منصور بالله
20-02-2006, 06:45 PM
جولة السيدة كوندوليزا
2006/02/20
عبد الباري عطوان
قدمت السيدة كوندوليزا رايس خدمة جيدة للحكومة السورية دون ان تقصد عندما اعلنت عن عزم بلادها دعم المعارضة السورية وتقديم خمسة ملايين دولار لمساعدتها في جهودها لاطاحة النظام. لأن الشعوب العربية، والشعب السوري علي رأسها، لا يكن الكثير من الود للادارة الامريكية، ولا يثق بأي جهة تدعمها، وينظر بريبة الي احزاب وجماعات المعارضة التي تحصل علي تمويل من الخارج، وواشنطن علي وجه التحديد.
ومن حسن طالع النظام السوري ان تصريحات السيدة رايس، التي ستبدأ اليوم جولة في السعودية ومنطقة الخليج العربي الي جانب مصر، تزامنت مع تحريضها حكومات هذه الدول علي عدم تقديم اي مساعدات مالية لحكومة فلسطينية تشكلها حركة حماس . اي انها ترصد الأموال لمعارضة سورية، وايرانية (75 مليون دولار) تحت غطاء الاصلاح الديمقراطي، وتحاول في الوقت نفسه افشال جماعة سياسية فازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات حرة ونزيهة لم تشهد طعناً واحدا بالتزوير علي غرار الانتخابات الأخري في دول تعتبر حكوماتها حليفة وثيقة للولايات المتحدة مثل الحكومة المصرية.
هذا التناقض الفاضح في السياسة الخارجية الامريكية هو الذي يجعل ادارة الرئيس بوش، مكروهة بشكل متضخم في المنطقة العربية والعالم الاسلامي، ويجعل الكثيرين لا يصدقون الادعاءات الامريكية المتكررة حول الاصلاح الديمقراطي ومكافحة الفساد.
النظام في سورية لم يكن ديمقراطياً في اي يوم من الأيام، وبز الجميع من اقرانه في ارتكابه لانتهاكات حقوق الانسان، وقمع المعارضة بأكثر الطرق وحشية، ومع ذلك حظي بدعم واشنطن ومساعداتها (70 مليون دولار سنويا) علي مدي الثلاثين عاماً الماضية، لسبب بسيط وهو عدم اصطدامه مباشرة مع سياسة الهيمنة الامريكية علي المنطقة، وغض النظر عن حروبها في العراق وافغانستان. والآن عندما رفض التحول الي تابع ذليل مثل آخرين انقلبت عليه وحركت رجالاتها ضده بهدف اسقاطه.
السيدة رايس ومن خلال جولتها الحالية، التي تأتي في وقت يعيش فيه العالمان الاسلامي والعربي حالة غليان بسبب الرسوم المسيئة للرسول (ص) والاخري الفاضحة في سجن ابو غريب، تريد اعادة احياء تحالف دول اعلان دمشق الذي نشأ بعد اجتياح الكويت، ولكن في مواجهة دمشق نفسها، والحلف الجديد الذي في طور التبلور حاليا، ويضم ايران وحركتي المقاومة الاسلامية في فلسطين حماس ولبنان حزب الله .الادارة الامريكية تقفز من حرب الي اخري للتغطية علي هزائمها، والغالبية الساحقة من هذه الحروب هي ضد دول عربية واسلامية. فمنذ سقوط الاتحاد السوفييتي والاسلام وجماعاته هو العدو الاستراتيجي الجديد للغرب الذي تجب محاربته. ولم نفاجأ برصد البنتاغون 500 مليار دولار اخري لإنجاز هذه المهمة.
الحرب في افغانستان، وبعد خمسة اعوام تقريباً لم تحسم لصالح واشنطن وحلفائها، والا ما معني ارسال بريطانيا خمسة الاف جندي لمكافحة زراعة المخدرات، وشبكات توزيعها، حيث ثبت ان الصادرات الافغانية منها باتت تشكل 95% من واردات اوروبا، اي ان المخدرات التي انخفضت زراعتها الي حدودها الدنيا في زمن نظام طالبان الاصولي المتخلف تضاعفت عشر مرات في زمن كرزاي الديمقراطي الحضاري، وباتت تشكل خطراً يفوق الارهاب علي المجتمع الغربي.
ولا نحتاج للتذكير بالفشل الكبير للسياسة الامريكية في العراق، فاعلان نتائج انتخابات الديمقراطية استغرق 45 يوماً، وانعقاد الجلسة الاولي للبرلمان الجديد ربما يتم بعد ثلاثة أشهر، اما تشكيل الحكومة فربما يكتمل الصيف المقبل او الذي يليه.
دونالد رامسفيلد وزير الدفاع ومهندس كل هذه الحروب اعترف بأن تنظيم القاعدة المطارد في كهوف افغانستان يتفوق علي حكومته في الحرب الاعلامية. ولكنه لم يعترف انه تفوق عليها ايضا في المعارك العسكرية في العراق وافغانستان، مما يؤكد ان الحرب علي الارهاب التي فاقت نفقاتها الثلاثمائة مليار دولار حتي الآن لم تحقق النتائج المرجوة، وكل شريط فيديو او صوتي يصدره زعيم هذا التنظيم او نائبه الدكتور ايمن الظواهري يؤكد هذه الحقيقة ويصيب الرئيس الامريكي بالاكتئاب.
الرئيس بوش يريد فتح جبهات جديدة ضد ايران وسورية وحزب الله، وكعادته يلجأ الي حلفائه العرب في مصر ودول الخليج، لتوظيفهم من جديد، ماليا واعلامياً وعسكريا، لمساعدته في حروبه المقبلة، وهو يدرك جيداً ان مساعدتهم حاسمة في هذا الاطار.
المساعدة التي يريدها هي من شقين، الأول عسكري يتمثل في ارسال قوات عربية واسلامية لتحل محل الامريكية التي يمكن ان تنسحب من العراق حتي لا تقع فريسة سهلة لايران وحلفائها من الميليشيات الشيعية في حال فتح الجبهة مع ايران، والتأثير بشكل مباشر علي الجماعات السنية لتخفيف معاداتها لواشنطن والتي ربما تنقلب ضد المعسكر الآخر. اما الشق الثاني فهو مالي يتعلق بتمويل هذه الحروب والجبهات.السعودية ودول الخليج بالذات تملك رافداً مالياً هائلا، يصل الي 500 مليار دولار سنوياً هي مجموع عوائد النفط، وهذه الاموال يجب ألا تذهب لمساعدة حكومة تشكلها حركة حماس الفائزة في الانتخابات او لتحسين معيشة شعوب المنطقة، وانما لحرب قادمة ضد ايران لتدمير قدراتها النووية الطموحة.لا نستطيع ان نتكهن برد المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج الاخري علي السيدة رايس اثناء عرضها سلسلة مطالبها العسكرية والمالية، وان كنا نعتقد بان الرفض ينطوي علي مخاطر كبيرة بالنسبة الي هذه الدول، او معظمها، ولكن ما نتمناه من المسؤولين في هذه الدول ان يتحدثوا بصراحة اكبر مع الضيفة الامريكية، وان يطالبوا بثمن واضح ومحدد مقابل اي تعاون مستقبلي من جانبهم، لان المخاطر عليهم وعلي استقرار انظمتهم ستكون كبيرة جدا هذه المرة.
الثمن الذي نتوقعه هو انهاء الخطر النووي الاسرائيلي اولا، ووقف هذا الاستهداف الامريكي الحاقد للعرب والمسلمين، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية في فلسطين.
الحرب الامريكية المقبلة ضد ايران لن تكون سهلة، ودول الخليج لن تكون محصنة من تبعاتها الخطيرة. لانه لم يعد هناك نظام في العراق يشكل حاجزاً امنياً، ودرعاً واقياً، وتوازناً استراتيجياً ولأن ايران القوة الاقليمية الأعظم في المنطقة، تملك صناعة عسكرية متطورة وصواريخ وغواصات، وفوق كل هذا وذاك، لها انصار كثر، ابتداء من لبنان ومرورا بالعراق، وانتهاء بدول الخليج نفسها.
جولة رايس علي درجة كبيرة من الاهمية، لانها تشكل فرصة للانظمة العربية المعنية، وخاصة السعودية ومصر، لكي تقول لها كفي مغامرات حمقاء مدمرة، والمطلوب قليل من العقل والتريث والحوار لان الاحتقان كبير في المنطقة ويحتاج الي عود ثقاب لتفجير بركان الغضب.
2006/02/20
عبد الباري عطوان
قدمت السيدة كوندوليزا رايس خدمة جيدة للحكومة السورية دون ان تقصد عندما اعلنت عن عزم بلادها دعم المعارضة السورية وتقديم خمسة ملايين دولار لمساعدتها في جهودها لاطاحة النظام. لأن الشعوب العربية، والشعب السوري علي رأسها، لا يكن الكثير من الود للادارة الامريكية، ولا يثق بأي جهة تدعمها، وينظر بريبة الي احزاب وجماعات المعارضة التي تحصل علي تمويل من الخارج، وواشنطن علي وجه التحديد.
ومن حسن طالع النظام السوري ان تصريحات السيدة رايس، التي ستبدأ اليوم جولة في السعودية ومنطقة الخليج العربي الي جانب مصر، تزامنت مع تحريضها حكومات هذه الدول علي عدم تقديم اي مساعدات مالية لحكومة فلسطينية تشكلها حركة حماس . اي انها ترصد الأموال لمعارضة سورية، وايرانية (75 مليون دولار) تحت غطاء الاصلاح الديمقراطي، وتحاول في الوقت نفسه افشال جماعة سياسية فازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات حرة ونزيهة لم تشهد طعناً واحدا بالتزوير علي غرار الانتخابات الأخري في دول تعتبر حكوماتها حليفة وثيقة للولايات المتحدة مثل الحكومة المصرية.
هذا التناقض الفاضح في السياسة الخارجية الامريكية هو الذي يجعل ادارة الرئيس بوش، مكروهة بشكل متضخم في المنطقة العربية والعالم الاسلامي، ويجعل الكثيرين لا يصدقون الادعاءات الامريكية المتكررة حول الاصلاح الديمقراطي ومكافحة الفساد.
النظام في سورية لم يكن ديمقراطياً في اي يوم من الأيام، وبز الجميع من اقرانه في ارتكابه لانتهاكات حقوق الانسان، وقمع المعارضة بأكثر الطرق وحشية، ومع ذلك حظي بدعم واشنطن ومساعداتها (70 مليون دولار سنويا) علي مدي الثلاثين عاماً الماضية، لسبب بسيط وهو عدم اصطدامه مباشرة مع سياسة الهيمنة الامريكية علي المنطقة، وغض النظر عن حروبها في العراق وافغانستان. والآن عندما رفض التحول الي تابع ذليل مثل آخرين انقلبت عليه وحركت رجالاتها ضده بهدف اسقاطه.
السيدة رايس ومن خلال جولتها الحالية، التي تأتي في وقت يعيش فيه العالمان الاسلامي والعربي حالة غليان بسبب الرسوم المسيئة للرسول (ص) والاخري الفاضحة في سجن ابو غريب، تريد اعادة احياء تحالف دول اعلان دمشق الذي نشأ بعد اجتياح الكويت، ولكن في مواجهة دمشق نفسها، والحلف الجديد الذي في طور التبلور حاليا، ويضم ايران وحركتي المقاومة الاسلامية في فلسطين حماس ولبنان حزب الله .الادارة الامريكية تقفز من حرب الي اخري للتغطية علي هزائمها، والغالبية الساحقة من هذه الحروب هي ضد دول عربية واسلامية. فمنذ سقوط الاتحاد السوفييتي والاسلام وجماعاته هو العدو الاستراتيجي الجديد للغرب الذي تجب محاربته. ولم نفاجأ برصد البنتاغون 500 مليار دولار اخري لإنجاز هذه المهمة.
الحرب في افغانستان، وبعد خمسة اعوام تقريباً لم تحسم لصالح واشنطن وحلفائها، والا ما معني ارسال بريطانيا خمسة الاف جندي لمكافحة زراعة المخدرات، وشبكات توزيعها، حيث ثبت ان الصادرات الافغانية منها باتت تشكل 95% من واردات اوروبا، اي ان المخدرات التي انخفضت زراعتها الي حدودها الدنيا في زمن نظام طالبان الاصولي المتخلف تضاعفت عشر مرات في زمن كرزاي الديمقراطي الحضاري، وباتت تشكل خطراً يفوق الارهاب علي المجتمع الغربي.
ولا نحتاج للتذكير بالفشل الكبير للسياسة الامريكية في العراق، فاعلان نتائج انتخابات الديمقراطية استغرق 45 يوماً، وانعقاد الجلسة الاولي للبرلمان الجديد ربما يتم بعد ثلاثة أشهر، اما تشكيل الحكومة فربما يكتمل الصيف المقبل او الذي يليه.
دونالد رامسفيلد وزير الدفاع ومهندس كل هذه الحروب اعترف بأن تنظيم القاعدة المطارد في كهوف افغانستان يتفوق علي حكومته في الحرب الاعلامية. ولكنه لم يعترف انه تفوق عليها ايضا في المعارك العسكرية في العراق وافغانستان، مما يؤكد ان الحرب علي الارهاب التي فاقت نفقاتها الثلاثمائة مليار دولار حتي الآن لم تحقق النتائج المرجوة، وكل شريط فيديو او صوتي يصدره زعيم هذا التنظيم او نائبه الدكتور ايمن الظواهري يؤكد هذه الحقيقة ويصيب الرئيس الامريكي بالاكتئاب.
الرئيس بوش يريد فتح جبهات جديدة ضد ايران وسورية وحزب الله، وكعادته يلجأ الي حلفائه العرب في مصر ودول الخليج، لتوظيفهم من جديد، ماليا واعلامياً وعسكريا، لمساعدته في حروبه المقبلة، وهو يدرك جيداً ان مساعدتهم حاسمة في هذا الاطار.
المساعدة التي يريدها هي من شقين، الأول عسكري يتمثل في ارسال قوات عربية واسلامية لتحل محل الامريكية التي يمكن ان تنسحب من العراق حتي لا تقع فريسة سهلة لايران وحلفائها من الميليشيات الشيعية في حال فتح الجبهة مع ايران، والتأثير بشكل مباشر علي الجماعات السنية لتخفيف معاداتها لواشنطن والتي ربما تنقلب ضد المعسكر الآخر. اما الشق الثاني فهو مالي يتعلق بتمويل هذه الحروب والجبهات.السعودية ودول الخليج بالذات تملك رافداً مالياً هائلا، يصل الي 500 مليار دولار سنوياً هي مجموع عوائد النفط، وهذه الاموال يجب ألا تذهب لمساعدة حكومة تشكلها حركة حماس الفائزة في الانتخابات او لتحسين معيشة شعوب المنطقة، وانما لحرب قادمة ضد ايران لتدمير قدراتها النووية الطموحة.لا نستطيع ان نتكهن برد المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج الاخري علي السيدة رايس اثناء عرضها سلسلة مطالبها العسكرية والمالية، وان كنا نعتقد بان الرفض ينطوي علي مخاطر كبيرة بالنسبة الي هذه الدول، او معظمها، ولكن ما نتمناه من المسؤولين في هذه الدول ان يتحدثوا بصراحة اكبر مع الضيفة الامريكية، وان يطالبوا بثمن واضح ومحدد مقابل اي تعاون مستقبلي من جانبهم، لان المخاطر عليهم وعلي استقرار انظمتهم ستكون كبيرة جدا هذه المرة.
الثمن الذي نتوقعه هو انهاء الخطر النووي الاسرائيلي اولا، ووقف هذا الاستهداف الامريكي الحاقد للعرب والمسلمين، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية في فلسطين.
الحرب الامريكية المقبلة ضد ايران لن تكون سهلة، ودول الخليج لن تكون محصنة من تبعاتها الخطيرة. لانه لم يعد هناك نظام في العراق يشكل حاجزاً امنياً، ودرعاً واقياً، وتوازناً استراتيجياً ولأن ايران القوة الاقليمية الأعظم في المنطقة، تملك صناعة عسكرية متطورة وصواريخ وغواصات، وفوق كل هذا وذاك، لها انصار كثر، ابتداء من لبنان ومرورا بالعراق، وانتهاء بدول الخليج نفسها.
جولة رايس علي درجة كبيرة من الاهمية، لانها تشكل فرصة للانظمة العربية المعنية، وخاصة السعودية ومصر، لكي تقول لها كفي مغامرات حمقاء مدمرة، والمطلوب قليل من العقل والتريث والحوار لان الاحتقان كبير في المنطقة ويحتاج الي عود ثقاب لتفجير بركان الغضب.