المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "لا إله إلا الله"؛ بين النظرية والتطبيق



المهند
01-06-2006, 01:24 AM
"لا إله إلا الله"؛ بين النظرية والتطبيق




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن " لا إله إلا الله " وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ألا وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).

أما بعد

إخوة الإسلام:

إن الذي ينظر ويقلّب أحوال الناس يجد ألسنتهم تلهج بـ"لا اله إلا الله"، يجد أن عددهم قد فاق المليار ونصف المليار ولكن أين أفعالهم باعتبارهم مسلمين؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم يصف حال المسلمين (ستتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل).

أيها الإخوة:

إن " لا إله إلا الله " كنز لكل مسلم فيجب على كل مسلم أن يستفيد من ذلك الكنز ولا يهمله فضلاً عن أن يضيعه، فمن ثمرات هذا الكنز أنه يحفظ نفسك ومالك وعرضك ... لماذا؟ لأنك مسلم.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، هذا في الدنيا وغيره أكثر، أما في الآخرة فأكثر، يركب النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على دابته ويردف معاذا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من كان لا يشرك به شيئاً) والرواية في الصحيح كما تعلمون.

فتحقيق " لا إله إلا الله " يضمن لك برحمة الله أن لا تكون من الخالدين في نار جهنم والعياذ بالله، فأنت تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنك وأدخلك الجنة وإن شاء نقّاك من ذنوبك ثم أدخلك الجنة.

إخوة الإيمان:

أما تستحق هذه الكلمة العظيمة التي حفظ الله بها أموالنا ودمائنا وأعراضنا؟

أما تستحق " لا إله إلا الله " أن نجسدها للعالم بأفعالنا ونرفعها عالية فوق كل الرايات ليكون الدين كله لله ؟

إن الله تعالى يريد منك أيها المسلم أن تكون بمستوى " لا إله إلا الله " قولاً وعملاً، ولكن ما هو مستوى هذه الكلمة يا ترى؟ يخبرنا الله تبارك وتعالى عن ذلك فيقول (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، يحكم الله تعالى بطيب هذه الكلمة من فوق سبع سموات، فهي طيبة بريحها وثمرها ومظهرها.

ولكن من منا قد مسَّ مِن طيب هذه الكلمة حتى صار طيباً في علاقته مع ربه ومعبوده؟ طيباً في علاقته مع الناس؟ حتى إن الناس ليجدون ريح " لا إله إلا الله " من خلاله، فهو رافع لهذه الكلمة يدعو إليها بأفعاله من حسن الخلق ومن الإنفاق والجهاد في سبيل الله كما كان نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه رب العزة ]وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم)، ثم إن هذه الكلمة الطيبة لا تعرف زولاً ولا زحزحة لأن اصلها ثابت بنص القرءان كما قال - جل وعلا - (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

نعم أيها الإخوة:

صاحب " لا إله إلا الله " يجب أن يكون ثابتاً قد تجذّر الإيمان في قلبه وخالط دمه وأحشائه لأنه يدرك أنه ما خُلق إلا من أجل لا أله إلا الله، وعاش ويعيش من أجلها وسيموت من أجلها ثم يبعث عليها إن شاء الله تعالى فلا يمكن للفتن مهما اشتدت ريحها وعصفت أن تجتذ هذا القلب الذي نبت فيه لا إله إلا الله، ثم إن شجرة " لا إله إلا الله " فرعها مرتفع في السماء بعيد عن الأردان والأقذار فالمسلم الذي يحمل هذه الكلمة يجب عليه أن يكون بالمستوى المطلوب بعيداً عن سفاسف الأمور فهو من علية القوم لا من الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا ذنباً لأحفاد القردة والخنازير.

كما ترون أيها الأخوة كثيراً من الذين يقولون " لا إله إلا الله " محمد رسول الله وهم يخدمون الجيوش التي تنسب الشريك لله ويكفرون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا وشاهدنا من يتجسس منهم للكافرين.

وآخرين ينطقون "لا أله إلا الله" وهم ينظفون للكافرين طرقاتهم. وما خفي من ذلك أعظم.

فأمثال هؤلاء لا يأتون إلا بالسبة لـ"لا أله إلا الله" فإنهم وإن انتسبوا إليها زوراً وبهتاناً فهم ليسوا من أهلها وهم يعينون الكافرين المحتلين على قتل أهل لا إله إلا الله، كما هو مشاهد اليوم في ديار المسلمين لا سيما في العراق، وعلى إعتقال المسلمين وعلى هتك أعراضهم ونهب أموالهم وتدنيس أراضيهم ومن أجل ماذا كل ذلك؟ من أجل ماذا باعوا لا أله إلا الله؟ إنهم باعوها من أجل دولارات قليلة وكانوا فيها من الزاهدين.

أيها الإخوة:

حريٌّ بنا أن نقلّب صفحات تاريخنا الإسلامي بدءاً برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومروراً بخلفهم إلى يوم الدين كي يرى كل واحد منا كيف قدموا أموالهم وأنفسهم وكل ما يملكون من أجل رفع راية لا إله إلا الله.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا لما نزل جبريل عليه السلام في بداية الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها وأرضاها وذهبت به إلى ورقة بن نوفل قال ورقة: هذا ناموس الأنبياء ليتني كنت جذعاً إذ يخرجك قومك، فقال عليه الصلاة والسلام: أومخرجي هم؟ فقال ورقة: نعم ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي.

كانت هذه الحقيقة وهذا الواقع متحقق لا مناص منه ولكن القضية ليست قضية وطن أو مال ولكنها أكبر من ذلك فما تقاعس منها عليه الصلاة والسلام لحظة واحدة حتى كان وقته كله لله وحده.

وتسجل لنا السيرة حال آل ياسر وما أدراك من آل ياسر؟ أول الناس الذين قدموا أنفسهم من أجل إسلامهم ذلك أنهم قالوا " لا إله إلا الله " بقلوبهم وألسنتهم، فما يكون لهم أن يتنصلوا عنها بأفعالهم حتى ثبت ياسر وزوجته سمية على " لا إله إلا الله " رغم ما صاحب عليهما من العذاب الذي إنتهى بخروج روحيهما الطاهرتين في بداية الدعوة إلى لا إله إلا الله.

ومضت الأيام ويأذن النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، ويخرج المسلمون رجالاً ونساءاً تاركين وطنهم وديارهم ومجتمعهم من أجل ماذا كل ذلك؟ من أجل الحفاظ على ما هو أغلى من ذلك إنها لا إله إلا الله.

وتمضي الأيام وركب " لا إله إلا الله " يسير ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله وتحتاج الدعوة إلى المال ويلبي أهل " لا إله إلا الله " وأولهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه يلبي لهذه الدعوة فيأتي بماله كله ويقول النبي - عليه الصلاة والسلام - له (ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ فيقول أبو بكر: أبقيت لهم الله ورسوله).

فالمسألة أكبر وأهم من كل شيء حتى من الأهل بل ومن النفوس. وتمر الأيام ويحاول الكافرون قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربة رجل واحدٍ، وينام علي رضي الله عنه في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوهم المشركين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال نائماً في فراشه لئلا يعلموا أنه قد خرج مهاجراً إلى المدينة، قدم علي رضي الله عنه نفسه وتعرض للقتل من أجل ماذا ؟ من أجل " لا إله إلا الله " المتمثلة يومها بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وتمضي الأيام وتاريخنا حافل بمواقف الرجال الصادقين ويعترض الكفار أهل " لا إله إلا الله " ليصدوا المسلمين عن " لا إله إلا الله " بالقوة وعندها تتلهف النفوس الصادقة إلى التضحية من أجل أن تبقى " لا إله إلا الله " مرفوعة عالية ويعلم الله صدقهم فيخاطبهم فيقول (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).

فما بالنا اليوم يأمرنا الله تعالى بالإنفاق والجهاد ورغم هذا كله نبخل حتى رأينا من نصّب نفسه مخذّلاً للناس عن مسيرة لا إله إلا الله، مخذّلاً عن مسيرة الجهاد من أجل لا اله إلا الله، وهذا يقول لا إله إلا الله.

وتسير الأيام ويلتحق النبي عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى ويختار المسلمون أبو بكر للخلافة فيصدر أمره بإنفاذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه لنشر " لا إله إلا الله " وسحق أعدائها رغم أن دولة الإسلام أصيبت بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام وبارتداد كثير من الناس عن إسلامهم، الناس الذين لم يجاوز إسلامهم تراقيهم وبادعاء البعض النبوة، كل هذا يواجهه أبو بكر هو وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ولكنهم لم يلتفتوا إلى إقامة كرسي الخلافة ويغفلوا عن الخطر الذي يواجه " لا إله إلا الله " لأن القضية الأساسية هي لا إله إلا الله، من أجلها يعيشون و عليها ويموتون.

ويمضي التأريخ ليسجل مواقف أخرى فهذا الإمام أحمد رضي الله عنه إمام أهل السنة والجماعة يُمتحن بمحنة خلق القرآن فيسجن ويضرب فلا يرده ذلك عن نصرة " لا إله إلا الله " بل يثبت ويقول أمام الملأ: (القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق).

إخوة الإسلام:

يخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام بأن الأيام والسنين ستمضي حتى يسطر رجل من المؤمنين الصادقين موقفاً عظيماً ذوداً عن لا إله إلا الله، ذلك يوم يأتي الدجال أعاذنا الله منه ويقول لذلك الرجل: أتشهد أني ربك؟ فيقول: ربي الله الذي لا إله إلا هو، فينشره تصفين ثم يحييه بإذن الله تعالى ويقول له: ألست بربك؟ فيقول له الرجل: الآن إزددت إيماناً أنك الدجال الذي أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام.

نعم أيها الإخوة:

لا إله إلا الله ليست أقوالاً وإنما هي إعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح ثم إن " لا إله إلا الله " تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وكذلك المسلم يجب أن يكون يعطي ثماراً لدينه في كل وقت، في كل حين، في كل مكان، في السراء وفي الضراء، ولا ينسى " لا إله إلا الله " حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (عجباُ لأمر المؤمن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ولا يكون ذلك إلا للمؤمن).

فيا أيها الاخوة:

ما أحوجنا إلى هذه المعاني، ما أحوجنا إلى أن نكون من أهل " لا إله إلا الله " إعتقاداً وقولاً وعملاً عسى ربنا أن يكفر عنا سيئاتنا ويغير حالنا إلى أحسن حال فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




عن موقع جيش أنصار السنة