المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مواعظ ابن الجوزي رحمه الله



خطاب
05-06-2006, 10:58 PM
* قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص/138) :
• لقيت مشايخ ؛ أحوالهم مختلفةٌ ، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم .
- وكان أنفعهم لي في صحبةٍ : العاملُ منهم بعلمه ، وإن كان غيره أعلم منه .
• ولقيت جماعةً من أهل الحديث يحفظون ويعرفون ؛ ولكنهم كانوا يتسامحون في غيبةٍ يخرجونها مخرج جرحٍ وتعديلٍ ، ويأخذون على قراءة الحديث أجراً ، ويُسرعون بالجواب لئلاَّ ينكسر الجاه ، وإن وقع خطأ !.
• ولقيت عبدالوهَّاب الأنماطي ؛ فكان على قانون السلف ؛ لم يُسْمَع في مجلِسهِ غيبةٌ ، ولا كان يطلبُ أجراً على إسماع الحديث ، وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى ، واتَّصل بكاؤه !!!.
• فكان - وأنا صغير السنِّ حينئذٍ – يعملُ بكاؤه في قلبي ، ويبني قواعد .
وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل .
• ولقيت أبا منصور الجواليقي ؛ فكان كثير الصمت ، شديد التحرِّي فيما يقول ، متقناً محقِّقاً ، ورُبَّما سُئل المسألة الظاهرة ، التي يبادر بجوابها بعض غلمانه = فيتوقَّف فيها حتى يتيقَّن ، وكان كثير الصوم والصمت .
• فانتفعت بهذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما ؛ ففهمتُ من هذه الحالة : أنَّ الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول .
- فالله الله في العمل بالعلم فإنه الأصل الأكبر ، والمسكين كل المسكين : من ضاع عمره في علمٍ لم يعمل به ؛ ففاته لذات الدنيا ، وخيرات الآخرة ؛ فقدم مفلساً مع قوَّة الحجَّة عليه . انتهى كلامه رحمه الله.

* قال ابن الجوزي رحمه الله – أيضاً - في صيد الخاطر (ص/22) :
• أعظم المعاقبة أن لا يحسَّ المعَاقَبُ بالعقوبة ، وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة ! ..
كالفرح بالمال الحرام ، والتمكُّن من الذنوب ؛ ومن هذه حاله لا يفوز بطاعةٍ .
• وإني تدبَّرت أحوال أكثر العلماء والمتزهِّدين فرأيتهم في عقوباتٍ لايحسُّون بها ، ومعظمها من قِبَل طلبهم للرياسة .
• فالعالم منهم يغضب إن رُدَّ عليه خطؤُهُ ، والواعظ متصنِّعٌ بوعظه ! ، والمتزهِّدُ منافقٌ أو مراءٍ .
• فأوَّلُ عقوباتهم إعراضهم عن الحق ؛ اشتغالاً بالخلق .
• ومن خفيِّ عقوباتهم : سلب حلاوة المناجاة ولذَّة التعبُّد .
• إلاَّ رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات = يحفظ الله بهم الأرض ؛ بواطنهم كظواهرهم ؛ بل أجلى ، وسرائرهم كعلانيتهم ؛ بل أحلى ، وهممهم عند الثريَّا ؛ بل أعلى ، إنْ عُرِفُوا تنكَّروا ، وإن رُئيت لهم كرامةٌ أنكروا .
• فالناس في غفلاتهم ، وهم في قطع فلواتهم !
• تحبُّهم بقاع الأرض ، وتفرحُ بهم أملاك السماء .
• نسألُ الله - عزوجل - التوفيق لاتباعهم ، وأن يجعلنا من أتباعهم . انتهى كلامه رحمه الله .

* قال ابن الجوزي - رحمه الله - في صيد الخاطر (ص/80-83) :
- قرأت هذه الآية : ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إلهٌ غير الله يأتيكم به ) ؛ فلاحت لي إشارةٌ كدتُ أطيش منها !!.
• وذلك : أنه إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر ؛ فإنَّ السمع آلةٌ لإدراك المسموعات ، والبصر آلةٌ لإدراك المبصرات ؛ فهما يعرضان ذلك على القلب ، فيتدبَّر ويعتبر .
• فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدلُّ على الخالق ، وتحمِلُ على طاعة الصانع ، وتحذِّر من بطشه عند مخالفته .
• وإن عنى معنى السمع والبصر فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا ؛ شُغلاً بالهوى ، فيعاقب الإنسان بسلب تلك الآلات ؛ فيرى وكأنه ما رأى ، ويسمع وكأنه ما سمِعَ ، والقلب ذاهلٌ عما يتأدَّب به !!.
• فيبقى الإنسان خاطئاً على نفسه لا يدري ما يُراد به ؛ لايؤثر عنده أنه يبلى ، ولا تنفعه موعظةٌ تجلى ، ولا يدري أين هو ؟ ولا ما المراد منه ؟ ولا أين يحمل يحملُ ؟.
• وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ، ولا يتفكَّر في خسران آخرته ، لا يعتبر برفيقه ، ولا يتَّعظ بصديقه ، ولا يتزوَّد لطريقه !!.
- كما قال الشاعر :
الناس في غفلةٍ والموت يوقظهم = ومــا يـفيقون حـتى يـنفد iiالـعمر
يـشـيِّـعـون أهـالـيـهـم iiبـحـمـعهم = ويـنظرون إلـى مـا فيه قد قُبِروا
ويـرجـعون إلـى أحـلام iiغـفلتهم = كـأنهم مـا رأوا شـيئاً ولا iiنظروا
• وهذه حال أكثر الناس ؛ فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات ؛ فإنها أقبح الحالات . انتهى كلامه رحمه الله .
]
* قال ابن الجوزي - رحمه الله - أيضاً في صيد الخاطر (ص/25) :
• تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حُبِّ الدنيا ؛ فإنَّ علماء الآخرة يتوادُّون و يتحاسدون ؛ كما قال الله عزوجل : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) .
وقال تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للَّذين آمنوا ) .
- وقد كان أبو الدرداء يدعو كل ليلةٍ لجماعةٍ من أصحابه .
- وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي : أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر .
• والأمر الفارق بين الفئتين :
- أنَّ علماء الدنيا ينظرون إلى الرئاسة فيها ، ويُحبُّون كثرة الجمع والثناء .
- وعلماء الآخرة بمعزلٍ من إيثار ذلك ، وقد كانوا يتخوَّفونه ، ويرحمون من بُلِيَ به .
- وكان النخعي لا يستند إلى سارية !
- وقال علقمة : أكره ان توطأ عقبي !
- وكان بعضهم إذا جلس إليه أكثر من أربعةٍ قام عنهم !
- وكانوا يتدافعون الفتوى ، ويحبُّون الخمول .
- مثل القوم كمثل راكب البحر ، وقد خبَّ ؛ فعنده شغلٌ إلى أن يوقن بالنجاة .
- وإنما كان بعضهم يدعو لبعضٍ ، ويستفيد منه لأنهم ركبٌ تصاحبوا فتوادَّوا .
فالأيَّام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة. انتهى كلامه رحمه الله .