منصور بالله
28-02-2006, 12:45 PM
طه ياسين رمضان يروي وقائع اعتقاله وتعذيبه واستجوابه
في رسالة سربها من الاسر وخص بها "المجد" و"المحرر"··
تعتز "المجد" و"المحرر" الصادرة في استراليا، بان تكونا موضع ثقة رموز القيادة العراقية الشرعية والاسيرة التي اختارت ان تطل على الرأي العام العربي والاجنبي من خلالهما·
وكما بعث الرئيس صدام بتحياته وتقديره، عبر المحامي خليل الدليمي، لهذين المنبرين القوميين، فقد اختارهما ايضا نائبه المجاهد عزت الدوري، قائد قوى المقاومة العراقية المظفرة، لتكونا اطلالته الاولى على الشعب العربي بعد طول تكتم واختفاء·
واليوم اختار القائد الاسير طه ياسين رمضان، نائب الرئيس العراقي الشرعي، ان يبعث برسالة هامة استطاع تسريبها من خلف القضبان، الى "المجد" وشقيقتها "المحرر" كي يصار الى نشرها لغرض كشف انواع التعذيب الامريكي البشع، وفضح المزاعم الامريكية حول العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان·
وفيما يلي نص هذه الرسالة المؤثرة جدا التي كتبها نائب الرئيس الاسير··
بسم الله الرحمن الرحيم
"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" ··صدق الله العظيم·
يهمني في هذه الرسالة، ان اتحدث عن معاناة الأسرى والمحتجزين الإنسانية وتحدي السلطات الأميركية لاتفاقية جنيف وخاصة المعاهدة الثالثة والرابعة منها ذات الصلة بالأمر، وان انوه عن تعذيب جسدي وقع علينا وخاصة خلال 22 يوماً الأولى من اعتقالنا· وبما أني قد تحدثت لأكثر من محقق أميركي وللصليب الأحمر خلال أول زيارة قاموا بها إلينا بجانب كبير عن تفاصيل ذلك التعذيب الغريب، وجدت من المناسب أن أتحدث لكل من يهمه الأمر وخاصة للمهتمين بحقوق الإنسان، وكل الخيرين من أبناء شعبنا وأمتنا، عن بعض تفاصيل ذلك التعذيب لكي يكونوا على بينه، ومن خلالها على عمق الحقد والكراهية التي يحملها الأمريكان لكل عربي مسلم مخلص لوطنه وأمته، ويرفض التبعية والعمالة، ويحرص على أمن أخوانه ويعتز بكرامته، وما يجري الآن على أرض العراق من تمزيق للبلد وغرس للطائفية والعنصرية مَثَلٌ صارخ ونموذج حتمي على المنظور الأميركي لعموم الساحة العربية، وما يتوجب اليقظة والحذر وتحمل المسؤولية من الآن تجاه ما يجري في العراق·
وقد أطلقت اسم (22 يوم في منتجع أميركي) لفترة التعذيب التي مورست ضدنا خلال هذه الفترة، وسأحاول الايجاز جهد الإمكان لأن ما جرى خلال الـ22 يوماً هو الشيء الكثير من تنوع في التعذيب الجسدي والنفسي، وطبيعة للأسئلة التي كانت تطرح في بداية كل حلقة تعذيب تمارس لساعات ونترك التفاصيل الكاملة لوقتها المناسب إن شاء الله·
22 يوماً في منتجع أميركي
إن الفترة الواقعة بين 17/8/2003 و9/9/2003، فترة يظهر بها أو عرفت فيها أنا شخصياً وبالملموس عمق الحس الإنساني واحترام حقوق الإنسان كبيراً كان أو صغيراً، رجلاً أو امرأة عند الأميركان وعلى ضوء ما كنا نسمعه، ويمكن أن يسمعه الأخوة الذين خارج المعتقل، ويسمعون ما يبثّه الإعلام الأميركي من قيم ومبادئ منها الدفاع المستميت عن حقوق الإنسان في العالم، وفي هذه الأيام في العراق، بعد أن قامت باحتلال العراق البلد المستقل دون وجه حق، وتحت غطاء أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، فإنها اليوم تقول بأنها تدافع عن حقوق الإنسان وإقامه الديمقراطية في العراق ليكون نموذجاً في المنطقة·
وسأقدم للأخوة نموذجاً واحداً، وليس الوحيد، الذي وقع علينا خلال الفترة بين 17/8/2003 إلى 9/9/2003 من صيغ وأساليب احترام حق إنسان عمره 65 عاماً وله مكانته وتاريخه عراقياً وعربياً على الأقل ولمدة أكثر من أربعين عام·
وقد قلت بعد تلك الأحداث، بأقل من أسبوع لمحقق أميركي، أو بالأحرى لاثنين من المحققين الأميركان، بأن التعذيب الذي واجهته لديكم وأنا في سن الخامسة والستين يزيد عشرة أضعاف عما واجهته أنا شخصياً من تعذيب لثلاث مرات سابقة في عهد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأنا بعمر 20 سنة و24 سنة و25 سنة آنذاك، لكي نعرف شكل وبشاعة التعذيب الأميركي الحديث ونحن في القرن الحادي والعشرين·
أما إذا أردتم أن تعرفوا شيئاً من تفاصيل ما واجهته في المنتجع الأميركي لمدة 22 يوماً متصلة، وهذه المرة المنتجع الأميركي يقع في العراق في مطار بغداد الدولي، بعد أن أصبح العراق تحت الوصاية الأميركية والاحتلال العسكري·
في حدود الساعة العاشرة من مساء يوم 17/8/2003، وبينما كنت مع أطفالي في أحد الدور السكنية في مسقط رأسي في مدينة الموصل الحدباء، تم تطويق المسكن من قبل عناصر الاتحاد الكردستاني العميل، واندفعوا داخل المسكن وألقوا القبض على ولدي الصغير وعمره حينذاك أحد عشر عاماً، وكادوا يقتلونه لولا أن أظهرت نفسي لهم وقلت لهم أتركوا الولد·
وبعد أن اقتادوني إلى موقع قريب، وسرقوا ما أحمله من ساعة يدوية ومحبس وقلادة ذهبية في عنقي، وهذا كل ما كان لدي، حضرت مدرعة أميركية وسُلمت إليهم· وانتقلت المدرعة على الفور إلى مطار الموصل، ومن المدرعة مباشرة إلى طائرة هليوكوبتر· وبعد أن تم ربط الأيدي من الخلف، والأرجل، وعُصبت العيون، ووضع كيس طويل في الرأس، وتم ربطي بهذه الحالة على كرسي للطيارة من الصدر والساقين، وكان أربعة من الحراس على رأسي حسب ما كنت أسمع أصواتهم· وانطلقت الطائرة إلى بغداد واعتقد انني وصلت بحدود الثانية بعد منتصف الليل، وأنا ارتدي الدشداشة فقط· وحال هبوط الطائرة وبعد أن رفعوا رباط الأرجل مع بقاء ربط اليد من الخلف، وكذلك بقيت الأعين معصوبة، ساروا بي بمسافة أقدرها لا تزيد عن عشرين متراً، وإذ رفعوا معصم العين والكيس من رأسي، فقد وجدت نفسي في غرفة وهناك أربعة ضباط وعسكريان اثنان أميركان، ومترجم يرتدي الملابس العسكرية الأميركية، وأحدهم يحمل سوط ألمنيوم· وقالوا لي فوراً (أبرك) على الركب· قلت لهم كيف أبرك ويدي مشدودة إلى الخلف فرفعوا الرباط· وحال 'بروكي' سألوا سؤالاً واحداً: أين هو صدام حسين؟ قلت لهم لا أعلم· حال انتهاء كلامي هذا بدأ الضرب بالعصا الألمنيوم، ودُفعت على الأرض المبلطة بالسجن، وقالوا: أزحف· واستمر الحال لما يقرب من ساعتين حيث اخذت الدماء تسيل من مرافق اليدين والركبتين· وكل ربع ساعة يكررون ذات السؤال: أين صدام حسين؟ يجب أن تمكننا من إلقاء القبض عليه· وعندما أقول لهم لا أعرف، وهي الحقيقة، يبدأ الضرب بالعصا والركل بالأقدام على (خاصوة) الجسم· وقال الضابط إنه لا يزحف جيداً وتعيقه الدشداشة عن الزحف· فسحب أحدا الجنود حربته، ومزق الدشداشة وحولها إلى شرائط بحيث أصبح جسمي "شبه عاري"·
طلبت منهم الماء· قالوا حالاً· ولكن لم يسمحوا لي بالنهوض وأنا ممتد على الأرض· رفعوا رأسي، ووضعوا قنينة الماء في فمي، فإذا هو ماء حار· سحبت فمي قلت لهم: أحتاج الى ماء بارد· قالوا: حالاً· وإذ أجد قنينة ماء مثلجة تسكب على ظهري وجسمي، مما خلق عندي رجفة وقشعريرة غريبة وأنا متعرق· وقالوا: هذا هو الماء البارد، وسيستمر ما دمت لا تقول لنا أين هو صدام حسين·
بعد حوالي ساعتين أخريين، أوقفوني، ووضعوا الكيس في رأسي بعد أن عصبوا العيون، وربطوا يدي، وقادوني إلى غرفة أخرى· بعد أن ساروا بي بضع خطوات، وشعرت بأن الأربعة المحققين قد ذهبوا وهناك حراس آخرون (عرفتهم) من أصواتهم· وعندما أردت الجلوس مُنعت من الجلوس، وطلب مني الوقوف والسير ذهاباً وإياباً في الغرفة· وكنت أرتطم في كل مرة بالجدار لأني لا أرى شيئاً ولا أستطيع التلمس بالأيدي لأنها موثقة· واستمر الحال لبضع ساعات بحيث أصبحت لا أشعر بأخمص قدمي· طلبت دورة المياه لم يُستجب لي رغم أنه كان قد مر على إلقاء القبض علي، والتنقل بالطائرة والتعذيب، بحدود عشر ساعات· ونتيجة فقدان الوعي نزل الإدرار مني وأنا واقف· وعندما شهد الجنود الأميركان ذلك أتوا على الفور وأسقطوني على الأرض وسحبوني من العنق على الإدرار ذهاباً وأياباً عدة مرات وأنا شبه عارٍ كما ذكرت، حيث الدشداشة التي ارتديها قد مزقت إلى أن جففوا الأرض بجسمي وأنا شبه فاقد الوعي·
وبعد ذلك طلبوا مني الوقوف وبعد جهد كبير لبضع دقائق بالكاد أستطعت الوقوف وأمتنع الجنود الأميركان عن مساعدتي في النهوض تعمداً، وطلبوا مني استمرار المسير في الغرفة ذهاباً وأياباً· وبعد ساعة اقتادوني إلى دورة المياه، وأدخلوني ورفعوا الكيس من الرأس، ولم يطلقوا يدي· وبذلك لم أستطيع أن أفعل شيئاً، وثم أعادوني إلى الغرفة دون أن أقضي حاجتي لأنهم أبقوا يدي مقيدة رغم إلحاحي الشديد بإطلاق يدي· بعد بضع ساعات جاء المحققون الأربعة الأميركان، وكما ذكرت أحدهم مترجم واقتادوني مرة أخرى إلى نفس الغرفة الأولى، وكرروا نفس السؤال، حيث قالوا: هل فكرت جيداً وتقول لنا أين صدام حسين لكي نطلق سراحك؟ أكدت لهم بأنني لا أعرف أين هو وهي الحقيقة·
قالوا نأخذك معنا في الطائرة وتشير لنا إلى المواقع التي يمكن أن يكون صدام حسين مختفياً فيها· قلت لهم: لا أفعل هذا، لأن هذا التصرف لا يليق بي، ويمكن أن يكون هناك آخرون يقومون بهذه المهمة· وبكل الأحوال أنني لا أعرف أين يمكن أن يكون، أو المكانات المتوقع أن يكون مختفياً فيها·
استمر الطلب مني البروك على الأرض والزحف ذهاباً وأياباً كما في الحال الأولى· وقد بأن الجهد علي وصعوبة التنفس حتى أيقنت أن المنية قريبة، فرفعت إصبعي ونطقت الشهادتين· وكما يظهر فان المترجم قال للمحققين ماذا أقصد بذلك· فوجدت أحد الجنود يضع قدمه على إصبعي حتى كاد يكسرها، ولا يزال شيء من أثار الجرح عليها· وقال: لا تفعل هذا، إننا لا ندعك تموت، بل نوصلك إلى الموت ونعيدك، وهكذا إلى أن تستجيب لمطالبنا، وتتعاون معنا، لأن هناك غيرك قد وافق على التعاون دون أي إيذاء أو قسر· وقد تجنبوا الوضع الذي أنت عليه· فقلت: ما هو التعاون ومن هم المتعاونون؟ ذكروا لي أسمين من الأخوة، لا أجد مناسباً ذكرهما هنا· وقالوا: تعاون معنا واستجب للأسئلة التي نوجهها إليك· وهذا أول سؤال هو: تمكننا من إلقاء القبض على صدام حسين لأنك نائبه، وقريب منه، وزميله منذ أربعين عاماً· قلت لهم: إذا كنت لا أعرف، ولا أستطيع التعاون كيف الحال؟ قالوا: ستبقى هكذا إلى الأبد·
وأيضاً استمر الحال بحدود ساعتين، والدماء تسيل من اليدين والرجلين، وصب الماء المثلج على جسمي مستمر· وأُعدت إلى الغرفة الثانية للمسير إياباً وذهاباً كما كنت· وبدأت أفقد الوعي وأسقط على الأرض بقوة، ويطلب مني الجنود الأميركان النهوض لوحدي وباستعمال الضرب والشتيمة البذيئة·
بعد ما يقرب من يومين، حسب تقديري، وضعوا كيس طعام معلبات أمامي، ورفعوا الكيس، وفتحوا عيني، وقالوا: هذا طعامك· قلت لهم: إرفعوا الرباط من يدي· قالوا: لا· قلت: كيف أفتح الأكياس وأتناول الطعام؟ قالوا: أنت حر، لك عشر دقائق، وسنعيد شد عينيك، ووضع الكيس على رأسك· وفعلاً تم هذا، ولم أتناول الطعام· ويعد بضع ساعات جاء الأربعة، أي المحققون الثلاثة والمترجم، وقالوا لي: هل أكلت؟ قلت لهم: كلا، لأني لم استطع، وبنفس الوقت لا أستذوق هذا النوع من الطعام· إن كان محلياً، تأتون لي بقطعة من الخبز وكوب شاي أو بيضة مسلوقة· قالوا: هذا هو طعامنا، ويجب أن تتناوله إذا شئت· وبدأ المترجم يفتح إحدى العلب، ويحاول أن يضع الطعام في فمي لأنهم لا يريدون فتح يدي· لم استسغ الطعام، وتركوني· واستمر الحال ما يقرب من ثلاثة أيام على هذا الحال دون جلوس على الأرض والزحف على الأرض والمسير ذهاباً وإياباً· وكان الانهيار بيناً· وأبلغوني أن السماح لي بالذهاب إلى المرافق كل 24 ساعة فقط· ووضعوا قنينة ماء في الغرفة من الحجم الصغير، أي بحدود ثلاثة أرباع اللتر· وكانت هذه للشرب، وكذلك عندما أذهب إلى المرافق لأغسل· ولذلك كل مدة الـ 22 يوماً لم أضع الماء على وجهي وعلى جسمي مطلقاً·
بعد اليوم الرابع أخذوني إلى غرفة أخرى، بعيدة خطوات عن غرفتي، ورفعوا الكيس عن رأسي، وجدت نفسي أمام محققيْن آخرين غير أولئك الأربعة المجرمين·
المحققون الجدد كانوا ثلاثة أحدهم مترجم، ومن حديثة عرفته من أصول عربية ويحمل الجنسية الأميركية ويرتدي الملابس الأميركية· وفي هذه المرة أجلسوني على كرسي وهم جلوس كذلك على كراسي وطاولة للكتابة، وتحدثوا معي بشكل طبيعي، وطرحوا أولاً نفس السؤال بالنسبة لمكان وجود الرئيس صدام حسين· ولكن بتفاصيل·· متى التقيت به أخر مرة وأين ومن معه؟ واستمر التحقيق حوالي ساعتين بدون نتيجة وتمت إعادتي بعد وضع الكيس في الرأس إلى غرفتي، لامارس نفس الشيء في المسير ذهاباً وإياباً·
وفي اليوم الثاني التقيت كذلك بهذه اللجنة التحقيقية، وفي هذه المرة أرادوا معرفة كيف وأين كنت أختفي خلال الأشهر الأربعة الماضية· وحاولوا معرفة من تعاون معنا أو ساعدنا على الاختفاء، لم يفلحوا، وتمت أعادتي إلى الغرفة، واستمر ما يقرب من أسبوع حسب تقديري على نفس المنوال من التعذيب، وثلاث مرات تحقيق مع هذه اللجنة التحقيقية الجديدة، هذا بالإضافة إلى اللجنة الأولى وصيغ تعذيبها الذي شرحت بعضه أعلاه·
فوجئت في يوم، جاء أحد الأربعة، وهو نفسه حامل العصا، لأني لا أنسى شكله، قال لي: يسمح لك بالجلوس ولكن لا تستلق· وعندما جلست في زاوية الغرفة شعرت كأني انتقلت من حال إلى حال آخر لما كنت أعانيه من إعياء، وأخذني النوم في الحال· ولكن الجندي الأميركي أيقظني على الفور، وهكذا كلما استغرق في النوم يوقظني الحرس·
في هذا اليوم الذي سمح لي بالجلوس على الأرض· نقلوني إلى الغرفة التي يتم فيها التعذيب والزحف على الأرض والضرب، وعرضوا عليّ سؤالاً غريباً، وهو أين هو الطيار الأميركي الذي وقع أثناء العدوان عام 1991 في الصحراء العراقية؟ قالوا: إنه حي ومسجون لديكم وعليك أن تقول لنا أين هو؟ قلت لهم: لا أعرف عن هذا الموضوع شيئاً، واستمر الزحف والضرب وهذه الحالة لمدة أسبوع آخر تقريباً دون أن أطيل عليكم، ولكن بنفس الروتين·
وفي نهاية الأسبوع بدأ طرح سؤال ثالث وهو: قل لنا أسماء قيادة العمل الفدائي في الموصل وبغداد لأنك كنت مسؤولاً عن ذلك وبالدرجة الأولى في الموصل· قلت لهم: لا أعلم ولا أعرف عن هذا شيئاً، وإني كنت خلال تلك الفترة مختفياً لا أستطيع الحركة· بدأ الضرب والزحف كما أسلفنا وبدا التدرج في هذا السؤال، مرة يقولون أذكر لنا أربعة أسماء ومرة اسمين وأخيراً قالوا: قل لنا اسماً واحداً فقط، ولا تقل بأنك اعترفت عليه· قلت لهم: إنكم تظلموني بهذا التعذيب، وإني غير مستعد أن أظلم أي إنسان لا أعرفه آتي به ظلماً فتوقعون العذاب به· وهذا الحال استمر حوالي خمسة أيام وأكدوا أن هذا أهم سؤال: إن تعاونت معنا في ذكر اسم واحد، ولكن يكون حقيقياً، سنطلق سراحك خلال ثلاثة أيام·
بعدها تركوني، وللتاريخ أقول لكم كيف عشت دون طعام ودون أن أتناول كيس الطعام الذي كانوا يقدموه لي يومياً· في اليوم الرابع أو الخامس مر على غرفتي، التي أسير فيها إياباً وذهاباً وأنا معصوب العينين، المترجم الذي كان مع اللجنة الثانية، العربي الأصل، وقال لي: لماذا لا تتناول الطعام يا أستاذ طه؟ هذا بالحرف الواحد وبصوت هادئ· وقال عدم تناولك الطعام سيؤذي صحتك· قال ذلك وأنا معصوب العينين· قلت له: أنني لا أستسيغ هذا الطعام· أنت تعرف مذاق طعامنا نحن العرب وفي العراق· أرجو أن تساعدني بقطعة خبز أو أي شيء· إن لم يكن بيضاً مسلوقاً فشيء من المربى· قال: فهمت قصدك· وفعلاً بعد ساعتين جاءني بقطعتي خبز وكمية من المربى في قنينة صغيرة· وأصبح كل يوم تقريباً يأتي مرة بسرعة، يضع الخبز وأحياناً علبة عصير أو كيكة ويذهب· وأكثر من مرة جاء بكوب شاي ويغادر على الفور بعد السلام· وفي الأخير قلت له: هل أبقى شبه عارٍ؟ ليس لديكم دشداشة أو شيء أرتديه؟ قال: سأحاول· وفعلاً قبل أن أغادر الموقع بيومين جاءني ببدلة عمل زرقاء مع لباس وفانيله وارتديتها·
في الأسبوع الثالث نقلت الى غرفة ووضعوا على الأرض (دوشك)، وقالوا: يمكن أن تمتد عليها· وكان طول الغرفة لا يزيد عن متر ونصف وعرضها متراً لأني عندما كنت استلقي كنت أضع رأسي على العتبة وارفع أرجلي على الجدار المقابل، أي أقصر من قامتي·
خلال كل تلك الأيام كنت لا أعرف الليل من النهار لأن الضياء مفتوح، وليس لدي ساعة ولا أحد يجيبني عن الوقت والزمان واليوم·
في يوم جاء المترجم الأميركي العربي الأصل· وجدته فرحاً يقول لي: أستاذ طه بعد دقائق ستنقل إلى موقع آخر أفضل، وستلتقى بإخوانك، وتعرف الليل من النهار· قلت له: أشكرك، قل لي ما هو تاريخ اليوم؟ قال لي: اليوم 9/9/2003· قلت له: إذن أنا هنا منذ 22 يوماً· وغادر الغرفة بسرعة· وفعلاً بعد أقل من خمس دقائق، جاء الجنود ووضعوا القيود، وعصبوا العينين، واقتادوني إلى سيارة· وبعد مسير بحدود عشر دقائق بالسيارة تم إيصالي إلى (معسكر كروبر)، وسُلّمت لإدارة المعسكر· ورفعوا الكيس الأسود الذي في الرأس، ورفعوا قيد الأيدي، وبعد أن ثُبت اسمي في إدارة المعسكر غادرت المجموعة التي اقتادتني من المنتجع إلى (معسكر كروبر)· واقتادتنى مجموعة أخرى وأنا مطلق اليدين إلى غرفتي، وهي إحدى غرف (معسكر كروبر) الانفرادية، والتي تقرب مساحتها من 6م 2· لا يوجد فيها شباك تهوية، وتوجد فتحتان صغيرتان في الباب على الأغلب تبقيان مفتوحتين· ولكن بالنسبة لي حال استقراري في الغرفة أغلقوا الفتحتين بالكامل، وبقيت لمدة ثلاثة أشهر لا ألتقي بأي من الأخوة الآخرين، عندما كانوا يخرجون إلى الرياضة كمجاميع، بل كانوا يفتحون الباب كل أربع وعشرين ساعة، نصف ساعة للرياضة لوحدي، ومرتين كل يوم إلى المرافق لكل منها عشر دقائق وبأوقات غير منتظمة· وبدأ التحقيق معي من جديد في اليوم الثاني من وصولي إلى (معسكر كروبر)· وكنت أذكر لهم، أي للمحققين، ما هو سبب فصلي عن الآخرين، وغلق فتحات الباب حيث بدأت تؤثر على وضعي الصحي· قالوا: عليك أن تتعاون· والحديث حول هذا الموضوع يطول شرحه· آمل أن تتاح فرصته مستقبلاً· وبدأ في (معسكر كروبر) التعذيب النفسي بعد أن انتهى التعذيب الجسدي في المنتجع·
إلى هنا أتوقف وأكرر الاعتذار للإطالة رغم تجاوزي الكثير من صيغ التعذيب والكلام البذيء الذي كنت اسمعه من الجنود والضباط· وضرب الباب بالأيدي والعصى ليل نهار، والموسيقى الصاخبة والمرعبة، وأصوات الحيوانات والكلاب، التي كنت اسمعها دون توقف ليل نهار، والتي لها فعلها وأثرها بما لا يقل عن التعذيب الجسدي·
ختاماً، هذه هي رسالتي لكي تطلعوا على مدى تقدم صيغ التعذيب والتفنن بها عند أكبر دولة في العالم تقول عن نفسها إنها تدافع عن حقوق الإنسان في العالم، وتهدد العديد من حكومات العالم تحت غطاء تجاوزها حقوق الإنسان والتعذيب، وتطالب بتطبيق الديمقراطية.
في رسالة سربها من الاسر وخص بها "المجد" و"المحرر"··
تعتز "المجد" و"المحرر" الصادرة في استراليا، بان تكونا موضع ثقة رموز القيادة العراقية الشرعية والاسيرة التي اختارت ان تطل على الرأي العام العربي والاجنبي من خلالهما·
وكما بعث الرئيس صدام بتحياته وتقديره، عبر المحامي خليل الدليمي، لهذين المنبرين القوميين، فقد اختارهما ايضا نائبه المجاهد عزت الدوري، قائد قوى المقاومة العراقية المظفرة، لتكونا اطلالته الاولى على الشعب العربي بعد طول تكتم واختفاء·
واليوم اختار القائد الاسير طه ياسين رمضان، نائب الرئيس العراقي الشرعي، ان يبعث برسالة هامة استطاع تسريبها من خلف القضبان، الى "المجد" وشقيقتها "المحرر" كي يصار الى نشرها لغرض كشف انواع التعذيب الامريكي البشع، وفضح المزاعم الامريكية حول العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان·
وفيما يلي نص هذه الرسالة المؤثرة جدا التي كتبها نائب الرئيس الاسير··
بسم الله الرحمن الرحيم
"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" ··صدق الله العظيم·
يهمني في هذه الرسالة، ان اتحدث عن معاناة الأسرى والمحتجزين الإنسانية وتحدي السلطات الأميركية لاتفاقية جنيف وخاصة المعاهدة الثالثة والرابعة منها ذات الصلة بالأمر، وان انوه عن تعذيب جسدي وقع علينا وخاصة خلال 22 يوماً الأولى من اعتقالنا· وبما أني قد تحدثت لأكثر من محقق أميركي وللصليب الأحمر خلال أول زيارة قاموا بها إلينا بجانب كبير عن تفاصيل ذلك التعذيب الغريب، وجدت من المناسب أن أتحدث لكل من يهمه الأمر وخاصة للمهتمين بحقوق الإنسان، وكل الخيرين من أبناء شعبنا وأمتنا، عن بعض تفاصيل ذلك التعذيب لكي يكونوا على بينه، ومن خلالها على عمق الحقد والكراهية التي يحملها الأمريكان لكل عربي مسلم مخلص لوطنه وأمته، ويرفض التبعية والعمالة، ويحرص على أمن أخوانه ويعتز بكرامته، وما يجري الآن على أرض العراق من تمزيق للبلد وغرس للطائفية والعنصرية مَثَلٌ صارخ ونموذج حتمي على المنظور الأميركي لعموم الساحة العربية، وما يتوجب اليقظة والحذر وتحمل المسؤولية من الآن تجاه ما يجري في العراق·
وقد أطلقت اسم (22 يوم في منتجع أميركي) لفترة التعذيب التي مورست ضدنا خلال هذه الفترة، وسأحاول الايجاز جهد الإمكان لأن ما جرى خلال الـ22 يوماً هو الشيء الكثير من تنوع في التعذيب الجسدي والنفسي، وطبيعة للأسئلة التي كانت تطرح في بداية كل حلقة تعذيب تمارس لساعات ونترك التفاصيل الكاملة لوقتها المناسب إن شاء الله·
22 يوماً في منتجع أميركي
إن الفترة الواقعة بين 17/8/2003 و9/9/2003، فترة يظهر بها أو عرفت فيها أنا شخصياً وبالملموس عمق الحس الإنساني واحترام حقوق الإنسان كبيراً كان أو صغيراً، رجلاً أو امرأة عند الأميركان وعلى ضوء ما كنا نسمعه، ويمكن أن يسمعه الأخوة الذين خارج المعتقل، ويسمعون ما يبثّه الإعلام الأميركي من قيم ومبادئ منها الدفاع المستميت عن حقوق الإنسان في العالم، وفي هذه الأيام في العراق، بعد أن قامت باحتلال العراق البلد المستقل دون وجه حق، وتحت غطاء أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، فإنها اليوم تقول بأنها تدافع عن حقوق الإنسان وإقامه الديمقراطية في العراق ليكون نموذجاً في المنطقة·
وسأقدم للأخوة نموذجاً واحداً، وليس الوحيد، الذي وقع علينا خلال الفترة بين 17/8/2003 إلى 9/9/2003 من صيغ وأساليب احترام حق إنسان عمره 65 عاماً وله مكانته وتاريخه عراقياً وعربياً على الأقل ولمدة أكثر من أربعين عام·
وقد قلت بعد تلك الأحداث، بأقل من أسبوع لمحقق أميركي، أو بالأحرى لاثنين من المحققين الأميركان، بأن التعذيب الذي واجهته لديكم وأنا في سن الخامسة والستين يزيد عشرة أضعاف عما واجهته أنا شخصياً من تعذيب لثلاث مرات سابقة في عهد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأنا بعمر 20 سنة و24 سنة و25 سنة آنذاك، لكي نعرف شكل وبشاعة التعذيب الأميركي الحديث ونحن في القرن الحادي والعشرين·
أما إذا أردتم أن تعرفوا شيئاً من تفاصيل ما واجهته في المنتجع الأميركي لمدة 22 يوماً متصلة، وهذه المرة المنتجع الأميركي يقع في العراق في مطار بغداد الدولي، بعد أن أصبح العراق تحت الوصاية الأميركية والاحتلال العسكري·
في حدود الساعة العاشرة من مساء يوم 17/8/2003، وبينما كنت مع أطفالي في أحد الدور السكنية في مسقط رأسي في مدينة الموصل الحدباء، تم تطويق المسكن من قبل عناصر الاتحاد الكردستاني العميل، واندفعوا داخل المسكن وألقوا القبض على ولدي الصغير وعمره حينذاك أحد عشر عاماً، وكادوا يقتلونه لولا أن أظهرت نفسي لهم وقلت لهم أتركوا الولد·
وبعد أن اقتادوني إلى موقع قريب، وسرقوا ما أحمله من ساعة يدوية ومحبس وقلادة ذهبية في عنقي، وهذا كل ما كان لدي، حضرت مدرعة أميركية وسُلمت إليهم· وانتقلت المدرعة على الفور إلى مطار الموصل، ومن المدرعة مباشرة إلى طائرة هليوكوبتر· وبعد أن تم ربط الأيدي من الخلف، والأرجل، وعُصبت العيون، ووضع كيس طويل في الرأس، وتم ربطي بهذه الحالة على كرسي للطيارة من الصدر والساقين، وكان أربعة من الحراس على رأسي حسب ما كنت أسمع أصواتهم· وانطلقت الطائرة إلى بغداد واعتقد انني وصلت بحدود الثانية بعد منتصف الليل، وأنا ارتدي الدشداشة فقط· وحال هبوط الطائرة وبعد أن رفعوا رباط الأرجل مع بقاء ربط اليد من الخلف، وكذلك بقيت الأعين معصوبة، ساروا بي بمسافة أقدرها لا تزيد عن عشرين متراً، وإذ رفعوا معصم العين والكيس من رأسي، فقد وجدت نفسي في غرفة وهناك أربعة ضباط وعسكريان اثنان أميركان، ومترجم يرتدي الملابس العسكرية الأميركية، وأحدهم يحمل سوط ألمنيوم· وقالوا لي فوراً (أبرك) على الركب· قلت لهم كيف أبرك ويدي مشدودة إلى الخلف فرفعوا الرباط· وحال 'بروكي' سألوا سؤالاً واحداً: أين هو صدام حسين؟ قلت لهم لا أعلم· حال انتهاء كلامي هذا بدأ الضرب بالعصا الألمنيوم، ودُفعت على الأرض المبلطة بالسجن، وقالوا: أزحف· واستمر الحال لما يقرب من ساعتين حيث اخذت الدماء تسيل من مرافق اليدين والركبتين· وكل ربع ساعة يكررون ذات السؤال: أين صدام حسين؟ يجب أن تمكننا من إلقاء القبض عليه· وعندما أقول لهم لا أعرف، وهي الحقيقة، يبدأ الضرب بالعصا والركل بالأقدام على (خاصوة) الجسم· وقال الضابط إنه لا يزحف جيداً وتعيقه الدشداشة عن الزحف· فسحب أحدا الجنود حربته، ومزق الدشداشة وحولها إلى شرائط بحيث أصبح جسمي "شبه عاري"·
طلبت منهم الماء· قالوا حالاً· ولكن لم يسمحوا لي بالنهوض وأنا ممتد على الأرض· رفعوا رأسي، ووضعوا قنينة الماء في فمي، فإذا هو ماء حار· سحبت فمي قلت لهم: أحتاج الى ماء بارد· قالوا: حالاً· وإذ أجد قنينة ماء مثلجة تسكب على ظهري وجسمي، مما خلق عندي رجفة وقشعريرة غريبة وأنا متعرق· وقالوا: هذا هو الماء البارد، وسيستمر ما دمت لا تقول لنا أين هو صدام حسين·
بعد حوالي ساعتين أخريين، أوقفوني، ووضعوا الكيس في رأسي بعد أن عصبوا العيون، وربطوا يدي، وقادوني إلى غرفة أخرى· بعد أن ساروا بي بضع خطوات، وشعرت بأن الأربعة المحققين قد ذهبوا وهناك حراس آخرون (عرفتهم) من أصواتهم· وعندما أردت الجلوس مُنعت من الجلوس، وطلب مني الوقوف والسير ذهاباً وإياباً في الغرفة· وكنت أرتطم في كل مرة بالجدار لأني لا أرى شيئاً ولا أستطيع التلمس بالأيدي لأنها موثقة· واستمر الحال لبضع ساعات بحيث أصبحت لا أشعر بأخمص قدمي· طلبت دورة المياه لم يُستجب لي رغم أنه كان قد مر على إلقاء القبض علي، والتنقل بالطائرة والتعذيب، بحدود عشر ساعات· ونتيجة فقدان الوعي نزل الإدرار مني وأنا واقف· وعندما شهد الجنود الأميركان ذلك أتوا على الفور وأسقطوني على الأرض وسحبوني من العنق على الإدرار ذهاباً وأياباً عدة مرات وأنا شبه عارٍ كما ذكرت، حيث الدشداشة التي ارتديها قد مزقت إلى أن جففوا الأرض بجسمي وأنا شبه فاقد الوعي·
وبعد ذلك طلبوا مني الوقوف وبعد جهد كبير لبضع دقائق بالكاد أستطعت الوقوف وأمتنع الجنود الأميركان عن مساعدتي في النهوض تعمداً، وطلبوا مني استمرار المسير في الغرفة ذهاباً وأياباً· وبعد ساعة اقتادوني إلى دورة المياه، وأدخلوني ورفعوا الكيس من الرأس، ولم يطلقوا يدي· وبذلك لم أستطيع أن أفعل شيئاً، وثم أعادوني إلى الغرفة دون أن أقضي حاجتي لأنهم أبقوا يدي مقيدة رغم إلحاحي الشديد بإطلاق يدي· بعد بضع ساعات جاء المحققون الأربعة الأميركان، وكما ذكرت أحدهم مترجم واقتادوني مرة أخرى إلى نفس الغرفة الأولى، وكرروا نفس السؤال، حيث قالوا: هل فكرت جيداً وتقول لنا أين صدام حسين لكي نطلق سراحك؟ أكدت لهم بأنني لا أعرف أين هو وهي الحقيقة·
قالوا نأخذك معنا في الطائرة وتشير لنا إلى المواقع التي يمكن أن يكون صدام حسين مختفياً فيها· قلت لهم: لا أفعل هذا، لأن هذا التصرف لا يليق بي، ويمكن أن يكون هناك آخرون يقومون بهذه المهمة· وبكل الأحوال أنني لا أعرف أين يمكن أن يكون، أو المكانات المتوقع أن يكون مختفياً فيها·
استمر الطلب مني البروك على الأرض والزحف ذهاباً وأياباً كما في الحال الأولى· وقد بأن الجهد علي وصعوبة التنفس حتى أيقنت أن المنية قريبة، فرفعت إصبعي ونطقت الشهادتين· وكما يظهر فان المترجم قال للمحققين ماذا أقصد بذلك· فوجدت أحد الجنود يضع قدمه على إصبعي حتى كاد يكسرها، ولا يزال شيء من أثار الجرح عليها· وقال: لا تفعل هذا، إننا لا ندعك تموت، بل نوصلك إلى الموت ونعيدك، وهكذا إلى أن تستجيب لمطالبنا، وتتعاون معنا، لأن هناك غيرك قد وافق على التعاون دون أي إيذاء أو قسر· وقد تجنبوا الوضع الذي أنت عليه· فقلت: ما هو التعاون ومن هم المتعاونون؟ ذكروا لي أسمين من الأخوة، لا أجد مناسباً ذكرهما هنا· وقالوا: تعاون معنا واستجب للأسئلة التي نوجهها إليك· وهذا أول سؤال هو: تمكننا من إلقاء القبض على صدام حسين لأنك نائبه، وقريب منه، وزميله منذ أربعين عاماً· قلت لهم: إذا كنت لا أعرف، ولا أستطيع التعاون كيف الحال؟ قالوا: ستبقى هكذا إلى الأبد·
وأيضاً استمر الحال بحدود ساعتين، والدماء تسيل من اليدين والرجلين، وصب الماء المثلج على جسمي مستمر· وأُعدت إلى الغرفة الثانية للمسير إياباً وذهاباً كما كنت· وبدأت أفقد الوعي وأسقط على الأرض بقوة، ويطلب مني الجنود الأميركان النهوض لوحدي وباستعمال الضرب والشتيمة البذيئة·
بعد ما يقرب من يومين، حسب تقديري، وضعوا كيس طعام معلبات أمامي، ورفعوا الكيس، وفتحوا عيني، وقالوا: هذا طعامك· قلت لهم: إرفعوا الرباط من يدي· قالوا: لا· قلت: كيف أفتح الأكياس وأتناول الطعام؟ قالوا: أنت حر، لك عشر دقائق، وسنعيد شد عينيك، ووضع الكيس على رأسك· وفعلاً تم هذا، ولم أتناول الطعام· ويعد بضع ساعات جاء الأربعة، أي المحققون الثلاثة والمترجم، وقالوا لي: هل أكلت؟ قلت لهم: كلا، لأني لم استطع، وبنفس الوقت لا أستذوق هذا النوع من الطعام· إن كان محلياً، تأتون لي بقطعة من الخبز وكوب شاي أو بيضة مسلوقة· قالوا: هذا هو طعامنا، ويجب أن تتناوله إذا شئت· وبدأ المترجم يفتح إحدى العلب، ويحاول أن يضع الطعام في فمي لأنهم لا يريدون فتح يدي· لم استسغ الطعام، وتركوني· واستمر الحال ما يقرب من ثلاثة أيام على هذا الحال دون جلوس على الأرض والزحف على الأرض والمسير ذهاباً وإياباً· وكان الانهيار بيناً· وأبلغوني أن السماح لي بالذهاب إلى المرافق كل 24 ساعة فقط· ووضعوا قنينة ماء في الغرفة من الحجم الصغير، أي بحدود ثلاثة أرباع اللتر· وكانت هذه للشرب، وكذلك عندما أذهب إلى المرافق لأغسل· ولذلك كل مدة الـ 22 يوماً لم أضع الماء على وجهي وعلى جسمي مطلقاً·
بعد اليوم الرابع أخذوني إلى غرفة أخرى، بعيدة خطوات عن غرفتي، ورفعوا الكيس عن رأسي، وجدت نفسي أمام محققيْن آخرين غير أولئك الأربعة المجرمين·
المحققون الجدد كانوا ثلاثة أحدهم مترجم، ومن حديثة عرفته من أصول عربية ويحمل الجنسية الأميركية ويرتدي الملابس الأميركية· وفي هذه المرة أجلسوني على كرسي وهم جلوس كذلك على كراسي وطاولة للكتابة، وتحدثوا معي بشكل طبيعي، وطرحوا أولاً نفس السؤال بالنسبة لمكان وجود الرئيس صدام حسين· ولكن بتفاصيل·· متى التقيت به أخر مرة وأين ومن معه؟ واستمر التحقيق حوالي ساعتين بدون نتيجة وتمت إعادتي بعد وضع الكيس في الرأس إلى غرفتي، لامارس نفس الشيء في المسير ذهاباً وإياباً·
وفي اليوم الثاني التقيت كذلك بهذه اللجنة التحقيقية، وفي هذه المرة أرادوا معرفة كيف وأين كنت أختفي خلال الأشهر الأربعة الماضية· وحاولوا معرفة من تعاون معنا أو ساعدنا على الاختفاء، لم يفلحوا، وتمت أعادتي إلى الغرفة، واستمر ما يقرب من أسبوع حسب تقديري على نفس المنوال من التعذيب، وثلاث مرات تحقيق مع هذه اللجنة التحقيقية الجديدة، هذا بالإضافة إلى اللجنة الأولى وصيغ تعذيبها الذي شرحت بعضه أعلاه·
فوجئت في يوم، جاء أحد الأربعة، وهو نفسه حامل العصا، لأني لا أنسى شكله، قال لي: يسمح لك بالجلوس ولكن لا تستلق· وعندما جلست في زاوية الغرفة شعرت كأني انتقلت من حال إلى حال آخر لما كنت أعانيه من إعياء، وأخذني النوم في الحال· ولكن الجندي الأميركي أيقظني على الفور، وهكذا كلما استغرق في النوم يوقظني الحرس·
في هذا اليوم الذي سمح لي بالجلوس على الأرض· نقلوني إلى الغرفة التي يتم فيها التعذيب والزحف على الأرض والضرب، وعرضوا عليّ سؤالاً غريباً، وهو أين هو الطيار الأميركي الذي وقع أثناء العدوان عام 1991 في الصحراء العراقية؟ قالوا: إنه حي ومسجون لديكم وعليك أن تقول لنا أين هو؟ قلت لهم: لا أعرف عن هذا الموضوع شيئاً، واستمر الزحف والضرب وهذه الحالة لمدة أسبوع آخر تقريباً دون أن أطيل عليكم، ولكن بنفس الروتين·
وفي نهاية الأسبوع بدأ طرح سؤال ثالث وهو: قل لنا أسماء قيادة العمل الفدائي في الموصل وبغداد لأنك كنت مسؤولاً عن ذلك وبالدرجة الأولى في الموصل· قلت لهم: لا أعلم ولا أعرف عن هذا شيئاً، وإني كنت خلال تلك الفترة مختفياً لا أستطيع الحركة· بدأ الضرب والزحف كما أسلفنا وبدا التدرج في هذا السؤال، مرة يقولون أذكر لنا أربعة أسماء ومرة اسمين وأخيراً قالوا: قل لنا اسماً واحداً فقط، ولا تقل بأنك اعترفت عليه· قلت لهم: إنكم تظلموني بهذا التعذيب، وإني غير مستعد أن أظلم أي إنسان لا أعرفه آتي به ظلماً فتوقعون العذاب به· وهذا الحال استمر حوالي خمسة أيام وأكدوا أن هذا أهم سؤال: إن تعاونت معنا في ذكر اسم واحد، ولكن يكون حقيقياً، سنطلق سراحك خلال ثلاثة أيام·
بعدها تركوني، وللتاريخ أقول لكم كيف عشت دون طعام ودون أن أتناول كيس الطعام الذي كانوا يقدموه لي يومياً· في اليوم الرابع أو الخامس مر على غرفتي، التي أسير فيها إياباً وذهاباً وأنا معصوب العينين، المترجم الذي كان مع اللجنة الثانية، العربي الأصل، وقال لي: لماذا لا تتناول الطعام يا أستاذ طه؟ هذا بالحرف الواحد وبصوت هادئ· وقال عدم تناولك الطعام سيؤذي صحتك· قال ذلك وأنا معصوب العينين· قلت له: أنني لا أستسيغ هذا الطعام· أنت تعرف مذاق طعامنا نحن العرب وفي العراق· أرجو أن تساعدني بقطعة خبز أو أي شيء· إن لم يكن بيضاً مسلوقاً فشيء من المربى· قال: فهمت قصدك· وفعلاً بعد ساعتين جاءني بقطعتي خبز وكمية من المربى في قنينة صغيرة· وأصبح كل يوم تقريباً يأتي مرة بسرعة، يضع الخبز وأحياناً علبة عصير أو كيكة ويذهب· وأكثر من مرة جاء بكوب شاي ويغادر على الفور بعد السلام· وفي الأخير قلت له: هل أبقى شبه عارٍ؟ ليس لديكم دشداشة أو شيء أرتديه؟ قال: سأحاول· وفعلاً قبل أن أغادر الموقع بيومين جاءني ببدلة عمل زرقاء مع لباس وفانيله وارتديتها·
في الأسبوع الثالث نقلت الى غرفة ووضعوا على الأرض (دوشك)، وقالوا: يمكن أن تمتد عليها· وكان طول الغرفة لا يزيد عن متر ونصف وعرضها متراً لأني عندما كنت استلقي كنت أضع رأسي على العتبة وارفع أرجلي على الجدار المقابل، أي أقصر من قامتي·
خلال كل تلك الأيام كنت لا أعرف الليل من النهار لأن الضياء مفتوح، وليس لدي ساعة ولا أحد يجيبني عن الوقت والزمان واليوم·
في يوم جاء المترجم الأميركي العربي الأصل· وجدته فرحاً يقول لي: أستاذ طه بعد دقائق ستنقل إلى موقع آخر أفضل، وستلتقى بإخوانك، وتعرف الليل من النهار· قلت له: أشكرك، قل لي ما هو تاريخ اليوم؟ قال لي: اليوم 9/9/2003· قلت له: إذن أنا هنا منذ 22 يوماً· وغادر الغرفة بسرعة· وفعلاً بعد أقل من خمس دقائق، جاء الجنود ووضعوا القيود، وعصبوا العينين، واقتادوني إلى سيارة· وبعد مسير بحدود عشر دقائق بالسيارة تم إيصالي إلى (معسكر كروبر)، وسُلّمت لإدارة المعسكر· ورفعوا الكيس الأسود الذي في الرأس، ورفعوا قيد الأيدي، وبعد أن ثُبت اسمي في إدارة المعسكر غادرت المجموعة التي اقتادتني من المنتجع إلى (معسكر كروبر)· واقتادتنى مجموعة أخرى وأنا مطلق اليدين إلى غرفتي، وهي إحدى غرف (معسكر كروبر) الانفرادية، والتي تقرب مساحتها من 6م 2· لا يوجد فيها شباك تهوية، وتوجد فتحتان صغيرتان في الباب على الأغلب تبقيان مفتوحتين· ولكن بالنسبة لي حال استقراري في الغرفة أغلقوا الفتحتين بالكامل، وبقيت لمدة ثلاثة أشهر لا ألتقي بأي من الأخوة الآخرين، عندما كانوا يخرجون إلى الرياضة كمجاميع، بل كانوا يفتحون الباب كل أربع وعشرين ساعة، نصف ساعة للرياضة لوحدي، ومرتين كل يوم إلى المرافق لكل منها عشر دقائق وبأوقات غير منتظمة· وبدأ التحقيق معي من جديد في اليوم الثاني من وصولي إلى (معسكر كروبر)· وكنت أذكر لهم، أي للمحققين، ما هو سبب فصلي عن الآخرين، وغلق فتحات الباب حيث بدأت تؤثر على وضعي الصحي· قالوا: عليك أن تتعاون· والحديث حول هذا الموضوع يطول شرحه· آمل أن تتاح فرصته مستقبلاً· وبدأ في (معسكر كروبر) التعذيب النفسي بعد أن انتهى التعذيب الجسدي في المنتجع·
إلى هنا أتوقف وأكرر الاعتذار للإطالة رغم تجاوزي الكثير من صيغ التعذيب والكلام البذيء الذي كنت اسمعه من الجنود والضباط· وضرب الباب بالأيدي والعصى ليل نهار، والموسيقى الصاخبة والمرعبة، وأصوات الحيوانات والكلاب، التي كنت اسمعها دون توقف ليل نهار، والتي لها فعلها وأثرها بما لا يقل عن التعذيب الجسدي·
ختاماً، هذه هي رسالتي لكي تطلعوا على مدى تقدم صيغ التعذيب والتفنن بها عند أكبر دولة في العالم تقول عن نفسها إنها تدافع عن حقوق الإنسان في العالم، وتهدد العديد من حكومات العالم تحت غطاء تجاوزها حقوق الإنسان والتعذيب، وتطالب بتطبيق الديمقراطية.