الخفاجي عامر
27-03-2006, 11:28 PM
لأن ربنا حكيم خبير ولأنه سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم فقد هيأ لنا الفرصة للفرز والغربلة الكاملة على مستوى العراق وأكاد أقول على مستوى الوطن العربي الكبير حيث أن دخول الغزاة الأمريكان الى عاصمة الرشيد قد فتح الباب على مصراعيه ليظهر كل على حقيقته المجردة كما نظهر على مواقع الأنترنت حيث أننا في مجالسنا وبين من نعرف نلبس على الأغلب أقنعة مزيفة فاما أن نخفي شيئا واما أننا نخاف أن يلحق بنا أذى مما نقول ومن ضمن الفرز اللذي رأيناها منذ 9/4/2003 م الى الآن تلك المجاميع التي بدأت تطل علينا بوجوه كالحة فهذا طباخ لدى الرئيس صدام وذاك حارس أمن والآخر مدير مكتب الرئيس ونعرف أن الغالبية ان لم نقل الجميع كان كاذبا وتم صناعة هؤلاء الممثلين في تلك الدول اللقيطة وفي استديوهات من وضعوا أنفسهم خدمة للمشروع الأمريكي ومن ضمن هؤلاء طبيب عراقي ألف كتابا سماه كنت طبيبا لصدام وكان كتابه مكرسا للإساءة طبعا وأنا أقتبس لكم منه هذا المقطع وبدون أي رتوش وأنتظر تحكيم عقولكم فيم يقوله هذا وكيف أخذ بجملة يقول وعلى ذمته أن السيد الرئيس قالها ووضعها عنوانا قال به البحث عن فتيات ومع أن جميع ماسرده كان يتناقض مع هذا العنوان ولن أطيل عليكم فأترككم مع ماقاله هذا الأفاق
(((( وفي غرفة العمليات كان هناك ثلاثة أطباء يعملون على إنقاذه وقد بدأ ضغطه يتحسن بعد أن أعطوه كميات كبيرة من السوائل لأن ضغط دم عدي كاد يصل الى الصفر عند نقله الى المستشفى. ثم قاموا بفتح بطنه حيث اخترقت صدره رصاصة من اليسار، بنحو عشرة سنتيمترات أسفل الإبط، ومرت على مسافة قصيرة جدا من القلب لتخترق الرئة وتشق المعدة في طريقها للخارج. كان جراح العظام سنان العزاوي هو الذي استقبله وقام بإسعافه حيث كان مناوبا في مستشفى ابن سينا وقت الحادث.
وبعد أن فتحنا القفص الصدري قمنا بخياطة الثقوب والجروح. ولأن الثلث الأعلي من الساق اليسرى كان قد ثُقب بفعل الأعيرة النارية أخذتُ جزءا من عضلة الساق وسددتُ به الثقب في المكان الذي كانت فيه عظمة الساق. وأخيرا قمت بزراعة جزء كبير من الجلد من الجزء الداخلي للفخذ الأيمن على قصبة الرجل اليسري لأسُد الفتحات بها.
6 ساعات
كما اخترقت عدة رصاصات الفخذ والساق اليمنى دون أن تكسر اي عظام أو تدمر العضلات. واستمر عملنا ست ساعات حتى استطعنا أن نسد الثقوب ونُوقف النزيف الذي فقد عدي بسببه كميات هائلة من الدماء، فقد كان إجمالي ما نُقل إليه من دماء خلال أربع وعشرين ساعة عشرة لترات.
ولعله من الصعب أن يقترب شخص ما من الموت مثل ما حدث لعدي في ذلك المساء من شهركانون الاول.
وبينما كنا واقفين في الغرفة الأمامية لغرفة العمليات نغسل أيدينا، إذ بصدام وسكرتيره الخاص عبد حمود وبعض الحراس الشخصيين يدخلون علينا. ولم يبد على صدام اي توتر أو حزن بل كان هدوءه لافتا للنظر. وبعد أن حيانا قال لنا: (إننا نضايقكم مرة أخرى بمشكلاتنا). ثم سكت برهة وقال بعدها: (ولكن الأهم هو أمن العراق والعراقيين).
وسأل عن حالة عدي وأجبناه بأنه بالمقارنة بما حدث له فإن حالته أفضل مما كان يمكن أن تكون عليه. ثم توجه صدام الى غرفة العمليات، فأشرت الى عبد حمود بأن هذه ليست بالفكرة الجيدة، فالمنظر سيكون صعبا عليه ولكن عبد حمود لم يجرؤ على إيقاف صدام.
صدام يتفقد ولده
وكان عدي مازال تحت تأثير التخدير نائما على طاولة العمليات عاريا من كل شيء إلا بعض الضمادات على صدره وبطنه وساقه وفخذه، وعلى الأرض بقع كبيرة من الدماء والكثير من الفوط الملطخة بالدماء. فاقترب منه صدام ونظر إليه ثم قال له: (يا بني إن الرجال يجب أن يتوقعوا أن يحدث لهم مثل ذلك) .
ثم أخذ يد عدي في يده وقال: (ولكننا على حق والآخرين على باطل). ثم قبَّله على جبينه. وقام قصي الذي كان قد حضر بتقبيله هو الآخر وعلى عتبة حجرة العمليات قبّل قصي يد والده واحتضنه وقبّله على وجنتيه.
ثم سأل صدام: (ما الذي حدث لأخيك)؟
كان قصي هو رئيس الحراسات الخاصة والمسؤول عن أمن وسلامة الأسرة.
البحث عن فتيات
قال قصي لأبيه كان عدي صائما وبعد غروب الشمس كان في طريقه مع صديقه على الساهر الى شارع المنصور ليشتري بعض الطعام (سندويتشات). كان عدي يصوم يومي الاثنين والخميس أسبوعيا، وكان يوم الحادثة يوم خميس. واستكمل قصي روايته: (وعندما نزل صديقه من السيارة هاجمه الجناة).
نظر صدام إليه نظرة ملؤها الشك وطلب أن يتحدث مع الساهر. وبالفعل تم إحضاره، ووقف الى الحائط.
(أعرف أنكما كنتما تبحثان عن فتيات). هذا ما قاله له صدام وهو ينظر إليه نظرة متفحصة. ولم يشكره على أنه سارع بنقل عدي الى المستشفى. وكاد الساهر يموت خوفا وهو واقف في مكانه لم يتفوه بكلمه واحدة، ولاحظنا أنه قد تبوّل في سرواله.
شعور ديني!
ولم تكن محاولة قصي تفسير وجود أخيه عند الرواد تفسيرا إسلاميا يرتبط بصيامه وإحساسه بالجوع، لم يكن هذا التفسير محض خيال، فقد كان عدي يتبع تعاليم الإسلام والقرآن بدرجة ما حسب إدراكه لها.
إن موت خاله عدنان خير الله في بداية سنة 1989 في حادثة سقوط طائرة مروحية هو الذي نمى الشعور الديني لدى عدي. كان عدنان هو وزير الدفاع في حكومة صدام، وكان قبل وفاته في ظروف غامضة، محبوبا جدا في الجيش، وكان ضباط الجيش يكنون له احتراما كبيرا. ولكن من الواضح أن عدنان لم يكن من الشخصيات المفضلة لدى عدي.
ولكن توجه عدي نحو الدين لم يكن سهلا، فقد كانت الصلوات اليومية الخمس في اتجاه مكة تمثل بالنسبة إليه مشكلة كبيرة، فلم يكن مثلا يؤدي صلاة الفجر، لأنه يكون في ذلك الوقت عادة إما في حالة من السُكر بعد سهراته الطويلة، أو كان بالفعل في سبات عميق وكأنه حجر. وللأسباب نفسها لم يكن يؤدي صلاة الظهر، وكان يحاول تعويض هذا النقص بأن يتبع سنة الرسول ويقوم الليل يصلي فترات طويلة.
فتوى الخمر
أما مشكلة تعاطي الخمور فقد كانت أشد سوءا، فكما هو معروف فإن شرب الخمر محرم في الاسلام. ولكن عدي كان له شيخ خاص به هو عبد الغفار العباسي المشرف على البرامج الدينية التي يبثها تلفزيون الشباب الذي كان يمتلكه ابن الرئيس.
في أحد الأيام أرسل عدي ظافر محمد جابر للشيخ ليسأله هل من المسموح أن يشرب كأسا من الخمر بعد العشاء.
وعندما سمع الشيخ السؤال سأل: (ومن الذي يريد أن يعرف ذلك)؟
فأجابه جابر: (إنه عدي).
فقال العباسي: (في حالته نعم يجوز).
ساجدة: سيقتل (صدام) أولادي!
كان صدام قد رحل من مستشفى ابن سينا قبل أن تصل أم عدي (ساجدة) الى هناك. كانت الأم في حالة من الارتباك الشديد وبدا عليها أنها خرجت دونما أي تأهب أو استعداد فقد كان شعرها غير ممشط، ورافقها ابنها قصي الى غرفة عدي، ولم يفلح في تهدئتها.
وإذا بها تقول باكية: (إنه سيقتل أبنائي)!
فهمت مــا تقصــده، فقد كــان صــدام غير محبـــوب لـدي الشعب العراقي في الآونة الأخيرة، ولم يعد أحد يحتمله أكثر من ذلك ولكن من الذي يجرؤ على التفوه بذلك.
كانت ساجدة ترى أن الهجوم على عدي ما هو إلا محاولة من الشعب للانتقام من صدام، لأن أحدا لم يستطع أن يصل الى الرئيس شخصيا حتى الآن.
وكانت ظروف المعيشة قد وصلت في الخريف من ذلك العام الى مستوى متدنٍ بدرجة لم تصل إليها منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي بدأت مع الحرب ضد إيران عام 1980.
فقد استنزفت السنوات الخمس عشرة الأخيرة آخر طاقات الشعب لما كان فيها من حربين متعاقبتين و عدة محاولات للثورة وعقوبات من الأمم المتحدة، حتى أن مئات الآلاف من الأطفال قد ماتوا من جراء تلك الأحوال القاسية. وبينما كانت ظواهر مثل الفقر والجوع والمرض والجريمة والدعارة تتفشى في البلاد، استمر خبراء التفتيش الدوليين في البحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي يمتلكها صدام. وقد تزعم هذا البحث المضني كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى.
زيادة جنون
وفي اليوم التالي اكتشفنا فقدان عدي القدرة على الحركة في ذراعه الأيسر ويده ورجله اليسرى. بالإضافة لذلك بدأت عينه اليسرى تزيغ الى الداخل واستطعنا أن نكتشف عن طريق رسم المخ وجود إصابة طفيفة في المخ حدثت بسبب انخفاض ضغط الدم الذي عاني منه عدي بعد الحادث عندما نُقل الى مستشفى ابن سينا. ولم يكن هذا التشخيص مطمئنا، فكيف ستكون الحال لو زاد على جنون عدي إصابة بالمخ. أعلن مختصو وجراحو المخ والأعصاب في مستشفى ابن سينا في وضوح شـــديد رفضهم لإعــلان هــذا التشــخيص. فالتصــرف الأكـــثر أمنا كان إخفاء هذا الخبــر الســيئ عن عدي وعائلته. علما بأنه لم يطلب من الأطباء إخفاء الحقيقة. لكن هذا السلوك مع العائلة أصبح متعارفاً عليه بسبب سلوك بعض الأطباء المقربين الى العائلة.
فقد كان علينا نحن الأطباء في مستشفى ابن سينا أن نتصرف دائما بحذر شديد وكأننا نتحرك فوق طبقة رقيقة من الثلج، لأن مرضانا كانوا أكثر الناس في العراق سلطة وتأثيرا. ولهذا فإن اي تشخيص غير صحيح أو اي علاج لا يأتي بنتيجة يكون لهما عواقب وخيمة على الطبيب المعني، وربما أثّر ذلك في مستقبلنا تأثيرا سلبيا إلى أبعد الحدود.
انسداد الرئتين
وكانت محاولة إنقاذ عدي أصعب مما ظننا. في يوم 20 كانون الأول اشتكى عدي ألما شديدا في صدره، فقمت مع زميلي طبيب الباطنية المناوب بفحصه واكتشفنا وجود العلامات الأولى لانسداد في الرئتين، وليس هذا بالأمر الغريب بعد إجراء العمليات الجراحية الكبيرة، فعادة ما تحدث تجلطات بالدم في الأوردة التي تنقل الدم خلال الجسم. وأحيانا يكون من الصعب اكتشاف مثل هذه التجلطات الدموية التي تبقى عالقة بجدران الأوعية الدموية قبل فوات الأوان.
فعندما تتحرك التجلطات من مكانها، من الممكن أن تتجمع في الرئة لتسد طريق تدفق الدم إليها. وهذا يعني في الغالب الموت المحقق للمريض. وكانت الآلام التي عانى منها عدي في الصدر تدل على أن بعضا من التجلطات قد تحركت من مكانها وبذلك فالمسألة أصبحت فقط مسألة وقت حتى تتحرك باقي التجلطات إذا لم نتمكن من إذابتها عن طريق المواد المخففة لكثافة الدم قبل أن تصل الى الرئة.
وكان مجموع عدد الأطباء المعالجين لعدي تسعة، وتمت دعوتنا في رأس السنة في المساء الى قصر السجود على نهر دجلة بالقرب من النصب التذكاري للجندي المجهول لمقابلة صدام الذي كان يريد مجددا أن يطمئن على حال ابنه. فشرحنا له أن ما يؤرقنا هو وجود تهديد بحدوث انسداد في الرئة واننا نعالجه بشكل مكثف باستخدام مواد مخففة لكثافة الدم. فنظر إلينا صدام وقال لنا إن المرء لا ينبغي أن ينشغل بالقتلى والجرحى أثناء المعركة (ولكن بعد نهايتها نقدم للجرحى أفضل رعاية وعلاج ممكن). ثم أضاف قائلا: (وهكذا الحال أيضا مع عدي). وبذلك أنهى اللقاء.
طبعاااا نقلت لكم كلامه حرفيااااااااا
(((( وفي غرفة العمليات كان هناك ثلاثة أطباء يعملون على إنقاذه وقد بدأ ضغطه يتحسن بعد أن أعطوه كميات كبيرة من السوائل لأن ضغط دم عدي كاد يصل الى الصفر عند نقله الى المستشفى. ثم قاموا بفتح بطنه حيث اخترقت صدره رصاصة من اليسار، بنحو عشرة سنتيمترات أسفل الإبط، ومرت على مسافة قصيرة جدا من القلب لتخترق الرئة وتشق المعدة في طريقها للخارج. كان جراح العظام سنان العزاوي هو الذي استقبله وقام بإسعافه حيث كان مناوبا في مستشفى ابن سينا وقت الحادث.
وبعد أن فتحنا القفص الصدري قمنا بخياطة الثقوب والجروح. ولأن الثلث الأعلي من الساق اليسرى كان قد ثُقب بفعل الأعيرة النارية أخذتُ جزءا من عضلة الساق وسددتُ به الثقب في المكان الذي كانت فيه عظمة الساق. وأخيرا قمت بزراعة جزء كبير من الجلد من الجزء الداخلي للفخذ الأيمن على قصبة الرجل اليسري لأسُد الفتحات بها.
6 ساعات
كما اخترقت عدة رصاصات الفخذ والساق اليمنى دون أن تكسر اي عظام أو تدمر العضلات. واستمر عملنا ست ساعات حتى استطعنا أن نسد الثقوب ونُوقف النزيف الذي فقد عدي بسببه كميات هائلة من الدماء، فقد كان إجمالي ما نُقل إليه من دماء خلال أربع وعشرين ساعة عشرة لترات.
ولعله من الصعب أن يقترب شخص ما من الموت مثل ما حدث لعدي في ذلك المساء من شهركانون الاول.
وبينما كنا واقفين في الغرفة الأمامية لغرفة العمليات نغسل أيدينا، إذ بصدام وسكرتيره الخاص عبد حمود وبعض الحراس الشخصيين يدخلون علينا. ولم يبد على صدام اي توتر أو حزن بل كان هدوءه لافتا للنظر. وبعد أن حيانا قال لنا: (إننا نضايقكم مرة أخرى بمشكلاتنا). ثم سكت برهة وقال بعدها: (ولكن الأهم هو أمن العراق والعراقيين).
وسأل عن حالة عدي وأجبناه بأنه بالمقارنة بما حدث له فإن حالته أفضل مما كان يمكن أن تكون عليه. ثم توجه صدام الى غرفة العمليات، فأشرت الى عبد حمود بأن هذه ليست بالفكرة الجيدة، فالمنظر سيكون صعبا عليه ولكن عبد حمود لم يجرؤ على إيقاف صدام.
صدام يتفقد ولده
وكان عدي مازال تحت تأثير التخدير نائما على طاولة العمليات عاريا من كل شيء إلا بعض الضمادات على صدره وبطنه وساقه وفخذه، وعلى الأرض بقع كبيرة من الدماء والكثير من الفوط الملطخة بالدماء. فاقترب منه صدام ونظر إليه ثم قال له: (يا بني إن الرجال يجب أن يتوقعوا أن يحدث لهم مثل ذلك) .
ثم أخذ يد عدي في يده وقال: (ولكننا على حق والآخرين على باطل). ثم قبَّله على جبينه. وقام قصي الذي كان قد حضر بتقبيله هو الآخر وعلى عتبة حجرة العمليات قبّل قصي يد والده واحتضنه وقبّله على وجنتيه.
ثم سأل صدام: (ما الذي حدث لأخيك)؟
كان قصي هو رئيس الحراسات الخاصة والمسؤول عن أمن وسلامة الأسرة.
البحث عن فتيات
قال قصي لأبيه كان عدي صائما وبعد غروب الشمس كان في طريقه مع صديقه على الساهر الى شارع المنصور ليشتري بعض الطعام (سندويتشات). كان عدي يصوم يومي الاثنين والخميس أسبوعيا، وكان يوم الحادثة يوم خميس. واستكمل قصي روايته: (وعندما نزل صديقه من السيارة هاجمه الجناة).
نظر صدام إليه نظرة ملؤها الشك وطلب أن يتحدث مع الساهر. وبالفعل تم إحضاره، ووقف الى الحائط.
(أعرف أنكما كنتما تبحثان عن فتيات). هذا ما قاله له صدام وهو ينظر إليه نظرة متفحصة. ولم يشكره على أنه سارع بنقل عدي الى المستشفى. وكاد الساهر يموت خوفا وهو واقف في مكانه لم يتفوه بكلمه واحدة، ولاحظنا أنه قد تبوّل في سرواله.
شعور ديني!
ولم تكن محاولة قصي تفسير وجود أخيه عند الرواد تفسيرا إسلاميا يرتبط بصيامه وإحساسه بالجوع، لم يكن هذا التفسير محض خيال، فقد كان عدي يتبع تعاليم الإسلام والقرآن بدرجة ما حسب إدراكه لها.
إن موت خاله عدنان خير الله في بداية سنة 1989 في حادثة سقوط طائرة مروحية هو الذي نمى الشعور الديني لدى عدي. كان عدنان هو وزير الدفاع في حكومة صدام، وكان قبل وفاته في ظروف غامضة، محبوبا جدا في الجيش، وكان ضباط الجيش يكنون له احتراما كبيرا. ولكن من الواضح أن عدنان لم يكن من الشخصيات المفضلة لدى عدي.
ولكن توجه عدي نحو الدين لم يكن سهلا، فقد كانت الصلوات اليومية الخمس في اتجاه مكة تمثل بالنسبة إليه مشكلة كبيرة، فلم يكن مثلا يؤدي صلاة الفجر، لأنه يكون في ذلك الوقت عادة إما في حالة من السُكر بعد سهراته الطويلة، أو كان بالفعل في سبات عميق وكأنه حجر. وللأسباب نفسها لم يكن يؤدي صلاة الظهر، وكان يحاول تعويض هذا النقص بأن يتبع سنة الرسول ويقوم الليل يصلي فترات طويلة.
فتوى الخمر
أما مشكلة تعاطي الخمور فقد كانت أشد سوءا، فكما هو معروف فإن شرب الخمر محرم في الاسلام. ولكن عدي كان له شيخ خاص به هو عبد الغفار العباسي المشرف على البرامج الدينية التي يبثها تلفزيون الشباب الذي كان يمتلكه ابن الرئيس.
في أحد الأيام أرسل عدي ظافر محمد جابر للشيخ ليسأله هل من المسموح أن يشرب كأسا من الخمر بعد العشاء.
وعندما سمع الشيخ السؤال سأل: (ومن الذي يريد أن يعرف ذلك)؟
فأجابه جابر: (إنه عدي).
فقال العباسي: (في حالته نعم يجوز).
ساجدة: سيقتل (صدام) أولادي!
كان صدام قد رحل من مستشفى ابن سينا قبل أن تصل أم عدي (ساجدة) الى هناك. كانت الأم في حالة من الارتباك الشديد وبدا عليها أنها خرجت دونما أي تأهب أو استعداد فقد كان شعرها غير ممشط، ورافقها ابنها قصي الى غرفة عدي، ولم يفلح في تهدئتها.
وإذا بها تقول باكية: (إنه سيقتل أبنائي)!
فهمت مــا تقصــده، فقد كــان صــدام غير محبـــوب لـدي الشعب العراقي في الآونة الأخيرة، ولم يعد أحد يحتمله أكثر من ذلك ولكن من الذي يجرؤ على التفوه بذلك.
كانت ساجدة ترى أن الهجوم على عدي ما هو إلا محاولة من الشعب للانتقام من صدام، لأن أحدا لم يستطع أن يصل الى الرئيس شخصيا حتى الآن.
وكانت ظروف المعيشة قد وصلت في الخريف من ذلك العام الى مستوى متدنٍ بدرجة لم تصل إليها منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي بدأت مع الحرب ضد إيران عام 1980.
فقد استنزفت السنوات الخمس عشرة الأخيرة آخر طاقات الشعب لما كان فيها من حربين متعاقبتين و عدة محاولات للثورة وعقوبات من الأمم المتحدة، حتى أن مئات الآلاف من الأطفال قد ماتوا من جراء تلك الأحوال القاسية. وبينما كانت ظواهر مثل الفقر والجوع والمرض والجريمة والدعارة تتفشى في البلاد، استمر خبراء التفتيش الدوليين في البحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي يمتلكها صدام. وقد تزعم هذا البحث المضني كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى.
زيادة جنون
وفي اليوم التالي اكتشفنا فقدان عدي القدرة على الحركة في ذراعه الأيسر ويده ورجله اليسرى. بالإضافة لذلك بدأت عينه اليسرى تزيغ الى الداخل واستطعنا أن نكتشف عن طريق رسم المخ وجود إصابة طفيفة في المخ حدثت بسبب انخفاض ضغط الدم الذي عاني منه عدي بعد الحادث عندما نُقل الى مستشفى ابن سينا. ولم يكن هذا التشخيص مطمئنا، فكيف ستكون الحال لو زاد على جنون عدي إصابة بالمخ. أعلن مختصو وجراحو المخ والأعصاب في مستشفى ابن سينا في وضوح شـــديد رفضهم لإعــلان هــذا التشــخيص. فالتصــرف الأكـــثر أمنا كان إخفاء هذا الخبــر الســيئ عن عدي وعائلته. علما بأنه لم يطلب من الأطباء إخفاء الحقيقة. لكن هذا السلوك مع العائلة أصبح متعارفاً عليه بسبب سلوك بعض الأطباء المقربين الى العائلة.
فقد كان علينا نحن الأطباء في مستشفى ابن سينا أن نتصرف دائما بحذر شديد وكأننا نتحرك فوق طبقة رقيقة من الثلج، لأن مرضانا كانوا أكثر الناس في العراق سلطة وتأثيرا. ولهذا فإن اي تشخيص غير صحيح أو اي علاج لا يأتي بنتيجة يكون لهما عواقب وخيمة على الطبيب المعني، وربما أثّر ذلك في مستقبلنا تأثيرا سلبيا إلى أبعد الحدود.
انسداد الرئتين
وكانت محاولة إنقاذ عدي أصعب مما ظننا. في يوم 20 كانون الأول اشتكى عدي ألما شديدا في صدره، فقمت مع زميلي طبيب الباطنية المناوب بفحصه واكتشفنا وجود العلامات الأولى لانسداد في الرئتين، وليس هذا بالأمر الغريب بعد إجراء العمليات الجراحية الكبيرة، فعادة ما تحدث تجلطات بالدم في الأوردة التي تنقل الدم خلال الجسم. وأحيانا يكون من الصعب اكتشاف مثل هذه التجلطات الدموية التي تبقى عالقة بجدران الأوعية الدموية قبل فوات الأوان.
فعندما تتحرك التجلطات من مكانها، من الممكن أن تتجمع في الرئة لتسد طريق تدفق الدم إليها. وهذا يعني في الغالب الموت المحقق للمريض. وكانت الآلام التي عانى منها عدي في الصدر تدل على أن بعضا من التجلطات قد تحركت من مكانها وبذلك فالمسألة أصبحت فقط مسألة وقت حتى تتحرك باقي التجلطات إذا لم نتمكن من إذابتها عن طريق المواد المخففة لكثافة الدم قبل أن تصل الى الرئة.
وكان مجموع عدد الأطباء المعالجين لعدي تسعة، وتمت دعوتنا في رأس السنة في المساء الى قصر السجود على نهر دجلة بالقرب من النصب التذكاري للجندي المجهول لمقابلة صدام الذي كان يريد مجددا أن يطمئن على حال ابنه. فشرحنا له أن ما يؤرقنا هو وجود تهديد بحدوث انسداد في الرئة واننا نعالجه بشكل مكثف باستخدام مواد مخففة لكثافة الدم. فنظر إلينا صدام وقال لنا إن المرء لا ينبغي أن ينشغل بالقتلى والجرحى أثناء المعركة (ولكن بعد نهايتها نقدم للجرحى أفضل رعاية وعلاج ممكن). ثم أضاف قائلا: (وهكذا الحال أيضا مع عدي). وبذلك أنهى اللقاء.
طبعاااا نقلت لكم كلامه حرفيااااااااا