بنت الحدباء
17-07-2004, 02:32 AM
مَحَبَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الحديث عن محبته عليه الصلاة والسلام متعة عظيمة ! أما الألسنة: فتترطب
بذكره، والصلاة عليه، وأما الآذان: فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه، وأما
العقول: فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام،
وأما الجوارح والأعضاء: فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله عليه
وسلم.
أولا :مفهوم المحبة:
المحبة كما قال ابن القيم، ووافقه ابن حجر قال: ' المحبة لا تُحَدُّ- أي لا يذكر لها
تعريف- إذ هي أمر ينبعث بنفس يصعب التعبير عنه' .
ثم المحبة لها جوانب منها: محبة الاستلذاذ بالإدراك، كحب الصور الجميلة
والمناظر والأطعمة والأشربة .. تلك محبة فطرية، أو تكون محبة بإدراك العقل، وتلك
المحبة المعنوية التي تكون لمحبة الخصال الشريفة، والأخلاق الفاضلة، والمواقف
الحسنة، وهناك محبة لمن أحسن إليك، ولمن قدم لك معروفاً، فتنبعث المحبة
حينئذٍ ؛ لتكون ضرباً من ضروب الحمد والشكر، فينبعث الثناء بعد ذلك ترجمة لها
وتوضيحاً لمعانيها .
قال النووي رحمه الله في كلمةٍ جميلة: وهذه المعاني كلها موجودة في النبي
صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال الجلال، وأنواع
الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياه إلى الصراط المستقيم،
ودوام النعم والإبعاد من الجحيم..فإن نظرت إلى وصف هيئته صلى الله عليه
وسلم؛ فجمال ما بعده جمال، وإن نظرت إلى أخلاقه وخلاله؛ فكمال ما بعده كمال،
وإن نظرت إلى إحسانه وفضله على الناس جميعًا وعلى المسلمين خصوصاً؛
فوفاء ما بعده وفاء .
فمن هنا: تعظم محبته صلى الله عليه وسلم ويستولي في المحبة على كل
صورها وأعظم مراتبها، وأعلى درجاتها، فهو صلى الله عليه وسلم الحري بأن
تنبعث محبة القلوب والنفوس له في كل لحظةٍ، وفي كل تقلبات حياتنا، ولذلك
ينبغي أن ندرك عظمة هذه المحبة، وهنا وقفة نتمم بها هذا:
فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى: في
جانب العقل معرفةً وعلماً، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته، والواجب
منها والمندوب منها ونحو ذلك، ومحبةً بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر
جياشة، ومحبة متدفقة، وميلٌ عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية .
ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وفعله عليه الصلاة
والسلام، فلا يمكن أن نقول إن المحبة إتباعٌ فحسب ! فأين مشاعر القلب؟ ولا
يصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الإتباع؟ ولا ينفع هذا
وهذا ! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه
الصلاة والسلام؛ لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر،
وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمل حينئذٍ المحبة ؛ لتكون هي المحبة
الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض
حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا .
ثانيًا:حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هي واجبة على كل مسلمٍ قطعاً، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة، ومن ذلك قول
الله سبحانه- الذي جمع في آيةٍ واحدة كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب،
وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ، وحب الله، وحب رسوله في كفةٍ- قال تعالى:
{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي
سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[24]}[سورة
التوبة].
قال القاضي عياض رحمه الله:' فكفى بهذا حضاً و تنبيهاً و دلالة و حجة على إلزام
محبته ، و وجوب فرضها ، و عظم خطرها ، و استحاقه لها صلى الله عليه و سلم
، إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله، وولده أحب إليه من الله، ورسوله، و أوعدهم
بقوله تعالى:{ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسقهم بتمام الآية فقال:{وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله عز وجل ' .فهذه
آيةً عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة .
ويأتينا دليل عظيم، وبليغ في قول الحق: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ...[6]}[سورة الأحزاب].
وبين ابن القيم الدلالة على وجوب المحبة في هذه الآية من وجوهٍ كثيرة ضمنها
أمرين:
الأول: أن يكون أحب إلى العبد من نفسه: لأن الأولوية أصلها الحب ونَفْسُ العبد
أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به
منها أي أولى به من نفسه وأحب إليه من نفسه، فبذلك يحصل له اسم الإيمان،
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم، وسائر
لوازم المحبة من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على ما سواه .
وأما الجانب الثاني: أن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً: بل الحكم على
نفسه لرسول صلى الله عليه وسلم، يحكم عليه أعظم من حكم السيد على
عبده، أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول
صلى الله عليه وسلم، الذي هو أولى به من نفسه، أي بما جاء به عن الله عز
وجل، وبلغهم من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم .
و قوله سبحانه:{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...[31]}[سورة آل
عمران]. من الأدلة العظيمة الشاهدة على وجوب محبة النبي صلى الله عليه
وسلم؛ إذ لا نزاع في أن محبة الله واجبة، وأن أتباع النبي ومحبته طريق إلى
محبة الله. والآيات أكثر من أن تحصر في هذا المقام.
وأما أحاديثه صلى الله عليه وسلم فصريحة في الدلالة على وجوب هذه المحبة،
ومن ذلك: قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ
مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ] رواه البخاري ومسلم.
وكذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فقد كان مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:' يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا
مِنْ نَفْسِي' فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى
أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ] فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:'فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
نَفْسِي' فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْآنَ يَا عُمَرُ] رواه البخاري.
و قول عمر الأول بمقتضى الأصل الطبعي في الإنسان أن أحب شيءٍ إليه نفسه،
فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالمصطلح الإيماني؛ أقرّ عمر بأنه بالمعنى
الإيماني يفضل النبي، ويحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه، فقال
له حينئذٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الْآنَ يَا عُمَرُ].
ثم إن حبّ الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار- كما ذكر الخطابي- ولذلك عمر
جوابه الأول ذكر الطبع، ثم بعد ذلك ذكر الاختيار الذي هو مقتضى الإيمان .
------------------------------------------
يـــتـــبـــع
منـــقــول
الحديث عن محبته عليه الصلاة والسلام متعة عظيمة ! أما الألسنة: فتترطب
بذكره، والصلاة عليه، وأما الآذان: فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه، وأما
العقول: فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام،
وأما الجوارح والأعضاء: فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله عليه
وسلم.
أولا :مفهوم المحبة:
المحبة كما قال ابن القيم، ووافقه ابن حجر قال: ' المحبة لا تُحَدُّ- أي لا يذكر لها
تعريف- إذ هي أمر ينبعث بنفس يصعب التعبير عنه' .
ثم المحبة لها جوانب منها: محبة الاستلذاذ بالإدراك، كحب الصور الجميلة
والمناظر والأطعمة والأشربة .. تلك محبة فطرية، أو تكون محبة بإدراك العقل، وتلك
المحبة المعنوية التي تكون لمحبة الخصال الشريفة، والأخلاق الفاضلة، والمواقف
الحسنة، وهناك محبة لمن أحسن إليك، ولمن قدم لك معروفاً، فتنبعث المحبة
حينئذٍ ؛ لتكون ضرباً من ضروب الحمد والشكر، فينبعث الثناء بعد ذلك ترجمة لها
وتوضيحاً لمعانيها .
قال النووي رحمه الله في كلمةٍ جميلة: وهذه المعاني كلها موجودة في النبي
صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال الجلال، وأنواع
الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياه إلى الصراط المستقيم،
ودوام النعم والإبعاد من الجحيم..فإن نظرت إلى وصف هيئته صلى الله عليه
وسلم؛ فجمال ما بعده جمال، وإن نظرت إلى أخلاقه وخلاله؛ فكمال ما بعده كمال،
وإن نظرت إلى إحسانه وفضله على الناس جميعًا وعلى المسلمين خصوصاً؛
فوفاء ما بعده وفاء .
فمن هنا: تعظم محبته صلى الله عليه وسلم ويستولي في المحبة على كل
صورها وأعظم مراتبها، وأعلى درجاتها، فهو صلى الله عليه وسلم الحري بأن
تنبعث محبة القلوب والنفوس له في كل لحظةٍ، وفي كل تقلبات حياتنا، ولذلك
ينبغي أن ندرك عظمة هذه المحبة، وهنا وقفة نتمم بها هذا:
فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى: في
جانب العقل معرفةً وعلماً، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته، والواجب
منها والمندوب منها ونحو ذلك، ومحبةً بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر
جياشة، ومحبة متدفقة، وميلٌ عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية .
ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وفعله عليه الصلاة
والسلام، فلا يمكن أن نقول إن المحبة إتباعٌ فحسب ! فأين مشاعر القلب؟ ولا
يصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الإتباع؟ ولا ينفع هذا
وهذا ! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه
الصلاة والسلام؛ لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر،
وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمل حينئذٍ المحبة ؛ لتكون هي المحبة
الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض
حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا .
ثانيًا:حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هي واجبة على كل مسلمٍ قطعاً، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة، ومن ذلك قول
الله سبحانه- الذي جمع في آيةٍ واحدة كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب،
وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ، وحب الله، وحب رسوله في كفةٍ- قال تعالى:
{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي
سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[24]}[سورة
التوبة].
قال القاضي عياض رحمه الله:' فكفى بهذا حضاً و تنبيهاً و دلالة و حجة على إلزام
محبته ، و وجوب فرضها ، و عظم خطرها ، و استحاقه لها صلى الله عليه و سلم
، إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله، وولده أحب إليه من الله، ورسوله، و أوعدهم
بقوله تعالى:{ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسقهم بتمام الآية فقال:{وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله عز وجل ' .فهذه
آيةً عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة .
ويأتينا دليل عظيم، وبليغ في قول الحق: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ...[6]}[سورة الأحزاب].
وبين ابن القيم الدلالة على وجوب المحبة في هذه الآية من وجوهٍ كثيرة ضمنها
أمرين:
الأول: أن يكون أحب إلى العبد من نفسه: لأن الأولوية أصلها الحب ونَفْسُ العبد
أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به
منها أي أولى به من نفسه وأحب إليه من نفسه، فبذلك يحصل له اسم الإيمان،
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم، وسائر
لوازم المحبة من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على ما سواه .
وأما الجانب الثاني: أن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً: بل الحكم على
نفسه لرسول صلى الله عليه وسلم، يحكم عليه أعظم من حكم السيد على
عبده، أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول
صلى الله عليه وسلم، الذي هو أولى به من نفسه، أي بما جاء به عن الله عز
وجل، وبلغهم من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم .
و قوله سبحانه:{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...[31]}[سورة آل
عمران]. من الأدلة العظيمة الشاهدة على وجوب محبة النبي صلى الله عليه
وسلم؛ إذ لا نزاع في أن محبة الله واجبة، وأن أتباع النبي ومحبته طريق إلى
محبة الله. والآيات أكثر من أن تحصر في هذا المقام.
وأما أحاديثه صلى الله عليه وسلم فصريحة في الدلالة على وجوب هذه المحبة،
ومن ذلك: قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ
مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ] رواه البخاري ومسلم.
وكذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فقد كان مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:' يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا
مِنْ نَفْسِي' فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى
أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ] فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:'فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
نَفْسِي' فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْآنَ يَا عُمَرُ] رواه البخاري.
و قول عمر الأول بمقتضى الأصل الطبعي في الإنسان أن أحب شيءٍ إليه نفسه،
فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالمصطلح الإيماني؛ أقرّ عمر بأنه بالمعنى
الإيماني يفضل النبي، ويحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه، فقال
له حينئذٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الْآنَ يَا عُمَرُ].
ثم إن حبّ الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار- كما ذكر الخطابي- ولذلك عمر
جوابه الأول ذكر الطبع، ثم بعد ذلك ذكر الاختيار الذي هو مقتضى الإيمان .
------------------------------------------
يـــتـــبـــع
منـــقــول