منصور بالله
13-02-2006, 12:14 PM
سياسة إطفاء الحرائق
لقد كشفت الأحداث التي تلت نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الصحف الدنماركية، ومن ثمّ الغربية، عن أنّ العالم يفتقر اليوم إلى قيادة سياسية وأخلاقية واعية وقادرة على توجيه دفّة السفينة بحكمة ودراية، وأنّ أحد أسباب الخلل فيما يجري في عالم اليوم، هو تركيز القوى العظمى على المال والاقتصاد والاستهانة بالهويـّة الثقافية والدينية والآفاق الروحية للشعوب. وهكذا كانت أيضاً ردود الأفعال من قبل الزعماء الغربيين، بمن فيهم رئيس وزراء الدنمارك وزعماء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على الغضب العارم للمسلمين في كلّ أنحاء العالم على الإساءة الوحشية لمقام رسول كريم، فكانت مجرد ملامسة سطحية لا تُعالِج جوهر المسألة بل تعود إلى الأسلوب التقليدي في كيل الاتهامات إلى القوى أو البلدان غير المرغوب فيها في قاموس العولمة الجديدة. لقد كان مُستهجناً أن تـُعيد الصحف الغربية نشر الرسوم المسيئة للرسول (ص) في فعل تضامني في الإساءة للمسلمين ونبيّهم، كما كان مُستغرباً أن يُـفاخر رئيس وزراء الدنمارك أنديرز فوخ راسموسين بأن الرئيس بوش قد اتصل به تضامناً مع الدنمارك، ولا نعلم ما إذا كان هذا التضامن في الإساءة إلى خاتم الأنبياء، أم في اعتماد سياسة العنصريـّة الثقافية والدينية في الغرب ضدّ الإسلام والمسلمين في ظهورٍ جديد للكراهية الغربية التقليدية للآخر التي ظهرت بأبشع صورها سابقاً ضدّ السود والملونين واليهود، واليوم تظهر الكراهية الغربية بمظهر معاداة الإسلام ومعاملة المسلمين كيهود القرن الحادي والعشرين. بينما توصّـلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى أغرب استنتاج مفادهُ أنه «لا يوجد ما يُبرّر العنف الذي حدث في أنحاء العالم، نتيجة الرسوم الساخرة»! وناشدت رايس الحكومات الإسلامية الدعوة للهدوء، مُعتبرة «أن إيران وسورية تتعمدان إثارة المشاعر واستغلال هذا لأغراضهما الخاصّة، ويتعين على العالم أن يخاطبهما في ذلك»! ومن الواضح أنّ وزيرة الخارجية الأمريكية تكّن ازدراءً شديداً لمشاعر المسلمين في كلّ أنحاء العالم، كي تستهين علانية بمشاعرهم تجاه نبيهم بهذا الشكل، ولم تـر كما غيرها من الزعماء الغربيين حجم الإهانة التي شعر بها كلّ مسلم ومسلمة نتيجة شعور التفوق العنصري الذي ما زال يسيطر على الثقافة الغربية، مما يتطلب دراسة معمّقة لمناهج التعليم الغربية لتغيير فحواها العنصري ضدّ المسلمين والشعوب الأخرى المتوارث من الإرث الاستعماري لهذه البلدان.
ومن ناحيةٍ أخرى فقد استغلّت السيدة رايس موضوعاً يتعلق بالدين والمعتقدات، ووظّفتهُ توظيفاً فاشلاً بإلقاء اللوم على سورية وإيران، متجاهلة بذلك مشاعر ملايين المسلمين من الدنمارك إلى بنغلاديش وباكستان واندونيسيا. ومجمل هذه الردود تُشير إلى نقطتين اثنتين؛ الأولى هي أنّ الناس في الغرب تتجاهل مشاعر المسلمين نتيجة المكنون العنصري، والنقطة الثانية والأهم هي أنهم لم يواكبوا مشاعر النقمة والإذلال التي يشعر بها معظم المسلمين، نتيجة سياسات حكوماتهم المُستهدفة للمسلمين سواء في بلدانهم الإسلامية أو في البلدان الغربية، حيثُ أصبح المسلمون مواطنين من دون التمتـّع بحقّ متكافئ في المواطنية مع الآخرين أي أقلية مضطهدة تعيش في بيئة كراهية عنصرية تحرمها من حق التعبير والتمثيل السياسي وحق امتلاك هوية ثقافية. ولذلك فحتى حين يتظاهر المسلمون فهم إما «عنيفون بسبب تعاليم دينهم» أو أن «حكوماتهم قد حرّضتهم» لفعل ذلك، والقاسم المشترك بين كلّ هذه الأحكام، هو شعور التفوق العنصري لدى الفئات اليمينية المتطرّفة في الغرب، واعتبارهم أي تعبير من قبل المسلمين إزاء الجرائم المرتكبة بحقّهم من احتلال وقتل وانتهاك للمقدسات، إما أعمالاً إرهابيةً، أو عنفاً أو مظاهر كراهية، رغم أن ردود الأفعال الغاضبة في كلّ الدول الإسلامية، أظهرت أنّ الشعوب المسلمة اليوم تسير قبل حكوماتها وليس خلفها. وبالعكس فقد أظهر زعماء العديد من البلدان الإسلامية تردداً يدعم المواقف المتشددة لزعماء التمييز العنصري في الغرب، ويشجعها على الاستهانة بالإسلام والمسلمين. ولكنّ الحقيقة الأهمّ هي أنّ كلّ الذين يتمتعون بشعور بالمسؤولية أدركوا أن العالم يقترب من لحظة خطيرة جداً في تاريخه نتيجة السياسات الغربية المتخذة، منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، وهنا أودُّ أن أشير إلى بعض النقاط المهمة في هذا الصدد:
أولاً: أنّ الغرب الذي يعتمد بشكلٍ أساسي على الاستشراق في الأدب، وعلى الأفلام العنصرية في فهمه للإسلام، ينظر للمسلمين وخاصة العرب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بموشور الخوف، وعدم الثقة وعدم الاحترام وعدم المساواة في الكرامة الإنسانية، رغم كلّ التصريحات التي تحاول التأكيد على الاحترام المتبادل والمساواة والحوار، فإنّ الحقيقة هي أنّ الغرب بدأ يعامل المسلمين ويعامل دينهم وثقافتهم وحضارتهم بشكلٍ عنصري تماماً.
ثانياً: هناك مصادر مغرضة ربّما تؤمن باستراتيجية صراع الحضارات في العالم تبث معلومات مضلـّلة وتركـّز على السلبي في المجتمعات الإسلامية، وتصف المسلمين وقيمهم وأخلاقهم ودينهم بأسوأ الأوصاف، ولا توجد بالمقابل صحافة حرّة قادرة على تصحيح هذه الصورة المشوّه عمداً وإبراز مكامن الخطأ والتضليل في كلّ ما يـُقال ويُنشر. ورغم أنّ الحرب على العراق قد برهنت أن حرباً كاملة بجيوش ومعدّات وتمويل قد تمّ شنـّها ضدّ بلدٍ آمنٍ اعتماداً على معلوماتٍ مغلوطة، فإن أحداً لم يتوقـّف عند هذه الحقيقة المهمة جداً، ليسأل من اخترع هذه المعلومات، ومن قدّمها لأهمّ قوّة عسكرية في العالم وكيف تمّ تبنيّها، وما هي الإجراءات التي تمّ اتخاذها للتأكـّد من أنّ مصادر المعلومات عن العراق ليست مستمرة بإعطاء معلومات مماثلة عن سورية وإيران والعرب والمسلمين؟
ثالثاً: إنّ سياسات الطاقة، التي تحدّث عنها توماس فريدمان في مقالة بعنوان «واقعية تشيني في موضوع الطاقة قد تكون كارثة لأمريكا»، هي سياسات مسؤولة عن كثير مما يجري في عالم اليوم من أفغانستان إلى العراق إلى بلدان الشرق الأوسط الأخرى. وأنا أتفق مع توماس فريدمان تماماً بأن «سياسة الطاقة في الولايات المتحدة، هي بمثابة خطّة مارشال للإرهابيين والديكتاتوريين، وأنها ليست قاسية وليست ذكيـّة، وسوف تنتهي بشكلٍ سيئ للولايات المتحدة»، وأضيف على هذا أنها سوف تنتهي بشكلٍ سيئ للشرق الأوسط وللعالم أيضاً.
رابعاً: إنّ تخصيص الميزانيات الهائلة للدفاع، لا يمكن إلا أن يـُغذّي آلة الحرب على حساب ازدهار ورفاه الشعوب، والجميع يلحظ التزامن بين ميزانية أمريكية للدفاع تبلغ 439.3 مليار دولار وبين تمديد العمل بقانون «باتريوت» لمكافحة الإرهاب، بحيثُ أصبحت «مكافحة الإرهاب»، سبباً وجيهاً لزيادة ميزانيات الدفاع، علماً أنّ الحروب تؤجج الإرهاب والفساد والكراهية والعنف، ولا يمكن لهذا الإنفاق على أدوات القتل والكراهية، أن يستهدف التوصّل إلى السلم والأمن الدوليين، لأنّ صناعة السلام والمحبّة أرخص بكثير وأسهل من صناعة الحروب والبغضاء.
خامساً: إن قادة الغرب لا يربطون بين تصريحات أولمرت بأنّ حدود إسرائيل النهائية تضمّ وادي الأردن والتجمعات الاستيطانية والقدس الموحّدة وبين غضب المسلمين، لأنهم لا يدركون مكانة المسجد الأقصى في قلوب المسلمين، ولا يدركون وقع القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين الناجمة عن الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب يومياً بحقّهم. فلم تلحظ وزيرة الخارجية الأمريكية في مؤتمرها الصحفي مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية، أنّ إسرائيل قتلت في الأسبوع الأخير فقط، عن عمد وسابق إصرار، أحد عشر شاباً فلسطينياً بريئاً، إلا من تهمة مقاومة الاحتلال، وأنّ الكلاب الإسرائيلية تنهش الأطفال والنساء الفلسطينيات، وهم أحياء (الصور موثقة في «جريدة الخليج» العدد 9756 يوم الجمعة 3 شباط 2006).
سادساً: إنّ أسباب حملة الكراهية الغربية الرسمية ضدّ العرب والمسلمين، هي محاولة التغطية السياسية على احتلال أراضيهم، ونهب ثرواتهم وانتهاك مقدساتهم وطمس هويتهم الحضارية والثقافية، أما بالنسبة للمسلمين فهم يؤمنون برسل الديانات الثلاث، والمسألة بالنسبة لهم هي حروب تـُوجَّـه ضدّهم لاستغلال مواردهم واجتثاث هويتهم والسيطرة على أرضهم، وتأخذ هذه الحروب لبوسات دينية، بينما هي في جوهرها سياسات قضم أراض ومياه ومقدسات، ووضع اليد على الموقع الجغرافي والثروات الطبيعية.
ولهذا نرى أنّ القادة الذين يركزون على السيطرة على نفط الآخرين، وتصنيع السلاح وإذكاء نار الحروب، لا يملكون أكثر من تصريحات جوفاء لإخماد الحرائق هنا وهناك، ولكن جذوة نار الحرائق لن تهدأ، ما لم تتغير سياسات التفوق العنصري، ليُعاد بناؤها فعلاً على قاعدة أخلاقية سليمة، منها احترام لمشاعر الشعوب وهويتها وثقافتها وأمنها ودينها وسلامها
لقد كشفت الأحداث التي تلت نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الصحف الدنماركية، ومن ثمّ الغربية، عن أنّ العالم يفتقر اليوم إلى قيادة سياسية وأخلاقية واعية وقادرة على توجيه دفّة السفينة بحكمة ودراية، وأنّ أحد أسباب الخلل فيما يجري في عالم اليوم، هو تركيز القوى العظمى على المال والاقتصاد والاستهانة بالهويـّة الثقافية والدينية والآفاق الروحية للشعوب. وهكذا كانت أيضاً ردود الأفعال من قبل الزعماء الغربيين، بمن فيهم رئيس وزراء الدنمارك وزعماء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على الغضب العارم للمسلمين في كلّ أنحاء العالم على الإساءة الوحشية لمقام رسول كريم، فكانت مجرد ملامسة سطحية لا تُعالِج جوهر المسألة بل تعود إلى الأسلوب التقليدي في كيل الاتهامات إلى القوى أو البلدان غير المرغوب فيها في قاموس العولمة الجديدة. لقد كان مُستهجناً أن تـُعيد الصحف الغربية نشر الرسوم المسيئة للرسول (ص) في فعل تضامني في الإساءة للمسلمين ونبيّهم، كما كان مُستغرباً أن يُـفاخر رئيس وزراء الدنمارك أنديرز فوخ راسموسين بأن الرئيس بوش قد اتصل به تضامناً مع الدنمارك، ولا نعلم ما إذا كان هذا التضامن في الإساءة إلى خاتم الأنبياء، أم في اعتماد سياسة العنصريـّة الثقافية والدينية في الغرب ضدّ الإسلام والمسلمين في ظهورٍ جديد للكراهية الغربية التقليدية للآخر التي ظهرت بأبشع صورها سابقاً ضدّ السود والملونين واليهود، واليوم تظهر الكراهية الغربية بمظهر معاداة الإسلام ومعاملة المسلمين كيهود القرن الحادي والعشرين. بينما توصّـلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى أغرب استنتاج مفادهُ أنه «لا يوجد ما يُبرّر العنف الذي حدث في أنحاء العالم، نتيجة الرسوم الساخرة»! وناشدت رايس الحكومات الإسلامية الدعوة للهدوء، مُعتبرة «أن إيران وسورية تتعمدان إثارة المشاعر واستغلال هذا لأغراضهما الخاصّة، ويتعين على العالم أن يخاطبهما في ذلك»! ومن الواضح أنّ وزيرة الخارجية الأمريكية تكّن ازدراءً شديداً لمشاعر المسلمين في كلّ أنحاء العالم، كي تستهين علانية بمشاعرهم تجاه نبيهم بهذا الشكل، ولم تـر كما غيرها من الزعماء الغربيين حجم الإهانة التي شعر بها كلّ مسلم ومسلمة نتيجة شعور التفوق العنصري الذي ما زال يسيطر على الثقافة الغربية، مما يتطلب دراسة معمّقة لمناهج التعليم الغربية لتغيير فحواها العنصري ضدّ المسلمين والشعوب الأخرى المتوارث من الإرث الاستعماري لهذه البلدان.
ومن ناحيةٍ أخرى فقد استغلّت السيدة رايس موضوعاً يتعلق بالدين والمعتقدات، ووظّفتهُ توظيفاً فاشلاً بإلقاء اللوم على سورية وإيران، متجاهلة بذلك مشاعر ملايين المسلمين من الدنمارك إلى بنغلاديش وباكستان واندونيسيا. ومجمل هذه الردود تُشير إلى نقطتين اثنتين؛ الأولى هي أنّ الناس في الغرب تتجاهل مشاعر المسلمين نتيجة المكنون العنصري، والنقطة الثانية والأهم هي أنهم لم يواكبوا مشاعر النقمة والإذلال التي يشعر بها معظم المسلمين، نتيجة سياسات حكوماتهم المُستهدفة للمسلمين سواء في بلدانهم الإسلامية أو في البلدان الغربية، حيثُ أصبح المسلمون مواطنين من دون التمتـّع بحقّ متكافئ في المواطنية مع الآخرين أي أقلية مضطهدة تعيش في بيئة كراهية عنصرية تحرمها من حق التعبير والتمثيل السياسي وحق امتلاك هوية ثقافية. ولذلك فحتى حين يتظاهر المسلمون فهم إما «عنيفون بسبب تعاليم دينهم» أو أن «حكوماتهم قد حرّضتهم» لفعل ذلك، والقاسم المشترك بين كلّ هذه الأحكام، هو شعور التفوق العنصري لدى الفئات اليمينية المتطرّفة في الغرب، واعتبارهم أي تعبير من قبل المسلمين إزاء الجرائم المرتكبة بحقّهم من احتلال وقتل وانتهاك للمقدسات، إما أعمالاً إرهابيةً، أو عنفاً أو مظاهر كراهية، رغم أن ردود الأفعال الغاضبة في كلّ الدول الإسلامية، أظهرت أنّ الشعوب المسلمة اليوم تسير قبل حكوماتها وليس خلفها. وبالعكس فقد أظهر زعماء العديد من البلدان الإسلامية تردداً يدعم المواقف المتشددة لزعماء التمييز العنصري في الغرب، ويشجعها على الاستهانة بالإسلام والمسلمين. ولكنّ الحقيقة الأهمّ هي أنّ كلّ الذين يتمتعون بشعور بالمسؤولية أدركوا أن العالم يقترب من لحظة خطيرة جداً في تاريخه نتيجة السياسات الغربية المتخذة، منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، وهنا أودُّ أن أشير إلى بعض النقاط المهمة في هذا الصدد:
أولاً: أنّ الغرب الذي يعتمد بشكلٍ أساسي على الاستشراق في الأدب، وعلى الأفلام العنصرية في فهمه للإسلام، ينظر للمسلمين وخاصة العرب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بموشور الخوف، وعدم الثقة وعدم الاحترام وعدم المساواة في الكرامة الإنسانية، رغم كلّ التصريحات التي تحاول التأكيد على الاحترام المتبادل والمساواة والحوار، فإنّ الحقيقة هي أنّ الغرب بدأ يعامل المسلمين ويعامل دينهم وثقافتهم وحضارتهم بشكلٍ عنصري تماماً.
ثانياً: هناك مصادر مغرضة ربّما تؤمن باستراتيجية صراع الحضارات في العالم تبث معلومات مضلـّلة وتركـّز على السلبي في المجتمعات الإسلامية، وتصف المسلمين وقيمهم وأخلاقهم ودينهم بأسوأ الأوصاف، ولا توجد بالمقابل صحافة حرّة قادرة على تصحيح هذه الصورة المشوّه عمداً وإبراز مكامن الخطأ والتضليل في كلّ ما يـُقال ويُنشر. ورغم أنّ الحرب على العراق قد برهنت أن حرباً كاملة بجيوش ومعدّات وتمويل قد تمّ شنـّها ضدّ بلدٍ آمنٍ اعتماداً على معلوماتٍ مغلوطة، فإن أحداً لم يتوقـّف عند هذه الحقيقة المهمة جداً، ليسأل من اخترع هذه المعلومات، ومن قدّمها لأهمّ قوّة عسكرية في العالم وكيف تمّ تبنيّها، وما هي الإجراءات التي تمّ اتخاذها للتأكـّد من أنّ مصادر المعلومات عن العراق ليست مستمرة بإعطاء معلومات مماثلة عن سورية وإيران والعرب والمسلمين؟
ثالثاً: إنّ سياسات الطاقة، التي تحدّث عنها توماس فريدمان في مقالة بعنوان «واقعية تشيني في موضوع الطاقة قد تكون كارثة لأمريكا»، هي سياسات مسؤولة عن كثير مما يجري في عالم اليوم من أفغانستان إلى العراق إلى بلدان الشرق الأوسط الأخرى. وأنا أتفق مع توماس فريدمان تماماً بأن «سياسة الطاقة في الولايات المتحدة، هي بمثابة خطّة مارشال للإرهابيين والديكتاتوريين، وأنها ليست قاسية وليست ذكيـّة، وسوف تنتهي بشكلٍ سيئ للولايات المتحدة»، وأضيف على هذا أنها سوف تنتهي بشكلٍ سيئ للشرق الأوسط وللعالم أيضاً.
رابعاً: إنّ تخصيص الميزانيات الهائلة للدفاع، لا يمكن إلا أن يـُغذّي آلة الحرب على حساب ازدهار ورفاه الشعوب، والجميع يلحظ التزامن بين ميزانية أمريكية للدفاع تبلغ 439.3 مليار دولار وبين تمديد العمل بقانون «باتريوت» لمكافحة الإرهاب، بحيثُ أصبحت «مكافحة الإرهاب»، سبباً وجيهاً لزيادة ميزانيات الدفاع، علماً أنّ الحروب تؤجج الإرهاب والفساد والكراهية والعنف، ولا يمكن لهذا الإنفاق على أدوات القتل والكراهية، أن يستهدف التوصّل إلى السلم والأمن الدوليين، لأنّ صناعة السلام والمحبّة أرخص بكثير وأسهل من صناعة الحروب والبغضاء.
خامساً: إن قادة الغرب لا يربطون بين تصريحات أولمرت بأنّ حدود إسرائيل النهائية تضمّ وادي الأردن والتجمعات الاستيطانية والقدس الموحّدة وبين غضب المسلمين، لأنهم لا يدركون مكانة المسجد الأقصى في قلوب المسلمين، ولا يدركون وقع القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين الناجمة عن الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب يومياً بحقّهم. فلم تلحظ وزيرة الخارجية الأمريكية في مؤتمرها الصحفي مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية، أنّ إسرائيل قتلت في الأسبوع الأخير فقط، عن عمد وسابق إصرار، أحد عشر شاباً فلسطينياً بريئاً، إلا من تهمة مقاومة الاحتلال، وأنّ الكلاب الإسرائيلية تنهش الأطفال والنساء الفلسطينيات، وهم أحياء (الصور موثقة في «جريدة الخليج» العدد 9756 يوم الجمعة 3 شباط 2006).
سادساً: إنّ أسباب حملة الكراهية الغربية الرسمية ضدّ العرب والمسلمين، هي محاولة التغطية السياسية على احتلال أراضيهم، ونهب ثرواتهم وانتهاك مقدساتهم وطمس هويتهم الحضارية والثقافية، أما بالنسبة للمسلمين فهم يؤمنون برسل الديانات الثلاث، والمسألة بالنسبة لهم هي حروب تـُوجَّـه ضدّهم لاستغلال مواردهم واجتثاث هويتهم والسيطرة على أرضهم، وتأخذ هذه الحروب لبوسات دينية، بينما هي في جوهرها سياسات قضم أراض ومياه ومقدسات، ووضع اليد على الموقع الجغرافي والثروات الطبيعية.
ولهذا نرى أنّ القادة الذين يركزون على السيطرة على نفط الآخرين، وتصنيع السلاح وإذكاء نار الحروب، لا يملكون أكثر من تصريحات جوفاء لإخماد الحرائق هنا وهناك، ولكن جذوة نار الحرائق لن تهدأ، ما لم تتغير سياسات التفوق العنصري، ليُعاد بناؤها فعلاً على قاعدة أخلاقية سليمة، منها احترام لمشاعر الشعوب وهويتها وثقافتها وأمنها ودينها وسلامها