منصور بالله
22-02-2006, 11:47 AM
الجعفري والغضبة المتأخرة
2006/02/22
عبد الباري عطوان
اعتبر الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس وزراء العراق المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة التصريحات التي ادلي بها زلماي خليل زاد السفير الامريكي في العراق وحذر فيها من قيام الحكومة الجديدة علي اسس طائفية تدخلا في الشؤون الداخلية العراقية، ورد عليها بغضب بقوله ان العراق يعرف مصلحته.
وتبدو ردود الدكتور الجعفري هذه عصية علي الفهم، لعدة اسباب اولها نسيانه، او تناسيه، ان العراق يخضع للاحتلال الامريكي، وثانيها ان السيد زلماي زاد هو الحاكم الفعلي للعراق وان حكومته خسرت حتي الآن ثلاثة الاف جندي وثلاثمئة مليار دولار، وثالثها ان حكومته السابقة كانت فعلاً حكومة طائفية بكل المقاييس.
ولا بد ان الدكتور الجعفري يدرك جيداً ان الشؤون العراقية الداخلية منتهكة منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه القوات الامريكية ارض العراق، ومنذ ذلك التاريخ اصبحت الشؤون الداخلية العراقية جزءا من الشؤون الامريكية.
فاذا كان الدكتور الجعفري يعتبر تحذير السيد زاد من قيام حكومة طائفية في العراق تدخلا في الشأن العراقي، فماذا يقول عن وجود مئة وخمسين الف جندي امريكي، وعشرة آلاف جندي بريطاني، وآلاف الجنود البولنديين واليابانيين والدنماركيين والاستراليين والايطاليين و.. و.. الي آخر القائمة الطويلة من القوات الاجنبية الجاثمة علي ارض العراق؟
السيادة العراقية منتهكة، لان العراق، وببساطة شديدة، خاضع للاحتلال، ولولا القوات الامريكية لما اصبح الدكتور الجعفري رئيسا للوزراء، ولما استمرت حكومته يوما واحدا في السلطة في حال انسحابها، ولهذا السبب يحرص المسؤولون العراقيون الجدد ابتداء من الرئيس جلال الطالباني وانتهاء بالدكتور الجعفري علي المطالبة ببقاء هذه القوات لاطول فترة ممكنة حتي يبقوا في مناصبهم.
فبعد ثلاث سنوات من الاحتلال، والاطاحة بالنظام العراقي، وتفكيك جميع مؤسساته الوطنية، ما زال السيد الجعفري وكل حلفائه عاجزين تماما عن حكم البلاد، والسيطرة علي الاوضاع الامنية، واعادة الاعمار، رغم وجود هذا العدد الضخم من القوات الامريكية والاجنبية، ومئة الف من قوات الشرطة والحرس الوطني التي بنيت علي اساس طائفي محض، ومن الجماعات الموالية للائتلاف الحاكم بشقيه الشيعي والكردي.
فالحكومات تستمد شرعيتها من الدعم الشعبي، والانجازات علي الارض، فما هي انجازات حكومة الدكتور الجعفري، وكل الحكومات التي سبقتها اذا كانت عاجزة تماما عن اعادة الكهرباء، وبشكل طبيعي الي العاصمة بغداد، وتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين، وحماية ارواحهم واعراضهم من عصابات السلب والنهب والسرقات.
من المؤسف ان السفير الامريكي كان محقاً في تحذيراته هذه، فالحكومة السابقة كانت طائفية، ووضعت اشخاصاً ينضحون حقداً علي اشقائهم العراقيين من الطوائف الاخري علي قمة وزارة الداخلية وقوات الأمن والحرس الوطني، واعطتهم كل الصلاحيات لممارسة كل انواع الانتقام البشعة من الخصوم والابرياء علي حد سواء.
نفهم ان تقدم جماعات ارهابية غير مسؤولة، وخارجة علي القانون علي اعمال قتل ونسف من منطلقات طائفية، ولكن ما لا نستطيع فهمه ان تشكل وزارة الداخلية في العراق الجديد فرق موت تخطف الابرياء بالعشرات وتقتلهم لانهم من طائفة اخري، وتلقي بجثثهم المكبلة الايدي والارجل الي الكلاب الضالة.
فوزارة الداخلية من المفترض ان تكون الحارس الامين علي ارواح العراقيين جميعا، تطبق القانون دون تفرقة، لا ان تنشئ ميليشيات طائفية، وتحول اقبيتها المظلمة الرطبة الي غرف تعذيب بشعة، يواجه فيها المعتقلون اصنافا من الاهانات والتعذيب غير مسبوقة في جميع العصور السابقة.
علماء العراق، ومن شتي الطوائف، الذين بنوا نهضته العلمية، ويعتبرون ثروته الحقيقية يتعرضون للتصفية الجسدية من قبل الميليشيات الطائفية الحاقدة، لانهم خدموا بلادهم، وطوروا صناعة عسكرية حققت التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وجعلت من العراق قوة اقليمية كبري، ولم نسمع كلمة احتجاج واحدة من اي مسؤول عراقي، وكأن لسان حالهم يقول (اقتلوهم انهم عملاء النظام السابق).كنا نتمني، لو ان الدكتور الجعفري، الذي من المفترض ان يكون رئيسا لوزراء العراق بكل اطيافه واعراقه وطوائفه، قد غضب بالقدر نفسه عندما مسحت الغارات الامريكية مدنا عراقية بالكامل، وقتلت الآلاف من ابنائها، وما زالت، وانتهكت القوات الامريكية حرمة العراق والعراقيين عندما اعتدت جنسيا علي المعتقلين في سجن ابو غريب. كنا سنحترمه اكثر وهو الذي ظل طوال حياته رافعا راية الاسلام، والدعوة الاسلامية، لو انه قدم استقالته من موقعه احتجاجا علي هذه الجرائم، ولكنه لم يفعل للأسف، وهو وكل طاقمه الذي كان يصم اذاننا عندما كانوا في منافي لندن والعواصم الاوروبية الاخري وهم يتحدثون عن حقوق الانسان وكرامة العراقيين المداسة من قبل النظام البعثي السابق.
ما يجب ان يدركه الدكتور الجعفري، وهو السياسي المحنك، ان الادارة الامريكية التي استخدمت العامل الطائفي للتفريق بين العراقيين وتوظيفهم ضد بعضهم البعض، حتي تسهل مهمتها في غزو العراق واحتلاله، بدأت تفكر حاليا بتغيير اولوياتها، فحلفاء اليوم ربما يتحولون الي اعداء الغد، خاصة اذا وضعنا في الاعتبار ان احتمالات المواجهة بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الايراني ما زالت قائمة.
شهر العسل الامريكي مع الدكتور الجعفري وكل الذين وقفوا في خندق الاحتلال يوشك علي الاقتراب من نهايته، وهذا ما يفسر هذا الانقلاب الامريكي المفاجئ الذي عبر عنه السفير خليل زاد، واثار غضب الدكتور الجعفري.
فأمريكا دخلت العراق علي ظهر الحصان الطائفي، والآن تحاول التخلي عنه عندما تتطلب مصالحها ذلك، تماما مثلما تخلت عن كارلوس في الفلبين، وشاه ايران، والمجاهدين الافغان، وديكتاتوريات امريكا اللاتينية.. انتهي الفصل الأول من المسرحية، والفصل الثاني علي وشك الابتداء، وبممثلين جدد، واحصنة مختلفة.
2006/02/22
عبد الباري عطوان
اعتبر الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس وزراء العراق المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة التصريحات التي ادلي بها زلماي خليل زاد السفير الامريكي في العراق وحذر فيها من قيام الحكومة الجديدة علي اسس طائفية تدخلا في الشؤون الداخلية العراقية، ورد عليها بغضب بقوله ان العراق يعرف مصلحته.
وتبدو ردود الدكتور الجعفري هذه عصية علي الفهم، لعدة اسباب اولها نسيانه، او تناسيه، ان العراق يخضع للاحتلال الامريكي، وثانيها ان السيد زلماي زاد هو الحاكم الفعلي للعراق وان حكومته خسرت حتي الآن ثلاثة الاف جندي وثلاثمئة مليار دولار، وثالثها ان حكومته السابقة كانت فعلاً حكومة طائفية بكل المقاييس.
ولا بد ان الدكتور الجعفري يدرك جيداً ان الشؤون العراقية الداخلية منتهكة منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه القوات الامريكية ارض العراق، ومنذ ذلك التاريخ اصبحت الشؤون الداخلية العراقية جزءا من الشؤون الامريكية.
فاذا كان الدكتور الجعفري يعتبر تحذير السيد زاد من قيام حكومة طائفية في العراق تدخلا في الشأن العراقي، فماذا يقول عن وجود مئة وخمسين الف جندي امريكي، وعشرة آلاف جندي بريطاني، وآلاف الجنود البولنديين واليابانيين والدنماركيين والاستراليين والايطاليين و.. و.. الي آخر القائمة الطويلة من القوات الاجنبية الجاثمة علي ارض العراق؟
السيادة العراقية منتهكة، لان العراق، وببساطة شديدة، خاضع للاحتلال، ولولا القوات الامريكية لما اصبح الدكتور الجعفري رئيسا للوزراء، ولما استمرت حكومته يوما واحدا في السلطة في حال انسحابها، ولهذا السبب يحرص المسؤولون العراقيون الجدد ابتداء من الرئيس جلال الطالباني وانتهاء بالدكتور الجعفري علي المطالبة ببقاء هذه القوات لاطول فترة ممكنة حتي يبقوا في مناصبهم.
فبعد ثلاث سنوات من الاحتلال، والاطاحة بالنظام العراقي، وتفكيك جميع مؤسساته الوطنية، ما زال السيد الجعفري وكل حلفائه عاجزين تماما عن حكم البلاد، والسيطرة علي الاوضاع الامنية، واعادة الاعمار، رغم وجود هذا العدد الضخم من القوات الامريكية والاجنبية، ومئة الف من قوات الشرطة والحرس الوطني التي بنيت علي اساس طائفي محض، ومن الجماعات الموالية للائتلاف الحاكم بشقيه الشيعي والكردي.
فالحكومات تستمد شرعيتها من الدعم الشعبي، والانجازات علي الارض، فما هي انجازات حكومة الدكتور الجعفري، وكل الحكومات التي سبقتها اذا كانت عاجزة تماما عن اعادة الكهرباء، وبشكل طبيعي الي العاصمة بغداد، وتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين، وحماية ارواحهم واعراضهم من عصابات السلب والنهب والسرقات.
من المؤسف ان السفير الامريكي كان محقاً في تحذيراته هذه، فالحكومة السابقة كانت طائفية، ووضعت اشخاصاً ينضحون حقداً علي اشقائهم العراقيين من الطوائف الاخري علي قمة وزارة الداخلية وقوات الأمن والحرس الوطني، واعطتهم كل الصلاحيات لممارسة كل انواع الانتقام البشعة من الخصوم والابرياء علي حد سواء.
نفهم ان تقدم جماعات ارهابية غير مسؤولة، وخارجة علي القانون علي اعمال قتل ونسف من منطلقات طائفية، ولكن ما لا نستطيع فهمه ان تشكل وزارة الداخلية في العراق الجديد فرق موت تخطف الابرياء بالعشرات وتقتلهم لانهم من طائفة اخري، وتلقي بجثثهم المكبلة الايدي والارجل الي الكلاب الضالة.
فوزارة الداخلية من المفترض ان تكون الحارس الامين علي ارواح العراقيين جميعا، تطبق القانون دون تفرقة، لا ان تنشئ ميليشيات طائفية، وتحول اقبيتها المظلمة الرطبة الي غرف تعذيب بشعة، يواجه فيها المعتقلون اصنافا من الاهانات والتعذيب غير مسبوقة في جميع العصور السابقة.
علماء العراق، ومن شتي الطوائف، الذين بنوا نهضته العلمية، ويعتبرون ثروته الحقيقية يتعرضون للتصفية الجسدية من قبل الميليشيات الطائفية الحاقدة، لانهم خدموا بلادهم، وطوروا صناعة عسكرية حققت التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وجعلت من العراق قوة اقليمية كبري، ولم نسمع كلمة احتجاج واحدة من اي مسؤول عراقي، وكأن لسان حالهم يقول (اقتلوهم انهم عملاء النظام السابق).كنا نتمني، لو ان الدكتور الجعفري، الذي من المفترض ان يكون رئيسا لوزراء العراق بكل اطيافه واعراقه وطوائفه، قد غضب بالقدر نفسه عندما مسحت الغارات الامريكية مدنا عراقية بالكامل، وقتلت الآلاف من ابنائها، وما زالت، وانتهكت القوات الامريكية حرمة العراق والعراقيين عندما اعتدت جنسيا علي المعتقلين في سجن ابو غريب. كنا سنحترمه اكثر وهو الذي ظل طوال حياته رافعا راية الاسلام، والدعوة الاسلامية، لو انه قدم استقالته من موقعه احتجاجا علي هذه الجرائم، ولكنه لم يفعل للأسف، وهو وكل طاقمه الذي كان يصم اذاننا عندما كانوا في منافي لندن والعواصم الاوروبية الاخري وهم يتحدثون عن حقوق الانسان وكرامة العراقيين المداسة من قبل النظام البعثي السابق.
ما يجب ان يدركه الدكتور الجعفري، وهو السياسي المحنك، ان الادارة الامريكية التي استخدمت العامل الطائفي للتفريق بين العراقيين وتوظيفهم ضد بعضهم البعض، حتي تسهل مهمتها في غزو العراق واحتلاله، بدأت تفكر حاليا بتغيير اولوياتها، فحلفاء اليوم ربما يتحولون الي اعداء الغد، خاصة اذا وضعنا في الاعتبار ان احتمالات المواجهة بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الايراني ما زالت قائمة.
شهر العسل الامريكي مع الدكتور الجعفري وكل الذين وقفوا في خندق الاحتلال يوشك علي الاقتراب من نهايته، وهذا ما يفسر هذا الانقلاب الامريكي المفاجئ الذي عبر عنه السفير خليل زاد، واثار غضب الدكتور الجعفري.
فأمريكا دخلت العراق علي ظهر الحصان الطائفي، والآن تحاول التخلي عنه عندما تتطلب مصالحها ذلك، تماما مثلما تخلت عن كارلوس في الفلبين، وشاه ايران، والمجاهدين الافغان، وديكتاتوريات امريكا اللاتينية.. انتهي الفصل الأول من المسرحية، والفصل الثاني علي وشك الابتداء، وبممثلين جدد، واحصنة مختلفة.