القادم
22-04-2004, 07:26 PM
لقد كان في وسع التاريخ أن يمر بهذا الرجل كما مر بملايين العرب من قبله دون أن يأبه لهم أو يخطروا له على بال .
لكن الإسلام العظيم أتاح لعبد الله أن يلقى سيدي الدنيا في زمانه : كسى ملك الفرس , وقيصر عظيم الروم , وأن تكون مع كل منهما قصة ما تزال تعيها ذاكرة الدهر ويرويها لسان التاريخ .
أما قصته مع كسرى ملك الفرس فكانت في السنة السادسة للهجرة حين عزم النبي صلى الله عليه وسلمأن يبعث طائفة من أصحابه بكتب إلى ملوك الأعاجم يدعوهم فيها إلى الإسلام.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقدر خطورة هذه المهمة....
فهؤلاء الرسل سيذهبونإلى بلاد نائية لا عهد لهمبها من قبل.......
وهم يجهلون لغة تلك البلاد ولا يعرفون شيئا عن أمزجة ملوكها.....
ثم إنهم سيدعون هؤلاء الملوك إلى ترك أديانهم , ومفارقة عزهم وسلطانهم, والدخول في دين قوم كانوا إلى الأمس القريب من بعض أتباعهم......
إنها رحلةخطرة الذاهب فيها مفقود والعائد منها مولود.
لذا جمع الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه, وقام فيهم خطيبا, فحمد الله وأثنى عليه, وتشهد, ثم قال:أما بعد, فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم, فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم)
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن يا رسول الله نؤدي عنك ما تريد فابعثنا حيث شئت.
انتدب عليه الصلاة والسلام ستة من الصحابة ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم, وكان أحد هؤلاء الستة عبد الله بن حذافة السهمي, فقد اختير لحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس.
جهز عبد الله راحلته, وودع صاحبته وولده, ومضى إلى غايته وحيدا فريدا ليس معه إلا الله, حتى بلغ ديار فارس, فاستأذن بالدخول على ملكها,وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له.
عند ذلك أمر كسرى بغيوانه فزين, ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا,ثم أذن لعبد الله بالدخول عليه.
دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس مشتملا شملته الرقيقة, مرتديا عباءته الصفيقة, عليه بساطة الأعراب.
لكنه كان عالي الهامة, مشدود القامة, تتأجّج بين جوانحه عزة الغسلام, وتتوقد في فؤاده كبرياء الإيمان.
فما أن رآه كسرى مقبلا حتى أومأ إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال: لا إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدا بيد وأنا لا أخالف أمرا لرسول الله .
فقالكسرى لرجاله أتركوه يدنو مني, فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده.
ثم دعا كسرى كاتبا عربيا من أهل الحيرة, وأمره أن يفض الكتاب بين يديه , وأن يقرأه عليه فإذا فيه:
( بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس, سلام على من اتبع الهدى....)
فما إن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار حتى اشتعلت نار الغضب في صدره, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه.... فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح: أيكتب لي بهذا, وهو عبدي؟؟ ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يخرج من مجلسه, فأخرج.
خرج عبد الله بن حذافة من مجلس كسرى, وهو لا يدري ما يفعل الله له.....
أيقتل أم يترك حرا طليقا؟؟
لكنه ما لبث أن قال: والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وركب راحلته وانطلق.
ولما سكت عن كسرى الغضب, أمر بأن يدخل عليه عبد الله, فلم يوجد...
فالتمسوه فلم يقفوا له على أثر...
فطلبوه في الطريق إلى جزيرة العرب فوجدوه قد سبق...
فلما قدم عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب, فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال:مزق الله ملكه).
أما كسرى فقد كتب إلى باذان عامله على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين من عندك, ومرهما أن يأتياني به....
فبعث باذان رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحمّلهما رسالة له, يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كسرى دون إبطاء... وطلب من الرجلين أن يقفا على خبر النبي صلى الله عليه وسلمو وأن يستقصيا أمره, وأن يأتياه بما يقفان عليه من المعلومات.
خرج الرجلان يسيران حتى بلغا الطائف فوجدا رجالا تجارا من قريش, فسألاهم عن محمد عليه الصلاة والسلام, فقالوا هوفي يثرب, ثم مضى التجار إلى مكة فرحين مستبشرين, وجعلوا يهنئون قريشا ويقولون: قروا عينا, فإن كسرى تصدى لمحمد وكفاكم شره.
أما الرجلان فيمما وجهيهما شطر المدينة حتى إذا بلغاها لقيا النبي عليه الصلاة والسلام , ودفعا إليه رسالة باذان وقالا له: إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك..... وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه, فإن أجبتنا كلمنا كسرى بما ينفعك ويكف أذاه عنك, وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك.
فتبسم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال لهما: ارجعا إلى رحالكما اليوم واتيا غدا)
فلما غدوا غلى النبي صلى الله عليه وسلم في التالي,قالا له: هل أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى؟
فقال لهما النبي عليه الصلاة والسلام: لن تلقيا كسرى بعد البوم..... فلقد قتله الله, حيث سلط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا....... من شهر كذا........)
فحدقا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم, وبدت الدهشة على وجهيهما, وقالا: أتدري ما تقول؟؟!! أنكتب بذلك لباذان؟؟! قال: ( نعم, وقولا له: إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى, وإنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك, وملكتك على قومك).
خرج الرجلان من عند الرسول صلى الله عليه وسلم, وقدما على باذان وأخبراه الخبر, فقال: لئن كان ما قاله محمد فهو نبي, وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيا.....
فلم يلبث ان قدم على باذان كتاب شيرويه وفيه يقول: أما بعد فقد قتلت كسرى. ولم أقتله إلا انتقاما لقومنا, فقد استحل قتل أشرافهم وسبي نسائهم وانتهاب أموالهم, فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن عندك.
فما إن قرأباذان كتاب شيرويه حتى طرحه جانبا وأعلن دخوله في الإسلام, وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن.
هذه قصة عبد الله بن حذافة لكسرى ملك الفرس.
فما قصة لقائه لفيصر عظيم الروم؟؟
لقد ذكرنا قصة لقاء عبد الله بن حذافة لكسرى ملك الفرس.
فما قصة لقائه لقيصر عظيم الروم؟؟
لقد كان لقاؤه لقيصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت معه قصة من روائع القصص....
ففي السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث سيدنا عمر بن الخطاب جيشا لحرب الروم فيه عبد الله بن حذافة السهمي...وكان قيصر عظيم الروم قد تناهت إليه أخبار جند المسلمين وما يتحلون به من صدق الإيمان ورسوخ العقيدة واسترخاص في سبيل الله ورسوله.
فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه، وأن يأتوه به حيا.... وشاء الله أن يقع عبد الله بن حذافة أسيرا في أيدي الروم ، فحملوه إلى مليكهم وقالوا: إن هذا من أصحاب محمد السابقين إلى دينه قد وقع أسيرا في أيدينا ، فأتيناك به.
نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلا ثم بادره قائلا:
إني أعرض عليك أمرا
قال: وما هو؟
فقال: أعرض عليك أن تتنصر ..... فإن فعلت خليت سبيلك، وأكرمت مثواك.
فقال الأسير في أنفة وحزم: هيهات....... إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه.
فقال قيصر: إني لأراك رجلا شهما....فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري وقاسمتك سلطاني.
فتبسم الأسير المكبل بقيوده وقال: والله لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت.
قال: إذن أقتلك.
قال: أنت وما تريد.
ثم أمر به فصلب ، وقال لقناصته بالرومية:ارموه قريبا من يديه، وهو يعرض عليه التنصر فأبى.
فقال: ارموه قريبا من رجليه، وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى.
عند ذلك أمرهم أن يكفوا عنه، وطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب، ثم دعا بقدر عظيمة فصب فيها الزيت ورفعت على النار حتى غلت ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين، فأمر بأحدهما أن يلقى فيها فألقي، فإذا لحمه يتفتت، وإذا عظامه تبدو عارية....
ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية، فكان أشد إباء لها من قبل.
فلما يئس منه، أمر أن يلقى في القدر الذي ألقي فيها صاحباه فلما ذهب به دمعت عيناه، فقال رجال قيصر لملكهم: إنه قد بكى ....
فظن أنه قد جزع فقال: ردوه إلي.
فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأباها.
فقال: ويحك فما الذي أبكاك إذن؟؟
قال: أبكاني أني قلت في نفسي: تُلقى الآن في القدر ، فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله.
فقال الطاغية: هل لك في أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟
فقال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين أيضا؟
قال:وعن جميع أسارى المسلمين أيضا.
قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله ، أقبل رأسه فيخلي عني وعن أسارى المسلمين جميعا، لاضير في ذلك علي.
ثم دنا منه وقبل رأسه، فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين وأن يدفعوا إليه،فدُفعوا له.
قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأخبره خبره، فسر الفاروق به أعظم السرور ، ولما نظر إلى الأسرى قال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة .... وأنا أبدأ بذلك.
ثم قام زقبل رأسه.
تابع
لكن الإسلام العظيم أتاح لعبد الله أن يلقى سيدي الدنيا في زمانه : كسى ملك الفرس , وقيصر عظيم الروم , وأن تكون مع كل منهما قصة ما تزال تعيها ذاكرة الدهر ويرويها لسان التاريخ .
أما قصته مع كسرى ملك الفرس فكانت في السنة السادسة للهجرة حين عزم النبي صلى الله عليه وسلمأن يبعث طائفة من أصحابه بكتب إلى ملوك الأعاجم يدعوهم فيها إلى الإسلام.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقدر خطورة هذه المهمة....
فهؤلاء الرسل سيذهبونإلى بلاد نائية لا عهد لهمبها من قبل.......
وهم يجهلون لغة تلك البلاد ولا يعرفون شيئا عن أمزجة ملوكها.....
ثم إنهم سيدعون هؤلاء الملوك إلى ترك أديانهم , ومفارقة عزهم وسلطانهم, والدخول في دين قوم كانوا إلى الأمس القريب من بعض أتباعهم......
إنها رحلةخطرة الذاهب فيها مفقود والعائد منها مولود.
لذا جمع الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه, وقام فيهم خطيبا, فحمد الله وأثنى عليه, وتشهد, ثم قال:أما بعد, فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم, فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم)
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن يا رسول الله نؤدي عنك ما تريد فابعثنا حيث شئت.
انتدب عليه الصلاة والسلام ستة من الصحابة ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم, وكان أحد هؤلاء الستة عبد الله بن حذافة السهمي, فقد اختير لحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس.
جهز عبد الله راحلته, وودع صاحبته وولده, ومضى إلى غايته وحيدا فريدا ليس معه إلا الله, حتى بلغ ديار فارس, فاستأذن بالدخول على ملكها,وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له.
عند ذلك أمر كسرى بغيوانه فزين, ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا,ثم أذن لعبد الله بالدخول عليه.
دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس مشتملا شملته الرقيقة, مرتديا عباءته الصفيقة, عليه بساطة الأعراب.
لكنه كان عالي الهامة, مشدود القامة, تتأجّج بين جوانحه عزة الغسلام, وتتوقد في فؤاده كبرياء الإيمان.
فما أن رآه كسرى مقبلا حتى أومأ إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال: لا إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدا بيد وأنا لا أخالف أمرا لرسول الله .
فقالكسرى لرجاله أتركوه يدنو مني, فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده.
ثم دعا كسرى كاتبا عربيا من أهل الحيرة, وأمره أن يفض الكتاب بين يديه , وأن يقرأه عليه فإذا فيه:
( بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس, سلام على من اتبع الهدى....)
فما إن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار حتى اشتعلت نار الغضب في صدره, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه.... فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح: أيكتب لي بهذا, وهو عبدي؟؟ ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يخرج من مجلسه, فأخرج.
خرج عبد الله بن حذافة من مجلس كسرى, وهو لا يدري ما يفعل الله له.....
أيقتل أم يترك حرا طليقا؟؟
لكنه ما لبث أن قال: والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وركب راحلته وانطلق.
ولما سكت عن كسرى الغضب, أمر بأن يدخل عليه عبد الله, فلم يوجد...
فالتمسوه فلم يقفوا له على أثر...
فطلبوه في الطريق إلى جزيرة العرب فوجدوه قد سبق...
فلما قدم عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب, فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال:مزق الله ملكه).
أما كسرى فقد كتب إلى باذان عامله على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين من عندك, ومرهما أن يأتياني به....
فبعث باذان رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحمّلهما رسالة له, يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كسرى دون إبطاء... وطلب من الرجلين أن يقفا على خبر النبي صلى الله عليه وسلمو وأن يستقصيا أمره, وأن يأتياه بما يقفان عليه من المعلومات.
خرج الرجلان يسيران حتى بلغا الطائف فوجدا رجالا تجارا من قريش, فسألاهم عن محمد عليه الصلاة والسلام, فقالوا هوفي يثرب, ثم مضى التجار إلى مكة فرحين مستبشرين, وجعلوا يهنئون قريشا ويقولون: قروا عينا, فإن كسرى تصدى لمحمد وكفاكم شره.
أما الرجلان فيمما وجهيهما شطر المدينة حتى إذا بلغاها لقيا النبي عليه الصلاة والسلام , ودفعا إليه رسالة باذان وقالا له: إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك..... وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه, فإن أجبتنا كلمنا كسرى بما ينفعك ويكف أذاه عنك, وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك.
فتبسم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال لهما: ارجعا إلى رحالكما اليوم واتيا غدا)
فلما غدوا غلى النبي صلى الله عليه وسلم في التالي,قالا له: هل أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى؟
فقال لهما النبي عليه الصلاة والسلام: لن تلقيا كسرى بعد البوم..... فلقد قتله الله, حيث سلط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا....... من شهر كذا........)
فحدقا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم, وبدت الدهشة على وجهيهما, وقالا: أتدري ما تقول؟؟!! أنكتب بذلك لباذان؟؟! قال: ( نعم, وقولا له: إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى, وإنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك, وملكتك على قومك).
خرج الرجلان من عند الرسول صلى الله عليه وسلم, وقدما على باذان وأخبراه الخبر, فقال: لئن كان ما قاله محمد فهو نبي, وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيا.....
فلم يلبث ان قدم على باذان كتاب شيرويه وفيه يقول: أما بعد فقد قتلت كسرى. ولم أقتله إلا انتقاما لقومنا, فقد استحل قتل أشرافهم وسبي نسائهم وانتهاب أموالهم, فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن عندك.
فما إن قرأباذان كتاب شيرويه حتى طرحه جانبا وأعلن دخوله في الإسلام, وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن.
هذه قصة عبد الله بن حذافة لكسرى ملك الفرس.
فما قصة لقائه لفيصر عظيم الروم؟؟
لقد ذكرنا قصة لقاء عبد الله بن حذافة لكسرى ملك الفرس.
فما قصة لقائه لقيصر عظيم الروم؟؟
لقد كان لقاؤه لقيصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت معه قصة من روائع القصص....
ففي السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث سيدنا عمر بن الخطاب جيشا لحرب الروم فيه عبد الله بن حذافة السهمي...وكان قيصر عظيم الروم قد تناهت إليه أخبار جند المسلمين وما يتحلون به من صدق الإيمان ورسوخ العقيدة واسترخاص في سبيل الله ورسوله.
فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه، وأن يأتوه به حيا.... وشاء الله أن يقع عبد الله بن حذافة أسيرا في أيدي الروم ، فحملوه إلى مليكهم وقالوا: إن هذا من أصحاب محمد السابقين إلى دينه قد وقع أسيرا في أيدينا ، فأتيناك به.
نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلا ثم بادره قائلا:
إني أعرض عليك أمرا
قال: وما هو؟
فقال: أعرض عليك أن تتنصر ..... فإن فعلت خليت سبيلك، وأكرمت مثواك.
فقال الأسير في أنفة وحزم: هيهات....... إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه.
فقال قيصر: إني لأراك رجلا شهما....فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري وقاسمتك سلطاني.
فتبسم الأسير المكبل بقيوده وقال: والله لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت.
قال: إذن أقتلك.
قال: أنت وما تريد.
ثم أمر به فصلب ، وقال لقناصته بالرومية:ارموه قريبا من يديه، وهو يعرض عليه التنصر فأبى.
فقال: ارموه قريبا من رجليه، وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى.
عند ذلك أمرهم أن يكفوا عنه، وطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب، ثم دعا بقدر عظيمة فصب فيها الزيت ورفعت على النار حتى غلت ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين، فأمر بأحدهما أن يلقى فيها فألقي، فإذا لحمه يتفتت، وإذا عظامه تبدو عارية....
ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية، فكان أشد إباء لها من قبل.
فلما يئس منه، أمر أن يلقى في القدر الذي ألقي فيها صاحباه فلما ذهب به دمعت عيناه، فقال رجال قيصر لملكهم: إنه قد بكى ....
فظن أنه قد جزع فقال: ردوه إلي.
فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأباها.
فقال: ويحك فما الذي أبكاك إذن؟؟
قال: أبكاني أني قلت في نفسي: تُلقى الآن في القدر ، فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله.
فقال الطاغية: هل لك في أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟
فقال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين أيضا؟
قال:وعن جميع أسارى المسلمين أيضا.
قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله ، أقبل رأسه فيخلي عني وعن أسارى المسلمين جميعا، لاضير في ذلك علي.
ثم دنا منه وقبل رأسه، فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين وأن يدفعوا إليه،فدُفعوا له.
قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأخبره خبره، فسر الفاروق به أعظم السرور ، ولما نظر إلى الأسرى قال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة .... وأنا أبدأ بذلك.
ثم قام زقبل رأسه.
تابع