imran
20-08-2006, 12:04 AM
شبكة البصرة
إياد محمود حسين
جاءت الصهيونية فى تنفيذ المخطط التوراتى المبنى على اعتقاد ديني جازم بان يهوه ما خلق العالم إلا لليهود وتحقيق نبؤات النبييم اليهود معلنين إن غرض يهوه من خلق العالم جعله ملكا لصهيون حاكمة كل الأمم. إن فكرة الخلاص فكرة قديمة, وحتى الفيلسوف فيلون الاسكندرى الذي عاش فى القرن الأول الميلادي, والذي حول التوفيق بين الشريعة اليهودية والقانون الروماني, فأنه لا يساوى بين البشر وإنما يختار اليهود من بين الشعوب ليكونوا امة النبوة والكهان التي تمثل كل الأمم وتنطق بأسم البشر أجمعين. ولم يسقط فيلون الإيمان بعودة المسيح, والعصر الخلاصى, وفى القرن الثاني عشر ظهر الطبيب واللاهوتى موسى ين ميمون (1135-1204 ) وقد وضع حدودا لفكر الإنسان لا يجوز تخطيها لئلا يقع الإنسان فى الظلالة, ويفقد نعمة الخلاص حسب اعتقاده. واهم هذه الحدود هي الإيمان بعودة المسيح الثانية. ورغم إيمان ابن ميمون بعودة المسيح فأن جديدة بالنسبة لهذه الفكرة والاعتقاد هو اعتبار العصر المسيحانى مرحلة فى الزمن تؤدى إلى الحياة الأخرى الأبدية التي تنعم بها الأرواح الخيرة بالسعادة.
اما الأصولية المسيحية اليهودية المتحالفة، التي بدأت بواكير ظهورها فى القرن السابع عشر, فهو مصطلح تاريخي لا نقصد من وراءه المبالغة فى التدين, والإيحاء بصور التعصب, وأساليب التفكير الساذجة القائمة على الاعتقاد بتعليم ديني محدد المعالم, او بتقليد ديني متمسك بتفسيرات معينة للكتاب المقدس عندهم, وهو يختلف عن الأصولية السائدة فى قطاعات واسعة من إتباع الديانات التقليدية القديمة التي يقودها الالتزام بالطقوس والشعائر إلى الانصراف الكلى عن المجتمع, او إلى العمل بجهد وإخلاص يصلان إلى حد التضحية بكل شيء من اجل تغيير جذري فى المجتمع. اما الأصولية اليهودية فأهدافها قائمة على إيديولوجية متحكمة فيها, والأهداف التي ترمى إليها هي الولاء المتفاني المطلق لأرض إسرائيل, والتزامهم المطلق فى تحقيق الوعود التوراتية المقطوعة للشعب اليهودي فى السيادة اليهودية على كل فلسطين, وإعادة بناء الهيكل فى القدس تنفيذا للخلاص المسيحانى الذي قضاه (يهوه) ويرى يهودا اليتسور وهو من اكبر علماء غوش ايمونيم إن الدولة اليهودية مبنية على مصادر توراتية للحدود الموعودة من يهوه الممتدة حتى نهر الفرات وسيناء ولبنان وهضبة الجولان.
إن بداية جذور هذا التحالف اليهودي المسيحي البروتستانتي وضع أسسه فى بداية الأمر مارتن لوثر فى كتابين متناقضين. ففي كتابه الأول الصادر عام 1523 بعنوان (عيسى ولد يهوديا) اظهر تأثره باليهودية, وجعل من اليهود قبلة خطابه. ودافع لوثر عن اليهود من ممارسات الكنيسة الكاثوليكية واتهمها بأنها تعاملت مع اليهود (كأنهم كلاب لا بشر) وبأنها مارست العنف والكذب ضدهم (يمنعون اليهود من العيش والحياة بيننا وفى مجتمعنا) ويحاجج لوثر الكنيسة الكاثوليكية التي تتجاهل بنوءة التوراة القائلة بتحقق إسرائيل كأمة معتبرا ذلك (تحريفا للمسيحية) ومعبرا عن قناعته بأن ذلك يصد اليهود عن اعتناق المسيحية. لكن نص لوثر يشف عن معرفة سطحية بالهيودية التي قاومت روما وبيزنطية والهيلنة الثقافية وجهود التنصير, واستعصت على الدمج والانصهار فى الامبروطوريات التي وفرت لها الامتياز ات كالفارسية والمصرية والبابلية, وقد فشلت أحلام وأمال لوثر فى استقطاب اليهود وتحولهم إلى مذهبه, وكان أول ظهور علني لخيبة أمله وفشله من اليهود فى رسالة كتبها عام 1532 يعلن فيها (إن هؤلاء الكلاب يسخرون منا ويتهكمون على ديننا).
وبالرغم من راديكالية المفاهيم الدينية التي أعلنها مارتن لوثر ضد اللاهوت الكاثوليكي , واشتملت نقدا حادا للسياسة البابوية, فأن الرجل ارتد فى أخر مراحل حياته على دعوة التسامح, ومحاورة اليهود بالكلمة الحسنى, واظهر غضبه العلني على اليهود فى كتابه الثاني (اليهود وأكاذيبهم) الصادر عام 1543. وشن عليهم حملة صاغها بلغة أنبياء العبريين الشديدة اللهجة. ويعلن فى كتابه طالبا من الأمراء الألمان على اقتلاع اليهود من الارض الألمانية وإذلالهم وعزلهم ومصادرة ثرواتهم وطردهم إلى ارض كنعان من حيث جاءوا. وفى كتابه الثاني يخالف مقالته فى كتابه الأول عندما قال (إن اليهود هم انسباؤنا وأولاد عم إلهنا. ولو جاز لنا التباهي بدمه وجسده لقلنا إن اليهود اقرب إلى اله المسيحيين من المسيحيين أنفسهم) وفى هذا الكتاب الثاني ينزع لوثر عن المسيح الهوية اليهودية وستبدلها بهوية مسيحية معتقد به تؤكد الاختلاف لا التجانس فلا يعود اليهود أخوة وأبناء عم إلهنا, والأقرب منا إلى جسده ودمه, وإنما أعداء حاقدين مجد فين وقتلة, اسلموا السيد الناصري للجلاد الروماني ثم غدروا بالرومان. وفى هذا الكتاب يؤكد لوثر على مسؤولية اليهود على صلب المسيح, لان حكم الصلب جاء بناء على طلب اليهود ذلك من الحاكم الروماني بيلاطس. ويتهم لوثر اليهود بأنهم يجدفون على أقدس المقدسات المسيحية اذ يصفون ام المسيح العذراء بالزانية. ويتهمهم بأنهم انكروا رسولية المسيح لان المسيح اليهودي المنتظر لابد إن يجيء فى شكل محارب (يأتي بسيفه ثائرا كما ثار باركوبا -قائد الثورة ضد الرومان عام 135 بعد الميلاد- ويكون ملكا زمنيا دنيويا يذبح المسيحيين ويستولى على العالم ويقسمه على اليهود, ويجعلهم أصحاب السيادة والثروة والسطوة, ثم يموت ميتة الملوك الدنيويين, فيأتي من بعده من يكون على غراره)
وكان لوثر يظن فى بداية تحركه إن اضطهاد المسيحيين لليهود قد تسبب فى ثباتهم على يهوديتهم, وان استعمال المحبة المسيحية الحقة لا قانون البابا يحرر اليهود من خصوصيتهم المكابرة. لكن تقرب لوثر من اليهود كان يجرى على خلفية قناعاته بأنهم سيتحولون إلى المسيحية غير إن قناعته هذه تبددت تماما عام 1539 اذ يعلن) انى عاجز عن تحويل اليهود. إن سيدنا يسوع المسيح لم ينجح فى ذلك, لكنى أستطيع إن أكم أفواههم (وحقده على اليهود ظهر بعد إن وصلته الأخبار عن نشاطاتهم ونجاحهم التبشيري فى تحويل عدد من أتباعه إلى اليهودية. وقال عنهم) نحن الألمان نعرف ماهو اليهودي اذ يستحيل تحويل يهودي إلى المسيحية كما يستحيل تحويل الشيطان. إن قلب اليهودي قاس كالخشب كالحجر كالحديد, كالشيطان نفسه (ولكن هذا لا يمنع من دخول بعض رجال اليهود فى الديانة المسيحية من اجل تخريبها وتدميرها من الداخل, وقد اعترف الحاخامون اليهود بأنهم أمروا بعض أبناءهم بالدخول فى جسم الكاثوليكية, وذلك لتخريب الكنيسة من الداخل بواسطتهم, وصرح أكثرهم قائلين) ونستطيع التصريح اليوم بأننا نحن الذين خلقنا الإصلاح الديني للمسيحيين فكالفن كان واحدا من أولادنا يهودي الأصل, أمر بحمل الأمانة وشق الكنيسة الكلثوليكية فى سويسرا (وكانت الكنيسة الكاثوليكية تتمسك باعتقادها بأن ما يسمى بالأمة اليهودية قد انتهى, وان الله طرد اليهود من فلسطين إلى بابل عقابا على صلب المسيح. وكانت الكنيسة تعتقد ايضا إن النبوءات الدينية التي تتحدث عن العودة تشير إلى العودة من بابل, وان هذه العودة قد تمت بالفعل على يد الإمبراطور الفارسي قورش, وقد نشر هذا الاعتقاد الفيلسوف اللاهوتي القديس أوغسطين الذي كان يعتبر القدس مدينة العهد الجديد, وان فلسطين هي ارث المسيح للمسيحيين. اما البروتستانت فقد تنكر لهذا الاعتقاد, وطرح الإيمان بأن اليهود هم الأمة المفضلة, وان عودتهم إلى ارض فلسطين تحقق وعد الله, وان هذه العودة ضرورية لعودة المسيح , وقيام مملكته مدة ألف عام. وراحت الكنيسة البروتستانتية تعلم أطفالها وأبناءها, إن الله يتعامل مع الأمم حسب تعامل هذه الأمم مع إسرائيل. وان الوقوف إلى جانب إسرائيل هو مدخل للحصول على رضا الله وبركته, وان معاداة إسرائيل هي معاداة الله. وهذه المعتقدات الدينية المسيحية أصبحت جزءا من عقيدة الكنيسة البرتستانتية الجديدة, ومن جوهر طقوسها.
وفى كل حال انتهت الفرق والكنائس المسيحية الأصولية البروتستانتية التي تهودت إلى التبرؤ من كل ما صدر من لوثر عن اليهود.وانقسمت الكنيسة البروتستانتية إلى قسمين. الحركة اللوثرية والحركة الإصلاحية, بعد إن أسس جون كالفن(1509-1564) الكنيسة الكالفينية فى جنبق. وقد انتشرت الحركة الإصلاحية الكالفينية أولا فى سويسرا ثم فى فرنسا واسكتلندا. وتكونت هولندا على أساس لمبادىء البرتستانتية الكالفينية. وقد خرجت من الصف البروتستانتي فرق أصولية عرفت بالمسيحيين اليهود, تجد فى العهد القديم مرجعيتها, وهى فرق ما كانت لتتواجد أصلا لولا دعوة لوثر إلى العودة إلى العهد القديم, وإحياء ما كانت الكنيسة الكاثوليكية قد اماتته. ولم يتوقع لوثر إن أتباعه وبمرور الزمن سيقرأون العهد القديم وتقديسهم شعب الله المختار, وارض إسرائيل وجبل صهيون, وان يشكل هؤلاء اكبر القوى الحاضنة والداعمة لليهود فى الغرب وفى فلسطين.
وفى بريطانيا ظهرت أول دعوة لانبعاث اليهود كأمة الله المفضلة فى فلسطين, على يد عالم اللاهوت اليهودي البريطاني توماس برايتمان ) 1562-1607 ( والذي نشر أفكاره فى كتاب صدر له والذي قال فيه) إن الله يريد عودة اليهود إلى فلسطين ليعبدوه حيث يفضل إن تتم عبادته فى هذا المكان دون غيره من الأمكنة (ودافع عن هذه الفكرة عدد من كتاب ذلك الوقت مثل الكاتب هنرى فنش Henry Finch الذي قال فى كتاب له صدر له عام 1621 ) ليس اليهود قلة مبعثرة, بل إنهم امة, ستعود امة اليهود إلى وطنها, وستعمر كل زوايا الارض, وسيعيش اليهود بسلام فى وطنهم إلى الأبد ( . ومنذ بواكير القرن السابع عشر بدأ النصارى البرتستانت ينظرون إلى اليهود على إنهم شعب مميز, واخذوا يعتقدون إن عودة اليهود إلى فلسطين شرط التحقيق الثاني للمسيح, وان مساعدة اليهود لتحقيق هذه الغاية أمر يريده الله لأنه يعجل المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام, وساد الاعتقاد إن النصارى سوف يعيشون مع المسيح فى فلسطين ألف عام فى رغد وسلام قبل مجيء القيامة طبقا لبعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ) غريس هالسلى فى كتابها النبوءة والسياسة (
اما كيف نشأة العلاقة بين الأصوليين الانجليليين واليهود فى بريطانيا بشكل خاص ؟ فأن تلك الظاهرة تضرب جذورها فى القرن السابع عشر, وفى حركة الإصلاح الديني التي قادها لاهوتيون بروتستانتيون, أمثال كالفن والطهريين البريطانيين الذين كان لديهم موقف ودي ملحوظ من اليهود وان جهود اليهود حققت اكبر قدر من النجاح فى التأليف بين اليهودية والفرق الإنجيلية البروتستانتية الأصولية. فقد أصدر مناسح ابن إسرائيل كبير حاخامات أمستردام كتابا اسمه أمل إسرائيل عام 1655, وقد طابق فى كتابه بين مسيحية الإنجليز, والمسيحية اليهودية الحقيقية. ولعل من اهم الأفكار التوفيقية بين اليهودية والبروتستانتية التي طرحها فى كتابه, هي إن اليهود بصلبهم المسيح إنما كانوا ينفذون إرادة إلهية هي إحياء المسيحية. وقد روج لهذه الفكرة الذرائعية العديد من اليهود والبروتستانتيين
وعندما استلم كرومويل السلطة عام 1649 بعد إن قام بثورة ضد الملكية فى إنكلترا, فقد اعتبر إن الوجود اليهودي فى فلسطين هو الذي يمهد للمجيء الثاني للمسيح, وأعلن البرتستانت الالمانى بول فلجن هوفر فى كتابه أخبار جيدة لإسرائيل عام 1655, إن اليهود سوف يعترفون بالمسيح على انه مسيحهم بمناسبة مجيئه الثاني. وأعلن اللورد انتوني اشبلى كوبر عام 1839 على إن اليهود يجب إن يلعبوا دورا أساسيا فى الخطة الإلهية حول المجيء الثاني للمسيح, واعتبر إن المجيء الثاني له سيتحقق فقط عندما يكون اليهود يعيشون فى إسرائيل المسترجعة
وقد تماهى الطهريون مع اليهود ووصفوا أنفسهم إنهم أبناء إسرائيل, واعتبر الطهريون التوراة كلمة الله المعصومة. كما اعتبروا الأساطير والنبؤات العبرية تاريخا, والشريعة الموسوية قانونا.. وكان كرومويل يعتقد إن تحول اليهود إلى المسيحية هو أمر ينص عليه العهد الجديد, ذلك إن هذا التحول يسبق عودة المسيح فى أخر الزمان, واذا كان لهذا الأمر إن يتم فلابد من استحضار اليهود إلى بريطانيا المكان الذي يمكننا فيه وعظهم وتبشيرهم بالإنجيل الحق.
إن الحركة البيورتيانية التي حكمت بريطانيا بين عام 1640-1660 شكلت الحضانة الثقافية للصهيونية السياسية, اعتقادا منهم إن دخول اليهود جماعة فى المسيحية هو ضرورة تتقدم عودة المسيح, ولكي يتم تنصير اليهود لابد من إعادتهم إلى بريطانيا. وكانت هذه ابرز حجج كرومويل رئيس حكومة الكومونولث الطهرية البريطانية فى القرن السابع عشر. وفى هذا القرن راج فى بريطانيا الاعتقاد بأن العام 1666 سيكون عام الحسم فى تاريخ اليهود, اما بتحولهم إلى المسيحية او باستعادة مملكتهم الزمنية فى فلسطين. وقد أيقظت هذه التشوقات البروتستانتية أحلام اليهود الخلاصية, وظهر من صفوفهم نبيا كذابا فى تركيا عام 1666, وهو شاباتاى بن تسفي الذي أعلن نفسه مسيحا مخلصا, فتبعته الجماعات اليهودية فى مسيرة نحو القدس ) جبل صهيون ( وألقت السلطات العثمانية الفيض عليه وهددته بالإعدام, إلا انه تحول إلى الإسلام.
أن انشقاق لوثر عن الكنبسة الأم ) الكاثولكية ( قد ساعد الكنيسة البريطانية الانجليكانية القومية فى الانشقاق والاستقلال عن الكنيسة الكاثولكية عام 1831, وقد تابع الكالفينيون والطهريون الميراث الانقسامي فى البروتستانتية, بعد أن كانوا أقلية تمارس عبادتها فى السر وتقدس العهد القديم, كما ذكر ذلك ليون بولوكوفو Leon Poliakov. وتؤكد بربارة توشمان Barbara Tuchman ( أن التنظيمات الاولى للمسيحيين الصهيونيين قد نشأت فى حضانة الأصوليين الإنجيليين البريطانيين, الذين اعتقدوا أن ارض فلسطين خلقت فى الأصل لتكون وطن الشعب المختار وان حقهم فيها لا ينازع (.
هجرة الطهريون إلى الولايات المتحدة
بعد أن عاد الملك تشارلس الثاني لاستعادة العرش بمساعدة جمعية سرية قادها خمسة من وزراه الموالين له, بعد أن أطاح به اوليفر كرومويل فى عام 1649 وأعلن الجمهورية, ظهرت كلمة كابال إلى العلن وهى تحتوى على الأحرف الاولى لأسماء الوزراء الخمس c.a.b.a.l وقد استخرج اسم منها فصار Caballed بمعنى التواطوء على او التأمر ضد.
وبدأ الطهريون الإنجليز هجرتهم إلى أمريكا منذ عام 1660 بعد اكتشافها, تخيلوا أنفسهم امة او نخبة مختارة لتقيم إسرائيل الجديدة على الارض الأمريكية, وكانوا يصفون إنكلترا بعد أن شهدت انهيار الكومونولث الذي أقامه الطهريون وعودة الملكية إلى بريطانيا وانهزامهم فيها بأنها ) ارض مصر ( وينعتون الملك جيمس المطارد لهم بفرعون مصر, والمحيط الاطلسى الذي عبروه بأنه شبيه بالبحر الأحمر, والأرض المكتشفة أمريكا بأرض كنعان الجديدة ) ارض الميعاد (. ويفسر المؤرخ توينبى حرب الابادة التي شنها الطهريون على سكان أمريكا الاصليين ) اعتقادهم أنهم الإسرائيليون شعب الله المختار المكلف بأبادة الهنود الذين ألقاهم الله بين أيديهم (.
لقد حمل المهاجرون الجدد او ما اصطلح على تسميتهم البوريتانيين Puritans معهم العقيدة البروتستانتية ) الكالفينية ( بعد طردهم من إنكلترا, وذهب أكثر الباحثين إلى أن المهاجرين الجدد, كانوا متأثرين باليهودية لاهوتيا وتاريخيا وسياسيا, حيث افرز هذا التأثير صيغة تعايش بين البرتستانتية واليهودية, واول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد فى العام 1642 كانت حول موضوع ) العبرية هي اللغة الأم ( وكان أول كتاب يصدر فى أمريكا ) سفر المزامير ( واول مجلة تصدر حملت عنوان اليهودي. لقد باتت أمريكيا بالنسبة للمستوطنين الجدد النموذج الروحي للعهد القديم. إن هذه العلاقة الصميمة مابين اللاهوت البرتستانتى الامريكى واليهودية أدت إلى نمو وانتشار الأصولية المسيحية وامتزاجها مع تعاليم اليهودية الروحية والعقائدية ثم الصهيونية اليهودية لاحقا. وهكذا اتحد الديني اللاهوتي بالتاريخ والسياسة مما أدى إلى نشوء الصهيونية المسيحية, وحتى الرئيس الامريكى جيفرسون قدم اقتراح إلى الكونجرس مفاده إن يمثل رمز أمريكا على شكل أبناء إسرائيل تقودهم فى النهار غيمة, وفى الليل عمود من النار بدلا من النسر ويتفق هذا الاقتراح مع النص الوارد فى سفر الخروج والذي يقول ) وكان الرب يسير أمامهم نهارا فى عمود سحاب ليهديهم فى الطريق, وليلا فى عمود نار ليضيء لهم, لكي يمشوا نهارا وليلا ( سفر الخروج 13-21
وكان الرئيس جون ادامز ) 1767-1848 ( أول رئيس متعاطف مع فكرة عودة اليهود إلى فلسطين, وجاء بعده جفرسون ولنولن وويلسون وترومان وروزفلت إلى أخر القائمة. ويؤكد الرئيس نيكسون فى كتابه اقتناص اللحظة الذي نشر عام 1992 فاعلية العنصر الديني الثقافي فى السياسة الأمريكية, حيث يتجانس موضوع الكتاب مع ما جاء به كتاب هنتنغتون الشهير صدام الحضارات عام 1993, ومع ما صرح به وزير خارجيته هنرى كيسنجر عام 1990 عن عالم عربي اسلامى هو العدو الجديد للغرب. اما الرئيس كارتر فكان من ابرز المعتقدين بالنبؤات اليهودية, اذ أعلن غداة انتخابه رئيسا عام 1976 ) إن تأسيس إسرائيل المعاصرة هو تحقيق للنبوءة التوراتية ( ويخطب في الكنيسة الاسرائيلى عام 1979 قائلا ) إن أمريكا وإسرائيل تتقاسمان تراث التوراة ). وكان الرئيس رونال ريغن أكثر الرؤساء المؤمنين بحرفية وقدسية العهد القديم. وقد رأى فى قيام دولة إسرائيل تصديقا لنبؤة حزقيال بأن الرب سيأخذ أبناء إسرائيل من بين الوثنيين حيث تشتتوا, وسيجمعهم ثانية فى ارض الميعاد. وعبر عن إيمانه بأن الكتاب الاسرائيلى ) التوراة ( يحتوى بين دفتيه جميع الإجابات عن جميع المشاكل التي تواجهنا اليوم. ثم يعلن فى العام 1984 إن إسرائيل هي التي ستلعب دور البطولة فى معركة نهاية العالم, وتقريب العودة الثانية للمسيح المخلص, كما جاء ذلك فى الأسطورة التوراتية. وهو الرئيس الامريكى الأكثر أيمانا بمعركة نهاية العالم ) هرمجدون (. وقد أعرب عن اعتقاده إن الروس سيتورطون فى تلك المعركة, وهو ما سيقود إلى حرب نووية, وكان يسند اعتقاده إلى نبوءة حزقيال ( إن أعداء الله سيمطرون بالنار والكبريت ( ويعتبر سايروس سكوفيلد Cyrus Scofield الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية فى الولايات المتحدة, وهو يعتقد بأن الله له برنامجين وشعبين يتعامل معهما, وان إسرائيل هي مملكة الله على الارض, وان الكنيسة المسيحية هي مملكة الله فى السماء. ونشر سكوفيلد إنجيله الذي يفلسف فيه هذه المعتقدات عام 1909. وقد حاول فرانز روزنفايغ )1886-1929 ( التوفيق بين اليهودية والمسيحية, معتبرا أنهما الديانتان اللتان تمتلكان وحدهما دينامكية التقدم وفاعلية التغيير. ويفترض روزنفايغ إن هناك عهدا او عقدا بين المسيحيين والله مماثلا للعهد بين اليهود والله. وهى فى الواقع فكرة بروتستانتية تعود للطهريين البريطانيين فى القرن السابع عشر. وهكذا تصبح المسيحية بالا حرى يهودية بعد إن تنهى رحلة التيه الخاصة بها فى الزمن التأريخى. وقد حاول روزنفايغ فى كتابه ) هيغل والدولة ( عام 1920 التوفيق بين اليهودية والمسيحية على قاعدة تهويد المسيحية. ويمكن للمرء إن يرى ذلك التسابق المسيحي الغربي صوب الاتحاد والتوحيد بأناس وحد كتابهم الديني ) العهد القديم ( بالكتاب الديني للغالبية العظمى من شعوب ) العهد الجديد ( في كتاب واحد مقدس باعتبار ديانة هؤلاء مبنية على ديانة أولئك, مع التعامي الكامل عن كل مابين الديانتين من اختلافات جذرية لا مؤدى لها إلا نسف الأسس الاعتقادية الجوهرية لديانة المسيحيين.
وهكذا نتوصل فى نهاية المطاف على إن المسيحية المتصهينة قد نجحت فى تحويل الانتباه عن رسالة المسيحية للكون فى الحبة إلى تنبؤات أنبياء إسرائيل وقدرها ومصيرها, بحيث تبدو إسرائيل شاغل الله الاساسى بل لا شاغل له غيرها, لكونها أداة تحقيق الغاية من التاريخ ومن وجود البشر فى الزمان. وان الأصولية اليهودية المسيحية وحركتها الصهيونية تؤكد إن تأييد اليهود ليس اختيارا بل هو قضاء الهي, والوقوف ضد الصهيونية هو وقوف ضد إرادة الرب يستدعى غضبه ونقمته. وهناك نقطة مهمة يجب الانتباه إليها, إن عودة المسيح تحتم عودة اليهود إلى فلسطين, وهاتان العودتان لا تتحققان إلا بتدخل الهي-كما كان الإيمان سابقا- فقد رأينا أنهما تتحققان بفعل البشر.
وان الصهيونية كحركة سياسية تواجدت قبل أكثر من ثلاثمائة سنة من انعقاد المؤتمر الصهيونى فى بازل فى عام 1897. وقد ظهر قسس ولاهوتيون متهودون كانوا أكثر حماسة لإعادة بنى إسرائيل إلى صهيون من اليهود أنفسهم. واشهر هؤلاء وأشدهم حماسة هشلر واللورد شافستبرى ) 1801-1885 ( الأول كان مؤمنا بأن هرتزل هو المسيح العائد, والثاني كان يدعو بالتنسيق مع وزير خارجية بريطانيا بالمرستون لإقامة دولة اليهود فى فلسطين, وذلك قبل ولادة هرتزل بعشرين عاما. وقد تعاطف العلماء والشعراء والكتاب والمفكرين مع اليهود فى فكرة توطينهم فى فلسطين. وهذا العالم نيوتن ) 1642-1727 ( اكبر علماء عصره عبر عن إيمانه بأن اليهود سيعودون إلى وطنهم, وتوقع تدخل قوة أرضية من اجل أعادتهم.
.فالصهيونية أذن هي فلسفة الرجعة اليهودية إلى ارض فلسطين لإقامة المملكة الإسرائيلية فالله أصبح فى نظر اليهودية إلا إلها قد استعبده اليهود لأهدافهم السياسية لا يعمل إلا الخير لليهود وحدهم وان كان هذا الخير لا يتحقق إلا بإلحاق الضرر والأذى بالشعوب الأخرى وان هذا المهدي المنتظر سيحرر اليهود من العبودية لمضطهديهم ويعيدهم من المنفى ويحكم بالشريعة فيعم العدل ويسود السلم وتخصب الارض ويقول التلمود بهذا الخصوص ) وفى ذلك الزمن ترجع السلطة لليهود وكل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له وفى ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه وثلاثمائة وعشرة أكوان تحت سلطته ( ) وقبل أن يحكم اليهود نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق ويهلك ثلث العالم ويبقى اليهود سبع سنوات متواليات يحرقون الأسلحة التي كسبوها بعد النصر ( وتكون الأمة اليهودية يومئذ فى غاية الثراء لأنها تكون وبناء هذا الهيكل وأهميته يرجع فى الوجدان اليهودي لعقيدة المسيا اليهودية التي تقول بمجيء المسيح المخلص الذي سيجمع اليهود ويوحدهم وسيقوم ببناء الهيكل لكي يحكم اليهود العالم لمدة ألف عام قبل الساعة بعد أن ينتصر على أعدائه فى معركة هرمجدون فى ارض محدو بفلسطين. وقد استطاع اليهود بتجنيد تيار كبير من البروتستانت المسيحيين لدعم هذه الفكرة ويبلغ عدد هؤلاء حوالى 80 مليون فى الولايات المتحدة وهم من اشد المؤيدين لإسرائيل فى أمريكا وحول الفكر الديني لهذه الطاتفة يقول أوين ) اننا نعتقد بأنه ستكون الخطوة التالية فى الأحداث بعد إقامة دولة إسرائيل وعودة اليهود للقدس أن يعاد بناء الهيكل وهذه ستكون مؤدية إلى عودة المسيح وان اليهود بمساعدة المسيحيين يجب أن يدمروا المعبد القائم (المسجد الأقصى ( ويبنوا الهيكل لان هذا ما يقوله الإنجيل (. ولكن هذا الادعاء مخالف لموقف الكنيسة الكاثوليكية, إلا انه يتناقض مع نبوءات المسيح نفسه الذي قال بأن القدس سوف تدوسها العامة حتى نهاية زمن العامة اى حتى نهاية الزمن لوقا 21-24.
هكذا ارتبطت الإدارة الأمريكية الأصولية ارتباطا مباشرا بالصهيونية العالمية القائمة على أساس تلمودي، وهذا الأمر ذكره الله فى القران الكريم بوعد تمكين الارض لهم فى أخر الزمان، فجعلهم الله أكثر نفيرا. وهذا ما يحدث هذه الأيام.
معركة هرمجدون
التنبوءات التي يتقاسمها النصارى واليهود فى أحلامهم الوردية وغير الواقعية تماما قائمة على الإيمان بحدوث معركة هرمجدون النووية العظمى -او الحرب العالمية الثالثة- حسب تصوراتهم ومعتقداتهم الدينية. وهرمجدون معركة نووية يعتقد الإنجيليون المتهودون إنها ستقع فى سهل محدو , بين القدس وعكا, ومنهم من يذكر إنها ستقع بين الجليل والضفة الغربية, ومنهم من يذكر أن سهل محدو يمتد من القدس حتى البحر المتوسط, كما جاء فى سفر الرؤيا.
رجال المسيحية واللاهوتيين يعتقدون أن الكتاب المقدس الإنجيل يتنبأ بالعودة الحتمية الثانية للمسيح بعد مرحلة من الحرب النووية العالمية, او الكوارث الطبيعية, والانهيار الاقتصادي, والفوضى الاجتماعية. إنهم يعتقدون أن كل هذه الأحداث يجب أن تقع قبل العودة الثانية, وأنها مسجلة بوضوح فى الإنجيل, وقبل السنوات الأخيرة من التاريخ, فأن المسيحيين المخلصين سوف يرفعون ماديا من فوق الارض, ويجتمعون بالمسيح فى السماء, وفى هذا المكان سوف يراقبون بسلام الحروب النووية. وفى نهاية المحنة سيعود هؤلاء المسيحيون المولودون ثانية مع المسيح كقائد عسكري لخوض معركة هرمجدون لتدمير أعداء الله, ومن ثم ليحكموا الارض لمدة ألف سنة.
أن الكنيسة التدبيرية الأمريكية, وهى قائمة على فكرة أن كل شيء فى الكون مدبر وفق خطة مبرمجة شاملة, وهى تضع شروط لعودة المسيح الثانية, ومن ضمن هذه الشروط, هو تعرض دولة إسرائيل إلى هجوم من غير المسلمين, وخصوصا من المسلمين والملحدين, ثم تقع مجزرة بشرية كبيرة تدع هرمجدون, ففي هذه المجزرة تستعمل كل أنواع الأسلحة التدميرية النووية والكيمياوية, ويقتل فيها الآلاف من البشر من الطرفين المسلمين واليهود. بعد ذلك يظهر المسيح فوق ارض المعركة ليخلص بالجسد المؤمنين فيرفعهم إليه فوق سحب المعركة حيث يشاهدون بأم العين جثث القتلى والدمار والخراب على الارض, قبل أن ينزل إلى الارض, ويحكم العالم لمدة ألف سنة ) الألفية (.
أن الأيمان بهذه النبوءات حسب اعتقاد الكنيسة هذه هي من واجبات المؤمنيين بها. وعلى الإنسان المؤمن أن يوظف كل امكاناته وقدراته لتحقيق إرادة الله, وان الله يختار من الناس من يؤهلهم ويمكنهم من القيام بهذا الدور المساعد, وهذا مما جعل الرئيس بوش الابن فى الاعتقاد بأنه مرسل العناية اللاهية من اجل إنقاذ البشرية للقيام بهذا الدور المساعد. ويقول الكاتب هال لندسى فى كتابه ( أخر أعظم كرة أرضية ) فى السبعينات من القرن الماضي أن دولة إسرائيل هي الخط التأريخى لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل. وان كل مدينة فى العالم سيتم تدميرها فى الحرب الكونية النووية الثالثة, بعد أن يتحالف العرب مع الروس. وان القوة الشرقية سوف تزيل ثلث العالم, وستحين ساعة اللحظة العظيمة, فينقذ المسيح الإنسانية من الفناء الكامل. وفى هذه الساعة سيتحول اليهود الذين نجوا من الذبح إلى المسيحية, سيبقى 144 ألف يهودي فقط على قيد الحياة بعد معركة هرمجدون. وان ضحايا هذه الحرب ستكون من المسلمين واليهود وبقية الوثنين فى الشرق غير المؤمنين بألوهية المسيح, لان المسيح لا ينقذ إلا البشرية النصرانية فقط من الاندثار الكامل.
وقد رسم هال ليندسى سيناريو الأحداث على الشكل التالي حيث قال ( بعد أن أصبح اليهود امة بدأ العد العكسي للمؤشرات التي تتعلق بالنبوءات الدينية اليهودية ).
1- قيام دولة إسرائيل, وعودة اليهود من الشتات إلى ارض الميعاد. وقد قامت إسرائيل عام 1948, ولذلك اعتبر الصهيونيين المسيحيين أن أمريكيا هذا الحدث أعظم حدث فى التاريخ, لأنه جاء مصدقا للنبوءة التوراتية.
2- احتلال مدينة القدس. وقد احتلت إسرائيل هذه المدينة عام 1967. ويعتقد المسيحيون إنها المدينة التي سيمارس المسيح منها حكم العالم بعد قدومه الثاني المنتظر.
3- إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى. وتتعرض إسرائيل إلى هجوم كبير من الكفار (المسلمين ) بقيادة دكتاتور يكون أسوأ من هتلر او ستالين يتزعم القوات المهاجمة. وخضوع معظم العالم لسيطرة هذا الديكتاتور الذي يعادى اليهود.
4- وقوع معركة هرمجدون النووية التي تسبب فى كارثة بيئية ضخمة , وارتفاع المؤمنين بالولادة الثانية للمسيح وحدهم بمعجزة إلهية فوق ارض المعركة ونجاتهم من الكارثة, بينما تذوب أجسام بقية البشر فى الحديد المنصهر. حدوث كل ذلك فى غفلة عين.
5- سوف تشارك روسيا الذين يمثلن بأجوج ومأجوج فى المعركة ضد الإنجيلين ايضا, مما يسفر عن تورط العالم كله فى هذه المعركة. وفى التفاصيل كذلك أن نهر الفرات سوف يجف كما ورد فى الفصل 16 من سفر الرؤيا فى انجيل يوحنا.
اما بات روبرتسون فيقول أن أقدار العالم كما نشهدها اليوم هي نتاج مكيدة شيطانية شريرة حيكت خيوطها ابتداء من العام 1776 على يد الماسونيين ورجال المال اليهود. وموقفه من اليهود يفصله روبرتسون فى كتابه ) الألفية الجديدة ( وينطلق من القناعة بأن إسرائيل سوف تفنى فى الأيام الأخيرة قبل الدينونة. ولكن السيناريو الذي يقدمه اشد إثارة من اى سيناريو أخر فى التراث المعمد انى الامريكى بصدد علاقة دولة إسرائيل بمجيء المخلص )هذه الأمة الصغيرة القليلة العدد ستجد نفسها معزولة عن العالم, وعندها كما جاء فى التوراة, سوف يضرع اليهود إلى ذلك الذي انتبذوه على الدوام, لكن تدمير إسرائيل لن يتم إلا بسبب الإذعان الامريكى, ولابد من يوم وتصوت فيه الأمم المتحدة ضد إسرائيل, وتمتنع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو لإنقاذ إسرائيل ( لماذا سيطرأ هذا التحول الدراماتيكي ؟ لان الامريكى المسيحي سوف يثور يوما ما ضد اليهود الكوزموبوليتين الليبراليين والعلمانيين. صحيح أن تدمير إسرائيل أمر سطره الرب فى الكتاب, ولكن تسريع وقوعه مرهون بما يقترفه أثرياء اليهود من آثام بحق أبناء المسيح.
اما الكاتب البريطاني جورج مونبيوت فقد ذكر فى كتابه ) عصر الإجماع ( أن شرائح واسعة من المنخرطين فى مختلف المنظمات المسيحية الأصولية يؤمنون بنظرية متكاملة جرى التبشير بها فى القرن الثامن عشر, تقول بعودة يسوع إلى عالمنا هذا لتخليصه من الشرور, وذلك حين تكتمل جملة شروط قيام دولة إسرائيل, نجاح إسرائيل فى احتلال كامل ارض التوراة اى معظم الشرق الأوسط, إعادة بناء الهيكل الثالث فى موقع وعلى أنقاض قبة الصخرة والمسجد الأقصى, وأخيرا اصطفاف الكفرة أجمعين ضد إسرائيل فى موقعة ختامية سوف يشهدها وادى هرمجدون, حيث سيكون أمام اليهود واحد من خيارين, اما الاحتراق والفناء الكامل, او الاهتداء إلى المسيحية, الأمر الذي سيمهد لعودة المسيح المخلص.
وفى عام 1971 ذكر الرئيس السابق ريغان فى حديث له حول معركة هرمجدون فقال ) أن كل شيء يأخذ مكانه. لن يطول الوقت ألان. أن حزقيال يقول -أن النار والحجارة المشتعلة سوف تمطر على أعداء شهب الله - أن ذلك يجب أن يعنى إنهم سوف يدمرون بالسلاح النووي. إنهم موجودون ألان ولكنهم لم يكونوا موجودين فى الماضي ( وتابع ريغان قائلا )أن حزقيال يخبرنا بأن يأجوج ومأجوج الأمة التي ستقود قوى الظلام الأخرى ضد إسرائيل سوف تأتى من الشمال, أن أساتذة الكتاب المقدس يقولون منذ أجيال أن يأجوج ومأجوج يجب أن تكون روسيا (.
وفى الفكر اليهودي ايضا ذلك الإحساس الذي يسرى فى كثير من صفحات التلمود بأن نهاية التاريخ ستشهد علو جماعة إسرائيل على العالمين, ودمار أعدائهم من الشعوب الأخرى. وقد شبه اليهود بحبة الزيتون لايمكن خلطه مع المواد الأخرى, وكذلك جماعة إسرائيل فأنه لايمكن اختلاطها مع الشعوب الأخرى. ويدعى التلمود أن روح الله من روح الشعب اليهودي, كما أن الابن جزء من أمه, ولذا فمن يعتدي على يهودي كمن يعتدي على العزة الإلهية, ومن يعادى جماعة إسرائيل او يكرهها فأنه يعادى الإله ويكرهه. وهذا التعابير والأقوال موجودة فى صفحات التلمود, ولذا استغرقوا فى أحلام اليقظة اللذيذة, ونسجوا الأوهام حول أنفسهم من إنهم جزء من الإله, وإنهم فى نهاية العالم سيسودون العالمين.
نقد فكرة المخلص ومعركة هرمجدون
أن هذه التنبوءات وبهذا الشكل هي مشكلة إيمانية, تخص كل الأديان السماوية, ويتغافل عنها الجميع فى تضارب الآراء والأفكار والمعتقدات الدينية. إنها حقيقة تبدو مستعصية على الحل التام, فالمسيحيون واليهود ينتظرون عودة المسيح لإقامة مملكة أبيه داود, بينما المسلمون ينتظرون المسيح الحقيقي الذي رفعه الله إلى السماء لينزل مرة اخرى إلى الارض ليقتل المسيح الأعور الدجال, ويقيم ذات المملكة, إلا إنها مملكة الحق الإسلامية الخالدة.
هناك من الكتاب اليهود انتقد هذه الفكرة, وأسطورة الخلاص المسيحانى مثل هرمان كوهين Herman cohen ) 1822-1918 ( والذي حاول عقلنة اليهودية وتحديثها, والتوفيق بين مذهب كانت العقلاني الاخلاقى واليهودية, الذي ينطلق من ضرورة تجديد اليهودية من إطارها الاسطورى, وإبراز جوهرها الخلقي الذي تضمنه خطب الأنبياء العبريين من عاموس فى القرن الثامن قبل الميلاد إلى اشعيا الثاني فى القرن الخامس قبل الميلاد. وهو يرى أن رسالة اليهودية لاتعنى اليهود وحدهم, كما يعتقد اليهود التقليديون الذين ضيقوا أفاق اليهودية, وإنما هي رسالة كونية تعنى البشر جميعا. ويرى كوهين أن هذا الجوهر الخلقي هو الذي يستحق البقاء, وكل ماعداه مما يخالف العقل من أساطير يجب إسقاطه, وبين الأساطير التي يجب أن تلغى فى رأيه أسطورة الخلاص المسيحانى التي ترهن بالعودة العجائبية للمسيح المنتظر. انه يحاول تحرير الفكر اليهودي من الميتافيزيقيا واللاهوت اليهودي. عند دراسة السيناريو الذي وضعه اليهود حسب تنبؤات محرري التوراة سنجد أن كل هذا الكلام مجرد خزعبلات دينية, او مجرد هلوسة دينية. وحتى جريدة اندبندنت البريطانية قالت فى مقال لها عام 1990 بعنوان ) الاندثار في معركة هرمجدون ( انه ليس للمسيحيين أية علاقة بهذه الخزعبلات. ويذكر الدكتور احمد حجازي السقا في كتابه ( علم مقارنة الأديان ( أن معركة هرمجدون Armageddon قد وقعت فى أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولن تقع فى هذه الأيام ولأبعدها, كما يقول اليهود والمسيحيون.
تنبوءات عن بابل الجديدة وأمريكا الحالية.
تكشف نصوص التوراة, وأقوال الأنبياء اليهود مثل اشعيا وارميا وحزقيال أن المبعوثين على اليهود فى المرة الثانية سيخرجون من الارض نفسها التي خرجوا منها فى الاولى, وان هذه الارض هي بابل ) العراق حاليا ( والقدمين من كل ناحية هم أبناؤها وسائر الكلدانيين ومعهم جميع أبناء أشور, ورغم معرفتهم هذه فهم يأخذون من التوراة ما يوافق أهواءهم, ويتركون ما سواه. وبما أن التوراة تخبرهم بصراحة, فأن البعثين كليهما سيخرجان من ارض واحدة, ويعتقدون إنها توصيهم وتأمرهم بتدميرها بعد عودتهم من الشتات لفلسطين فى المرة القادمة, وأنها تحرضهم وتحثهم بالا يدخروا جهدا من اجل إعادة أهلها إلى العصر الحجري, وحتى لا يتمكنوا من الانبعاث عليهم مرة اخرى.
ومما جاء فى النصوص التوراتية سفر التثنية 28-49 )ويجلب الرب عليكم امة من بعيد, من أقصى الارض, فتنقض عليكم كالنسر ( ) امة جافية الوجه يثير منظرها الرعب, لا تهاب الشيخ ولا ترأف بالطفل, اولى بأس شديد ( ) لاننى واثق أنكم بعد موتى تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها, فيصيبكم فى أخر الأيام -المرة الثانية تكون فى أخر الأيام- لأنكم تقترفون الشر أمام الرب, حتى تثيروا غظبه بما تجنيه أيديكم ( 31-29 ) فرأى الرب ذلك ور ذلهم, اذ أثار ابناوءه وبناته غيظه, وقال سأحجب وجهي عنكم فأرى ماذا سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب واولاد خونة. لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش اولى بأس شديد ( 32-19
اما اسعيا فقد قال ) لاتفرحى يأكل فلسطين -إسرائيل- لان القضيب الذي ضربك قد انكسر. فأنه من اصل تلك الأفعى يخرج افعوان, وذريته تكون ثعبانا ساما طيارا. ولول أيها الباب, ونوحي أيتها المدين, ذوى خوفا يا فلسطين قاطبة لان جيشا مدربا قد زحف من الشمال ( 14-29. اما ارميا فيقول ) انظرا ها شعب زاحف من الشمال, وأمة عظيمة تهب من اقاصى الارض, لمحاربتك يااورشليم ( 6-22. ويقول حزقيال ) واتى بهم عليك من كل ناحية, أبناء البابليين, وسائر الكلدانيين, ومعهم جميع أبناء أشور ( وبما أن الله قد كشف لهم عن مخططاته, بالنسبة لحتمية القضاء على وجودهم فى فلسطين, إلا إنهم يحاولون تفسير هذه التنبوءات بالطريقة المعكوسة او بمحاولة مخالفة مخططات الله وأبطالها, معتمدين على ما ألفه محرري التوراة ومحرفيه من نبوءات خاطئة عن المسيح المنتظر ) المخلص ( او الملك الموعود. وقد قال الله تعالى عن أخبار اليهود ) من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ( 46 النساء ) وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ( 75 البقرة.
اما ذلك العصر السعيد, عصر الأمان والسلام لكل الشعوب الذي تنبأ به النبي اشعيا ) فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل ولا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد ) اشعيا 2. وهذه النبوءة تتحدث عن يوم يثبت فيه دين يهوه وحده فى قمة جبل صهيون, وتجرى إليه كل الأمم. ولكن ذلك لن يكون قبل أن يحدث الاتى لبلدان المنطقة. ) هو ذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ودم ( اسعيا 17 ) في ذلك اليوم تكون مصر كالنار, فترتعد وترتجف من هزة يد رب الجنود, وتكون ارض يهوذا رعبا لمصر ( اسعيا 17-19 ) بلاد العرب من أمام السيوف قد هربوا يفنى كل مجد قيدار, لان الرب اله إسرائيل قد تكلم ( اسعيا 21 ) وهى من جهة صور. ولولى يا سفن ترشيش لأنها خربت ولولوا يا سكان الساحل. درب الجنود قضى به ليدنس كبرياء كل مجد. أرضك كالنيل يا بنت ترشيش. أيتها العذراء المتهتكة بنت صهيون. ولبنان ليس كافيا للإيقاد وحيوانه ليس كافيا للمحرقة ) اشعيا 23-40 ( انزلي واجلسي على التراب أيتها العذراء ابنة بابل, اجلسي على الارض بلاكرسى بابنة الكلدانيين. اجلسي صامتة واد خلى فى الظلام باابنة الكلدانيين لأنك لا تعودين تدعين سيدة الممالك ( اسعيا 47. لقد فرح اليهود باحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية الغازية وسقوط بغداد, والمذابح التي جرت بحق الشعب العراقي المسلم, انتقاما لما فعله أبائهم ببني إسرائيل فى بابل القديمة, ولمنع الأبناء من تكرار فعل الآباء لاحقا.
لكن نبوءة اشعيا صريحة بعباراتها ) لاتفرحى يأكل فلسطين -إسرائيل- لان القضيب الذي ضربك قد انكسر, فأنه من اصل تلك الأفعى يخرج افعوان( وهذا النص صريح ويحذر اليهود من الفرح والابتهاج والشماتة والسخرية من بابل, بانكسار القضيب الذي ضربه, لأنه فى النهاية سينهض من جديد, لينجز ما قضاه الله عليهم. فالافعوان لا محالة خارج من اصل تلك الأفعى, طال الزمن او قصر, وسينفث سمه فى أجسادهم عند مجيء الوعد الالهى, وذريته ستكون اشد بأسا وتنكيلا.
لقد بات الصهيونية بارتباطها مع الويلات المتحدة اكبر قوة عسكرية فى العالم, بتحريض اليهودية وصولا إلى السيطرة على العالم. وقد وسع الموسويون الجدد سيطرتهم بالهيمنة على اكبر قوة على الارض بالاستباق الفكري الديني القائم على التنبوءات التوراتية لأنبياء بنى إسرائيل, مما مهد الطريق أمام اليهود للاستباق الدفاعي توسعا فراحوا يوسعون بدورهم ارض الميعاد. إلا انه كلما وسع الموسويون ارض الميعاد, فى كل مرة سقطوا صرعى قبل إكمال الدائرة, مثلما فعل الراعي البدوي فى قصة )دائرة الطباشير القوقازية( التي كتبها بيرتولد بريخت الكاتب الالمانى المشهور. وتدور هذه القصة حول التدمير الذاتي جشعا, وجاءت القصة على الشكل الاتى, عندما يمنح السلطان قطعة ارض لراعى بدوى يحدد سعتها بالركض من مطلع الشمس حتى غروبها, شريطة أن يقفل الراعي الدائرة مع الغروب, ولكن البدوي الطماع يسقط فى النهاية ميتا ولم يقفل الدائرة, لأنه بقى يوسعها جشعا, وهذا ما سوف يحدث لإسرائيل فى المستقبل, حسب التنبوءات المذكورة فى التوراة.
اما فى انجيل يوحنا سفر الرؤيا وهو من الأناجيل الأربعة المعترف بها عند الفرق المسيحية, فأن يوحنا ورؤياه لابد أن تكون إسفارا توراتية, كان من المفروض أن تكون ملحقة بالتوراة, لكنها أسقطت فى وقت متأخر, بعد أن تم التلاعب فيها من قبل اليهود, فضمها النصارى إلى الأناجيل أثناء جمعه وتحريفه, وهى تشابه فى تكرارها نصوص الوثيقة السابقة من سفر ارميا فى التوراة. وجاء فى سفر الرؤيا ليوحنا )وسيبكى عليها ملوك الارض, الذين ترفهوا معها, وسينوحون وهم ينظرون إلى دخان حريقها, فيقفون على بعد منها, خوفا من عقابها, وهم يصرخون الويل الويل, أيتها المدينة العظمى, بابل القوية, فى ساعة واحدة حل بك العقاب !( )وسيبكى تجار الارض, ويحزنون عليها. هؤلاء التجار الذين اغنوا من التجارة معها, يقفون على بعد منها, خوفا من عذابها, يبكون عليها وينتحبون , قائلين الويل الويل على المدينة العظمى. وقد زال هذا كله فى ساعة واحدة ( 18.12-17 )ويقف قادة السفن وركابها وملاحوها على بعد منها ينظرون إلى دخان حريقها, أية مدينة مثل هذه المدينة العظمى ؟ ويذرون التراب على رؤوسهم , وهم يصرخون باكين منتحبين الويل الويل على المدينة العظمى التي اغتنى أصحاب سفن البحر جميعا بفضل ثروتها, هاهي فى ساعة واحدة قد زالت ( 18. 18-19 )اشمتي بها أيتها السماء واشمتوا بها أيها القديسون والرسل والأنبياء, فقد أصدر الله حكمه عليها بعد أن أصدرت أحكامها عليكم( 18. 20
والحقيقة أن هذه النبؤة تتحدث عن دولة عظمى فى العصر الحاضر, تضاهى عظمة بابل القديمة وقوتها, تقع على البحر, أغنت التجار فى البر والبحر, وهى ام الصناعة, وتجارها سادة الارض, والملوك قد زنوا وترفهوا معها, وفيها دماء جميع من قتل على الارض. وهذه الدولة القوية الحالية هي الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية, ومااحدثته فى هذا العصر من فساد وإفساد, وسفك الدماء, واحتلال البلدان فهى القوة الوحيدة فى العالم فى الوقت الحاضر تحكم الكرة الأرضية بأسرها, بعد سقوط الاتحاد السوفيتي, ونصبت نفسها كأله يعبد ويقدس, وهى التي تقرر مصير الدول والشعوب ومن أصلح ومن فسد ومن يستحق المقاطعة الاقتصادية. وتشير الكاتبة الأمريكية كريس هالسل بأن اغلب المفسرين الجدد من النصارى يأخذون بالتفسير اللفظي للمسيمات التي جاءت فى النصوص التوراتية, ويعتبرون شروحاتهم وتفسيراتهم على نحو مغاير لما تخبر عنه النصوص حقيقة. اما اليهود فهم يعلمون حقيقة ما تخبر عنه النصوص, وبأن الدمار القادم والذي تخبر عنه النصوص سيكون لهم ولامريكيا, ولكنهم يستعملون التفسير الخاطىء لخدمة أغراضهم ومخططاتهم الشيطانية.
اما كلمة بابل التي جاءت فى سياق القول والنص فهى اما أن تكون قد أضيفت عن قصد من قبل محرري التوراة بعد رجوعهم من السبي إلى ارض فلسطين, بسبب الحقد الدفين على البابليين والكراهية الشديدة لهم والرغبة فى الانتقام منهم, وأما أن تكون قد استخدمت لترمز إلى الدولة العظمى فى هذا العصر, ولو حذفت كلمة بابل ووضعت بدلا عنها كلمة أمريكا لوجدت أن النص سيصبح أكثر صدقا وواقعيا وتطابقا مع الواقع الحالي الذي يعيشه العالم.
شبكة البصرة
السبت 25 رجب 1427 / 19 آب 2006
إياد محمود حسين
جاءت الصهيونية فى تنفيذ المخطط التوراتى المبنى على اعتقاد ديني جازم بان يهوه ما خلق العالم إلا لليهود وتحقيق نبؤات النبييم اليهود معلنين إن غرض يهوه من خلق العالم جعله ملكا لصهيون حاكمة كل الأمم. إن فكرة الخلاص فكرة قديمة, وحتى الفيلسوف فيلون الاسكندرى الذي عاش فى القرن الأول الميلادي, والذي حول التوفيق بين الشريعة اليهودية والقانون الروماني, فأنه لا يساوى بين البشر وإنما يختار اليهود من بين الشعوب ليكونوا امة النبوة والكهان التي تمثل كل الأمم وتنطق بأسم البشر أجمعين. ولم يسقط فيلون الإيمان بعودة المسيح, والعصر الخلاصى, وفى القرن الثاني عشر ظهر الطبيب واللاهوتى موسى ين ميمون (1135-1204 ) وقد وضع حدودا لفكر الإنسان لا يجوز تخطيها لئلا يقع الإنسان فى الظلالة, ويفقد نعمة الخلاص حسب اعتقاده. واهم هذه الحدود هي الإيمان بعودة المسيح الثانية. ورغم إيمان ابن ميمون بعودة المسيح فأن جديدة بالنسبة لهذه الفكرة والاعتقاد هو اعتبار العصر المسيحانى مرحلة فى الزمن تؤدى إلى الحياة الأخرى الأبدية التي تنعم بها الأرواح الخيرة بالسعادة.
اما الأصولية المسيحية اليهودية المتحالفة، التي بدأت بواكير ظهورها فى القرن السابع عشر, فهو مصطلح تاريخي لا نقصد من وراءه المبالغة فى التدين, والإيحاء بصور التعصب, وأساليب التفكير الساذجة القائمة على الاعتقاد بتعليم ديني محدد المعالم, او بتقليد ديني متمسك بتفسيرات معينة للكتاب المقدس عندهم, وهو يختلف عن الأصولية السائدة فى قطاعات واسعة من إتباع الديانات التقليدية القديمة التي يقودها الالتزام بالطقوس والشعائر إلى الانصراف الكلى عن المجتمع, او إلى العمل بجهد وإخلاص يصلان إلى حد التضحية بكل شيء من اجل تغيير جذري فى المجتمع. اما الأصولية اليهودية فأهدافها قائمة على إيديولوجية متحكمة فيها, والأهداف التي ترمى إليها هي الولاء المتفاني المطلق لأرض إسرائيل, والتزامهم المطلق فى تحقيق الوعود التوراتية المقطوعة للشعب اليهودي فى السيادة اليهودية على كل فلسطين, وإعادة بناء الهيكل فى القدس تنفيذا للخلاص المسيحانى الذي قضاه (يهوه) ويرى يهودا اليتسور وهو من اكبر علماء غوش ايمونيم إن الدولة اليهودية مبنية على مصادر توراتية للحدود الموعودة من يهوه الممتدة حتى نهر الفرات وسيناء ولبنان وهضبة الجولان.
إن بداية جذور هذا التحالف اليهودي المسيحي البروتستانتي وضع أسسه فى بداية الأمر مارتن لوثر فى كتابين متناقضين. ففي كتابه الأول الصادر عام 1523 بعنوان (عيسى ولد يهوديا) اظهر تأثره باليهودية, وجعل من اليهود قبلة خطابه. ودافع لوثر عن اليهود من ممارسات الكنيسة الكاثوليكية واتهمها بأنها تعاملت مع اليهود (كأنهم كلاب لا بشر) وبأنها مارست العنف والكذب ضدهم (يمنعون اليهود من العيش والحياة بيننا وفى مجتمعنا) ويحاجج لوثر الكنيسة الكاثوليكية التي تتجاهل بنوءة التوراة القائلة بتحقق إسرائيل كأمة معتبرا ذلك (تحريفا للمسيحية) ومعبرا عن قناعته بأن ذلك يصد اليهود عن اعتناق المسيحية. لكن نص لوثر يشف عن معرفة سطحية بالهيودية التي قاومت روما وبيزنطية والهيلنة الثقافية وجهود التنصير, واستعصت على الدمج والانصهار فى الامبروطوريات التي وفرت لها الامتياز ات كالفارسية والمصرية والبابلية, وقد فشلت أحلام وأمال لوثر فى استقطاب اليهود وتحولهم إلى مذهبه, وكان أول ظهور علني لخيبة أمله وفشله من اليهود فى رسالة كتبها عام 1532 يعلن فيها (إن هؤلاء الكلاب يسخرون منا ويتهكمون على ديننا).
وبالرغم من راديكالية المفاهيم الدينية التي أعلنها مارتن لوثر ضد اللاهوت الكاثوليكي , واشتملت نقدا حادا للسياسة البابوية, فأن الرجل ارتد فى أخر مراحل حياته على دعوة التسامح, ومحاورة اليهود بالكلمة الحسنى, واظهر غضبه العلني على اليهود فى كتابه الثاني (اليهود وأكاذيبهم) الصادر عام 1543. وشن عليهم حملة صاغها بلغة أنبياء العبريين الشديدة اللهجة. ويعلن فى كتابه طالبا من الأمراء الألمان على اقتلاع اليهود من الارض الألمانية وإذلالهم وعزلهم ومصادرة ثرواتهم وطردهم إلى ارض كنعان من حيث جاءوا. وفى كتابه الثاني يخالف مقالته فى كتابه الأول عندما قال (إن اليهود هم انسباؤنا وأولاد عم إلهنا. ولو جاز لنا التباهي بدمه وجسده لقلنا إن اليهود اقرب إلى اله المسيحيين من المسيحيين أنفسهم) وفى هذا الكتاب الثاني ينزع لوثر عن المسيح الهوية اليهودية وستبدلها بهوية مسيحية معتقد به تؤكد الاختلاف لا التجانس فلا يعود اليهود أخوة وأبناء عم إلهنا, والأقرب منا إلى جسده ودمه, وإنما أعداء حاقدين مجد فين وقتلة, اسلموا السيد الناصري للجلاد الروماني ثم غدروا بالرومان. وفى هذا الكتاب يؤكد لوثر على مسؤولية اليهود على صلب المسيح, لان حكم الصلب جاء بناء على طلب اليهود ذلك من الحاكم الروماني بيلاطس. ويتهم لوثر اليهود بأنهم يجدفون على أقدس المقدسات المسيحية اذ يصفون ام المسيح العذراء بالزانية. ويتهمهم بأنهم انكروا رسولية المسيح لان المسيح اليهودي المنتظر لابد إن يجيء فى شكل محارب (يأتي بسيفه ثائرا كما ثار باركوبا -قائد الثورة ضد الرومان عام 135 بعد الميلاد- ويكون ملكا زمنيا دنيويا يذبح المسيحيين ويستولى على العالم ويقسمه على اليهود, ويجعلهم أصحاب السيادة والثروة والسطوة, ثم يموت ميتة الملوك الدنيويين, فيأتي من بعده من يكون على غراره)
وكان لوثر يظن فى بداية تحركه إن اضطهاد المسيحيين لليهود قد تسبب فى ثباتهم على يهوديتهم, وان استعمال المحبة المسيحية الحقة لا قانون البابا يحرر اليهود من خصوصيتهم المكابرة. لكن تقرب لوثر من اليهود كان يجرى على خلفية قناعاته بأنهم سيتحولون إلى المسيحية غير إن قناعته هذه تبددت تماما عام 1539 اذ يعلن) انى عاجز عن تحويل اليهود. إن سيدنا يسوع المسيح لم ينجح فى ذلك, لكنى أستطيع إن أكم أفواههم (وحقده على اليهود ظهر بعد إن وصلته الأخبار عن نشاطاتهم ونجاحهم التبشيري فى تحويل عدد من أتباعه إلى اليهودية. وقال عنهم) نحن الألمان نعرف ماهو اليهودي اذ يستحيل تحويل يهودي إلى المسيحية كما يستحيل تحويل الشيطان. إن قلب اليهودي قاس كالخشب كالحجر كالحديد, كالشيطان نفسه (ولكن هذا لا يمنع من دخول بعض رجال اليهود فى الديانة المسيحية من اجل تخريبها وتدميرها من الداخل, وقد اعترف الحاخامون اليهود بأنهم أمروا بعض أبناءهم بالدخول فى جسم الكاثوليكية, وذلك لتخريب الكنيسة من الداخل بواسطتهم, وصرح أكثرهم قائلين) ونستطيع التصريح اليوم بأننا نحن الذين خلقنا الإصلاح الديني للمسيحيين فكالفن كان واحدا من أولادنا يهودي الأصل, أمر بحمل الأمانة وشق الكنيسة الكلثوليكية فى سويسرا (وكانت الكنيسة الكاثوليكية تتمسك باعتقادها بأن ما يسمى بالأمة اليهودية قد انتهى, وان الله طرد اليهود من فلسطين إلى بابل عقابا على صلب المسيح. وكانت الكنيسة تعتقد ايضا إن النبوءات الدينية التي تتحدث عن العودة تشير إلى العودة من بابل, وان هذه العودة قد تمت بالفعل على يد الإمبراطور الفارسي قورش, وقد نشر هذا الاعتقاد الفيلسوف اللاهوتي القديس أوغسطين الذي كان يعتبر القدس مدينة العهد الجديد, وان فلسطين هي ارث المسيح للمسيحيين. اما البروتستانت فقد تنكر لهذا الاعتقاد, وطرح الإيمان بأن اليهود هم الأمة المفضلة, وان عودتهم إلى ارض فلسطين تحقق وعد الله, وان هذه العودة ضرورية لعودة المسيح , وقيام مملكته مدة ألف عام. وراحت الكنيسة البروتستانتية تعلم أطفالها وأبناءها, إن الله يتعامل مع الأمم حسب تعامل هذه الأمم مع إسرائيل. وان الوقوف إلى جانب إسرائيل هو مدخل للحصول على رضا الله وبركته, وان معاداة إسرائيل هي معاداة الله. وهذه المعتقدات الدينية المسيحية أصبحت جزءا من عقيدة الكنيسة البرتستانتية الجديدة, ومن جوهر طقوسها.
وفى كل حال انتهت الفرق والكنائس المسيحية الأصولية البروتستانتية التي تهودت إلى التبرؤ من كل ما صدر من لوثر عن اليهود.وانقسمت الكنيسة البروتستانتية إلى قسمين. الحركة اللوثرية والحركة الإصلاحية, بعد إن أسس جون كالفن(1509-1564) الكنيسة الكالفينية فى جنبق. وقد انتشرت الحركة الإصلاحية الكالفينية أولا فى سويسرا ثم فى فرنسا واسكتلندا. وتكونت هولندا على أساس لمبادىء البرتستانتية الكالفينية. وقد خرجت من الصف البروتستانتي فرق أصولية عرفت بالمسيحيين اليهود, تجد فى العهد القديم مرجعيتها, وهى فرق ما كانت لتتواجد أصلا لولا دعوة لوثر إلى العودة إلى العهد القديم, وإحياء ما كانت الكنيسة الكاثوليكية قد اماتته. ولم يتوقع لوثر إن أتباعه وبمرور الزمن سيقرأون العهد القديم وتقديسهم شعب الله المختار, وارض إسرائيل وجبل صهيون, وان يشكل هؤلاء اكبر القوى الحاضنة والداعمة لليهود فى الغرب وفى فلسطين.
وفى بريطانيا ظهرت أول دعوة لانبعاث اليهود كأمة الله المفضلة فى فلسطين, على يد عالم اللاهوت اليهودي البريطاني توماس برايتمان ) 1562-1607 ( والذي نشر أفكاره فى كتاب صدر له والذي قال فيه) إن الله يريد عودة اليهود إلى فلسطين ليعبدوه حيث يفضل إن تتم عبادته فى هذا المكان دون غيره من الأمكنة (ودافع عن هذه الفكرة عدد من كتاب ذلك الوقت مثل الكاتب هنرى فنش Henry Finch الذي قال فى كتاب له صدر له عام 1621 ) ليس اليهود قلة مبعثرة, بل إنهم امة, ستعود امة اليهود إلى وطنها, وستعمر كل زوايا الارض, وسيعيش اليهود بسلام فى وطنهم إلى الأبد ( . ومنذ بواكير القرن السابع عشر بدأ النصارى البرتستانت ينظرون إلى اليهود على إنهم شعب مميز, واخذوا يعتقدون إن عودة اليهود إلى فلسطين شرط التحقيق الثاني للمسيح, وان مساعدة اليهود لتحقيق هذه الغاية أمر يريده الله لأنه يعجل المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام, وساد الاعتقاد إن النصارى سوف يعيشون مع المسيح فى فلسطين ألف عام فى رغد وسلام قبل مجيء القيامة طبقا لبعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ) غريس هالسلى فى كتابها النبوءة والسياسة (
اما كيف نشأة العلاقة بين الأصوليين الانجليليين واليهود فى بريطانيا بشكل خاص ؟ فأن تلك الظاهرة تضرب جذورها فى القرن السابع عشر, وفى حركة الإصلاح الديني التي قادها لاهوتيون بروتستانتيون, أمثال كالفن والطهريين البريطانيين الذين كان لديهم موقف ودي ملحوظ من اليهود وان جهود اليهود حققت اكبر قدر من النجاح فى التأليف بين اليهودية والفرق الإنجيلية البروتستانتية الأصولية. فقد أصدر مناسح ابن إسرائيل كبير حاخامات أمستردام كتابا اسمه أمل إسرائيل عام 1655, وقد طابق فى كتابه بين مسيحية الإنجليز, والمسيحية اليهودية الحقيقية. ولعل من اهم الأفكار التوفيقية بين اليهودية والبروتستانتية التي طرحها فى كتابه, هي إن اليهود بصلبهم المسيح إنما كانوا ينفذون إرادة إلهية هي إحياء المسيحية. وقد روج لهذه الفكرة الذرائعية العديد من اليهود والبروتستانتيين
وعندما استلم كرومويل السلطة عام 1649 بعد إن قام بثورة ضد الملكية فى إنكلترا, فقد اعتبر إن الوجود اليهودي فى فلسطين هو الذي يمهد للمجيء الثاني للمسيح, وأعلن البرتستانت الالمانى بول فلجن هوفر فى كتابه أخبار جيدة لإسرائيل عام 1655, إن اليهود سوف يعترفون بالمسيح على انه مسيحهم بمناسبة مجيئه الثاني. وأعلن اللورد انتوني اشبلى كوبر عام 1839 على إن اليهود يجب إن يلعبوا دورا أساسيا فى الخطة الإلهية حول المجيء الثاني للمسيح, واعتبر إن المجيء الثاني له سيتحقق فقط عندما يكون اليهود يعيشون فى إسرائيل المسترجعة
وقد تماهى الطهريون مع اليهود ووصفوا أنفسهم إنهم أبناء إسرائيل, واعتبر الطهريون التوراة كلمة الله المعصومة. كما اعتبروا الأساطير والنبؤات العبرية تاريخا, والشريعة الموسوية قانونا.. وكان كرومويل يعتقد إن تحول اليهود إلى المسيحية هو أمر ينص عليه العهد الجديد, ذلك إن هذا التحول يسبق عودة المسيح فى أخر الزمان, واذا كان لهذا الأمر إن يتم فلابد من استحضار اليهود إلى بريطانيا المكان الذي يمكننا فيه وعظهم وتبشيرهم بالإنجيل الحق.
إن الحركة البيورتيانية التي حكمت بريطانيا بين عام 1640-1660 شكلت الحضانة الثقافية للصهيونية السياسية, اعتقادا منهم إن دخول اليهود جماعة فى المسيحية هو ضرورة تتقدم عودة المسيح, ولكي يتم تنصير اليهود لابد من إعادتهم إلى بريطانيا. وكانت هذه ابرز حجج كرومويل رئيس حكومة الكومونولث الطهرية البريطانية فى القرن السابع عشر. وفى هذا القرن راج فى بريطانيا الاعتقاد بأن العام 1666 سيكون عام الحسم فى تاريخ اليهود, اما بتحولهم إلى المسيحية او باستعادة مملكتهم الزمنية فى فلسطين. وقد أيقظت هذه التشوقات البروتستانتية أحلام اليهود الخلاصية, وظهر من صفوفهم نبيا كذابا فى تركيا عام 1666, وهو شاباتاى بن تسفي الذي أعلن نفسه مسيحا مخلصا, فتبعته الجماعات اليهودية فى مسيرة نحو القدس ) جبل صهيون ( وألقت السلطات العثمانية الفيض عليه وهددته بالإعدام, إلا انه تحول إلى الإسلام.
أن انشقاق لوثر عن الكنبسة الأم ) الكاثولكية ( قد ساعد الكنيسة البريطانية الانجليكانية القومية فى الانشقاق والاستقلال عن الكنيسة الكاثولكية عام 1831, وقد تابع الكالفينيون والطهريون الميراث الانقسامي فى البروتستانتية, بعد أن كانوا أقلية تمارس عبادتها فى السر وتقدس العهد القديم, كما ذكر ذلك ليون بولوكوفو Leon Poliakov. وتؤكد بربارة توشمان Barbara Tuchman ( أن التنظيمات الاولى للمسيحيين الصهيونيين قد نشأت فى حضانة الأصوليين الإنجيليين البريطانيين, الذين اعتقدوا أن ارض فلسطين خلقت فى الأصل لتكون وطن الشعب المختار وان حقهم فيها لا ينازع (.
هجرة الطهريون إلى الولايات المتحدة
بعد أن عاد الملك تشارلس الثاني لاستعادة العرش بمساعدة جمعية سرية قادها خمسة من وزراه الموالين له, بعد أن أطاح به اوليفر كرومويل فى عام 1649 وأعلن الجمهورية, ظهرت كلمة كابال إلى العلن وهى تحتوى على الأحرف الاولى لأسماء الوزراء الخمس c.a.b.a.l وقد استخرج اسم منها فصار Caballed بمعنى التواطوء على او التأمر ضد.
وبدأ الطهريون الإنجليز هجرتهم إلى أمريكا منذ عام 1660 بعد اكتشافها, تخيلوا أنفسهم امة او نخبة مختارة لتقيم إسرائيل الجديدة على الارض الأمريكية, وكانوا يصفون إنكلترا بعد أن شهدت انهيار الكومونولث الذي أقامه الطهريون وعودة الملكية إلى بريطانيا وانهزامهم فيها بأنها ) ارض مصر ( وينعتون الملك جيمس المطارد لهم بفرعون مصر, والمحيط الاطلسى الذي عبروه بأنه شبيه بالبحر الأحمر, والأرض المكتشفة أمريكا بأرض كنعان الجديدة ) ارض الميعاد (. ويفسر المؤرخ توينبى حرب الابادة التي شنها الطهريون على سكان أمريكا الاصليين ) اعتقادهم أنهم الإسرائيليون شعب الله المختار المكلف بأبادة الهنود الذين ألقاهم الله بين أيديهم (.
لقد حمل المهاجرون الجدد او ما اصطلح على تسميتهم البوريتانيين Puritans معهم العقيدة البروتستانتية ) الكالفينية ( بعد طردهم من إنكلترا, وذهب أكثر الباحثين إلى أن المهاجرين الجدد, كانوا متأثرين باليهودية لاهوتيا وتاريخيا وسياسيا, حيث افرز هذا التأثير صيغة تعايش بين البرتستانتية واليهودية, واول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد فى العام 1642 كانت حول موضوع ) العبرية هي اللغة الأم ( وكان أول كتاب يصدر فى أمريكا ) سفر المزامير ( واول مجلة تصدر حملت عنوان اليهودي. لقد باتت أمريكيا بالنسبة للمستوطنين الجدد النموذج الروحي للعهد القديم. إن هذه العلاقة الصميمة مابين اللاهوت البرتستانتى الامريكى واليهودية أدت إلى نمو وانتشار الأصولية المسيحية وامتزاجها مع تعاليم اليهودية الروحية والعقائدية ثم الصهيونية اليهودية لاحقا. وهكذا اتحد الديني اللاهوتي بالتاريخ والسياسة مما أدى إلى نشوء الصهيونية المسيحية, وحتى الرئيس الامريكى جيفرسون قدم اقتراح إلى الكونجرس مفاده إن يمثل رمز أمريكا على شكل أبناء إسرائيل تقودهم فى النهار غيمة, وفى الليل عمود من النار بدلا من النسر ويتفق هذا الاقتراح مع النص الوارد فى سفر الخروج والذي يقول ) وكان الرب يسير أمامهم نهارا فى عمود سحاب ليهديهم فى الطريق, وليلا فى عمود نار ليضيء لهم, لكي يمشوا نهارا وليلا ( سفر الخروج 13-21
وكان الرئيس جون ادامز ) 1767-1848 ( أول رئيس متعاطف مع فكرة عودة اليهود إلى فلسطين, وجاء بعده جفرسون ولنولن وويلسون وترومان وروزفلت إلى أخر القائمة. ويؤكد الرئيس نيكسون فى كتابه اقتناص اللحظة الذي نشر عام 1992 فاعلية العنصر الديني الثقافي فى السياسة الأمريكية, حيث يتجانس موضوع الكتاب مع ما جاء به كتاب هنتنغتون الشهير صدام الحضارات عام 1993, ومع ما صرح به وزير خارجيته هنرى كيسنجر عام 1990 عن عالم عربي اسلامى هو العدو الجديد للغرب. اما الرئيس كارتر فكان من ابرز المعتقدين بالنبؤات اليهودية, اذ أعلن غداة انتخابه رئيسا عام 1976 ) إن تأسيس إسرائيل المعاصرة هو تحقيق للنبوءة التوراتية ( ويخطب في الكنيسة الاسرائيلى عام 1979 قائلا ) إن أمريكا وإسرائيل تتقاسمان تراث التوراة ). وكان الرئيس رونال ريغن أكثر الرؤساء المؤمنين بحرفية وقدسية العهد القديم. وقد رأى فى قيام دولة إسرائيل تصديقا لنبؤة حزقيال بأن الرب سيأخذ أبناء إسرائيل من بين الوثنيين حيث تشتتوا, وسيجمعهم ثانية فى ارض الميعاد. وعبر عن إيمانه بأن الكتاب الاسرائيلى ) التوراة ( يحتوى بين دفتيه جميع الإجابات عن جميع المشاكل التي تواجهنا اليوم. ثم يعلن فى العام 1984 إن إسرائيل هي التي ستلعب دور البطولة فى معركة نهاية العالم, وتقريب العودة الثانية للمسيح المخلص, كما جاء ذلك فى الأسطورة التوراتية. وهو الرئيس الامريكى الأكثر أيمانا بمعركة نهاية العالم ) هرمجدون (. وقد أعرب عن اعتقاده إن الروس سيتورطون فى تلك المعركة, وهو ما سيقود إلى حرب نووية, وكان يسند اعتقاده إلى نبوءة حزقيال ( إن أعداء الله سيمطرون بالنار والكبريت ( ويعتبر سايروس سكوفيلد Cyrus Scofield الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية فى الولايات المتحدة, وهو يعتقد بأن الله له برنامجين وشعبين يتعامل معهما, وان إسرائيل هي مملكة الله على الارض, وان الكنيسة المسيحية هي مملكة الله فى السماء. ونشر سكوفيلد إنجيله الذي يفلسف فيه هذه المعتقدات عام 1909. وقد حاول فرانز روزنفايغ )1886-1929 ( التوفيق بين اليهودية والمسيحية, معتبرا أنهما الديانتان اللتان تمتلكان وحدهما دينامكية التقدم وفاعلية التغيير. ويفترض روزنفايغ إن هناك عهدا او عقدا بين المسيحيين والله مماثلا للعهد بين اليهود والله. وهى فى الواقع فكرة بروتستانتية تعود للطهريين البريطانيين فى القرن السابع عشر. وهكذا تصبح المسيحية بالا حرى يهودية بعد إن تنهى رحلة التيه الخاصة بها فى الزمن التأريخى. وقد حاول روزنفايغ فى كتابه ) هيغل والدولة ( عام 1920 التوفيق بين اليهودية والمسيحية على قاعدة تهويد المسيحية. ويمكن للمرء إن يرى ذلك التسابق المسيحي الغربي صوب الاتحاد والتوحيد بأناس وحد كتابهم الديني ) العهد القديم ( بالكتاب الديني للغالبية العظمى من شعوب ) العهد الجديد ( في كتاب واحد مقدس باعتبار ديانة هؤلاء مبنية على ديانة أولئك, مع التعامي الكامل عن كل مابين الديانتين من اختلافات جذرية لا مؤدى لها إلا نسف الأسس الاعتقادية الجوهرية لديانة المسيحيين.
وهكذا نتوصل فى نهاية المطاف على إن المسيحية المتصهينة قد نجحت فى تحويل الانتباه عن رسالة المسيحية للكون فى الحبة إلى تنبؤات أنبياء إسرائيل وقدرها ومصيرها, بحيث تبدو إسرائيل شاغل الله الاساسى بل لا شاغل له غيرها, لكونها أداة تحقيق الغاية من التاريخ ومن وجود البشر فى الزمان. وان الأصولية اليهودية المسيحية وحركتها الصهيونية تؤكد إن تأييد اليهود ليس اختيارا بل هو قضاء الهي, والوقوف ضد الصهيونية هو وقوف ضد إرادة الرب يستدعى غضبه ونقمته. وهناك نقطة مهمة يجب الانتباه إليها, إن عودة المسيح تحتم عودة اليهود إلى فلسطين, وهاتان العودتان لا تتحققان إلا بتدخل الهي-كما كان الإيمان سابقا- فقد رأينا أنهما تتحققان بفعل البشر.
وان الصهيونية كحركة سياسية تواجدت قبل أكثر من ثلاثمائة سنة من انعقاد المؤتمر الصهيونى فى بازل فى عام 1897. وقد ظهر قسس ولاهوتيون متهودون كانوا أكثر حماسة لإعادة بنى إسرائيل إلى صهيون من اليهود أنفسهم. واشهر هؤلاء وأشدهم حماسة هشلر واللورد شافستبرى ) 1801-1885 ( الأول كان مؤمنا بأن هرتزل هو المسيح العائد, والثاني كان يدعو بالتنسيق مع وزير خارجية بريطانيا بالمرستون لإقامة دولة اليهود فى فلسطين, وذلك قبل ولادة هرتزل بعشرين عاما. وقد تعاطف العلماء والشعراء والكتاب والمفكرين مع اليهود فى فكرة توطينهم فى فلسطين. وهذا العالم نيوتن ) 1642-1727 ( اكبر علماء عصره عبر عن إيمانه بأن اليهود سيعودون إلى وطنهم, وتوقع تدخل قوة أرضية من اجل أعادتهم.
.فالصهيونية أذن هي فلسفة الرجعة اليهودية إلى ارض فلسطين لإقامة المملكة الإسرائيلية فالله أصبح فى نظر اليهودية إلا إلها قد استعبده اليهود لأهدافهم السياسية لا يعمل إلا الخير لليهود وحدهم وان كان هذا الخير لا يتحقق إلا بإلحاق الضرر والأذى بالشعوب الأخرى وان هذا المهدي المنتظر سيحرر اليهود من العبودية لمضطهديهم ويعيدهم من المنفى ويحكم بالشريعة فيعم العدل ويسود السلم وتخصب الارض ويقول التلمود بهذا الخصوص ) وفى ذلك الزمن ترجع السلطة لليهود وكل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له وفى ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه وثلاثمائة وعشرة أكوان تحت سلطته ( ) وقبل أن يحكم اليهود نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق ويهلك ثلث العالم ويبقى اليهود سبع سنوات متواليات يحرقون الأسلحة التي كسبوها بعد النصر ( وتكون الأمة اليهودية يومئذ فى غاية الثراء لأنها تكون وبناء هذا الهيكل وأهميته يرجع فى الوجدان اليهودي لعقيدة المسيا اليهودية التي تقول بمجيء المسيح المخلص الذي سيجمع اليهود ويوحدهم وسيقوم ببناء الهيكل لكي يحكم اليهود العالم لمدة ألف عام قبل الساعة بعد أن ينتصر على أعدائه فى معركة هرمجدون فى ارض محدو بفلسطين. وقد استطاع اليهود بتجنيد تيار كبير من البروتستانت المسيحيين لدعم هذه الفكرة ويبلغ عدد هؤلاء حوالى 80 مليون فى الولايات المتحدة وهم من اشد المؤيدين لإسرائيل فى أمريكا وحول الفكر الديني لهذه الطاتفة يقول أوين ) اننا نعتقد بأنه ستكون الخطوة التالية فى الأحداث بعد إقامة دولة إسرائيل وعودة اليهود للقدس أن يعاد بناء الهيكل وهذه ستكون مؤدية إلى عودة المسيح وان اليهود بمساعدة المسيحيين يجب أن يدمروا المعبد القائم (المسجد الأقصى ( ويبنوا الهيكل لان هذا ما يقوله الإنجيل (. ولكن هذا الادعاء مخالف لموقف الكنيسة الكاثوليكية, إلا انه يتناقض مع نبوءات المسيح نفسه الذي قال بأن القدس سوف تدوسها العامة حتى نهاية زمن العامة اى حتى نهاية الزمن لوقا 21-24.
هكذا ارتبطت الإدارة الأمريكية الأصولية ارتباطا مباشرا بالصهيونية العالمية القائمة على أساس تلمودي، وهذا الأمر ذكره الله فى القران الكريم بوعد تمكين الارض لهم فى أخر الزمان، فجعلهم الله أكثر نفيرا. وهذا ما يحدث هذه الأيام.
معركة هرمجدون
التنبوءات التي يتقاسمها النصارى واليهود فى أحلامهم الوردية وغير الواقعية تماما قائمة على الإيمان بحدوث معركة هرمجدون النووية العظمى -او الحرب العالمية الثالثة- حسب تصوراتهم ومعتقداتهم الدينية. وهرمجدون معركة نووية يعتقد الإنجيليون المتهودون إنها ستقع فى سهل محدو , بين القدس وعكا, ومنهم من يذكر إنها ستقع بين الجليل والضفة الغربية, ومنهم من يذكر أن سهل محدو يمتد من القدس حتى البحر المتوسط, كما جاء فى سفر الرؤيا.
رجال المسيحية واللاهوتيين يعتقدون أن الكتاب المقدس الإنجيل يتنبأ بالعودة الحتمية الثانية للمسيح بعد مرحلة من الحرب النووية العالمية, او الكوارث الطبيعية, والانهيار الاقتصادي, والفوضى الاجتماعية. إنهم يعتقدون أن كل هذه الأحداث يجب أن تقع قبل العودة الثانية, وأنها مسجلة بوضوح فى الإنجيل, وقبل السنوات الأخيرة من التاريخ, فأن المسيحيين المخلصين سوف يرفعون ماديا من فوق الارض, ويجتمعون بالمسيح فى السماء, وفى هذا المكان سوف يراقبون بسلام الحروب النووية. وفى نهاية المحنة سيعود هؤلاء المسيحيون المولودون ثانية مع المسيح كقائد عسكري لخوض معركة هرمجدون لتدمير أعداء الله, ومن ثم ليحكموا الارض لمدة ألف سنة.
أن الكنيسة التدبيرية الأمريكية, وهى قائمة على فكرة أن كل شيء فى الكون مدبر وفق خطة مبرمجة شاملة, وهى تضع شروط لعودة المسيح الثانية, ومن ضمن هذه الشروط, هو تعرض دولة إسرائيل إلى هجوم من غير المسلمين, وخصوصا من المسلمين والملحدين, ثم تقع مجزرة بشرية كبيرة تدع هرمجدون, ففي هذه المجزرة تستعمل كل أنواع الأسلحة التدميرية النووية والكيمياوية, ويقتل فيها الآلاف من البشر من الطرفين المسلمين واليهود. بعد ذلك يظهر المسيح فوق ارض المعركة ليخلص بالجسد المؤمنين فيرفعهم إليه فوق سحب المعركة حيث يشاهدون بأم العين جثث القتلى والدمار والخراب على الارض, قبل أن ينزل إلى الارض, ويحكم العالم لمدة ألف سنة ) الألفية (.
أن الأيمان بهذه النبوءات حسب اعتقاد الكنيسة هذه هي من واجبات المؤمنيين بها. وعلى الإنسان المؤمن أن يوظف كل امكاناته وقدراته لتحقيق إرادة الله, وان الله يختار من الناس من يؤهلهم ويمكنهم من القيام بهذا الدور المساعد, وهذا مما جعل الرئيس بوش الابن فى الاعتقاد بأنه مرسل العناية اللاهية من اجل إنقاذ البشرية للقيام بهذا الدور المساعد. ويقول الكاتب هال لندسى فى كتابه ( أخر أعظم كرة أرضية ) فى السبعينات من القرن الماضي أن دولة إسرائيل هي الخط التأريخى لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل. وان كل مدينة فى العالم سيتم تدميرها فى الحرب الكونية النووية الثالثة, بعد أن يتحالف العرب مع الروس. وان القوة الشرقية سوف تزيل ثلث العالم, وستحين ساعة اللحظة العظيمة, فينقذ المسيح الإنسانية من الفناء الكامل. وفى هذه الساعة سيتحول اليهود الذين نجوا من الذبح إلى المسيحية, سيبقى 144 ألف يهودي فقط على قيد الحياة بعد معركة هرمجدون. وان ضحايا هذه الحرب ستكون من المسلمين واليهود وبقية الوثنين فى الشرق غير المؤمنين بألوهية المسيح, لان المسيح لا ينقذ إلا البشرية النصرانية فقط من الاندثار الكامل.
وقد رسم هال ليندسى سيناريو الأحداث على الشكل التالي حيث قال ( بعد أن أصبح اليهود امة بدأ العد العكسي للمؤشرات التي تتعلق بالنبوءات الدينية اليهودية ).
1- قيام دولة إسرائيل, وعودة اليهود من الشتات إلى ارض الميعاد. وقد قامت إسرائيل عام 1948, ولذلك اعتبر الصهيونيين المسيحيين أن أمريكيا هذا الحدث أعظم حدث فى التاريخ, لأنه جاء مصدقا للنبوءة التوراتية.
2- احتلال مدينة القدس. وقد احتلت إسرائيل هذه المدينة عام 1967. ويعتقد المسيحيون إنها المدينة التي سيمارس المسيح منها حكم العالم بعد قدومه الثاني المنتظر.
3- إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى. وتتعرض إسرائيل إلى هجوم كبير من الكفار (المسلمين ) بقيادة دكتاتور يكون أسوأ من هتلر او ستالين يتزعم القوات المهاجمة. وخضوع معظم العالم لسيطرة هذا الديكتاتور الذي يعادى اليهود.
4- وقوع معركة هرمجدون النووية التي تسبب فى كارثة بيئية ضخمة , وارتفاع المؤمنين بالولادة الثانية للمسيح وحدهم بمعجزة إلهية فوق ارض المعركة ونجاتهم من الكارثة, بينما تذوب أجسام بقية البشر فى الحديد المنصهر. حدوث كل ذلك فى غفلة عين.
5- سوف تشارك روسيا الذين يمثلن بأجوج ومأجوج فى المعركة ضد الإنجيلين ايضا, مما يسفر عن تورط العالم كله فى هذه المعركة. وفى التفاصيل كذلك أن نهر الفرات سوف يجف كما ورد فى الفصل 16 من سفر الرؤيا فى انجيل يوحنا.
اما بات روبرتسون فيقول أن أقدار العالم كما نشهدها اليوم هي نتاج مكيدة شيطانية شريرة حيكت خيوطها ابتداء من العام 1776 على يد الماسونيين ورجال المال اليهود. وموقفه من اليهود يفصله روبرتسون فى كتابه ) الألفية الجديدة ( وينطلق من القناعة بأن إسرائيل سوف تفنى فى الأيام الأخيرة قبل الدينونة. ولكن السيناريو الذي يقدمه اشد إثارة من اى سيناريو أخر فى التراث المعمد انى الامريكى بصدد علاقة دولة إسرائيل بمجيء المخلص )هذه الأمة الصغيرة القليلة العدد ستجد نفسها معزولة عن العالم, وعندها كما جاء فى التوراة, سوف يضرع اليهود إلى ذلك الذي انتبذوه على الدوام, لكن تدمير إسرائيل لن يتم إلا بسبب الإذعان الامريكى, ولابد من يوم وتصوت فيه الأمم المتحدة ضد إسرائيل, وتمتنع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو لإنقاذ إسرائيل ( لماذا سيطرأ هذا التحول الدراماتيكي ؟ لان الامريكى المسيحي سوف يثور يوما ما ضد اليهود الكوزموبوليتين الليبراليين والعلمانيين. صحيح أن تدمير إسرائيل أمر سطره الرب فى الكتاب, ولكن تسريع وقوعه مرهون بما يقترفه أثرياء اليهود من آثام بحق أبناء المسيح.
اما الكاتب البريطاني جورج مونبيوت فقد ذكر فى كتابه ) عصر الإجماع ( أن شرائح واسعة من المنخرطين فى مختلف المنظمات المسيحية الأصولية يؤمنون بنظرية متكاملة جرى التبشير بها فى القرن الثامن عشر, تقول بعودة يسوع إلى عالمنا هذا لتخليصه من الشرور, وذلك حين تكتمل جملة شروط قيام دولة إسرائيل, نجاح إسرائيل فى احتلال كامل ارض التوراة اى معظم الشرق الأوسط, إعادة بناء الهيكل الثالث فى موقع وعلى أنقاض قبة الصخرة والمسجد الأقصى, وأخيرا اصطفاف الكفرة أجمعين ضد إسرائيل فى موقعة ختامية سوف يشهدها وادى هرمجدون, حيث سيكون أمام اليهود واحد من خيارين, اما الاحتراق والفناء الكامل, او الاهتداء إلى المسيحية, الأمر الذي سيمهد لعودة المسيح المخلص.
وفى عام 1971 ذكر الرئيس السابق ريغان فى حديث له حول معركة هرمجدون فقال ) أن كل شيء يأخذ مكانه. لن يطول الوقت ألان. أن حزقيال يقول -أن النار والحجارة المشتعلة سوف تمطر على أعداء شهب الله - أن ذلك يجب أن يعنى إنهم سوف يدمرون بالسلاح النووي. إنهم موجودون ألان ولكنهم لم يكونوا موجودين فى الماضي ( وتابع ريغان قائلا )أن حزقيال يخبرنا بأن يأجوج ومأجوج الأمة التي ستقود قوى الظلام الأخرى ضد إسرائيل سوف تأتى من الشمال, أن أساتذة الكتاب المقدس يقولون منذ أجيال أن يأجوج ومأجوج يجب أن تكون روسيا (.
وفى الفكر اليهودي ايضا ذلك الإحساس الذي يسرى فى كثير من صفحات التلمود بأن نهاية التاريخ ستشهد علو جماعة إسرائيل على العالمين, ودمار أعدائهم من الشعوب الأخرى. وقد شبه اليهود بحبة الزيتون لايمكن خلطه مع المواد الأخرى, وكذلك جماعة إسرائيل فأنه لايمكن اختلاطها مع الشعوب الأخرى. ويدعى التلمود أن روح الله من روح الشعب اليهودي, كما أن الابن جزء من أمه, ولذا فمن يعتدي على يهودي كمن يعتدي على العزة الإلهية, ومن يعادى جماعة إسرائيل او يكرهها فأنه يعادى الإله ويكرهه. وهذا التعابير والأقوال موجودة فى صفحات التلمود, ولذا استغرقوا فى أحلام اليقظة اللذيذة, ونسجوا الأوهام حول أنفسهم من إنهم جزء من الإله, وإنهم فى نهاية العالم سيسودون العالمين.
نقد فكرة المخلص ومعركة هرمجدون
أن هذه التنبوءات وبهذا الشكل هي مشكلة إيمانية, تخص كل الأديان السماوية, ويتغافل عنها الجميع فى تضارب الآراء والأفكار والمعتقدات الدينية. إنها حقيقة تبدو مستعصية على الحل التام, فالمسيحيون واليهود ينتظرون عودة المسيح لإقامة مملكة أبيه داود, بينما المسلمون ينتظرون المسيح الحقيقي الذي رفعه الله إلى السماء لينزل مرة اخرى إلى الارض ليقتل المسيح الأعور الدجال, ويقيم ذات المملكة, إلا إنها مملكة الحق الإسلامية الخالدة.
هناك من الكتاب اليهود انتقد هذه الفكرة, وأسطورة الخلاص المسيحانى مثل هرمان كوهين Herman cohen ) 1822-1918 ( والذي حاول عقلنة اليهودية وتحديثها, والتوفيق بين مذهب كانت العقلاني الاخلاقى واليهودية, الذي ينطلق من ضرورة تجديد اليهودية من إطارها الاسطورى, وإبراز جوهرها الخلقي الذي تضمنه خطب الأنبياء العبريين من عاموس فى القرن الثامن قبل الميلاد إلى اشعيا الثاني فى القرن الخامس قبل الميلاد. وهو يرى أن رسالة اليهودية لاتعنى اليهود وحدهم, كما يعتقد اليهود التقليديون الذين ضيقوا أفاق اليهودية, وإنما هي رسالة كونية تعنى البشر جميعا. ويرى كوهين أن هذا الجوهر الخلقي هو الذي يستحق البقاء, وكل ماعداه مما يخالف العقل من أساطير يجب إسقاطه, وبين الأساطير التي يجب أن تلغى فى رأيه أسطورة الخلاص المسيحانى التي ترهن بالعودة العجائبية للمسيح المنتظر. انه يحاول تحرير الفكر اليهودي من الميتافيزيقيا واللاهوت اليهودي. عند دراسة السيناريو الذي وضعه اليهود حسب تنبؤات محرري التوراة سنجد أن كل هذا الكلام مجرد خزعبلات دينية, او مجرد هلوسة دينية. وحتى جريدة اندبندنت البريطانية قالت فى مقال لها عام 1990 بعنوان ) الاندثار في معركة هرمجدون ( انه ليس للمسيحيين أية علاقة بهذه الخزعبلات. ويذكر الدكتور احمد حجازي السقا في كتابه ( علم مقارنة الأديان ( أن معركة هرمجدون Armageddon قد وقعت فى أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولن تقع فى هذه الأيام ولأبعدها, كما يقول اليهود والمسيحيون.
تنبوءات عن بابل الجديدة وأمريكا الحالية.
تكشف نصوص التوراة, وأقوال الأنبياء اليهود مثل اشعيا وارميا وحزقيال أن المبعوثين على اليهود فى المرة الثانية سيخرجون من الارض نفسها التي خرجوا منها فى الاولى, وان هذه الارض هي بابل ) العراق حاليا ( والقدمين من كل ناحية هم أبناؤها وسائر الكلدانيين ومعهم جميع أبناء أشور, ورغم معرفتهم هذه فهم يأخذون من التوراة ما يوافق أهواءهم, ويتركون ما سواه. وبما أن التوراة تخبرهم بصراحة, فأن البعثين كليهما سيخرجان من ارض واحدة, ويعتقدون إنها توصيهم وتأمرهم بتدميرها بعد عودتهم من الشتات لفلسطين فى المرة القادمة, وأنها تحرضهم وتحثهم بالا يدخروا جهدا من اجل إعادة أهلها إلى العصر الحجري, وحتى لا يتمكنوا من الانبعاث عليهم مرة اخرى.
ومما جاء فى النصوص التوراتية سفر التثنية 28-49 )ويجلب الرب عليكم امة من بعيد, من أقصى الارض, فتنقض عليكم كالنسر ( ) امة جافية الوجه يثير منظرها الرعب, لا تهاب الشيخ ولا ترأف بالطفل, اولى بأس شديد ( ) لاننى واثق أنكم بعد موتى تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها, فيصيبكم فى أخر الأيام -المرة الثانية تكون فى أخر الأيام- لأنكم تقترفون الشر أمام الرب, حتى تثيروا غظبه بما تجنيه أيديكم ( 31-29 ) فرأى الرب ذلك ور ذلهم, اذ أثار ابناوءه وبناته غيظه, وقال سأحجب وجهي عنكم فأرى ماذا سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب واولاد خونة. لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش اولى بأس شديد ( 32-19
اما اسعيا فقد قال ) لاتفرحى يأكل فلسطين -إسرائيل- لان القضيب الذي ضربك قد انكسر. فأنه من اصل تلك الأفعى يخرج افعوان, وذريته تكون ثعبانا ساما طيارا. ولول أيها الباب, ونوحي أيتها المدين, ذوى خوفا يا فلسطين قاطبة لان جيشا مدربا قد زحف من الشمال ( 14-29. اما ارميا فيقول ) انظرا ها شعب زاحف من الشمال, وأمة عظيمة تهب من اقاصى الارض, لمحاربتك يااورشليم ( 6-22. ويقول حزقيال ) واتى بهم عليك من كل ناحية, أبناء البابليين, وسائر الكلدانيين, ومعهم جميع أبناء أشور ( وبما أن الله قد كشف لهم عن مخططاته, بالنسبة لحتمية القضاء على وجودهم فى فلسطين, إلا إنهم يحاولون تفسير هذه التنبوءات بالطريقة المعكوسة او بمحاولة مخالفة مخططات الله وأبطالها, معتمدين على ما ألفه محرري التوراة ومحرفيه من نبوءات خاطئة عن المسيح المنتظر ) المخلص ( او الملك الموعود. وقد قال الله تعالى عن أخبار اليهود ) من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ( 46 النساء ) وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ( 75 البقرة.
اما ذلك العصر السعيد, عصر الأمان والسلام لكل الشعوب الذي تنبأ به النبي اشعيا ) فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل ولا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد ) اشعيا 2. وهذه النبوءة تتحدث عن يوم يثبت فيه دين يهوه وحده فى قمة جبل صهيون, وتجرى إليه كل الأمم. ولكن ذلك لن يكون قبل أن يحدث الاتى لبلدان المنطقة. ) هو ذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ودم ( اسعيا 17 ) في ذلك اليوم تكون مصر كالنار, فترتعد وترتجف من هزة يد رب الجنود, وتكون ارض يهوذا رعبا لمصر ( اسعيا 17-19 ) بلاد العرب من أمام السيوف قد هربوا يفنى كل مجد قيدار, لان الرب اله إسرائيل قد تكلم ( اسعيا 21 ) وهى من جهة صور. ولولى يا سفن ترشيش لأنها خربت ولولوا يا سكان الساحل. درب الجنود قضى به ليدنس كبرياء كل مجد. أرضك كالنيل يا بنت ترشيش. أيتها العذراء المتهتكة بنت صهيون. ولبنان ليس كافيا للإيقاد وحيوانه ليس كافيا للمحرقة ) اشعيا 23-40 ( انزلي واجلسي على التراب أيتها العذراء ابنة بابل, اجلسي على الارض بلاكرسى بابنة الكلدانيين. اجلسي صامتة واد خلى فى الظلام باابنة الكلدانيين لأنك لا تعودين تدعين سيدة الممالك ( اسعيا 47. لقد فرح اليهود باحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية الغازية وسقوط بغداد, والمذابح التي جرت بحق الشعب العراقي المسلم, انتقاما لما فعله أبائهم ببني إسرائيل فى بابل القديمة, ولمنع الأبناء من تكرار فعل الآباء لاحقا.
لكن نبوءة اشعيا صريحة بعباراتها ) لاتفرحى يأكل فلسطين -إسرائيل- لان القضيب الذي ضربك قد انكسر, فأنه من اصل تلك الأفعى يخرج افعوان( وهذا النص صريح ويحذر اليهود من الفرح والابتهاج والشماتة والسخرية من بابل, بانكسار القضيب الذي ضربه, لأنه فى النهاية سينهض من جديد, لينجز ما قضاه الله عليهم. فالافعوان لا محالة خارج من اصل تلك الأفعى, طال الزمن او قصر, وسينفث سمه فى أجسادهم عند مجيء الوعد الالهى, وذريته ستكون اشد بأسا وتنكيلا.
لقد بات الصهيونية بارتباطها مع الويلات المتحدة اكبر قوة عسكرية فى العالم, بتحريض اليهودية وصولا إلى السيطرة على العالم. وقد وسع الموسويون الجدد سيطرتهم بالهيمنة على اكبر قوة على الارض بالاستباق الفكري الديني القائم على التنبوءات التوراتية لأنبياء بنى إسرائيل, مما مهد الطريق أمام اليهود للاستباق الدفاعي توسعا فراحوا يوسعون بدورهم ارض الميعاد. إلا انه كلما وسع الموسويون ارض الميعاد, فى كل مرة سقطوا صرعى قبل إكمال الدائرة, مثلما فعل الراعي البدوي فى قصة )دائرة الطباشير القوقازية( التي كتبها بيرتولد بريخت الكاتب الالمانى المشهور. وتدور هذه القصة حول التدمير الذاتي جشعا, وجاءت القصة على الشكل الاتى, عندما يمنح السلطان قطعة ارض لراعى بدوى يحدد سعتها بالركض من مطلع الشمس حتى غروبها, شريطة أن يقفل الراعي الدائرة مع الغروب, ولكن البدوي الطماع يسقط فى النهاية ميتا ولم يقفل الدائرة, لأنه بقى يوسعها جشعا, وهذا ما سوف يحدث لإسرائيل فى المستقبل, حسب التنبوءات المذكورة فى التوراة.
اما فى انجيل يوحنا سفر الرؤيا وهو من الأناجيل الأربعة المعترف بها عند الفرق المسيحية, فأن يوحنا ورؤياه لابد أن تكون إسفارا توراتية, كان من المفروض أن تكون ملحقة بالتوراة, لكنها أسقطت فى وقت متأخر, بعد أن تم التلاعب فيها من قبل اليهود, فضمها النصارى إلى الأناجيل أثناء جمعه وتحريفه, وهى تشابه فى تكرارها نصوص الوثيقة السابقة من سفر ارميا فى التوراة. وجاء فى سفر الرؤيا ليوحنا )وسيبكى عليها ملوك الارض, الذين ترفهوا معها, وسينوحون وهم ينظرون إلى دخان حريقها, فيقفون على بعد منها, خوفا من عقابها, وهم يصرخون الويل الويل, أيتها المدينة العظمى, بابل القوية, فى ساعة واحدة حل بك العقاب !( )وسيبكى تجار الارض, ويحزنون عليها. هؤلاء التجار الذين اغنوا من التجارة معها, يقفون على بعد منها, خوفا من عذابها, يبكون عليها وينتحبون , قائلين الويل الويل على المدينة العظمى. وقد زال هذا كله فى ساعة واحدة ( 18.12-17 )ويقف قادة السفن وركابها وملاحوها على بعد منها ينظرون إلى دخان حريقها, أية مدينة مثل هذه المدينة العظمى ؟ ويذرون التراب على رؤوسهم , وهم يصرخون باكين منتحبين الويل الويل على المدينة العظمى التي اغتنى أصحاب سفن البحر جميعا بفضل ثروتها, هاهي فى ساعة واحدة قد زالت ( 18. 18-19 )اشمتي بها أيتها السماء واشمتوا بها أيها القديسون والرسل والأنبياء, فقد أصدر الله حكمه عليها بعد أن أصدرت أحكامها عليكم( 18. 20
والحقيقة أن هذه النبؤة تتحدث عن دولة عظمى فى العصر الحاضر, تضاهى عظمة بابل القديمة وقوتها, تقع على البحر, أغنت التجار فى البر والبحر, وهى ام الصناعة, وتجارها سادة الارض, والملوك قد زنوا وترفهوا معها, وفيها دماء جميع من قتل على الارض. وهذه الدولة القوية الحالية هي الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية, ومااحدثته فى هذا العصر من فساد وإفساد, وسفك الدماء, واحتلال البلدان فهى القوة الوحيدة فى العالم فى الوقت الحاضر تحكم الكرة الأرضية بأسرها, بعد سقوط الاتحاد السوفيتي, ونصبت نفسها كأله يعبد ويقدس, وهى التي تقرر مصير الدول والشعوب ومن أصلح ومن فسد ومن يستحق المقاطعة الاقتصادية. وتشير الكاتبة الأمريكية كريس هالسل بأن اغلب المفسرين الجدد من النصارى يأخذون بالتفسير اللفظي للمسيمات التي جاءت فى النصوص التوراتية, ويعتبرون شروحاتهم وتفسيراتهم على نحو مغاير لما تخبر عنه النصوص حقيقة. اما اليهود فهم يعلمون حقيقة ما تخبر عنه النصوص, وبأن الدمار القادم والذي تخبر عنه النصوص سيكون لهم ولامريكيا, ولكنهم يستعملون التفسير الخاطىء لخدمة أغراضهم ومخططاتهم الشيطانية.
اما كلمة بابل التي جاءت فى سياق القول والنص فهى اما أن تكون قد أضيفت عن قصد من قبل محرري التوراة بعد رجوعهم من السبي إلى ارض فلسطين, بسبب الحقد الدفين على البابليين والكراهية الشديدة لهم والرغبة فى الانتقام منهم, وأما أن تكون قد استخدمت لترمز إلى الدولة العظمى فى هذا العصر, ولو حذفت كلمة بابل ووضعت بدلا عنها كلمة أمريكا لوجدت أن النص سيصبح أكثر صدقا وواقعيا وتطابقا مع الواقع الحالي الذي يعيشه العالم.
شبكة البصرة
السبت 25 رجب 1427 / 19 آب 2006