المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمريكا ومشروع صدام التاريخي



البصري
27-07-2004, 01:15 PM
لا مفرّ من التسوية التاريخية التي اقترحها صدام حسين



بقلم ناهض حتر

ترفض فرنسا والمانيا - ممثلتا أوروبا - وروسيا والصين, التعاون مع ادارة بوش الصغير في العراق. وهناك دول اخرى, اقل استقلالية - مثل اليابان وكوريا الجنوبية - تلعب دوراً ثانوياً بالنظر الى امكاناتها, بينما تراوغ دول عديدة حول العالم, واشنطن, في التعامل الجدي مع الحكومة العراقية المؤقتة.

لا تريد الحكومات - حتى اكثرها خضوعاً - أن ترى بوش الصغير في البيت الأبيض مرة اخرى, ولذلك, فهي تتركه يتخبط في المستنقع العراقي, فاذا فعلها وفاز - بالرغم من كل شيء - بفترة رئاسية ثانية, سيكون محطماً كفاية, وجاهزاً لتسوية في العراق, تمنع احتراق سنواته الاربع الاضافية. ولكن, اذا جاء الديمقراطي جون كيري, فهو سيبادر, مباشرة, الى اقتراح تسوية على اسس »رشيدة« بالنسبة للاقطاب الدوليين.

لذلك, فالأشهر الخمسة القادمة - كما قلنا أمس - هي فترة انتظار وليست فترة »دعم« للحكومة العراقية المؤقتة التي لا تعدو كونها »صيغة« للحملة الانتخابية الجمهورية. اعني انها مؤقتة فعلاً, لا بالمعنى القانوني فقط, ولكن بالمعنى السياسي ايضاً. انها »ورقة« وليست اتجاهاً.

والتسوية الدولية حول العراق, هي بالاساس, تسوية حول ثرواته النفطية الهائلة التي ستشكل بيضة القبان في المعادلة النفطية الدولية الحساسة. ففي العراق, سوف يتقرر اذا ما كان سعر برميل النفط سوف يقفز, خلال العقد القادم, الى مستويات تهدد الاقتصاد العالمي, أم أن النفط العراقي سوف يتدفق - مع استثمارات جديدة - لاحداث توازن في السوق. العراق هو البلد النفطي الوحيد القادر على الوصول الى مستوى الانتاج السعودي (10.5 ملايين برميل يومياً) بل وتخطي هذا المستوى, والحفاظ, بالتالي, على مستويات اسعار مرنة. وهذا السيناريو يتطلب استقرار العراق, واعادة بنائه, والاستثمار الكثيف في ثرواته النفطية.

الاستقرار يتوقف على استيعاب القوى الاجتماعية - السياسية الرئىسية في العراق في عملية سياسية وطنية تحظى بالدعم الدولي. وهذه العملية ليست ممكنة من دون جلاء الاحتلال الامريكي واعوانه اولاً من أجل تأسيس شرعية وطنية جديدة هي الاطار الوحيد الممكن لتأسيس نظام سياسي مستقر, وثانياً, من أجل ضمان حرية التنافس بين الاقطاب على الاستثمارات النفطية اللاحقة.

اذن, فاستقلال العراق مطلب عراقي ودولي, واساس لا غنى عنه للتسوية التي ستسمح, بالطبع, للامريكيين, بالاستثمار.. ولكن ليس بالقرار النفطي الذي لا بد ان يكون عراقياً, لكي يكون »عادلاً« على المستوى الدولي.

واذا ما الحت الولايات المتحدة على رفض تسوية كهذه, فهي لن تربح شيئاً. المقاومة سوف تعرقل الاستقرار, واحجام العالم عن المشاركة في اعادة البناء السياسي والاقتصادي, سوف يضاعف الورطة الامريكية. بالمقابل, سيكون على الشعب العراقي ان يخوض حرباً طويلة ومضنية ضد المحتلين واعوانهم.

الحل الوحيد العقلاني والواقعي للأزمة العراقية -وهي ذات مضمون دولي ملح - يكمن في تصفية الاحتلال الامريكي, وهذا لا يعني, فقط, رحيله, ولكن ايضاً, رحيل كل اولئك »العراقيين« الذين جاؤوا على دباباته ووقف التدخل الايراني, وايجاد تسوية وطنية للمشكلة الكردية. وسوف تضمن الأمم المتحدة, اجراء انتخابات حرة وانبثاق حكومة وطنية ذات شرعية, عراقية ودولية.

وهذه التسوية الممكنة, لا تحظى - حتى الان - بقناعة اطراف اساسية في المقاومة العراقية. وهي تقترح, بالمقابل, استمرار الكفاح حتى طرد المحتلين من دون تسوية دولية. وهذا التصور واقعي ميدانياً بالرغم من أنه مكلف. لكن تبقى, هنا, اسئلة اساسية, هي: ما هي ضمانات بناء نظام ديمقراطي تعددي? وحل المشكلة الكردية? وكيف يمكن تأمين نبذ التدخلات الاقليمية? واخيراً, كيف يتم تأمين الاموال اللازمة لاعادة البناء وتحديث وتوسيع الانتاج النفطي العراقي?! وهذه - كلها - اسئلة تهم العراقيين ومستقبل العراق, مثلما تهم العالم.. ومستقبله. الا يمكن, بالتالي, تخطيها.

- لقد كان المشروع الصدامي كله - بطموحاته الاستثنائية وتكاليفه الاستثنائية - محاولة لبناء العراق قوة اقليمية رئيسية قادرة على صيانة ثرواتها النفطية الهائلة, واستثمارها - بجهود وطنية - في التنمية الداخلية والتأثير على النظام العربي والاقليمي والسياسة الدولية.

... وقد استطاعت الامبريالية الامريكية أن تضرب هذا المشروع .

- وكان العدوان والحصار الدولي المديد على العراق منذ ,1990 نوعاً من التوافق (والصراع) على تجميد البحث في الثروة النفطية العراقية, حتى تصبح التسوية المتوازنة ممكنة.

- وقد قررت واشنطن كسر هذا الجمود, واستخدام القوة, خارج الشرعية الدولية والاجماع الدولي, من أجل الانفراد بالعراق ونفطه.

.. وقد استطاعت المقاومة العراقية ان تضرب هذا المشروع المعزول دولياً, وتلزه الى البحث عن »مخرج«. وهو ما اوضحنا اسبابه الموضوعية مراراً.

- ان هذا الاستعصاء يحمل, في طياته, عناصر الحل, عبر الاعتراف باستقلال العراق وسيطرته على نفطه, وحقه في التنمية والقوة, بينما يضمن العراق المستقل المصالح الدولية.

وعند هذه النقطة, سوف تلحظ التسوية, بالضرورة, حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية, ولتوزيع الثروة على المستوى القطري والعربي, وهو ما سيسمح بالتطور الديمقراطي, واستيعاب الظاهرة »الارهابية«.

أليست هذه هي التسوية التي اقترحها صدام حسين منذ 15 عاماً? انها ما تزال هي الوحيدة الممكنة تاريخياً..