باسل قصي العبادله
08-10-2006, 01:31 AM
زلزال المقاومة العراقية على مقياس ريـختر!
شبكة البصرة
د. عمر ظاهر
كلنا اليوم نتقاسم الشعور نفسه بأن العالم أو على الأقل الشرق الأوسط أو العراق على أية حال يجد نفسه على مشارف حدث عظيم، زلزال سيجعل الأرض تخرج أثقالها. وإننا جميعاً نحبس أنفاسنا بانتظار الآتي. ولكن الآتي، نعرف كلنا، ليس شيئاً من الغيب، وإنما حدثاً تاريخياً ترتب على غزو العراق، الأمر الذي لا يختلف عاقلان على أنه كان حماقة وجريمة كبرى في الوقت نفسه. إننا نترقب ظهور الحق على الباطل، انتصار المقاومة العراقية الباسلة على جيش الاحتلال وعملائه ونهاية الاحتلال. ربما يرى البعض أننا نبالغ، فالولايات المتحدة الأمريكية ليست دولة كبقية الدول وإمكاناتها لا تنضب بسرعة وسهولة، بل إنها، في الوقت الذي تعاني مشكلة في العراق، تواصل كسب مواطيء قدم في أماكن أخرى في العالم، في أوروبا الشرقية وفي جمهوريات أسيا الوسطى مثلاً، وبين خدمها من حكام العرب وفي شمال العراق حيث يسيطر مؤقتاً الجحوش المرتزقة. وهي لم تستخدم بعد كل ما في جعبتها من أسلحة. الولايات المتحدة! هل تعرفون مدى قوتها؟ يسألوننا، فنجيب: نعم نعرف. إنها امبراطورية، أكبر امبراطورية للشر والفساد في تاريخ البشرية.
الولايات المتحدة هي أقوى وأغنى امبراطورية في العالم. ولكن هذا لا يعني قطعاً أن هذه الامبراطورية، وكلما دخلت في مشكلة أو نزاع أو ورطة فإن بإمكانها أن تسخّر كل قوتها وغناها وتستخدمهما في معالجة ذلك النزاع. إنها امبراطورية عملاقة، لكنها تقف في مواجهة دول وامبراطوريات عملاقة أخرى، فعليها أن تسخّر جزءً كبيراً من عملاقيتها إزاء الصين مثلاً وفي مراقبة روسيا وفي حماية نفسها في داخلها ومن جيرانها وفي مواجهة أوروبا، حتى وإن كانت حليفة.وهي باعتبارها شرطي الأمن العالمي فإن عليها أن تكون في كل مكان في العالم. وهي باعتبارها تشن الحرب على ما تسميه الإرهاب، عليها أن تستعد للجبهات التي يفتحها لها "الارهابيون" في كل مكان. وهي لا يمكن أن تترك كوريا الشمالية وأفغانستان وفنزويلا ولبنان وغير ذلك وتتفرغ للعراق وحده. ولهذا فإنها، بقدر ما يتعلق الأمر بالعراق، لا يمكن أن تخصص كل ما لديها من قوة وأموال لهذه الورطة. إن بإمكانها أن تخصص جزءً من قوتها وأموالها لمواجهة مشكلة لم تحسب لها حساباً في العراق، وإذا توسعت المشكلة وصارت أكثر خطورة فليس بإمكان الامبراطور العاري إلا أن يضخ في مواجهتها موارد وقوى يقتطعها من الجبهات الأخرى، فيضعف هنا وهناك كي يظل قوياً في العراق.
إن الامبراطورية قوية طالما هي لا تستنفذ امكاناتها، بل تستخدمها كقوة رادعة وكأساس لهيبة لها في العالم. وللقوي أحياناً كثيرة هيبة أكبر دون أو قبل أن يستخدم قوته. وبقدر ما يستخدم من قوته يفقد من هيبته، وهذه هي حال الامبراطورية الأمريكية. إن افراطها في استخدام القوة دليل على أن هذه القوة لا هيبة لها، كما أن فقدان هذه الهيبة في العراق يستتبع ضعفاً وفقدان هيبة في كل مكان. لقد كان مخطط الأرعن بوش والعجوز الخرف المسموم رامسفيلد – صاحب نظرية الصدمة والترويع الفاشية - يقوم أصلاً على أن غزو العراق سيمكّن الامبراطورية من استخدام ثروات العراق والمرتزقة الذين سيجندونهم هناك لتمويل حروب أخرى. ولكن الأحمقين لم يكونا يعرفان عن الشعب العراقي إلا النزر اليسير. كانا يعرفان فقط ما هو غير صحيح، وفقط ما قاله لهما نفر من أقرانهما في نوادي القمار والجريمة.
لقد اكتشفت الولايات المتحدة بعد ظهور حقيقة "الخطأ" التاريخي في العراق وانبثاق المقاومه العراقية الباسلة، اكتشفت أنها، بدلاً من الاستفادة من ثروات العراق في تمويل إذلال شعوب أخرى، ستسخر في العراق جزءً من قوتها وأموالها يتناسب مع حجم المشكلة العراقية قياساً إلى المشاكل التي تواجهها هذه الامبراطورية في شتى أرجاء العالم. ولكنها أخطأت مرة أخرى في تقدير حجم المقاومة وطبيعتها وشدتها وقدرتها على الصمود والاستمرار والنمو. إن الامبراطورية تدرك اليوم أنها تضطر إلى أن تضع في العراق من قوتها وإمكاناتها جزءً أكبر بكثير مما يتناسب مع حجم العراق. فأصبح العراق اليوم ليس مجرد مستنقع يغوص فيه الجنود والآليات العسكرية لجيش الامبراطورية، بل تحول العراق إلى قيود وأصفاد تكبل يدي الامبراطور وتشل حركته وتضعف هيبته في بقية أنحاء العالم. وصار الامبراطور أشبه ما يكون بمقامر يراهن على الجولة القادمة ثم القادمة ثم القادمة، الدستور، الانتخابات، تشكيل الحكومة، الخطة الأمنية الأولى ثم الثانية والعاشرة، ولسوف ينهض من اللعبة وقد خسر كل شيء!
إننا نرى اليوم أن الامبراطورية الأمريكية أعلنت صراحة عجزها عن مواجهة فيتنام أفغانستان فألقت أعباء تلك الفيتنام على عاتق حلف الناتو. وهي اليوم تعجز عن ممارسة نفس الغطرسة والعنجهية التي مارستها ضد العراق قبل الغزو إذ هي تتعامل مع إيران. وهي تشعر بالإذلال إذ أنها لا تستطيع أن تكبح جماح كوريا الشمالية، بل إن الولايات هذه تمارس ضبطاً منقطع النظير للأعصاب في التعامل مع جارتها الصغيرة فنزويلا. بل إنها تكاد تموت حنقاً من عناد السودان ورفضها لخطط أمريكا في دارفور، بل إنها صامتة عما يجري في الصومال لأن الصمت وحده يصون لها ماء وجهها.
لا شك أن شبح جيفارا يحوم حول البنتاغون في هذه الأيام وينشر الرعب واليأس في نفوس من هناك. لقد كان الثائر الخالد تشي جيفارا في الستينيات من القرن الماضي يحلم بأكثر من فيتنام ويرى في ذلك الأسلوب الوحيد لتمزيق الامبريالية الأمريكية وإنهاكها والخلاص من شرورها. واليوم تحققت أمنية جيفارا فأمريكا تواجه فيتنام حقيقية في العراق وفي أفغانستان والحبل على الجرار. وهي حذرة كل الحذر في أن تتورط في عراق جديد في أمريكا اللاتينية أو أفريقيا. إن أمريكا لا تواجه مشكلة في توزيع قوتها وقدرتها على جبهات صراعاتها وحسب؛ إنها تواجه مشكلة فقدانها لهيبة الدولة العظمى الوحيدة في العالم.
لقد سارت أمور الامبراطورية الأمريكية على ما يرام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وصعود نجم شرطي الأمن العالمي الحقير، وصار العالم يرتجف من طغيان الامبراطور الأرعن الذي وصلت وقاحته حد الوقوف في الأمم المتحدة ومخاطبة رؤساء وملوك العالم كأنهم خدم أذلاء قائلاً لهم "إما معنا أو ضدنا، فاسمعوا جيداً". واليوم يقف في المكان نفسه في الأمم المتحدة الرئيس الإيراني ليعلن رفضه وصاية الامبراطور، ويقف في المكان نفسه القائد الشجاع هوغو تشافيز ليصف الامبراطور بالسكير العربيد. من كان يجرأ على ذلك لولا محنة الامبراطور وطامته الكبرى في العراق.
لقد تغيّر العالم بسرعة قياسية بعد جريمة غزو العراق، والفضل في هذا التغير يرجع إلى المقاومة العراقية المقدامة التي لم تمتص من قدرات الامبراطورية أضعاف ما كانت الامبراطورية تتخيل أنها تحتاجها في العراق، بل كسرت هيبة الامبراطورية وأصبح الامبراطور الأمريكي، بوش، مضحكة ومسخرة ومهزلة يتسلى الناس بتناقل النكات عنه. إن الأرعن بوش قال الحقيقة، وهذا أمر نادراً ما يفعله، عندما أشار إلى أن مصير ما سماه "الحرب على الإرهاب" يتقرر في شوارع بغداد. فلنتصور إذن، دون اللجوء إلى لغة الأرقام، كم من موارد الامبراطورية يستنزفها العراق، وكم تضعف هذه الامبراطورية على كل الجبهات الأخرى إذ تركز جهودها على جبهة بغداد! وكل هذا دون جدوى.
لقد حاولت الامبراطورية الآثمة بكل ما أوتيت من قوة إخفاء حجم المقاومة في العراق، وصوّرتها كما يحلو لها، ووعدت العالم بالقضاء عليها عبر سلسلة لا نهاية لها من العمليات العسكرية الهمجية التي اطلقت عليها من الأسماء أعجبها وأغربها، فالأفعى والسيف والرعد والكلب المسعور وبوش السفيه، إلخ.
واليوم يعرف العالم أن الامبراطورية الأمريكية تتعرض إلى زلزال شديد في العراق فقد احترقت أوراق آخر الخونة وخابت كل الخطط ولم يعد يُرى في الأفق إلا الهزيمة الماحقة. لكن يبدو أن الزلزال أعنف حتى مما كنا نتصوره نحن الذين نعرف شعب العراق ونؤمن بإباء أبنائه وكبريائهم. إن الزلزال العراقي أعنف من أن يقاس على أي مقياس لقياس الزلازل. ولو أن مقياس ريـختر كان بإمكانه أن يقيس الزلازل السياسية فإنه كان سينفجر عند استخدامه لقياس الزلزال الذي سببته المقاومة العراقية.
لا بد، ونحن نقف على أعتاب هذا الحدث العظيم، أن نقر أن النصر المؤزر الذي توشك المقاومة العراقية الباسلة على إحرازه ليس نصراً لحزب أو فئة بل هو نصر شارك ويشارك في صنعه أبناء العراق الشرفاء كلهم، بل هو أيضاً نصر عربي إسلامي فلن ننسى أبداً أبناء الأمة البررة الذين جاؤوا من كل صوب وحدب وواجهوا الغزاة وقاتلوا وقتلوا ودفنوا في أماكن مجهولة. إن العراقيين سيظلون أوفياء لأولئك الذين قاتلوا يوم 9 نيسان 2003 حتى الرصاصة الأخيرة رغم ما بدا من أن بغداد قد سقطت بيد مغول العصر. إننا سنحني دائماً رؤوسنا أمام مقابر المجاهدين المجهولين في الأعظمية وغيرها. وأخيراً فإنه نصر لكل الشعوب المحبة للحرية في العالم.
لقد بذل العراقيون ومناصروهم الدم رخيصاً وواجهوا همجية بوش ورامسفيلد ومن وراءهم بكل شجاعة وإباء. ولكن في هذا لا يمكن لأي كان أن يتجاوز دور الرئيس صدام حسين شخصياً والقيادة العراقية من حوله، وبصرف النظر عن مدى اتفاقنا على طبيعة التجربة التي خاضها العراق في ظل حزب البعث وقيادة الرئيس صدام حسين، فإن هناك حقيقة هي أم الحقائق لا بد أن نتذكرها.
كانت هناك قبل الغزو والاحتلال سيناريوهات عديدة، منها ذلك السيناريو الذي رسمه الشيخ زايد، رحمه الله، والذي كان ينطوي من بين أمور عديدة على أن يترك الرئيس صدام العراق طوعاً (وبالتأكيد لم يكن الشيخ ومن وراءه يمانعون في أن يفرغ صدام خزينة الدولة في صناديق حديدية ويشحنها معه إلى المنفى) ليعيش هو وعائلته منعّمين بقية العمر.
لنحاول اليوم أن نتخيل لو أن الرئيس صدام قبل بعرض الشيخ!! لكان ذلك سابقة خطيرة في تاريخ العرب. لكنا نرى بعد حين "شاه إيران" عربي، ذليلاً، كسيراً يحمل أثقاله من بلد إلى بلد. ولكان الإحباط يُنزل الأمة العربية والإسلامية المحبطتين أصلاً إلى الحضيض. ربما كان صدام سينجو بنفسه ولكن مقابل ماذا؟ كان عليه حينئذ أن يسلم مفاتيح العراق كله إلى الغزاة طوعاً وبمذلة. كان ذلك سيكون عاراً على جبين كل عربي ومسلم لا يمحوه الدهر. وكان سيكون مفتاح النصر لخنزير نجس مثل رامسفيلد. لقد أنقذ صدام شرف العرب برفضه السلامة الشخصية وإصراره على مقاومة الغزاة. ولم يكن يُنتظر منه غير ذلك. ولو أنه لم ينجز للعرب غير هذا لكان حرياً بهم أن يطأطئوا رؤوسهم عندما يُذكر اسم صدام.
إننا نرى اليوم أن شعبية صدام قد وصلت قمماً لم تصلها حتى أثناء حكمه، وقد كسب احترام العالم له، كما أنه أكسب شعبه احترام العالم كله. وهذه الشعبية حقيقية وصميمية ومبدئية، إذ نعرف اليوم أن جزءً كبيراً من الذين كانوا يصفقون له إبان حكمه كانوا من الانتهازيين أو كانوا يفعلون ذلك من باب التقية، كما يدعون اليوم. أما من يناصرونه اليوم فأنصاره الحقيقيون، أنصار العراق، أنصار الحق ضد الباطل الأمريكي.
إننا لا نقول إن الشعب العراقي لم يكن ليقاوم بلا صدام حسين، ولكن موقف صدام حسين المبدئي أعطى المقاومة زخماً زلزالياً تمتد تأثيراته الارتدادية إلى العالم كله، وإلى مجتمع الامبراطورية نفسها. لقد فقدت امبراطورية الشر هيبتها في فيافي العراق وفي شوارع بغداد، وصار الهمفي والهمر والمارينز مفردات مهانة في القاموس العسكري والسياسي.
إن المقاومة العراقية زلزال تاريخي، بل إنها هي نفسها تحولت إلى مقياس لقياس المقاومات الوطنية الزلزالية في العالم. فلينعم تشي جيفارا بالهدوء في قبره لأن حلمه بـ"أكثر من فيتنام" أصبحت حقيقة واقعة بفضل المقاومة العراقية.
شبكة البصرة
د. عمر ظاهر
كلنا اليوم نتقاسم الشعور نفسه بأن العالم أو على الأقل الشرق الأوسط أو العراق على أية حال يجد نفسه على مشارف حدث عظيم، زلزال سيجعل الأرض تخرج أثقالها. وإننا جميعاً نحبس أنفاسنا بانتظار الآتي. ولكن الآتي، نعرف كلنا، ليس شيئاً من الغيب، وإنما حدثاً تاريخياً ترتب على غزو العراق، الأمر الذي لا يختلف عاقلان على أنه كان حماقة وجريمة كبرى في الوقت نفسه. إننا نترقب ظهور الحق على الباطل، انتصار المقاومة العراقية الباسلة على جيش الاحتلال وعملائه ونهاية الاحتلال. ربما يرى البعض أننا نبالغ، فالولايات المتحدة الأمريكية ليست دولة كبقية الدول وإمكاناتها لا تنضب بسرعة وسهولة، بل إنها، في الوقت الذي تعاني مشكلة في العراق، تواصل كسب مواطيء قدم في أماكن أخرى في العالم، في أوروبا الشرقية وفي جمهوريات أسيا الوسطى مثلاً، وبين خدمها من حكام العرب وفي شمال العراق حيث يسيطر مؤقتاً الجحوش المرتزقة. وهي لم تستخدم بعد كل ما في جعبتها من أسلحة. الولايات المتحدة! هل تعرفون مدى قوتها؟ يسألوننا، فنجيب: نعم نعرف. إنها امبراطورية، أكبر امبراطورية للشر والفساد في تاريخ البشرية.
الولايات المتحدة هي أقوى وأغنى امبراطورية في العالم. ولكن هذا لا يعني قطعاً أن هذه الامبراطورية، وكلما دخلت في مشكلة أو نزاع أو ورطة فإن بإمكانها أن تسخّر كل قوتها وغناها وتستخدمهما في معالجة ذلك النزاع. إنها امبراطورية عملاقة، لكنها تقف في مواجهة دول وامبراطوريات عملاقة أخرى، فعليها أن تسخّر جزءً كبيراً من عملاقيتها إزاء الصين مثلاً وفي مراقبة روسيا وفي حماية نفسها في داخلها ومن جيرانها وفي مواجهة أوروبا، حتى وإن كانت حليفة.وهي باعتبارها شرطي الأمن العالمي فإن عليها أن تكون في كل مكان في العالم. وهي باعتبارها تشن الحرب على ما تسميه الإرهاب، عليها أن تستعد للجبهات التي يفتحها لها "الارهابيون" في كل مكان. وهي لا يمكن أن تترك كوريا الشمالية وأفغانستان وفنزويلا ولبنان وغير ذلك وتتفرغ للعراق وحده. ولهذا فإنها، بقدر ما يتعلق الأمر بالعراق، لا يمكن أن تخصص كل ما لديها من قوة وأموال لهذه الورطة. إن بإمكانها أن تخصص جزءً من قوتها وأموالها لمواجهة مشكلة لم تحسب لها حساباً في العراق، وإذا توسعت المشكلة وصارت أكثر خطورة فليس بإمكان الامبراطور العاري إلا أن يضخ في مواجهتها موارد وقوى يقتطعها من الجبهات الأخرى، فيضعف هنا وهناك كي يظل قوياً في العراق.
إن الامبراطورية قوية طالما هي لا تستنفذ امكاناتها، بل تستخدمها كقوة رادعة وكأساس لهيبة لها في العالم. وللقوي أحياناً كثيرة هيبة أكبر دون أو قبل أن يستخدم قوته. وبقدر ما يستخدم من قوته يفقد من هيبته، وهذه هي حال الامبراطورية الأمريكية. إن افراطها في استخدام القوة دليل على أن هذه القوة لا هيبة لها، كما أن فقدان هذه الهيبة في العراق يستتبع ضعفاً وفقدان هيبة في كل مكان. لقد كان مخطط الأرعن بوش والعجوز الخرف المسموم رامسفيلد – صاحب نظرية الصدمة والترويع الفاشية - يقوم أصلاً على أن غزو العراق سيمكّن الامبراطورية من استخدام ثروات العراق والمرتزقة الذين سيجندونهم هناك لتمويل حروب أخرى. ولكن الأحمقين لم يكونا يعرفان عن الشعب العراقي إلا النزر اليسير. كانا يعرفان فقط ما هو غير صحيح، وفقط ما قاله لهما نفر من أقرانهما في نوادي القمار والجريمة.
لقد اكتشفت الولايات المتحدة بعد ظهور حقيقة "الخطأ" التاريخي في العراق وانبثاق المقاومه العراقية الباسلة، اكتشفت أنها، بدلاً من الاستفادة من ثروات العراق في تمويل إذلال شعوب أخرى، ستسخر في العراق جزءً من قوتها وأموالها يتناسب مع حجم المشكلة العراقية قياساً إلى المشاكل التي تواجهها هذه الامبراطورية في شتى أرجاء العالم. ولكنها أخطأت مرة أخرى في تقدير حجم المقاومة وطبيعتها وشدتها وقدرتها على الصمود والاستمرار والنمو. إن الامبراطورية تدرك اليوم أنها تضطر إلى أن تضع في العراق من قوتها وإمكاناتها جزءً أكبر بكثير مما يتناسب مع حجم العراق. فأصبح العراق اليوم ليس مجرد مستنقع يغوص فيه الجنود والآليات العسكرية لجيش الامبراطورية، بل تحول العراق إلى قيود وأصفاد تكبل يدي الامبراطور وتشل حركته وتضعف هيبته في بقية أنحاء العالم. وصار الامبراطور أشبه ما يكون بمقامر يراهن على الجولة القادمة ثم القادمة ثم القادمة، الدستور، الانتخابات، تشكيل الحكومة، الخطة الأمنية الأولى ثم الثانية والعاشرة، ولسوف ينهض من اللعبة وقد خسر كل شيء!
إننا نرى اليوم أن الامبراطورية الأمريكية أعلنت صراحة عجزها عن مواجهة فيتنام أفغانستان فألقت أعباء تلك الفيتنام على عاتق حلف الناتو. وهي اليوم تعجز عن ممارسة نفس الغطرسة والعنجهية التي مارستها ضد العراق قبل الغزو إذ هي تتعامل مع إيران. وهي تشعر بالإذلال إذ أنها لا تستطيع أن تكبح جماح كوريا الشمالية، بل إن الولايات هذه تمارس ضبطاً منقطع النظير للأعصاب في التعامل مع جارتها الصغيرة فنزويلا. بل إنها تكاد تموت حنقاً من عناد السودان ورفضها لخطط أمريكا في دارفور، بل إنها صامتة عما يجري في الصومال لأن الصمت وحده يصون لها ماء وجهها.
لا شك أن شبح جيفارا يحوم حول البنتاغون في هذه الأيام وينشر الرعب واليأس في نفوس من هناك. لقد كان الثائر الخالد تشي جيفارا في الستينيات من القرن الماضي يحلم بأكثر من فيتنام ويرى في ذلك الأسلوب الوحيد لتمزيق الامبريالية الأمريكية وإنهاكها والخلاص من شرورها. واليوم تحققت أمنية جيفارا فأمريكا تواجه فيتنام حقيقية في العراق وفي أفغانستان والحبل على الجرار. وهي حذرة كل الحذر في أن تتورط في عراق جديد في أمريكا اللاتينية أو أفريقيا. إن أمريكا لا تواجه مشكلة في توزيع قوتها وقدرتها على جبهات صراعاتها وحسب؛ إنها تواجه مشكلة فقدانها لهيبة الدولة العظمى الوحيدة في العالم.
لقد سارت أمور الامبراطورية الأمريكية على ما يرام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وصعود نجم شرطي الأمن العالمي الحقير، وصار العالم يرتجف من طغيان الامبراطور الأرعن الذي وصلت وقاحته حد الوقوف في الأمم المتحدة ومخاطبة رؤساء وملوك العالم كأنهم خدم أذلاء قائلاً لهم "إما معنا أو ضدنا، فاسمعوا جيداً". واليوم يقف في المكان نفسه في الأمم المتحدة الرئيس الإيراني ليعلن رفضه وصاية الامبراطور، ويقف في المكان نفسه القائد الشجاع هوغو تشافيز ليصف الامبراطور بالسكير العربيد. من كان يجرأ على ذلك لولا محنة الامبراطور وطامته الكبرى في العراق.
لقد تغيّر العالم بسرعة قياسية بعد جريمة غزو العراق، والفضل في هذا التغير يرجع إلى المقاومة العراقية المقدامة التي لم تمتص من قدرات الامبراطورية أضعاف ما كانت الامبراطورية تتخيل أنها تحتاجها في العراق، بل كسرت هيبة الامبراطورية وأصبح الامبراطور الأمريكي، بوش، مضحكة ومسخرة ومهزلة يتسلى الناس بتناقل النكات عنه. إن الأرعن بوش قال الحقيقة، وهذا أمر نادراً ما يفعله، عندما أشار إلى أن مصير ما سماه "الحرب على الإرهاب" يتقرر في شوارع بغداد. فلنتصور إذن، دون اللجوء إلى لغة الأرقام، كم من موارد الامبراطورية يستنزفها العراق، وكم تضعف هذه الامبراطورية على كل الجبهات الأخرى إذ تركز جهودها على جبهة بغداد! وكل هذا دون جدوى.
لقد حاولت الامبراطورية الآثمة بكل ما أوتيت من قوة إخفاء حجم المقاومة في العراق، وصوّرتها كما يحلو لها، ووعدت العالم بالقضاء عليها عبر سلسلة لا نهاية لها من العمليات العسكرية الهمجية التي اطلقت عليها من الأسماء أعجبها وأغربها، فالأفعى والسيف والرعد والكلب المسعور وبوش السفيه، إلخ.
واليوم يعرف العالم أن الامبراطورية الأمريكية تتعرض إلى زلزال شديد في العراق فقد احترقت أوراق آخر الخونة وخابت كل الخطط ولم يعد يُرى في الأفق إلا الهزيمة الماحقة. لكن يبدو أن الزلزال أعنف حتى مما كنا نتصوره نحن الذين نعرف شعب العراق ونؤمن بإباء أبنائه وكبريائهم. إن الزلزال العراقي أعنف من أن يقاس على أي مقياس لقياس الزلازل. ولو أن مقياس ريـختر كان بإمكانه أن يقيس الزلازل السياسية فإنه كان سينفجر عند استخدامه لقياس الزلزال الذي سببته المقاومة العراقية.
لا بد، ونحن نقف على أعتاب هذا الحدث العظيم، أن نقر أن النصر المؤزر الذي توشك المقاومة العراقية الباسلة على إحرازه ليس نصراً لحزب أو فئة بل هو نصر شارك ويشارك في صنعه أبناء العراق الشرفاء كلهم، بل هو أيضاً نصر عربي إسلامي فلن ننسى أبداً أبناء الأمة البررة الذين جاؤوا من كل صوب وحدب وواجهوا الغزاة وقاتلوا وقتلوا ودفنوا في أماكن مجهولة. إن العراقيين سيظلون أوفياء لأولئك الذين قاتلوا يوم 9 نيسان 2003 حتى الرصاصة الأخيرة رغم ما بدا من أن بغداد قد سقطت بيد مغول العصر. إننا سنحني دائماً رؤوسنا أمام مقابر المجاهدين المجهولين في الأعظمية وغيرها. وأخيراً فإنه نصر لكل الشعوب المحبة للحرية في العالم.
لقد بذل العراقيون ومناصروهم الدم رخيصاً وواجهوا همجية بوش ورامسفيلد ومن وراءهم بكل شجاعة وإباء. ولكن في هذا لا يمكن لأي كان أن يتجاوز دور الرئيس صدام حسين شخصياً والقيادة العراقية من حوله، وبصرف النظر عن مدى اتفاقنا على طبيعة التجربة التي خاضها العراق في ظل حزب البعث وقيادة الرئيس صدام حسين، فإن هناك حقيقة هي أم الحقائق لا بد أن نتذكرها.
كانت هناك قبل الغزو والاحتلال سيناريوهات عديدة، منها ذلك السيناريو الذي رسمه الشيخ زايد، رحمه الله، والذي كان ينطوي من بين أمور عديدة على أن يترك الرئيس صدام العراق طوعاً (وبالتأكيد لم يكن الشيخ ومن وراءه يمانعون في أن يفرغ صدام خزينة الدولة في صناديق حديدية ويشحنها معه إلى المنفى) ليعيش هو وعائلته منعّمين بقية العمر.
لنحاول اليوم أن نتخيل لو أن الرئيس صدام قبل بعرض الشيخ!! لكان ذلك سابقة خطيرة في تاريخ العرب. لكنا نرى بعد حين "شاه إيران" عربي، ذليلاً، كسيراً يحمل أثقاله من بلد إلى بلد. ولكان الإحباط يُنزل الأمة العربية والإسلامية المحبطتين أصلاً إلى الحضيض. ربما كان صدام سينجو بنفسه ولكن مقابل ماذا؟ كان عليه حينئذ أن يسلم مفاتيح العراق كله إلى الغزاة طوعاً وبمذلة. كان ذلك سيكون عاراً على جبين كل عربي ومسلم لا يمحوه الدهر. وكان سيكون مفتاح النصر لخنزير نجس مثل رامسفيلد. لقد أنقذ صدام شرف العرب برفضه السلامة الشخصية وإصراره على مقاومة الغزاة. ولم يكن يُنتظر منه غير ذلك. ولو أنه لم ينجز للعرب غير هذا لكان حرياً بهم أن يطأطئوا رؤوسهم عندما يُذكر اسم صدام.
إننا نرى اليوم أن شعبية صدام قد وصلت قمماً لم تصلها حتى أثناء حكمه، وقد كسب احترام العالم له، كما أنه أكسب شعبه احترام العالم كله. وهذه الشعبية حقيقية وصميمية ومبدئية، إذ نعرف اليوم أن جزءً كبيراً من الذين كانوا يصفقون له إبان حكمه كانوا من الانتهازيين أو كانوا يفعلون ذلك من باب التقية، كما يدعون اليوم. أما من يناصرونه اليوم فأنصاره الحقيقيون، أنصار العراق، أنصار الحق ضد الباطل الأمريكي.
إننا لا نقول إن الشعب العراقي لم يكن ليقاوم بلا صدام حسين، ولكن موقف صدام حسين المبدئي أعطى المقاومة زخماً زلزالياً تمتد تأثيراته الارتدادية إلى العالم كله، وإلى مجتمع الامبراطورية نفسها. لقد فقدت امبراطورية الشر هيبتها في فيافي العراق وفي شوارع بغداد، وصار الهمفي والهمر والمارينز مفردات مهانة في القاموس العسكري والسياسي.
إن المقاومة العراقية زلزال تاريخي، بل إنها هي نفسها تحولت إلى مقياس لقياس المقاومات الوطنية الزلزالية في العالم. فلينعم تشي جيفارا بالهدوء في قبره لأن حلمه بـ"أكثر من فيتنام" أصبحت حقيقة واقعة بفضل المقاومة العراقية.