المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بغداد دفنت هولاكووعاشت بغداد ودفنت تيمورلنك وستعيش بغداد وتدفن جورج بوش



الكاسر الفلسطيني
30-10-2006, 12:44 AM
بيبي اسكوبار (ترجمة خاصة لدورية العراق)



لكن السيناريو المتوقع لما بعد كانون الاول للعراق هو: عراق يستعبده صندوق النقد الدولي، وشركات النفط الكبيرة توقع اتفاقيات انتاج مشترك يسيل لها اللعاب، وانسحاب "جزئي" للقوات ، ومعارك مقاومة لا تنتهي ، ومزيد من التفكك الذي يفتح الطريق للتقسيم .

"الاستمرار في الطريق يعني ايضا ان لا نترك المهمة قبل انهائها . وهذا .. اننا ماضون في انهاء المهمة في العراق. ومن المهم ان ننهي المهمة في العراق"-
جورج بوش ، 11 تشرين اول

العراق ليس فقط قضية انتخابية امريكية . انها مأساة انسانية بمقاييس تاريخية . ومن هنا ضرورة ان نضع المأساة في هذه المرحلة في مضمونها التاريخي .

في عام 750 الميلادي قامت الخلافة العباسية باجتثاث البداوة من الاسلام بعد ان انهت الخلافة الاموية في دمشق. ولم تعد الثقافة في البلاط العباسي ثقافة عربية فقط وانما شملت الفرس والاتراك . واصبح الاسلام دينا عالميا لا تحده الجغرافية . واصبحت "بلداك" وهي بغداد كما كان المسافرون الاوربيون يسمونها مركز العالم حتى نهاية القرن الثامن عشر .

من 786 الى 809 ميلادية وفي ظل حكم هارون الرشيد الاسطوري الذي اقام علاقات مع سلالة تانج في الصين و" الامبراطور الأمي" شارلمان – اعطت بغداد العالم الفلك والكيمياء وعلم الهيدروليكا والدبلوماسية والادارة المالية والخدمات البريدية . وبقيت حتى بداية القرن الثاني عشر ،اهم مركز فكري في العالم .

لقد وقعت بغداد تحت حصار الاشوريين ومن ثم الفرس ولكن في عام 1258 نهبت بغداد لأول مرة بما يشبه الغزو الامريكي – فقد اغار المغول بخيولهم السريعة سرعة البرق تحت قيادة هولاكو حفيد جنكيز خان الاسطوري وقيل انه اقام هرما من 700 الف جمجمة لضحاياه.

في عام 1401 كان هناك غزو آخر وهذه المرة من المغولي التركي تيمورلنك الذي دمر بغداد مرة اخرى . في 2003 بعد تدمير "الصدمة والرعب" جاءت الجيوش المسيحية للرئيس جورج بوش . ومن اول وهلة كانت المقارنات مع هولاكو وتيمورلنك واضحة في المخيلة الشعبية . فعلى مر الايام كان البغداديون - سنة وشيعة – يقولون : سوف نملي ايقاعنا ونفرض انفسنا على المحتلين . وهذا مايحدث الان.

ان مستنقع العراق ليس لعبة فيديو في القرن الواحد والعشرين يلعبها العرب في ارماجدون بحركة بطيئة . ان هذه قصة مؤلمة تجري فيها انهار دم حقيقي وتراكم فظيع لجثث حقيقية . والقصة تم تأليفها في واشنطن – ولم تكن الحبكة لتستمر بدون الولايات المتحدة الامريكية . ان الولايات المتحدة تتحمل كل المسؤولية الاخلاقية والقانونية لدمار عاصمة الخلافة الاسطورية السابقة والجناح الشرقي للامة العربية .

وفي هذا المضمون يجب وضع الشعار الراهن السائد في الولايات المتحدة الان .

يعكس شهر رمضان الدموي في العراق الالية الجهنمية التي اطلقها الغزو والاحتلال – حفلات الموت اليومية المرعبة التي يقيمها ارهاب ترعاه الدولة و يلهبه حقد طائفي او انهيار كامل للعقد الاجتماعي.

ان منطق تصفية مجتمع وثقافة هو من صلب النهج الجاري منذ مارس 2003. وفي الواقع جرى قضاء منهجي على 2-3% من سكان العراق حسب دراسة مجلة لانسيت الاخيرة ، ناهيك عن مليون من الناس الذين هجروا من اماكنهم منذ مارس 2003 واكثر من 500 الف طفل مات خلال التسعينات وهم ضحايا العقوبات الدولية . لقد تعرض العراق الى تدمير منهجي متواصل لاكثر من 15 سنة بدون توقف.

وهو يزداد سوءا لان ادارة بوش تعتبر كل هذا الموت والدمار تفصيلة هامشية في (الصورة الكبيرة) .

وفي تكرار مرعب لما حدث في الغابات الفيتنامية ، خسر البنتاغون حرب العصابات التي تشن في الحزام السني . لقد تم الاستعداء الكامل للعرب السنة . سبعون بالمائة منهم يساندون الهجمات ضد المحتل بدون أي تحفظ . ولا عجب ان صدام حسين مازال محبوبا . ففي هذا الشهر اجتمع حوالي 500 رئيس عشيرة عربية ومسؤولون من حزب البعث في الشرطة والجيش والاستخبارات معا في الهندية التي تبعد 25 كم من كركوك من اجل ان يجددوا البيعة لصدام الذي وصفوه بأنه "القائد الاعلى والرئيس الشرعي" .

صحيح ان نظام صدام بدأ بالتفكك من الداخل بعد حرب الخليج في 1991 – وهي عملية ترافقت مع التأثيرات المدمرة للعقوبات الدولية . وقد سارع كل ذلك التدمير لروح المجتمع المدني في اعادة العراق الى نظام العشائر . وحتى رغم ان الانتماء للعشيرة هو الطريقة الوحيدة الان لحل المشاكل في العراق ، فإن الاغلبية الصامتة لا يهمها سوى الامن : لا احد من هؤلاء يهتم بما يراه الغرب من انقسامات سنية شيعية ، ومعظم العرب والاكراد والتركمان يتشاركون في الكثير من المصالح الاجتماعية والثقافية والتجارية . وبعكس الاسطورة التي خلقها الغرب فإن المجتمع المدني العراقي ككل – ماعدا بعض الطوائف- يمقت الحرب الاهلية.

تحالف النهب

يجب على الراي العام العالمي ان يتحول الى اشارة الخطر الحمراء . لأن مستقبل العراق الحقيقي وليس الافتراضي سوف يتقرر في كانون الاول . والمسألة هي ان قانونا جديدا للنفط – يمكن تسميته على حقيقته (برنامج الديْن مقابل النفط ) سوف يفرضه صندوق النقد الدولي . وهذا هو الهدف الحقيقي للغزو الامريكي – عوائد استثمار مئات البلايين من الدولارات من اموال دافعي الضرائب الامريكان التي صرفت على غزو واحتلال العراق . انها ليست حربا تشنها السياسة بطرق اخرى وانما هي حرب لفتح سوق حر بطرق اخرى – وهي الانخراط الامريكي الكامل في مركز حروب الطاقة والموقع الجيوستراتيجي المثالي ل "استئناس" روسيا والصين في المستقبل القريب.

لم يتوسع أي من المراقبين في هذا الموضوع كما ان وسائل الاعلام الامريكية السائدة التزمت صمتا رهيبا .

لقد هبط وزير الطاقة الامريكية صامويل بودمان في بغداد في الصيف واصر على ضرورة قيام العراقيين بـ" تشريع قانون الهايدروكاربون والذي بموجبه تستطيع الشركات الاجنبية ان تستثمر " وقد وافق وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني وقال ان القانون سوف يشرع في نهاية 2006 كما وعدوا من قبل صندوق النفط الاجنبي .*
(هذا هو قانون الاستثمار الذي ناقشه برلمانهم قبل فترة وبتسرع غير منطقي- المترجمة)

وبدون عجب : فقد كان من واجب امراء السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء ان يبسطوا هيمنتهم – من خلال خدمهم العراقيين الذين ينفذون الطلبات بأجور عالية – في وزارة النفط اضافة الى اصحاب المناصب الادارية المهمة في الوزارات العراقية المهمة . فإن مسودة قانون استثمار الطاقة راجعه صندوق النقد الدولي وبودمان ورؤساء شركات النفط الكبار . ولكنه لن يسمح للمجتمع العراقي المدني مراجعته او ابداء الرأي فيه : بل ترك هذا للبرلمان العراقي المؤلف من طوائف يمكن شراؤهم بسهولة بحفنة دنانير .

ادارة بوش تريد شخصا لتوقيع القانون . ان امة العراق كما تشكلت بالخطة الامبريالية البريطانية هي كيان اصطناعي لايمكن " ترويضه" الا بحاكم قوي مثل صدام حسين . وطبعا لا بد ان يكون الرجل القوي هو "رجلنا" والا يدمر كما فعلنا بصدام حسين . وقد انتشرت مؤخرا اشاعات حول انقلاب تدبره الولايات المتحدة لاستبدال رئيس الوزراء الخائب نوري المالكي . والمسكين المالكي اذا تشبث بأقل حد من الوحدة الوطنية لايمكنه بطبيعة الحال توقيع قانون النفط . وهنا لابد ان يأتي الرجل القوي الذي تدعمه واشنطن والمنطقة الخضراء : والمرشح المحتمل هو رئيس الوزراء السابق اياد علاوي الذي امر بتدمير الفلوجة عام 2004.

لايهم ماذا يحدث في انتخابات نصف المدة الامريكية في الشهر المقبل ، ولكن السيناريو المتوقع لما بعد كانون الاول للعراق هو : عراق يستعبده صندوق النقد الدولي ، وشركات النفط الكبيرة توقع اتفاقيات انتاج مشترك يسيل لها اللعاب، و انسحاب "جزئي" للقوات ، ومعارك مقاومة لا تنتهي ، ومزيد من التفكك الذي يفتح الطريق للتقسيم .

قطاعات كبيرة من الناخبين الامريكان قد فهموا الان ان المغامرة العراقية بنيت على اكاذيب: اكاذيب حول اسباب الحرب واكاذيب حول منهجية الحرب واكاذيب حول النتائج الفظيعة للحرب . ولهذا لن يكون هناك معنى للشعارات الجديدة المتعلقة بالعراق التي تسود الاعلام الامريكي الان . وهي تشمل "انسحاب مرحلي" " تمكين الحكومة العراقية " "وضع الامن مقدما على الديمقراطية" "تقسيم العراق" . ان سريالية العلاقات الدولية سوف تصل اعلى ذرواتها (او انحداراتها) حين تأمر الولايات المتحدة دولة ذات سيادة ان تفكك نفسها ، وبالمقارنة مع ذلك فإن المذابح الحالية في بغداد – والتي قسمت فعليا – سوف تعتبر قطرة في بحر لما سيأتي.

وهناك المزيد : اليأس الشكسبيري حول "اعادة الانتشار والاحتواء" أو " الامن اولا" وهي الشعارات التي صاغتها مجموعة بحث العراق لجيمس بيكر صديق عائلة بوش والتي تضم الكثير من المحافظين الجدد المؤيدين لحرب العراق. ويبدو ان ضحية الشعار الجديد للحرب هو الشعار القديم " الاستمرار في الطريق" وقد استبدله السكرتير الصحفي للبيت الابيض توني سنو بشعار "دراسة في حركة مستمرة". على اية حال فإن الفائز بعد الانتخابات في تشرين الثاني – سيكون "الاستقرار اولا" وهو اصلا تنويع على "الاستمرار في الطريق" .

كيف يمكن للامريكان – والرأي العام العالمي – ان ينهمك في نقاش جاد مثمر عندما تختصر مأساة العراق الى مجرد لفظ اعلامي ؟ هذه الدوامة الغامضة ، هذه "الدراسة في حركة مستمرة " هي الصورة الزائفة لمناقشة السياسة العراقية بين الصفوة المثقفة .

قراءة اخرى اكثر تشاؤما . وهي تنذر بان ادارة بوش والصفوة الملحقة بها تفقد السيطرة على كل شيء . ولهذا السبب يمكن ان يصبحوا اكثر خطرا . في 19 تشرين الاول ، كرر نائب الرئيس ديك تشيني بان الطريق الوحيد للخروج من العراق هو "النصر التام " . ويوضح مثال تاريخي حديث كآبة هذا الخيار . حين جابهت الولايات المتحدة الهزيمة في فيتنام ، لم "تعد الانتشار والاحتواء" بل على العكس ، امتد الموت والدمار الى لاوس وكمبوديا. ان شعار بيكر "الاستقرار اولا" قد يتضمن عناوين فرعية اخرى سرية .

ان تعبير "النصر التام" في عالم ديك تشيني يعني ان ادارة بوش لم ولا و لن تهتم بـ"ديمقراطية" العراق أو الشرق الاوسط. فما يهم هو السيطرة على اخف واروع واثمن نفط خام في كوكب الارض. فإن 112 بليون برميل منه احتياطي اضافة الى 220 بليون برميل يمكن استغلالها الان بكلفة دولار واحد للبرميل ، ومجموعة من القواعد العسكرية واكبر سفارة/ قلعة على دجلة في العالم و نظام عميل لايمكن الاستغناء عنه .

باختصار "تحالف النهب" الذي تؤمنه آلة الحرب الامريكية طويلة الذراع .

ويتوقف على بغداد التاريخ والمجد ان تخرب لهم الحفلة . لقد عاشت بغداد ودفنت هولاكو وعاشت بغداد ودفنت تيمورلنك وستعيش بغداد وتدفن جورج بوش.
المصدر : آسيا تايمز

** المقالة ترجمة : بثينة الناصري - خاصة بدورية العراق