المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفاسدون وقتلة عرفات/ عبد الباري عطوان



منصور بالله
09-02-2006, 02:36 PM
الفاسدون وقتلة عرفات/ عبد الباري عطوان

المركز الفلسطيني للإعلام / في خطوة جريئة وغير مسبوقة، وإن كانت محفوفة بالمخاطر، كشفت السلطة الوطنية الفلسطينية، مضطرة، وبسبب فوز حركة حماس الساحق في الانتخابات التشريعية الأخيرة، عن مجموعة من ملفات الفساد، أكدت حسب ما جاء في المؤتمر الصحافي للنائب العام، سرقة وإهدار أكثر من سبعمئة مليون دولار، معظم المتورطين فيها من حركة فتح.

الرئيس محمود عباس، الذي يتحمل مسؤولية هذا الفساد بحكم موقعه، وكان من المفترض أن يستقيل بعد هزيمة حزبه الحاكم، أراد بهذه الخطوة تبرئة نفسه شخصياً، وتجريم الحركة التي يتزعمها، وحصر الفساد في مجموعة صغيرة ضعيفة، وتجنب ذكر اللصوص الكبار، وبعضهم أعضاء بارزون في حكومته، ومن أقرب المقربين إليه شخصياً وعائلياً، والانتقائية في التعامل مع ملفات الفساد هي قمة الفساد.

والفساد المالي خطير بكل المقاييس ولكن ما هو أخطر منه، ويستحق المحاسبة فعلا هو الفساد السياسي، والتفريط بالثوابت الوطنية، والتنازل عن الأرض الفلسطينية، وهذا الفساد بدأه وللأسف الشديد رئيس السلطة السيد عباس أثناء مفاوضات أوسلو بالتنسيق مع الإسرائيليين والأمريكان، وواصله بعد انتقال قيادة المنظمة إلى غزة، حيث بدأ مسيرة الانقلاب على الرئيس عرفات وتصفيته سياسياً، وتجريده من جميع صلاحياته المالية والأمنية، من خلال خلق منصب جديد له شخصياً، هو منصب رئيس الوزراء، أي أنه أراد أن يرث عرفات وهو حي يرزق، حتى يتفرد بالقرار، ويقبل بالشروط الإسرائيلية كاملة في تسوية معيبة.

طالبنا، وسنظل نطالب بفتح جميع ملفات الفساد، وتقديم كل الفاسدين الذين سرقوا دماء الشهداء والأرامل إلى القضاء، واسترداد كل فلس سرقوه من أموال الشعب الفلسطيني الجائع المحروم، ولكن حتى تتحقق هذه الخطوة الهامة والضرورية، وتعطي ثمارها، لا بد من إصلاح القضاء وإنشاء محاكم نزيهة، وتعيين نائب عام نظيف غير ملوث بالفساد، وغير مدان باختلاس أموال نقابة المحامين، يملك ضميراً وطنياً وأخلاقياً، ينحاز إلى الحقيقة والعدالة، وإذا لم يتحقق ذلك، فإن كل ما يجري حالياً من كشف للفساد، هو مجرد تضليل وتصفية حسابات شخصية، وحركات بهلوانية لا تقنع إلا السذج.
هناك ملفات كبيرة أخرى ما زالت مغلقة ويحرم الاقتراب منها، مثل ملف الاستثمارات الفلسطينية، وملف الأسمنت، وملف المعابر، وملف سرقة رمال غزة وبيعها للإسرائيليين، وهي ملفات متورطة فيها حيتان كبيرة لا يجرؤ السيد عباس على المس بها خوفاً وجبناً.

كشف الفساد والفاسدين خطوة جيدة ومحمودة، ونتطلع أن تتلوها خطوات أخرى، في إطار من الشفافية والنزاهة، وأبرز هذه الخطوات التي ننتظرها محاسبة أبناء الرؤساء في فلسطين وملف الطفل المعجزة بالذات الذي استغل موقع والده، وكان يذهب إلى دولة الإمارات حاملاً رسائل من هذا الوالد غير الفاسد إلى المسؤولين فيها، تتعلق بأمور سياسية خطيرة، وعندما يستقبله هؤلاء في المطار ويقودونه مباشرة إلى قصر الشيخ زايد رحمه الله، لمناقشة هذه الأمور والإطلاع على فحوى الرسالة، يكتشفون أن الرسالة الخطيرة تطلب من هؤلاء إعطاء وكالة طيران إلى هذا الابن البار. والشيء نفسه حدث في دبي والدوحة وعواصم أخرى.

التحقيق الأهم في رأينا، والذي يجب أن تبدأه الحكومة الجديدة، هو بحث كيفية اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مسموماً، ودور المحيطين به في هذه الجريمة، وأسباب صمت الرئيس عباس عليها، وعدم نطقه حتى هذه اللحظة بأي كلمة تدين هذا الاغتيال، وتقربه، وتبرئة الإسرائيليين من هذه الجريمة.

قمة العقبة الشهيرة التي رعاها الرئيس الأمريكي جورج بوش، وحضرها السيد عباس جنباً إلى جنب مع أرييل شارون، كانت الخطوة الأولى لتصفية الرئيس عرفات سياسياً تمهيداً لتصفيته جسدياً، فقد قبل السيد عباس، وكان رئيساً للوزراء، واختير بديلاً للقائد التاريخي للثورة الفلسطينية وهو حي، أن يقرأ ورقة أعدها له الإسرائيليون تحدث فيها بإسهاب عن اليهود وتسامحهم وعدالتهم ومعاناتهم الطويلة، وأكد عدم وجود أي عداء بينهم وبين الفلسطينيين، ودان الانتفاضة المسلحة واعتبرها إرهاباً، وطالب بنزع سلاحها، ولم يذكر كلمة واحدة عن حق العودة أو معاناة الشعب الفلسطيني والمجازر الإسرائيلية التي ارتكبت في حقه.

الرئيس عرفات مات مسموماً، وكان من المفترض أن يكون خليفته الأكثر حرصاً على كشف حقيقة ما حدث، والجهات التي تقف خلف هذه الجريمة، والمتورطين فيها، من خلال تشكيل لجنة تحقيق دولية، والذهاب إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها، تماماً مثلما فعل اللبنانيون بعد اغتيال الرئيس الحريري، ولكنه للأسف لم يفعل، ولأسباب ما زلنا نجهلها ويجهلها الشعب الفلسطيني بأسره.

ونحن نقف على أبواب الذكرى الثامنة عشرة لصدور هذه الصحيفة، نذكّر بأننا وقفنا دائماً في خندق هذه الأمة دفاعاً عن قيمها ومبادئها وعقيدتها الإسلامية السمحاء. دافعنا عن قضاياها العادلة، وكرامتها الوطنية، وتصدينا للفساد والفاسدين في كل مكان وزمان، وخاصة في فلسطين، ووقفنا إلى جانب شعبنا العراقي المحاصر عندما تخلى عنه الكثيرون، وساندنا ونساند مقاومته الباسلة الشجاعة طلباً للتحرير والاستقلال الحقيقي، وعارضنا كل أعمال البلطجة التي تعرض لها أشقاؤنا في مصر في إطار عمليات التزوير ومصادرة الحريات، مثلما طالبنا بالديمقراطية الوطنية الحقيقية في بلداننا وانتصرنا لحقوق الإنسان والحريات التعبيرية.

بسبب هذه المواقف قطعنا في هذه الصحيفة كل صلاتنا مع السلطة الوطنية ومنظمة التحرير قبلها، في اليوم الأول الذي انكشف فيه الدور الذي لعبه السيد عباس في مفاوضات أوسلو، وبالتالي ما ترتب عليها من اتفاقات وفساد. وهو الدور الذي جاء بإيعاز أمريكي إسرائيلي لتخريب منظمة التحرير، وتلويث حركة فتح وبيع الانتفاضة الأولى التي أعيت رابين، وهزت الكيان الإسرائيلي وأسسه، بثمن بخس.

رفضنا عرضاً من الرئيس عرفات بتولي منصب وزاري رفيع، مثلما رفضنا عرضاً آخر بالتمويل حمله إلينا السيد محمد رشيد (خالد سلام) كان مغرياً للغاية، ومرفقاً بتصريح طبع في رام الله، لأننا لم نشأ أن تكون لنا أي صلة بتلك المرحلة من تاريخ شعبنا درءاً للشبهات.

هذه المواقف، وفي مثل هذا الزمن الأمريكي - الإسرائيلي الأصعب، الذي تنحني أمامه زعامات كانت كبيرة في دول كبيرة، عرضتنا إلى العديد من محاولات التشويه والابتزاز، من قبل فاسدين ومأجورين، ووجهت إلينا اتهامات كثيرة، كان آخرها كوبونات النفط العراقية، وتلقي أموال من الرئيس صدام حسين، وخرجت المعلومات، وأذاعت الأمم المتحدة لائحة بالأسماء، ولم يكن اسم هذه الصحيفة أو أي من العاملين فيها من بينها.

سنستمر في هذه المسيرة، ووفق المعايير التي اختطناها واتبعناها في اليوم الأول من الصدور، ولن نتردد لحظة في قول كلمة الحق، أياً كان الثمن. ونعد قراءنا وأهلنا العرب والمسلمين في كل مكان، أننا لن نركع أو نتراجع مهما بلغت شراسة التهديدات وحملات التشويه، سنواصل المسيرة من مقرنا المتواضع الذي ليس سوى شقة من أربع غرف في حي همرسميث الشعبي الفقير.

الحياة وقفة عز، هذا هو موقفنا وهذا هو شعارنا، وسنقول كلمتنا وكل ما ينصر ديننا وعقيدتنا وقضايانا العادلة ولن نتردد لحظة.. وفي جعبتنا الكثير.