باسل قصي العبادله
04-04-2006, 02:41 AM
والله يا قراء إن هذا هو ما أحسست به، إذ بدا أيمن الظواهري مسربلا بنبله، وبتلك الهالة التي لا تبارى، هالة الحق، هالة تكاد تعرف أن صاحبها شهيد، هالة بدا بها عملاقا في كل شيء حتى في القوة، وبدا بوش أمامه حقيرا وصغيرا في كل شيء إلا في الخسة، وبدا شريرا من صعاليك الحانات، صعلوكا ولصا يستبد به الحنق لأن الفارس النبيل يعوقه عن المضي في سرقاته.
أي دين هذا..
أي دين هذا وانتصار حماس المطاردة المحاصرة المجوّعة المقاطعة في فلسطين يربك الدنيا المدججة بالسلاح والقوة والغنى.. وما يرهبهم سلاح حماس ولا قوة جيشها، و إنما يرهبهم سلاح الدمار الشامل الذي تحمله: سلاح الإسلام، فحماس تحتمي بالإسلام ولا تحميه، ولو تخلت عنه لكانت أقرب إليهم من حبل الوريد. و أظن حماس تدرك هذا، كما تدرك أن عزوفي عن تهنئتها بالانتصار، لا يعود إلى قلة اهتمام أو نقص محبة – بل وفخر-، بل يعود إلى موقفي من الحياة، ذلك أنني أرى الحياة كلها ابتلاء لا تجوز التهنئة إلا بالنجاة منه، أما الانتصار فهو أحد وجوه الابتلاء وقد يكون هو الأقسى. ولعلي هنا أزيد، أنني لم أخف على حماس قبل ذلك أبدا، حتى عندما اندلعت ألسنة اللهب في قلبي، وتوهج الجمر الذي انتقل من قبضتي ليسري في عروقي، وفاض ألمي عن قدرة احتمالي باستشهاد الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، فعندما حدث هذا، كان يجري في إطار المعادلة العبقرية للإسلام: معادلة إحدى الحسنيين!!.. لم أخف على حماس أبدا طالما كانت تحت ظل هذه المعادلة.. الآن لا أملك لها إلا الدعاء بأن ينصرها الله.. فليس من حقي النصح ولا التحذير إلا من شيء واحد يرعبني دائما الاستدراج إليه فقد استدرج إليه حكامنا جميعا.. بلا استثناء..بالدنيا.لدين بالدنيا .. واستبدال الأدنى بالذي هو خير.. ليس من حقي إلا أن أعبر عن حقيقة موجودة وواضحة:
أن الإسلام هو الذي يحمينا وليس العكس.. و أن الهلاك في الابتعاد عنه والتخلي عن مظلة حمايته ولو بانحرافات التأويل التي تؤدي دائما إلى زيغ العقيدة..
الإسلام قادر على المواجهة.. بل هو الوحيد القادر على المواجهة..
الإسلام هو الذي يزيده الهجوم عليه بهاء وقوة.. كالحجر الكريم والألماس كلما ازداد الاحتكاك به كلما ازداد لمعانه.. فأي دين هذا؟!..
أي دين هذا الذي كلما ازداد عدد شهدائه ازداد عدد أصفيائه.. وكلما ازدادت أعباؤه ازداد أتباعه.. وكلما ازداد عدد المعذبين فيه كلما ازداد عدد المنضمين إليه..و كلما ازداد الهجوم الفكري عليه كلما ازداد عدد المقتنعين به..
في المقالات الماضية استعرضت بعض صنوف العذاب التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون.. صنوف العذاب التي تبدو متشابهة كأبناء سفاح لأب داعر، فوسائل التعذيب في القاهرة كوسائلها في الرياض وتونس وجوانتانامو والمعتقلات السرية والطائرة، وكلها وثيقة الصلة بالحضارة الغربية الشيطانية. وما التعذيب إلا أحد وجوهها، ووجوهها الأخرى ليست أقل دموية وبشاعة، علينا أن نفهم هذا، فبدون فهمه، وبدون النظرة الشاملة سوف نعجز عن فهم مجريات السياسة والتاريخ، سوف نعجز عن فهم أولئك الذين يتركون الحياة الرغدة الناعمة الهانئة ليجاهدوا ويستشهدوا.. سوف نعجز عن فهم لماذا فعل الإمام الشهيد حسن البنا ما فعل.. وسوف نعجز عن فهم كيف أن الاستشهاد بالنسبة لسيد قطب كان اختيارا لا إجبارا.. وكان اصطفاء لا ابتلاء.. بدون فهم المنظومة الإسلامية الشاملة لن نفهم لماذا سعي الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي إلى الاستشهاد هذا السعي كله .. ولن نفهم لماذا حمل المجاهدان أسامة بن لادن و أيمن الظواهري – رضي الله عنهما – نفسيهما عبء مواجهة الشيطان والعالم.. بل إنني في سعيي الحثيث نحو إكمال الكتابة عن الشهيد سيد قطب، لا يمكن أن أصيب كبد الحقيقة إلا إذا فهمت بشاعة العالم الذي نهض سيد قطب لمواجهته وتعريته وفضحة، حتى استشهد في سبيل ذلك.
نعم.. لكي نفهم هؤلاء ودرة العقد فيهم شهيدنا الغالي السيد قطب لابد أن نفهم العالم الذي استنفره لمواجهته.. العالم الذي تصفه الدكتورة زينب عبد العزيز بقولها: هؤلاء الطغاة قد نشأوا ودأبوا على اقتلاع الآخر سواء جغرافيا أو حضاريا أو دينيا. فما فعلوه بالسكان الأصليين للأمريكتين واستراليا وزنوج إفريقيا ، أو تعذيبهم و إبادتهم لملايين البشر، لا يمكن محوه من ذاكرة التاريخ .. (...) ويكفى أن نطالع الإصدارات الغربية الحديثة بأقلام بعض الأمناء لنرى أهوال ما قام و يقوم به هؤلاء “المتحضرون” ..
نعم.. علينا أن نواجه إعلام الطاغوت الذي يدعي أن سيد قطب و أتباعه يمثلون نمطا خارجيا أو على الأقل هامشيا للمسلمين.. لا.. بل هم التيار الرئيسي وهم الذين يدافعون عن الإسلام كله..
يقول الكاتب جان بودريار في كتابه المعنون “ قوى الجحيم “ إن الإسلام هو النقيض الحيوي للقيم الغربية ، و لذلك فهو يمثل العدو رقم واحد (...) ، وفيما يتعلق بالتعصّب الديني المسيحي فإن كل الأشكال المخالفة له تعد هرطقة ، وبذلك فيتعيّن عليها إما أن تدخل النظام العالمي الجديد ، طواعية أو قهراً ، أو عليها أن تختفي. إن مهمة الغرب الآن هي أن يتم إخضاع الثقافات المختلفة بشتى الوسائل إلى القانون الوحشي المسمى التساوي (...) فالهدف هو التقليل من المناطق المنشقة واستبعاد كل المساحات المعترضة، سواء أكانت مساحات جغرافية أم مساحات في المجال العقائدي “.
ولسوف نواصل فضح الطواغيت.. لكنني لا أريد للقارئ أن ينتهي من المقال وهو يقول لنفسه: يا له من مقال محزن ومؤثر.. ثم ينتهي الأمر.. فأنا لا أحكي حكاية ولا أروي رواية ولا أصوغ عملا فنيا أطمع بعده في التقريظ والتقدير والإعجاب.. لا أفعل ذلك.. إنما أكتب بالدم، باللحم البشري المشوي، بالعظام المهشمة والنفوس المقاومة.. وأريد بكتابتي تلك أن أوصل إلى القارئ و إلى الأمة كلها فداحة ما يحدث، كي يخرج المواطن العادي من صمته وسلبيته وسكونه، لأن الصمت جريمة وخيانة، وهو عار الدنيا وخزي الآخرة، أريد أن أنقل ذلك إلى القارئ، فهو إن اتحد مع الباقين القادر على إرغام الجلادين على كف ذئابهم كلاب النار عن نهش أبناء هذا الدين..
هل أستطيع أن أجعل القارئ يحس..
لو كان بيدي لدرت على الناس و لجلت في الأسواق ولطفت الدنيا أطرح أمام الناس فداحة ما يغمضون أعينهم عنه وبشاعته. فهل أفلح في مواجهة ألف فضائية و ألف ألف صحيفة ومذياع وكلب نابح بالباطل..
هل أفلح..
هل أستطيع؟!..
هل أستطيع؟!..
هل أستطيع أن أبلل صفحات هذه المجلة بالماء أو بالدموع وأن أصلها بالكهرباء كي يتكهرب القارئ إذ يقرأ، ليفهم ويحس ويعي أي نوع فظيع من العذاب يعانيه أولئك الذين يعذبونهم بالصعق بالتيار الكهربائي..
هل أستطيع أن أجعل من السطور سياطا و أسلاكا مجدولة تنهال على وعي القارئ ليحس بشيء شبيه لما يعانيه الضحايا؟.
وهل أستطيع أن أستعمل بدلا من الحبر الذي دنسته أقلام كثيرة دم الضحايا الذي سفكه الطاغوت الباطش الجبار وسفحه الضحايا..
هل أستطيع أن أوقد تحت القارئ نارا، ليحس بما يحس به الضحية وهو معلق كالخروف المشوي فوق النار..
هل أستطيع أن أجعل القارئ يقرأ هذه المجلة وهو معلق من قدميه في سقف منزله، أو وهو معلق من رسغيه معكوسا وقد ربطت في كل قدم من قدميه أنبوبة بوتاجاز، أو وهو يسحل على الأرض..
هل أستطيع أن أصوغ من تلك الحمم المنصهرة المنثالة من داخلي تمثالا يحرق لامسه ويعمي الناظر إليه، أو أن أرسم بألوانها الدامية لوحة تتحرك فيها الجمادات وتصرخ..
هل أستطيع أن أجعل صفحات هذا المقال تشتعل بين يدي القارئ، أو تنوح وتلطم ..
هل أستطيع أن أنقل للقارئ عظمة تلك النماذج الشامخة الأبية التي لا تنكسر أبدا مهما مورس ضدها من تعذيب حتى الموت.. ثم هل أستطيع الحديث عن الجانب الآخر.. عن الذين يفقدهم التعذيب بشريتهم ..
هل أستطيع أن أبث الروح في تلك الحروف المتراصة الميتة فتنفجر بالحياة من الألم فتنقل للقارئ في نفس اللحظة التي يقرأ فيها صرخة إنسان يعذب، صرخة تلاشى منها كل كبرياء وانهدمت فيها كل إرادة، طويلة مشروخة مذهولة مرتعبة منسحقة يائسة آملة مذبوحة راجية خاضعة ذليلة متوسلة معترفة بما لا تعرف تائبة عما لم ترتكب صاخبة جياشة هادرة مهدورة مرتجفة بالخوف والكهرباء عمياء بما يعصب العينين، غير مدركة من أين يجيئها العذاب ولا سببه، صرخة لا يتخيل أن مثلها يمكن أن يصدر من عضو بشري كالحنجرة و إنما كل خلية في الجسد الإنساني تصرخ صرختها الخاصة فخلايا الحنجرة تصرخ وخلايا القلب تصرخ وخلايا الكبد تصرخ وخلايا الدم تصرخ، وخلايا الجلد التي تقابل خلايا السوط في العرس الدامي تصرخ، وخلايا الجسد كلها تتحول إلى خلايا للألم تستقبله وتعبر عنه مسقطة كل أبجديات اللغة فلا يبقي من كل حروف كل لغات العالم سوي حرفين .. هما: آه.
ويذوب الموصوف في الصفة منصهرا تحت حرارة اللهيب فإذا الآه ليست تعبيرا عن الألم بل هي الألم ذاته وقد استدعته نداءاته ليقود كالمايسترو فرقة الخلايا الصارخة مطلقة جميعا في تناغم وحشي سيمفونية الألم المروع التي تعزفها خلايا الجسد الإنساني المعذب الذي فقد ذاكرته ففقدت أفعال اللغة أزمانها ولم يعد لديه ماض ولا حاضر ولا مستقبل، لم يبق إلا فعل الأمر: اضرب، احرق، انتهك، عذّب، اركع، اعترف، انسحق، تلاش، اكفر بالله ، سب محمدا، وهو لا يستطيع وبين العذاب و العذاب عذاب أن يجيب، فخلايا الذاكرة قد فقدت الذاكرة لتطلق هي الأخرى صرختها المجردة من الزمان، فكأنما هزيم الصرخات يغطي الوجود الإنساني عبر كل تاريخه المعذب بين جبروت الجلادين الفجرة وعذاب الضحايا وعجزهم وذلهم..
هل يمكن أن يسمع القارئ وعيناه تجريان على هذه السطور صوت سوط، صوت العظام وهي تتهشم، والمفاصل وهي تنخلع، والنفوس وهي تنكسر..
هل يمكن أن يرى القارئ ولو لثانية واحدة ضابط الشرطة الذي يعبث بأصابعه وبأدوات أخري في هني امرأة، في عورتها وعفتها، بعد أن أخذوها وهي البريئة رهينة، هل يمكن أن يرى القارئ ذلك و أن يخصف على مشهد العار الداعر في خياله الدامي صفحات هذا المقال..
هل يمكن..هل يمكن..
و هل تغني هذه الدموع التي يذرفها القارئ الآن وهو يقرأ، وهل تجدي في إطفاء النار المشتعلة في ضحية واحدة..
هل أنجح في أن أجعل القارئ يحس بثوان فقط من ذلك العذاب الوحشي الهمجي المجنون الذي يعانيه الآن في نفس هذه اللحظة واحد من آلاف الضحايا في باستيل مصر في لاظوغلي، أو في فروعه المنتشرة كالعنكبوت أوالأخطبوط على ساحة الوطن، أو في مراكزه الرئيسية في جوانتانامو و أبي غريب وفلسطين وسجون المخابرات الأمريكية السرية، هل أنجح في أن أشعره بثوان، ثوان فقط، تجعله حتى، دون أي احتجاج أو تمرد أو ثورة، يلجأ إلى سريره ينشد الراحة من الإنهاك الذي سببه له تخيل الإحساس بالعذاب، وهي راحة لا يظفر بمثلها الضحية، فهناك، في سجون الطواغيت، لا يجد الضحية أي فرصة للراحة من العذاب، فبعد كل عذاب عذاب أشد..( راجع إني أرى الملك عاريا .. د محمد عباس- مكتبة مدبولي)
هل يمكن أن أنقل إلى القارئ شيئا من مشاعر اللهفة المحمومة والأمل الذي يعتمل في نفس ضحية تترقب صحوة الأمة تستجيب للنداء الذي تطلقه الكينونة الإنسانية دونما حاجة إلى صوت تهتز به أوتار الحناجر ولا إلى لغة تقولها بالحروف: وا إسلاماه فتهرع الأمة لإنقاذه من عذابه..
لقد خدعونا، ادعوا زورا أن قانون حضارتهم اللاديني يقرر أنه لا يوجد متهم بريء ومتهم مذنب، فكل المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم في محاكمة عادلة ، خدعونا، فبالرغم من ادعائهم، فان ضحايا التعذيب والقتل، معظمهم أبرياء لم تصدر بشأنهم أحكام.. يكفي أن يصرح الجلاد أن الضحية متهم كي يسام العذاب أو يفقد حياته.. أو أن تدعي الدولة المارقة – أمريكا وذيولها- أنه مشتبه فيه كي تهدم دولته وتمزق أمته..
هل يمكن أن يرى القارئ ولو لثانية واحدة كيف تذيب قنابل الفوسفور اللحم البشري..
أو كيف تمزق القنابل العنقودية التي تنفجر المئات والآلاف من الناس.. أما التي لم تنفجر فهي لا تقل خطورة.. إنها خطر كامن ينفجر في أي وقت دونما حرب ولا غارات ولا إنذار.
هل يمكن أن يرى القارئ هذا الجلاد وهو يغتصب شيخا كل جريمته: لا إله إلا الله محمد رسول الله..
كيف يمكن أن أنقل إليكم ذلك..
لو كان الأمر بيدي لمزقت صفحات هذه المجلة ولففت في كل ورقة منها مزقة من لحم شهيد أو شظية من عظامه أو قطيرات من دمه ولدرت بها على القراء واحدا واحدا أعطي كل واحد نصيبه منها ونصيبه من عار الصمت وخزيه..
هل يمكن أن يرى القارئ - ما رأته صحيفة القدس العربي - فضائح المعتقلات الجوّية التي يتم خلالها اختطاف المعتقل أو حمله إلي طائرة جوّية خاصّة بالمخابرات الأمريكية ليتم التحقيق معه في الجو دون حسيب أو رقيب ولا قوانين ولا أنظمة تنطبق علي مثل هذه الحالات.
هل يعرف القارئ شيئا عن تقنية عزل الحواس أو عن تقنية تحطيم الاعتداد بالذات التي تستعمل خصيصا ضدّ المسلمين كما اعترفت الجنرال كاربنسكي لتلفزيون الجزيرة بانّ كل خبراء هذه التقنية إسرائيليون. وتقوم هذه التقنية علي استخدام كل ما من شانه أن يهين كرامة وشرف وعزّة نفس وثقة السجين أو المختطف بنفسه وتحطيم قدرته علي الصمود واعتداده بنفسه وخاصّة بتهديده بممارسة اللواط أو الاعتداء عليه جنسيا أو مسح وجهه بدم الحيض.!
هل جللك العار أيها القارئ..
لم تدنسك الكلاب ولا دم الحيض ولا رأيت بعينك المصحف وهم يلقونه في المرحاض..
لم يدنسك هذا..
لكن ثمة دنس آخر قد يدنسك.. دنس لا يقل عما ذكرنا وقد يزيد.. دنس صمتك..
نعم.. صمتك يدنسك..
صمتك الذي تسبب في عار آخر سوف أذكره لك على الفور:
ذلك أن أقسى عقوبة يلحقها الأمريكيون بالمعتقل أن يسلموه إلى أهله، أن يسلموا العراقي إلى الحيوان المسعور صولاغ، والمصري إلى الحيوان المسعور الذي لا أعرف اسمه.. وكذلك في الرياض وعمان ودمشق وتونس والدار البيضاء..
فيا لها من نجاسة تطال الجميع وعلى رأسهم الحكام..
هل هالك أيها القارئ ما سمعت؟..
هل تمزق ضميرك قبل أن يتمزق صمتك؟!..
دعني إذن أرفه عنك بقصة يختلط فيها الجنس بالدم ..
ودعني قبلها أذكرك بشيء بالغ الخطورة يحدث في أرجاء كثيرة من عالمنا العربي، حيث تحول بعض الشرطة وأعضاء الحزب إلى مجرمين عتاة يطلبون من الناس الإتاوات كي لا يعتقلوا.. أو يطلبون من أهلهم ثمن استصدار قرار بالإفراج عنهم..
حدث هذا مع عدد لا يمكن حصره منهم العراقية: هدى العزاوي 39 عاما( من عائلة ميسورة)، واحدة من العديد من النساء اللاتي حبسن في السجن العراقي سيء الصيت, أبو غريب. وبعد إطلاق سراحها تروي قصة عذابها إلى لوك هاردينج (الجاريان).
بدأت الحكاية حين تلقت هدى العزاوي تهديدا من احد العراقيين المتعاونين مع القوات الأمريكية “مدام هدى ادفعي لي 10 ألاف دولار أمريكي, وإذا لم تدفعي فأنني سوف اكتب تقريرا للأمريكان عنك وعن عائلتك وأقول بأنكم تعملون مع المقاومة” ، وانه سوف يقدمه إلى القوات الأمريكية التي سوف تقوم باعتقالها.
رفضت هدي الدفع لأنها أدركت أن الاستجابة للابتزاز ستحرض المجرم على مزيد من الابتزاز.
بعد فترة قصيرة قام الأمريكان باعتقال أخ آخر للسيدة هدى تلاه أخوه الأكبر وهو أياد البالغ من العمر 44 عاما, وعند هذا الحد قررت السيدة هدى مواجهة الأمريكان مباشرة, وتوجهت إلى قاعدة القوات الأمريكية في الأعظمية. تقول هدى أن الكابتن الأمريكي طلب منها العودة ومعها أخويها الآخرين, ثم بعد ذلك سوف نتكلم. وفي عشية عيد ميلاد السيد المسيح, عادت هدى ومعها أخويها علي ومعتز, “ولقد انتظرت أربع ساعات قبل أن يستجوبني الكابتن, وبعد عشر دقائق ابلغني بأنني رهن الاعتقال! “.” قيدوا يدي إلى الخلف، وعصبوا عيني بواسطة قطعة قماش، وربطوني في سيارة هامفي وأخذوني إلى مكان داخل القصر. ثم رموني في غرفة يوجد فيها كرسي خشبي واحد, وكانت غرفة باردة جدا , وبعد خمسة ساعات جلبوا أختي. أنا لم أكن أرى شيئا ولكن استطعت تمييزها من صراخها(...)تركوني على هذا الكرسي طوال الليل, وفي اليوم الثاني أخذوني إلى غرفة تسمى من قبل المحتجزين بـ (غرفة التعذيب). وصاح بنا الضابط “إذا لم تعترفوا سوف نعذبكم, لذا عليكم الاعتراف” . كانت يداي مقيدتان، وخلعوا حذائي وأوقفوني في الوحل، ووجهوا وجهي نحو الحائط. وكنت اسمع رجالا ونساء يتصارخون ويبكون بشدة(...) استطعت تمييز بكاء أخي معتز, أردت فقط اعرف ماذا كان يجري هناك, وحاولت أن أزيل العصابة عن عيوني وعندما فعلت ذلك أغمي علي” .
كان أخوها معتز قد اغتصب بطريقة وحشية وهمجية.
ثم جاء دورها في الاستجواب.
“العميل العراقي وضابط أمريكي كانا معا في تلك الغرفة. وبدأ العميل العراقي يتكلم وقال: “أنت تمولين إخوانك لضرب الأمريكان” . وبما إنني أتكلم قليلا من الإنكليزية, فقد رديت عليه فقلت: انه كاذب, ثم صفعني الضابط الأمريكي على كلتا وجنتي، وسقطت أرضا من شدة الضربة. (...) وبعد ذلك أرجعوني إلى الزنزانة التي لم تكن مسقفة، والسماء كانت تمطر بشدة. في منتصف الليل رموا تحت أقدام أختي شيئا ما تبين انه أخي أياد. وكان ينزف من قدميه وركبتيه ووجهه, وسألت أختي: “تأكدي إن كان لا يزال يتنفس” , ثم ردت أختي: “لا! لاشيء” , وبدأت ابكي, وفي اليوم التالي اخذوا جثته بعيدا” .
وبعد ذلك أصدر الجيش الأمريكي شهادة وفاة اطلعت عليها صحيفة الجارديان تعزي سبب الوفاة إلى سكتة قلبية أو بسبب مرض غير معروف. الطبيب الأمريكي الذي وقع شهادة الوفاة لم يكتب اسمه وكان توقيعه مشوها. الجثة أعيدت إلى العائلة بعد مضي أربعة اشهر، في الثالث من نيسان، بعد افتضاح قصة سجن أبو غريب.
“ولكوني أتكلم قليلا من الإنكليزية فقد سمح لي بالعمل على جمع القمامة, ولم يكن هناك أبدا طعاما كافيا, وفي احد الأيام سقطت امرأة مسنة من الجوع, وقد كان الأمريكان يأكلون الكثير من الطعام, ويتركون الباقي؛ لذلك كنت اجمع ما تبقى من الفضلات وأعطيه إلى تلك المرأة المسنه. وفي احد الأيام شاهدوني أقوم بذلك، فرموني في زنزانة انفرادية عرضها متر واحد. ثم بدأوا يرشون الماء البارد علي لمدة أربعة ساعات.
هل تدمع عيناك الآن أيها القارئ؟..
أم أنك تلطم وجهك وتصرخ وتنوح..
أتريد مزيدا من القصص..
إليك قصة محلية.. وقد حدثت تقريبا في نفس الوقت:
لقد حدثتك عن اغتصاب الشيوخ والعلماء في العراق.. فهل تظن أن القاهرة بعيدة عن ذلك.. فلتقرأ في تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان في مصر:
يقول المتهم محمود زين العابدين - إمام وخطيب - : حضر شاويش وأخذني لعرض على النيابة وأخذوني إلى السجن مع الدسوقي قليب وخالد عيد الشامي ومحمد إسماعيل سعد وذهبوا بنا إلى سجن الاستقبال حيث أمضينا أربعة ساعات ثم أخذونا بعد تعصيب أعيننا وتقيد أيدينا بالكلابشات خلف ظهرنا ورمونا في ميكروبا على الأرضية ونمنا على ظهورنا والكلابشات خلف ظهرنا يقطع في أيدينا وألقوا علينا بطانية ثم ذهبوا إلى مباحث أمن الدولة في مدينة نصر وأجبرونا على النزول بالضرب ونحن معصوبي الأعين ومكلبشين وضربونا على الظهر والرأس وأعطوا لي رقم 3 ووضعوني في زنزانة غير آدمية لمدة 24 ساعة وأنا معصوب العين ومكثت أربعة ساعات في رعب من سماع أصوات الضرب ثم سألوني وضربوني وأجبروني على خلع ملابسي بالكامل وهددوني بتصويري وإرسال الصورة إلى البلد وتم كهربتي بشئ يشبه العصا في ظهري واسمعوني صوت تعذيب دسوقي قليب وضربه وتعذيبه ووضع العصا الكهربائي بالعضو التناسلي وفى رأسه حتى كاد يفقد الوعي. وثالث يوم قال أحد الضباط (إديلو شوية أبو غريب) فقاموا بتعليقي من ذراعي في مأسورة وتم رفع الكرسي من أسفل رجلي حتى شعرت أن ذراعي ينمل ويكاد أن ينكسر فاستنجد بهم فأخذوا يكهربوني واستمر ذلك لمدة 20 دقيقة وعندما أنزلوني من على المأسورة وجدت عظمة كوعي الأيمن بارزة ومنملة وفقد توازني وأخذوني إلى المكتب مرة أخرى واستمر التعذيب حتى أعترف عن تنظيم الإخوان والكوادر وأنا عاري تماماً.
هل يمكن أن يحس القارئ بذلك..
وهل يجب علي أن أذكره بأن الشهيد أكرم زهيري كان رفيق الشيخ محمود زين العابدين في السجن.. حيث مات..
هل تريد حكايات أخرى أيها القارئ المدان صمته؟! أم اكتفيت؟!.
هل تريد أن تعرف كيف تروع الشرطة أسر الشهداء، كيف تعتقلهم وتعذبهم قبل إخبارهم بموت قريبهم من التعذيب كي يعوا الدرس ويعلموا ما سيصيبهم إن فضحوا ما حدث أو اتخذوا أية إجراءات قانونية للتحقيق في واقعة التعذيب.
أما عن النتيجة فلم يحقق أحد ولم يدن أحد.. فتصرخ الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب معلنة في غضب ارتفاع معدل التعذيب وعنفوان شدته إلى الحد الذي أصبح يؤدى بحياة مواطن كل أسبوع وينتج ضحية تعذيب كل يوم تقريبا وذلك وفقا للبيانات المتاحة فقط ليصبح الأحد الأدنى سنويا لضحايا التعذيب 52 قتيلا و365 ضحية للتعذيب.. فمن المعروف جيدا أن وقائع التعذيب الفعلية إلى لا تصل أخبارها إلى الإعلام أو مراكز حقوق الإنسان تبلغ أضعاف هذه الأرقام .
وتصرخ الجمعية : لقد بات المجتمع المصري في مواجهة غول توحش وفقد إنسانيته متمثلا في جلادي التعذيب وأولئك المسئولين الذين يتولون حماية جلادي التعذيب . إن الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب تدعو جميع المواطنين إلى التضامن لمواجهة هذه الكارثة
نعم..
الجمعية دعت جميع المواطنين..
لكن جميع المواطنين صامتون..
في تقرير نشره الكاتب السوداني علي حسين باكير في موقع صحيفة “ المصريون” الإليكترونية يلفت النظر فيه إلى الريادة الأمريكية الفاجرة و أن معظم مدارس العالم في التعذيب تعلمت فيها أو استمدت الخبرة منها. وتاريخ الولايات المتّحدة في تأسيس مدارس التعذيب والسجن فظيع ومروع ولا ينافسها فيه أحد. إن فظائع “أبو غريب” لم تكن حدثا عرضيا بل هي منهج استراتيجي راسخ . فالتاريخ يكشف أن تفوق مدارس التعذيب الأمريكية يأتي نتيجة التخطيط والمران والخبرة العملية وبعد جهود مضنية ومكثّفة يتم تدريب الضبّاط فيها من خلال كتب ومدارس وأخصّائيين نفسانيين واجتماعيين على كيفية إذلال المعتقل وامتهان كرامته لانتزاع ما يريدون منه(...) أسلوب التعذيب عند الأمريكيين قديم ومراجعه كثيرة : راجع مثلا تأسيس المدرسة العسكريّة الأمريكية في باناما، وانتقالها عام 1984 إلى نورث بينييج. وقد قامت هذه المدرسة منذ تأسيسها عام 1946 بتدريب 60 ألف عضو من 12 بلدا وقد أصبح عدد منهم فيما بعد رؤساء دول بعد أن أصبحوا جلاّدين مشهورين. ولقد كان لمدرسة الشيطان تلك كتب تدرس ومناهج تتبع. وكان من هذه الكتب: كتاب اسمه:” KUBARK” لتعليم فنون التعذيب، ويشرح الأساليب والطرق التي يجب إتباعها لانتزاع المعلومات من الأسير. ويؤكّد واضعو هذا المنهج أنّ أفضل وسيلة هي التي تجعل المعتقل يعذّب نفسه وأن يعذّب المعتقلين بمعتقلين آخرين. وقد تمّ تدريس هذا المنهج إلى رجال الاستخبارات والضبّاط في السجون وضبّاط مكافحة التمرّد والثورات. ومنها أيضا كتاب آخر تحت اسم “التدريب لاستغلال القدرات البشرية” وكان هذا أسوأ نتاج في التعذيب ويعتقد أن المنهج الذي طبٌّق في سجن “أبو غريب” هو نفسه المذكور في ذلك الكتاب.
هل عرفتم الآن مصادر ثقافة ضباط أمن الدولة والحرس الوطني؟.. ولماذا يبدون في موقفهم من المسلمين أشد قسوة من الصليبيين واليهود..
هل تتساءلون عن السبب..
لقد أجروا لهم عمليات غسيل مخ فصلتهم عن دينهم و أمتهم..
لكن ذلك لا يقلل من مسئوليتهم عن جرائمهم قيد أنملة..
لا يقلل أيضا من مسئوليتنا عن كشفهم وفضحهم ومحاكمتهم..
فكيف أستطيع أن أصل إلى البشرية جمعاء كي أصرخ فيها بما يحدث و أنقل لها هول جرائم التعذيب التي مارستها قوات الاحتلال الأمريكي في سجن أبو غريب في العراق، ليس على سبيل الحصر بل على سبيل المثال لكل ما يحدث في كل سجون الطواغيت من المسلمين.
فقد كشف تقرير أعده الجنرال الأمريكي أنطونيو ثاغوبا و آخر أعده سيمون هيرش ونشرته مجلة نيويورك عن الجرائم التي يرتكبها الأمريكيون مثل كسر الأضواء الكيماوية وسكب السائل على المعتقلين و سكب المياه الباردة والساخنة على المعتقلين بعد تعريتهم و ممارسة اللواط فيهم وإجبارهم على تمثيل مظاهر جنسية ضد بعضهم البعض وإجبارهم على ممارسة العادة السرية و تعرية المعتقلين وإجبارهم على النوم فوق بعض و إدخال أضواء كيماوية في دبرهم و إبقائهم عراة لعدة أيام وضربهم بمقابض المكانس والكراسي و إجبارهم على التعري ولبس ملابس نسائية داخلية ربط رقاب المعتقلين وهم عراة بحبل وجرهم وهم مقيدين و حرمانهم من النوم واستخدام الكلاب العسكرية لترويعهم وعضهم و اغتصاب النساء المعتقلات و سكب سوائل فسفورية على المحتجزين وضرب المحتجزين بالكراسي والمطارق اليدوية والسماح للحرس بغرز المدى في الجراح الجديدة نتيجة التعذيب وضرب السجناء بجدران السجن و انتهاك عرض المساجين بكافة الطرق لاسيما إدخال عصي المقشات في دبر المعتقلين و ربط الأماكن الحساسة للمعتقلين بالأسلاك الكهربائي والتهديد بتشغيلها.
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية بحق هي رائدة تضييع حقوق الإنسان في العالم وكانت المثل الأدنى والأخس والأسفل الذي سارت على نهجه الدول الأخرى.
لقد طالبت منظمات حقوق الإنسان الأمريكية بمحاسبة المجرمين مثل رامسفيلد وجورج تينت وسانشيز والجنرال ميلر والتحقيق معهم بموجب مبدأ المسؤولية القيادية، لكن الذي حدث هو ترقيتهم وتلميعهم ( تماما كما يحدث في بلادنا مع فؤاد علام وأشباهه). لم تستجب راعية العالم الحر، لكنها شددت من قبضتها لمنع المزيد من فضح الجرائم، ابتداء من منع استعمال الهاتف المحمول ذي كاميرات التصوير إلى التهديد بقصف الفضائيات التي تنشر الفضائح، إلى ابتكار طرق تضلل العدالة وتعجزها عن التصرف كاستخدام الطائرات كمراكز تحقيق مع المعتقلين حيث لا يوجد أحد يطبّق عليهم أي قانون وهم في السماء ولا احد يراقبهم، و كتسليم المعتقلين إلى مخابرات في دول العالم الثالث حيث يتم تعذيبهم دون أن يعلم احد بمكان وجودهم، و استئجار المرتزقة والتعاقد مع شركات أمنية خاصّة من خارج الجيش مقابل أموال طائلة مما يبعد المسؤولية عن أي قيادي في الجيش الأمريكي ويتيح الفرصة أمام هؤلاء المرتزقة استخدام كافة أنواع التعذيب دون حسيب ورقيب، فهم يكادون يكونون حسب ما قاله تقرير “هيومن رايتس ووتش” الأخير بمأمن تام من أي مساءلة أو عقاب على أفعالهم لأن شروط عملهم مع الجيش الأمريكي تمنحهم الحصانة من المقاضاة أمام المحاكم وهم لا يخضعون لتسلسل القيادة العسكرية وبالتالي لا تجوز محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية ولا الأمريكية. لجأت راعية العالم الحر التي يسعى الليبراليون العرب إلى أن نتعلم منها أيضا إلى اختطاف المعتقلين وإخفائهم عن الأنظار واستخدام أسلوب “الإغراق بالماء” وحبس الأطفال واعتقالهم وأهاليهم وهدم بيوتهم وتقليه أشجارهم ومزروعاتهم لإجبار المطلوب على تقديم نفسه والاستسلام.
هل أستطيع أيها القارئ أن أنقل إليك شهادتين عن مجندين أمريكيين:
يقول الأوّل: رأيت زملائي وقد أجبروا محتجزين عراقيين على التعري وغطّوا رؤوسهم وأجبروا احدهم على الاستمناء والآخر على فتح فمه ثمّ قالوا لي “هل ترى ماذا تفعل هذه الحيوانات عندما نتركها لبضع دقائق؟!” .
أما الثاني فقد قال: لقد تعرّض أحد المعتقلين المصنف على انه خطير جدا إلى ضرب مبرح على أيدي رجال الاستخبارات وقد أدى ذلك إلى موته وبدلا من التعريف به وإعطائه رقم السجين تمّ وضعه في كيس مليء بالثلج ثمّ اخذوا يلتقطون الصور معه!!
ألا يجرح دينك وكرامتك أيها القارئ أن تعلم أن ضباط الموساد و أنهم مع إخوانهم من الشياطين الأمريكيين حاولوا كسر إرادة أسير سوداني في غوانتانامو من خلال إلباسه العلم الإسرائيلي عنوة فيما قاموا بربط أسرى آخرين بأيديهم وأرجلهم حتى غرقوا ببولهم وبرازهم طيلة 18 إلى 24 ساعة.
كيف أنقل إلى القارئ بعض ما حدث..و كيف أنبهه إلى أن الصور التي التقطها الجنود لبعضهم البعض قد أظهرت انّهم قاموا بهذه الجرائم الدنيئة بكل فرح وسرور وغبطة.
هذا هو العالم الحر الذي يعايروننا به ويطلبون منا أن نكون مثله.
هذه هي قيمهم ومثلهم العليا..
هذا هو توقيرهم للكبير وعطفهم على الصغير واحترامهم للجميع..
ها هي ذي نفوسهم المريضة..
تظهر الصور بعض الجنود الأمريكيين واقفين مبتسمين أمام الكاميرا وهو يضحكون بعد أن كوّموا السجناء العراقيين عراة على شكل هرم وإرغامهم على ممارسة الشذوذ والأفعال المشينة وبدا المجرمين بتوثيقهم لانتهاكاتهم لا يخافون من أي استجواب أو محاسبة أو قانون فهم القانون وهم العالم ودولتهم القائدة!!. إضافة إلى صور تظهر مجندة تقف والسيجارة تتدلى من شفتيها وترفع علامة النصر وتشير باليد الأخرى إلى موقع حسّاس لمعتقل عراقي عار تماما ورأسه مغطى بكيس، وصورة أخرى تظهر فيها المجندة إلى جانب ثلاث معتقلين يغطون عوراتهم بأيديهم وصورة أخرى تظهر فيه المجندة “انجلاند” ويدها بيد “غرانر” يرفعان أيديهما بإشارة النصر أمام سبعة معتقلين عراقيين عراة مكوميين فوق بعضهم البعض بينما يضحك الجنود عليهم وصور أخرى كثيرة وما خفي أعظم.. ( بتصرف كثير واختصار عن علي حسين باكير)..
هل يجب علي أن أحكي لكم عن الشيخ الذي ذهبت إليه قناة الجزيرة تسأله بعيد خروجه من المعتقل.. تلعثم الرجل.. ثم أجهش بالبكاء صارخا:
- لقد اغتصبوني..
هل يجب علىّ يا قراء أن أروي لكم كيف يتم اغتصاب الأطفال في مصر وبغداد وجوانتانامو..
هل يمكن أن أجعلكم تسمعون بآذانكم صرخات الفتاة الطفلة لمغتصبيها: “ والله أنا بكر.. والله أنا عذراء” وكأنما تحذيرها ذلك سيردهم عن الجريمة الشنعاء.
هل تقرأ أيها القارئ شريط الأنباء على قناة الجزيرة ، حيث يحاولون في وجه الطاغوت أن يبقوا قضية سامي الحاج حية..
سامي الحاج مصور يعمل لدي قناة الجزيرة، وقد اعتُقل على الحدود الباكستانية الأفغانية بينما كان متوجها إلى مدينة قندهار ضمن فريق القناة، في ذلك اليوم من ذلك العام انتهت الرحلة بسامي الحاج في معتقلات تشامان وكويتا وبغرام وأخيرا في غوانتانامو، التهمة؟ لا تهم محددة حتى اليوم سوى معلومات متضاربة ومشوهة يطلقها الأميركيون كما يُفعل مع أغلب معتقلي غوانتانامو، أما عن حق سامي الحاج في محاكمة عادلة فيظل بعد ألف وأربعمائة وستين يوما من اعتقاله معلقا حتى إشعار آخر.
ووفقا لما نشرته صحيفة الغارديان اللندنية في 26/9/2005، عرض المحققون على سامي الحاج الحصول على الجنسية الأمريكية مقابل أن يصبح جاسوسا. وحسب الوثائق التي أطلعت عليها الصحيفة، صرّح الحاج : “قالوا لي إذا تعاونت معنا فسنعلمك الصحافة، وسنقدم لك فيزا لتعيش في أي مكان من اختيارك. سنمنحك الجنسية الأمريكية، وسنوفر لك الحماية، وسنعطيك أموالا..سنساعدك على أن تكتب كتابا وسننشره لك. وهذا سيدفع القاعدة للاتصال بك والتعاون معك.”
جملة اعتراضية: هل يتذكر القارئ ما كتبته في مقال قديم أن أجهزة الأمن المصرية تجند كتابا وصحافيين بنفس الطريقة.. والكفر ملة واحدة!..
يتابع المحامي البريطاني الأميركي كلايف ستافور سميث ملف مصور قناة الجزيرة سامي الحاج الذي تعتقله واشنطن منذ أكثر من ثلاث سنوات في غوانتانامو. يقول سميث إن الأميركيين لم يوجهوا اتهامات محددة لسامي لكنهم يستعملونه كورقة ضد قناة الجزيرة.
يقرر المحامي: على المستوي التقني ليست هناك تهم ضده. لم توجه له رسميا أية تهمة حول أية جريمة, لكنه متهم بكونه أحد “المقاتلين الأعداء” وهو توصيف في غاية السخافة يلصقه الأميركيون بمن يشاءون. ليس هناك مطلقا أية وقائع .(...) احترم سامي لأنه رفض الافتراء ضد زملائه رغم الضغوط الأميركية (...) خضع سامي للاستجواب بطريقة عنيفة 130 مرة. الهدف من ذلك كان هو جعله يتحول لمخبر ضد قناة الجزيرة. كان الجيش الأميركي يريد منه أن يقول إن الجزيرة هي “جبهة” لتنظيم القاعدة وإن القاعدة تمولها. لقد رفض الحاج أن يقول ذلك لأنه غير صحيح. كشف له الجيش الأميركي أن الأميركيين يتنصتون على هواتف صحفيي القناة (كانوا يتنصتون على مكالمات سامي مع زوجته لما كان في مهمة إعلامية).
كان الأميركيون يريدون بالأخص من سامي أن يكون مخبرا ضد الصحفي أحمد منصور، ويقولون إن منصور عميل للقاعدة. لكن سامي رفض بقوة أن يقوم بذلك لأن تلك التهم كما يقول هي بكل بساطة غير صحيحة.(...) سامي يوظف لتمرير رسالة إلى الجزيرة مفادها أن أميركا ورغم أنها تدعي دعم حرية التعبير، تريد إغلاق تلك القناة أو إجبارها على ممارسة الرقابة على نفسها لكي تتوافق مع الرؤية الأميركية.
يكتب سامي الحاج رسالة طويلة- تنشرها قناة الجزيرة- يشرح فيها ما يحدث في أوكار الشياطين في أنحاء العالم فكأنما القرصان بوش يقول لكل معتقل سياسي: أينما تكون فسوف يأتيك مني العذاب.. يقول سامي الحاج عبر رحلته الطويلة مي معتقلات أسماؤها شتى لكنها تعبد ذات الشيطان:
“كوكبة من جميع أنحاء البسيطة قاسمها المشترك “الإسلام” يؤتى بهم من كل حدب وصوب، بأيدٍ قد أوثقت بالأغلال وأرجل مثقلة بالقيود ورؤوس مختفية داخل أكياس سوداء إلى هذا المكان المجهول. أبواب تفتح ونزول إلى أمتار عدة تحت الأرض في زنزانة صخرية الجدران حجمها لا يزيد عن المترين طولا ومتر عرضا، خالية تماما. وقبل أن يوصد الباب، تجرد من جميع ملابسك ثم ينظر إلى درجة اشتباهك، فإن كنت مشتبها به في الارتباط بأي منظمة “إرهابية” تربط يدك اليمنى على الجدار بحيث لا تستطيع الوقوف ولا الجلوس، وإن كنت مشتبها به في العضوية تعلق من يديك على السقف بحيث لا تلامس رجلاك الأرض، أما إذا كنت مشتبها به قياديا في منظمة إرهابية فتعلق في السقف من رجليك وتظل تسبح في الهواء. وتصل درجة حرارة الزنزانة إلى ما تحت الصفر في الشتاء، أما في الصيف فهي جحيم لا يطاق. أما الطعام فحسب درجة الاشتباه، فالمشتبه به العادي له وجبة كل ثلاثة أيام عبارة عن قبضة من الأرز نصف مستوي (النضج) مخلوط بنصف قبضة من التراب وملعقة من الفاصولياء السوداء، بالإضافة إلى قارورة من الماء الآسن الذي لا تستطيع أن تتجرعه إلا بعد إغلاق أنفك تماما. ولا تسأل عن مكان قضاء الحاجة فحسبك زنزانتك فهي كلها مكان لقضاء الحاجة. وبالنسبة للزمن فكل أيامك ظلام لا تعرف ليلا من نهار ولا تحلم بالنوم فأصوات الموسيقى الصاخبة وأصوات الحيوانات يخالطها أنين وآهات بني الإنسان نزلاء المكان. وبين الحين والحين والفينة والأخرى يدخل عليك الزوار خفافيش الليل أبطال من الملاكمين، وفي بعض الأحيان أصحاب الأحزمة السوداء في التايكواندو والكاراتيه، وفي زيارة أخرى المصارعين أو جلادون كرام. وتظل على هذا الحال شهرا.. شهرين.. ثلاثة.. والبعض يمكث سنين طوال، وفي بعض الأحيان يأخذونك في نزهة خارجية في غرفة ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، ويجلسونك على كرسي شبيه بكرسي طبيب الأسنان وأمامك عصي بجميع الأحجام، وبجانبك الأيمن كماشات لقلع الأظافر، وعلى جانبك الآخر مطارق ومسامير ومناشير، ومن تحتك حديقة حيوان بدءا بالقطط والفئران مرورا بالكلاب والعقارب والأفاعي العظام، ومن فوقك أسلاك كهربائية مختلفة العيارات. وعدد الزيارات حسب درجة الاشتباه، فالمشتبه به العادي مرة في كل أسبوع وفي جدولك زيارات إلى “المراوش” والمسابح. أما المراوش فيوضع الإنسان تحت أنبوب قطره لا يقل عن خمسة بوصات ثم يصب عليه الماء حسب الموسم، فإن كان شتاء فالماء على درجة قبل التجمد، وإن كان صيفا فعلى درجة قبل التبحر، أما الأحواض فمستنقعات من الأوساخ.
آآآه
هكذا كانوا يعذبون سيد قطب..
يربطونه في الكرسي ويدعون الماء يتساقط على رأسه الحليق قطرة فقطرة.. أياما تلو أيام لا يسمحون له فيها بالنوم..
كان السجن واحدا وكان الطاغوت واحدا وكان الشيطان واحدا وكان الكفر هو ذات الكفر..
هل علم القارئ الآن لماذا أهرب كل مرة من إكمال الحديث عنه.. عن سيد قطب.. رضي الله عنه.. إذ كيف سأحتمل ألمه؟!..
نعود إلى سامي الحاج.. ولندعه يواصل:
وبالنسبة للتحقيق.. وما أدراك ما التحقيق! أبطاله عرب شداد يتحدثون جميع اللهجات وخاصة المصرية والأردنية والعراقية. وفي هذا المكان فقط ترى الضوء إذ تسلط عليك إضاءة لا تقل قوتها عن ألف واط فأكثر. وبالتأكيد لن تر شيئا ولن تستطيع أن تفتح عينيك وستظل مغمض العينين من تلقاء نفسك حتى تلبس الكيس الأسود بعد نهاية الجولة. وعن الإكرام في الاستقبال وأثناء التحقيق فحدث ولا حرج.. بصقة.. صفعة.. ركلة.. لكمة.. صعقة كهربائية.. ضرب على أماكن حساسة وغير ذلك حتى نهاية الجولة.. وقبل الخروج إلى زنزانتك تعطر ببول معتق وتدهن بمخلفات الإنسان والحيوان. أما نزلاء هذا المكان فهم كثيرون لا يحصون.. ولكن من الذين خرجوا أحياء بقدرة إلهية ولم يلقوا حتفهم بأزمات قلبية –كما يدعي الأميركان- عمير اليمني وعبد الله الليبي وأيوب اليمني ورفيق الجزائري وبشير اصنعاني ويونس وهائل الذي فقد إحدى خصيتيه جراء الضرب والضغط عليها. “
“ثم يطير طائرنا ثانية من هذا الظلام ليحلق قهرا ويحط في منطقة تحيط بها الجبال تدعى “بغرام” التي لا تبعد عن هذا المكان سوى كيلومترات ليجد أناسا أخلاطا من نساء ورجال، شيب وأطفال. فلقد شوهدت امرأة باكستانية في إحدى الزنازين الانفرادية مصابة بحالة هستيرية من شدة ما ذاقت من أصناف الأذى وألوان العذاب، وأطفال يبكون من هول ما يرون وشباب يضربون حتى الموت، وما أكثر الذين أعلنت رسميا وفاتهم إثر أزمة قلبية مزعومة، وما خفي أعظم. “
“وبعدها يطير طائرنا مرة أخرى ليهبط بقندهار، وبالتحديد في مطارها حيث معتقل مكافحة الإرهاب. وداخل إحدى الخيم هذا فهد الشريف من آل البيت وسكان مكة المكرمة يوضع في خيمة انفرادية وتوجه له تهمة التخطيط لعمليات الحادي عشر من سبتمبر. وعندما ينكر ذلك يعلق من يديه مدة سبعة أيام مجردا من الملابس سوى سرواله القصير في البرد القارص دون طعام أو شراب، حتى يغمى عليه بعد ستة أيام فينزلونه ويطعم وجبة واحدة في اليوم مدة أسبوع آخر، وهو مجرد من ملابسه. ثم يدخل عليه المحقق فينكر التهمة فيدخل عليه آنذاك أربعة مصارعين من الجنود ويمسكونه بحيث لا يستطيع تحريك ساكن، وتدخل عليه عاهرة من العاهرات الأميركيات فتفعل ما يفعل الرجل بزوجته بحضور المحقق، ثم يبدأ الجميع بالضحك والسخرية. وعندما تقضي العاهرة حاجتها منه يهدد بتكرار هذا الفعل يوميا إذا لم يعترف، ثم يترك مرميا في خيمته عاريا خائفا محطما، ويعاوده المحقق كل يوم بالتهديد تارة وبالضرب تارة وبالشتم تارة أخرى، والاستهزاء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي، ولقد قال له بالحرف الواحد: “في هذه الحرب سوف ينتصر الصليب” .
نعود إلى سامي الحاج..
نعود إليه ليحدثنا عن جوانتانامو .. :
في خليج غوانتانامو “غولاغ المعاصر” حيث حديقة الحيوانات البشرية في حمامات انفرادية. يذهب بنا سامي الحاج إلى غرف التحقيق مباشرة ليقرأ على أحد الأبواب لافتة كبيرة مكتوبا عليها باللغة العربية “جهنم” . وتلك هي الغرفة التي خصصت لطالب العلم وحافظ كتاب الله “فاروق المكي” يتجرع فيها أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.. تسهير وموسيقى صاخبة.. إضاءة قوية.. برد قارس.. استهزاء بالإسلام بل بالقرآن، فمرة يوضع تحت رجل المحقق، وأخرى يرمى على الأرض.. ثم إغراء المومسات.
نعود إلى سامي الحاج..
نعود إليه في غرفة مجاورة ليجد فيها عبد الهادي الشارخ وهو شاب لم يتجاوز العشرين من العمر.. تسهير ثم صخب موسيقى ثم عاهرة تمسح على صدره “كريم” يثير الشهوة ثم تجلس على فخذيه وتخرج أصوانا في محاولة منها لتحريك غريزته، فيأبى الله له الخذلان ويظل صامدا صمود الرجال وراسخا رسوخ القمم الرواسي، فيجنّ جنون المحقق فيأتي بالقرآن الكريم ويرميه على الأرض ثم يطأه برجله القذرة، فيظل عبد الهادي على ما هو عليه فيزداد غضب المحقق ويأتي بعلم إسرائيل ويلفه على رأسه، وكل هذا وهو مكبل بقيود في يديه وموثق بالسلاسل والأغلال في رجليه على أرضية الغرفة.
في غرفة أخرى، هذا يعقوب السوري تدخل عليه المحققة وهو مقيد بالسلاسل وتتعرى أمامه، وعندما يخفض بصره تخرج قطعة من القطن وتأخذ من دم حيضها القذر وتمسح به وجه يعقوب المستنير بكلام الله عز وجل الذي يحويه صدره ويحفظه عن ظهر قلب. ويبقى على هذه الحال ساعات طوالا. وفي غرفة مجاورة يأمر المحقق المعتقل “محمد رجب” بالسجود له فيأبى السجود لغير رب الأرض والسموات، ويرفض أن يستكين لأمر مخلوق في الخضوع له، فيذيقه العذاب. ثم في غرفة أخرى، يدخل جندي وجندية على معاذ السيد فيتعريان أمامه ثم يمارسان الرذيلة ويجتهدان في إثارة غريزته، فيناجي ربه فيستجيب له ويحصنه حتى يعود إلى زنزانته من جديد.
نعود إلى سامي الحاج..
لكنه يودعنا بعد أن يجهز على البقية الباقية من إحساسنا إن كان عندنا إحساس يتجاوز ذلك الإحساس الذي يدفعنا للمظاهرات ..
يقول سامي الحاج:
واعلم أيها القارئ والمستمع الكريم أن هناك الكثير من القصص والحقائق أبشع وأفظع مما ذكرناه، ارتأيت أن أبقيها طي الكتمان حتى لا تخدش مسامعكم ولا تقسي قلوبكم، ولا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم.
سامي الحاج- معتقل غوانتانامو بكوبا في 8 سبتمبر/أيلول 2005 المصدر : الجزيرة..
هل تعلمون ماذا حدث لسامي الحاج بعد ذلك يا قراء..
يقول محاميه:
- لقد عانى سامي أسوأ أنواع التعذيب عندما اعتقل ونقل إلى أفغانستان. كما عانى في غوانتانامو وبشكل خاص لكونه احتج على تدنيس القرآن الكريم.
- ويواصل المحامي:
- لقد تعرض للضرب مرارا واعتدي عليه جنسيا..
فهل سمعتم هل قرأتم هل وعيتم هل فهمتم ..
لقد هتكوا عرضه..
هتكوا عرضه يا قراء..
هتكوا عرضه..
لا..
لا والله..
بل سلم عرضه..
سلم عرضه..
أحصن عرضه..
وهتكت أعراضنا نحن .. يا قراء..
www.mohamadabbas.net
mohamadabbas@gawab.com
شبكة البصرة
الاثنين 4 ربيع الاول 1427 / 3 نيسان 2006
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
أشكرك أخي المهند فقد نجح معي النقل بفضلك و على مرحلتين كمان.
أي دين هذا..
أي دين هذا وانتصار حماس المطاردة المحاصرة المجوّعة المقاطعة في فلسطين يربك الدنيا المدججة بالسلاح والقوة والغنى.. وما يرهبهم سلاح حماس ولا قوة جيشها، و إنما يرهبهم سلاح الدمار الشامل الذي تحمله: سلاح الإسلام، فحماس تحتمي بالإسلام ولا تحميه، ولو تخلت عنه لكانت أقرب إليهم من حبل الوريد. و أظن حماس تدرك هذا، كما تدرك أن عزوفي عن تهنئتها بالانتصار، لا يعود إلى قلة اهتمام أو نقص محبة – بل وفخر-، بل يعود إلى موقفي من الحياة، ذلك أنني أرى الحياة كلها ابتلاء لا تجوز التهنئة إلا بالنجاة منه، أما الانتصار فهو أحد وجوه الابتلاء وقد يكون هو الأقسى. ولعلي هنا أزيد، أنني لم أخف على حماس قبل ذلك أبدا، حتى عندما اندلعت ألسنة اللهب في قلبي، وتوهج الجمر الذي انتقل من قبضتي ليسري في عروقي، وفاض ألمي عن قدرة احتمالي باستشهاد الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، فعندما حدث هذا، كان يجري في إطار المعادلة العبقرية للإسلام: معادلة إحدى الحسنيين!!.. لم أخف على حماس أبدا طالما كانت تحت ظل هذه المعادلة.. الآن لا أملك لها إلا الدعاء بأن ينصرها الله.. فليس من حقي النصح ولا التحذير إلا من شيء واحد يرعبني دائما الاستدراج إليه فقد استدرج إليه حكامنا جميعا.. بلا استثناء..بالدنيا.لدين بالدنيا .. واستبدال الأدنى بالذي هو خير.. ليس من حقي إلا أن أعبر عن حقيقة موجودة وواضحة:
أن الإسلام هو الذي يحمينا وليس العكس.. و أن الهلاك في الابتعاد عنه والتخلي عن مظلة حمايته ولو بانحرافات التأويل التي تؤدي دائما إلى زيغ العقيدة..
الإسلام قادر على المواجهة.. بل هو الوحيد القادر على المواجهة..
الإسلام هو الذي يزيده الهجوم عليه بهاء وقوة.. كالحجر الكريم والألماس كلما ازداد الاحتكاك به كلما ازداد لمعانه.. فأي دين هذا؟!..
أي دين هذا الذي كلما ازداد عدد شهدائه ازداد عدد أصفيائه.. وكلما ازدادت أعباؤه ازداد أتباعه.. وكلما ازداد عدد المعذبين فيه كلما ازداد عدد المنضمين إليه..و كلما ازداد الهجوم الفكري عليه كلما ازداد عدد المقتنعين به..
في المقالات الماضية استعرضت بعض صنوف العذاب التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون.. صنوف العذاب التي تبدو متشابهة كأبناء سفاح لأب داعر، فوسائل التعذيب في القاهرة كوسائلها في الرياض وتونس وجوانتانامو والمعتقلات السرية والطائرة، وكلها وثيقة الصلة بالحضارة الغربية الشيطانية. وما التعذيب إلا أحد وجوهها، ووجوهها الأخرى ليست أقل دموية وبشاعة، علينا أن نفهم هذا، فبدون فهمه، وبدون النظرة الشاملة سوف نعجز عن فهم مجريات السياسة والتاريخ، سوف نعجز عن فهم أولئك الذين يتركون الحياة الرغدة الناعمة الهانئة ليجاهدوا ويستشهدوا.. سوف نعجز عن فهم لماذا فعل الإمام الشهيد حسن البنا ما فعل.. وسوف نعجز عن فهم كيف أن الاستشهاد بالنسبة لسيد قطب كان اختيارا لا إجبارا.. وكان اصطفاء لا ابتلاء.. بدون فهم المنظومة الإسلامية الشاملة لن نفهم لماذا سعي الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي إلى الاستشهاد هذا السعي كله .. ولن نفهم لماذا حمل المجاهدان أسامة بن لادن و أيمن الظواهري – رضي الله عنهما – نفسيهما عبء مواجهة الشيطان والعالم.. بل إنني في سعيي الحثيث نحو إكمال الكتابة عن الشهيد سيد قطب، لا يمكن أن أصيب كبد الحقيقة إلا إذا فهمت بشاعة العالم الذي نهض سيد قطب لمواجهته وتعريته وفضحة، حتى استشهد في سبيل ذلك.
نعم.. لكي نفهم هؤلاء ودرة العقد فيهم شهيدنا الغالي السيد قطب لابد أن نفهم العالم الذي استنفره لمواجهته.. العالم الذي تصفه الدكتورة زينب عبد العزيز بقولها: هؤلاء الطغاة قد نشأوا ودأبوا على اقتلاع الآخر سواء جغرافيا أو حضاريا أو دينيا. فما فعلوه بالسكان الأصليين للأمريكتين واستراليا وزنوج إفريقيا ، أو تعذيبهم و إبادتهم لملايين البشر، لا يمكن محوه من ذاكرة التاريخ .. (...) ويكفى أن نطالع الإصدارات الغربية الحديثة بأقلام بعض الأمناء لنرى أهوال ما قام و يقوم به هؤلاء “المتحضرون” ..
نعم.. علينا أن نواجه إعلام الطاغوت الذي يدعي أن سيد قطب و أتباعه يمثلون نمطا خارجيا أو على الأقل هامشيا للمسلمين.. لا.. بل هم التيار الرئيسي وهم الذين يدافعون عن الإسلام كله..
يقول الكاتب جان بودريار في كتابه المعنون “ قوى الجحيم “ إن الإسلام هو النقيض الحيوي للقيم الغربية ، و لذلك فهو يمثل العدو رقم واحد (...) ، وفيما يتعلق بالتعصّب الديني المسيحي فإن كل الأشكال المخالفة له تعد هرطقة ، وبذلك فيتعيّن عليها إما أن تدخل النظام العالمي الجديد ، طواعية أو قهراً ، أو عليها أن تختفي. إن مهمة الغرب الآن هي أن يتم إخضاع الثقافات المختلفة بشتى الوسائل إلى القانون الوحشي المسمى التساوي (...) فالهدف هو التقليل من المناطق المنشقة واستبعاد كل المساحات المعترضة، سواء أكانت مساحات جغرافية أم مساحات في المجال العقائدي “.
ولسوف نواصل فضح الطواغيت.. لكنني لا أريد للقارئ أن ينتهي من المقال وهو يقول لنفسه: يا له من مقال محزن ومؤثر.. ثم ينتهي الأمر.. فأنا لا أحكي حكاية ولا أروي رواية ولا أصوغ عملا فنيا أطمع بعده في التقريظ والتقدير والإعجاب.. لا أفعل ذلك.. إنما أكتب بالدم، باللحم البشري المشوي، بالعظام المهشمة والنفوس المقاومة.. وأريد بكتابتي تلك أن أوصل إلى القارئ و إلى الأمة كلها فداحة ما يحدث، كي يخرج المواطن العادي من صمته وسلبيته وسكونه، لأن الصمت جريمة وخيانة، وهو عار الدنيا وخزي الآخرة، أريد أن أنقل ذلك إلى القارئ، فهو إن اتحد مع الباقين القادر على إرغام الجلادين على كف ذئابهم كلاب النار عن نهش أبناء هذا الدين..
هل أستطيع أن أجعل القارئ يحس..
لو كان بيدي لدرت على الناس و لجلت في الأسواق ولطفت الدنيا أطرح أمام الناس فداحة ما يغمضون أعينهم عنه وبشاعته. فهل أفلح في مواجهة ألف فضائية و ألف ألف صحيفة ومذياع وكلب نابح بالباطل..
هل أفلح..
هل أستطيع؟!..
هل أستطيع؟!..
هل أستطيع أن أبلل صفحات هذه المجلة بالماء أو بالدموع وأن أصلها بالكهرباء كي يتكهرب القارئ إذ يقرأ، ليفهم ويحس ويعي أي نوع فظيع من العذاب يعانيه أولئك الذين يعذبونهم بالصعق بالتيار الكهربائي..
هل أستطيع أن أجعل من السطور سياطا و أسلاكا مجدولة تنهال على وعي القارئ ليحس بشيء شبيه لما يعانيه الضحايا؟.
وهل أستطيع أن أستعمل بدلا من الحبر الذي دنسته أقلام كثيرة دم الضحايا الذي سفكه الطاغوت الباطش الجبار وسفحه الضحايا..
هل أستطيع أن أوقد تحت القارئ نارا، ليحس بما يحس به الضحية وهو معلق كالخروف المشوي فوق النار..
هل أستطيع أن أجعل القارئ يقرأ هذه المجلة وهو معلق من قدميه في سقف منزله، أو وهو معلق من رسغيه معكوسا وقد ربطت في كل قدم من قدميه أنبوبة بوتاجاز، أو وهو يسحل على الأرض..
هل أستطيع أن أصوغ من تلك الحمم المنصهرة المنثالة من داخلي تمثالا يحرق لامسه ويعمي الناظر إليه، أو أن أرسم بألوانها الدامية لوحة تتحرك فيها الجمادات وتصرخ..
هل أستطيع أن أجعل صفحات هذا المقال تشتعل بين يدي القارئ، أو تنوح وتلطم ..
هل أستطيع أن أنقل للقارئ عظمة تلك النماذج الشامخة الأبية التي لا تنكسر أبدا مهما مورس ضدها من تعذيب حتى الموت.. ثم هل أستطيع الحديث عن الجانب الآخر.. عن الذين يفقدهم التعذيب بشريتهم ..
هل أستطيع أن أبث الروح في تلك الحروف المتراصة الميتة فتنفجر بالحياة من الألم فتنقل للقارئ في نفس اللحظة التي يقرأ فيها صرخة إنسان يعذب، صرخة تلاشى منها كل كبرياء وانهدمت فيها كل إرادة، طويلة مشروخة مذهولة مرتعبة منسحقة يائسة آملة مذبوحة راجية خاضعة ذليلة متوسلة معترفة بما لا تعرف تائبة عما لم ترتكب صاخبة جياشة هادرة مهدورة مرتجفة بالخوف والكهرباء عمياء بما يعصب العينين، غير مدركة من أين يجيئها العذاب ولا سببه، صرخة لا يتخيل أن مثلها يمكن أن يصدر من عضو بشري كالحنجرة و إنما كل خلية في الجسد الإنساني تصرخ صرختها الخاصة فخلايا الحنجرة تصرخ وخلايا القلب تصرخ وخلايا الكبد تصرخ وخلايا الدم تصرخ، وخلايا الجلد التي تقابل خلايا السوط في العرس الدامي تصرخ، وخلايا الجسد كلها تتحول إلى خلايا للألم تستقبله وتعبر عنه مسقطة كل أبجديات اللغة فلا يبقي من كل حروف كل لغات العالم سوي حرفين .. هما: آه.
ويذوب الموصوف في الصفة منصهرا تحت حرارة اللهيب فإذا الآه ليست تعبيرا عن الألم بل هي الألم ذاته وقد استدعته نداءاته ليقود كالمايسترو فرقة الخلايا الصارخة مطلقة جميعا في تناغم وحشي سيمفونية الألم المروع التي تعزفها خلايا الجسد الإنساني المعذب الذي فقد ذاكرته ففقدت أفعال اللغة أزمانها ولم يعد لديه ماض ولا حاضر ولا مستقبل، لم يبق إلا فعل الأمر: اضرب، احرق، انتهك، عذّب، اركع، اعترف، انسحق، تلاش، اكفر بالله ، سب محمدا، وهو لا يستطيع وبين العذاب و العذاب عذاب أن يجيب، فخلايا الذاكرة قد فقدت الذاكرة لتطلق هي الأخرى صرختها المجردة من الزمان، فكأنما هزيم الصرخات يغطي الوجود الإنساني عبر كل تاريخه المعذب بين جبروت الجلادين الفجرة وعذاب الضحايا وعجزهم وذلهم..
هل يمكن أن يسمع القارئ وعيناه تجريان على هذه السطور صوت سوط، صوت العظام وهي تتهشم، والمفاصل وهي تنخلع، والنفوس وهي تنكسر..
هل يمكن أن يرى القارئ ولو لثانية واحدة ضابط الشرطة الذي يعبث بأصابعه وبأدوات أخري في هني امرأة، في عورتها وعفتها، بعد أن أخذوها وهي البريئة رهينة، هل يمكن أن يرى القارئ ذلك و أن يخصف على مشهد العار الداعر في خياله الدامي صفحات هذا المقال..
هل يمكن..هل يمكن..
و هل تغني هذه الدموع التي يذرفها القارئ الآن وهو يقرأ، وهل تجدي في إطفاء النار المشتعلة في ضحية واحدة..
هل أنجح في أن أجعل القارئ يحس بثوان فقط من ذلك العذاب الوحشي الهمجي المجنون الذي يعانيه الآن في نفس هذه اللحظة واحد من آلاف الضحايا في باستيل مصر في لاظوغلي، أو في فروعه المنتشرة كالعنكبوت أوالأخطبوط على ساحة الوطن، أو في مراكزه الرئيسية في جوانتانامو و أبي غريب وفلسطين وسجون المخابرات الأمريكية السرية، هل أنجح في أن أشعره بثوان، ثوان فقط، تجعله حتى، دون أي احتجاج أو تمرد أو ثورة، يلجأ إلى سريره ينشد الراحة من الإنهاك الذي سببه له تخيل الإحساس بالعذاب، وهي راحة لا يظفر بمثلها الضحية، فهناك، في سجون الطواغيت، لا يجد الضحية أي فرصة للراحة من العذاب، فبعد كل عذاب عذاب أشد..( راجع إني أرى الملك عاريا .. د محمد عباس- مكتبة مدبولي)
هل يمكن أن أنقل إلى القارئ شيئا من مشاعر اللهفة المحمومة والأمل الذي يعتمل في نفس ضحية تترقب صحوة الأمة تستجيب للنداء الذي تطلقه الكينونة الإنسانية دونما حاجة إلى صوت تهتز به أوتار الحناجر ولا إلى لغة تقولها بالحروف: وا إسلاماه فتهرع الأمة لإنقاذه من عذابه..
لقد خدعونا، ادعوا زورا أن قانون حضارتهم اللاديني يقرر أنه لا يوجد متهم بريء ومتهم مذنب، فكل المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم في محاكمة عادلة ، خدعونا، فبالرغم من ادعائهم، فان ضحايا التعذيب والقتل، معظمهم أبرياء لم تصدر بشأنهم أحكام.. يكفي أن يصرح الجلاد أن الضحية متهم كي يسام العذاب أو يفقد حياته.. أو أن تدعي الدولة المارقة – أمريكا وذيولها- أنه مشتبه فيه كي تهدم دولته وتمزق أمته..
هل يمكن أن يرى القارئ ولو لثانية واحدة كيف تذيب قنابل الفوسفور اللحم البشري..
أو كيف تمزق القنابل العنقودية التي تنفجر المئات والآلاف من الناس.. أما التي لم تنفجر فهي لا تقل خطورة.. إنها خطر كامن ينفجر في أي وقت دونما حرب ولا غارات ولا إنذار.
هل يمكن أن يرى القارئ هذا الجلاد وهو يغتصب شيخا كل جريمته: لا إله إلا الله محمد رسول الله..
كيف يمكن أن أنقل إليكم ذلك..
لو كان الأمر بيدي لمزقت صفحات هذه المجلة ولففت في كل ورقة منها مزقة من لحم شهيد أو شظية من عظامه أو قطيرات من دمه ولدرت بها على القراء واحدا واحدا أعطي كل واحد نصيبه منها ونصيبه من عار الصمت وخزيه..
هل يمكن أن يرى القارئ - ما رأته صحيفة القدس العربي - فضائح المعتقلات الجوّية التي يتم خلالها اختطاف المعتقل أو حمله إلي طائرة جوّية خاصّة بالمخابرات الأمريكية ليتم التحقيق معه في الجو دون حسيب أو رقيب ولا قوانين ولا أنظمة تنطبق علي مثل هذه الحالات.
هل يعرف القارئ شيئا عن تقنية عزل الحواس أو عن تقنية تحطيم الاعتداد بالذات التي تستعمل خصيصا ضدّ المسلمين كما اعترفت الجنرال كاربنسكي لتلفزيون الجزيرة بانّ كل خبراء هذه التقنية إسرائيليون. وتقوم هذه التقنية علي استخدام كل ما من شانه أن يهين كرامة وشرف وعزّة نفس وثقة السجين أو المختطف بنفسه وتحطيم قدرته علي الصمود واعتداده بنفسه وخاصّة بتهديده بممارسة اللواط أو الاعتداء عليه جنسيا أو مسح وجهه بدم الحيض.!
هل جللك العار أيها القارئ..
لم تدنسك الكلاب ولا دم الحيض ولا رأيت بعينك المصحف وهم يلقونه في المرحاض..
لم يدنسك هذا..
لكن ثمة دنس آخر قد يدنسك.. دنس لا يقل عما ذكرنا وقد يزيد.. دنس صمتك..
نعم.. صمتك يدنسك..
صمتك الذي تسبب في عار آخر سوف أذكره لك على الفور:
ذلك أن أقسى عقوبة يلحقها الأمريكيون بالمعتقل أن يسلموه إلى أهله، أن يسلموا العراقي إلى الحيوان المسعور صولاغ، والمصري إلى الحيوان المسعور الذي لا أعرف اسمه.. وكذلك في الرياض وعمان ودمشق وتونس والدار البيضاء..
فيا لها من نجاسة تطال الجميع وعلى رأسهم الحكام..
هل هالك أيها القارئ ما سمعت؟..
هل تمزق ضميرك قبل أن يتمزق صمتك؟!..
دعني إذن أرفه عنك بقصة يختلط فيها الجنس بالدم ..
ودعني قبلها أذكرك بشيء بالغ الخطورة يحدث في أرجاء كثيرة من عالمنا العربي، حيث تحول بعض الشرطة وأعضاء الحزب إلى مجرمين عتاة يطلبون من الناس الإتاوات كي لا يعتقلوا.. أو يطلبون من أهلهم ثمن استصدار قرار بالإفراج عنهم..
حدث هذا مع عدد لا يمكن حصره منهم العراقية: هدى العزاوي 39 عاما( من عائلة ميسورة)، واحدة من العديد من النساء اللاتي حبسن في السجن العراقي سيء الصيت, أبو غريب. وبعد إطلاق سراحها تروي قصة عذابها إلى لوك هاردينج (الجاريان).
بدأت الحكاية حين تلقت هدى العزاوي تهديدا من احد العراقيين المتعاونين مع القوات الأمريكية “مدام هدى ادفعي لي 10 ألاف دولار أمريكي, وإذا لم تدفعي فأنني سوف اكتب تقريرا للأمريكان عنك وعن عائلتك وأقول بأنكم تعملون مع المقاومة” ، وانه سوف يقدمه إلى القوات الأمريكية التي سوف تقوم باعتقالها.
رفضت هدي الدفع لأنها أدركت أن الاستجابة للابتزاز ستحرض المجرم على مزيد من الابتزاز.
بعد فترة قصيرة قام الأمريكان باعتقال أخ آخر للسيدة هدى تلاه أخوه الأكبر وهو أياد البالغ من العمر 44 عاما, وعند هذا الحد قررت السيدة هدى مواجهة الأمريكان مباشرة, وتوجهت إلى قاعدة القوات الأمريكية في الأعظمية. تقول هدى أن الكابتن الأمريكي طلب منها العودة ومعها أخويها الآخرين, ثم بعد ذلك سوف نتكلم. وفي عشية عيد ميلاد السيد المسيح, عادت هدى ومعها أخويها علي ومعتز, “ولقد انتظرت أربع ساعات قبل أن يستجوبني الكابتن, وبعد عشر دقائق ابلغني بأنني رهن الاعتقال! “.” قيدوا يدي إلى الخلف، وعصبوا عيني بواسطة قطعة قماش، وربطوني في سيارة هامفي وأخذوني إلى مكان داخل القصر. ثم رموني في غرفة يوجد فيها كرسي خشبي واحد, وكانت غرفة باردة جدا , وبعد خمسة ساعات جلبوا أختي. أنا لم أكن أرى شيئا ولكن استطعت تمييزها من صراخها(...)تركوني على هذا الكرسي طوال الليل, وفي اليوم الثاني أخذوني إلى غرفة تسمى من قبل المحتجزين بـ (غرفة التعذيب). وصاح بنا الضابط “إذا لم تعترفوا سوف نعذبكم, لذا عليكم الاعتراف” . كانت يداي مقيدتان، وخلعوا حذائي وأوقفوني في الوحل، ووجهوا وجهي نحو الحائط. وكنت اسمع رجالا ونساء يتصارخون ويبكون بشدة(...) استطعت تمييز بكاء أخي معتز, أردت فقط اعرف ماذا كان يجري هناك, وحاولت أن أزيل العصابة عن عيوني وعندما فعلت ذلك أغمي علي” .
كان أخوها معتز قد اغتصب بطريقة وحشية وهمجية.
ثم جاء دورها في الاستجواب.
“العميل العراقي وضابط أمريكي كانا معا في تلك الغرفة. وبدأ العميل العراقي يتكلم وقال: “أنت تمولين إخوانك لضرب الأمريكان” . وبما إنني أتكلم قليلا من الإنكليزية, فقد رديت عليه فقلت: انه كاذب, ثم صفعني الضابط الأمريكي على كلتا وجنتي، وسقطت أرضا من شدة الضربة. (...) وبعد ذلك أرجعوني إلى الزنزانة التي لم تكن مسقفة، والسماء كانت تمطر بشدة. في منتصف الليل رموا تحت أقدام أختي شيئا ما تبين انه أخي أياد. وكان ينزف من قدميه وركبتيه ووجهه, وسألت أختي: “تأكدي إن كان لا يزال يتنفس” , ثم ردت أختي: “لا! لاشيء” , وبدأت ابكي, وفي اليوم التالي اخذوا جثته بعيدا” .
وبعد ذلك أصدر الجيش الأمريكي شهادة وفاة اطلعت عليها صحيفة الجارديان تعزي سبب الوفاة إلى سكتة قلبية أو بسبب مرض غير معروف. الطبيب الأمريكي الذي وقع شهادة الوفاة لم يكتب اسمه وكان توقيعه مشوها. الجثة أعيدت إلى العائلة بعد مضي أربعة اشهر، في الثالث من نيسان، بعد افتضاح قصة سجن أبو غريب.
“ولكوني أتكلم قليلا من الإنكليزية فقد سمح لي بالعمل على جمع القمامة, ولم يكن هناك أبدا طعاما كافيا, وفي احد الأيام سقطت امرأة مسنة من الجوع, وقد كان الأمريكان يأكلون الكثير من الطعام, ويتركون الباقي؛ لذلك كنت اجمع ما تبقى من الفضلات وأعطيه إلى تلك المرأة المسنه. وفي احد الأيام شاهدوني أقوم بذلك، فرموني في زنزانة انفرادية عرضها متر واحد. ثم بدأوا يرشون الماء البارد علي لمدة أربعة ساعات.
هل تدمع عيناك الآن أيها القارئ؟..
أم أنك تلطم وجهك وتصرخ وتنوح..
أتريد مزيدا من القصص..
إليك قصة محلية.. وقد حدثت تقريبا في نفس الوقت:
لقد حدثتك عن اغتصاب الشيوخ والعلماء في العراق.. فهل تظن أن القاهرة بعيدة عن ذلك.. فلتقرأ في تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان في مصر:
يقول المتهم محمود زين العابدين - إمام وخطيب - : حضر شاويش وأخذني لعرض على النيابة وأخذوني إلى السجن مع الدسوقي قليب وخالد عيد الشامي ومحمد إسماعيل سعد وذهبوا بنا إلى سجن الاستقبال حيث أمضينا أربعة ساعات ثم أخذونا بعد تعصيب أعيننا وتقيد أيدينا بالكلابشات خلف ظهرنا ورمونا في ميكروبا على الأرضية ونمنا على ظهورنا والكلابشات خلف ظهرنا يقطع في أيدينا وألقوا علينا بطانية ثم ذهبوا إلى مباحث أمن الدولة في مدينة نصر وأجبرونا على النزول بالضرب ونحن معصوبي الأعين ومكلبشين وضربونا على الظهر والرأس وأعطوا لي رقم 3 ووضعوني في زنزانة غير آدمية لمدة 24 ساعة وأنا معصوب العين ومكثت أربعة ساعات في رعب من سماع أصوات الضرب ثم سألوني وضربوني وأجبروني على خلع ملابسي بالكامل وهددوني بتصويري وإرسال الصورة إلى البلد وتم كهربتي بشئ يشبه العصا في ظهري واسمعوني صوت تعذيب دسوقي قليب وضربه وتعذيبه ووضع العصا الكهربائي بالعضو التناسلي وفى رأسه حتى كاد يفقد الوعي. وثالث يوم قال أحد الضباط (إديلو شوية أبو غريب) فقاموا بتعليقي من ذراعي في مأسورة وتم رفع الكرسي من أسفل رجلي حتى شعرت أن ذراعي ينمل ويكاد أن ينكسر فاستنجد بهم فأخذوا يكهربوني واستمر ذلك لمدة 20 دقيقة وعندما أنزلوني من على المأسورة وجدت عظمة كوعي الأيمن بارزة ومنملة وفقد توازني وأخذوني إلى المكتب مرة أخرى واستمر التعذيب حتى أعترف عن تنظيم الإخوان والكوادر وأنا عاري تماماً.
هل يمكن أن يحس القارئ بذلك..
وهل يجب علي أن أذكره بأن الشهيد أكرم زهيري كان رفيق الشيخ محمود زين العابدين في السجن.. حيث مات..
هل تريد حكايات أخرى أيها القارئ المدان صمته؟! أم اكتفيت؟!.
هل تريد أن تعرف كيف تروع الشرطة أسر الشهداء، كيف تعتقلهم وتعذبهم قبل إخبارهم بموت قريبهم من التعذيب كي يعوا الدرس ويعلموا ما سيصيبهم إن فضحوا ما حدث أو اتخذوا أية إجراءات قانونية للتحقيق في واقعة التعذيب.
أما عن النتيجة فلم يحقق أحد ولم يدن أحد.. فتصرخ الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب معلنة في غضب ارتفاع معدل التعذيب وعنفوان شدته إلى الحد الذي أصبح يؤدى بحياة مواطن كل أسبوع وينتج ضحية تعذيب كل يوم تقريبا وذلك وفقا للبيانات المتاحة فقط ليصبح الأحد الأدنى سنويا لضحايا التعذيب 52 قتيلا و365 ضحية للتعذيب.. فمن المعروف جيدا أن وقائع التعذيب الفعلية إلى لا تصل أخبارها إلى الإعلام أو مراكز حقوق الإنسان تبلغ أضعاف هذه الأرقام .
وتصرخ الجمعية : لقد بات المجتمع المصري في مواجهة غول توحش وفقد إنسانيته متمثلا في جلادي التعذيب وأولئك المسئولين الذين يتولون حماية جلادي التعذيب . إن الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب تدعو جميع المواطنين إلى التضامن لمواجهة هذه الكارثة
نعم..
الجمعية دعت جميع المواطنين..
لكن جميع المواطنين صامتون..
في تقرير نشره الكاتب السوداني علي حسين باكير في موقع صحيفة “ المصريون” الإليكترونية يلفت النظر فيه إلى الريادة الأمريكية الفاجرة و أن معظم مدارس العالم في التعذيب تعلمت فيها أو استمدت الخبرة منها. وتاريخ الولايات المتّحدة في تأسيس مدارس التعذيب والسجن فظيع ومروع ولا ينافسها فيه أحد. إن فظائع “أبو غريب” لم تكن حدثا عرضيا بل هي منهج استراتيجي راسخ . فالتاريخ يكشف أن تفوق مدارس التعذيب الأمريكية يأتي نتيجة التخطيط والمران والخبرة العملية وبعد جهود مضنية ومكثّفة يتم تدريب الضبّاط فيها من خلال كتب ومدارس وأخصّائيين نفسانيين واجتماعيين على كيفية إذلال المعتقل وامتهان كرامته لانتزاع ما يريدون منه(...) أسلوب التعذيب عند الأمريكيين قديم ومراجعه كثيرة : راجع مثلا تأسيس المدرسة العسكريّة الأمريكية في باناما، وانتقالها عام 1984 إلى نورث بينييج. وقد قامت هذه المدرسة منذ تأسيسها عام 1946 بتدريب 60 ألف عضو من 12 بلدا وقد أصبح عدد منهم فيما بعد رؤساء دول بعد أن أصبحوا جلاّدين مشهورين. ولقد كان لمدرسة الشيطان تلك كتب تدرس ومناهج تتبع. وكان من هذه الكتب: كتاب اسمه:” KUBARK” لتعليم فنون التعذيب، ويشرح الأساليب والطرق التي يجب إتباعها لانتزاع المعلومات من الأسير. ويؤكّد واضعو هذا المنهج أنّ أفضل وسيلة هي التي تجعل المعتقل يعذّب نفسه وأن يعذّب المعتقلين بمعتقلين آخرين. وقد تمّ تدريس هذا المنهج إلى رجال الاستخبارات والضبّاط في السجون وضبّاط مكافحة التمرّد والثورات. ومنها أيضا كتاب آخر تحت اسم “التدريب لاستغلال القدرات البشرية” وكان هذا أسوأ نتاج في التعذيب ويعتقد أن المنهج الذي طبٌّق في سجن “أبو غريب” هو نفسه المذكور في ذلك الكتاب.
هل عرفتم الآن مصادر ثقافة ضباط أمن الدولة والحرس الوطني؟.. ولماذا يبدون في موقفهم من المسلمين أشد قسوة من الصليبيين واليهود..
هل تتساءلون عن السبب..
لقد أجروا لهم عمليات غسيل مخ فصلتهم عن دينهم و أمتهم..
لكن ذلك لا يقلل من مسئوليتهم عن جرائمهم قيد أنملة..
لا يقلل أيضا من مسئوليتنا عن كشفهم وفضحهم ومحاكمتهم..
فكيف أستطيع أن أصل إلى البشرية جمعاء كي أصرخ فيها بما يحدث و أنقل لها هول جرائم التعذيب التي مارستها قوات الاحتلال الأمريكي في سجن أبو غريب في العراق، ليس على سبيل الحصر بل على سبيل المثال لكل ما يحدث في كل سجون الطواغيت من المسلمين.
فقد كشف تقرير أعده الجنرال الأمريكي أنطونيو ثاغوبا و آخر أعده سيمون هيرش ونشرته مجلة نيويورك عن الجرائم التي يرتكبها الأمريكيون مثل كسر الأضواء الكيماوية وسكب السائل على المعتقلين و سكب المياه الباردة والساخنة على المعتقلين بعد تعريتهم و ممارسة اللواط فيهم وإجبارهم على تمثيل مظاهر جنسية ضد بعضهم البعض وإجبارهم على ممارسة العادة السرية و تعرية المعتقلين وإجبارهم على النوم فوق بعض و إدخال أضواء كيماوية في دبرهم و إبقائهم عراة لعدة أيام وضربهم بمقابض المكانس والكراسي و إجبارهم على التعري ولبس ملابس نسائية داخلية ربط رقاب المعتقلين وهم عراة بحبل وجرهم وهم مقيدين و حرمانهم من النوم واستخدام الكلاب العسكرية لترويعهم وعضهم و اغتصاب النساء المعتقلات و سكب سوائل فسفورية على المحتجزين وضرب المحتجزين بالكراسي والمطارق اليدوية والسماح للحرس بغرز المدى في الجراح الجديدة نتيجة التعذيب وضرب السجناء بجدران السجن و انتهاك عرض المساجين بكافة الطرق لاسيما إدخال عصي المقشات في دبر المعتقلين و ربط الأماكن الحساسة للمعتقلين بالأسلاك الكهربائي والتهديد بتشغيلها.
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية بحق هي رائدة تضييع حقوق الإنسان في العالم وكانت المثل الأدنى والأخس والأسفل الذي سارت على نهجه الدول الأخرى.
لقد طالبت منظمات حقوق الإنسان الأمريكية بمحاسبة المجرمين مثل رامسفيلد وجورج تينت وسانشيز والجنرال ميلر والتحقيق معهم بموجب مبدأ المسؤولية القيادية، لكن الذي حدث هو ترقيتهم وتلميعهم ( تماما كما يحدث في بلادنا مع فؤاد علام وأشباهه). لم تستجب راعية العالم الحر، لكنها شددت من قبضتها لمنع المزيد من فضح الجرائم، ابتداء من منع استعمال الهاتف المحمول ذي كاميرات التصوير إلى التهديد بقصف الفضائيات التي تنشر الفضائح، إلى ابتكار طرق تضلل العدالة وتعجزها عن التصرف كاستخدام الطائرات كمراكز تحقيق مع المعتقلين حيث لا يوجد أحد يطبّق عليهم أي قانون وهم في السماء ولا احد يراقبهم، و كتسليم المعتقلين إلى مخابرات في دول العالم الثالث حيث يتم تعذيبهم دون أن يعلم احد بمكان وجودهم، و استئجار المرتزقة والتعاقد مع شركات أمنية خاصّة من خارج الجيش مقابل أموال طائلة مما يبعد المسؤولية عن أي قيادي في الجيش الأمريكي ويتيح الفرصة أمام هؤلاء المرتزقة استخدام كافة أنواع التعذيب دون حسيب ورقيب، فهم يكادون يكونون حسب ما قاله تقرير “هيومن رايتس ووتش” الأخير بمأمن تام من أي مساءلة أو عقاب على أفعالهم لأن شروط عملهم مع الجيش الأمريكي تمنحهم الحصانة من المقاضاة أمام المحاكم وهم لا يخضعون لتسلسل القيادة العسكرية وبالتالي لا تجوز محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية ولا الأمريكية. لجأت راعية العالم الحر التي يسعى الليبراليون العرب إلى أن نتعلم منها أيضا إلى اختطاف المعتقلين وإخفائهم عن الأنظار واستخدام أسلوب “الإغراق بالماء” وحبس الأطفال واعتقالهم وأهاليهم وهدم بيوتهم وتقليه أشجارهم ومزروعاتهم لإجبار المطلوب على تقديم نفسه والاستسلام.
هل أستطيع أيها القارئ أن أنقل إليك شهادتين عن مجندين أمريكيين:
يقول الأوّل: رأيت زملائي وقد أجبروا محتجزين عراقيين على التعري وغطّوا رؤوسهم وأجبروا احدهم على الاستمناء والآخر على فتح فمه ثمّ قالوا لي “هل ترى ماذا تفعل هذه الحيوانات عندما نتركها لبضع دقائق؟!” .
أما الثاني فقد قال: لقد تعرّض أحد المعتقلين المصنف على انه خطير جدا إلى ضرب مبرح على أيدي رجال الاستخبارات وقد أدى ذلك إلى موته وبدلا من التعريف به وإعطائه رقم السجين تمّ وضعه في كيس مليء بالثلج ثمّ اخذوا يلتقطون الصور معه!!
ألا يجرح دينك وكرامتك أيها القارئ أن تعلم أن ضباط الموساد و أنهم مع إخوانهم من الشياطين الأمريكيين حاولوا كسر إرادة أسير سوداني في غوانتانامو من خلال إلباسه العلم الإسرائيلي عنوة فيما قاموا بربط أسرى آخرين بأيديهم وأرجلهم حتى غرقوا ببولهم وبرازهم طيلة 18 إلى 24 ساعة.
كيف أنقل إلى القارئ بعض ما حدث..و كيف أنبهه إلى أن الصور التي التقطها الجنود لبعضهم البعض قد أظهرت انّهم قاموا بهذه الجرائم الدنيئة بكل فرح وسرور وغبطة.
هذا هو العالم الحر الذي يعايروننا به ويطلبون منا أن نكون مثله.
هذه هي قيمهم ومثلهم العليا..
هذا هو توقيرهم للكبير وعطفهم على الصغير واحترامهم للجميع..
ها هي ذي نفوسهم المريضة..
تظهر الصور بعض الجنود الأمريكيين واقفين مبتسمين أمام الكاميرا وهو يضحكون بعد أن كوّموا السجناء العراقيين عراة على شكل هرم وإرغامهم على ممارسة الشذوذ والأفعال المشينة وبدا المجرمين بتوثيقهم لانتهاكاتهم لا يخافون من أي استجواب أو محاسبة أو قانون فهم القانون وهم العالم ودولتهم القائدة!!. إضافة إلى صور تظهر مجندة تقف والسيجارة تتدلى من شفتيها وترفع علامة النصر وتشير باليد الأخرى إلى موقع حسّاس لمعتقل عراقي عار تماما ورأسه مغطى بكيس، وصورة أخرى تظهر فيها المجندة إلى جانب ثلاث معتقلين يغطون عوراتهم بأيديهم وصورة أخرى تظهر فيه المجندة “انجلاند” ويدها بيد “غرانر” يرفعان أيديهما بإشارة النصر أمام سبعة معتقلين عراقيين عراة مكوميين فوق بعضهم البعض بينما يضحك الجنود عليهم وصور أخرى كثيرة وما خفي أعظم.. ( بتصرف كثير واختصار عن علي حسين باكير)..
هل يجب علي أن أحكي لكم عن الشيخ الذي ذهبت إليه قناة الجزيرة تسأله بعيد خروجه من المعتقل.. تلعثم الرجل.. ثم أجهش بالبكاء صارخا:
- لقد اغتصبوني..
هل يجب علىّ يا قراء أن أروي لكم كيف يتم اغتصاب الأطفال في مصر وبغداد وجوانتانامو..
هل يمكن أن أجعلكم تسمعون بآذانكم صرخات الفتاة الطفلة لمغتصبيها: “ والله أنا بكر.. والله أنا عذراء” وكأنما تحذيرها ذلك سيردهم عن الجريمة الشنعاء.
هل تقرأ أيها القارئ شريط الأنباء على قناة الجزيرة ، حيث يحاولون في وجه الطاغوت أن يبقوا قضية سامي الحاج حية..
سامي الحاج مصور يعمل لدي قناة الجزيرة، وقد اعتُقل على الحدود الباكستانية الأفغانية بينما كان متوجها إلى مدينة قندهار ضمن فريق القناة، في ذلك اليوم من ذلك العام انتهت الرحلة بسامي الحاج في معتقلات تشامان وكويتا وبغرام وأخيرا في غوانتانامو، التهمة؟ لا تهم محددة حتى اليوم سوى معلومات متضاربة ومشوهة يطلقها الأميركيون كما يُفعل مع أغلب معتقلي غوانتانامو، أما عن حق سامي الحاج في محاكمة عادلة فيظل بعد ألف وأربعمائة وستين يوما من اعتقاله معلقا حتى إشعار آخر.
ووفقا لما نشرته صحيفة الغارديان اللندنية في 26/9/2005، عرض المحققون على سامي الحاج الحصول على الجنسية الأمريكية مقابل أن يصبح جاسوسا. وحسب الوثائق التي أطلعت عليها الصحيفة، صرّح الحاج : “قالوا لي إذا تعاونت معنا فسنعلمك الصحافة، وسنقدم لك فيزا لتعيش في أي مكان من اختيارك. سنمنحك الجنسية الأمريكية، وسنوفر لك الحماية، وسنعطيك أموالا..سنساعدك على أن تكتب كتابا وسننشره لك. وهذا سيدفع القاعدة للاتصال بك والتعاون معك.”
جملة اعتراضية: هل يتذكر القارئ ما كتبته في مقال قديم أن أجهزة الأمن المصرية تجند كتابا وصحافيين بنفس الطريقة.. والكفر ملة واحدة!..
يتابع المحامي البريطاني الأميركي كلايف ستافور سميث ملف مصور قناة الجزيرة سامي الحاج الذي تعتقله واشنطن منذ أكثر من ثلاث سنوات في غوانتانامو. يقول سميث إن الأميركيين لم يوجهوا اتهامات محددة لسامي لكنهم يستعملونه كورقة ضد قناة الجزيرة.
يقرر المحامي: على المستوي التقني ليست هناك تهم ضده. لم توجه له رسميا أية تهمة حول أية جريمة, لكنه متهم بكونه أحد “المقاتلين الأعداء” وهو توصيف في غاية السخافة يلصقه الأميركيون بمن يشاءون. ليس هناك مطلقا أية وقائع .(...) احترم سامي لأنه رفض الافتراء ضد زملائه رغم الضغوط الأميركية (...) خضع سامي للاستجواب بطريقة عنيفة 130 مرة. الهدف من ذلك كان هو جعله يتحول لمخبر ضد قناة الجزيرة. كان الجيش الأميركي يريد منه أن يقول إن الجزيرة هي “جبهة” لتنظيم القاعدة وإن القاعدة تمولها. لقد رفض الحاج أن يقول ذلك لأنه غير صحيح. كشف له الجيش الأميركي أن الأميركيين يتنصتون على هواتف صحفيي القناة (كانوا يتنصتون على مكالمات سامي مع زوجته لما كان في مهمة إعلامية).
كان الأميركيون يريدون بالأخص من سامي أن يكون مخبرا ضد الصحفي أحمد منصور، ويقولون إن منصور عميل للقاعدة. لكن سامي رفض بقوة أن يقوم بذلك لأن تلك التهم كما يقول هي بكل بساطة غير صحيحة.(...) سامي يوظف لتمرير رسالة إلى الجزيرة مفادها أن أميركا ورغم أنها تدعي دعم حرية التعبير، تريد إغلاق تلك القناة أو إجبارها على ممارسة الرقابة على نفسها لكي تتوافق مع الرؤية الأميركية.
يكتب سامي الحاج رسالة طويلة- تنشرها قناة الجزيرة- يشرح فيها ما يحدث في أوكار الشياطين في أنحاء العالم فكأنما القرصان بوش يقول لكل معتقل سياسي: أينما تكون فسوف يأتيك مني العذاب.. يقول سامي الحاج عبر رحلته الطويلة مي معتقلات أسماؤها شتى لكنها تعبد ذات الشيطان:
“كوكبة من جميع أنحاء البسيطة قاسمها المشترك “الإسلام” يؤتى بهم من كل حدب وصوب، بأيدٍ قد أوثقت بالأغلال وأرجل مثقلة بالقيود ورؤوس مختفية داخل أكياس سوداء إلى هذا المكان المجهول. أبواب تفتح ونزول إلى أمتار عدة تحت الأرض في زنزانة صخرية الجدران حجمها لا يزيد عن المترين طولا ومتر عرضا، خالية تماما. وقبل أن يوصد الباب، تجرد من جميع ملابسك ثم ينظر إلى درجة اشتباهك، فإن كنت مشتبها به في الارتباط بأي منظمة “إرهابية” تربط يدك اليمنى على الجدار بحيث لا تستطيع الوقوف ولا الجلوس، وإن كنت مشتبها به في العضوية تعلق من يديك على السقف بحيث لا تلامس رجلاك الأرض، أما إذا كنت مشتبها به قياديا في منظمة إرهابية فتعلق في السقف من رجليك وتظل تسبح في الهواء. وتصل درجة حرارة الزنزانة إلى ما تحت الصفر في الشتاء، أما في الصيف فهي جحيم لا يطاق. أما الطعام فحسب درجة الاشتباه، فالمشتبه به العادي له وجبة كل ثلاثة أيام عبارة عن قبضة من الأرز نصف مستوي (النضج) مخلوط بنصف قبضة من التراب وملعقة من الفاصولياء السوداء، بالإضافة إلى قارورة من الماء الآسن الذي لا تستطيع أن تتجرعه إلا بعد إغلاق أنفك تماما. ولا تسأل عن مكان قضاء الحاجة فحسبك زنزانتك فهي كلها مكان لقضاء الحاجة. وبالنسبة للزمن فكل أيامك ظلام لا تعرف ليلا من نهار ولا تحلم بالنوم فأصوات الموسيقى الصاخبة وأصوات الحيوانات يخالطها أنين وآهات بني الإنسان نزلاء المكان. وبين الحين والحين والفينة والأخرى يدخل عليك الزوار خفافيش الليل أبطال من الملاكمين، وفي بعض الأحيان أصحاب الأحزمة السوداء في التايكواندو والكاراتيه، وفي زيارة أخرى المصارعين أو جلادون كرام. وتظل على هذا الحال شهرا.. شهرين.. ثلاثة.. والبعض يمكث سنين طوال، وفي بعض الأحيان يأخذونك في نزهة خارجية في غرفة ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، ويجلسونك على كرسي شبيه بكرسي طبيب الأسنان وأمامك عصي بجميع الأحجام، وبجانبك الأيمن كماشات لقلع الأظافر، وعلى جانبك الآخر مطارق ومسامير ومناشير، ومن تحتك حديقة حيوان بدءا بالقطط والفئران مرورا بالكلاب والعقارب والأفاعي العظام، ومن فوقك أسلاك كهربائية مختلفة العيارات. وعدد الزيارات حسب درجة الاشتباه، فالمشتبه به العادي مرة في كل أسبوع وفي جدولك زيارات إلى “المراوش” والمسابح. أما المراوش فيوضع الإنسان تحت أنبوب قطره لا يقل عن خمسة بوصات ثم يصب عليه الماء حسب الموسم، فإن كان شتاء فالماء على درجة قبل التجمد، وإن كان صيفا فعلى درجة قبل التبحر، أما الأحواض فمستنقعات من الأوساخ.
آآآه
هكذا كانوا يعذبون سيد قطب..
يربطونه في الكرسي ويدعون الماء يتساقط على رأسه الحليق قطرة فقطرة.. أياما تلو أيام لا يسمحون له فيها بالنوم..
كان السجن واحدا وكان الطاغوت واحدا وكان الشيطان واحدا وكان الكفر هو ذات الكفر..
هل علم القارئ الآن لماذا أهرب كل مرة من إكمال الحديث عنه.. عن سيد قطب.. رضي الله عنه.. إذ كيف سأحتمل ألمه؟!..
نعود إلى سامي الحاج.. ولندعه يواصل:
وبالنسبة للتحقيق.. وما أدراك ما التحقيق! أبطاله عرب شداد يتحدثون جميع اللهجات وخاصة المصرية والأردنية والعراقية. وفي هذا المكان فقط ترى الضوء إذ تسلط عليك إضاءة لا تقل قوتها عن ألف واط فأكثر. وبالتأكيد لن تر شيئا ولن تستطيع أن تفتح عينيك وستظل مغمض العينين من تلقاء نفسك حتى تلبس الكيس الأسود بعد نهاية الجولة. وعن الإكرام في الاستقبال وأثناء التحقيق فحدث ولا حرج.. بصقة.. صفعة.. ركلة.. لكمة.. صعقة كهربائية.. ضرب على أماكن حساسة وغير ذلك حتى نهاية الجولة.. وقبل الخروج إلى زنزانتك تعطر ببول معتق وتدهن بمخلفات الإنسان والحيوان. أما نزلاء هذا المكان فهم كثيرون لا يحصون.. ولكن من الذين خرجوا أحياء بقدرة إلهية ولم يلقوا حتفهم بأزمات قلبية –كما يدعي الأميركان- عمير اليمني وعبد الله الليبي وأيوب اليمني ورفيق الجزائري وبشير اصنعاني ويونس وهائل الذي فقد إحدى خصيتيه جراء الضرب والضغط عليها. “
“ثم يطير طائرنا ثانية من هذا الظلام ليحلق قهرا ويحط في منطقة تحيط بها الجبال تدعى “بغرام” التي لا تبعد عن هذا المكان سوى كيلومترات ليجد أناسا أخلاطا من نساء ورجال، شيب وأطفال. فلقد شوهدت امرأة باكستانية في إحدى الزنازين الانفرادية مصابة بحالة هستيرية من شدة ما ذاقت من أصناف الأذى وألوان العذاب، وأطفال يبكون من هول ما يرون وشباب يضربون حتى الموت، وما أكثر الذين أعلنت رسميا وفاتهم إثر أزمة قلبية مزعومة، وما خفي أعظم. “
“وبعدها يطير طائرنا مرة أخرى ليهبط بقندهار، وبالتحديد في مطارها حيث معتقل مكافحة الإرهاب. وداخل إحدى الخيم هذا فهد الشريف من آل البيت وسكان مكة المكرمة يوضع في خيمة انفرادية وتوجه له تهمة التخطيط لعمليات الحادي عشر من سبتمبر. وعندما ينكر ذلك يعلق من يديه مدة سبعة أيام مجردا من الملابس سوى سرواله القصير في البرد القارص دون طعام أو شراب، حتى يغمى عليه بعد ستة أيام فينزلونه ويطعم وجبة واحدة في اليوم مدة أسبوع آخر، وهو مجرد من ملابسه. ثم يدخل عليه المحقق فينكر التهمة فيدخل عليه آنذاك أربعة مصارعين من الجنود ويمسكونه بحيث لا يستطيع تحريك ساكن، وتدخل عليه عاهرة من العاهرات الأميركيات فتفعل ما يفعل الرجل بزوجته بحضور المحقق، ثم يبدأ الجميع بالضحك والسخرية. وعندما تقضي العاهرة حاجتها منه يهدد بتكرار هذا الفعل يوميا إذا لم يعترف، ثم يترك مرميا في خيمته عاريا خائفا محطما، ويعاوده المحقق كل يوم بالتهديد تارة وبالضرب تارة وبالشتم تارة أخرى، والاستهزاء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي، ولقد قال له بالحرف الواحد: “في هذه الحرب سوف ينتصر الصليب” .
نعود إلى سامي الحاج..
نعود إليه ليحدثنا عن جوانتانامو .. :
في خليج غوانتانامو “غولاغ المعاصر” حيث حديقة الحيوانات البشرية في حمامات انفرادية. يذهب بنا سامي الحاج إلى غرف التحقيق مباشرة ليقرأ على أحد الأبواب لافتة كبيرة مكتوبا عليها باللغة العربية “جهنم” . وتلك هي الغرفة التي خصصت لطالب العلم وحافظ كتاب الله “فاروق المكي” يتجرع فيها أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.. تسهير وموسيقى صاخبة.. إضاءة قوية.. برد قارس.. استهزاء بالإسلام بل بالقرآن، فمرة يوضع تحت رجل المحقق، وأخرى يرمى على الأرض.. ثم إغراء المومسات.
نعود إلى سامي الحاج..
نعود إليه في غرفة مجاورة ليجد فيها عبد الهادي الشارخ وهو شاب لم يتجاوز العشرين من العمر.. تسهير ثم صخب موسيقى ثم عاهرة تمسح على صدره “كريم” يثير الشهوة ثم تجلس على فخذيه وتخرج أصوانا في محاولة منها لتحريك غريزته، فيأبى الله له الخذلان ويظل صامدا صمود الرجال وراسخا رسوخ القمم الرواسي، فيجنّ جنون المحقق فيأتي بالقرآن الكريم ويرميه على الأرض ثم يطأه برجله القذرة، فيظل عبد الهادي على ما هو عليه فيزداد غضب المحقق ويأتي بعلم إسرائيل ويلفه على رأسه، وكل هذا وهو مكبل بقيود في يديه وموثق بالسلاسل والأغلال في رجليه على أرضية الغرفة.
في غرفة أخرى، هذا يعقوب السوري تدخل عليه المحققة وهو مقيد بالسلاسل وتتعرى أمامه، وعندما يخفض بصره تخرج قطعة من القطن وتأخذ من دم حيضها القذر وتمسح به وجه يعقوب المستنير بكلام الله عز وجل الذي يحويه صدره ويحفظه عن ظهر قلب. ويبقى على هذه الحال ساعات طوالا. وفي غرفة مجاورة يأمر المحقق المعتقل “محمد رجب” بالسجود له فيأبى السجود لغير رب الأرض والسموات، ويرفض أن يستكين لأمر مخلوق في الخضوع له، فيذيقه العذاب. ثم في غرفة أخرى، يدخل جندي وجندية على معاذ السيد فيتعريان أمامه ثم يمارسان الرذيلة ويجتهدان في إثارة غريزته، فيناجي ربه فيستجيب له ويحصنه حتى يعود إلى زنزانته من جديد.
نعود إلى سامي الحاج..
لكنه يودعنا بعد أن يجهز على البقية الباقية من إحساسنا إن كان عندنا إحساس يتجاوز ذلك الإحساس الذي يدفعنا للمظاهرات ..
يقول سامي الحاج:
واعلم أيها القارئ والمستمع الكريم أن هناك الكثير من القصص والحقائق أبشع وأفظع مما ذكرناه، ارتأيت أن أبقيها طي الكتمان حتى لا تخدش مسامعكم ولا تقسي قلوبكم، ولا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم.
سامي الحاج- معتقل غوانتانامو بكوبا في 8 سبتمبر/أيلول 2005 المصدر : الجزيرة..
هل تعلمون ماذا حدث لسامي الحاج بعد ذلك يا قراء..
يقول محاميه:
- لقد عانى سامي أسوأ أنواع التعذيب عندما اعتقل ونقل إلى أفغانستان. كما عانى في غوانتانامو وبشكل خاص لكونه احتج على تدنيس القرآن الكريم.
- ويواصل المحامي:
- لقد تعرض للضرب مرارا واعتدي عليه جنسيا..
فهل سمعتم هل قرأتم هل وعيتم هل فهمتم ..
لقد هتكوا عرضه..
هتكوا عرضه يا قراء..
هتكوا عرضه..
لا..
لا والله..
بل سلم عرضه..
سلم عرضه..
أحصن عرضه..
وهتكت أعراضنا نحن .. يا قراء..
www.mohamadabbas.net
mohamadabbas@gawab.com
شبكة البصرة
الاثنين 4 ربيع الاول 1427 / 3 نيسان 2006
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
أشكرك أخي المهند فقد نجح معي النقل بفضلك و على مرحلتين كمان.