المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصيدة علي بن زين العابدين



البصري
13-11-2006, 06:06 PM
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَـنِِإِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحـدِ والكَفَـنِ
إِنَّ الغَريِـبَ لَـهُ حَـقٌّ لِغُرْبَـتِـهِعلى الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ
لا تَنْهَرنَّ غريبـاً حَـالَ غُربتـهِالدَّهْـرُ يَنْهْـرُه بالـذُّلِ والمِحَـنِ
ِسَفَري بَعيـدٌ وَزادي لَـنْ يُبَلِّغَنـيوَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايا ذُنـوبٍ لَسْـتُ أَعْلَمُهـاالله يَعْلَمُهـا فـي السِّـرِ والعَلَـنِ
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَنـي حَيْـثُ أَمْهَلَنـيوقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبـي ويَسْتُرُنِـي
تَمُرُّ ساعـاتُ أَيَّامـي بِـلا نَـدَمولا بُكـاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حَـزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْلِـقُ الأَبْـوابَ مُجْتَهِـداًعَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَا زَلَّةً كُتِبَتْ فـي غَفْلَـةٍ ذَهَبَـتْيَا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُنـي
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسـي وَأَنْدِبُهـاوَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَـزَنِ
دَعْ عَنْكَ عَذْلي يَا مَنْ كان يَعْذِلُنـيلَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا بي كُنْت تَعْذُرُنـي
دَعْني أَسِحُّ دُمُوعاً لا انْقِطَـاعَ لَهَـافَهَلْ عَسَى عَبْرَةٌ مِنْهَـا تُخَلِّصُنـي
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهـلِ مُنطَرِحَـاًعَلـى الفِـراشِ وَأَيْديهِـمْ تُقَلِّبُنـي
كَأَنَني وَحَوْلي مَـنْ يَنُـوحُ ومَـنْيَبْكِـي عَلَـيَّ ويَنْعَانـي وَيَنْدُبُنـي
وَقد أَتَوْا بِطَبيـبٍ كَـيْ يُعالِجَنـيوَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُنـي
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُهامِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَـوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِهاوصَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوابَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَـنِ
وَقامَ مَنْ كانَ حِبَّ النّاسِ في عَجَـلٍنَحْـوَ المُغَسِّـلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنـي
وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِـلاً حَذِقـاًحُراً أَرِيبـاً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِـنِ
فَجاءَنـي رَجُـلٌ مِنْهُـمْ فَجَرَّدَنـيمِنَ الثِّيـابِ وَأَعْرَانـي وأَفْرَدَنـي
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاًوَصَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُنـي
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقـي وَغَسَّلَنـيغُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَـوْمَ بِالكَفَـنِ
وَأَلْبَسُونـي ثِيابـاً لا كِمـامَ لهـاوَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَـوا أَسَفـاًعَلـى رَحِيـلٍ بِـلا زادٍ يُبَلِّغُنـي
وَحَمَّلوني علـى الأْكتـافِ أَربَعَـةٌمِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَـنْ يُشَيِّعُنـي
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفـواخَلْفَ الإِمَامِ فَصَلَّـى ثـمّ وَدَّعَنـي
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكـوعَ لهـاولا سُجـودَ لَعَـلَّ اللهَ يَرْحَمُـنـي
وَأَنْزَلوني إلى قَبري علـى مَهَـلٍوَقَدَّمُـوا واحِـداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَنيوَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيـهِ أَغْرَقَنـي
فَقـامَ مُحتَرِمـاً بِالعَـزمِ مُشْتَمِـلاًوَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَنـي
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّـرْبَ واغْتَنِمـواِحُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبـرِ لا أُمٌّ هنـاك ولاأَبٌ شَفـيـقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّـسُـنـي
وَهَالَني صُورَةْ في العَين إذ نَظَرَتْمِنْ هَوْلِ مَـا قَـدْ كَـانَ أَدْهَشَنـي
فَرِيدٌ .. وَحِيـدُ القبـرِ، يـا أَسَفـاًعَلى الفِراقِ بِـلا عَمَـلٍ يُزَوِّدُنـي
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْمِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَنـي
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقـولُ لهـمقَدْ هَالَني أَمْرُهُـمْ جِـداً فَأَفْزَعَنـي
وَأَقْعَدونـي وَجَـدُّوا فـي سُؤالِهِـمُمَالِي سِوَاكَ إِلهي مَـنْ يُخَلِّصُنِـي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنـك يـا أَمَلـيِفَإِنَّنـي مُوثَـقٌ بِالذَّنْـبِ مُرْتَهَـنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُـواوَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلـيوَحَكَّمَتْهُ فِـي الأَمْـوَالِ والسَّكَـنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَـدي عَبْـداً لِيَخْدُمَهـاوَصَارَ مَالي لهم حِـلاً بِـلا ثَمَـنِ
فَـلا تَغُرَّنَّـكَ الدُّنْيـا وَزِينَتُـهـاوانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِهاهَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَـنِ
خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِهـاهَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَـنِ
يَا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَـراًءيَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِيفِعْلاً جميـلاً لَعَـلَّ اللهَ يَرحَمُنـي
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناًعَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَـنِ
ثمَّ الصلاةُ علـى الْمُختـارِ سَيِّدِنـامَا وَضّأ البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَـنِ
والحمـدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَـابِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْسـانِ وَالمِنَـنِ


** علي زين العابدين :
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين ، ويقال أبو الحسن ، ويقال أبو محمد ، ويقال أبو عبدالله المدني ( زين العابدين ) وأحد من كان يُضرب بهم المثل في المثل في الحلم والورع ، يقال له ( علي الأصغر ) للتمييز بينه وبين أخيه علي الأكبر ، مولده ووفاته بالمدينة ، أحُصي بعد موته عدد من كان يقوتهم سراً ، فكانوا نحو مائة بيت ، قال بعض أهل المدينة ما فقدنا صدقة السر إلا بعد موت زين العابدين ، وقال محمد بن إسحاق كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدورن من أين معايشهم ومآكلهم ، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلاً إلى منازلهم ، وليس للحسين السبط عقب إلا منه ، مات سنة 94 هـ وقيل 95 هـ ، وقال أبن عينه عن جعفر بن محمد عن أبيه ( مات علي بن الحسين وهو ابن 58 سنة رحمه الله ورضي عنه ) أنظر وفيات الأعيان 3 : 266 ، والطبقات لأبن سعد 5 : 211 ، وصفة الصفوة 2 : 93 ، وحلية الأولياء 3 : 133 ، وابن الوزدي 1 : 180 ، ومنهاج السنة 2 : 113 إلى 123 ، والشوارد لعبدالله خميس ج2 قافية النون .