منصور بالله
12-02-2006, 09:46 PM
لمصلحة من هذا الهجوم على دور حزب البعث في المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة؟
سعد داود قرياقوس
يحكى أنَّ الفردوسي، الشاعر الفارسي الكبير كان قد أدخل السجن، وكان يشاركه الزنزانة سجين آخر، وكلما ردَّد الفردوسي أبياتًا من شعره المعبِّر عن حبِّه لوطنه وشوقه لأحبَّائه، بداء شريك الزنزانة بالبكاء ممَّا زاد من حبِّ له الفردوسي واحترامه، لاعتقاده بأنَّه يدرك ويفهم معاني قصائده. في أحدى الأيَّام، أراد الفردوسي الوقوف على رأي رفيق زنزانته في قصائده، فسأله ما هي المواضيع التي تهزَّك وتؤثِّر فيك أكثر وتدفعك إلى زيادة البكاء عندما ألقي شعري؟ فردَّ السجين: إنَّ قصائدك تذكِّرني بشئ عزيز على قلبي. لقد تركت عنزتي الحبيبة وحيدة في داري بعد دخولي السجن، وكلَّما قرأتَ قصائدك، وتهزَّ لحيتك أتذكَّر لحية عنزتي الحبيبة الوحيدة، فأبكي شوقًا لها وقلقًا عليها.
هذه الحكاية المعبِّرة، ذكَّرتني في كتابات، أو لنكن أكثر تحديدًا الفقاعات الكتابيَّة التي تصدر بين الحين والأخر عن منظَّمات وهميَّة، وعن كتَّاب وسياسيِّين عراقيِّين وعرب مستهدفة الإساءة إلى المسيرة النضاليَّة لحزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي، وإلى دور الحزب في تهيئة مستلزمات المقاومة الوطنية ضدَّ قوَّات الاحتلال، ومساهمتة الواسعة في عمليَّاتها البطوليَّة. نحن هنا لا نشير إلى المواقف المسمومة الصادرة عن أقزام المحتلِّين ووكلائهم، بل تلك الصادرة عمَّن يدَّعون الإيمان بمشروعيَّة المقاومة العراقيَّة، ويتبجَّحون بدعمهم الفكري والسياسي للمقاومة، لا بل وادِّعاء نفر منهم بعلاقته بفصائل مقاومة!
مواقف هؤلاء إزاء قضيَّة شعب العراق ومقاومته لا تختلف عن فهم شريك زنزانة الفردوسي لقصائده. فبينما يناضل شعب العراق وقواه السياسيَّة ومقاومته الوطنيَّة المسلَّحة من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي العراقيَّة واسترداد سيادتها، وفي الوقت الذي يقدِّم المحتلُّون مخطَّطات وصيغ جديدة ومتقدِّمة لمحاصرة المقاومة ولتثبيت الاحتلال، يجد نفر من المهزومين والمترفين فكريًّا الوقت للكتابة عن مواضيع لا تندرج ضمن أولويَّات شعب العراق وقواه السياسيَّة الحقيقيَّة ومقاومته الباسلة في المرحلة الراهنة.
لنا أن نتساءل: ما هي دوافع إثارة هذه المواضيع؟ ولمصلحة من ينصبُّ هذا الهجوم غير المبرَّر على دور حزب البعث العربي الاشتراكي في المقاومة؟
إنَّ الهدف الأساس لهذه المحاولات الرخيصة لا يبتعد عن مخطَّط الإدارة الأمريكيَّة في عزل الفصائل الأساسيَّة للمقاومة وضربها وفقًا للخطَّة الجديدة التي وضع تفاصيلها جون نيغروبونتي وزلماي خليل زادة حتَّى وإن لم يعِ منتقدو دور حزب البعث تطابق مساعيهم مع أهداف المخطَّط الأمريكي.
لا شكَّ في أنَّ مطالبة حزب البعث العربي الاشتراكي في تقييم تجربته السابقة مطالب مشروعة إذا ما جاءت المطالبة من جهات لديها ولو الحد الأدنى من المصداقيَّة والمشروعيَّة الوطنيَّة، وإذا كانت منطلقة من رغبات صادقة وحرص وطني ، وفي الوقت الملائم لها. لكن الملاحظ أنَّ جميع هذه المطالبات بدون استثناء صدرت عن قوى هامشيَّة وشخصيَّات لم تقدِّم للعراق سوى سوى مقالات غير مجدية ، ومشاركات في مؤتمرات عقيمة وممَّولة من اطراف معادية لشعب العراق ، أو من حركات سياسيَّة دينَّة ولدت من رحم الاحتلال وخدمة لمشروع التوسع الاستعماري الامريكي في العراق والمنطقة .
إنَّ استعراضًا لما كُتب عن هذا الموضوع يتيح لنا تصنيف الحاقدين على مسيرة الحزب ودوره في المقاومة في ثلاثة أصناف: الأوَّل، يتكَّون من عدد ضئيل من المهزومين الذين فقدوا فرصة لعب دور سياسي قيادي بعد الاحتلال، بعد أن فاتهم قطار المحتلِّين الذي لم يتوقَّف أمام محطَّتهم، لعدم امتلاكهم أيَّ تأثير داخل العراق وخارجه بسبب ضآلة حجم تنظيماتهم، وعدم امتلاكهم أيِّ امتداد داخل العراق من جهة. ومن جهة أخرى، خسروا فرصة الانضمام إلى إيِّ تحالف وطني حقيقي لرفض القوى السيَّاسية العراقيَّة الفاعلة في الخندق المناهض للاحتلال والتعامل مع هذا الفريق لنرجسيَّتة واستبداديَّة أعضائه.
الصنف الثاني، يتمثَّل في المواقف الصادرة عن نفر من الحركات السياسيَّة الرافعة لشعارات إسلاميَّة جهاديَّة، وخاصة تلك التي نشأت وموِّلت من قبل الإدارة الأمريكيَّة وأجهزتها. هذه الحركات ركزت ولاسباب معروفة ، خلال المرحلة المنصرمة على مصادرة نضال شعب العراق وقواه الوطنيَّة السياسيَّة الفاعلة، ولا سيَّما دور حزب البعث العربي الاشتراكي (الزرقاوي خير مثال)، وعلى منح نفسها دورًا مبالغا فيه في رصيد عمليات المقاومة الوطنية . المتابع لبيانات هذه الحركات ومواقفها، يلاحظ وبيسر عدم امتلاكها مشروعًا سياسيًّا وطنيَّا. ان دور الحركات المذكورة في تكريس الاحتلال لا يختلف عن دور المجلس الإسلامي وحزب الدعوة وغيرها من الحركات الطائفية وان تباينت اطر علاقتها مع الإدارة الأمريكيَّة.
الصنف الثالث من أصحاب الترف الفكري والمتشكِّكين بدور حزب البعث العربي الاشتراكي، هم كتَّاب المساهمات الهامشيَّة الذين يحاولون عبثًا استغلال دماء أبناء العراق لخلق مواقع شخصيَّة لهم، ولإرضاء جهات متعددة ، سواء أولئك الذين يتستَّرون بأسماء وهميَّة أو أولئك الذين يكتبون بأسمائهم الصريحة، وفي مقدَّمتهم السيِّد ناهض حتر.
سنتجاوز مواقف الصنفين الأوَّلين لأنَّنا سبق و ان تناولناها في مساهمات سابقة، وسنركِّز على محاولات السيِّد حتر لإصراره غير المفهوم على الإساءة لدور حزب البعث.
لقد حاول السيِّد حتر في أكثر من مناسبة إزالة الغبار عن مقالاته الصحافيَّة من خلال مهاجمة حزب البعث العربي الاشتراكي والتشكيك بدور الحزب في المقاومة الوطنيَّة. لا نودُّ العودة إلى نصوص المقالات السابقة للسيِّد حتر ومفرداتها، واستعراض فقراتها، ولا سيَّما مقاله غير الموفَّق عن لقائه المناضل عبد الجبَّار الكبيسي بعد أطلاق سراحه من سجون الاحتلال، وضمَّنه ما لم يقله الأستاذ الكبيسي عن دور حزب البعث في المقاومة!. ولا نريد أن نحرج السيِّد حتر ونسأله من تكون أنت؟ وما هو دورك في دعم المقاومة العراقيَّة وإسنادها؟ و في الحركة الوطنيَّة العراقية والعربيَّة حتَّى يركِّز عليك المحققِّقون في تحقيقاتهم عن الأستاذ الكبيسي كما ادَّعيت في مقالك المذكور؟
إنَّ أكثر ما يثير التساؤل عن أسباب كتابات السيِّد حتر ودوافعها المشكِّكة بدور حزب البعث في المقاومة هي ادِّعاءاته المتكرِّرة بمساندته فكر المقاومة العراقية ومشروعيَّتها! ما يحيِّرنا كيف يمكن الجمع بين تأييد المقاومة وبين محاولات إثارة عوامل تقسيميَّة، وإثارة تساؤلات عن هويَّة المقاومة والمقاومين، وطرح شكوك في دور بعض الفصائل الوطنيَّة في المقاومة، ولا سيَّما الدور الحيوي لحزب البعث؟
الإشكال الأكبر في طروحات السيِّد حتر أنَّها طروحات مغالطة تستند على استنتاجات خاطئة ومواقف شخصيَّة ضيِّقة ومتشنِّجة من حزب البعث العربي الاشتراكي بشكل عام، وتقدِّم قراءات خاطئة مبنيَّة على بيانات ومعلومات مضلِّلة عن طبيعة المقاومة وتركيبتها، بالإضافة إلى اعتماده وجهات نظر تجمِّع سياسي معين يدَّعي علاقاته بفصائل مقاومة! لا نريد أن ندخل في مباهلة مع السيِّد حتر عن طروحاته وعدم مصداقيَّتها، لكنَّنا نريد إعادة طرح العديد من المسلَّمات والحقائق، وتذكير السيِّد حتر وغيره بها، مقترحين عليهم مراجعتها قبل التعرُّض مستقبلاً لمناقشة موضوع المقاومة الوطنية العراقية ، ولا سيَّما دور حزب البعث العربي الاشتراكي في فعاليَّاتها.
1. إنَّ إثارة إشكالات عن هويَّة المقاومة والمقاومين، وهويَّة قيادة المقاومة في هذه المرحلة الخطِرة التي يمرُّ بها شعب العراق ومقاومته الوطنيَّة والتي تصاعدت فيها حملات سلطة الاحتلال وتطوَّرت أساليبه الهادفة الى خنق المقاومة وعزلها والقضاء عليها وفقًا لما تشير إليه الاستراتيجيَّة الأمريكيَّة الجديدة الصادرة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي، هذه المساعي لا تخدم مسيرة المقاومة ولا تخدم القضيَّة العادلة لشعب العراق ، بل على العكس من ذلك تماما.
2. إنَّ جميع الاتِّهامات الموجَّهة لحزب البعث العربي الاشتراكي وللكتَّاب البعثيِّين عن محاولتهم احتكار إنجازات المقاومة، والادِّعاء بأن البعث هو الفصيل القائد والوحيد للمقاومة لا تمتُّ للحقيقة بصلة، ولا يمكن وصفها إلاَّ بالمغالطة. فلم يصدر عن القيادة الحاليَّة لحزب البعث ما يؤيِّد هذه الاتِّهامات، كما وإنَّ مساهمات الكتَّاب المناضلين البعثيِّين الشجعان لا تحمل أيًّا ممَّا ذهب إليه حتر وزملاؤه في نادي يسار الترف العربي.
3. إنَّ دور حزب البعث العربي الاشتراكي في مسير البناء الاقتصادي والاجتماعي في العراق
قبل الاحتلال واضح وموثق به ومتفق عليه من قبل كلِّ الأطراف المنصفة والموضوعية. وإن دور قيادته في الدفاع عن الحقوق التاريخيَّة لشعب العراق والدفاع عن سيادة شعبه ووحدته ضدَّ الأطماع الإيرانيَّة والاستعماريَّة معروفة ومدوَّنة بدماء أبناء العراق ومناضلي الحزب. هذه المسلَّمة لن تنال من مصداقيَّتها تخرُّصات الأجهزة الإعلاميَّة الأمريكيَّة والإيرانيَّة. ويقينًا لن تغيِّرها مقالات حاقدة ومغالطة.
4. دور حزب البعث العربي الاشتراكي في التهيئة للمقاومة والتخطيط لها وجليٌّ وواضح. ودور منظَّمات الحزب في عمليَّات المجابهة اليوميَّة معروف لأبناء شعب العراق ومعترف بها من أعداء شعب العراق قبل أصدقائه، ولمقاتلي الحزب الشرف في تنفيذ واجباتها الوطنيَّة والقوميَّة بكلِّ تواضع إلى جانب الفصائل الإسلاميَّة والقوميَّة والوطنيَّة الأخرى.5. إن أعضاء حزب البعث الاشتراكي وعوائلهم هم أكثر العناصر تعرُّضًا لحملات الإرهاب والاغتيال والاعتقال التي تشهدها مدن العراق. وإنَّ عدد ما قدَّمه الحزب من شهداء سواء خلال معارك الدفاع عن شرف العراق وعزته وكرامته ضد محاولات التوسُّع الإيراني، أو خلال الحربين القذرتين اللتين قادتها الإدارة الأمريكيَّة ضدَّ شعبنا المجاهد يفوق ما قدَّمته جميع الحركات السياسيَّة الأخرى مجتمعة. ولا شك في أنَّ قواعد حزب البعث قد قدَّمت أبر عدد من الشهداء خلال الاحتلال الغاشم الذي يعاني منه شعب العراق. ان الرفاق البعثيين الرافضين للخضوع لارادة المحتلين وقبول مخططاتهم ، والمتصدين للاستقطاب الطائفي المتصاعد في العراق قد غدوا هدفا واضحا لافراد العصابات الطائفية ومشروع تصفية سياسية وجسدية تلتزم الحكومة الطائفية العميلة علنيا في تنفيذه.ليراجع السيِّد حتر وزملاؤ قبور شهداء العراق، وليراجع قوائم الإبطال الرابضين في سجون الاحتلال قبل أن ينتقص بشكل بعيد عن الصواب من دور حزب البعث ومساهمة الرفاق البعثتين الوطنيَّة.
6. من المسلَّم به أنَّ فصائل المقاومة العراقية، على الرغم من تباين انتمائها السياسي والعرقي والديني، قد نجحت في تنسيق عمليَّاتها وتوحيد برامجها المقاومة. فساحة المواجهة، مع كلِّ تعقيدات المشهد العراقي واختلاط الأوراق، لم تشهد أيَّ صراع وطني– وطني، ولم تشهد أيَّ خلاف بين فصائل المقاومة. والاهم ان قضيَّة هويَّة المقاومة وقيادتها لم تطرح بشكل مباشر أو غير مباشر من أيِّ فصيل من فصائل المقاومة الرئيسة، بل كل ما أثير في هذا الموضوع، انطلق من عناصر دخيلة هامشية وبعيدة عن المقاومة ومسارها.
على السيِّد حتر وغيره أن يدركوا بأنَّ ما يهم شعبنا اليوم هي وحدة البندقيَّة المقاومة بغضِّ النظر عن هويَّة حاملي تلك البنادق. ما يهمُّنا هو استمرار زخم المقاومة وصولا إلى تحرير كامل التراب العراقي بغض النظر عن هويَّة المقاومين وانتمائهم الديني والسياسي. إنَّ وحدة المقاومة وسلامتها مسألة ضروريَّة ومهمَّة ومصيريَّة للمقاومة الوطنية ، ويحرص كتاب المقاومة على الدفاع عنها وحمايتها . ديمومة المقاومة يجب أن تكون مهمَّة أيضًا لكلِّ من يدَّعي دعمه وإيمانه بفكر المقاومة ومشروعيَّتها. هذه مسالة جوهريَّة ومصيريَّة لقضيَّة شعبنا العادلة ولنضاله نحو استرداد حريته، ولن نسمح لا لناهض حتر ولا غيره في إثارة اية اشكالات سلبيَّة التأثير في مسار المقاومة.
نعم، نحن ندرك بأنَّ للسيِّد حتر وغيره الحق في طرح ما يشاؤن، وباستطاعتهم إثارة الإشكالات والتساولات عن هويَّة المقاومة والمقاومين، و عن هويَّة قيادة المقاومة. وله ولغيره القرار في مهاجمة حزب البعث العربي الاشتراكي وماضليه ، والانتقاص من دور الحزب في المقاومة الوطنيَّة، لكنَّنا نؤكد له ولغيره بأنَّنا سنتصدَّى بقوَّة لكلِّ تلك المحاولات اليائسة، وسنعرَّي كلَّ الطروحات الزائفة الهادفة إلى التأثير سلبا على مسار قضيَّة شعبنا العادلة.
إنَّ كلَّ المحاولات الهادفة إلى إثارة الشكوك في دور حزب البعث العربي الاشتراكي في المقاومة الوطنيَّة، وإلى النيل من الرفاق البعثيِّين الذين يقومون بأداء واجباتهم الوطنيَّة ولا سيَّما الكتَّاب البعثيين، تبقى محاولات يائسة وفاشلة مثيرة للقرف والشفقة في آن واحد. وهي بالناكيد محاولات تنصبُّ في خدمة مشروع الاحتلال.
سعد داود قرياقوس
يحكى أنَّ الفردوسي، الشاعر الفارسي الكبير كان قد أدخل السجن، وكان يشاركه الزنزانة سجين آخر، وكلما ردَّد الفردوسي أبياتًا من شعره المعبِّر عن حبِّه لوطنه وشوقه لأحبَّائه، بداء شريك الزنزانة بالبكاء ممَّا زاد من حبِّ له الفردوسي واحترامه، لاعتقاده بأنَّه يدرك ويفهم معاني قصائده. في أحدى الأيَّام، أراد الفردوسي الوقوف على رأي رفيق زنزانته في قصائده، فسأله ما هي المواضيع التي تهزَّك وتؤثِّر فيك أكثر وتدفعك إلى زيادة البكاء عندما ألقي شعري؟ فردَّ السجين: إنَّ قصائدك تذكِّرني بشئ عزيز على قلبي. لقد تركت عنزتي الحبيبة وحيدة في داري بعد دخولي السجن، وكلَّما قرأتَ قصائدك، وتهزَّ لحيتك أتذكَّر لحية عنزتي الحبيبة الوحيدة، فأبكي شوقًا لها وقلقًا عليها.
هذه الحكاية المعبِّرة، ذكَّرتني في كتابات، أو لنكن أكثر تحديدًا الفقاعات الكتابيَّة التي تصدر بين الحين والأخر عن منظَّمات وهميَّة، وعن كتَّاب وسياسيِّين عراقيِّين وعرب مستهدفة الإساءة إلى المسيرة النضاليَّة لحزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي، وإلى دور الحزب في تهيئة مستلزمات المقاومة الوطنية ضدَّ قوَّات الاحتلال، ومساهمتة الواسعة في عمليَّاتها البطوليَّة. نحن هنا لا نشير إلى المواقف المسمومة الصادرة عن أقزام المحتلِّين ووكلائهم، بل تلك الصادرة عمَّن يدَّعون الإيمان بمشروعيَّة المقاومة العراقيَّة، ويتبجَّحون بدعمهم الفكري والسياسي للمقاومة، لا بل وادِّعاء نفر منهم بعلاقته بفصائل مقاومة!
مواقف هؤلاء إزاء قضيَّة شعب العراق ومقاومته لا تختلف عن فهم شريك زنزانة الفردوسي لقصائده. فبينما يناضل شعب العراق وقواه السياسيَّة ومقاومته الوطنيَّة المسلَّحة من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي العراقيَّة واسترداد سيادتها، وفي الوقت الذي يقدِّم المحتلُّون مخطَّطات وصيغ جديدة ومتقدِّمة لمحاصرة المقاومة ولتثبيت الاحتلال، يجد نفر من المهزومين والمترفين فكريًّا الوقت للكتابة عن مواضيع لا تندرج ضمن أولويَّات شعب العراق وقواه السياسيَّة الحقيقيَّة ومقاومته الباسلة في المرحلة الراهنة.
لنا أن نتساءل: ما هي دوافع إثارة هذه المواضيع؟ ولمصلحة من ينصبُّ هذا الهجوم غير المبرَّر على دور حزب البعث العربي الاشتراكي في المقاومة؟
إنَّ الهدف الأساس لهذه المحاولات الرخيصة لا يبتعد عن مخطَّط الإدارة الأمريكيَّة في عزل الفصائل الأساسيَّة للمقاومة وضربها وفقًا للخطَّة الجديدة التي وضع تفاصيلها جون نيغروبونتي وزلماي خليل زادة حتَّى وإن لم يعِ منتقدو دور حزب البعث تطابق مساعيهم مع أهداف المخطَّط الأمريكي.
لا شكَّ في أنَّ مطالبة حزب البعث العربي الاشتراكي في تقييم تجربته السابقة مطالب مشروعة إذا ما جاءت المطالبة من جهات لديها ولو الحد الأدنى من المصداقيَّة والمشروعيَّة الوطنيَّة، وإذا كانت منطلقة من رغبات صادقة وحرص وطني ، وفي الوقت الملائم لها. لكن الملاحظ أنَّ جميع هذه المطالبات بدون استثناء صدرت عن قوى هامشيَّة وشخصيَّات لم تقدِّم للعراق سوى سوى مقالات غير مجدية ، ومشاركات في مؤتمرات عقيمة وممَّولة من اطراف معادية لشعب العراق ، أو من حركات سياسيَّة دينَّة ولدت من رحم الاحتلال وخدمة لمشروع التوسع الاستعماري الامريكي في العراق والمنطقة .
إنَّ استعراضًا لما كُتب عن هذا الموضوع يتيح لنا تصنيف الحاقدين على مسيرة الحزب ودوره في المقاومة في ثلاثة أصناف: الأوَّل، يتكَّون من عدد ضئيل من المهزومين الذين فقدوا فرصة لعب دور سياسي قيادي بعد الاحتلال، بعد أن فاتهم قطار المحتلِّين الذي لم يتوقَّف أمام محطَّتهم، لعدم امتلاكهم أيَّ تأثير داخل العراق وخارجه بسبب ضآلة حجم تنظيماتهم، وعدم امتلاكهم أيِّ امتداد داخل العراق من جهة. ومن جهة أخرى، خسروا فرصة الانضمام إلى إيِّ تحالف وطني حقيقي لرفض القوى السيَّاسية العراقيَّة الفاعلة في الخندق المناهض للاحتلال والتعامل مع هذا الفريق لنرجسيَّتة واستبداديَّة أعضائه.
الصنف الثاني، يتمثَّل في المواقف الصادرة عن نفر من الحركات السياسيَّة الرافعة لشعارات إسلاميَّة جهاديَّة، وخاصة تلك التي نشأت وموِّلت من قبل الإدارة الأمريكيَّة وأجهزتها. هذه الحركات ركزت ولاسباب معروفة ، خلال المرحلة المنصرمة على مصادرة نضال شعب العراق وقواه الوطنيَّة السياسيَّة الفاعلة، ولا سيَّما دور حزب البعث العربي الاشتراكي (الزرقاوي خير مثال)، وعلى منح نفسها دورًا مبالغا فيه في رصيد عمليات المقاومة الوطنية . المتابع لبيانات هذه الحركات ومواقفها، يلاحظ وبيسر عدم امتلاكها مشروعًا سياسيًّا وطنيَّا. ان دور الحركات المذكورة في تكريس الاحتلال لا يختلف عن دور المجلس الإسلامي وحزب الدعوة وغيرها من الحركات الطائفية وان تباينت اطر علاقتها مع الإدارة الأمريكيَّة.
الصنف الثالث من أصحاب الترف الفكري والمتشكِّكين بدور حزب البعث العربي الاشتراكي، هم كتَّاب المساهمات الهامشيَّة الذين يحاولون عبثًا استغلال دماء أبناء العراق لخلق مواقع شخصيَّة لهم، ولإرضاء جهات متعددة ، سواء أولئك الذين يتستَّرون بأسماء وهميَّة أو أولئك الذين يكتبون بأسمائهم الصريحة، وفي مقدَّمتهم السيِّد ناهض حتر.
سنتجاوز مواقف الصنفين الأوَّلين لأنَّنا سبق و ان تناولناها في مساهمات سابقة، وسنركِّز على محاولات السيِّد حتر لإصراره غير المفهوم على الإساءة لدور حزب البعث.
لقد حاول السيِّد حتر في أكثر من مناسبة إزالة الغبار عن مقالاته الصحافيَّة من خلال مهاجمة حزب البعث العربي الاشتراكي والتشكيك بدور الحزب في المقاومة الوطنيَّة. لا نودُّ العودة إلى نصوص المقالات السابقة للسيِّد حتر ومفرداتها، واستعراض فقراتها، ولا سيَّما مقاله غير الموفَّق عن لقائه المناضل عبد الجبَّار الكبيسي بعد أطلاق سراحه من سجون الاحتلال، وضمَّنه ما لم يقله الأستاذ الكبيسي عن دور حزب البعث في المقاومة!. ولا نريد أن نحرج السيِّد حتر ونسأله من تكون أنت؟ وما هو دورك في دعم المقاومة العراقيَّة وإسنادها؟ و في الحركة الوطنيَّة العراقية والعربيَّة حتَّى يركِّز عليك المحققِّقون في تحقيقاتهم عن الأستاذ الكبيسي كما ادَّعيت في مقالك المذكور؟
إنَّ أكثر ما يثير التساؤل عن أسباب كتابات السيِّد حتر ودوافعها المشكِّكة بدور حزب البعث في المقاومة هي ادِّعاءاته المتكرِّرة بمساندته فكر المقاومة العراقية ومشروعيَّتها! ما يحيِّرنا كيف يمكن الجمع بين تأييد المقاومة وبين محاولات إثارة عوامل تقسيميَّة، وإثارة تساؤلات عن هويَّة المقاومة والمقاومين، وطرح شكوك في دور بعض الفصائل الوطنيَّة في المقاومة، ولا سيَّما الدور الحيوي لحزب البعث؟
الإشكال الأكبر في طروحات السيِّد حتر أنَّها طروحات مغالطة تستند على استنتاجات خاطئة ومواقف شخصيَّة ضيِّقة ومتشنِّجة من حزب البعث العربي الاشتراكي بشكل عام، وتقدِّم قراءات خاطئة مبنيَّة على بيانات ومعلومات مضلِّلة عن طبيعة المقاومة وتركيبتها، بالإضافة إلى اعتماده وجهات نظر تجمِّع سياسي معين يدَّعي علاقاته بفصائل مقاومة! لا نريد أن ندخل في مباهلة مع السيِّد حتر عن طروحاته وعدم مصداقيَّتها، لكنَّنا نريد إعادة طرح العديد من المسلَّمات والحقائق، وتذكير السيِّد حتر وغيره بها، مقترحين عليهم مراجعتها قبل التعرُّض مستقبلاً لمناقشة موضوع المقاومة الوطنية العراقية ، ولا سيَّما دور حزب البعث العربي الاشتراكي في فعاليَّاتها.
1. إنَّ إثارة إشكالات عن هويَّة المقاومة والمقاومين، وهويَّة قيادة المقاومة في هذه المرحلة الخطِرة التي يمرُّ بها شعب العراق ومقاومته الوطنيَّة والتي تصاعدت فيها حملات سلطة الاحتلال وتطوَّرت أساليبه الهادفة الى خنق المقاومة وعزلها والقضاء عليها وفقًا لما تشير إليه الاستراتيجيَّة الأمريكيَّة الجديدة الصادرة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي، هذه المساعي لا تخدم مسيرة المقاومة ولا تخدم القضيَّة العادلة لشعب العراق ، بل على العكس من ذلك تماما.
2. إنَّ جميع الاتِّهامات الموجَّهة لحزب البعث العربي الاشتراكي وللكتَّاب البعثيِّين عن محاولتهم احتكار إنجازات المقاومة، والادِّعاء بأن البعث هو الفصيل القائد والوحيد للمقاومة لا تمتُّ للحقيقة بصلة، ولا يمكن وصفها إلاَّ بالمغالطة. فلم يصدر عن القيادة الحاليَّة لحزب البعث ما يؤيِّد هذه الاتِّهامات، كما وإنَّ مساهمات الكتَّاب المناضلين البعثيِّين الشجعان لا تحمل أيًّا ممَّا ذهب إليه حتر وزملاؤه في نادي يسار الترف العربي.
3. إنَّ دور حزب البعث العربي الاشتراكي في مسير البناء الاقتصادي والاجتماعي في العراق
قبل الاحتلال واضح وموثق به ومتفق عليه من قبل كلِّ الأطراف المنصفة والموضوعية. وإن دور قيادته في الدفاع عن الحقوق التاريخيَّة لشعب العراق والدفاع عن سيادة شعبه ووحدته ضدَّ الأطماع الإيرانيَّة والاستعماريَّة معروفة ومدوَّنة بدماء أبناء العراق ومناضلي الحزب. هذه المسلَّمة لن تنال من مصداقيَّتها تخرُّصات الأجهزة الإعلاميَّة الأمريكيَّة والإيرانيَّة. ويقينًا لن تغيِّرها مقالات حاقدة ومغالطة.
4. دور حزب البعث العربي الاشتراكي في التهيئة للمقاومة والتخطيط لها وجليٌّ وواضح. ودور منظَّمات الحزب في عمليَّات المجابهة اليوميَّة معروف لأبناء شعب العراق ومعترف بها من أعداء شعب العراق قبل أصدقائه، ولمقاتلي الحزب الشرف في تنفيذ واجباتها الوطنيَّة والقوميَّة بكلِّ تواضع إلى جانب الفصائل الإسلاميَّة والقوميَّة والوطنيَّة الأخرى.5. إن أعضاء حزب البعث الاشتراكي وعوائلهم هم أكثر العناصر تعرُّضًا لحملات الإرهاب والاغتيال والاعتقال التي تشهدها مدن العراق. وإنَّ عدد ما قدَّمه الحزب من شهداء سواء خلال معارك الدفاع عن شرف العراق وعزته وكرامته ضد محاولات التوسُّع الإيراني، أو خلال الحربين القذرتين اللتين قادتها الإدارة الأمريكيَّة ضدَّ شعبنا المجاهد يفوق ما قدَّمته جميع الحركات السياسيَّة الأخرى مجتمعة. ولا شك في أنَّ قواعد حزب البعث قد قدَّمت أبر عدد من الشهداء خلال الاحتلال الغاشم الذي يعاني منه شعب العراق. ان الرفاق البعثيين الرافضين للخضوع لارادة المحتلين وقبول مخططاتهم ، والمتصدين للاستقطاب الطائفي المتصاعد في العراق قد غدوا هدفا واضحا لافراد العصابات الطائفية ومشروع تصفية سياسية وجسدية تلتزم الحكومة الطائفية العميلة علنيا في تنفيذه.ليراجع السيِّد حتر وزملاؤ قبور شهداء العراق، وليراجع قوائم الإبطال الرابضين في سجون الاحتلال قبل أن ينتقص بشكل بعيد عن الصواب من دور حزب البعث ومساهمة الرفاق البعثتين الوطنيَّة.
6. من المسلَّم به أنَّ فصائل المقاومة العراقية، على الرغم من تباين انتمائها السياسي والعرقي والديني، قد نجحت في تنسيق عمليَّاتها وتوحيد برامجها المقاومة. فساحة المواجهة، مع كلِّ تعقيدات المشهد العراقي واختلاط الأوراق، لم تشهد أيَّ صراع وطني– وطني، ولم تشهد أيَّ خلاف بين فصائل المقاومة. والاهم ان قضيَّة هويَّة المقاومة وقيادتها لم تطرح بشكل مباشر أو غير مباشر من أيِّ فصيل من فصائل المقاومة الرئيسة، بل كل ما أثير في هذا الموضوع، انطلق من عناصر دخيلة هامشية وبعيدة عن المقاومة ومسارها.
على السيِّد حتر وغيره أن يدركوا بأنَّ ما يهم شعبنا اليوم هي وحدة البندقيَّة المقاومة بغضِّ النظر عن هويَّة حاملي تلك البنادق. ما يهمُّنا هو استمرار زخم المقاومة وصولا إلى تحرير كامل التراب العراقي بغض النظر عن هويَّة المقاومين وانتمائهم الديني والسياسي. إنَّ وحدة المقاومة وسلامتها مسألة ضروريَّة ومهمَّة ومصيريَّة للمقاومة الوطنية ، ويحرص كتاب المقاومة على الدفاع عنها وحمايتها . ديمومة المقاومة يجب أن تكون مهمَّة أيضًا لكلِّ من يدَّعي دعمه وإيمانه بفكر المقاومة ومشروعيَّتها. هذه مسالة جوهريَّة ومصيريَّة لقضيَّة شعبنا العادلة ولنضاله نحو استرداد حريته، ولن نسمح لا لناهض حتر ولا غيره في إثارة اية اشكالات سلبيَّة التأثير في مسار المقاومة.
نعم، نحن ندرك بأنَّ للسيِّد حتر وغيره الحق في طرح ما يشاؤن، وباستطاعتهم إثارة الإشكالات والتساولات عن هويَّة المقاومة والمقاومين، و عن هويَّة قيادة المقاومة. وله ولغيره القرار في مهاجمة حزب البعث العربي الاشتراكي وماضليه ، والانتقاص من دور الحزب في المقاومة الوطنيَّة، لكنَّنا نؤكد له ولغيره بأنَّنا سنتصدَّى بقوَّة لكلِّ تلك المحاولات اليائسة، وسنعرَّي كلَّ الطروحات الزائفة الهادفة إلى التأثير سلبا على مسار قضيَّة شعبنا العادلة.
إنَّ كلَّ المحاولات الهادفة إلى إثارة الشكوك في دور حزب البعث العربي الاشتراكي في المقاومة الوطنيَّة، وإلى النيل من الرفاق البعثيِّين الذين يقومون بأداء واجباتهم الوطنيَّة ولا سيَّما الكتَّاب البعثيين، تبقى محاولات يائسة وفاشلة مثيرة للقرف والشفقة في آن واحد. وهي بالناكيد محاولات تنصبُّ في خدمة مشروع الاحتلال.