المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المأزق الأمريكي في العراق



عبدالغفور الخطيب
19-07-2006, 02:54 PM
المأزق الأمريكي في العراق

إذا كان للمرء أن يختار وصفاً مناسباً للحال التي يعيشها جورج بوش وإدارته في العراق، فلن يكون ثمة ما هو أفضل من وصفها بحال المكابرة.. يغرق جيش أمريكا في المستنقع العراقي يوماً بعد آخر؛ ويتساقط جنودها قتلى وجرحى ومشوهين برصاص المقاومة، وتنتهي “عملياتها السياسية” بتسليم العراق إلى إيران وحلفائها في الداخل؛ ويتبخر رصيد أصدقائها المباشرين في البلد أمام نفوذ المتعاونين معها من المحسوبين على غيرها، ويتزايد معدل انفاقها الداخلي على الحرب بما فاق ما توقعت عند التخطيط للغزو والاحتلال، ويرتفع منسوب خسارتها الأخلاقية لحرب بغير قضية أو مبدأ يبررانها!

ينعكس ذلك كله سريعاً على الداخل الأمريكي: ترتفع أصوات الاحتجاج والمعارضة من ذوي القتلى والجرحى من الجنود الغزاة، ويصل صداها إلى مجلسي النواب والشيوخ، مروراً بالصحافة ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة، وتتلقفها المعارضة (الحزب الديمقراطي) أداة تتوسل بها لتمريغ صورة البيت الأبيض ورئيسه وحزبه (الجمهوري)، ثم تبلغ الرأي العام الذي يعاقب رئيسه في استطلاعات الرأي فينزل به إلى درك أسفل لم ينحدر إلى مهاويه رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

ثم ينعكس (ذلك أيضا) على العالم برمته، فتعلو أصوات الاحتجاج على الحرب في كل مكان من الأرض: بدءاً من بريطانيا، التي يحشر رأيها العام رئيس وزرائها في الزاوية عقاباً له على مشاركته في جريمة العدوان على العراق، ومن ايطاليا التي أخرج شعبها برلوسكوني من السلطة انتقاماً لسياسته الذيلية لبوش، إلى آخر شارع في مدينة من مدن العالم الثالث المنكوبة بالمجاعة، والحانقة على السياسة الأمريكية. وشيئاً فشيئاً، تكتشف ادارة جورج بوش أن المعارضة الابتدائية للحرب، التي قادتها فرنسا وروسيا وألمانيا وسوريا، لم تكن شيئاً أمام ما آلت إليه (تلك المعارضة) اليوم بعد أن غرقت أمريكا في المستنقع العراقي. فلقد كان بعض من عارض الحرب والاحتلال خفيض الصوت في البداية يحتاج إلى حوادث ومعطيات ترفع عنه الحرج وترفع القيد عن جهره بالرفض والاحتجاج. وها هو يجد اليوم في المقاومة الوطنية الضارية، وفي النزيف العسكري والبشري الأمريكي، ما يرفع عنه ذلك القيد ويطلق صوت الاحتجاج الجهير لديه.

لقد أسقطت الحرب الأمريكية على العراق ومشاركة عملائها الغربيين فيها النظام اليميني في اسبانيا بزعامة أزنار، ثم رديفه الايطالي بزعامة برلوسكوني؛ ودفعت حكومتي اليسار اللتين قامتا على أنقاضهما إلى سحب الجيش (إسبانيا) أو الاعلان عن اعتزام سحبه (إيطاليا)، مثلما دفعت اليابان إلى اتخاذ القرار نفسه (الانسحاب)؛ وربما ستدفع دولاً أخرى إلى الإعلان عن سحب جنودها الغزاة. ومعنى ذلك أن التحالف الذي كونته الادارة الأمريكية قبل نيف وثلاثة أعوام بدأ يتفكك ليدفع موقف واشنطن إلى مزيد من العزلة الدولية والانكشاف.

ومع ذلك كله، تمارس ادارة جورج بوش مكابرة سياسية ضد الاعتراف بهزيمتها في العراق، فتتصرف أمام العالم وأمام رأيها العام على نحو يوحي بأنها كسبت الحرب تماماً، أو على الأقل بأن سياستها وجندها في وضع “مريح” في العراق! وليس معنى الهزيمة هنا ان جيش أمريكا في العراق تقهقر وانكسر (ولو أن شيئاً من ذلك حصل فعلاً بشهادة الأمريكيين وضباطهم أنفسهم)، وانما الهزيمة تعني هزيمة السياسة الأمريكية في العراق وهزيمة أهدافها التي أتت بعساكرها إلى هذا البلد. فبعد أربعين شهراً من الاحتلال، لم تتوقف المقاومة؛ ولا انكسرت شوكة “الارهاب”؛ ولا استقرت أحوال سلطة المتعاونين مع أمريكا في بغداد؛ ولا ألقت أمريكا القبض على مصير نفط العراق؛ ولا قام نظام “الشرق الأوسط الأوسع”؛ ولا تعرضت الصين للاختناق؛ ولا رفعت سوريا الراية البيضاء؛ ولا ركعت مصر أمام امبراطورية “اسرائيل” الجامحة خارج حدود فلسطين.. الخ. وانما بكل بساطة تساقط قتلى أمريكا وجرحاها، وارتفع رصيد المقاومة؛ وتوسع نطاق نشاط “القاعدة” وانطلق المارد الصيني، وارتفع سعر النفط فصب في رصيد روسيا وإيران وفنزويلا!

وللتغطية على هذه الهزيمة المروعة والنكراء، وجدت ادارة بوش نفسها مدعوة إلى اختراع نصر سياسي وعسكري يعوض لها عن هزيمتها هذه، ويقنع الرأي العام الأمريكي بصواب النهج السياسي الذي تسلكه إدارته. ولقد وجدت في مقتل أبي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” مناسبة مثالية لتسويق فكرة النصر تلك. لكنها لا تملك ولن تملك أن تقنع رأيها العام بأن تصفيتها للزرقاوي ستكون خاتمة مطاف معاناتها مع العمليات المسلحة التي تستنزفها في العراق، تماماً كما لم تستطع في ما مضى أن تثبت لذلك الرأي العام أن إلقاء القبض على صدام حسين سيكون مدخلاً لإنهاء المقاومة.

لقد فشل الحل الأمني الأمريكي في توفير الراحة والطمأنينة للاحتلال، وأثبت انه لا يزيد الاحتلال إلا استنزافاً مديداً. ولعل ذلك ما يدفع نوري المالكي اليوم إلى الحديث عن مصالحة وطنية من مدخل الحوار مع المقاومة. لكن الذي لا تلحظه فكرة المصالحة الوطنية اليوم أنها تكاد تكون ممتنعة بين العراقيين بوجود احتلال أجنبي لوطنهم.



د. عبدالإله بلقزيز
تاريخ الماده:- 2006-07-18

صدام العرب
24-07-2006, 01:43 AM
هل هذا الموضوع منقول!!!

عبدالغفور الخطيب
24-07-2006, 11:38 AM
طبعا .. وكاتبه وتاريخ كتابته مدونة في أسفل المقالة

احترامي و تقديري