المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بغداد التي لم تسقط



عبدالغفور الخطيب
19-04-2006, 06:49 PM
بغداد التي لم تسقط

قد لا يسلم المرء قطعا بمفصلية تاريخ العشرين من مارس من العام 2003 (تاريخ انطلاق الغزوة الأنجلوأمريكية الكبرى ضد العراق) فيعتبرها (عن صواب أو عن خطأ) أنها مجرد امتداد لحالة من الحصار اللامتناهي لدولة ولشعب ذهب في جريرتها الأخضر واليابس ولم يسلم من عنفها لا الثابت ولا المتحرك سواء بسواء.

وقد لا يسلم المرء أيضا بمفصلية التاريخ إياه على اعتبار أن ما جرى في ذلك اليوم لم يكن له إلا أن يجري للخروج من حالة الاحتقان القصوى التي لم يعد معها لطرفي المعادلة إلا أن ينازلا بعضهما البعض لاستعجال الخروج من ذات الحالة أيا تكن النتائج والتداعيات.

لكن الرأيان معا (بصرف النظر عن صوابهما من عدمه) لا يمكن إلا أن يتماهيا في الاعتقاد بأن صبيحة التاسع من أبريل من العام نفسه (صبيحة سقوط بغداد) إنما تؤسس بامتياز ودونما مزايدة كبرى لبداية مرحلة مفصلية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر بإمكان علماء التاريخ والسياسة أن يقيسوا لاحقها بسابقها دونما عسر كبير:

· فنظام حكم الرئيس صدام حسين تهاوت مقوماته المادية (العسكرية تحديدا) فانصرف بعض من أركان النظام إياه لترتيب سبل المقاومة وذهب البعض الآخر للاعتكاف في منزله بين أهله وقبيلته وعشيرته، فيما فضل البعض الآخر الذود بنفسه في هذه الجهة من العالم أو تلك بانتظار المجهول الآتي أو بانتظار الفرج.

· ومرافق الدولة الكبرى طاولتها في صبيحة التاسع من أبريل (وفيما بعد أيضا) شتى أنواع النهب والتخريب وعاثت العصابات العشوائية (أفرادا وجماعات) فسادا في الأبنية الرسمية فدمرت محتوياتها وسطت على ما بدا لها أنه ذو قيمة أو حتى دونما أن تكون له قيمة مادية أو رمزية تذكر... في حين تكفلت العصابات المنظمة (القادمة من على ظهور الدبابات والمروحيات) بتدمير متاحف العراق وكنوزه التاريخية بعدما تسنى لها السطو على أثمنها وأعمقها ضربا في الحضارة.

· والتمثال الرمزي، المقام نصبه بساحة الفردوس بقلب بغداد، تهافت نفر من البشر مجهول لإسقاطه فلم تسعفهم في ذلك إلا دبابة جند أمريكية عمد بعضهم إلى لف التمثال بعلم أمريكي دونما دراية من لدنه في الأبعاد الرمزية لذات الفعلة.

لم يعد الشك يخالد أحدا أن بغداد سقطت يومها فعلا، بقدر ما خالده بعمق بجهة السر وراء غياب الجيش (لدرجة الذوبان) وبجهة ما بشر به الرئيس العراقي بأن "الأمريكان سينتحرون على أسوار بغداد"... إن هم بلغوها أصلا.

وعلى الرغم من تضارب الأقوال (لدرجة المزايدة المجانية في بعض الأحيان) بأنه كان ثمة تواطؤ ما لدرجة الخيانة من لدن بعض أركان النظام (العسكريين الكبار تحديدا)، فإنه لا تتوفر لحد الساعة وثائق وحجج دامغة تثبت ذلك أو تعري على المتواطئين بالوثيقة والدليل... لدرجة أنه حتى الذين أشير إليهم بالأصبع في ذلك تبرؤوا منه جملة وتفصيلا واستهجنوا أن يصدر عنهم تصرف مثيل.

وإذا كان من الحماقة حقا (في حينه على الأقل) الادعاء بإمكانية صمود بغداد بعدما أضحت البلاد كلها تحت الاحتلال (وقد كان طرفاها الشمالي والجنوبي محرمان على السلطة المركزية قبل العشرين من مارس)، فإنه من الحماقة أيضا مؤاخذة الرئيس صدام حسين كونه لم يدافع على أسوار بغداد (كما تعهد) أمام "التتار الجدد" المدججين بأحدث الطائرات والدبابات والمستعدين لدك بغداد على رؤوس أهلها إن اقتضى الأمر كذلك أو استعصى عليهم أمر دخولها (تماما كما فعل هولاكو من ذي قبل).

لم يكن ثمة من سبيل للمكابرة أمام قوة اعتنقت التدمير إيديولوجيا ولم تتوان في سحق كل من اعترضها بشرا كان أم حجرا سواء بسواء... فسقطت بغداد "دون مقاومة" أو هكذا قيل في حينه.

إلا أن التنظيم العالي الدقة للمقاومة، فيما بعد، يشي اليوم بما لا يدع مجالا للمزايدة بأنها كانت الخيار المعتمد (في العشرين من مارس) والمحبذ (عند مغادرة القيادة لبغداد) والناجع فضلا عن كل هذا وذاك فيما بعد السقوط... أو لم تثبت الأحدات فيما بعد ولحد الساعة بأن المقاومة هي اليوم من صنع أهل بغداد أو على الأقل محتضنة من بين ظهرانيها؟ أو لم تثبت الأحداث أن انسحاب القيادة من بغداد إنما كان تدشينا لعملية الكر والفر التي اعتمدتها المقاومة منذ التاسع من أبريل واتخذت منها الأداة والوسيلة للدفع بجنود الاحتلال إلى الانتحار التدريجي على أسوار بغداد؟ هو كذلك وبالضبط فيما يبدو لنا.

وعلى الرغم من الحسرة الكبرى التي تملكتنا عندما صرح الحاكم الأمريكي للعراق في حينه، بحل حزب البعث وتسريح مئات الآلاف من ضباط وجنود الجيش العراقي، فإن الحسرة الأكبر إنما تمثلت في إلغاء "مجلس الحكم" (وأعضاؤه لقطاء وعملاء وسماسرة ومرتزقة وما سواهم عينهم الاحتلال) للأعياد الوطنية العراقية واعتماد تاريخ التاسع من أبريل "يوما وطنيا" تعطل فيه المصالح وتشد إليه "ذاكرة الأفراد والجماعات".

هل شهد التاريخ حقا حكاما، من ذي قبل، يعتمدون تاريخ سقوط عاصمة بلدانهم (وعبرها كل البلاد) ويسمون بذات التاريخ إلى مرتبة تكريسه عيدا وطنيا تحتفل به الأجيال سنويا للذكرى والرمز؟

يشي الأمر هنا (وهو أمر تأكد مع مرور الزمن) أن الحكام الجدد إنما أرادوا محو تاريخ العراق ورمزية التواريخ السابقة ليثبتوا يوما أهين فيه أهل العراق ونكل بكرامتهم ومرغت هيبتهم وأضحوا تحت الاحتلال المباشر في زمن زعم البعض أن زمن الاحتلالات قد ولى حقيقة دونما رجعة؟

وهل شهد التاريخ، من ذي قبل، تعمد حكام بلد محتل إلى تغيير راية بلدهم والطعن في السائد منها كما لو أن الراية رمز نظام وليست رمز أمة وشعب؟

يبدو من هذا الإجراء أن القصد لم يكن محو مرحلة أساس من تاريخ العراق فحسب، بل أيضا محو الذاكرة الجماعية التي تحتكم إلى رمزية التاريخ إياها الجميل منه كما القبيح سواء بسواء.

هل سقطت بغداد حقا في التاسع من أبريل من العام 2003؟

لا يبدو لنا الأمر كذلك:

· فـ "الحكام الجدد" (بحكومتهم وبرلمانهم ومقرات وزاراتهم وتمثيليات الاحتلال والقائمين على هذا الأخير) لم يستطيعوا التحكم في عاصمة الرشيد على الرغم من سيطرتهم على العراق... بدليل إختبائهم (بالمنطقة الخضراء) خلف اسوار من الإسمنت والحديد محروسون بجيش عرمرم من الجند والآليات المتطورة في الرقابة والتنصت. وحتى بهذه المنطقة فنادرا ما يمشي أحدهم منفردا دونما أن يلتفت من خلفه أو ترتجف أعضاؤه من استهداف ما من هذه الزاوية أو تلك.

· والمقاومة العراقية تضرب في قلب بغداد متى تراءى لها ذلك وتستنفر، ليل نهار، قوات الاحتلال كما القوات المتعاونة معه التي انعدمت من بين ظهرانيها السبل والطرائق لضمان الحد الأدنى من الأمن والطمأنينة لها وللاحتلال.

· والعلم الوطني الذي تكالب عليه أعضاء "مجلس الحكم" بغرض تغييره لم يستطيعوا تغييره سيما بإخراجهم لعلم ماسخ استهجنه العراقيون فاغتالوا بادرته في المهد دونما تردد.

إن بغداد لم تسقط (ومدن كبغداد لا تسقط هكذا)، والذين تملكتهم النشوة عندما دخلوها دونما مقاومة نظامية، هاهم اليوم ينتحرون على أسوارها أو في أفضل الأحوال محاصرين بأسوار من نفس التربة التي بنيت بها بغداد. فليعش العراق العظيم ولتعش بغداد الشامخة أبدا.



د. يحي اليحياوي- باحث وأكاديمي من المغرب
تاريخ الماده:- 2006-04-18

باسل قصي العبادله
20-04-2006, 02:40 AM
السلام و التحيه على الأخوه الكرام جميعا حفظهم الله . كان تاريخا مفصليا لأمتنا بالفعل ففي هذا اليوم سقطت كل قوى الظلم مع سقوط بغداد الذي توهموه أما بغداد الحبيبه فقد كان لها موعد مع هذا التاريخ لبدأ الصعود الى ما تستحقه هذه الأمه العظيمه ومنذ ذلك التاريخ ونحن نلاحظ حركة التنوير التي دبت في الأمه هذا غير الأساس في الأمر و هو الأنتصارات العسكريه اليوميه و على مدار الساعه و حتى الآن فكم نصر أعزنا به الأسود والله لا نستطيع عدها الآن و لكن غدا ستوثق و سنعلم كم هناك من عشرات الآلاف من الأنتصارات التي كانت في سلسلة الحواسم المجيده أعز الله أمتنا و حمى أسودنا وقر أعيننا بالقائد و رجاله الأوفياء المخلصين اللهم آمين .