المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : د. نوري المرادي : ثقتنا عالية في قيادة المقاومة العراقية



الأمين
26-04-2006, 10:37 PM
د. نوري المرادي : ثقتنا عالية في قيادة المقاومة العراقية
شبكة البصرة
حاورته فاطمة بن عبد الله الكرّاي

عندما أنهيت معه هذا اللقاء الشامل والمتنوع، آثر الرجل ان يختم كلامه بكلمات زادت في تفاقم الطلاسم المحيطة بشخصيته... بل زادت في ابهار من يسمعه ومن يقرؤه، ومن يشاهده يتحدث : من أين جاء هذا الرجل، ومما هو معجون فكرا وممارسة وتنظيرا... ولأي زمن ينتمي، ومما قُدّ هذا الرجل الذي لا يخونه لسانه ولم مرة ولا تغدر به الكلمات ولو مرة ولا ينتابه الخجل ولا الخوف، وهو يعلن عن ميلاد فكر جديد فيه، يصرّ هو انه ليس تحولا فكريا بقدر ما هو انسجام فكري مع واقع الوطن والامة... قال لي في خاتمة اللقاء، وهو يبعث بإشارات الى هنا وهناك، ان شعب العراق الآن يمثّل حالة المهدي المنتظر، من حيث صموده وانتفاضته ضد المحتل في وقت قياسي، فالعالم، يقول د. النوري المرادي مواصلا الفكرة ينتظر «العنقاء» في العراق وينتظر «المهدي المنتظر» من العراق... وأضاف عن المقاومة العراقية ممجدا إياها أفضل تمجيد انها تنصهر في الذات الإلهية النقية التي لا ترنو الا للحق والصفاء... الحالة العراقية يقول محدّثي هي الفكرة الرئيسية في قصيدته الجديدة التي تعد 1200 (ألف ومائتي بيت) من الشعر، قال منها المرادي الى الآ ونظم منها ألفا... وهي قصة «درويش» يقوم بالليل وينهض بعد ان احتلت بغداد وبقي «الدرويش» يبكي ويلطم «يا إلهي... كيف حدث هذا... كيف سمحت بهذا...» وما هي الا برهة حتى خرج له شخص وفي كل مرة يكون هذا الشخص في ثوب «قومي» ثم «شيوعي» ثم «شيعي» ثم يليه سنّي فمسيحي فيهودي «فـ»صابئي» و»يزيدي» وكل واحد يظهر ويتكلم فيظهر محاسنه الفكرية واقتراحاته للقضية العراقية... ثم يعود الجميع الى الحل الرباني وفيها اشارات للاسطورة وللذات الإلهية، لأن العراق هو كل هذا المزيج... يصاحب هذه القصيدة ستّون (60) ناموسا (مفرد نواميس اي قوانين وقواعد) كمنهج سياسي، فيها توصيات او وصايا من قبيل : اذا واجهك العدو تفعل كذا، واذا لم تقدر على الانتصار على عدوّك في اللحظة مُت أنت وإياه...

هكذا هو تفكير د. النوري المرادي الشيوعي الى النخاع والذي يقدّم نقدا ذاتيا يطال الممارسة وليس الفكر... فيقول ان العراق يعطينا فرصة الآن لكي نطبّق النظرية على الواقع نثريها وننهض بالواقع... هو المهندس الدكتور الذي تقلّب في التحصيل العلمي من «بغداد» الى «عدن» ثم موسكو، فيما تعددت رحلاته واقاماته من ليبيا الى عدن فالجزائر، ليستقر به المقام في «السويد» منذ سنوات... بشرته السمراء، التي تنم على خليط عرقي واتني لا يختص بها سوى العراق، تغنيه عن الادلاء بجنسيته... فكان ان جعل من انتمائه تابعا وطابعا مميزا له جعل منه نقطة استفهام تصدر تجاهه من معتنقي الفكر الماركسي... ينبذ الطائفية ويشدد على انها بدعة اقليمية ودولية، لن تنجح في اثناء «عنقاء» العراق عن النهوض واقفة...

يقول في هذا اللقاء الذي خص به «الشروق» بعد ان قدّم محاضرة حول المقاومة العراقية في العاصمة، وبدعوة من النقابة العامة للتعليم الثانوي، اذ الميدان الآن مفتوح على مصراعيه أمام المناضلين والسياسيين، فإما ان ينخرطوا الى جانب الشعب فينسجموا مع حركة التاريخ، او ان يصمتوا عندما يصفهم «المرادي» بـ»مناضلي الدلع» وكأنه يذكّر بأغنية الشيخ إمام عن مناضلي الصالونات لمّا قال وغنى: «يا نضال ما أطولك... بين الكراسي (البُنك)»... الدكتور النوري المرادي لا يرضى بأنصاف الحلول والأمة مذبوحة والعراق محتل... وهو يشدد ان الاحتلال وُجد لكي يُكنس وليس لكي يُحاور، وان اي حوار مع الاحتلال لا يتم الا متى غادر العراق...

في هذا اللقاء الذي خص به «الشروق» مشكورا، يضيف على ما قاله لنا في لقاءات سابقة خص بها جريدتنا، ان المستجد ايجابي وأنه على الاقلام والعقول العربية ان تتهيأ للنصر لأنه آت وسيكون حليف المقاومة وحدها...

د. النوري المرادي الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي (الكادر) لم يتوان عن نقد رفاق الامس...

* دكتور النوري المرادي ما هي أخبار المقاومة العراقية، مما لم يُنشر الى الآن وما حقيقة هذا الحراك الذي تشهده الساحة العراقية ومدى تأثير ذلك على برامج الاحتلال في العراق؟

ـ الحقيقة هناك عملية كان يجري الاعداد لها بين مختلف فصائل المقاومة. لكن الذي أخّرها هو خبر عابر صدر بإحدى الجرائد، فهم تصوّّروا ان معلومات تسربت عن العملية. وتبين فيما بعد انها توقّع أو تحليل لصحفي شاطر. لكن المقاومة وقّفت العملية من باب الاحتياط...

شهر أفريل هو شهر المجزرة للمحتلين باعترافهم هم، فمن غرة أفريل الى 14 منه، سُجّل عندهم (الاحتلال) خمسون قتيلا، وطبعا دائما هذه الارقام الرسمية الامريكية مشكوك بصحّتها لعدة عوامل... تهم الامريكان... المقاومة الآن تجاوزت عقبات عديدة الى حد وصل بجماعة من المقاومة حد فتح خط «التليفون» وقالوا لنا اسمعوا أصوات المعركة بالمباشر... المقاومة العراقية تخطت حدود الخوف... وأصبحت أكثر اقداما على تنفيذ برامجها.

أتصور ان هذا التهويل الكبير لمغاوير الداخلية وفيلق بدر الغاية منه تصوير الامريكان بأن خروجهم سيكون كارثة على العراق حتى يشرّعوا وجودهم... أنا أقول نعم، هؤلاء كارثة ولا يتكلم معظمهم العربية لكنهم لا يصلحون للقتال في المواجهة... سيتساقطون بعد المحتل... واحدا تلو الآخر على أيدي المقاومة... المقاومة لسان حالها يقول اليوم لهؤلاء وللاحتلال : ان الامريكان كانوا أكثر دموية منكم وأربكناهم وسحقناهم، فكيف بكم أنتم «المغاوير» والميلشيات...

ثم هناك بعض الدول العربية تروّج بلسان أمريكي ان دول عربية ستبعث قوات الى العراق. ونحن نعي وعلى بيّنة بأن هناك دولا عربية قالت «لا» لإرسال جيش الى العراق و»لا» لتدريب كوادر عراقية تخدم الاحتلال وايضا قالت «لا» للاحتلال... هذا بالنسبة لنا يكفينا ونشكرهم عليها... لكن هذه رسالة أوجهها الى دول عربية قد تفكّر بإرسال جيش وقبلها أسأل : هل يستطيعون ان يرسلوا أكثر من 50 ألف أو 100 ألف؟ ليس هناك اشكال، لماذا لا يمثل مشكلا؟ لأن هناك على الميدان ألف جندي أمريكي (حسب الاعتراف الامريكي المعلن) هناك ما بين 10 الى 20 ألف جندي بريطاني... وهناك قوات «أجنبية» (قوات التحالف) على أرض العراق تصل الى ألف هناك ايضا القوات الايرانية، هناك قوات حزب «الدعوة» و»آل الحكيم» وهناك أيضا قوات «البشمرة» التي لا تقل عن 200 ألف عنصر... ما أعنيه هو ان هناك من القوة المعادية ما لا يقل عن ألف عنصر معادي عسكريا ومجهز ضد المقاومة العراقية. طبعا هنا لا ندري كم عدد الكتائب السرية والمخابرات. فإذن اذا ـ لا قدّر الله ـ أرسلت دول عربية 50 ألفا، سيكون العدد في حدود 650 ألف معادي للمقاومة، فهذا لن يغيّر موازين القوى. لكن بالمقابل ما الذي سيحصل لو أرسلت دول عربية قوات عسكرية فإنها ستكون قربانا لرغبة بوش. وهنا نتساءل ونجيب: ماذا سيحصل؟

* أولا : سيُقتل قسم من هؤلاء الجنود وسيثير ذلك رد فعل لدى الجماهير.

* ثانيا : وهو في غاية الاهمية، أن هؤلاء الجنود الذين ترسلهم الى العراق قربانا وخدمة لبوش، اذا تعتقد أنهم عديمو الحمية تجاه اخوانهم في العراق فهي تخطئ. وجيش تحرير العراق، منتبه الى هذه الحالة. ان هؤلاء القادمين هم أهلنا واخواننا، لذلك سيجري تدريبهم على أتم وجه وسيعودون مقاومين ومقاتلين أشد شراسة، واذا كانت الدول العربية قد واجهت ما أسمته سابقا الافغان العرب، فعلينا ان نتهيأ من اليوم الى مواجهة مصطلح جديد، «الفلّوجيون العرب» او «العراقيون العرب»، لن تترك الشعوب العربية أخوها العراقي يرزح تحت الظلم...

أرجو ان يكون هذا صريحا وعلى الاخص الى دول المشرق العربي.



* كيف تتصرف المقاومة فيما بين الفصائل من حيث التنسيق ومن حيث وضع الخطط الميدانية، ومن حيث التواصل الميداني والتطبيق؟

ـ الحقيقة ليس عندي شيء خاص... المقاومة هم أصلا حذرون. لكني متأكد ان التنسيق أكيد ما بين فصائل المقاومة... التنسيق واقع يومي، ويتم تنسيق المعلومات «أضرب» «لا تضرب» والتعاون بالسلاح، اذا تمكّن فريق اسلحة، افتكها او غنمها من الاعداء فإنه يضعها على ذمة هذا الفريق او ذاك، حسب المهمات والاماكن... لكن لو سئلت عن رأيي حول وحدة المقاومة، وأقصد الوحدة العسكرية فإني لست ممن يفصلها، لكن هم ادرى بالامور هناك.

الحقيقة، يبقى القرار للقيادات الميدانية للمقاومة ونحن كشعب عراقي، مطمئنون وثقتنا عالية بالقيادات الميدانية للمقاومة.. كيف لا نثق بهم وهم ابلوا البلاء الحسن، ومرّغوا انف الاحتلال بتراب العراق.. وبالتالي ما يمكن ان اقوله: هناك منسّق عام هناك تنسيق سياسي وعسكري وحقيقة، لو انه الآن نظرنا الى شكل الهجومات التي تقوم بها المقاومة، لاتضح انها جيش متكامل له استراتيجية واضحة.



* كثيرا ما سمعنا ان اغلبية عناصر المقاومة هم في الاصل من الجيش العراقي المنحل. فهل هذا صحيح او الى ايّ حد هذا الامر صحيح؟

ـ نعم هذا صحيح... لكن لا يجب ان ننسى ان الامريكان جاؤوا بآلة دعائىة عالية، وصلت كلفتها خمس مليارات دولار... ولكنها اسقطت برصاص المقاومة.

إبّان اجراء هذه المقابلة، كانت احدى الفضائيات تصوّر احداث امس في العراق وكان قصف المقاومة قد جعل الامريكان يفرنقعون عن مكان تجمّعوا فيه، فقال د. المرادي، هذا الصوت، صوت الرصاص، هو يغني عن اي توقّع او تحليل او كذب او ادعاء. ثم واصل القول:

ان السؤال المطروح الآن يهم المتعاملين مع الاحتلال لنترك العمالة والاستعانة بالاجنبي جانبا، كيف يمكنهم ان يقودوا دولة، ولهم 80 مأتما في السّنة و30 زيارة في الشهر.. هل فيه دولة في العالم بنيت بالبكاء..؟

المشهد العراقي لا يحتمل اكثر من هذه الصورة الموجودة: هناك احتلال وعملاؤه وهناك مقاومة تقود الشعب العراقي.



* سمعنا ونسمع الكثير عن أخبار المقاومة وعن قيادة المقاومة، فماذا تخربنا عن القيادة او القيادات؟

ـ بالغالب هي قيادات عسكرية لان الجزء الاكبر والعمود الفقري للمقاومة، هي الجيش العراقي.. وهؤلاء هم مهنيون... ايضا التجمّعات الاخرى مثل «كتائب ثورة العشرين» او «الجيش الاسلامي» و»الرافدان» هؤلاء ايضا في الاصل عسكريون، لكنهم يعملون بشكل منفصل، انفصالا تتطلبه ظروف الميدان.. والله شخصيا لا ادري كم شخصية سياسية تقود المقاومة، لكن مثلا اعرف ان السيد عبد الباقي السعدون لم يكن عسكريا في يوم ما... بل سياسي عراقي... نعم هناك، «الشيخ الجنابي» الذي كان يقود فصائل كثيرة في معركة «الفلوجة» نعم هناك ائمة المساجد، وهناك منهم من راح، ونفّذ عملية استشهادية واستشهد..

اذن هذا هو المشهد، العناصر المهنية التي تمرّست في المعارك التي خاضها الجيش العراقي، لكن هناك فتيان لم تكن لهم تجربة ميدانية بحكم العمر، وهؤلاء هم في صلب العمل القتالي.. واصبحوا يقودون مجاميع المقاومة.

وطبعا هناك كتائب الاستشهاد واسميهم: الطير الأبابيل.

وهذه تعادل السلاح النووي الامريكي، الذي ضربوا به العراق الى جانب القنبلة البترولية.

* «رامسفيلد» و»رايس» و»وولسفويتز» وغيرهم، ممن يلقبون بالصقور داخل الادارة الامريكية فهل فعلا هم والمحافظون الجدد، هم المسؤولون عن الخطة الامريكية التي استهدفت العراق وغزته ام ان هناك اياد خفية تتراوح بين مراكز الدراسات التي يندسّ فيها من هم يدفعون بأمريكا دفعا حتى تقع في مستنقع العراق؟

ـ اولا هؤلاء كانوا صقورا لكننا نتفنا ريشهم... ومرّغت المقاومة انوفهم في التراب. تراب العراق.. واتمنى من «كولن باول» ان يتذكّر العرض «الكرتوني» المسرحي الذي عرضه يوم 15 فيفري 2003 في مجلس الامن، واتمنى ان تتذكر «كوندوليزا» قولتها : «الآن فعلا الوقت يمضي بسرعة» لأقول لها انه فعلا يمضي بسرعة اي كلما تخرج امريكا بشكل اسرع كلما خفّفت من خسائرها..

كانت رايس قد قالت هذا الكلام عن اي الوقت يمضي بسرعة ققبيل الهجوم على العراق 2002 لكن المرادي يأخذ كلامها ويحيّنه حسب واقع الحال الان والمقاومة تدخل واشنطن في ازمة.

يواصل: الاصل في هذه الحرب، انني انا والعدو على ميدان واحد وسينتصر الاقوى، وصاحب الحق، الذي هو المقاومة وهذا امر محتوم، وبالتالي من الذين ورّط هؤلاء المتحالفين مع امريكا مثل الجنسيات الاخرى، هذا لا يعنينا.

لكن نحن نعلم ان قرار غزو العراق هو قرار صهيوني، لأن قوّة العراق صارت قوة كبرى.. تجاوز ازمة الحصار، بقي العراق صامدا حتى عندما سقط الاتحاد السوفياتي... الصهيونية هي وهم والعراق تحدى وتخطّى الوهم.. لذلك كان رأس العراق مطلوبا... ونفط العراق كان مطلوبا. وباول يخاطب السعودية الحليفة مباشرة بعد الغزو، يوم 21 ماي فقال: على السعوديين ان ينتبهوا فقد صرنا جيرانا!
اذا ما بقيت في القيادة الامريكية من غيره على شعبها فليثأروا من الصهيونية التي ورّطتهم لكن الشعب العراقي امام العدو المحتل، وعليه ان يقتصّ منه.

الامريكان اصلا، بنوا مشروعهم على قياسات خاطئة جوّعوا شعبا 13 سنة، يعني انهم درّبوه على الصعاب، احد الحسابات الخاطئة، قبيل الغزو بسنوات.

على اساس كان في تفكيرهم ان الذي يختلف مع النظام سوف يكون في صفّهم، لكن العكس حصل...

فالوطنية لا تقاس بالخلافات والاختلافات مع النظام...بل بمدى التزامك باستقلال بلادك. الحساب الخاطئ الآخر تصوّروا ان تجويع الشعب لمدة 13 سنة، سيجعل الناس في العراق يرحّبون بالغزاة.

لكن هيهات...

الحساب الخاطئ الرابع، ضخّموا الزرقاوي الى حدّ العراقيين كوّنوا فصيلا باسم الزرقاوي وسيجعل كبدهم في نحرهم. وهنا يتساءل الناس هل اصبح «الزرقاوي» «عفريتا» حتى يقوم بعمليات بنفس اليوم في الجنوب وفي الشمال وفي وسط العراق؟

نحن شرقيون، نحن البطل الاسطوري... قالوا هناك زرقاوي فابتدعناه مقاومة لكن الكل يعلم ان الزرقاوي مات في شمال العراق قبل الغزو.



* أسألك الآن عن المثقف العربي، وازمات الامة في فلسطين وفي العراق، اي دور له وكيف ترى قراءة التاريخ لفعله الحالي في الازمة، حين يستنطق التاريخ في المستقبل؟

ـ نحن اخذنا على حين غرّة، للاسف يوم 18 ماي 2000، كنت في لبنان وكانت اسرائيل تنسحب... وتجرّ اذيال الخيبة في لبنان.

المثقف العربي في كثير من الاحيان نجده خارج نطاق لا اعرف سببا لانحيازهم للمشروع الامريكي.

نحن المثقفين، يُفترض ان نرى التجارب في التاريخ وكل التجارب قالت ما هو الاحتلال وماهي تجاربه في الدول.

لكن مع ذلك وجدنا بعض المثقفين فمن قال واعتبر ان احتلال العراق هو حسنة وتحديث واعادة إعمار وليس امرا سيئا هذا رغم ان هؤلاء المثقفين هم الذين اطلعوا على تجارب الاحتلالات في التاريخ وليس العامة.

النقطة الاخرى نحن الماركسيين نخضع كل شيء للتحليل المنطقي والعلمي المادي. فكيف تسنّ لبعض المثقفين، ان الامبريالية ولما تغزو بلدا فإن هذا يكون حسنة.

نحن الماركسيين نخضع ونحن صادقون في هذا ان العلاقات الدولية او حركة التاريخ عموما، محكومة بالصراع الطبقي. طيّب. اذا كنت الى حد هذا اليوم وأنا الماركسي العلي، لا اعرف بأن الاحتلال العسكري هو اعلى مراحل الصراع الطبقي حده ووضوحا او لا ارى ان هذه هي الحقيقة اذن، اعذرني فأنا لست ماركسيا ولست وطنيا ايضا اذا تخلّفت عن قراءة هذا الواقع وهذه الحقيقة. وعندنا نحن العراقيين مقولة للرفيق فهد (يوسف سلمان) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي سنة 1934، والذي استشهد في 1948، قال: «أنا وطنيّ قبل أن أكون شيوعيا، وحين صرت شيوعيا، أصبحت اشعر بمسؤولية أكبر تجاه وطني». هذه مقولة لرفيقنا «فهد» بينما نجد كتبة، في عام 1991 وعبر صحيفة«الكويت الدولي» كانوا يكتبون ما «نشيتات» من قبيل: «قوات التحالف تدكّ بغداد دكّا» هم

العراقيون!؟ ويوم في أفريل 2003، صدرت صحيفة «طريق الشعب» لسان حال القيادة المرتدة، تحمل عنوانا: «رفاقنا يحتفلون بعيد ميلاد الحزب (31 مارس) على الجبهات» وهذا يعني أنهم على الجبهة مع الامريكان ضد بلدهم.

وقبلها في 2002، أشهر قبل الحرب والغزو، كتبوا ملاحظة في الصحيفة تقول: زار الملحق العسكري للسفارة الامريكية بسوريا، مقرّنا (الحزب الشيوعي العراقي) في دمشق وتبادل معه وجهات النظر في القضية العراقية»، فهل هناك طامّة او مصيبة أقوى من هذه؟ نحن شربنا معاداة الامبريالية الامريكية مع حليب الامهات، لم يكتب كاتب سياسي عندنا، ولم يقل سابقا، المعسكر الاشتراكي السابق المعادي لامريكا، نحن الماركسيين، من قال مصطلحات من قبيل: الامبريالية الامريكية مصّاصة دماء الشعوب:
والآن، كل هذا ننساه، وما فعلته امريكا في «كمبوديا» و»لاوس» و»لبنان» و»فيتنام». ونتحالف مع الامريكان ضد وطننا. باسم هذا.

ماذا يسمى هذا غير العمالة.

والعمالة ليست وجهة نظر ولا الخيانة كذلك، بل هي فعل رأيناه بأعيينا. والله لو كنّا نقرأ في الكتب تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع الاحتلال الامريكي، لقلنا انها دعاية امريكية، على أية حال، شعبنا لفظهم لفظا... وحتى في هذه الانتخابات الاخيرة لفضوا ممّن تحالفوا معهم، حزب صار له 70 سنة، ولا يحصل على مقعد واحد؟

حكم التاريخ سيكون هكذا: كلّ ما كتبوه، مدحا «للعصرنة» و»حسنات الاحتلال» سيكون لعنات أبدية عليهم... تلاحقهم، كالصرخات التي تنطلق من حناجر العراقيين المكبلين بالاحتلال... المشكلة، نحن نرى ونسمع كل ما يحدث في العراق، ومازلنا نتحدث بجمود.

* هل أطمع في مقارنة بين ما حصل ويحصل عندنا على يد الامبريالية الامريكية، سواء من حيث ممارستها الهيمنة أو من حيث ممارستها الاحتلال، وبين ما يحصل على أيدي واشنطن في بلدان امريكا اللاتينية، إذ الواضح أن بلدان امريكا اللاتينية توصّلت الى فكّ عقدة الهيمنة الامريكية فيما فشلت بلداننا العربية؟

ـ ما أجرته أمريكا في الوطن العربي فعلته بأمريكا اللاتينية، لكنهم تجاوزوا واقع الهيمنة، ووجدوا محفّزا في «شافيز» لكن نحن لا.

لكن نقول ان أملنا في المقاومة. فمثلا، الحزب الشيوعي العراقي «المرتدّ» يقول دائما «35 سنة دكتاتورية»، وهو ينسى أن اللجنة المركزية اجتمعت يوم 28 جويلية 1968، يعني بعد أسبوعين من انقلاب «تموّز» الذي أتى بالبعثيين، وقرّر التخلي عن استلام السلطة.

منذ هذه الفترة وحتى 1981، رسميا، بينما عمليا حتى 1978، كان الحزب «الشيوعي» العراقي حليفا للبعث. إذن لماذا ينكفئ عن الجبهة، عندما يهمّ الامر تعداد سنوات العمل الجبهوي وسلطة البعث المنفردة،. والتي في الحقيقة لم تدم 35 سنة بل هي ذاك الرقم محذوف منه 13 سنة عمل جبهوي «شيوعي ـ بعثي».

* مرت ثلاث سنوات وبعض الايام على يوم 9 أفريل 2003، يوم حزن العرب والشرفاء على بغداد التي وقعت اسيرة بأيدي المغول الجدد، فكيف تقبّل الدكتور المرادي صور غزو بغداد من ساحة الفردوس صبيحة يوم 9 أفريل 2003؟

ـ الحقيقة لم أتقبلها، وإنما استقبلتها العيون بالدموع وبانهيار نفسي. لكننا كنا واثقين ان بغداد وقعت وقعة الاسود في الاسر... والأسد لما يقع، ينهض، وعندما ينهض ينسى الاسر... والحقيقة، لمّا قامت اللبوتين، و»نوشة الشمري» و»وداد الدليمي»، أول استشهاد ديني، كانت الاشارة واضحة، حزن الشعب العراقي هو حزن الاسود..

وهنا أقول وأردّد: نحن نعترف بقانون مكافحة الارهاب... والارهاب هو أمريكي بالدرجة الاولى...
حقيقة كانت اول بشرى لما داسوا احد العملاء بالاحذية... فقد جاء على متن طائرة امريكية... فهجموا عليه بالاحذية... الناس العراقيون هم الذين داسوه بالاحذية.



* لست وحدك من ضمن أطياف المعارضة العراقية، ممن اتخذوا الخارج ملاذا لهم حين اختلفوا مع نظام صدام حسين، لكن مواقفكم، وأنتم كثّر، باتت صورة برّاقة من الشرف والوطنية، فهل في الأمر تحوّل فكري، أم انسجام فكري مع واقع الوطن والأمة؟

ـ لا تحوّل فكري ولا شيء . النظرية الماركسية مبنية على عكس ما تقوم به بعض الذين يدعونها مرجعية لهم.. فهذا مواصلة للنهج الشرعي لا أكثر ولا أقل.. وهو موقف المساند لرغبة الشعوب في العيش بأمان. أما التحوّل أو الارتداد ونكوص مريع، حصل عند الآخرين، أما إذا كنت ماركسيا وانسانيا، لا أقف مع وطني وأصطف مع الاحتلال.. إذن من أنا؟ يجب أن أحدّد الاجابة. السياسة يا سيدتي، والالتزام الفكري ليس مرتبط بمن اختلف معه ومن اتفق، بل بحركة التاريخ وبأهداف الشعب الذي تنتمي إليه، ولا أعتقد ان أهداف الشعب العراقي أو أي شعب في الدنيا هو الخنوع للاحتلال وتسهيل مهامه في وطنه. إذن المسألة مسألة انسجام فكري مع حركة التاريخ ومع المنهل الفكري الأصلي، أي الماركسية.

* اسألك الآن عن المثقف العربي وأزمة الأمة في فلسطين والعراق، فأي دور له الآن، وأي قراءة لك في قول التاريخ فيهم (المثقفون)؟

ـ الآن دور المثقف العربي بالذات، يجب أن يكون التوعية، والحالة الثانية تهم العراق الذي سينتصر حتما، وفي فلسطين لا أحد بإمكانه تكذيب النصر الفلسطيني وستكون الأمة في حالة اندفاع ونهوض.. وهذا الاندفاع والنهوض يجب أن تتهيأ له الأقلام والعقول. هذه فرصة لتساهم العقول والأقلام، في نهوض الأمة، إضافة إلى أني أدعو الماركسين بالأخص وحلفائهم أن يساهموا في اعادة النظر، ليس من حيث طمس الماركسية التي ستبقى الشكل الأرقى، بل كذلك من خلال النهوض بمنهج الفكر العربي بصفة عامة والذي عليه أن يعيد أصحابه ترتيب الأولويات، بين المسألة الوطنية وبين المسألة السياسية التي تهم الحريات الداخلية، لذلك يجب أن نراجع، أسباب السقوط، وهل هناك امكانية لتلاقيها، ولتطوير النظرية الماركسية حيث اغناؤها، نحن لسنا متكبرين على الواقع، فتجارب الشعوب هي التي تثري نظريتنا، وإلا سيفوتنا التاريخ والتاريخ لا يرحم.

إذا هذه الحالة، حالة الاحتلال، وجودنا كأشخاص مهدّد، ولا يراه العديدون أزمة، فمتى يعترفون بالأزمة، حتى ننقرض.. لنبتعد عن الحضارة وعن الكلام الكبير.

كل أمة تنتج وقت أزماتها، والآن الساحة موجودة.. ليتفضل كل يأخذ مكانه إذا لا نقف الآن مع أوطاننا في هذا الوقت العصيب، فمتى سنقف ونتحمل مسؤولياتنا التاريخية، إذ نحن قلنا واعتبرنا أنفسنا سياسيين، ومهتمين بالشأن العام؟ المقاومة العراقية في الحرب هي في قمة الصراع الطبقي.

تونس - الشروق

شبكة البصرة

الاربعاء 27 ربيع الاول 1427 / 26 نيسان 2006

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس