكبت في كلّ الأنحاء، وكأنه يتساءل عن سبب التركيز الحاصل علي بعضها دون الأخري، ولقليلي الذاكرة يقول الأستاذ: أتذكّرأنّ تطرّفا عمّ أوروبا في الأربعينيات مدعوما بقوانين مكتوبة وانتهي بابادة منظّمة لستّة ملايين شخص . ويصف الأستاذ ما يسمّي صراع الحضارات بأنّه اختراع. ويضيف: بالأمس كنت أضحك وأنا أقرأ نصّا من بلاد الرافدين عمره 4000 عام يتحدّث ـ بطريقة مشابهة لما يفعله حكّام أمريكا اليوم ـ عن تخفيض للضرائب بسبب ضعف الموسم الزراعي، وهذا ليس المثل الأوحد، فالعلوم السامية واليونانية واحدة، وفي الواقع وصل الينا الكمّ الأكبر من العلوم الهيلينية بواسطة اللغة العربية بالترجمات الي لاتينية القرون الوسطي . جدير بالذكر أن الأستاذ فِرنيت يري أنّ القرآن لا يحوي تطرفا أكثر مما يحويه العهد القديم مثلا، ولتأكيد هذا الرأي يدعو المستغربين الي مراجعة سفر التثنية مثلا. وعن التطور يقول انّ الاسلام متطور في كثير من الأشياء مثله مثل الغرب، والفرق يكمن في نسبة الأميين في الغرب والعالم الاسلامي. وعن امكانيات التقارب الثقافي بين العالمين الغربي والاسلامي يلجأ الأستاذ الي ما يقوله القرآن من أنّ ابراهيم عليه السلام لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكنّه كان حنيفا موحداً، وفي رأيه فانّ هذا القول يحوي مفتاحا للتفاهم والتقارب. ومن المعروف أنّ للأستاذ فِرنيت مقالات ودراسات عديدة وقيّمة عن الأدب العربي أشهرها كتابه (الأدب العربي) وهو كتاب ـ مفتاح للاطلاع بطريقة مختصرة علي واحد من أخصب الآداب واكثرها حيازة للمفاجآت كما تقول دار نشر احدي طبعاته، وفي هذا الكتاب يقدّم الكاتب العديد من النصوص بلغتها الأمّ متضمّنة شِعر ما قبل الاسلام الي القرن العشرين موضّحا التأثير الذي تركته الحضارة العربية علي الغربية وما أنتجه هذا التأثير من تراث أدبي مشترك. وعن طواحين الهواء يقول أنّ أوّل ما عُرف منها في الغرب كان في اسبانيا العربية، في القرن العاشر. ولتجنّب أيّ التباس حول مصطلح عربي وعربية يقول انّها هي تلك اللغة التي كتب بها أعلام الترك والفرس والعرب والاسبان والبربر وغيرهم في فترة من الفترات.
احترام للغة العربية
وهو يُكنّ لهذه اللّغة احترام العارفين لقدرها ودورها في تاريخ الحضارة الانسانية، لذلك ليس غريبا أن نسمعه يقول ان الثقافة بشكل عام يتمّ توارثها ونقلها عن طريق كلّ اللغات لكنّ العلوم انتقلت عن طريق خمس لغات هي اليونانية والعربية ولاتينيّة العصور الوسيطة والانجليزية . وان سألته عن المكان الذي وُجدت به أول طاحونة هواء في اسبانيا فلا بد وأن تلمع عيناه وهو يخبرك بأنّ ريف مدينة (طارّاغونا) في قطالونيا كان الموطن الأول لأول طاحونة هواء في الغرب ومنها انتشرت الي أوروبا في القرنين الحادي والثاني عشر. والصدفة العجيبة ـ وقد لا يكون الأمر مجرّد صدفة ـ أن المكان نفسه هو الذي يستضيف حاليا مجمع توليد الطّاقة البديلة عن طريق استغلال الطواحين الهوائية الحديثة. وهذه المعلومة ليست الاّ واحدة من كثير مشابه ينضح به فضل اسلام اسبانيا علي أوروبا أحد كُتُب (خوان فِرنيت). ويذكر الكاتب أن العرب جلبوا الي شبه الجزيرة الايبيرية تقنية طواحين الهواء بعد أن تعرّفوا علي استخداماتها علي حدود فارس كما يقول، وأعطوها اسم طاحونة الذي استعارته الّلغة الاسبانية لتدل به علي نفس معناه العربي اضافة الي اشارته في الاسبانية الي الفرن أو المخبز، أي مكان انضاج الخبز. ولا يشكّ هذا العلاّمة أنّ الثقافة الأوروبيّة ما كان لها أن تكون كما هي الآن بدون تأثير عرب اسبانيا. بل انّه يذهب أبعد من هذا عندما يقول بدون تردد أن الغرب لم يكن له أن يكون بدون تأثيرات العالم العربيّ. فالعالم العربي بدون أدني شكّ يشكّل قاعدة الغرب الحديث. وهو يوضح بسرعة أنه باستعماله للفظة عربي لا يقصد اي جنس او دين بل يقصد اللغة المستخدمة من طرف عرب وبربر وفرس وترك ويهود و اسبان أثناء العصور الوسطي، وهي اللغة التي استخدمت كواسطة لايصال الكثير والمتنوع من معارف وعلوم العصور القديمة ـ التقليدية منها أو الشرقية ـ الي عالم الاسلام الذي أتقنها وزاد عليها بشكل حاسم عن طريق مساهمات جديدة. واذا سأل سائل عن مساهمات العرب ومجالاتها يبدأ البروفسور بالعدّ حتي ليخيّل لسامعه أنه لن ينتهي حتي يأتي علي ذكر العلوم والفنون كلّها، فمن علم الفلك الي الرياضيات الي الفيزياء، ولا تنسي الطّبّ وعلم المِلاحة البحرية، وحدّث بلا حرج عن الفلسفة والأدب والمعمار والكيمياء وعلم الحيوان والنبات وطبقات الأرض، ويضيف أنهم أدخلوا الي اسبانيا من الهند الأرقام المستعملة حاليا في أوروبا والعالم كلّه، ووضعوا قواعد الحساب اللانهائي والذي سيطوّره (لَيْبنِز) فيما بعد. كما جلبوا لعبة الشطرنج التي كانت معروفة في الشرق منذ قرون، ويذكر الأستاذ أنّ الموسيقي العراقي زرياب هو الذي أحضر معه الشّطرنج الي قرطبة في عام 856 للميلاد. كل هذه المعلومات الدقيقة والمحقّقة التي يدلي بها علاّمة من وزن (خوان فِرنيت) قد لا تُعجب وهي لا تُعجب اولئك الذين لا يرون في العرب والمسلمين غير أولئك (الموروس) المتخلّفين سواء كان هذا التّخلّف حقيقيا أم مزعوما. وهناك من قد يتعجّب عند سماعه أو قراءته لكل هذه المعلومات عن تقدّم العرب والمسلمين في تلك العصور، وأصل العجب هي الفكرة السائدة عنهم كمحاربين احتلوا العالم في أقل من قرن من الزمن كما يقول البعض واستولوا علي شبه الجزيرة الايبيرية في بضع سنين (من سنة711 ميلادية الي 720 م) وان المحاربين عادة لا يتمتعون بثقافة عالية فمن أين للعرب والمسلمين كل هذه المعارف؟ الأستاذ (خوان فِرنيت) عنده جواب، قد لا يكون هو الجواب الشافي ولكنّه جواب العارف اذ يقول ان العسكر الذين دخلوا اسبانيا كانوا مقاتلين شمال افريقيين من الامازيغ ان صحّت التسمية حتّي لا نقول من البربر بمعناها السلبي اليوم وللبيان فهُم اخوان وأنسباء وأشقّاء العرب الذين ذكرهم وتحدّث عنهم ابن خلدون في مقدمته الشهيرة المبتدأ والخبر . . ، أمّا العلوم فيقول الأستاذ ( فِِرنيت) أنّها جاءت بعد الفتح بقرن من الزمان.
ويفصّل القول عن بغداد القرن التاسع التي شهدت حركة ترجمة واسعة لعلوم الاغريق واليونان واللاّتين والفرس وحتي البابليين، ومن هناك، من بغداد، من دار الحِكمة حملت رياح المسلمين كل تلك المعارف معها الي كلّ الأصقاع التي حلّوا فيها ومنها اسبانيا. وهل كانت تلك الكتب العتيقة المكتوبة بلغات منسية تستحق كلّ هذا الاهتمام من المسلمين؟وماذا كانت تحوي لتستحق كل ذاك الاهتمام؟ الأستاذ (فِرنيت) يجيب ببساطة علي عادته بأن تلك الكتب كانت تحوي أسراراً علمية ومعارف تقنية. فالعرب ايّامها كانوا أذكياء، أو أنّهم تصرّفوا بذكاء حسب شهادته، اذ قبِلوا أو طلبوا أن تدفع لهم بيزنطة بـأحسن ما عندها من مخطوطات العلوم التقليدية، وهكذا حوّلوا الي العربية أحسن علوم الفرس واليونان ومن ضمنها جلّ فكر أرسطو، وللمقاربة مع لغة عصرنا فان الأستاذ (فِرنيت) يعتبر ان ما فعله العرب المسلمون يومها كأنّه شراء براءات أحسن اختراعات العصر الحديث. وبهذه الترجمات لأمّهات العلوم القديمة أنقذ العرب المعارف البشرية التقليدية، بل انّهم ـ وخاصّة منهم عرب اسبانيا ـ درسوا هذه العلوم وبنوا عليها وحققوا تقدّما أصيلا في كل فروع المعرفة والثقافة، وأنتجوا قرونا من الحضارة والتقدم كان القرن الحادي عشر سَمْتها. وكان للترجمة مرّة أخري فضل نقل هذه المعارف الي أوروبا ولكن هذه المرّة من اللّغة العربية الي اللاّتينية عن طريق ما عُرف بمدرسة طُليْطِلة للترجمة حيث كان يعمل الايطالي الأصل (جيراردو دي كريمونا) الذي لم يترجم مثله أحد من العربية الي اللاّتينية، ولكن مراكز الترجمة من العربية كانت منتشرة في شبه الجزيرة الايبيرية ومنها ما كان في (طارازونا) واشبيلية و (أصطورغا).
تأثير العرب علي الغرب
ولأنّ الثقافة والعلوم العربيّتين كانتا الأكثر تقدّما حينها فقدكانت الكُتُب المترجمة من العربية تحظي باحترام وتقدير واسعين كما يذكر الكاتب. وقد انتقلت هذه الكتب من بلاط ملكي أو أميري اسباني أو أوروبي الي آخر، ومن ديْر الي دير باتّجاه الشمال الي أوروبا كلّها. وكان لـ (قَطالونيا) موطن العلاّمة دور في هذه العملية التاريخية، كيف لا وهي في الواقع البوّابة الجنوبيّة ومدخل وممرّ اجباري بين شبه الجزيرة الايبيرية وأوروبا تسندها جبال البيرينيه في جُزئها الجنوبيّ علي الأقلّ. وبالتحديد فان الأستاذ (فِرنيت) يذكر أنّ دير مدينة (ريبولّ) في عهد (جيربيرت) الذي سيصبح بابا للفاتيكان باسم (سيلفيستر الثاني) كان يحوي علي قائمة معتبرة من المخطوطات العربية في القرن العاشر. وللتلخيص فانّه لا يمل من تكرار أنّ كل علم الاغريق واللاتين والفرس و بابل قد وصل الي الغرب بفضل عرب اسبانيا. فهل يسمع الصّمّ الدّعاء؟ وكالعادة مع بني البشر ليس أفضل من المثل وسيلة لقطع الشّك باليقين، ولكنّ المحيّر في تأثير علوم العرب علي أوروبا هو نقطة البداية، فمن أين نبدأ بضرب الأمثال؟ فهل نبدأ من علم الفلك مثلا؟ حسناً: ـ يقول الأستاذ ـ اذ من المعروف أنّ (كوبرنيكوس) اقترح في القرن السادس عشر نظامه الفلكيّ المقبول حالياً والذي يقوم علي فرضيّة أنّ الأرض ـ وغيرها من الكواكب ـ تدور حول الشمس علي عكس ما كان شائعا وقتها من أن الشّمس وغيرها من الكواكب تدور حول الأرض وهذه هي الفرضيّة المسمّاة بالبطليموسيّة. وقد مثّل ما جاء به (كوبرنيكوس) ثورة علميّة لا تزال آثارها ماثلة حتي يومنا هذا. ولكن ما علاقة هذا بذاك؟ وأين العرب والمسلمون من كل هذا؟ حسنا ـ يضيف ـ فقد قام المفكّر الكبير ابن رشد في القرن الثاني عشر للميلاد بنقد النظام الفلكيّ القائم علي نظريات أرسطو وبطليموس، وكان (كوبرنيكوس)علي علم بأعمال ابن رشد هذه، كما كان علي علم بأعمال الفلكيّ القرطبيّ أبو اسحق ابراهيم ابن يحيي الذي يسمّيه الغرب (أثارقييل) وهذا تحريف لـ ابن الزرقالي وهو المنتمي للقرن الحادي عشر (1029 ـ 1100)، وهذا واحد من أكبر فلكيّي العالم في كل الأوقات، وهو الذي وضع أنظمة جديدة للكواكب. وقد لا يغفر سامع قول الكاتب عن ابن رشد بانّه عظيم أو كبير، فلماذا ينعته الأستاذ بهكذا نعت؟ والجواب عنده بسيط ولكنّه واضح: فـ ابن رشد هو الاسباني صاحب أكبر تأثير علي فكر البشرية في أي وقت وفي كلّ الأوقات ، يا للهول، هل يُعقل أن يكون هذا صحيحا؟ وكيف؟ ولكنّ الأستاذ أستاذ بحقّ يعرف ما يقول ولا يتعجب من العجب كأنّه يعرف أنّ الجهل كان دائما آفة الأمم. نعم، فعنده أنّ ابن رشد أعطي في الطبّ والفلك وعلم ما وراء الطبيعة والفلسفة وغيرها ما لم يعطه أحد من أبناء شبه الجزيرة الايبيرية قديما وحديثا ولا أمل أن يضاهي عطاءه أحد من اسبان المستقبل، والأستاذ يعرف أنّ (كوبرنيكوس) قرأ في المخطوطات العربية تعليقات ابن رشد الناقدة لعلم كونيات أرسطوطاليس. فشكراً ألف شكر لابن رشد، مع رغبة الباحث في التذكير بأنّ (كوبرنيكوس) قرأ أيضاً في مدينة (بادوفا) الايطالية سنة 1503 ترجمات بيزنطية لنظريات فلكية تتخذ من الشّمس مركزا لها ذات أصول فارسية منتمية لمدرسة (ماراغا). هكذا اذن، حرث ابن رشد وابن يحيي والفرس والروم من قبلهم ليأتي هذا (كوبرنيكوس) ويحصد الجوائز، ولكنّ الحقّ يجب أن يقال، فلولا الورق و(غوتنبيرغ) ومطبعته لما تهيّأت السبل لانتشار نظريات (كوبرنيكوس).
الورق
وعلي ذكر الورق فهو كما يقول الأستاذ اختراع صينيّ ولم يدخل أوروبا الاّ عن طريق اسبانيا العربية المسلمة، ففي القرن العاشر للميلاد كانت قرطبة تنعم بورقها وورّاقيها، وقبل هذا التاريخ كانت مثلا كتابة نسخة من التوراة و الانجيل علي الرقاق يلزمها ذبح مئتي خروف من الحجم الكبير، فلعلّ (ب. ب) أي (بريجيت باردو) تسمع أو تقرأ أو تري للعرب والمسلمين ولو حسنة واحدة. ولكن هل يعني هذا أنّ كل مساهمات العرب المسلمين كانت علمية وعلمية فقط؟ بالطبع لا وان كانت أغلبها كذلك، ولكن التأثير الأدبيّ مثلا للثقافة العربية الاسلامية نجده من (دانتي أليغييري) في كوميدياه الإلهية الي (بوكّاتشّو) المتأثر بألف ليلة وليلة في ديكاميرونه. وبذكر الكثير من الطليان المستفيدين من علوم وفنون العرب والمسلمين يكاد يكون طبيعيا التّساؤل عن أسباب مكر المتوفية حديثا (أُريانا فلاّتشي)، ولكن الأستاذ (يُنَرفِز) كما يقول عندما يقرأ أو يسمع أحداً يساوي بين دين الاسلام والارهاب، واذا كان ولا بدّ ـ يعترض ـ فلنتحدّث عن تطرّف اسلامي أو يهودي أو مسيحي. ولكن هل عرف الأندلسيّون التّطرّف، وهل وُجد بينهم متطرّفون؟ وهنا يحلو للأستاذ ذكر المنصور ابن أبي عميرة الذي يقال أنّه في عام 1002 م حرق مكتبة الحَكَم التي قيل أنّها حوت 400 ألف كتاب، كل ذلك ارضاء لرجال دين متزمّتين كان يهمّه رضاهم عليه، أو هكذا يعتقد الأستاذ، ويبدو أنّ مذبحة الكتب هذه لم تطل العلميّة منها اذ عادت وظهرت نُسَخ منها في طليطلة وسرقسطة، وكانت الكتب العقائدية الفكرية الموسومة بالالحاد هي المقصودة بالحرق. وقبل أن يترك السائل علم الأفلاك يرمي بآخر شكّ بقي يحوم في ذهنه: لماذا اهتمّ العرب كل ذاك الاهتمام بعلم الأفلاك؟وبماذا أفادتهم؟ وهل يعني هذا أنّهم كانوا ينظرون كثيرا الي السماء ويخافونها أم كانوا ينتظرون منها شيئا؟ ولكنّ الأستاذ لا يشفي الغليل هذه المرّة، فالفلك له علاقة بالدّين.. والملاحة. فالخرائط البحرية، وخرائط الطُرُق التي يتحفنا بها الغرب الآن، والبوصلة، كلّها مساهمات وتقدِمات عربية لأوروبا، وكذا الاصطرلاب الذي يعيّن درجة العرض بواسطة النجوم، وهي طريقة استخدمها كنعانيو السّاحل (أي الفنيقيين) الذين قادهم النجم القطبي في أسفارهم دون أن يبيحوا بسرّهم هذا لأحد. وعندما يتطرّق الأستاذ الي العلوم الطّبّية فلا يسعه الا أن يذكر من يسمّيه (أبهوميرون أفينثوهار) والذي يعيّن تاريخ ولادته وموته بين عامي 1092 و1161 ويقول عنه أنّه صاحب كتاب (التيسير) فائق الشُهرة وذائع الصيت والذي هو عبارة عن مختصر في علم الطبابة والوقاية وفيه أول وصف لدمّل أو خراج غلاف القلب، كما يحوي وصايا لخزع قصبة الرئة والتغذية الاصطناعية عن طريق المريء أو الشرج. وقد تُرجم (التيسير)الي اللاتينية في القرن الثالث عشر، علي ما يذكر الأستاذ الباحث. وقبل مغادرة هذه الفقرة يجب أن نوضح بالطّبع أن من يسمّيه الأستاذ وكلّ الغرب بـ(أبهوميرون أفينثوهار) ليس الاّ أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر، أشهر أبناء أسرة ابن زهر وهو المولود في اشبيلية وكان اشهر أطباء عصره، وتقول المصادر العربية أنه كانت له تجارب خطيرة وملاحظات دقيقة واضافات جمّة في الطّب منه وصفُهُ الأورام الحيزومية وخرّاج التامور، وهي أمراض لم توصف من قبل، وقد وافاه الأجل من جرّاء خرّاج خبيث سنة 557 هجرية في اشبيلية ودفن خارج باب النّصر، ومن غريب الصدف ـ تضيف نفس المصادر ـ أنّ أباه قد توفي بتأثير دمّل خبيث كذلك. واذا لم يكن هذا المثل شافيا فانّ الأستاذ يمضي قدما ويختار الحديث عن الجرّاح القرطبيّ (أبو القسّيس) كما يسمّيه وهو ليس الا عالم الطبّ وجراحته، بل أكبر الجرّاحين واشهرهم في زمانه علي الاطلاق ومؤلف الموسوعة الطبيّة الشهيرة الواقعة في ثلاثين كتابا والمعروفة باسم التصريف لمن عجز عن التأليف والحاوية لجميع علوم الطب والجراحة والمداواة في ذلك الزمن والتي يعالج الجزء الأخير منها مختلف أنواع الجراحات، وتحتوي علي رسومات وأوصاف تفصيلية لحوالي مئتي آلة جراحية منها الصنانير والمشارط والمسابر والمجارد والجفوت والكلاليب والمثاقب والمدسات وغيرها الكثير، و منها من اختراعه كثير، انّه أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (1030 ـ 1106) نسبة الي مدينة الزهراء، طبيب الحكم الثاني ومدرك هشام والمنصور بن أبي عميرة. وقد تُرجمت كتبه الي اللاتينية والعبرية والفرنسية والايطالية. ويقول عنه الأستاذ المستعرب أنّه مُستحدث الملقط الذي يستعين به الطبيب لاخراج الجنين في حال تعثّر خروجه الطبيعيّ والذي يُنسب زورًا لـ (شامبر)، كما ترك وصفا لعمليات البتر والبواسير والفتاق والثقب والقحف والكيّ ومهّد الطريق لـ أنطوان لافوازييه لصياغة قانون حفظ المادة. وبوجود كل هذه العبقريات ومع تقدّم عقولهم هل اعتني العرب أيّامها بالصّحة العقلية يا أستاذ؟ فيقول: لقد أخذت أوروبا من الطبّ العربي نظام المصحّات العقلية، ففي اسبانيا كانت هذه المؤسسات موجودة قبل القرن الثالث عشر ومنها انتشرت الي عموم أوروبا .
عنده جواب لكل سؤال
ويبدو الأستاذ خوان فيرنيت وكأنّ عنده جوابا لأي ولكلّ سؤال عن العرب وتاريخهم وعلومهم ولذلك يحتاج المتحدّث اليه الي خيال ومعرفة واسعتين لكي يستخرج منه عصائره المعرفية، وكمثال هاكم السؤال التالي: هل وُجد من بين العرب فرويد عربي أو شبيه له مثلا؟ يبدو السؤال خياليا الي حدّ ما ولكن معارف الأستاذ جامعة ويدل علي ذلك ذهابه بعيدا الي القرن الثامن للميلاد وبالتحديد الي أبو بكر محمّد بن سيرين، مولي أنس بن مالك، المتوفي سنة عشر ومائة للهجرة وهو ابن نيف وثمانين سنة، والذي يقول الأستاذ عنه أنّه كان يستنطق سائليه علي طريقة فرويد، و يفسّر أحلامهم. ويضيف الأستاذ أنّ العرب اعتنوا بـ علم الأحلام وكانت لديهم مجاميع مكتوبة منها لتفسيرها، وقد عمد المنصور بن أبي عميرة لفعل نفس الشيء وسار علي نهجه ألفونسو (الفونش) السادس. وقد يعتقد بعض الجهلة أن العرب كانوا ضالعين في كل العلوم وأنهم قد يكونون قد افتقدوا الشجاعة العلمية التجريبية مثلا، ولكن الأستاذ يأخذنا الي مثال عباس بن فرناس القرطبيّ الذي ضاق ذرعا بالأرض فطار في القرن الحادي عشر بعد أن صنع لباسا من الحرير المغطّي بالريش وجناحين مثل جناحي الطائر و. . . طار الي مسافة معينة وكان هبوطه غير موفق فدفــــعت مؤخرته الثمن، ولكنه عزي ذلك الخطأ الي افتقاده للذيل، وهذه الحادثة حفظها تراث اسبانيا وظـــــلّت تتردّد أصداؤها حتي القرن السابع عشر علي ما يذكــــر الأستاذ (خوان فيرنيت). جدير بالذكر أنّ الأستاذ (خوان خينيس فِرنيت) وتقديرا لجهــــوده لخدمة الثقافة العربية وتبيان مكانتها وعلاقتـــــها الوثيقة بالثقافة الاسبانية بنشره أربعين كتابا وأكثر من 300 مقال عنها كان قد فاز بجائزة الشارقة للثقافة العربية لعام 2004 مناصفة مع الأستاذ التونسي عبد الوهاب بوهديبة.
ہ كاتب فلسطيني يقيم في اسبانيا
7