المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا يكرهون نبي الرحمة؟



منصور بالله
06-02-2006, 04:23 PM
لماذا يكرهون نبي الرحمة؟
بقلم الشيخ: السيد عبد المقصود عسكر ہالأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر سابقا وعضو مجلس الشعب
يعتقد المسلمون جميعا أن الله تبارك وتعالي رفع قدر الأنبياء والمرسلين، وأعلي من شأن عباده الصالحين. وقد بين الله ذلك في كثير من آيات القرآن الكريم.
كما أمر الله عز وجل أمة محمد صلي الله عليه وسلم بالاقتداء برسل الله أجمعين لأنهم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة ورسل الهداية.
ولا يكون المسلم مؤمنا حقا إلا إذا التزم بذلك قولا وعملا. وما قرره الإسلام في شأن هذه العقيدة لا نظير له في أي ملة أخري. ويحق لكل مسلم أن يعتز بذلك ويكرر علي مسامع الخلق ما قاله الله عز وجل في كتابه العزيز تأكيدا لهذا الاعتقاد: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) البقرة: .285 ولقد جمل الله محمدا صلي الله عليه وسلم بجميل الخصال وكريم الأخلاق حتي استحق ثناء ربه عليه في قوله سبحانه: (وإنك لعلي خلق عظيم) القلم: .4 وفوق هذا كانت الرحمة من أبرز صفاته صلي الله عليه وسلم وبسببها انجذبت إليه القلوب وتعلقت به الأفئدة. وفي هذا يقول الله تعالي: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران: .159 وقد ظهرت هذه الصفة بجلاء في كثير من المواقف التي لا تحصي. من ذلك أنه لما أمكنه الله من أعدائه يوم فتح مكة سمع أحد أصحابه يقول: 'اليوم يوم الملحمة' فرد عليه الرسول الكريم بقوله: 'اليوم يوم المرحمة' ثم اتبع القول بالعمل عندما وقف بين يديه زعماء مكة في ذلة وانكسار فقال لهم: 'ما تظنون أني فاعل بكم'؟ قالوا: 'خيرا أخ كريم وابن أخ كريم'، فقال: 'اذهبوا فأنتم الطلقاء'.
وقد لازمه هذا الخلق طوال حياته وربي عليه أصحابه، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله ادع علي المشركين فقال: 'إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة' (رواه مسلم). وعنه أيضا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: 'إنما أنا رحمة مهداة' (رواه الحافظ ابن عساكر) . كما روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: 'إني رحمة بعثني الله ولا يتوفاني حتي يظهر الله دينه' (رواه الطبراني).
والدلائل كلها تؤكد أنها رحمة عامة تشمل كل الخلق مصداقا لقول الله تعالي (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: .107
ومن هنا يصبح السؤال الذي جعلناه عنوانا مطروحا بقوة: لماذا دأب الغربيون علي محاربة الإسلام وتشويه صورته والإساءة إلي نبي الرحمة محمد صلي الله عليه وسلم؟
إن الأمر يبدو في غاية الغرابة إذ إن من يتأمل أحوال البشرية اليوم يجد أن قيادتها أصبحت بيد الأشرار والفجار وأن أمر العالم بات تحت سلطان الفسقة والكفار. فعم الظلم وشاع الفساد واشتعلت الفتن والحروب في كل مكان من الأرض، وافتقد الناس الأمن والأمان وقد تحكم الظلمة والطغاة والمفسدون وطورد العلماء والحكماء والصالحون وتلك حال لا تبشر بخير إلا أن تتدارك البشرية رحمة الله وعنايته.
إن العالم اليوم تحت القيادة الغربية يسرع الخطي نحو الهاوية، والبشرية تحفر قبرها بظلفها وتبحث عن قوارير الدواء لتحطمها حتي تسد علي نفسها الطريق الموصل إلي الشفاء. إن ما نراه اليوم علي الساحة العالمية عجيب وغريب. البشرية تنتحر وتقاوم من يملك إنقاذها وتحاول قتل من يملك الدواء لعللها وأسقامها.
إن الإسلام وحده هو الذي يستطيع إنقاذ البشرية مما تعاني، وهو الذي يملك الدواء الناجع الذي يشفيها من الأمراض التي تكاد تفتك بها.
ولكن شياطين الإنس والجن أبرموا فيما بينهم حلفا غير مقدس تنص بنوده علي ضرورة مواجهة الإسلام علي كل صعيد ومحاربته في كل موقع بغية القضاء عليه بحسبانه العدو الأوحد. فراحوا يتهمونه واتباعه بكل نقيصة ويلصقون به والعاملين له كل جريمة. فهو عندهم دين الرجعية والتخلف ودين الإرهاب والتطرف وهو الخطر الأكبر علي الأنظمة والحكومات وهو العدو الأخطر علي العمران والحضارات. ونبي الإسلام بزعمهم كاذب أطلق العنان للشهوات الجنسية وبشر بالزندقة الآثمة.
وهذا 'مارتن لوثر' مؤسس كنيسة البروتستانت يصف تعاليم الإسلام بأنها سموم شيطانية، ويقول عن محمد صلي الله عليه وسلم: إنه صائد المومسات الدائر في فلك الشيطان. ومع أن 'مارتن لوثر' هذا أيد فكرة ترجمة القرآن الكريم فإن ذلك لم يكن بدافع البحث عن الحقيقة بتجرد، وإنما لكي يري الناس جميعا حسب زعمه أن القرآن كتاب ملعون فظيع ميئوس منه، وأنه مملوء بالأكاذيب والخرافات.
وقد لخص المستشرق 'وات' هذه الصورة المشوهة للإسلام عند الغربيين في أربع نقاط كما يلي:
1* إن الإسلام دين كاذب وتحريف مقصود للحقائق.
2* إن الإسلام دين العنف والسيف.
3* إن الإسلام دين التهالك علي الشهوات الجنسية.
4* إن محمدا صلي الله عليه وسلم قد اتبع الشيطان وسار في فلكه، وأنه هو المسيح الدجال.
ومع أن هذه الأباطيل لا تصمد أمام البحث العلمي النزيه فما زال الغرب العلماني الملحد يمضي علي درب الحقد الصليبي القديم المعادي للإسلام ونبي الإسلام ومازال الكيد الصهيوني هو المحرك لتلك الحملات المتواصلة ضد الإسلام والمسلمين إلي يومنا هذا.
وما جري مؤخرا في النرويج والدنمارك وما جري من قبل في الكيان الصهيوني الغاصب دليل علي هذا ولا شك أن أي عاقل منصف متجرد عن الهوي يتأمل حياة محمد صلي الله عليه وسلم ويدرس سيرته في مصادرها الموثقة يظهر له بوضوح أنه أشرف الخلق وأطهرهم وأنقاهم، وأعظمهم وأتقاهم وأنه بحق رحمة الله للعالمين كما قال الله في كتابه الكريم.
ولقد شهد بذلك نفر غير قليل من علماء الغرب المنصفين. يقول المستشرق الفرنسي 'كلود كاهن' الأستاذ بجامعة السوربون: لا يليق بالمؤرخ المنصف أن يعير اهتمامه للاتهامات التي صدرت عن المهاترات الطائفية القديمة، ولابد من أن يري أن محمدا صلي الله عليه وسلم كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الحماس والإخلاص إلي النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقيا وفكريا.
وتقول دائرة المعارف البريطانية في الطبعة الحادية عشرة عند حديثها عن القرآن الكريم: 'كان محمد أظهر الشخصيات الدينية العظيمة وأكثرها نجاحا وتوفيقا'.
إن من الصعب علي الأوربي الذي تربي تربية مسيحية مغلقة أن يتحرر من الأفكار التي طالما لاقت رواجا علي مر القرون الطويلة بأن محمدا صلي الله عليه وسلم كان نبيا كاذبا ومخادعا ومحبا للشهوات وداهية سياسيا. كما أن من الصعب علي هذا الأوربي أن يفهم معني إجلال المسلمين الكبير لرسولهم صلي الله عليه وسلم وتوقيرهم إياه باعتباره أكمل إنسان علي وجه الأرض. يقول مصطفي صادق الرافعي في كتابه 'وحي القلم': لو اجتمعت فضائل الحكماء والفلاسفة والمتألهين وجعلت في نصاب واحد ما بلغت أن يجيء منها مثل نفسه صلي الله عليه وسلم. ولأن الله هو الذي رباه ولأنه كان خلقه القرآن بجماله وكماله وتمامه كانت نفسه أبلغ الأنفس قاطبة. ورحم الله من قال:
ولد الهدي فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
خلقت مبرأ من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
فأكمل منك لم تر قط عيني
وأعظم منك لم تلد النساء
وهذا رجل من علماء البوذية يقول عن محمد صلي الله عليه وسلم: 'إنه رقيق القلب رحيم رءوف متعفف عن سفك الدماء. إنك تراه مشغولا بجزيرة العرب كلها بل بالعالم كله بينما هو لا يفوته أمر من أمور بيته وأزواجه وأولاده ولا أمر من أمور الفقراء والمساكين. ويهتم بأمر العالم كله. وهو من هذا متبتل إلي الله منقطع عن الدنيا، فهو فيها وليس فيها، لأن قلبه لا يتعلق إلا بالله وبما يرضي الله'.
وإذا كنا نعيب علي أعداء الإسلام موقفهم من نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم ونستنكر مسلكهم ونعجب من سفاهتهم فإننا أشد استنكارا وعجبا من موقف بعض أتباع محمد صلي الله عليه وسلم الذين لا يعرفون قدره فلم يوقروه التوقير اللائق بمكانته عند الله وعند المؤمنين وعند المنصفين من غير المسلمين، وعلي الرغم من أنهم من أهل العلم فقد ساووا بينه صلي الله عليه وسلم وبقية الأموات من خلق الله وفي هؤلاء الصالح والطالح والبار والفاجر والمؤمن والكافر وتلك لعمري داهية تصدم مشاعر كل غيور علي دينه مؤمن بقول الله تعالي: 'إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ہ لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا' الفتح: 8 * .9
إن نفرا من علماء الغرب المنصفين من خلال دراساتهم الدقيقة أدركوا مدي حب المسلمين لرسول الله صلي الله عليه وسلم وتعظيمهم له. وعبروا عن ذلك بكلمات نسوق بعضها هنا ليعتبر بها أولو النهي وأصحاب العقول:
'إن معاودة التفكير في القيم الإسلامية ودراسة ما خلفه المسلمون من تراث ضخم يرتبطان ارتباطا وثيقا بمكانة الرسول الخاصة عند المسلمين. فالمسلمون ينظرون إلي رسولهم صلي الله عليه وسلم باعتباره مبلغا للرسالة الإلهية الخالدة وأنه خاتم أنبياء الله تعالي. وتختلف مكانة محمد صلي الله عليه وسلم في الإسلام اختلافا كليا عن مكانة المسيح في المسيحية نعم :إن محمدا هو مؤسس الدين الإسلامي بمعني أنه قد تلقي كلام الله متمثلا في القرآن الكريم إلا أنه مجرد إنسان خصه الله بنعمة الوحي. فالمسلمون لا ينظرون إلي رسولهم صلي الله عليه وسلم باعتباره ذاتا إلهية علي الإطلاق، ولكن باعتباره تجسيدا للتوازن الكامل لجميع القوي الإنسانية. وتمثل حياة الرسول صلي الله عليه وسلم وأعماله وأقواله قدوة حسنة للمسلمين يحذون حذوها، كما أن اتباع سنته كان ومازال غاية كل مسلم صالح ويقتدي المسلمون من حدود أندونيسيا شرقا حتي غرب أفريقيا غربا بمثلهم الأعلي وقدوتهم الحسنة المتمثلة في شخص الرسول صلي الله عليه وسلم كما تصوره الأحاديث النبوية الشريفة. وقد أدي ذلك إلي خلق جو مشترك في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فضلا عن توحيد المقاييس الاجتماعية وقواعد السلوك لدي المسلمين بطريقة تثير الدهشة والعجب.
وتمثل السنة النبوية الشريفة بجانب القرآن الكريم العروة الوثقي والقدوة الكبري الموجهة بقوة لسلوك أكثر من مليار مسلم، وبجانب توقير المسلمين لرسولهم صلي الله عليه وسلم وحبهم إياه فهناك الآية القرآنية الكريمة التي تقول: 'إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما' الأحزاب: .56
فالمؤمنون هنا ينهجون نهج الله وملائكته، حتي صارت عبارة 'صلي الله عليه وسلم' أهم دعاء إسلامي يردده المسلمون ملايين المرات كل يوم. وبهذا يبقي الرسول صلي الله عليه وسلم دائم القرب من المؤمن الذي تحكم تصرفاته وسلوكه حبه لرسول الله صلي الله عليه وسلم وثقته به.
وصفوة القول إن شخص الرسول صلي الله عليه وسلم يمثل محور الحياة الدينية عند المسلمين ، وإذا كان الأمر كذلك فكان من الطبيعي جدا أن نظم المسلمون بجميع اللغات التي يتكلمونها أعدادا لا حصر لها من القصائد والأناشيد التي يمتدحون فيها إنسانية رسول الله صلي الله عليه وسلم ويصفونه فيها بالرحمة والشفقة. ويصل توقير المسلمين لرسولهم صلي الله عليه وسلم وإجلالهم إياه في هذه القصائد والأناشيد حدا لا يمكن وصفه أو تخيله.
وعلي الرغم من ذلك فلا ينبغي أن نتغافل في هذا السياق عن حقيقة هامة ألا وهي أن المسلمين يوقرون محمدا صلي الله عليه وسلم ويجلونه ولكن علي أساس أنه 'عبد الله'. وهذا يعني أن الإنسان الكامل هو في الوقت نفسه أخلص عباد الله. ويتساوي في حب رسول الله صلي الله عليه وسلم الغني والفقير، المثقف والأمي فهم جميعا يرون فيه قدوتهم الحسنة التي يهتدون بها، ومصدر إلهامهم الحي.
وتظهر مكانة الرسول واضحة جلية في الشهادة التي تقول: 'أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله' فهذه الشهادة تميز المسلم عن كل أصحاب الديانات الأخري. وتمثل الدعامة الأولي للإسلام كنظام شامل للحياة، وهي أيضا الركن الأساسي للإسلام كدين له نظام متميز ونظرة متكاملة للحياة.
إنني لا أدري كيف غابت هذه المعاني السامية التي تصور طبيعة الرابطة المتينة بين المسلمين وبين رسولهم الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم؟ كيف غابت عن عقل وقلب نفر من علمائنا الذين يشار إليهم بالبنان؟
لحق أننا لما هىنا علي أنفسنا كنا علي الناس أهون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم