الفهد الأسود
30-06-2006, 07:11 AM
شبكة البصرة
حوار: عبد الحميد الرياحي وراضية الزيادي
في لقاء مطوّل مع النائب البريطاني صديق القضايا العربية جورج غالاوي عن علاقته بالعالم العربي تحدّث عن فلسطين وعن العراق وعن كيفية تعاطي الرأي العام الغربي مع القضايا العربية عموما تحدث عن التورط الأمريكي في العراق وأبدى ثقته في المقاومة الفلسطينية والعراقية...
تأتون من بريطانيا وقد كنتم في جولة بالنمسا فكيف هو الموقف على مستوى حزبكم وعلى مستوى الرأي العام البريطاني والأوروبي عموما، بشأن القضية التي تشغلنا وتشغلكم أي القضية العراقية؟
- بطبيعة الحال لا أستطيع أن أتحدث باسم الطبقة السياسية في أوروبا نحن حزب يساري وقد كنت في الأسبوع الماضي في فيينا ذلك البلد الصغير الذي ليس له خبرة أو ممارسة في التظاهرات العامة السياسية الكبرى وقد خرج للتظاهر ضد جورج بوش 20 ألف شخص والذي يمثل ما يقارب ربع مليون متظاهر في بريطانيا حسب نسبة السكان، وأغلب النمساويين كانوا يرغبون في أن يغادر بوش أراضيهم والنمسا كما تعرفون ليست بلدا ذو تقاليد سياسية إذن أعتقد أن التناقض بين الرأي العام الأوروبي والسياسيين الأمريكيين عميق جدّا وفي بريطانيا فإن أخذ المواقف ضد أمريكا أصبح أكثر تشددا ووضوحا والكثير من البريطانيين يعتقدون أن «مستر» بوش شخص خطير جدا على العالم حتى نائب رئيس الوزراء البريطاني قال في الأيام الأخيرة الماضية إنه يأسف جدا انه لم يتم انتخاب آل غور، رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بدلا لجورج بوش وإذا نظرنا إلى هذا الموقف من الناحية الدبلوماسية فإنه يعدّ مسألة مهمة جدا حيث أنها تظهر حقيقة ما في وجدانه.
الموقف حقيقة ان بوش شكّل مأساة لسمعة أمريكا في أوروبا ولكن علينا أن ندرك أنه لا يزال أمامنا سنتين في ولاية بوش ولكنه أصبح أكثر ضعفا.
وإذا فقدنا رئيس الوزراء طوني بلير قريبا، سيكون بوش قد فقد حلفاءه الرئيسيين أزنار برلسكوني وبلير وسيظل معه هوارد (استراليا) الذي سيكون اخر الحلفاء.
ما الذي يجعلكم واثقون بأن طوني بلير سيغادر الحكم قريبا وما مدى قوة التيار المناهض للحرب هناك؟-
أعتقد أن بلير سيستقيل في أكتوبر القادم خلال مؤتمر حزب العمال القادم الذي ينعقد في 22 سبتمبر وسيضع كما أعتقد برنامجا لانتخاب الرئيس الجديد للحزب وعادة يكون برنامج انتخاب الرئيس هو شهر أو 6 أسابيع أي أن الأمر قد يتم في أكتوبر المقبل.
وهل يعني تغيير رئاسة الحزب تغييرا اليا على رئاسة الحكومة وكذلك تغييرات في السياسيات؟
- نعم إذا استقال كرئيس للحزب فإن عليه أن يستقيل كرئىس للوزراء ولكن هل أن ذلك سيؤدي إلى نتيجة؟ الأمر ليس واضحا بعد. سوف يحلّ غوردن براون محلّه وأنا أصفهما «كخدين لمؤخرة واحدة»... ليس هناك ضمانات بأن براون سيكون مختلفا في السياسة الخارجية ولكن ليس هناك إمكانية لإيجاد تغيير في السياسات الخارجية البريطانية إذا ظل بلير في رئاسة الحكومة وإذا ذهب فإن احتمال التغيير يصبح واردا وعموما فإن تغيير رئيس الوزراء يفتح المجال أمام تغيير السياسة دائما.
وسيكون من الواضح أن سقوط بلير سيكون بسبب الحرب على العراق وإذا خسر رئىس الوزراء منصبه بسبب الحرب فينبغي أن يكون ذلك حافزا لإعادة التفكير في السياسات الخارجية التي أدت إلى الحرب ولكن الأمر ليس مضمونا لأن براون مؤيد لأمريكا كما هو بلير والحقيقة انه صهيوني أكثر من بلير فوالده كان يجمع الأموال لفائدة الصندوق اليهودي لإنشاء إسرائيل في الثلاثينات والأربعينات ببريطانيا...
ماذا بشأن حزبكم وسياساته وما مدى قدرته على التأثير؟
- هذا الحزب نشأ من الحركة المناهضة للحرب وقياداته من قيادات تلك الحركة وفي وقت قصير جدّا حققنا نجاحات كبيرة جدا نسبيا عندما كان عمر الحزب لا يزيد عن 20 أسبوعا فقط حصلنا على ربع مليون صوت في الانتخابات بدون أي تغطية إعلامية لأنشطة الحزب والآن وقد بلغ الحزب سنتين و3 أشهر من عمره لنا عضو في البرلمان و20 عضو مجلس محلي وفي الانتخابات العامة حصلنا على كرسي في البرلمان الوحيد منذ 60 سنة الذي كان على يسار حزب العمال وكان تدرجنا الدرجة الثانية في ثلاثة مقاعد ونحن بصورة عامة حزب شاب نحظى بدعم واسع من قبل الجاليات الاثنية المقيمة في بريطانيا ويرانا الجميع بما في ذلك الأحزاب التي تعادينا اننا حزبا معادي للعنصرية وللحرب ونحن نحاول أن نملء الفراغ الذي تركه حزب العمال حينما انتقل إلى اليمين وعندما يعود حزب العمال ليصبح حزب عمّال كما كان فإنه لن يكون لنا مبرر للوجود وإذا استمر حزب العمال كما هو الآن فينبغي أن نكون نحن حزب العمال، لأن كل بلد يحتاج حزب عمّال!
كيف تقيمو النظرة الغربية للقضايا العربية؟- بدأت عملي من أجل القضية الفلسطينية قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما وفي ذلك الوقت كان هناك عدد ضئيل جدا من المؤيدين للقضية الفلسطينية ومن المنظور السياسي فإن ذلك الموقف كان يشبه في ذلك الوقت أن تعلن تأييدك الآن لبن لادن مثلا ولكن الآن أي شخص عاقل في الغرب يعرف أن القضية الفلسطينية هي قلب الصراع والمشاكل في العالم وذلك لا يعني انهم مستعدين للقيام بعمل ما لدعمها ولكنهم يدركون الحقيقة... كما أن ازدواجية المعايير واضحة جدا فاليوم مثلا تتحدّث وسائل الإعلام الغربية عن اختطاف جندي إسرائىلي في حين أن إسرائيل تختطف القادة الفلسطينيين يوميا مروان البرغوثي اختطف، أحمد سعدات اختطف أيضا... وهما قادة سياسسين بينما الآخر هو جندي فقط... ولكنها الآن أهم قضية في أوروبا... إذن ازدواجية المعايير، ما تزال واضحة وضوحا دراماتيكيا ولكن على الأقل قد نكون أفلحنا في إفهام الناس، إنه ما لم يكن هناك حل للقضية الفلسطينية لن يكون هناك حل لأي قضية أخرى في الشرق الأوسط.
في العراق، الرأي العام الأوروبي عموما، معاد للحرب ولاحتلال العراق. فرنسا وألمانيا لم ينضمّا للحرب اسبانيا وإيطاليا انسحبتا من التحالف الرأي العام البريطاني كان معاديا للحرب حتى قبل أن تبدأ وبالمناسبة فإن ذلك شيء جيّد أن يكون الشعب معاديا للحرب قبل أن تبدأ فمن الصعب إقناع البريطانيين بأن يأخذوا موقفا معاديا للحرب لأنهم عادة ما يحتفون بالحروب...
أما بالنسبة للشأن العام، الرأي العام الأوروبي يرى العرب بصورة سلبية جدا وأعتقد أنهم يرون المنطقة كتلة من الظلم وعدم العدالة والأنظمة الإرهابية وهذا ليس خطأ يرون تطوّر الظواهر العنيفة والمتطرفة ولا يعرفون ان تلك الظواهر ترتبط مباشرة بالسياسات الغربية في المنطقة العربية نحن نحاول أن نقول للأوروبيين بهذا الخصوص إن سياساتنا هي التي تؤدي إلى نشوء هذه الظواهر وان هذا التطرف الإسلامي ضد ا لغرب هي نتيجة لسياسات الغرب فيه.
ولكن الغربيين يرون النتيجة فقط دون أن ينتبهوا إلى السبب لذلك في المدى القصير فإن الرأي العام الغربي سيبقى خائفا من هؤلاء الناس في الماضي كان القذافي وصدام واليوم الزرقاوي وبن لادن والسودان...
هم يعتقدون أن الشعب سيدعم حكوماته الأوروبية نتيجة ذلك الخوف ولكن على المدى البعيد أعتقد أنه بإمكاننا أن نقنع الشعب بأن السياسات الغربية في دعم الأنظمة الديكتاتورية هي التي تؤدي إلى هذا الوضع الذي تظهر فيه الحركات المتطرفة في العالم الإسلامي.
تحوّلتم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحدثتم إلى الكونغرس وإلى الرأي العام الأمريكي، فكيف تقيمون الرؤية الأمريكية لقضايا المنطقة، وكيف يرى الأمريكيون انخراط بلادهم في مثل الأعمال المعادية كالحروب والتدخلات في شؤون الدول والشعوب؟
- هناك تأثير واضح في الرأي العام الأمريكي لهذه القضايا لأن الإعلام الأمريكي خلق حالة ضبابية عن الحرب في العراق يجب أن يكون لك اطلاع كامل على الإعلام الأمريكي لترى كيف انه إعلام ذو وجه واحد وانه إعلام ضحل ومحلّي جدا ولكن من الواضح وبالرغم من كل ذلك فإن أغلبية الرأي العام الأمريكي ترغب في أن تنسحب القوات الأمريكية من العراق وفي تقديري فإن ذلك واحد من الأشياء الغريبة التي وقفت عليها هناك فالأمريكيون خسروا 58 ألف قتيل في فيتنام وتطلب انسحابهم من ذلك البلد أكثر من عشر سنوات والآن خسروا في العراق أكثر من 2500 جندي في ثلاث سنوات فقط وفي نوفمبر فإني على يقين من أن حملة الديمقراطيين في نوفمبر القادم ستركّز على ضرورة سحب القوات الأمريكية من العراق.
لماذا هذا التغيير لا أعرف! هناك احتمال بأن ذلك بسبب وجود وسائل إعلام أخرى مثل الانترنت وربما تغيير الملامح الديمغرافية في الولايات المتحدة، من حيث ارتفاع عدد المسلمين هناك، أو عدد اللاتينيين كذلك، ولكن أعتقد أن للرأي العام الأمريكي الآن استعداد أكبر للاستماع إلينا أكثر من السابق وإذا حاول أحد «البليونيرين» العرب أن يعطي ميزانية بمائة مليون فقط فأنا أراهن إنني سأغيّر وجه الساحة الأمريكية سوف أترك كل شيء وأتوجه إلى هناك لأني أعتقد أن تلك الساحة تشبه الصحراء قبل المطر! بعد أن تدخلت في الكونغرس الأمريكي أصبحت مشهورا جدا هناك وتلقيت 22 ألف رسالة الكترونية من الولايات المتحدة الأمريكية وقمت بجولة محاضرات هناك، لدي كتاب يباع هناك، وفي أكتوبر المقبل سيصدر لي هناك أيضا كتاب آخر والمعركة على الرأي العام الأمريكي والبريطاني وخاصة بريطانيا هي المعركة الأهم الآن.
وأنا لا أقول هذا انطلاقا من تطرّف عرقي فالكل يعرف أني لست «شوفينيا» ولكن يجب أن ندرك انه حتى وإن كان كل شخص في اليونان أو إيطاليا أو إسبانيا معاديا للحرب فإن ذلك لن يؤثر في شيء ولكن إذا استطعنا أن نسحب بريطانيا من المعسكر الأمريكي فإن ذلك سيغيّر الموازين...
ما هي أهمية الديمقراطية إذن إذا كان لا يؤخذ بموقف الرأي العام في هذه البلدان؟
الحكومات تنتخب بين الحين والآخر وفي الغالب تكون لهم اراء معينة التي تتعارض مع الرأي العام وفي الغالب فإن الرأي العام إما أن يسقط تلك الحكومة أو يغيّر رأيه وهذا يظهر مدى عدم صحة أو دقّة التعريف الذي نعطيه للديمقراطية.
الديمقراطية بالنسبة إلينا هي أن تتوجه كل خمس سنوات إلى صندوق الاقتراع وتضع علامة (X) على الورقة وبطبيعة الحال فإن ذلك ليس ديمقراطية بالنسبة إليّ وخاصة عندما نعرف أنه كي تنتخب ينبغي أن تكون غنياوتمتلك مئات الملايين من الدولارات في الولايات المتحدة الأمريكية عليك أن تمتلك الف مليون دولار حتى تترشح إلى الرئاسة كيري خسر الانتخابات لأنه لم يستطع أن يجمع المبالغ المالية التي جمعها بوش، إذن هل هذه هي الديمقراطية الحقيقية؟!. الديمقراطية هي النتيجة وليس الإجراءات يجب أن تكون عمق الأشياء وليس شكلها.
نأتي الآن للعراق، وكلنا يعرف مدى ارتباطكم بقضية العراق فكيف تقيمون المرحلة التي يمر بها الاحتلال وكيف تنظرون إلى المستقبل؟
- أنا فعلا قريب جدا من العراق ومن قضيته أكثر مما يمكنكم أن تتصوروا أنا أحلم بالعراق، هذه الكلمة ذات الأربعة حروف محفورة بعمق في قلبي، ولو لم يكن الأمر كذلك فإني سأكون سعيدا جدا أن تبقى أمريكا في العراق لسنوات طويلة لأن هذا الاحتلال هو تدميركامل للامبريالية الأمريكية ولو لم أكن أحب العراق كما أحبه الآن لكنت أتمنى أن تبقى الولايات المتحدة الأمريكية هناك لأكثر من 25 سنة ليروا الضيم فعلا لأنهم ماداموا في العراق فإنه لن يكون بإمكانهم إيذاء أي شخص اخر لذلك لم يذهبوا إلى دمشق أو طهران ولذلك ترقص شعوب أمريكا اللاتينية طربا على الأنغام المعادية لأمريكا والشرط الوحيد لأن يُنتخب مسؤول في أمريكا اللاتينية هو أن يكون مناهضا للولايات المتحدة.
وبينما هم يغطسون أكثر فأكثر في العراق تتقدم الصين في كل ا لمجالات وبسرعة كبيرة وإذا أردت أن أفكر كماركسي يحسب حسابات دقيقة للسياسة فإني كنت سأكون سعيدا بالمشاكل التي يعانيها الأمريكيون في العراق لكن ما الذي يمكنني أن أفعل وأنا مغرم بالعراق؟! كل قذيفة أو أي طفلة أو أي تفجير هو ألم كبير لي، لأن العراق هو البلد العربي الوحيد الذي كانت له المؤهلات لأن يكون متحدا وقويا بعدد سكان كبير ذوي مستويات علمية كبرى، العراق كان سيكون مغناطيسا يجذب الوحدة العربية ويكون قوة موازية لإسرائيل لذلك تم تدمير العراق وقد نجحوا في تدمير العراق وقد يستطيع البلد إعادة بناء نفسه ولكن احتمال الفشل وارد أيضا لذلك أنا حزين جدا ولكني متأكد جدا من شيء، أن أمريكا لن تحكم العراق أبدا والـ2500 شخص الذين يحكمون العراق لن يسيطروا عليه أبدا حتى لو أصبح عددهم 25 ألفا لأن العراقيين سيواصلون القتال..
أنا على اتصال يومي بالعراق وعلى إدراك لكافة الدقائق والتفاصيل العراقية وأنا على ثقة تامة بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد خسرت الحرب في العراق.
وقد يكون من المفيد القول إن ما نراه في العراق هو أسلمة الحركة القومية العربية وقومية الحركة الإسلامية التي تحاول معها أن تجذب معها الحركتين الأهم في العالم العربي وهي القومية والإسلام وأيضا كنتيجة غيرمتوقعة أن أمريكا قد أعطت شهادة ميلاد لحركة جديدة قد تكون مستقبل العالم العربي أي الحركة الإسلامية القومية القوميون انخرطوا في المعركة ولكن ليسوا القوميين الذين تعرفون والإسلاميون كذلك ولكن ليسو الإسلاميين الذين تعرفون.
وهذه الحركة بدأت في العراق قبل الاحتلال عندما أصبح حزب البعث أكثر ارتباطا بالإسلام الذين يقودون المقاومة حاليا هم من الشباب القومي الإسلامي في نفس الوقت إذن نحن أمام حركة وقوة جديدة تجعلني متفائلا.
في تصريح لكم قبل غزو العاق قلتم إن الأمة العربية ستغرق في الظلام لمدة قرن، فهل مازلتم عند رأيكم؟
- نعم، هذا الأمر كان سيكون صحيحا لو انهزم العراقيون، ولكن العراقيين لم يهزموا، وعلى العكس فإن أمريكا هي التي انهزمت، وبذلك بدل الظلام الذي كان سيأتينا من العراق، فإن الضوء هو الذي يأتينا من العراق، وهذا الضوء يأسر خيال كل شباب العالم الاسلامي، ما أقوله دائما انه لأكثر من مائة سنة سايكس بيكو وبلفور، تركوا العالم العربي في قرن كامل من الظلم، وإذا أراد العرب أن يعانوا قرنا جديدا، فإن عليهم أن يتركوا الوضع كما هو الآن.كيف يمكن التغيير؟
- كنت في فيينا قبل أيام.. و60 سنة قبل ذلك، كانت أوروبا مشتعلة وفي حالة حرب، 97 مليون أوروبي قتلوا في تلك الحرب، قارتنا تتحدث 150 لغة، وديانات عديدة، ثقافات مختلفة، ولكن الآن، نجحنا في ايجاد اتحاد أوروبي واحد، أما العرب، فإنهم يتحدثون من الأطلسي إلى الخليج، لغة واحدة، دينا واحدا، ثقافة واحدة، فيروز واحدة، أم كلثوم واحدة... وأنتم مشتتون وغير متحدين، أكثر من أي وقت مضى، منذ يايكس بيكو سنة 1999 عندما قمنا برحلة عبر الحافلة من لندن إلى بغداد، حاولنا أن نعبر الحدود الجزائرية المغربية، ولكن نقطة الحدود كانت مغلقة باللحام، ولم يكن ممكنا فتحها، لتمر الحافلة، وذلك لأنه لا يمرّ أحد بين المغرب والجزائر!! بالأمس لفت نظري في مطار تونس قرطاج أن أصغر وأقصر صفّ للزوار كان أمام ممر «مواطني المغرب العربي»! خلال السنة الماضية، التقيت رجلا في الأردن، عمره 93 سنة، أي انه ولد قبل أن تكون هناك الأردن، فقلت له ماذا كنتم تسمون أنفسكم قبل الأردن؟ فقال لي «كنّا عربا»! عندما انظر إليكم هناك فإني أتخيل نفسي في المغرب، في دمشق، في بغداد، ليس هناك أي فرق.. الفرقة والتشتت، مرض تمّ حقنه للعرب.. الرجل الأردني الذي حدثتكم عنه، يقطن تلة تشرف على لبنان والأردن وسوريا وفلسطين، فكيف يمكن أن نقول انه أردني أو فلسطيني أو سوري أو لبناني! ذلك هو المرض الذي حقن به العرب، ان يظلوا مشتتين..
في فلسطين والعراق يوجد الآن المثل الذي ينبغي اتباعه! ليس كل البلدان العربية محتلة من قبل جيوش معادية ولكن كل الدول العربية محتلة، وذلك عندما يكون فكر الناس محتلا، الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في العراق، رفضت أن يكون عقول أهلها محتلة. ذهبت مؤخرا من كوبا وقد رأيت في كل صباح في كوبا، عندما يدخل التلاميذ إلى فصولهم، يطلب منهم المدرس الوقوف احتراما للمدرسة، ويسألهم ماذا يريدون أن يكونوا في المستقبل، فيجيبون بصوت واحد «مثل تشي»! وأيديهم على قلوبهم. كذلك ينبغي أن تكون طريقة تفكير العرب: «نريد أن نكون مثل رجال الانتفاضة، مثل المقاومة في العراق!».
من أين تستمدون كل هذا الارتباط بالعرب، ثم ألا تخشون على أنفسكم؟
- أنا ارتبطت بالعالم العربي لفترة تزيد عن الثلاثين سنة، وأنا عمري الآن 51 سنة، أي اني ارتبطت بالعالم العربي وبقضاياه لأغلبية عمري.. سافرت وأقمت في بلدان عربية عديدة.. حدث ذلك صدفة لأني لم أرسم لنفسي خط السير هذا، «القسمة» (قالها بلغة عربية) قادتني إلى العالم العربي، ولكني أقول أيضا ان ذلك ليس هوايتي الوحيدة، فأنا أكتب كتابا حاليا عن فيدال كاسترو وسأسافر إلى فنزويلا.. ولكن حبي الأول هو العالم العربي، أنا كما يقال رجل «بأربع نساء» احداهن هي المفضلة لدي.. أنا أدفع ثمن حبّي للعالم العربي، فعندما يصبح شخص ما صديقا للعرب، فإنه يصبح عدوّا لشخصيات قوية في العالم، وهؤلاء يمكنهم الايذاء بشدة، ولكني لست نادما على هذا الحب!
اما من أين آتي بهذا التصميم، فأقول لكم اني آتي به «من اللّه، ما شاء اللّه» (قالها بلغة عربية) أنا أيضا قوي ولا أخاف هؤلاء. وقد قلت للسيناتور الأمريكي كولمان، والذي حقق معي في الكونغرس: «لا تعتقد أني أخاف منكم» في لاهافانا، وفي مواجهة السفارة الأمريكية، وضع الكوبيون معلقا عملاقا وكتبوا فيه «السيد الأمريكي، نحن بالتأكيد لسنا خائفين منك» وذلك هو شعاري، أنا لا أخاف إلا من اللّه!
تونس - الشروق
شبكة البصرة
الخميس 3 جماد الثاني 1427 / 29 حزيران 2006
حوار: عبد الحميد الرياحي وراضية الزيادي
في لقاء مطوّل مع النائب البريطاني صديق القضايا العربية جورج غالاوي عن علاقته بالعالم العربي تحدّث عن فلسطين وعن العراق وعن كيفية تعاطي الرأي العام الغربي مع القضايا العربية عموما تحدث عن التورط الأمريكي في العراق وأبدى ثقته في المقاومة الفلسطينية والعراقية...
تأتون من بريطانيا وقد كنتم في جولة بالنمسا فكيف هو الموقف على مستوى حزبكم وعلى مستوى الرأي العام البريطاني والأوروبي عموما، بشأن القضية التي تشغلنا وتشغلكم أي القضية العراقية؟
- بطبيعة الحال لا أستطيع أن أتحدث باسم الطبقة السياسية في أوروبا نحن حزب يساري وقد كنت في الأسبوع الماضي في فيينا ذلك البلد الصغير الذي ليس له خبرة أو ممارسة في التظاهرات العامة السياسية الكبرى وقد خرج للتظاهر ضد جورج بوش 20 ألف شخص والذي يمثل ما يقارب ربع مليون متظاهر في بريطانيا حسب نسبة السكان، وأغلب النمساويين كانوا يرغبون في أن يغادر بوش أراضيهم والنمسا كما تعرفون ليست بلدا ذو تقاليد سياسية إذن أعتقد أن التناقض بين الرأي العام الأوروبي والسياسيين الأمريكيين عميق جدّا وفي بريطانيا فإن أخذ المواقف ضد أمريكا أصبح أكثر تشددا ووضوحا والكثير من البريطانيين يعتقدون أن «مستر» بوش شخص خطير جدا على العالم حتى نائب رئيس الوزراء البريطاني قال في الأيام الأخيرة الماضية إنه يأسف جدا انه لم يتم انتخاب آل غور، رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بدلا لجورج بوش وإذا نظرنا إلى هذا الموقف من الناحية الدبلوماسية فإنه يعدّ مسألة مهمة جدا حيث أنها تظهر حقيقة ما في وجدانه.
الموقف حقيقة ان بوش شكّل مأساة لسمعة أمريكا في أوروبا ولكن علينا أن ندرك أنه لا يزال أمامنا سنتين في ولاية بوش ولكنه أصبح أكثر ضعفا.
وإذا فقدنا رئيس الوزراء طوني بلير قريبا، سيكون بوش قد فقد حلفاءه الرئيسيين أزنار برلسكوني وبلير وسيظل معه هوارد (استراليا) الذي سيكون اخر الحلفاء.
ما الذي يجعلكم واثقون بأن طوني بلير سيغادر الحكم قريبا وما مدى قوة التيار المناهض للحرب هناك؟-
أعتقد أن بلير سيستقيل في أكتوبر القادم خلال مؤتمر حزب العمال القادم الذي ينعقد في 22 سبتمبر وسيضع كما أعتقد برنامجا لانتخاب الرئيس الجديد للحزب وعادة يكون برنامج انتخاب الرئيس هو شهر أو 6 أسابيع أي أن الأمر قد يتم في أكتوبر المقبل.
وهل يعني تغيير رئاسة الحزب تغييرا اليا على رئاسة الحكومة وكذلك تغييرات في السياسيات؟
- نعم إذا استقال كرئيس للحزب فإن عليه أن يستقيل كرئىس للوزراء ولكن هل أن ذلك سيؤدي إلى نتيجة؟ الأمر ليس واضحا بعد. سوف يحلّ غوردن براون محلّه وأنا أصفهما «كخدين لمؤخرة واحدة»... ليس هناك ضمانات بأن براون سيكون مختلفا في السياسة الخارجية ولكن ليس هناك إمكانية لإيجاد تغيير في السياسات الخارجية البريطانية إذا ظل بلير في رئاسة الحكومة وإذا ذهب فإن احتمال التغيير يصبح واردا وعموما فإن تغيير رئيس الوزراء يفتح المجال أمام تغيير السياسة دائما.
وسيكون من الواضح أن سقوط بلير سيكون بسبب الحرب على العراق وإذا خسر رئىس الوزراء منصبه بسبب الحرب فينبغي أن يكون ذلك حافزا لإعادة التفكير في السياسات الخارجية التي أدت إلى الحرب ولكن الأمر ليس مضمونا لأن براون مؤيد لأمريكا كما هو بلير والحقيقة انه صهيوني أكثر من بلير فوالده كان يجمع الأموال لفائدة الصندوق اليهودي لإنشاء إسرائيل في الثلاثينات والأربعينات ببريطانيا...
ماذا بشأن حزبكم وسياساته وما مدى قدرته على التأثير؟
- هذا الحزب نشأ من الحركة المناهضة للحرب وقياداته من قيادات تلك الحركة وفي وقت قصير جدّا حققنا نجاحات كبيرة جدا نسبيا عندما كان عمر الحزب لا يزيد عن 20 أسبوعا فقط حصلنا على ربع مليون صوت في الانتخابات بدون أي تغطية إعلامية لأنشطة الحزب والآن وقد بلغ الحزب سنتين و3 أشهر من عمره لنا عضو في البرلمان و20 عضو مجلس محلي وفي الانتخابات العامة حصلنا على كرسي في البرلمان الوحيد منذ 60 سنة الذي كان على يسار حزب العمال وكان تدرجنا الدرجة الثانية في ثلاثة مقاعد ونحن بصورة عامة حزب شاب نحظى بدعم واسع من قبل الجاليات الاثنية المقيمة في بريطانيا ويرانا الجميع بما في ذلك الأحزاب التي تعادينا اننا حزبا معادي للعنصرية وللحرب ونحن نحاول أن نملء الفراغ الذي تركه حزب العمال حينما انتقل إلى اليمين وعندما يعود حزب العمال ليصبح حزب عمّال كما كان فإنه لن يكون لنا مبرر للوجود وإذا استمر حزب العمال كما هو الآن فينبغي أن نكون نحن حزب العمال، لأن كل بلد يحتاج حزب عمّال!
كيف تقيمو النظرة الغربية للقضايا العربية؟- بدأت عملي من أجل القضية الفلسطينية قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما وفي ذلك الوقت كان هناك عدد ضئيل جدا من المؤيدين للقضية الفلسطينية ومن المنظور السياسي فإن ذلك الموقف كان يشبه في ذلك الوقت أن تعلن تأييدك الآن لبن لادن مثلا ولكن الآن أي شخص عاقل في الغرب يعرف أن القضية الفلسطينية هي قلب الصراع والمشاكل في العالم وذلك لا يعني انهم مستعدين للقيام بعمل ما لدعمها ولكنهم يدركون الحقيقة... كما أن ازدواجية المعايير واضحة جدا فاليوم مثلا تتحدّث وسائل الإعلام الغربية عن اختطاف جندي إسرائىلي في حين أن إسرائيل تختطف القادة الفلسطينيين يوميا مروان البرغوثي اختطف، أحمد سعدات اختطف أيضا... وهما قادة سياسسين بينما الآخر هو جندي فقط... ولكنها الآن أهم قضية في أوروبا... إذن ازدواجية المعايير، ما تزال واضحة وضوحا دراماتيكيا ولكن على الأقل قد نكون أفلحنا في إفهام الناس، إنه ما لم يكن هناك حل للقضية الفلسطينية لن يكون هناك حل لأي قضية أخرى في الشرق الأوسط.
في العراق، الرأي العام الأوروبي عموما، معاد للحرب ولاحتلال العراق. فرنسا وألمانيا لم ينضمّا للحرب اسبانيا وإيطاليا انسحبتا من التحالف الرأي العام البريطاني كان معاديا للحرب حتى قبل أن تبدأ وبالمناسبة فإن ذلك شيء جيّد أن يكون الشعب معاديا للحرب قبل أن تبدأ فمن الصعب إقناع البريطانيين بأن يأخذوا موقفا معاديا للحرب لأنهم عادة ما يحتفون بالحروب...
أما بالنسبة للشأن العام، الرأي العام الأوروبي يرى العرب بصورة سلبية جدا وأعتقد أنهم يرون المنطقة كتلة من الظلم وعدم العدالة والأنظمة الإرهابية وهذا ليس خطأ يرون تطوّر الظواهر العنيفة والمتطرفة ولا يعرفون ان تلك الظواهر ترتبط مباشرة بالسياسات الغربية في المنطقة العربية نحن نحاول أن نقول للأوروبيين بهذا الخصوص إن سياساتنا هي التي تؤدي إلى نشوء هذه الظواهر وان هذا التطرف الإسلامي ضد ا لغرب هي نتيجة لسياسات الغرب فيه.
ولكن الغربيين يرون النتيجة فقط دون أن ينتبهوا إلى السبب لذلك في المدى القصير فإن الرأي العام الغربي سيبقى خائفا من هؤلاء الناس في الماضي كان القذافي وصدام واليوم الزرقاوي وبن لادن والسودان...
هم يعتقدون أن الشعب سيدعم حكوماته الأوروبية نتيجة ذلك الخوف ولكن على المدى البعيد أعتقد أنه بإمكاننا أن نقنع الشعب بأن السياسات الغربية في دعم الأنظمة الديكتاتورية هي التي تؤدي إلى هذا الوضع الذي تظهر فيه الحركات المتطرفة في العالم الإسلامي.
تحوّلتم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحدثتم إلى الكونغرس وإلى الرأي العام الأمريكي، فكيف تقيمون الرؤية الأمريكية لقضايا المنطقة، وكيف يرى الأمريكيون انخراط بلادهم في مثل الأعمال المعادية كالحروب والتدخلات في شؤون الدول والشعوب؟
- هناك تأثير واضح في الرأي العام الأمريكي لهذه القضايا لأن الإعلام الأمريكي خلق حالة ضبابية عن الحرب في العراق يجب أن يكون لك اطلاع كامل على الإعلام الأمريكي لترى كيف انه إعلام ذو وجه واحد وانه إعلام ضحل ومحلّي جدا ولكن من الواضح وبالرغم من كل ذلك فإن أغلبية الرأي العام الأمريكي ترغب في أن تنسحب القوات الأمريكية من العراق وفي تقديري فإن ذلك واحد من الأشياء الغريبة التي وقفت عليها هناك فالأمريكيون خسروا 58 ألف قتيل في فيتنام وتطلب انسحابهم من ذلك البلد أكثر من عشر سنوات والآن خسروا في العراق أكثر من 2500 جندي في ثلاث سنوات فقط وفي نوفمبر فإني على يقين من أن حملة الديمقراطيين في نوفمبر القادم ستركّز على ضرورة سحب القوات الأمريكية من العراق.
لماذا هذا التغيير لا أعرف! هناك احتمال بأن ذلك بسبب وجود وسائل إعلام أخرى مثل الانترنت وربما تغيير الملامح الديمغرافية في الولايات المتحدة، من حيث ارتفاع عدد المسلمين هناك، أو عدد اللاتينيين كذلك، ولكن أعتقد أن للرأي العام الأمريكي الآن استعداد أكبر للاستماع إلينا أكثر من السابق وإذا حاول أحد «البليونيرين» العرب أن يعطي ميزانية بمائة مليون فقط فأنا أراهن إنني سأغيّر وجه الساحة الأمريكية سوف أترك كل شيء وأتوجه إلى هناك لأني أعتقد أن تلك الساحة تشبه الصحراء قبل المطر! بعد أن تدخلت في الكونغرس الأمريكي أصبحت مشهورا جدا هناك وتلقيت 22 ألف رسالة الكترونية من الولايات المتحدة الأمريكية وقمت بجولة محاضرات هناك، لدي كتاب يباع هناك، وفي أكتوبر المقبل سيصدر لي هناك أيضا كتاب آخر والمعركة على الرأي العام الأمريكي والبريطاني وخاصة بريطانيا هي المعركة الأهم الآن.
وأنا لا أقول هذا انطلاقا من تطرّف عرقي فالكل يعرف أني لست «شوفينيا» ولكن يجب أن ندرك انه حتى وإن كان كل شخص في اليونان أو إيطاليا أو إسبانيا معاديا للحرب فإن ذلك لن يؤثر في شيء ولكن إذا استطعنا أن نسحب بريطانيا من المعسكر الأمريكي فإن ذلك سيغيّر الموازين...
ما هي أهمية الديمقراطية إذن إذا كان لا يؤخذ بموقف الرأي العام في هذه البلدان؟
الحكومات تنتخب بين الحين والآخر وفي الغالب تكون لهم اراء معينة التي تتعارض مع الرأي العام وفي الغالب فإن الرأي العام إما أن يسقط تلك الحكومة أو يغيّر رأيه وهذا يظهر مدى عدم صحة أو دقّة التعريف الذي نعطيه للديمقراطية.
الديمقراطية بالنسبة إلينا هي أن تتوجه كل خمس سنوات إلى صندوق الاقتراع وتضع علامة (X) على الورقة وبطبيعة الحال فإن ذلك ليس ديمقراطية بالنسبة إليّ وخاصة عندما نعرف أنه كي تنتخب ينبغي أن تكون غنياوتمتلك مئات الملايين من الدولارات في الولايات المتحدة الأمريكية عليك أن تمتلك الف مليون دولار حتى تترشح إلى الرئاسة كيري خسر الانتخابات لأنه لم يستطع أن يجمع المبالغ المالية التي جمعها بوش، إذن هل هذه هي الديمقراطية الحقيقية؟!. الديمقراطية هي النتيجة وليس الإجراءات يجب أن تكون عمق الأشياء وليس شكلها.
نأتي الآن للعراق، وكلنا يعرف مدى ارتباطكم بقضية العراق فكيف تقيمون المرحلة التي يمر بها الاحتلال وكيف تنظرون إلى المستقبل؟
- أنا فعلا قريب جدا من العراق ومن قضيته أكثر مما يمكنكم أن تتصوروا أنا أحلم بالعراق، هذه الكلمة ذات الأربعة حروف محفورة بعمق في قلبي، ولو لم يكن الأمر كذلك فإني سأكون سعيدا جدا أن تبقى أمريكا في العراق لسنوات طويلة لأن هذا الاحتلال هو تدميركامل للامبريالية الأمريكية ولو لم أكن أحب العراق كما أحبه الآن لكنت أتمنى أن تبقى الولايات المتحدة الأمريكية هناك لأكثر من 25 سنة ليروا الضيم فعلا لأنهم ماداموا في العراق فإنه لن يكون بإمكانهم إيذاء أي شخص اخر لذلك لم يذهبوا إلى دمشق أو طهران ولذلك ترقص شعوب أمريكا اللاتينية طربا على الأنغام المعادية لأمريكا والشرط الوحيد لأن يُنتخب مسؤول في أمريكا اللاتينية هو أن يكون مناهضا للولايات المتحدة.
وبينما هم يغطسون أكثر فأكثر في العراق تتقدم الصين في كل ا لمجالات وبسرعة كبيرة وإذا أردت أن أفكر كماركسي يحسب حسابات دقيقة للسياسة فإني كنت سأكون سعيدا بالمشاكل التي يعانيها الأمريكيون في العراق لكن ما الذي يمكنني أن أفعل وأنا مغرم بالعراق؟! كل قذيفة أو أي طفلة أو أي تفجير هو ألم كبير لي، لأن العراق هو البلد العربي الوحيد الذي كانت له المؤهلات لأن يكون متحدا وقويا بعدد سكان كبير ذوي مستويات علمية كبرى، العراق كان سيكون مغناطيسا يجذب الوحدة العربية ويكون قوة موازية لإسرائيل لذلك تم تدمير العراق وقد نجحوا في تدمير العراق وقد يستطيع البلد إعادة بناء نفسه ولكن احتمال الفشل وارد أيضا لذلك أنا حزين جدا ولكني متأكد جدا من شيء، أن أمريكا لن تحكم العراق أبدا والـ2500 شخص الذين يحكمون العراق لن يسيطروا عليه أبدا حتى لو أصبح عددهم 25 ألفا لأن العراقيين سيواصلون القتال..
أنا على اتصال يومي بالعراق وعلى إدراك لكافة الدقائق والتفاصيل العراقية وأنا على ثقة تامة بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد خسرت الحرب في العراق.
وقد يكون من المفيد القول إن ما نراه في العراق هو أسلمة الحركة القومية العربية وقومية الحركة الإسلامية التي تحاول معها أن تجذب معها الحركتين الأهم في العالم العربي وهي القومية والإسلام وأيضا كنتيجة غيرمتوقعة أن أمريكا قد أعطت شهادة ميلاد لحركة جديدة قد تكون مستقبل العالم العربي أي الحركة الإسلامية القومية القوميون انخرطوا في المعركة ولكن ليسوا القوميين الذين تعرفون والإسلاميون كذلك ولكن ليسو الإسلاميين الذين تعرفون.
وهذه الحركة بدأت في العراق قبل الاحتلال عندما أصبح حزب البعث أكثر ارتباطا بالإسلام الذين يقودون المقاومة حاليا هم من الشباب القومي الإسلامي في نفس الوقت إذن نحن أمام حركة وقوة جديدة تجعلني متفائلا.
في تصريح لكم قبل غزو العاق قلتم إن الأمة العربية ستغرق في الظلام لمدة قرن، فهل مازلتم عند رأيكم؟
- نعم، هذا الأمر كان سيكون صحيحا لو انهزم العراقيون، ولكن العراقيين لم يهزموا، وعلى العكس فإن أمريكا هي التي انهزمت، وبذلك بدل الظلام الذي كان سيأتينا من العراق، فإن الضوء هو الذي يأتينا من العراق، وهذا الضوء يأسر خيال كل شباب العالم الاسلامي، ما أقوله دائما انه لأكثر من مائة سنة سايكس بيكو وبلفور، تركوا العالم العربي في قرن كامل من الظلم، وإذا أراد العرب أن يعانوا قرنا جديدا، فإن عليهم أن يتركوا الوضع كما هو الآن.كيف يمكن التغيير؟
- كنت في فيينا قبل أيام.. و60 سنة قبل ذلك، كانت أوروبا مشتعلة وفي حالة حرب، 97 مليون أوروبي قتلوا في تلك الحرب، قارتنا تتحدث 150 لغة، وديانات عديدة، ثقافات مختلفة، ولكن الآن، نجحنا في ايجاد اتحاد أوروبي واحد، أما العرب، فإنهم يتحدثون من الأطلسي إلى الخليج، لغة واحدة، دينا واحدا، ثقافة واحدة، فيروز واحدة، أم كلثوم واحدة... وأنتم مشتتون وغير متحدين، أكثر من أي وقت مضى، منذ يايكس بيكو سنة 1999 عندما قمنا برحلة عبر الحافلة من لندن إلى بغداد، حاولنا أن نعبر الحدود الجزائرية المغربية، ولكن نقطة الحدود كانت مغلقة باللحام، ولم يكن ممكنا فتحها، لتمر الحافلة، وذلك لأنه لا يمرّ أحد بين المغرب والجزائر!! بالأمس لفت نظري في مطار تونس قرطاج أن أصغر وأقصر صفّ للزوار كان أمام ممر «مواطني المغرب العربي»! خلال السنة الماضية، التقيت رجلا في الأردن، عمره 93 سنة، أي انه ولد قبل أن تكون هناك الأردن، فقلت له ماذا كنتم تسمون أنفسكم قبل الأردن؟ فقال لي «كنّا عربا»! عندما انظر إليكم هناك فإني أتخيل نفسي في المغرب، في دمشق، في بغداد، ليس هناك أي فرق.. الفرقة والتشتت، مرض تمّ حقنه للعرب.. الرجل الأردني الذي حدثتكم عنه، يقطن تلة تشرف على لبنان والأردن وسوريا وفلسطين، فكيف يمكن أن نقول انه أردني أو فلسطيني أو سوري أو لبناني! ذلك هو المرض الذي حقن به العرب، ان يظلوا مشتتين..
في فلسطين والعراق يوجد الآن المثل الذي ينبغي اتباعه! ليس كل البلدان العربية محتلة من قبل جيوش معادية ولكن كل الدول العربية محتلة، وذلك عندما يكون فكر الناس محتلا، الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في العراق، رفضت أن يكون عقول أهلها محتلة. ذهبت مؤخرا من كوبا وقد رأيت في كل صباح في كوبا، عندما يدخل التلاميذ إلى فصولهم، يطلب منهم المدرس الوقوف احتراما للمدرسة، ويسألهم ماذا يريدون أن يكونوا في المستقبل، فيجيبون بصوت واحد «مثل تشي»! وأيديهم على قلوبهم. كذلك ينبغي أن تكون طريقة تفكير العرب: «نريد أن نكون مثل رجال الانتفاضة، مثل المقاومة في العراق!».
من أين تستمدون كل هذا الارتباط بالعرب، ثم ألا تخشون على أنفسكم؟
- أنا ارتبطت بالعالم العربي لفترة تزيد عن الثلاثين سنة، وأنا عمري الآن 51 سنة، أي اني ارتبطت بالعالم العربي وبقضاياه لأغلبية عمري.. سافرت وأقمت في بلدان عربية عديدة.. حدث ذلك صدفة لأني لم أرسم لنفسي خط السير هذا، «القسمة» (قالها بلغة عربية) قادتني إلى العالم العربي، ولكني أقول أيضا ان ذلك ليس هوايتي الوحيدة، فأنا أكتب كتابا حاليا عن فيدال كاسترو وسأسافر إلى فنزويلا.. ولكن حبي الأول هو العالم العربي، أنا كما يقال رجل «بأربع نساء» احداهن هي المفضلة لدي.. أنا أدفع ثمن حبّي للعالم العربي، فعندما يصبح شخص ما صديقا للعرب، فإنه يصبح عدوّا لشخصيات قوية في العالم، وهؤلاء يمكنهم الايذاء بشدة، ولكني لست نادما على هذا الحب!
اما من أين آتي بهذا التصميم، فأقول لكم اني آتي به «من اللّه، ما شاء اللّه» (قالها بلغة عربية) أنا أيضا قوي ولا أخاف هؤلاء. وقد قلت للسيناتور الأمريكي كولمان، والذي حقق معي في الكونغرس: «لا تعتقد أني أخاف منكم» في لاهافانا، وفي مواجهة السفارة الأمريكية، وضع الكوبيون معلقا عملاقا وكتبوا فيه «السيد الأمريكي، نحن بالتأكيد لسنا خائفين منك» وذلك هو شعاري، أنا لا أخاف إلا من اللّه!
تونس - الشروق
شبكة البصرة
الخميس 3 جماد الثاني 1427 / 29 حزيران 2006