المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تل الخراب



منصور بالله
04-03-2006, 12:59 PM
تل الخراب





بقلم : محمود شنب

mahmoudshanap@yahoo.com

mahmoudshanap@hotmail.com



بداية أحب أن أوضح للقارئ أن هذا المقال قد تأجل نشره كثيرًا إلى أن كاد يفقد قيمته ، وذلك بسبب كثروة وتسارع الأحداث التى تتعاقب على الأمة ، وكنت كلما أعددته للنشر وجدت من الأمور المستجدة ما هو أولى بالكتابة وأحق ، فما بين جرائم قوات الاحتلال الأمريكى والبريطانى فى العراق ومشاهدة وقائع التعذيب التى تدمى لها القلوب .. إلى مشاهدة وقائع المحاكمة المهينة للرئيس المجاهد صدام حسين وتفاصيل أحداثها .. إلى رعب العالم وخوفه من فوز حماس وتشكيل الحكومة فى فلسطين .. إلى الجريمة التى لا تغتفر وهى سب المصطفى صلى الله عليه وسلم وما واكب ذلك من تظاهرات ومقاطعات شعبية ومواقف رسمية مخزية وفاجعة .. إلى الكوارث التى أحاطت بمصر أخيرًا والتى تمثلت فى غرق العبارة "السلام" وهى تحمل فى جنباتها آلاف الضحايا الأبرياء الذين راحوا ضحية المحسوبية والفساد .. إلى أنفلونزا الطيور التى ألمت بالغلابة دون أن تصيب الأغنياء .. إلى تأجيل انتخابات المحليات رعبًا من فوز الإخوان قبل وضع اللمسات الأخيرة على توريث الحكم والتى صارت ما بين قوسين أو أدنى .... ظلمات بعضها فوق بعض ولا يعلم المرء من أين يبدأ وفى أى الأمور يكتب !!

لقد عرفت ـ مؤخرًا ـ سر "الحواشى" الرائعة التى يختتم بها الدكتور المجاهد محمد عباس أغلب مقالاته وكتاباته فى عملية أشبه ما تكون بطلقات الرصاص الحى الذى يصارع به المجرمين فى شتى المجالات والاتجاهات حيث الجرائم الكثيرة والمتعاقبة والتى تتكاثر كالبكتريا فى شتى مجالات الحياة فى مصر والتى لا يمكن التعليق عليها كاملة إلا من خلال تلك الحواشى التى ميزت مقالات الدكتور محمد عباس دون غيره والتى تمثل كل واحدة منها مشروع مقال متكامل وكامل لولا ضيق الوقت ومساحة النشر .

الشئ الذى وددت توضيحه فى هذا المقال والذى تأجل كثيرًا هو أمر يتعلق بعملية الإذابة المنظمة التى تتعرض لثوابت مجتمعنا العربى والإسلامى .. هناك من يعمل فى الخفاء على تغييب كل ما هو إسلامى وتبديله بكل ما هو غربى وعلمانى .. فى كل يوم ومع كل قرار تـُنزع لبنة طاهرة من لبنات المجتمع وتحل مكانها لبنة نجسة لا يقبلها الجسد العربى والإسلامى .

لقد نـُزعت لبنات كثيرة وأضيفت لبنات عديدة إلى أن قارب الجسد الحقيقى على التصفية بعد أن تغيرت معالمه وتحول إلى كائن مشوه لا هو بالشرقى ولا هو بالغربى ولا هو بالمسلم ولا هو بالكافر ولا هو بالمنتج ولا هو بالعاطل .. كائن لا يمثل أى شئ بالمرة !!

ولندخل فى صلب الموضوع ...

منذ بضع سنين أصدر النظام المصرى قرارًا باعتبار يوم 7 يناير من كل عام عطلة رسمية لجميع مؤسسات الدولة .. هذا اليوم يمثل عيد الميلاد للشرقيين وكانت العطلة فيه تقتصر على الإخوة المسيحيين ، وبطبيعة الحال فرح الموظفون بالعطلة على أساس أن الذى تأخذه من النظام أفضل مما تتركه له وعملاً بالمثل الشعبى ( إن بيت أبوك خرب خد منه قالب ) فالمواطن يشعر فى قرارة نفسه أن يوم العمل لن يفرق عن يوم العطلة شيئـًا من حيث زيادة الإنتاج أو نقصه ، فلا الدولة دولة تنمية ولا دولة عمل أو إنتاج ، ولقد باعت المصانع والشركات وخربت البيوت وقطعت الأرزاق ... يومها فرح الجهلاء بالعطلة وحزن العقلاء على ما صارت إليه أحوال الأمة ، وأى عاقل لابد أن يحزن إذا ما تدبر الأمر وسأل نفسه :

مالنا نحن كمسلمون بهذا اليوم ؟!!

هل سنتوجه إلى الكنائس ونشارك الأقباط فى القداس ؟!!

أم سنبقى فى المنازل كالنساء نشاهد الأفلام والمسلسلات ونشرات الأخبار ؟!!

إن إنشغال المسلم بالعمل فى هذه المناسبة يُعد أجدى وأفضل وأكرم من الجلوس فى المنزل أو الجلوس أمام التليفزيون ومشاهدة جرائم الصليبيين فى بلاد المسلمين الممتدة من البوسنة وفلسطين مرورًا بأفغانستان والفلبين والشيشان والعراق وسائر ديار المسلمين ..

هل كان المقصود هو الإذلال والمبالغة فى التشفى والإنتقام من خلال مشاهدتنا لصور التعذيب والتنكيل لإخوة لنا فى الإسلام ونحن جالسون فى بيوتنا فى يوم عطلة للأقباط ؟!!

أم ما هو الهدف الحقيقى من وراء هذا العبث واللهو ؟!!

واستقرت الأمور وصار اليوم يوم عطلة رسمية دون أن يناقش أحد فى ذلك إلى أن جاءت حكومة نظيف وأصدرت قرارها الغريب باستبدال عطلة يوم الخميس التى كانت منفذة فى بعض المصالح واستبدالها بيوم السبت ... وهنا مربط الفرس !!

لماذا السبت ؟!!

ولماذا السعى فى إقراره كعطلة رسمية ـ إلى جانب يوم الجمعة ـ فى باقى مصالح ومؤسسات الدولة ؟!!

إن هذا القرار يُعد من أسوأ وأخبث القرارات التى أصدرتها الحكومة المصرية ـ وسأشرح ذلك لاحقا ـ لأنه بكل المقاييس والاعتبارات لا يستند إلى حجة ولا فلسفة أو حكمة يمكن الركون إليها !!

إننا نعيش فى بلاد هى فى أمس الحاجة لأن تعمل ليل نهار حتى تنهض مثل باقى الأمم .. نحن بلد مديون حتى النخاع ومتخلف حتى الحلقوم وحجم الدين المصرى بلغ 700 مليار جنيه ، فما الذى دفع الحكومة لإضافة يوم بلا عمل إلى يوم الجمعة ، ولماذا إختارت السبت بدلاً من الخميس ليكون هذا اليوم ؟!!

الأمر يبعث على الشك والارتياب ، ولى الحق فى ذلك ، ولكل مصرى الحق فى أن يشك ويرتاب فى كل قرار تصدره الحكومة أو الرئيس مبارك ، فليس لدينا النماذج النقية والطاهرة التى يمكن الإطئنان إليها لا بين وزراء الحكومة ولا بين أعضاء البرلمان ولا حتى فى الأجهزة الرقابية أو القضائية ، وفوق كل ذلك ليس لدينا حاكم نؤمن بمصداقيته ولا حكمته ولا تصرفاته وقد حول البلاد إلى منتجع يرتاح فيه اليهود والأمريكان ففى كل يوم مسئول إسرائيلى يغادر ومسئول غيره قادم ، وفى كل يوم لجنة أمريكية قادمة وأخرى عائدة ، وكأنهم يقصدوا عدم إعطاء مبارك فرصة للتعقل أو التدبر أو مراجعة الأحوال .. اختصرنا علاقتنا بالعالم كله فى تعاملنا مع أمريكا وإسرائيل ، ولا أحد بالحكومة أو غير الحكومة يقول لمبارك كفاك ، فكل من ينتمى للحكومة فى هذا العهد هو محل للشكوك والشبهات .. الحكومات المصرية المتعاقبة ما خـُيرت بين أمرين ـ على حد قول الدكتور محمد عباس ـ إلا اختارت أسوأهما !!

ولو افترضنا جدلاً أن الدولة فى حاجة إلى يوم عطلة إلى جانب يوم الجمعة .. ألم يكن الخميس هو الأقرب لطباعنا الشرقية وعاداتنا العربية والإسلامية ؟!!

إن يوم الخميس هو اليوم الأسرى الذى تقام فيه أغلب المناسبات العائلية كالزفاف وعقد القران والخطوبة ، وهو اليوم الذى تعقبه عطلة رسمية تعوض الإنسان عما يبذله من جهد وعناء من توابع هذا اليوم المشحون بآداء الواجبات ، أما يوم السبت فإنه لا يمثل لأى مسلم أدنى اهتمام ولا ترقب ، شأنه شأن باقى أيام الأسبوع ولا نذكره إلا على أنه عيد لليهود وبداية أسبوع جديد يحتاج منا إلى جهد وعمل لا إلى نوم وكسل .

قد يتصور أى الإنسان أن هذا الموضوع تافه ولا يستحق أن يزاحم الأحداث التى ذكرتها فى بداية المقال ، لكن الأمر على غير ذلك وأنه جد خطير ـ المشكلة ليست خميس وجمعة أو جمعة وسبت .. المشكلة أن لكل فعل هدف ، وأهداف حكومتنا دائمًا مريبة لأنها تقع تحت ضغط خارجى يعلم جيدًا ما يريد ويقصد ..

الأمر يا سادة لا يعدو غير تمهيد بعيد الأمد لجعل السبت هو العطلة الرسمية الوحيدة للبلاد ويصبح يوم الجمعة يوم عمل رسمى ، ولن يتم شئ من ذلك فى بلد مثل مصر إلا من خلال مراحل متشابكة ومتعاقبة لا يصلح فيها قرار مباشر ذو خطوة واحدة .

إن عطلة السبت هى مطلب العلمانية الدائم بل هو شعارها الحقيقى ، والعلمانية فى مصر تكتسب كل يوم أرضًا جديدة ، فقد أضافت فى عهد مبارك حرية التهجم على المقدسات بدعوى حرية التعبير والإبداع ، وأضافت لأول مرة فى مصر ـ أيضًا فى عهد حسنى مبارك ـ مسابقات لإختيار ملكة جمال مصر ، وأقامت شواطئ للعراه ونوادى للشواذ ، ووضعوا القيود على بناء المساجد والاعتكاف فى ليالى رمضان ، وحظروا جمع التبرعات ... والمتأمل فى كل هذه الأمور سيكتشف أن هذا القرار الشيطانى لم يصدر من فراغ ولم يأتى عفوًا وإنما جاء بتخطيط وتدبير وعلى كل المستويات .

إن تعميم عطلة يوم السبت ـ دون الجمعة ـ صار مطلبًا دوليًا تتبناه حكومات الشياطين فى الغرب ، ومن الحكام العرب والمسلمين من يفكر فى هذا الأمر جديًا ولا يؤخره عن تنفيذه غير تحين الفرصة وتهيئة الظروف واختيار الأنسب منها .. لقد فعلت تركيا ذلك ومعها العديد من الدول الإسلامية وأصبح يوم الجمعة يوم عمل والعطلة الأسبوعية هى يوم السبت ، وقد أخبرنا رسولنا الكريم ان من بين الأمور التى يحسدنا عليها الغرب هو فضل يوم الجمعة واستحواذنا عليه دون غيرنا من باقى الأمم ، فكيف نفرط فى الكنز ونأخذ بدلا منه الوباء ؟!!

فى هذه الأيام تم أخذ الخطوة الأولى بإشراك السبت مع الجمعة بعدما كان الخميس مع الجمعة ، وسوف يلحق ذلك ـ ربما فى عهد جمال مبارك ـ إصدار قرار آخر تمهد له الصحافة ووسائل الإعلام من خلال المطالبة بإلغاء يوم من اليومان بحجة أننا دولة نامية وتحتاج إلى كل نقطة عرق وساعة عمل .. عند ذلك يُستكمل القرار باعتبار يوم السبت منفردًا هو العطلة الرسمية فى البلاد ويصبح يوم الجمعة يوم عمل رسمى ، ولا مانع أبدًا من تهدئة الخواطر والنفوس لدى المسلمين وشمل القرار بما يخفف صدمته بتشريع يعطى للمسلمين الحق فى صلاة الجمعة ثم العودة إلى أعمالهم !!

إن الحاكم وهو يأخذ قراراته الصعبة يتحين الفرص وتكون إحدى عينيه على الشعب لكى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه ، وشعب مصر ليس كأى شعب آخر ، ولو كان لكان أمره منتهيًا منذ قرون طويلة ، والمحتل الأجنبى يعلم ذلك والحاكم المصرى يعلم ذلك ، ولذلك فإن المؤامرة فى مصر تأتى دائمًا على خطوات وقد بدأ اليوم مبارك الخطوة الأولى وسوف يكملها غيره غدًا أو بعد غد .

إن حكامنا الأشاوش لا يقتدون بالغرب فى صناعة الصاروخ أو الطائرة ـ أو حتى قلم الرصاص ـ وإنما يتبعوهم فى الإنحطاط والتدنى ومسابقات الجمال وشواطئ العراه .

إنها مؤامرة واضحة شاهدنا منها الجزء اليسير ، وفى بضع سنين سنشاهد الجزء العسير ، وذلك بعد امتصاص الصدمة وتقبل المستحيل ..

منذ أيام خلت احتفلنا بذكرى عاشوراء ، ولنا فى هذه المناسبة ما يعزز من موقفنا فى مخالفة غيرنا من أصحاب الديانات الأخرى ، وإن أول ما ينبغى أن نأخذه من عبر فى هذه المناسبة الجليلة هو حرص رسولنا الكريم على ضرورة مخالفة اليهود والنصارى فى كل أعمالهم بل حتى فى أسلوب التعبد والتقرب إلى الله ، وذلك دون تجريح أو تشكيك أو تعرض لهم بإساءة .

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أن يكون للمسلم شخصيته الواضحة والمستقلة التى تميزه عن غيره ، وفى هذا الصدد يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسأل عن ذلك فقالوا أنه اليوم الذى أظهر الله فيه موسى على فرعون ونحن نصومه تعظيمًا له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نحن أولى بموسى منكم )) فصام هذا اليوم وأمر أصحابه بصيامه بعد أن أمرهم بمخالفة اليهود بصوم هذا اليوم وصوم يوم قبله ويوم بعده .

وتروى السيرة العطرة لرسولنا الكريم أنه من شدة حرصه على مخالفة اليهود والنصارى أنه كان يصوم يومى السبت والأحد من كل أسبوع ، وعندما سئل عن ذلك قال : (( أنهما يومان عيدان لأهل الكتاب فأحببت أن أصومهما حتى لا أشاركهما )) .

من كل ذلك نستخلص أن الإسلام دين تميز وتفرد وليس دين تطفل وتقليد ، لأنه دين قيادة وليس دين تشبه وتبعية ، ولأن إسلامنا دستور متكامل ليس فيه زيف ولا نقصان فلا يمكن أن تضاف إليه بدعة ولا مستحدثة ، ومن يفعل فى الأمة ذلك فإنه يحمل وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .

وقد أحدث النظام المصرى من البدع الكثير فى أمر ديننا الحنيف ، وأجبر الشعب على اتباع تلك البدع إلى أن تقاربنا فى السلوك والنهج والعادات والتقاليد مع اليهود والنصارى ووصلنا فى ذلك الأمر إلى الحد المعيب الذى لا يليق بأمة الإسلام ، وهذا لم يكن عن جهل وإنما كان عن عمد وسبق إصرار ونوايا سيئة ، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال : (( لتتبعن سنن من كانوا قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه )) قالوا يا رسول الله .. اليهود والنصارى ؟!! .. قال : (( فمن يكونوا ؟؟ )) .
هذا الحديث يوضح لنا خطورة الاقتداء بالغرب فى المظهر والجوهر والعادات والتقاليد .

يقول تعالى : (( قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )) .والمطلوب حاليًا هو تحرك نواب الإخوان فى مجلس الشعب واجتثاث هذه الفكرة الخبيثة وهى مازالت فى المهد والعمل على إضافة فقرة جديدة فى الدستور المصرى تنص على أن يوم الجمعة هو يوم العطلة الرسمية ودواوين الحكومة وألا يحق لأى حاكم أو حكومة تبديل هذا اليوم أو استبداله بيوم آخر عند ذلك نترك الحكومة لتعطى الناس ما تشاء من عطلات تحت أى مسمى حسبما تقدر وتشاء إلى أن تصبح الدولة خراب ويجلس حاكمها العميل على "تل الخراب" .