المهند
23-07-2006, 08:57 PM
الصفويون و الدولة العثمانية
أبو الحسن علوي بن حسن عطرجي
راجعه وقدم له
محمد بن حسن بن عقيل موسى
دار الأندلس الخضراء
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة ، السلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
إن في التاريخ أحداثاً جساماً جعلها الله تعالى عبرة للمعتبرين ، وحتى تكتمل منها العبرة وتتضح فيها العظة فإنه لابد من توضيح تلك الأحداث وتفصيلها وعرضها عرضاً موضوعياً حتى لا تخفى العبرة منها على أصحاب النظرات العجلى أو على من ينظرون إلى أحداث التاريخ نظرات قائمة على حسن الظن والستر على مساوىء مهما كانت عظيمة .
ومن الأحداث المهمة في تاريخنا نشوء دولة للرافضة تحكمت في رقاب أهل السنة ردحاً من الزمان ، وكانت شوكة في حلوق سلاطين آل عثمان مانعة لهم من التوغل في أوروبا ونقلها من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
وقد سلَّط أضواء العبرة والاتعاظ على تلك الأحداث أخي في الله – تعالى – علوي ، وأظهر في كتيبه هذا من الحقائق ما قد يخفى على كثير من المهتمين وطلبة العلم ، وقد كان لي تشوق إلى الكتابة عن أحوال الصفويين مع آل عثمان خصوصاً ولكن كفاني الأخ الكريم – بباكورة إنتاجه – هذا العمل المهم الذي قلما جمع جوانبه أحد فيما أعلم .
والله تعالى أسأل أن يثيب أخي بعلمه هذا وأن ينفع به وبمؤلفه ، ويمن علينا بالطاعة والاتباع ، ويجنبنا المعصية والابتداع .
محمد بن حسن بن عقيل موسى
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، أما بعد :
فقد كنت ذات يوم في محاضرة في الجامعة وكان المحاضر يتكلم عن التاريخ الإسلامي ثم ذكر العصر الذي مضى وكيف أن المسلمين كانوا هم القوة العظمى في ذلك الوقت ، وكانت القوة العظمى موزعة بين دولتين عظيمتين من دول الإسلام : الدولة العثمانية و الدولة الصفوية ، ولم أكن أعرف حينها شيئاً كثيراً عن الدولة الصفوية ، وظننت كما ظن غيري أنها دولة قامت لتحمي حمى الإسلام ، وتقف في وجه أعداء الدين على مختلف مللهم ، وهذا مما شجعني على الإطلاع والبحث في كتب التاريخ لمعرفة حقيقة هذه الدولة .
وقد يسمع البعض عن اسم الدولة الصفوية ولا يدري في أي قرن من الزمان قامت ونشأت ، وهذا للجهل بالتاريخ الإسلامي وعدم اطلاعنا عليه.
وقد يهاب أحدنا الإطلاع على التاريخ الإسلامي وخاصة في الحقب المتأخرة لكثرة المجلدات وضخامتها ، وذلك مما دعاني بأن أتقدم بتلخيص ميسر ووجيز ليكون كتيباً صغيراً أضعه بين يدي القارىء الكريم ، عن جزء من تاريخنا الإسلامي كانت فيه أحداث عظام أثرت في مجرياته .
وفي الكتيب ملخص عن دولة قامت على الحقد على أهل السنة وكانت من الأسباب التي مكنت لأعداء الدين من الصليبيين الحاقدين وغيرهم ، وكانت شوكة في حلوق أهل السنة وحاجزاً منع دولة الإسلام المتمثلة في الدولة العثمانية من التقدم في الجبهة الغربية الأوروبية .
والمتمعن في تاريخ الدولة الصفوية يلحظ الخدمة العظيمة التي قدمتها هذه الدولة للغرب ، كما سيمر معنا في هذا الكتيب بمشيئة الله تعالى .
أبو الحسن علوي بن حسن عطرجي
6/1/1414هـ
إيران قبل الصفويين
استوطنت إيران قبل عهد الصفويين قبيلتان من قبائل التركمان هما قراقويونلو أي أصحاب الخراف السوداء ، وآق قويونلو أي أصحاب الخراف البيضاء .
وكانت الفوضى تسود إيران في ذلك العصر حيث القتال مستمر بين القبيلتين ، وكان هذا بعد أن تجزأت إمبراطورية التيموريين بعد وفاة تيمور لنك [1] مما زاد الفوضى في المنطقة [2] .
وظهرت الدولة الصفوية في تلك الأثناء ليتغير مجرى الأحداث وتبزغ الصراعات الجسيمة كما سيأتي بعد ذلك .
نشأة الدولة الصفوية
مؤسس الدولة الصفوية الذي أقام كيانها وأرسى قواعدها وبنيانها وفرض فيها المذهب الشيعي بالقوة وأقام دولة ذات قوة وشوكة وحدود هو الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي. ويُنسب الصفويون إلى صفي الدين الأردبيلي – الذي ولد عام ( 650هـ ) – وهو الجد الخامس للشاه إسماعيل ، وقد كانت نشأته نشأه صوفية حيث كان صاحب طريقة وهذا ما ساعد في التفاف الكثير من المريدين حوله ، ومن ثم انتشار دعوته وكثرة أنصاره . وبعد وفاته خلفه في رئاسة أتباعه ابنه صدر الدين موسى الذي مشى على طريقة أبيه ، ثم انتقل الأمر إلى ابنه صدر الدين خواجة علي سياهبوش . وقد ساعدت الظروف السيئة التي حلت بإيران على أيدي التيموريين [3] في التفاف المريدين حوله وازديادهم وكانت علاقته بتيمور لنك علاقة جيدة وقوية .
ويعتبر صدر الدين أول من اعتنق المذهب الشيعي من الأسرة الصفوية ودعا إليه ، وهذا يعتبر نقطة تحول مسار هذه الأسرة التي كانت تدعي نسبها إلى الحسين بن علي بن أبي طالب وبعد وفاة خواجة علي سياهبوش خلفه ابنه شيخ شاه ، ومشى على خطاه .
بعد وفاته خلفه ابنه السلطان جنيد ، وفي زمنه اكتسب مريدوه قدرة على الحركة حيث إنهم اتجهوا بأعداد كبيرة إلى مقر الأسرة وأحاطوا بالسلطان جنيد الذي بدأ يكشف عن رغبته في الملك تدريجياً وهذا ثاني أخطر تحول مسار الأسرة الصفوية بعد التشيع ، وكانوا بادعائهم الانتساب إلى آل البيت قد بدأوا يطالبون بالتاج والعرش إثباتاً لحقهم المزعوم .
وتبدلت الدعايات المذهبية إلى مطالب سياسية [4] وبدأ السلطان جنيد بإقامة حكم مستقل في أردبيل [5] وأخذ يتقوى ويعد الجيوش لغزو شروان [6] . وللتوسع وبسط السيطرة ، دخل في معركة مع حاكمها ولكنه هزمه وقتله ، ورغم الهزيمة التي حلت بالأسرة الصفوية إلا أن هذا التحول يعتبر تحولاً خطيراً في مسارها فهذه هي أول معركة حربية تخوضها .
ثم انتقلت الرئاسة من بعده إلى ابنه السلطان حيدر حيث أخذ يعد العدة لينتقم لمقتل أبيه من حاكم شروان وأعد جيشاً جعل أفراده يرتدون القبعات الحمراء ومنذ ذلك الوقت صار أتباع الشيخ حيدر يعرفون بـ القزلباش [7] أي حمر الرؤوس .
ولما رأى حاكم شروان أنه لا طاقة له بالسلطان حيدر طلب المساعدة من السلطان يعقوب من أسرة آق قويونلو[8] ، الذي كانت بينه وبين السلطان حيدر عداوة فاجتمعا عليه وهزماه وقتلاه .
ثم انتقل الأمر إلى ابن السلطان علي الذي ما لبث أن قتل ثم انتقل الأمر إلى ابن السلطان حيدر الثاني مؤسس الدولة الصفوية الشاه إسماعيل الصفوي.
التمكين للأسرة الصفوية ، وقيام دولتهم
كانت هناك محاولات لقتل أولاد حيدر جميعاً ومنهم الشاه إسماعيل ، ولكن يقال أنه اجتمع مائتان من أتباع ومريدي البيت الصفوي ونقلوا الشاه إسماعيل وأخاه إبراهيم بعد مقتل أخيهم عي خفية من أردبيل إلى كيلان [9] [10]
ثم استدعى كاركياميرزا حاكم لاهيجان [11] الأخوين وأقامهما عنده وكان حاكماً قوياً ، وقد قام بإعداد إسماعيل وتربيته تربية ثقافية وعلمية وعسكرية ليعده للملك . ومكث إسماعيل فترة الإعداد خمس سنوات أتاحت بدورها فرصة كبيرة لأتباع البيت الصفوي للاتصال ببعضهم البعض بمساندة حاكم المنطقة .
في هذه الأثناء كان الصراع والتفكك قد فشى في أسرة آق قويونلو فظهرت في الأفق الفرصة لأنصار الصفويين بتحريك الشاه إسماعيل وإعداد الجيش حوله واغتنام هذه الفرصة . فتكون جيش القزلباش وتحرك الشاه إسماعبل بجيش يقدر بحوالي سبعة آلاف مقاتل أشداء إلى شروان للانتقام من حاكمها الذي قتل أباه وجده ، واستطاع هزيمته وقتله ، وقد كان قاسياً جداً في معاملته للقتلى حيث حرق جثة حاكم شروان ونبش القبور وخرب ودمر كل ما حوله [12]
وخرج من هذه المعركة بمكسبين : الأول : كسبه قوة شعبية وسياسية حيث التف حوله كثير من الإيرانيين الشيعة الذين كانوا يرون في شخصيته منقذاً لهم من دوامات الأسر الحاكمة .
والمكسب الثاني : هو الغنائم التي غنمها في هذه المعركة وهذا كان له أثر كبير في تدعيم جيشه .
وهناك بدأ التقدم الصفوي القوي ضد أسرة آق قويونلو وشعر بذلك زعيمها في ذلك الوقت الوندميرزا ، الذي أرسل رسالة إلى الشاه إسماعيل يذكره فيها بالقرابة والصلة بين الأسرتين ويدعوه أن لا يقترب من حدوده وإلا فإن لديه ثلاثين ألف مقاتل سيكونون له بالمرصاد ، وكان جواب الشاه إسماعيل له إنه إما أن يدخل تحت حكمه ويتشيع وإما القتال [13].
وحدثت معركة قوية بين الطرفين عام 907هـ ، وتمكن الشاه إسماعيل من هزيمة الوندميرزا الذي هرب بدوره إلى أرزنجان [14] تاركاً الكثير من المعدات العسكرية للشاه إسماعيل ، ودخل الشاه إسماعيل تبريز [15] منتصراً .
وبعد هذه المعركة الفاصلة توج الشاه إسماعيل ملكاً على إيران ، وما إن تم له ذلك حتى أعلن فرض المذهب الشيعي مذهباً رسمياً في مختلف أنحاء إيران دون مقدمات ، وقد كان أكثر من ثلاثة أرباع إيران من السنة [16] وكل من عارض هذا الأمر لقي حتفه فانقاد الناس له .
ثم بدأ في التوسع في أنحاء إيران المختلفة فانتقل إلى همذان [17]، وهزم حاكمها السلطان مراد الذي خلف الوندميرزا ثم انتقل إلى شيراز[18] وفرض فيها المذهب الشيعي كذلك ، وخاض عدة معارك حتى استتب له أمر إيران .
عوامل قبول المذهب الشيعي في إيران
إنه من المفارقات والعجائب أن تتحول دولة بأكملها من دولة سنية إلى شيعية ، كما حصل ذلك في إيران ، التي كانت ذات أغلبية سنية ثم تحولت بسبب ظروف خاصة أحاطت بها إلى دولة شيعية تحارب السنة وأهلها .
أسباب التحول إلى المذهب الشيعي في إيران :
1. انتشار الفوضى والفتن :
بعد موت تيمور لنك تجزأت الإمبراطورية التيمورية إلى عدة أجزاء بعد صراعات متصلة وحروب دامية بين أبناء تيمور لنك الأربعة [19] .
وكان هناك صراع متصاعد بين أسرتي التركمان التي كانت تسيطر على منطقة غرب إيران وهما آق قويونلو و قراقويونلو والتي لم تدم سيطرة الحكم التيموري فيها طويلا ، فاستغلت هاتان الأسرتان الوضع لبسط نفوذهما وذلك كان سبب الصراع بينهما [20].
هذه الظروف السيئة مجتمعة ولدت الظلم والإجحاف من الحكام الذين كانوا يتنازعون السلطة في المنطقة ، ولم يكن لديهم الاهتمام بالرعايا ، ونعلم الأثر النفسي للحروب على السكان الذين ضاقوا ذرعاً بذلك وفقدوا الأمل في حياة مستقرة فلجأوا إلى الحلقات الصوفية للأسرة الصفوية بحثاً عن الراحة النفسية ولم يكتفوا بذلك بل أصبحوا مؤيدين وأتباعاً لها ، وكان الناس ينظرون بفارغ الصبر إلى اليوم الذي يتخلصون فيه من هذه النكبات فأخذوا في شد أزر الأسرة الصفوية ، وقد كان لتولي شيوخ الأسرة الصفوية القيادة الدينية والعسكرية معاً الأثر الكبير في إبراز قدرتهم ونفوذهم مما أكسبهم ثقة الناس وخاصة أنهم لم يكونوا قد أعلنوا تعصبهم للمذهب الشيعي وأنهم سيفرضونه بالقوة على رقاب الناس [21] .
2. نشاط دعاة الشيعة وانتشارهم بين القبائل
كان هؤلاء الدعاة يمهدون لقبول المذهب الشيعي ، وكانوا يتمركزون في مدن معينة مثل كامشان ، قُم ، الري ، وقد كانوا بعملهم هذا يهيئون الرأي العام الإيراني لمثل هذا التحول بنشر الأفكار والمعتقدات الشيعية بين عامة أفراد الشعب [22]، وقد كان إسماعيل مدركاً لمدى رسوخ العقيدة عند أتباع المذهب الشيعي الذي كانوا يتعصبون له مما جعله يستغل ذلك بتحريكهم وجمعهم [23].
3. القهر الذي مارسه الشاه إسماعيل ضد السنة
بعد أن تُوج الشاه إسماعيل ملكاً أعلن أن المذهب الشيعي هو المذهب والمعتقد الرئيسي لإيران ، وذلك بعد دخوله تبريز ، وكل من يخالف ذلك ويرفضه فإن مصيره القتل ، حتى إنه قد ذكر له أن عدد سكان تبريز السنة يزيدون على ثلاثة أرباع السكان .
فقال : إن من يقول حرفاً واحداً فإنه سيسحب سيفه ولن يترك أحداً يعيش [24] ، وحتى قيل إن عدد من قتلوا في مذبحة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص ، وقد مورس ضد السكان السنة أبشع أنواع القتل والتنكيل حيث قطعت أوصال الرجال والنساء والأطفال ومُثل بالجثث [25], فاستسلم الناس لهذا التصميم على فرض المذهب الشيعي .
4. الدافع القومي لدى الشعوب التي كانت تسكن المنطقة
فقد تجمع في إيران بمرور الزمن أقوام وأجناس مختلفة فكان فيها الإيرانيون والعرب والأتراك والمغول فكان التعصب للجنس ظاهراً بينهم . وكان التنافس شديداً بين الأتراك والإيرانيون والخلاف مستمر .
وأيضاً كان موقعهم الجغرافي بين العثمانيين من الغرب والأزبك [26] من الشرق دافعاً لمثل هذا التعصب والحمية.
وقد استغل إسماعيل هذه النقاط حيث أذكى الحماس لدى هذه القبائل والتعصب ضد من حولهم وأوحى لهم بتكوين تجمع خاص يحفظ لهم قوتهم وسيطرتهم على المنطقة .
هذه العوامل التي ذكرناها مجتمعة كانت من أهم العوامل التي ساعدت على قيام هذه الدولة الشيعية في وسط غالبية من السنة .
القوى المحيطة بالدولة الصفوية
كانت عناصر القوة المحيطة بإيران في ذلك العصر تتركز في ثلاثة محاور رئيسية : العثمانيين ، وقبائل وعشائر الأزبك وهي قبائل سنية ، والتيموريين الذين انهارت دولتهم بموت تيمور لنك – كما ذكرنا آنفاً .
أما العثمانيون فكانوا الند القوي للدولة الصفوية ، وخاضوا معها معارك وحروب عدة كما سيأتي :
وأما قبائل الأزبك فكانت تسعى للسيطرة على إيران وترى أنها أحق من الشاه إسماعيل الصفوي في الملك ، وبدايةً كان الشاه إسماعيل كان يريد أن يقيم علاقات ودية معهم ، وأرسل مبعوثين لذلك ، ولكن قائد الأزبك شيبك خان رد المبعوثين خائبين [27] قد كانت لقبائل الأزبك تحركات قوية في المنطقة توحي أنها تسعى للسيطرة عليها وخاصة أنها شعرت بخطر سيطرة الرافضة ، مما كان السبب في قيام الحروب والمعارك بين الطرفين التي كانت غالباً ما تنتهي بانتصار الصفويين [28].
الدولة العثمانية ودفاعها عن الإسلام ضد الصليبية
قامت الدولة العثمانية في القرن السابع في وقت كان المسلمون فيه متفرقين متشتتين متناحرين ، وبقيام الدولة العثمانية ظهرت دولة الإسلام وكان الجهاد في سبيل الله وتحكيم شرع الله هو قوامها وقد أقام العثمانيون دولتهم على أساس توحيد الأناضول الإسلامية والبلقان النصرانية تحت حكمهم [29] .
وقد كان قيام دولة العثمانيين قوة للإسلام وحماية للدول الإسلامية من الاستعمار ، باستثناء دولة المغرب التي لم تكن تخضع للعثمانيين ، فالهند وإندونيسيا وماليزيا دخلها المستعمرون لكونها أمصاراً بعيدة عن نطاق الدولة العثمانية [30] .
كانت أوروبا يقاتل العثمانيين على أنهم مسلمون وليس بصفتهم أتراكاً وكان الحقد الصليبي هو المحرك في حروب أوروبا مع العثمانيين ، وترى أوروبا في العثمانيين أنهم أحيوا الجهاد بعد أن أخمد في النفوس طويلاً ، وأن جهودهم التي كانوا يبذلونها في قتل روح الجهاد في المسلمين تمهيداً لإبادتهم وإنهاء أي شيء يمت إلى الإسلام بصلة قد تبددت بظهور هذه الدولة الفتية التي كانت تنظر إلى قتالها مع النصارى على أنه جهاد في سبيل الله وإحياء لهذه الشعيرة التي خمدت في نفوس المسلمين ، فكانت لها صولات وجولات مع النصارى في محاور عديدة ، وكان لها العديد من الفتوحات في بلادهم ونشرت الإسلام ومهدت الطريق أمام الدعوة بالجهاد في سبيل الله .
وكانت الدولة العثمانية تمثل الأمصار الإسلامية فهي مركز الخلافة ولا يوجد سوى خليفة واحد في ديار المسلمين ، وكان المسلمون في كل مكان ينظرون إلى الخليفة نظرة احترام وتقدير ويعدون أنفسهم من أتباعه ورعاياه [31]
كانت الدولة العثمانية الممثلة لدولة الإسلام تقاتل أعدائها من الصليبيين الحاقدين على عده محاور ، فالروس من الشمال والنمسا من الغرب والإمارات الإيطالية ، فرنسا ، وانكلترا ، والبرتغاليون في البحار والمحيطات ، والكل يحقد على هذه الدولة التي قضت على الدولة البيزنطية إحدى قواعد النصرانية وتوغلت في بقية أوروبا ، والكل يرى في هذه الدولة أنها هي التي حالت دون انتشار النصرانية ودون امتداد النفوذ الاستعماري الصليبي وطلائعه من البرتغاليين ومنعت وصولهم إلى القدس وسيطرتهم عليها ، وعلى الأماكن المقدسة الأخرى .
وتحقد روسيا على العثمانيين لأنها ترى فيهم أنهم أعداء ألداء قضوا على الدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية ، مركز المذهب النصراني الأرثوذكسي وقاعدته وحاميته ، وهو المذهب الذي تدين به روسيا[32] .
هذه الأسباب المتقدمة الذكر جعلت أوروبا تحقد على الدولة العثمانية وتدخل في حروب طاحنة معها ، ونلحظ في أيامنا هذه الحقد الدفين في نفوس الأوروبيين عليها ، ويظهر ذلك جلياً في كتاباتهم وسياستهم حتى في بعض الدول الأوروبية التي توجد فيها أقلية مسلمة ترجع إلى الأصول التركية المسلمة نرى فيها محاولات الإبادة والتصفية الجماعية مثل ما يحدث في بلغاريا وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة كما في البوسنة والهرسك فإن أوروبا متحدة تسعى للقضاء على التجمع الإسلامي في هذه الدولة الصغيرة حتى لا يذكرهم بالفتوحات الإسلامية العثمانية .
ونرى في تاريخ الدولة العثمانية المجيد الكثير من المواجهات مع النصارى والمعارك التي كانت أكثرها تنتهي بانتصار العثمانيين وكانت لهم جهود لا بأس بها لاسترجاع الأندلس [33] .
أبو الحسن علوي بن حسن عطرجي
راجعه وقدم له
محمد بن حسن بن عقيل موسى
دار الأندلس الخضراء
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة ، السلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
إن في التاريخ أحداثاً جساماً جعلها الله تعالى عبرة للمعتبرين ، وحتى تكتمل منها العبرة وتتضح فيها العظة فإنه لابد من توضيح تلك الأحداث وتفصيلها وعرضها عرضاً موضوعياً حتى لا تخفى العبرة منها على أصحاب النظرات العجلى أو على من ينظرون إلى أحداث التاريخ نظرات قائمة على حسن الظن والستر على مساوىء مهما كانت عظيمة .
ومن الأحداث المهمة في تاريخنا نشوء دولة للرافضة تحكمت في رقاب أهل السنة ردحاً من الزمان ، وكانت شوكة في حلوق سلاطين آل عثمان مانعة لهم من التوغل في أوروبا ونقلها من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
وقد سلَّط أضواء العبرة والاتعاظ على تلك الأحداث أخي في الله – تعالى – علوي ، وأظهر في كتيبه هذا من الحقائق ما قد يخفى على كثير من المهتمين وطلبة العلم ، وقد كان لي تشوق إلى الكتابة عن أحوال الصفويين مع آل عثمان خصوصاً ولكن كفاني الأخ الكريم – بباكورة إنتاجه – هذا العمل المهم الذي قلما جمع جوانبه أحد فيما أعلم .
والله تعالى أسأل أن يثيب أخي بعلمه هذا وأن ينفع به وبمؤلفه ، ويمن علينا بالطاعة والاتباع ، ويجنبنا المعصية والابتداع .
محمد بن حسن بن عقيل موسى
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، أما بعد :
فقد كنت ذات يوم في محاضرة في الجامعة وكان المحاضر يتكلم عن التاريخ الإسلامي ثم ذكر العصر الذي مضى وكيف أن المسلمين كانوا هم القوة العظمى في ذلك الوقت ، وكانت القوة العظمى موزعة بين دولتين عظيمتين من دول الإسلام : الدولة العثمانية و الدولة الصفوية ، ولم أكن أعرف حينها شيئاً كثيراً عن الدولة الصفوية ، وظننت كما ظن غيري أنها دولة قامت لتحمي حمى الإسلام ، وتقف في وجه أعداء الدين على مختلف مللهم ، وهذا مما شجعني على الإطلاع والبحث في كتب التاريخ لمعرفة حقيقة هذه الدولة .
وقد يسمع البعض عن اسم الدولة الصفوية ولا يدري في أي قرن من الزمان قامت ونشأت ، وهذا للجهل بالتاريخ الإسلامي وعدم اطلاعنا عليه.
وقد يهاب أحدنا الإطلاع على التاريخ الإسلامي وخاصة في الحقب المتأخرة لكثرة المجلدات وضخامتها ، وذلك مما دعاني بأن أتقدم بتلخيص ميسر ووجيز ليكون كتيباً صغيراً أضعه بين يدي القارىء الكريم ، عن جزء من تاريخنا الإسلامي كانت فيه أحداث عظام أثرت في مجرياته .
وفي الكتيب ملخص عن دولة قامت على الحقد على أهل السنة وكانت من الأسباب التي مكنت لأعداء الدين من الصليبيين الحاقدين وغيرهم ، وكانت شوكة في حلوق أهل السنة وحاجزاً منع دولة الإسلام المتمثلة في الدولة العثمانية من التقدم في الجبهة الغربية الأوروبية .
والمتمعن في تاريخ الدولة الصفوية يلحظ الخدمة العظيمة التي قدمتها هذه الدولة للغرب ، كما سيمر معنا في هذا الكتيب بمشيئة الله تعالى .
أبو الحسن علوي بن حسن عطرجي
6/1/1414هـ
إيران قبل الصفويين
استوطنت إيران قبل عهد الصفويين قبيلتان من قبائل التركمان هما قراقويونلو أي أصحاب الخراف السوداء ، وآق قويونلو أي أصحاب الخراف البيضاء .
وكانت الفوضى تسود إيران في ذلك العصر حيث القتال مستمر بين القبيلتين ، وكان هذا بعد أن تجزأت إمبراطورية التيموريين بعد وفاة تيمور لنك [1] مما زاد الفوضى في المنطقة [2] .
وظهرت الدولة الصفوية في تلك الأثناء ليتغير مجرى الأحداث وتبزغ الصراعات الجسيمة كما سيأتي بعد ذلك .
نشأة الدولة الصفوية
مؤسس الدولة الصفوية الذي أقام كيانها وأرسى قواعدها وبنيانها وفرض فيها المذهب الشيعي بالقوة وأقام دولة ذات قوة وشوكة وحدود هو الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي. ويُنسب الصفويون إلى صفي الدين الأردبيلي – الذي ولد عام ( 650هـ ) – وهو الجد الخامس للشاه إسماعيل ، وقد كانت نشأته نشأه صوفية حيث كان صاحب طريقة وهذا ما ساعد في التفاف الكثير من المريدين حوله ، ومن ثم انتشار دعوته وكثرة أنصاره . وبعد وفاته خلفه في رئاسة أتباعه ابنه صدر الدين موسى الذي مشى على طريقة أبيه ، ثم انتقل الأمر إلى ابنه صدر الدين خواجة علي سياهبوش . وقد ساعدت الظروف السيئة التي حلت بإيران على أيدي التيموريين [3] في التفاف المريدين حوله وازديادهم وكانت علاقته بتيمور لنك علاقة جيدة وقوية .
ويعتبر صدر الدين أول من اعتنق المذهب الشيعي من الأسرة الصفوية ودعا إليه ، وهذا يعتبر نقطة تحول مسار هذه الأسرة التي كانت تدعي نسبها إلى الحسين بن علي بن أبي طالب وبعد وفاة خواجة علي سياهبوش خلفه ابنه شيخ شاه ، ومشى على خطاه .
بعد وفاته خلفه ابنه السلطان جنيد ، وفي زمنه اكتسب مريدوه قدرة على الحركة حيث إنهم اتجهوا بأعداد كبيرة إلى مقر الأسرة وأحاطوا بالسلطان جنيد الذي بدأ يكشف عن رغبته في الملك تدريجياً وهذا ثاني أخطر تحول مسار الأسرة الصفوية بعد التشيع ، وكانوا بادعائهم الانتساب إلى آل البيت قد بدأوا يطالبون بالتاج والعرش إثباتاً لحقهم المزعوم .
وتبدلت الدعايات المذهبية إلى مطالب سياسية [4] وبدأ السلطان جنيد بإقامة حكم مستقل في أردبيل [5] وأخذ يتقوى ويعد الجيوش لغزو شروان [6] . وللتوسع وبسط السيطرة ، دخل في معركة مع حاكمها ولكنه هزمه وقتله ، ورغم الهزيمة التي حلت بالأسرة الصفوية إلا أن هذا التحول يعتبر تحولاً خطيراً في مسارها فهذه هي أول معركة حربية تخوضها .
ثم انتقلت الرئاسة من بعده إلى ابنه السلطان حيدر حيث أخذ يعد العدة لينتقم لمقتل أبيه من حاكم شروان وأعد جيشاً جعل أفراده يرتدون القبعات الحمراء ومنذ ذلك الوقت صار أتباع الشيخ حيدر يعرفون بـ القزلباش [7] أي حمر الرؤوس .
ولما رأى حاكم شروان أنه لا طاقة له بالسلطان حيدر طلب المساعدة من السلطان يعقوب من أسرة آق قويونلو[8] ، الذي كانت بينه وبين السلطان حيدر عداوة فاجتمعا عليه وهزماه وقتلاه .
ثم انتقل الأمر إلى ابن السلطان علي الذي ما لبث أن قتل ثم انتقل الأمر إلى ابن السلطان حيدر الثاني مؤسس الدولة الصفوية الشاه إسماعيل الصفوي.
التمكين للأسرة الصفوية ، وقيام دولتهم
كانت هناك محاولات لقتل أولاد حيدر جميعاً ومنهم الشاه إسماعيل ، ولكن يقال أنه اجتمع مائتان من أتباع ومريدي البيت الصفوي ونقلوا الشاه إسماعيل وأخاه إبراهيم بعد مقتل أخيهم عي خفية من أردبيل إلى كيلان [9] [10]
ثم استدعى كاركياميرزا حاكم لاهيجان [11] الأخوين وأقامهما عنده وكان حاكماً قوياً ، وقد قام بإعداد إسماعيل وتربيته تربية ثقافية وعلمية وعسكرية ليعده للملك . ومكث إسماعيل فترة الإعداد خمس سنوات أتاحت بدورها فرصة كبيرة لأتباع البيت الصفوي للاتصال ببعضهم البعض بمساندة حاكم المنطقة .
في هذه الأثناء كان الصراع والتفكك قد فشى في أسرة آق قويونلو فظهرت في الأفق الفرصة لأنصار الصفويين بتحريك الشاه إسماعيل وإعداد الجيش حوله واغتنام هذه الفرصة . فتكون جيش القزلباش وتحرك الشاه إسماعبل بجيش يقدر بحوالي سبعة آلاف مقاتل أشداء إلى شروان للانتقام من حاكمها الذي قتل أباه وجده ، واستطاع هزيمته وقتله ، وقد كان قاسياً جداً في معاملته للقتلى حيث حرق جثة حاكم شروان ونبش القبور وخرب ودمر كل ما حوله [12]
وخرج من هذه المعركة بمكسبين : الأول : كسبه قوة شعبية وسياسية حيث التف حوله كثير من الإيرانيين الشيعة الذين كانوا يرون في شخصيته منقذاً لهم من دوامات الأسر الحاكمة .
والمكسب الثاني : هو الغنائم التي غنمها في هذه المعركة وهذا كان له أثر كبير في تدعيم جيشه .
وهناك بدأ التقدم الصفوي القوي ضد أسرة آق قويونلو وشعر بذلك زعيمها في ذلك الوقت الوندميرزا ، الذي أرسل رسالة إلى الشاه إسماعيل يذكره فيها بالقرابة والصلة بين الأسرتين ويدعوه أن لا يقترب من حدوده وإلا فإن لديه ثلاثين ألف مقاتل سيكونون له بالمرصاد ، وكان جواب الشاه إسماعيل له إنه إما أن يدخل تحت حكمه ويتشيع وإما القتال [13].
وحدثت معركة قوية بين الطرفين عام 907هـ ، وتمكن الشاه إسماعيل من هزيمة الوندميرزا الذي هرب بدوره إلى أرزنجان [14] تاركاً الكثير من المعدات العسكرية للشاه إسماعيل ، ودخل الشاه إسماعيل تبريز [15] منتصراً .
وبعد هذه المعركة الفاصلة توج الشاه إسماعيل ملكاً على إيران ، وما إن تم له ذلك حتى أعلن فرض المذهب الشيعي مذهباً رسمياً في مختلف أنحاء إيران دون مقدمات ، وقد كان أكثر من ثلاثة أرباع إيران من السنة [16] وكل من عارض هذا الأمر لقي حتفه فانقاد الناس له .
ثم بدأ في التوسع في أنحاء إيران المختلفة فانتقل إلى همذان [17]، وهزم حاكمها السلطان مراد الذي خلف الوندميرزا ثم انتقل إلى شيراز[18] وفرض فيها المذهب الشيعي كذلك ، وخاض عدة معارك حتى استتب له أمر إيران .
عوامل قبول المذهب الشيعي في إيران
إنه من المفارقات والعجائب أن تتحول دولة بأكملها من دولة سنية إلى شيعية ، كما حصل ذلك في إيران ، التي كانت ذات أغلبية سنية ثم تحولت بسبب ظروف خاصة أحاطت بها إلى دولة شيعية تحارب السنة وأهلها .
أسباب التحول إلى المذهب الشيعي في إيران :
1. انتشار الفوضى والفتن :
بعد موت تيمور لنك تجزأت الإمبراطورية التيمورية إلى عدة أجزاء بعد صراعات متصلة وحروب دامية بين أبناء تيمور لنك الأربعة [19] .
وكان هناك صراع متصاعد بين أسرتي التركمان التي كانت تسيطر على منطقة غرب إيران وهما آق قويونلو و قراقويونلو والتي لم تدم سيطرة الحكم التيموري فيها طويلا ، فاستغلت هاتان الأسرتان الوضع لبسط نفوذهما وذلك كان سبب الصراع بينهما [20].
هذه الظروف السيئة مجتمعة ولدت الظلم والإجحاف من الحكام الذين كانوا يتنازعون السلطة في المنطقة ، ولم يكن لديهم الاهتمام بالرعايا ، ونعلم الأثر النفسي للحروب على السكان الذين ضاقوا ذرعاً بذلك وفقدوا الأمل في حياة مستقرة فلجأوا إلى الحلقات الصوفية للأسرة الصفوية بحثاً عن الراحة النفسية ولم يكتفوا بذلك بل أصبحوا مؤيدين وأتباعاً لها ، وكان الناس ينظرون بفارغ الصبر إلى اليوم الذي يتخلصون فيه من هذه النكبات فأخذوا في شد أزر الأسرة الصفوية ، وقد كان لتولي شيوخ الأسرة الصفوية القيادة الدينية والعسكرية معاً الأثر الكبير في إبراز قدرتهم ونفوذهم مما أكسبهم ثقة الناس وخاصة أنهم لم يكونوا قد أعلنوا تعصبهم للمذهب الشيعي وأنهم سيفرضونه بالقوة على رقاب الناس [21] .
2. نشاط دعاة الشيعة وانتشارهم بين القبائل
كان هؤلاء الدعاة يمهدون لقبول المذهب الشيعي ، وكانوا يتمركزون في مدن معينة مثل كامشان ، قُم ، الري ، وقد كانوا بعملهم هذا يهيئون الرأي العام الإيراني لمثل هذا التحول بنشر الأفكار والمعتقدات الشيعية بين عامة أفراد الشعب [22]، وقد كان إسماعيل مدركاً لمدى رسوخ العقيدة عند أتباع المذهب الشيعي الذي كانوا يتعصبون له مما جعله يستغل ذلك بتحريكهم وجمعهم [23].
3. القهر الذي مارسه الشاه إسماعيل ضد السنة
بعد أن تُوج الشاه إسماعيل ملكاً أعلن أن المذهب الشيعي هو المذهب والمعتقد الرئيسي لإيران ، وذلك بعد دخوله تبريز ، وكل من يخالف ذلك ويرفضه فإن مصيره القتل ، حتى إنه قد ذكر له أن عدد سكان تبريز السنة يزيدون على ثلاثة أرباع السكان .
فقال : إن من يقول حرفاً واحداً فإنه سيسحب سيفه ولن يترك أحداً يعيش [24] ، وحتى قيل إن عدد من قتلوا في مذبحة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص ، وقد مورس ضد السكان السنة أبشع أنواع القتل والتنكيل حيث قطعت أوصال الرجال والنساء والأطفال ومُثل بالجثث [25], فاستسلم الناس لهذا التصميم على فرض المذهب الشيعي .
4. الدافع القومي لدى الشعوب التي كانت تسكن المنطقة
فقد تجمع في إيران بمرور الزمن أقوام وأجناس مختلفة فكان فيها الإيرانيون والعرب والأتراك والمغول فكان التعصب للجنس ظاهراً بينهم . وكان التنافس شديداً بين الأتراك والإيرانيون والخلاف مستمر .
وأيضاً كان موقعهم الجغرافي بين العثمانيين من الغرب والأزبك [26] من الشرق دافعاً لمثل هذا التعصب والحمية.
وقد استغل إسماعيل هذه النقاط حيث أذكى الحماس لدى هذه القبائل والتعصب ضد من حولهم وأوحى لهم بتكوين تجمع خاص يحفظ لهم قوتهم وسيطرتهم على المنطقة .
هذه العوامل التي ذكرناها مجتمعة كانت من أهم العوامل التي ساعدت على قيام هذه الدولة الشيعية في وسط غالبية من السنة .
القوى المحيطة بالدولة الصفوية
كانت عناصر القوة المحيطة بإيران في ذلك العصر تتركز في ثلاثة محاور رئيسية : العثمانيين ، وقبائل وعشائر الأزبك وهي قبائل سنية ، والتيموريين الذين انهارت دولتهم بموت تيمور لنك – كما ذكرنا آنفاً .
أما العثمانيون فكانوا الند القوي للدولة الصفوية ، وخاضوا معها معارك وحروب عدة كما سيأتي :
وأما قبائل الأزبك فكانت تسعى للسيطرة على إيران وترى أنها أحق من الشاه إسماعيل الصفوي في الملك ، وبدايةً كان الشاه إسماعيل كان يريد أن يقيم علاقات ودية معهم ، وأرسل مبعوثين لذلك ، ولكن قائد الأزبك شيبك خان رد المبعوثين خائبين [27] قد كانت لقبائل الأزبك تحركات قوية في المنطقة توحي أنها تسعى للسيطرة عليها وخاصة أنها شعرت بخطر سيطرة الرافضة ، مما كان السبب في قيام الحروب والمعارك بين الطرفين التي كانت غالباً ما تنتهي بانتصار الصفويين [28].
الدولة العثمانية ودفاعها عن الإسلام ضد الصليبية
قامت الدولة العثمانية في القرن السابع في وقت كان المسلمون فيه متفرقين متشتتين متناحرين ، وبقيام الدولة العثمانية ظهرت دولة الإسلام وكان الجهاد في سبيل الله وتحكيم شرع الله هو قوامها وقد أقام العثمانيون دولتهم على أساس توحيد الأناضول الإسلامية والبلقان النصرانية تحت حكمهم [29] .
وقد كان قيام دولة العثمانيين قوة للإسلام وحماية للدول الإسلامية من الاستعمار ، باستثناء دولة المغرب التي لم تكن تخضع للعثمانيين ، فالهند وإندونيسيا وماليزيا دخلها المستعمرون لكونها أمصاراً بعيدة عن نطاق الدولة العثمانية [30] .
كانت أوروبا يقاتل العثمانيين على أنهم مسلمون وليس بصفتهم أتراكاً وكان الحقد الصليبي هو المحرك في حروب أوروبا مع العثمانيين ، وترى أوروبا في العثمانيين أنهم أحيوا الجهاد بعد أن أخمد في النفوس طويلاً ، وأن جهودهم التي كانوا يبذلونها في قتل روح الجهاد في المسلمين تمهيداً لإبادتهم وإنهاء أي شيء يمت إلى الإسلام بصلة قد تبددت بظهور هذه الدولة الفتية التي كانت تنظر إلى قتالها مع النصارى على أنه جهاد في سبيل الله وإحياء لهذه الشعيرة التي خمدت في نفوس المسلمين ، فكانت لها صولات وجولات مع النصارى في محاور عديدة ، وكان لها العديد من الفتوحات في بلادهم ونشرت الإسلام ومهدت الطريق أمام الدعوة بالجهاد في سبيل الله .
وكانت الدولة العثمانية تمثل الأمصار الإسلامية فهي مركز الخلافة ولا يوجد سوى خليفة واحد في ديار المسلمين ، وكان المسلمون في كل مكان ينظرون إلى الخليفة نظرة احترام وتقدير ويعدون أنفسهم من أتباعه ورعاياه [31]
كانت الدولة العثمانية الممثلة لدولة الإسلام تقاتل أعدائها من الصليبيين الحاقدين على عده محاور ، فالروس من الشمال والنمسا من الغرب والإمارات الإيطالية ، فرنسا ، وانكلترا ، والبرتغاليون في البحار والمحيطات ، والكل يحقد على هذه الدولة التي قضت على الدولة البيزنطية إحدى قواعد النصرانية وتوغلت في بقية أوروبا ، والكل يرى في هذه الدولة أنها هي التي حالت دون انتشار النصرانية ودون امتداد النفوذ الاستعماري الصليبي وطلائعه من البرتغاليين ومنعت وصولهم إلى القدس وسيطرتهم عليها ، وعلى الأماكن المقدسة الأخرى .
وتحقد روسيا على العثمانيين لأنها ترى فيهم أنهم أعداء ألداء قضوا على الدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية ، مركز المذهب النصراني الأرثوذكسي وقاعدته وحاميته ، وهو المذهب الذي تدين به روسيا[32] .
هذه الأسباب المتقدمة الذكر جعلت أوروبا تحقد على الدولة العثمانية وتدخل في حروب طاحنة معها ، ونلحظ في أيامنا هذه الحقد الدفين في نفوس الأوروبيين عليها ، ويظهر ذلك جلياً في كتاباتهم وسياستهم حتى في بعض الدول الأوروبية التي توجد فيها أقلية مسلمة ترجع إلى الأصول التركية المسلمة نرى فيها محاولات الإبادة والتصفية الجماعية مثل ما يحدث في بلغاريا وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة كما في البوسنة والهرسك فإن أوروبا متحدة تسعى للقضاء على التجمع الإسلامي في هذه الدولة الصغيرة حتى لا يذكرهم بالفتوحات الإسلامية العثمانية .
ونرى في تاريخ الدولة العثمانية المجيد الكثير من المواجهات مع النصارى والمعارك التي كانت أكثرها تنتهي بانتصار العثمانيين وكانت لهم جهود لا بأس بها لاسترجاع الأندلس [33] .