خالدحسن
14-04-2006, 02:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله محمد خير الأنام وسلام على كل من يقرأ هذا الكلام
لعلنا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه في زمن الفتنة الذي نعيشه اليوم .. فقد ساد الظلم وطغى الجهل وعم الفساد في الأرض بما كسبت أيدي الناس..وأصبح المسلم اليوم يتخبط لا يدري من يؤيد ومن يعارض..فنحن في زمن يخون فيه الأمين ويؤتمن فيه الخائن وينطق فيه الرويبضة يتحدث في أمور الناس
زمن أخبرنا عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم يكون فيه قوم ودعاة على أبواب جهنم ألسنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب العجم .. ولكنه أخبرنا كذلك بالمخرج من الفتن التي يصبح فيها الحليم حيرانا : "تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ "
فهل نتبع كلامه ونتمسك بكتاب الله وسنة نبيه تمسكا قويا ليس له مثيل .. نعم لن ينجو من هذه الفتنة إلا من تمسك بهما تمسك الغريق بأي شيء ينقذه ونحن يجب أن نتمسك بهما تمسك الغريق بيد النجدة .. ويجب أن نتضرع إلى الله تضرع الغريق إلى ربه .. هل تتصورون كيف يكون من في البحر أو في الظلمات وهو يناجي ربه ويدعوه أن ينجيه منها .. لن ينفعكم سوى فعل ذلك .. فالأيام القادمة هي أيام التمحيص والغربلة
فعدالة رب السماء تأبى أن تمنح النصر لمن لا يستحقه .. وعدالة رب السماء تأبى أن يستفيد قوم من جهاد قوم مؤمنين فينسبون النصر إلى أنفسهم
وسأدخل في لب الموضوع وجوهر الخطاب
فهذه آيات من كتاب الله سنحاول أن نقيسها على واقعنا كي نعلم أين موقع كل واحد منا ولن تكفيني صفحات هذا المنبر للتعبير عن الدروس التي نستفيدها من كلام الله وآياته التي لا تنقضي .. فكلمات الله لا تنتهي معانيها ولا يستطيع أحد حصرها
((قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا))
سأذكر لكم هذه القصة من سورة البقرة وسنقف إن شاء الله عند بعض الآيات فيها ونتأمل في معانيها ومدى ارتباطها بواقعنا اليوم
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
ونذكركم أننا نعيش اليوم في زمن أخبرنا عنه النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال لنا حديثا ما ظننت أن الناس اليوم قد فهمت سبب ذكره ومدى علاقته بقصص من كانوا قبلنا في القرآن فقد أخذوا القشور والأمور الظاهرة مثل اتباع اليهود والنصارى في زماننا هذا وكيف أن المسلمين أصبحوا يقلدونهم في كل شيء حتى في صغائر الأمور من لباس وأعياد وغيرها من المظاهر التي تثبت صحة قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(( لتتبعن سنن من كان قبلكم "حذو القذة بالقذة"، شبراً بشبر، ذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قيل يا رسول الله اليهود والنصارى. قال: فمن؟)) حديث صحيح
ولكن المعنى الأعمق لهذا الحديث هو أننا سنمشي على نهجهم وسيحصل لنا ما حصل معهم وكما إن اليهود والنصارى افترقوا على بضع وسبعين شعبة فإننا كذلك سيحصل لنا وقد حصل الآن
لذلك فإن علينا الاستفادة مما ذكره الله لنا عنهم حتى لا نكون من الذين أخطوا بل نأخذ العبرة من قصصهم ونتعلم من القرآن كيف نتصرف في زماننا هذا .. فاليهود والنصارى حرفوا كلام الله فهل نحن بعيدون عن ذلك؟
ربما أن الفرق بين المسألتين هو أنهم حرفوا النص والمعنى حين اتبعوا كلام أحبارهم ورهبانهم ولم يحفظوا كلام الله ويجعلونه مصدرهم الأول أما نحن فقد ضيعنا الفهم الصحيح لكتاب الله فحرفنا معانيه .. فلم يعد القرآن اليوم كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أصبح الواحد من المسلمين اليوم يتلوه لا يجاوز تراقيه (أي انه يتلوه بلسانه ولا يصل معنى كلام الله إلى قلبه حين يقرأ القرآن)
فحتى كلمة قرآن فقدت معناها ولولا أن الله قد أراد منا أن نقرأ كلامه في كل حين وأن نجعل كلامه مرجعا لنا في كل أمور دنيانا لما سماه قرآنا .. القرآن يعني أن نقرأ ونقرأ ونقرأ كتاب الله حتى يصبح قرآنا كما أراده الله
ولكننا اليوم وكما قلت أصبحنا مثل من سبقنا فضاع منا كتاب الله بل وأصبح القرآن لا يرجع إليه إلا لمعرفة الأحكام الشرعية وغالبا ما يكون الرجوع إليه عبر نقل الآيات من كتب الفقه وكلام الذين سبقونا من أهل العلم ولا يكون الرجوع إلى كتاب الله مباشرة .. وإذا قرئ القرآن فإن الاهتمام الأول يكون هو التلاوة أما من أراد أن يفهم كلام الله فلابد له أن يفتح كتب التفسير أمامه
فكيف يكون قرآنا ومنهاجا لنا في حياتنا ونحن لا نستطيع التواصل مع الله مباشرة عبر كلامه سبحانه؟ كيف لنا أن نعلم الحق من الباطل وأن ننير قلوبنا في هذا البحر من الظلام إذا لم نجعل القرآن مدرسة لنا نتعلم منها كل أمور حياتنا؟
روي أن بن عباس كان يقول "لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في القرآن" .. وقارنوا كيف كان ارتباطه بكلام الله في كل أموره وكيف هو ارتباطنا نحن بكلام الله
شتان ما بيننا وبين القرن الأول من الإسلام خير القرون
وليس شرطا أن يكون الإنسان متقنا للغة القرآن اللغة العربية ولكن الأهم أن يكون القرآن هو مصدره الأول في كل الأمور وأن يقرأ القرآن بهدف التدبر والعبادة و والله إن الله سيهديه للحق وسينير له طريقه إذا أخلص لله
فهناك فرق كبير بين من يقرأ القرآن آناء الليل والنهار ثم يسأل أهل العلم عن معنى كلام الله بهدف الالتزام بكلامه والاستفادة منه وبين من يقرأ تفسير القرآن للدراسة مثلا .. فرق كبير بين من يؤمن بكتاب الله إيمانا ملازما له مدى الحياة وبين من يصدق أن القرآن كلام الله ولا يتذكره إلا عند الحاجة إلى الاستشهاد بآية أو نص .. فالإيمان بالكتاب هو ملازمة معانيه واستقرارها في القلب مدى الحياة حتى تصبح هي النور الذي يبصر به قلب المؤمن في كل أمر من أموره.
لن أطيل حول الإيمان بكتاب الله ولكنني ذكرت ذلك تمهيدا للقول أننا فعلا اتبعنا سنن من كانوا قبلنا وحرفنا كتاب الله كما حرفوه ولكن مع فارق أن الله تكفل بحفظ نصه حتى يرجع إليه المؤمنون الصادقون وينهلوا منه مباشرة في أي زمان ومكان.
أوليس هناك من يحرم ما أحل الله ويحل ما حرم الله فيتبعهم الناس علما بأن القرآن يقول عكس ذلك ولكن الناس قد ابتعدت عن كلام الله فلم تعرف الحلال من الحرام واتبعت ما يقوله لها "أحبارها ورهبانها" أي من يسمون أنفسهم علماء اليوم .. بل وإن منهم من يتعمد أن يحذف آيات من كتاب الله في مناهجهم الدراسية ومنهم من يتعمد أن لا يقول بعض آيات الله أمام الناس حتى لا يحرج بعض طواغيت هذا العصر ... الخ
***************************
عودة إلى الآية
نقول إن ما جاء ذكره في هذه الآيات مما قد حصل في ذلك الزمان لازال يحصل في كل زمان ولكن علينا أن نفهم العبرة وأن نطبقها على واقعنا كي ينصرنا الله
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
كثير من أبناء أمتنا اليوم يقولون نفس الشيء ويقولون نريد قائدا للمسلمين نقاتل تحت رايته فنحن نريد الجهاد ولكن حالنا وأوضاعنا لا تسمح لنا بالقتال في سبيل الله فالحدود مغلقة والمسلمون متفرقون ومختلفون فكيف سنعرف أين هي راية الجهاد وكيف لنا أن نعلم هل كل هذه الجماعات التي تنادي بالجهاد هي على صواب أم خطأ؟ فلو وجد هذا القائد وكانت صفوفنا موحدة فإننا سنقاتل في سبيل الله لا محالة!
قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ
ونقول لهؤلاء الذين يريدون الجهاد نفس السؤال
قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا
نعم هو نفس الجواب اليوم وكلنا نقول كيف لا نقاتل في سبيل الله لو بعث الله لنا قائدا يقودنا ؟
كيف لا نقاتل ونحن أخرجنا من ديارنا وأبنائنا
كيف لا نقاتل في سبيل الله وقد هجم الأعداء علينا واخذوا أرضنا ونهبوا ثرواتنا؟
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
نعم أيها الناس فسوف يكتب عليكم القتال ولكن احذروا أن تكونوا من الظالمين وإياكم أن تفتنوا ويضيع إيمانكم
فهاهو القتال كتب على أهل العراق فتولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين فطوبى لهؤلاء القلة من المؤمنين
وحينما أنتهي من الكلام عن السبب ستتضح الصورة أكثر وما يحصل بالعراق هو مقدمة لما سنشهده في باقي الأماكن
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)
أول اختبار حقيقي :
هل سيرضى من يدعون أنهم يريدون الجهاد بشخص يعتبرونه أقل منهم شأنا أن يحكمهم ويقودهم؟؟؟؟؟؟؟؟
من الأحق ومن الأولى بالقيادة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هذه أول فتنة سيتعرض لها المسلمون
والصواب أن نقول ليس مهما من سيكون قائدا علينا ولكن المهم أن يكون تنفيذ كلام الله هو الأساس
ليس مهما إن كان القائد من جماعتنا أو من فئتنا أو كان القائد من جهة أخرى ربما نعتبرها أبعد ما تكون عن حق قيادة هذه المرحلة الخطيرة
ألم يكن اليهود يقولون في زمن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقبل نزول الوحي أن هذا الزمان هو زمان أحد الأنبياء وقد ظهرت كل البشارات وأظلنا زمانه
ألم يكونوا يعتقدون أن هذا النبي سيكون منهم ومن قومهم لأنهم هم أهل الكتاب ومن كانوا يستفتحون عليهم كانوا أهل شرك وعباد أوثان؟
وحين جاء أمر الله تكبروا وكفروا وجحدوا بما عرفوا من الحق فلعنة الله على الظالمين
فلنحذر أن نتكبر أو أن نتصرف مثلهم ولنعلن أننا سنرضى بأي شخص يقودنا طالما أنه يمشي على نهج النبوة ويتبع ما أمرنا الله به
إياكم أيها الناس أن تقعوا في الفتنة وتقولوا هذه الجماعة أحق بالقيادة لأنها هي صاحبة التاريخ العريق أو أنها هي أكثر الجماعات التزاما بشرع الله وأنها تستحق القيادة لأنها ضحت في زمن كان فيه غيرها نائمين
إياكم أن تختلفوا وارجعوا إلى كتاب الله وسنة نبيه ولا ترجعوا إلى الأسماء التي سميتموها أنتم وآباؤكم
لا تتكبروا ولا تتغنوا بأمجادكم وأمجاد آبائكم ولا بأمجاد فئتكم أو جماعتكم فليس مفتاح الجنة عند هؤلاء بل باتباع كلام الله وحده لا شريك له وليس معنى الكلام أن هؤلاء الجماعات على ضلال أو أن لا ينتمي المسلم لها ولكن التشبث بهم وبالاسم الذي يحملونه أكثر من التشبث بكلام الله هو عين الضلال وإن كان شعارهم هو كتاب الله وسنة رسوله وإن كانوا على حق ويطبقون الشعار!
وعلينا معرفة الفرق بين التشبث بالكتاب والسنة والارتباط بكلام الله وبين الانتماء إلى جماعة ترفع راية الإسلام والتوحيد من أجل تطبيق كتاب الله وسنة نبيه أو أي جماعة أو حزب كل حسب ظروفه .. فالأصل هو الكتاب والسنة وهما مغزى التشبث أما الجماعة فهي وسيلة نتشبث بها أو برأي قادتهاولكن ليس أكثر من تشبثنا بكلام الله ولا نضيع وقتنا في المهم وننسى الأهم
ونعود ونطرح السؤال الذي يجب على كل واحد منا أن يوجهه على من سيكون قائدا له:
ليس يهمني أي جماعة أو حزب تتبع ولا يهمني أي شهادة تحمل وليس يعنيني من أي البلدان أنت أو مستوى دهاؤك وقدرتك على فن السياسة ما يهمني هو أنت ومدى التزامك بكلام الله وكيف هو خلقك ودينك وإيمانك وما دون ذلك فلا يعنيني في شيء
وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248)
قد تختلف آية الملك اليوم ولكن الله إذا أراد أن يؤتي عبدا من عباده الصالحين الملك فلابد أن يجعل له آية تلجم أفواه من سيعارضونه ويقولون أنه لا يستحق الملك
والملك يختلف معناه فليس شرطا أن يكون ملكا بمفهوم ملوك اليوم ولكن أن يكون له ملك أي أن يمتلك سلطانا على الناس فيكون قائدا لهم.
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ
هنا سيبدأ الاختبار الحقيقي لإيمان الناس الذين يريدون القتال في سبيل الله
فلما فصل طالوت بالجنود:
فمن خرج للقتال خرج وهو مؤمن أنه ذاهب للقتال والجهاد في سبيل الله وكلهم كانوا جنودا تحت إمرته راضون به قائدا عليهم .. فكيف نصر الله المؤمنين وما الذي حصل معهم ؟
ما هي سنة الله في النصر وما هو السر الضائع في زماننا هذا الذي لم يتحقق معه النصر رغم قتال عشرات السنين والله يقول إن تنصروا الله ينصركم ولم يقل إن تنصروا الله سينصر الأجيال القادمة فالطريق طويل ويحتاج إلى تضحيات أجيال كثرة حتى ننال النصر!!!!
بل إن النصر سيكون حليف من خرج للقتال في سبيل الله وما ذلك على الله بعزيز ولكن علينا تحقيق الشرط أولا:
فلنتعلم من هذه القصة أسباب النصر حتى نكون من صناعه لأن النصر قادم لا محالة وقريب جدا ولكن علينا أن نكون من صناعه وأحد أسبابه إن كنا نريد الفوز العظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
فالنصر قادم يا إخوتي لا محالة
وقريب جدا لمن لم يكن على عجالة
وحق يقين لمن ليس في قلبه ضلالة
فراح قبل فوات الأوان يراجع أعماله
بأن ساهم في تحقيق النصر وإحلاله
بائعا في سبيل ذلك نفسه وماله
وكيف لا؟
وهو إلى الله مصيره ومآلــه
ومن لم ينتصر فقد ضيع آماله
وأصبح فريسة لمن ألقى حباله
فإما منصور أو مهزوم وأمر ثالث استحالة
فحدد مع أي منهما أنت دون إطالة
فلا وقت لا وقت لمن أراد للحلم اكتماله
الاختبار الأول:
الاختبار الأول هو النهر الذي فرق بين المؤمنين الصابرين وبين المنافقين
وفي القصة وحسب ما ذكرته التفاسير فإن من خرجوا للقتال كانوا نحو ثمانين ألفا ولم يجاوز معه النهر سوى أربعة آلاف!!!!
ولا يعنينا العدد الآن بالتحديد أو ما ذكرته التفاسير ولكن المهم أن من اجتازوا معه النهر كانوا قلة قليلة ممن خرجوا للقتال معه
إذن فعلينا أن نعلم أن من سيصمدون ويكونوا مؤهلين لدخول المعركة هم نسبة قليلة من هؤلاء المتحمسين للقتال أما البقية فإنهم غير مستعدين وسيسقطون عند أول اختبار "فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ"
فالمعركة بحاجة إلى رجال صابرين ويطيعون الله ما أمرهم ويصبرون حتى لو وجدوا أمامهم كل المغريات التي تقول لهم أنه لا حرج في مخالفة أمر الله
فلنتدرب على الاختبار الأول ولنتعلم الالتزام بالأوامر مهما بدت لنا غير مهمة أو غير منطقية
ولنتعلم الصبر ومنع أنفسنا من الشهوات والمغريات التي تدعونا لمخالفة أوامر الله .. وإلا فإننا لن نصمد لحظة الاختبار الحقيقي وسنكون من الظالمين والعياذ بالله وسيكون موقفنا مخزيا جدا ساعة الحساب
ولا تنسوا أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يمكن أن يفرض علينا شيئا فوق طاقتنا فقد سمح لهم طالوت بأخذ غرفة من النهر عند الضرورة .. فليس كل الناس سواء والصبر يختلف من شخص لآخر كما الإيمان بل إنه يزيد وينقص عند نفس الشخص فنسأل الله أن يثبت قلوبنا على الإيمان
فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
الاختبار الثاني :
لحظة المواجهة هناك من المؤمنين من يضعف يقينه بالله وبقدرته على نصرتهم وسوف نجد في زماننا من يقول أننا لن نستطيع تحقيق النصر عند أول مواجهة وسيقولون لا طاقة لنا اليوم بهم إنهم أكثر منا فنحن قليلون ونحتاج إلى جيش كبير كي نستطيع مواجهتهم ونحتاج إلى سلاح يوازي قوتهم ويصمد أمام أسلحتهم الجبارة والفتاكة
نعم فمن ضعف إيمانهم سيشعرون بالقلة وإن كانوا من الصابرين! خصوصا أن عددهم سيكون مخالفا لما كان عليه لحظة خروجهم للقتال .. فقد خرجوا بالألوف المؤلفة ولم يجتز منهم الاختبار سوى القليل فكيف لهذه الفئة القليلة أن تصمد أمام أقوى قوة على الأرض في نظرهم!!!!
أما المؤمنون الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم - وكم هي عظيمة هذه الكلمة - فيقولون كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله
نعم فإن الذين يشتاقون لله ويحبون الله ولا يفارقهم نور الله الذي يسكن في قلوبهم وصلتهم قوية به وبكلامه فإنهم سيقومون بتذكير إخوانهم المؤمنين بأن الله قد نصر من سبقهم وهم قلة.. وهذه سنة الله ولابد أن تمضي فيهم كما مضت في الذين من قبلهم
ولن تجد لسنة الله تبديلا .. وما من سبب يجعل سنة الله تتعطل في هذا الزمان أيضا
وكذلك فإنهم يذكرونهم بأنهم اجتازوا الاختبار الأول أي إنهم من الصابرين .. والله يقول "إن الله مع الصابرين" وكيف يخاف أو يرتاب من كان الله معه؟؟ كيف نشك في قدرتنا على تحقيق النصر والله معنا ما دمنا من الصابرين وإن الله مع الصابرين؟
هذه هي الحال لحظة اللقاء فئة تهزم -نفسيا- وفئة تثبت وتذكر الآخرين بالله وتذكر الله كثيرا
الاختبار الثالث:
َولَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
يقال أن الذين اجتازوا الاختبار الثالث من المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقوا الله هم ثلاثمائة وبضعة عشر وأن عدة أهل بدر في عهد رسول الله كانت مثل عدتهم!
إذن فالذين خاضوا المعركة وثبتوا هم قلة من القلة المؤمنة الصابرة!!!
هؤلاء هم الذين يقول فيهم الله إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم .. لأنهم حققوا شرط النصرة وسألوه لحظة المواجهة بأن يثبتهم وهم موقنون بالإجابة فأجابهم وثبت أقدامهم وقذف في قلوب أعدائهم الرعب
نعم هؤلاء لجئوا إلى الله عند الشدة وطلبوا منه أنم يثبتهم ولم ينهزموا و((قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ))
قالوها وهم موقنون بالإجابة .. قالوها وهم يذكرون الله كثيرا فاستجاب لهم
هؤلاء القلة هم سبب النصر أيها الناس
لا نقول أنهم هم المؤمنون ومن سواهم كافرون ولكننا نقول أنهم هم الذين يستحقون النصر من عند الله وأنهم قادرون على هزيمة أقوى قوة على وجه الأرض بإذن الله الواحد الأحد القوي العزيز الجبار
فلنحرص على أن نكون منهم ومثلهم .. فلعلنا إن لم نكن منهم نكون قد سعينا إلى أن نكون مثلهم ونكون من الفئة المؤمنة لعل ذلك يشفع لنا عند الله .. أما إذا لم نحرص على أن نكون من صناع النصر الحقيقيين فإننا ربما سنكون من فئة المنافقين والعياذ بالله .. فلنطلب أعلى الدرجات ولنعمل لذلك لعل الله يغفر لنا ذنوبنا ويكفر عنا سيئاتنا .. فمن يضمن لنا أننا لو قسم الناس إلى فسطاطين لا ثالث لهما أننا سنكون من فسطاط المؤمنين وليس فسطاط المنافقين .. اللهم اجعلنا مع فسطاط المؤمنين .. اللهم اجعلنا من جندك فإن جندك هم الغالبون
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
نعم هزموهم بإذن الله وليس بتضحياتهم أو تضحيات آبائهم كما يحلوا للبعض أن يتغنى في هذه الأيام .. هزموهم بإذن القوي المتعال وليس بعدد الضحايا الذين قتلوهم من العدو كما يتسابق البعض في عد الضحايا من الأعداء أيا كان نوعهم في هذه الأيام .. هزموهم بإذن الله والفضل يعود لله وحده وليس لأي فئة أو حزب أو جماعة .. فلنحرص على عدم الوقوع في الخطأ وأن لا نقول أننا نحن الذين حققنا الانتصار لأن النصر من عند الله وحده
((وما النصر إلا من عند الله))
وهذه سنة الله وحكمته بأن يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء فلا يدعي أحد أنه أحق بالملك من غيره أو أنه قتل من العدو أكثر من غيره وجاهد أكثر منه
*******************
وهذه هي سنة الله بان يسخر للناس فئة تدفع عنهم الشر
وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
نعم إنها سنة التدافع التي ستقضي على طواغيت هذا العصر وسيدفع الله شر طاغوت هذا العصر عن الإنسانية جمعاء .. فلولا هذه الفئة التي ستتصدى لطاغوت الشر العالمي لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
فالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
لعلنا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه في زمن الفتنة الذي نعيشه اليوم .. فقد ساد الظلم وطغى الجهل وعم الفساد في الأرض بما كسبت أيدي الناس..وأصبح المسلم اليوم يتخبط لا يدري من يؤيد ومن يعارض..فنحن في زمن يخون فيه الأمين ويؤتمن فيه الخائن وينطق فيه الرويبضة يتحدث في أمور الناس
زمن أخبرنا عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم يكون فيه قوم ودعاة على أبواب جهنم ألسنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب العجم .. ولكنه أخبرنا كذلك بالمخرج من الفتن التي يصبح فيها الحليم حيرانا : "تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ "
فهل نتبع كلامه ونتمسك بكتاب الله وسنة نبيه تمسكا قويا ليس له مثيل .. نعم لن ينجو من هذه الفتنة إلا من تمسك بهما تمسك الغريق بأي شيء ينقذه ونحن يجب أن نتمسك بهما تمسك الغريق بيد النجدة .. ويجب أن نتضرع إلى الله تضرع الغريق إلى ربه .. هل تتصورون كيف يكون من في البحر أو في الظلمات وهو يناجي ربه ويدعوه أن ينجيه منها .. لن ينفعكم سوى فعل ذلك .. فالأيام القادمة هي أيام التمحيص والغربلة
فعدالة رب السماء تأبى أن تمنح النصر لمن لا يستحقه .. وعدالة رب السماء تأبى أن يستفيد قوم من جهاد قوم مؤمنين فينسبون النصر إلى أنفسهم
وسأدخل في لب الموضوع وجوهر الخطاب
فهذه آيات من كتاب الله سنحاول أن نقيسها على واقعنا كي نعلم أين موقع كل واحد منا ولن تكفيني صفحات هذا المنبر للتعبير عن الدروس التي نستفيدها من كلام الله وآياته التي لا تنقضي .. فكلمات الله لا تنتهي معانيها ولا يستطيع أحد حصرها
((قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا))
سأذكر لكم هذه القصة من سورة البقرة وسنقف إن شاء الله عند بعض الآيات فيها ونتأمل في معانيها ومدى ارتباطها بواقعنا اليوم
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
ونذكركم أننا نعيش اليوم في زمن أخبرنا عنه النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال لنا حديثا ما ظننت أن الناس اليوم قد فهمت سبب ذكره ومدى علاقته بقصص من كانوا قبلنا في القرآن فقد أخذوا القشور والأمور الظاهرة مثل اتباع اليهود والنصارى في زماننا هذا وكيف أن المسلمين أصبحوا يقلدونهم في كل شيء حتى في صغائر الأمور من لباس وأعياد وغيرها من المظاهر التي تثبت صحة قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(( لتتبعن سنن من كان قبلكم "حذو القذة بالقذة"، شبراً بشبر، ذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قيل يا رسول الله اليهود والنصارى. قال: فمن؟)) حديث صحيح
ولكن المعنى الأعمق لهذا الحديث هو أننا سنمشي على نهجهم وسيحصل لنا ما حصل معهم وكما إن اليهود والنصارى افترقوا على بضع وسبعين شعبة فإننا كذلك سيحصل لنا وقد حصل الآن
لذلك فإن علينا الاستفادة مما ذكره الله لنا عنهم حتى لا نكون من الذين أخطوا بل نأخذ العبرة من قصصهم ونتعلم من القرآن كيف نتصرف في زماننا هذا .. فاليهود والنصارى حرفوا كلام الله فهل نحن بعيدون عن ذلك؟
ربما أن الفرق بين المسألتين هو أنهم حرفوا النص والمعنى حين اتبعوا كلام أحبارهم ورهبانهم ولم يحفظوا كلام الله ويجعلونه مصدرهم الأول أما نحن فقد ضيعنا الفهم الصحيح لكتاب الله فحرفنا معانيه .. فلم يعد القرآن اليوم كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أصبح الواحد من المسلمين اليوم يتلوه لا يجاوز تراقيه (أي انه يتلوه بلسانه ولا يصل معنى كلام الله إلى قلبه حين يقرأ القرآن)
فحتى كلمة قرآن فقدت معناها ولولا أن الله قد أراد منا أن نقرأ كلامه في كل حين وأن نجعل كلامه مرجعا لنا في كل أمور دنيانا لما سماه قرآنا .. القرآن يعني أن نقرأ ونقرأ ونقرأ كتاب الله حتى يصبح قرآنا كما أراده الله
ولكننا اليوم وكما قلت أصبحنا مثل من سبقنا فضاع منا كتاب الله بل وأصبح القرآن لا يرجع إليه إلا لمعرفة الأحكام الشرعية وغالبا ما يكون الرجوع إليه عبر نقل الآيات من كتب الفقه وكلام الذين سبقونا من أهل العلم ولا يكون الرجوع إلى كتاب الله مباشرة .. وإذا قرئ القرآن فإن الاهتمام الأول يكون هو التلاوة أما من أراد أن يفهم كلام الله فلابد له أن يفتح كتب التفسير أمامه
فكيف يكون قرآنا ومنهاجا لنا في حياتنا ونحن لا نستطيع التواصل مع الله مباشرة عبر كلامه سبحانه؟ كيف لنا أن نعلم الحق من الباطل وأن ننير قلوبنا في هذا البحر من الظلام إذا لم نجعل القرآن مدرسة لنا نتعلم منها كل أمور حياتنا؟
روي أن بن عباس كان يقول "لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في القرآن" .. وقارنوا كيف كان ارتباطه بكلام الله في كل أموره وكيف هو ارتباطنا نحن بكلام الله
شتان ما بيننا وبين القرن الأول من الإسلام خير القرون
وليس شرطا أن يكون الإنسان متقنا للغة القرآن اللغة العربية ولكن الأهم أن يكون القرآن هو مصدره الأول في كل الأمور وأن يقرأ القرآن بهدف التدبر والعبادة و والله إن الله سيهديه للحق وسينير له طريقه إذا أخلص لله
فهناك فرق كبير بين من يقرأ القرآن آناء الليل والنهار ثم يسأل أهل العلم عن معنى كلام الله بهدف الالتزام بكلامه والاستفادة منه وبين من يقرأ تفسير القرآن للدراسة مثلا .. فرق كبير بين من يؤمن بكتاب الله إيمانا ملازما له مدى الحياة وبين من يصدق أن القرآن كلام الله ولا يتذكره إلا عند الحاجة إلى الاستشهاد بآية أو نص .. فالإيمان بالكتاب هو ملازمة معانيه واستقرارها في القلب مدى الحياة حتى تصبح هي النور الذي يبصر به قلب المؤمن في كل أمر من أموره.
لن أطيل حول الإيمان بكتاب الله ولكنني ذكرت ذلك تمهيدا للقول أننا فعلا اتبعنا سنن من كانوا قبلنا وحرفنا كتاب الله كما حرفوه ولكن مع فارق أن الله تكفل بحفظ نصه حتى يرجع إليه المؤمنون الصادقون وينهلوا منه مباشرة في أي زمان ومكان.
أوليس هناك من يحرم ما أحل الله ويحل ما حرم الله فيتبعهم الناس علما بأن القرآن يقول عكس ذلك ولكن الناس قد ابتعدت عن كلام الله فلم تعرف الحلال من الحرام واتبعت ما يقوله لها "أحبارها ورهبانها" أي من يسمون أنفسهم علماء اليوم .. بل وإن منهم من يتعمد أن يحذف آيات من كتاب الله في مناهجهم الدراسية ومنهم من يتعمد أن لا يقول بعض آيات الله أمام الناس حتى لا يحرج بعض طواغيت هذا العصر ... الخ
***************************
عودة إلى الآية
نقول إن ما جاء ذكره في هذه الآيات مما قد حصل في ذلك الزمان لازال يحصل في كل زمان ولكن علينا أن نفهم العبرة وأن نطبقها على واقعنا كي ينصرنا الله
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
كثير من أبناء أمتنا اليوم يقولون نفس الشيء ويقولون نريد قائدا للمسلمين نقاتل تحت رايته فنحن نريد الجهاد ولكن حالنا وأوضاعنا لا تسمح لنا بالقتال في سبيل الله فالحدود مغلقة والمسلمون متفرقون ومختلفون فكيف سنعرف أين هي راية الجهاد وكيف لنا أن نعلم هل كل هذه الجماعات التي تنادي بالجهاد هي على صواب أم خطأ؟ فلو وجد هذا القائد وكانت صفوفنا موحدة فإننا سنقاتل في سبيل الله لا محالة!
قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ
ونقول لهؤلاء الذين يريدون الجهاد نفس السؤال
قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا
نعم هو نفس الجواب اليوم وكلنا نقول كيف لا نقاتل في سبيل الله لو بعث الله لنا قائدا يقودنا ؟
كيف لا نقاتل ونحن أخرجنا من ديارنا وأبنائنا
كيف لا نقاتل في سبيل الله وقد هجم الأعداء علينا واخذوا أرضنا ونهبوا ثرواتنا؟
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
نعم أيها الناس فسوف يكتب عليكم القتال ولكن احذروا أن تكونوا من الظالمين وإياكم أن تفتنوا ويضيع إيمانكم
فهاهو القتال كتب على أهل العراق فتولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين فطوبى لهؤلاء القلة من المؤمنين
وحينما أنتهي من الكلام عن السبب ستتضح الصورة أكثر وما يحصل بالعراق هو مقدمة لما سنشهده في باقي الأماكن
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)
أول اختبار حقيقي :
هل سيرضى من يدعون أنهم يريدون الجهاد بشخص يعتبرونه أقل منهم شأنا أن يحكمهم ويقودهم؟؟؟؟؟؟؟؟
من الأحق ومن الأولى بالقيادة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هذه أول فتنة سيتعرض لها المسلمون
والصواب أن نقول ليس مهما من سيكون قائدا علينا ولكن المهم أن يكون تنفيذ كلام الله هو الأساس
ليس مهما إن كان القائد من جماعتنا أو من فئتنا أو كان القائد من جهة أخرى ربما نعتبرها أبعد ما تكون عن حق قيادة هذه المرحلة الخطيرة
ألم يكن اليهود يقولون في زمن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقبل نزول الوحي أن هذا الزمان هو زمان أحد الأنبياء وقد ظهرت كل البشارات وأظلنا زمانه
ألم يكونوا يعتقدون أن هذا النبي سيكون منهم ومن قومهم لأنهم هم أهل الكتاب ومن كانوا يستفتحون عليهم كانوا أهل شرك وعباد أوثان؟
وحين جاء أمر الله تكبروا وكفروا وجحدوا بما عرفوا من الحق فلعنة الله على الظالمين
فلنحذر أن نتكبر أو أن نتصرف مثلهم ولنعلن أننا سنرضى بأي شخص يقودنا طالما أنه يمشي على نهج النبوة ويتبع ما أمرنا الله به
إياكم أيها الناس أن تقعوا في الفتنة وتقولوا هذه الجماعة أحق بالقيادة لأنها هي صاحبة التاريخ العريق أو أنها هي أكثر الجماعات التزاما بشرع الله وأنها تستحق القيادة لأنها ضحت في زمن كان فيه غيرها نائمين
إياكم أن تختلفوا وارجعوا إلى كتاب الله وسنة نبيه ولا ترجعوا إلى الأسماء التي سميتموها أنتم وآباؤكم
لا تتكبروا ولا تتغنوا بأمجادكم وأمجاد آبائكم ولا بأمجاد فئتكم أو جماعتكم فليس مفتاح الجنة عند هؤلاء بل باتباع كلام الله وحده لا شريك له وليس معنى الكلام أن هؤلاء الجماعات على ضلال أو أن لا ينتمي المسلم لها ولكن التشبث بهم وبالاسم الذي يحملونه أكثر من التشبث بكلام الله هو عين الضلال وإن كان شعارهم هو كتاب الله وسنة رسوله وإن كانوا على حق ويطبقون الشعار!
وعلينا معرفة الفرق بين التشبث بالكتاب والسنة والارتباط بكلام الله وبين الانتماء إلى جماعة ترفع راية الإسلام والتوحيد من أجل تطبيق كتاب الله وسنة نبيه أو أي جماعة أو حزب كل حسب ظروفه .. فالأصل هو الكتاب والسنة وهما مغزى التشبث أما الجماعة فهي وسيلة نتشبث بها أو برأي قادتهاولكن ليس أكثر من تشبثنا بكلام الله ولا نضيع وقتنا في المهم وننسى الأهم
ونعود ونطرح السؤال الذي يجب على كل واحد منا أن يوجهه على من سيكون قائدا له:
ليس يهمني أي جماعة أو حزب تتبع ولا يهمني أي شهادة تحمل وليس يعنيني من أي البلدان أنت أو مستوى دهاؤك وقدرتك على فن السياسة ما يهمني هو أنت ومدى التزامك بكلام الله وكيف هو خلقك ودينك وإيمانك وما دون ذلك فلا يعنيني في شيء
وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248)
قد تختلف آية الملك اليوم ولكن الله إذا أراد أن يؤتي عبدا من عباده الصالحين الملك فلابد أن يجعل له آية تلجم أفواه من سيعارضونه ويقولون أنه لا يستحق الملك
والملك يختلف معناه فليس شرطا أن يكون ملكا بمفهوم ملوك اليوم ولكن أن يكون له ملك أي أن يمتلك سلطانا على الناس فيكون قائدا لهم.
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ
هنا سيبدأ الاختبار الحقيقي لإيمان الناس الذين يريدون القتال في سبيل الله
فلما فصل طالوت بالجنود:
فمن خرج للقتال خرج وهو مؤمن أنه ذاهب للقتال والجهاد في سبيل الله وكلهم كانوا جنودا تحت إمرته راضون به قائدا عليهم .. فكيف نصر الله المؤمنين وما الذي حصل معهم ؟
ما هي سنة الله في النصر وما هو السر الضائع في زماننا هذا الذي لم يتحقق معه النصر رغم قتال عشرات السنين والله يقول إن تنصروا الله ينصركم ولم يقل إن تنصروا الله سينصر الأجيال القادمة فالطريق طويل ويحتاج إلى تضحيات أجيال كثرة حتى ننال النصر!!!!
بل إن النصر سيكون حليف من خرج للقتال في سبيل الله وما ذلك على الله بعزيز ولكن علينا تحقيق الشرط أولا:
فلنتعلم من هذه القصة أسباب النصر حتى نكون من صناعه لأن النصر قادم لا محالة وقريب جدا ولكن علينا أن نكون من صناعه وأحد أسبابه إن كنا نريد الفوز العظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
فالنصر قادم يا إخوتي لا محالة
وقريب جدا لمن لم يكن على عجالة
وحق يقين لمن ليس في قلبه ضلالة
فراح قبل فوات الأوان يراجع أعماله
بأن ساهم في تحقيق النصر وإحلاله
بائعا في سبيل ذلك نفسه وماله
وكيف لا؟
وهو إلى الله مصيره ومآلــه
ومن لم ينتصر فقد ضيع آماله
وأصبح فريسة لمن ألقى حباله
فإما منصور أو مهزوم وأمر ثالث استحالة
فحدد مع أي منهما أنت دون إطالة
فلا وقت لا وقت لمن أراد للحلم اكتماله
الاختبار الأول:
الاختبار الأول هو النهر الذي فرق بين المؤمنين الصابرين وبين المنافقين
وفي القصة وحسب ما ذكرته التفاسير فإن من خرجوا للقتال كانوا نحو ثمانين ألفا ولم يجاوز معه النهر سوى أربعة آلاف!!!!
ولا يعنينا العدد الآن بالتحديد أو ما ذكرته التفاسير ولكن المهم أن من اجتازوا معه النهر كانوا قلة قليلة ممن خرجوا للقتال معه
إذن فعلينا أن نعلم أن من سيصمدون ويكونوا مؤهلين لدخول المعركة هم نسبة قليلة من هؤلاء المتحمسين للقتال أما البقية فإنهم غير مستعدين وسيسقطون عند أول اختبار "فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ"
فالمعركة بحاجة إلى رجال صابرين ويطيعون الله ما أمرهم ويصبرون حتى لو وجدوا أمامهم كل المغريات التي تقول لهم أنه لا حرج في مخالفة أمر الله
فلنتدرب على الاختبار الأول ولنتعلم الالتزام بالأوامر مهما بدت لنا غير مهمة أو غير منطقية
ولنتعلم الصبر ومنع أنفسنا من الشهوات والمغريات التي تدعونا لمخالفة أوامر الله .. وإلا فإننا لن نصمد لحظة الاختبار الحقيقي وسنكون من الظالمين والعياذ بالله وسيكون موقفنا مخزيا جدا ساعة الحساب
ولا تنسوا أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يمكن أن يفرض علينا شيئا فوق طاقتنا فقد سمح لهم طالوت بأخذ غرفة من النهر عند الضرورة .. فليس كل الناس سواء والصبر يختلف من شخص لآخر كما الإيمان بل إنه يزيد وينقص عند نفس الشخص فنسأل الله أن يثبت قلوبنا على الإيمان
فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
الاختبار الثاني :
لحظة المواجهة هناك من المؤمنين من يضعف يقينه بالله وبقدرته على نصرتهم وسوف نجد في زماننا من يقول أننا لن نستطيع تحقيق النصر عند أول مواجهة وسيقولون لا طاقة لنا اليوم بهم إنهم أكثر منا فنحن قليلون ونحتاج إلى جيش كبير كي نستطيع مواجهتهم ونحتاج إلى سلاح يوازي قوتهم ويصمد أمام أسلحتهم الجبارة والفتاكة
نعم فمن ضعف إيمانهم سيشعرون بالقلة وإن كانوا من الصابرين! خصوصا أن عددهم سيكون مخالفا لما كان عليه لحظة خروجهم للقتال .. فقد خرجوا بالألوف المؤلفة ولم يجتز منهم الاختبار سوى القليل فكيف لهذه الفئة القليلة أن تصمد أمام أقوى قوة على الأرض في نظرهم!!!!
أما المؤمنون الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم - وكم هي عظيمة هذه الكلمة - فيقولون كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله
نعم فإن الذين يشتاقون لله ويحبون الله ولا يفارقهم نور الله الذي يسكن في قلوبهم وصلتهم قوية به وبكلامه فإنهم سيقومون بتذكير إخوانهم المؤمنين بأن الله قد نصر من سبقهم وهم قلة.. وهذه سنة الله ولابد أن تمضي فيهم كما مضت في الذين من قبلهم
ولن تجد لسنة الله تبديلا .. وما من سبب يجعل سنة الله تتعطل في هذا الزمان أيضا
وكذلك فإنهم يذكرونهم بأنهم اجتازوا الاختبار الأول أي إنهم من الصابرين .. والله يقول "إن الله مع الصابرين" وكيف يخاف أو يرتاب من كان الله معه؟؟ كيف نشك في قدرتنا على تحقيق النصر والله معنا ما دمنا من الصابرين وإن الله مع الصابرين؟
هذه هي الحال لحظة اللقاء فئة تهزم -نفسيا- وفئة تثبت وتذكر الآخرين بالله وتذكر الله كثيرا
الاختبار الثالث:
َولَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
يقال أن الذين اجتازوا الاختبار الثالث من المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقوا الله هم ثلاثمائة وبضعة عشر وأن عدة أهل بدر في عهد رسول الله كانت مثل عدتهم!
إذن فالذين خاضوا المعركة وثبتوا هم قلة من القلة المؤمنة الصابرة!!!
هؤلاء هم الذين يقول فيهم الله إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم .. لأنهم حققوا شرط النصرة وسألوه لحظة المواجهة بأن يثبتهم وهم موقنون بالإجابة فأجابهم وثبت أقدامهم وقذف في قلوب أعدائهم الرعب
نعم هؤلاء لجئوا إلى الله عند الشدة وطلبوا منه أنم يثبتهم ولم ينهزموا و((قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ))
قالوها وهم موقنون بالإجابة .. قالوها وهم يذكرون الله كثيرا فاستجاب لهم
هؤلاء القلة هم سبب النصر أيها الناس
لا نقول أنهم هم المؤمنون ومن سواهم كافرون ولكننا نقول أنهم هم الذين يستحقون النصر من عند الله وأنهم قادرون على هزيمة أقوى قوة على وجه الأرض بإذن الله الواحد الأحد القوي العزيز الجبار
فلنحرص على أن نكون منهم ومثلهم .. فلعلنا إن لم نكن منهم نكون قد سعينا إلى أن نكون مثلهم ونكون من الفئة المؤمنة لعل ذلك يشفع لنا عند الله .. أما إذا لم نحرص على أن نكون من صناع النصر الحقيقيين فإننا ربما سنكون من فئة المنافقين والعياذ بالله .. فلنطلب أعلى الدرجات ولنعمل لذلك لعل الله يغفر لنا ذنوبنا ويكفر عنا سيئاتنا .. فمن يضمن لنا أننا لو قسم الناس إلى فسطاطين لا ثالث لهما أننا سنكون من فسطاط المؤمنين وليس فسطاط المنافقين .. اللهم اجعلنا مع فسطاط المؤمنين .. اللهم اجعلنا من جندك فإن جندك هم الغالبون
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
نعم هزموهم بإذن الله وليس بتضحياتهم أو تضحيات آبائهم كما يحلوا للبعض أن يتغنى في هذه الأيام .. هزموهم بإذن القوي المتعال وليس بعدد الضحايا الذين قتلوهم من العدو كما يتسابق البعض في عد الضحايا من الأعداء أيا كان نوعهم في هذه الأيام .. هزموهم بإذن الله والفضل يعود لله وحده وليس لأي فئة أو حزب أو جماعة .. فلنحرص على عدم الوقوع في الخطأ وأن لا نقول أننا نحن الذين حققنا الانتصار لأن النصر من عند الله وحده
((وما النصر إلا من عند الله))
وهذه سنة الله وحكمته بأن يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء فلا يدعي أحد أنه أحق بالملك من غيره أو أنه قتل من العدو أكثر من غيره وجاهد أكثر منه
*******************
وهذه هي سنة الله بان يسخر للناس فئة تدفع عنهم الشر
وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
نعم إنها سنة التدافع التي ستقضي على طواغيت هذا العصر وسيدفع الله شر طاغوت هذا العصر عن الإنسانية جمعاء .. فلولا هذه الفئة التي ستتصدى لطاغوت الشر العالمي لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
فالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)