المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الملثمون...الله اكبر ...الله أكبر ....الله أكبر



صدام فلسطين
27-07-2004, 08:42 PM
الملثمــــــون

شبكة البصرة
رائد الحامد
كان الملثمون الحريصون على أرواح العراقيين...قد دخلوا مدرسة ابتدائية في الطرف الغربي من المدينة ...أمروا مديرها بان يدق جرس الانصراف ضحى ذلك اليوم , وعادة ما يكون طويلا ومتصلا ...خرج التلاميذ يقصدون بيوتهم , ببرائتهم يتساءلون , لماذا ؟...لم تمض سوى خمس عشرة دقيقة ... , حينها أدرك الملثمون أن تلاميذنا وأحبتنا أصبحوا الآن في بيوتهم ...لا خوف عليهم إذن !...أمروا مدير المدرسة بالمغادرة...غادرها وقد فهم الأمر تماما ...تمتم بالدعاء لهم بالنصر والحماية ..

كانت المعلومات تشير إلى إن رتلا من الآليات الأمريكية ...سيتخذ من الشارع المار أمام المدرسة مسلكا له...قال احدهم , قد يغير الأعداء طريقهم في اللحظات الأخيرة ...حدث هذا أكثر من مرة ...فلهم عيونهم من ....أب....ب.ن.ن----اء..وو...ووط...طن..ني

انطلقت مجموعة نحو الطرف الجنوبي من المدينة ...اتخذت من أحد البيوت مأوى ومكمنا لها ...وفي ذات الوقت تحركت مجموعة أخرى من المقاومين إلى الطرف الشرقي من المدينة , المسرح الأكيد للمعركة القادمة ... دقائق مرت ... لا اثر للأمريكان ... خيبة أمل اعترت نفوس المقاومين ... دقائق أخرى تمر...بطيئة ثقيلة كأنها ا لدهر... بملابسهم المجللة بالسواد ووجوههم النضرة المستبشرة,اختنقت تمتما تهم بدعاء محتبس بين الشفاه...دقائق أخرى... وأخرى... تبدد القلق...

من بعيد , كان هدير المحركات يطرق إسماع المقاومين...الرتل المعادي يقترب شيئا فشيئا...

الآن,...الحمد لله... الأعداء يدخلون دائرة موتهم المؤكد... قرب المدرسة , هلل المقاومون وكبروا...الله اكبر...الله اكبر... قذيفة صاروخية تحيل إحدى مدرعاتهم إلى ركام من جثث ونار ورماد... كعادتهم , أطلق الأمريكان النار عشوائيا, بكثافة تنبئ عن حقيقة رعبهم وخذلانهم... حمد لله وشكرا...لم يصب أي من المدنيين من أبناء وطني بأذى, شخصا كان أم ممتلكا... انسحب المقاومون إلى عمق المدينة ... كان المقاومون قد أجهزوا على سيارة همر وأحالوها نارا في هشيم تذروه الرياح...لم ينج منهم احدا... ...لكن الرتل لم يدمر تماما ... انطلق المقاومون نحو الطرف الاخر من المدينة بسم الله وحصانته... اتخذوا من البيوت القريبة مواضعا للقتال... كان الأمر أكثر من رائع...سائق سيارة الأجرة, والسيارات الأخرى... الكل يسارع في نقل المقاومين إلى اقرب نقطة من مسرح المعركة شرق المدينة... اتحدت المجاميع الثلاث...و ما أن وصل الاعداء إلى الطرف الشرقي من المدينة ....حتى بادرهم المقاومون بنيرانهم ... قاذفات صواريخ وهاونات وأسلحة خفيفة أخرى... معركة بكل المقاييس ...

اعترف احد قادتهم حينها بان المقاومة, لها قيادة موحدة وان عملياتها تتسم بالتنسيق والتنظيم ... يقول هذا ... ويحدد, بأنها محصورة في ما يسمى ,((المثلث السني))...تسمية بائسة بؤس مطلقيها... هل حدد هذا القائد أضلاع المثلث السني؟…

أن عليه أن يدرك أن حدود هذا المثلث هو, العالم بأسره ,المسلمون والعرب حيثما كانوا …العراقيون أينما وحيثما وجدوا …إلا من لبس لبوسهم … وهؤلاء قلة بائسون… يخجلون من النظر إلى صورهم في المرآة… احدهم قال هذا !!… وقد خلع عنه الرداء الأمريكي وأعلن توبته… وأخر قال ,حيثما وأينما فكرت في نفسي أجدها جيفة…أجد نفسي لا تساوي مقدار بعوضة أو خردلة… اشعر أن دمائي صارت سوداء نتنه...هو قال هذا... وأكده!!!...

********

مع أول اطلاقة في الطرف الشرقي من المدينة... النسوة,لم يستأذن ازواجهن ...خرجن إلى أبواب بيوتهن... إلى السطوح... إلى الشوارع... هكذا طلب المقاومون منهن بمنشورات وزعت قبيل المعركة بساعات.... وهكذا فعلن...وهكذا يفعلون ... كن يزغردن مع كل قذيفة...مع كل دوي...احداهن قالت:-

-ولدي معهم...

-اللهم فاكتب له نصرا وشهادة تمناها في سبيلك... يا الله ...يا الله... يا الله ، صمتت ثم أضافت:-...

- سأزغرد حين يشيعه إخوانه المقاومون ... وان رأى أحدكم دمعة على خدّي ... فليقل للناس عني ما يقول !!... اللهم إلا إن كانت دمعة فرح أو شكر لله ...

لقد استجاب الله لها في علاه ... وأوفت بعهدها أمامه و الناس ...وكانت من الصديقات ...غبطنها جاراتها...

مرت أكثر من نصف ساعة ... تعالت الزغاريد ثانية ...ملء الكون بأرجائه تكبيرات وزغاريد... نسوة وشيوخ ... والله ,حتى الأطفال... أطفال في الثامنة والعاشرة , كانوا يكبرون بأعلى صوت...

الله اكبر ... الله اكبر... لا اله الاالله...

كانوا يصرخون ... بكاءا يخرج من حناجرهم... يتردد في العلا صداه ... دموعهم تمتزج بصرخات الله اكبر... دموعهم لا اله الاالله...

براءة تقشعر لها الأبدان ... كانوا يصرخون... ويصرخون

-من أين لكم يا أحبتي هذا التهدج وهذه الخشية ؟...

-أين أصواتكم الناعمة؟...أين...؟

نراهم ... نغبطهم... طفلة في عامها الرابع... لم تكن على مبعدة عنهم... كانت ترفع كفيها الناعمتين نحو السماء ... تقلدهم في ضراعتهم... تقدم أبوها من بعيد ... رآها تتشبث بعينيها النقيتين إلى الله...تقدم نحوها وتقدم... أبكته ... بلكنتها المحببة إلى نفسه... يسمعها تصرخ معهم...عيناها تزدادان طهرا ونقاءا...دموعها سلسبيل عذب...

-الله أتبر... الله أتبر(أي الله اكبر)

قال:

- حبيبتي ادخلي إلى البيت... دعي ماما تعطيك شوكولاته..

صمت قليلا...بصوت ممتزج بالبكاء, أضاف:

- ابقي قريبة منها… انك مريضة بالقلب… أخاف عليك يا بابا…

ردت بعفوية ,وهي تزداد صراخا وترديدا مع الأطفال الآخرين...

- الله أتبر ..يا بابا...؟… - ستجري لي عملية في القلب …قد أموت يابابا..؟

تساءلت , سكتت قليلا… كبرت مع الأطفال ثانية … كان أبوها يطوقها بكلتا يديه…أضافت:-

- الله يخليك يابابا اشتر لي من عمو مثل مال الفلسطينين...ساستبدل ثيابي بأخرى, سأؤسخها بالتراب… سأوسخ وجهي… سوف لن يخاف مني الامريتان (أي الأمريكان)…سأدخل في دبابتهم … أقول لهم …أريد نستلة وعلته(أي علكه).,... وحين ادخل , اعمل عملية انفجارية وانفجر - هكذا قالت - (إي عملية استشهادية)

اتجهت بنظراتها نحو الأطفال … رددت وراءهم ما كانوا يرددون…سكتت...

عادت إلى وجه أبيها …

قال:-

- لااريد أن أفقدك يا حييتي… من يطوق عنقي كل ليلة … من يروي الحكايا لبابا حتى ينام؟...

تهدج صوته وبان بكائه…

قالت:-

- لم تبك يا بابا؟ ...الم تقل لي ... , أن الأطفال حين يموتون يصبحون (طيورا في الجنة)؟.. سأطير هناك وأفتش عنك ... سأقول لـ ( الله) - هكذا قالت - ثم أضافت:-

- يا الله ذاك بابا ... الله يخليك جيبو لي (اجلبه لي)... الجنة حلوه أحلى من هذه الدنيا....

ضمها إلى صدره من جديد ... كان يجلس القرفصاء أمام بيته ...ضمها بقوة ...أحس بان عظامها الناعمة تتهشم بين يديه... بكى و بكى ...حملها إلى أمها:

- لا تدعيها تخرج إلى الباب ابدآ!

- نظر إلى وجهها ثانية ... كانت حزينة.... حزينة جدا...

قالت:

- أنت زعلان يا بابا؟...

قال:-

-كلا يا طفلتي الحبيبة

ببرائتها قالت : -

- أنت كذاب يا بابا ... فلماذا تبكي إذن ؟!! ...

قال : -

- أبكي خوفا عليك ... لن أدعك تموتين ...

قاطعته قائلة:-

- أنا لا أموت يا بابا ... ( أنا راح أنتظرك بالجنة ... بس لا تتأخر !!!...ها !!! )

تركها عند أمها ... خرج من بيته ثانية ... يداري دموعا ما عاد يجدي معها حبسا ولا كتمانا

التحق إلى جوقة الأطفال هذه المرة شبابا ونساءا ... ينظرون عن بعد ... مدرعة أخرى تنفجر هذه المرة بمن فيها من البائسين ... يكذب من قال أنها بلا إصابات ... مرة أخرى تعالت التكبيرات والزغاريد ... مدرعة أخرى تنفجر أيضا ... وأخرى ... صار المجموع أربعا من المدرعات وسيارة همر ...

ترصد المقاومون السيارة الاخيرة...فهل نجت فعلا ؟ ...

أصّر أحد المقاومون على تدميرها قبل انسحابه ... قذيفة مباركة باسم الله, والله أكبر ... كما اعتاد المقاومون القول حين يطلقون ... إنه نحر الأعداء على الطريقة الإسلامية ... لم ينج منهم أحدا...

في هذه اللحظات بالذات ... بدأت طائرات الأباتشي تحوم في سماء المعركة ... كان أصحاب السيارات العامة والخاصة ، يتبارون في نقل المقاومين بعيدا ... في الطريق , كان المقاومون يخلعون عنهم اللثام ويناولونه إلى بعض النسوة اللواتي ينتشرن في الشوارع الفرعية...آخرون , كانوا يناولون السلاح إلى أخريات... وهكذا ... إحداهن تناولت قاذفة الآر بي جي ... دستها تحت عباءتها ... انطلقت نحو بيتها ... أخفتها هناك ... سيزورها المقاوم مرة أخرى ,ويستعيد سلاحه ممهورا بالدعاء والقبل ... يقف المرء منا إكبارا لنسوة وأطفال كهؤلاء ... أمة فيها خنساوات بمثل هذه الروح ، لم ولن تهزم بإذن الله الناصر ... وأمة فيها أطفال يفكرون بهذه الطريقة لا خوف عليها ولن تموت ...

wnbr1959@gawab.com

شبكة البصرة

االثلاثاء 10 جماد الثاني 1425 / 27 تموز 2004