مشاهدة النسخة كاملة : الامبراطورية تتداعى: حرب الدولار واليورو
منقول من دوريه العراق
د . ثائر دوري
في تشرين الثاني 2000 بدأ العراق يبيع نفطه مقابل الاورو ، و كان هذا أول خرق للقاعدة التي ترسخت بعد الحرب العالمية الثانية و تنص على استخدام الدولار كعملة في التجارة الدولية . و لأول وهلة بدا هذا القرار غير مفهوم و فسر على أنه خطوة تحد سياسية لا أكثر . لكن مع مرور الوقت و التدقيق في دلالات هذه الخطوة ما لبث المحللون الاقتصاديون و الإستراتيجيون أن اكتشفوا آثارها الخطيرة .
ثبت أن لهذه الخطوة فوائد اقتصادية جمة بالنسبة للعراق فقد استمر الدولار في هبوطه و استمر الاورو في الصعود ففي عام 2001 خسر الدولار ربع قيمته أمام الأورو . كما شجعت الخطوة العراقية بهذا الاتجاه عدد من الدول المترددة على تنويع سلة عملاتها . فأقدمت إيران على تحويل معظم احتياطياتها في البنك المركزي إلى الأورو وألمحت إلى اعتماده لمبيعاتها النفطية كافة. وفي السابع من كانون الأول 2002 تخلت كوريا الشمالية العضو الثالث في "محور الشر" رسمياً عن الدولار وبدأت استعمال الاورو في التجارة. أما فنزويلا شافيز ، التي ليست عضواً في محور الشر لكنها تتعرض إلى ضغط أمريكي كبير للانقلاب على حكومتها الوطنية و هي أيضاً منتج نفطي كبير . فبدأت تفكر بالانتقال إلى الاورو. و هذا ما دعا منظمة أوبك في اجتماعها في اسبانيا في الرابع عشر من نيسان 2002 لتعرب عن اهتمامها في التخلي عن الدولار لمصلحة الاورو.
ماذا يعني قرار التخلي عن الدولار كعملة للتجارة العالمية ؟
إن الولايات المتحدة باعتبارها الوكيل الحصري الوحيد لطبع هذه العملة تقوم بطبع هذه العملة حسب احتياجاتها و بدون رصيد كاف لتغطيتها . و بالتالي فإنه في حال تخلي الدول عن طلب الدولار سيحدث إغراق للسوق به و يقدر الخبراء انه سيفقد 40% من قيمته في حال أقدمت الأوبك ، فقط ، على تسعير النفط بالأورو . و بالتالي ستزداد قيمة المستوردات الأمريكية بشكل كبير و سيزداد عجز الميزان التجاري . فالطلب على الدولار هو الذي يمول العجز . فأمريكا تمول جيوشها و امبرطوريتها و نمط استهلاكها المرتفع من دولار لا رصيد له على الأرض سوى طلب الآخرين عليه باعتباره عملة التجارة الدولية .
و كانت هذه الخطوة العراقية سببا أساسياً من جملة الأسباب أخرى للعدوان الأمريكي على العراق . لقد كانت ضربة أريد لها أن تكون قاسية ، ساحقة ، ماحقة لجعل العراق عبرة لمن يعتبر و بحيث لا يفكر أحد ، لا حاضرا و لا مستقبلا ، بسلوك الطريق العراقي . لكن البذور التي بذرها العراق تأبى إلا أن تنبت في هذا العالم رغم كل محاولات السحق ، و هذا الكلام ليس شعراً ، بل هو واقعي تماماً . فها هي كوبا تسير على الطريق العراق فتقرر اليوم 26/10 منع تداول الدولار و توقف كل تعامل به و تدعو رعاياها في الخارج إلى عدم تحويل العملة إلى كوبا بالدولار .
إذا الفكرة لم تمت . لكن قد يقول قائل إن كوبا صغيرة و لا تؤثر على اقتصاد الولايات المتحدة . نعم هذا صحيح لكن قطرة الماء الصغيرة تستطيع مع الزمن بالصبر و التكرار حفر مجرى لها في الصخر الجلمود . و كل حركات التغيير تبدأ ببذرة هنا و أخرى هناك . قطرة هنا و أخرى هناك سرعان ما تجتمع لتصبح سيلاً هادراً .
لقد صار واضحاً للعيان أن تضحيات العراقيين المحاصرين ، الذين كانوا يتعرضون للقصف و التآمر لمدة ثلاثة عشر عاماً متواصلة ، لم تذهب سدى و أن البذرة التي بذروها لم تمت فهاهي تنش هناك على حدود الولايات المتحدة .
لقد خط العراق طريق البشرية إلى الفجر و لم يكتفي بذلك إنما اليوم يقوم بتعبيد هذه الطريق بفضل مقاومته الباسلة التي مرغت أنف الوحش الأمريكي في الوحل . و إن تضحياته خلال الحصار و اليوم قد بدأت تزهر ربيعاً للبشرية
محمد عارف
"عندما يسقط الشخص، فليسقطْ". قال ذلك بطل رواية "دون كيخوته". وليس هناك أبلغ من هذا القول في تقييم نتائج زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى أوروبا. السقوط هنا ليس بالمعنى الأخلاقي، الذي يجهله غزاة بغداد، بل بالمعنى الجيوستراتيجي، الذي راهنت عليه بغداد. وهذه قصة تحتاج إلى عبقرية سرفانتس، مؤلف قصة "دون كيخوتة"، التي تحتفل أوروبا بمرور 400 عام على نشرها.
فقصة بغداد تحكي كيف فاز رهان المغلوب ضد الغالب. والخيال الروائي وحده قادر على رؤية نتيجة الرهان في الاستقبال "الدون كيخوتي" الذي أقامه زعماء أوروبا للرئيس الأميركي. وهذه أمور بعيدة عن رؤية ما تُسمى أجهزة الإعلام العالمية، التي يقوم عملها على "التغطية"، بالمعنى الحرفي للكلمة على أخطر ما يجري في العالم. والنصيحة لمن يريد معرفة ما وراء زيارة بوش إلى أوروبا مراجعة المطبوعات الاقتصادية والتكنولوجية الخاصة بأوضاع الطاقة والنفط العالمية.
"يورو النفط" كلمة السر للملفات الثلاثة لزيارة بوش: احتلال العراق، والمفاعل النووي الإيراني، ورفع الحظر عن بيع السلاح للصين. وهي كلمة السر، التي تلاحق واشنطن منذ اعتماد العراق في سبتمبر 2000 عملة "اليورو" الأوروبية في تعاملاته النفطية الدولية. فهدف الغزو، خلافاً للتصورات الشائعة ليس مجرد الاستيلاء على احتياطيات النفط العراقي، بل إعادة نفط العراق إلى حظيرة الدولارات، والحيلولة دون اعتماد دول "الأوبك" الأخرى "اليورو" كعملة بديلة في التعاملات النفطية.
وبعد احتلال بغداد بنحو شهرين انفردت صحيفة "الفاينانشال تايمز" في 5 يونيو 2003 بتقرير أكدت فيه وقف سلطات الاحتلال تعاملات العراق النفطية باليورو في الأسواق العالمية والعودة بها إلى الدولار. لم تتطرق إلى الموضوع الصحف الأميركية الكبرى، التي تفرض الرقابة الذاتية على كل ما يتعلق بالأمور الاستراتيجية. واستغربت "الفاينانشال تايمز" العودة بالعراق إلى اعتماد الدولار في مبيعاته النفطية "بالرغم من التدّني الأخير في قيمة الدولار"، وذكرت "أن إقدام صدام حسين في عام 2000 على بيع النفط العراقي باليورو كان خطوة سياسية، لكنها حسّنت موارد العراق بفضل ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدولار".
كم ملياراً خسرها العراق منذ أعيد إلى حظيرة الدولار؟ ومن يتحمل المسؤولية القانونية والتاريخية عن ذلك؟.. واشنطن، أم الحكام، الذين جاءت بهم لتنفيذ أكثر قرارات الاحتلال انتهاكاً لاتفاقيات جنيف، وأوقحها في نهب الدولة العراقية؟
وإذا كان "الكل، كما خلقهم الله، وغالباً أسوأ من ذلك بكثير"، حسب قول "دون كيخوته"، فمَنْ أسوأ من سياسيين محسوبين على إيران استوردتهم واشنطن لهدم خطوة بغداد الاستراتيجية، التي اقتفت أثرها طهران؟
"يورو النفط" وراء كوميديا إنكار الرئيس الأميركي في بروكسل النية لضرب طهران. و"السلاح النووي" الإيراني، الذي لا وجود له والأخطر من "أسلحة الدمار الشامل" العراقية، التي لا وجود لها. فطهران اتبعت مبادرة العراق تدريجياً حين قامت باعتماد "اليورو" في صادراتها النفطية إلى أوروبا وآسيا فقط، وانتهزت فرصة الحرب على العراق لتطوير سلاح التدمير الشامل: "بورصة النفط الإيرانية" Iranian Oil Bourse التي تعتمد "اليورو" في تعاملاتها النفطية. والباقي لعبة الشطرنج التي ابتكرها قدماء الإيرانيين. تأجيل موعد بدء العمل في البورصة من الشهر الحالي إلى مطلع عام 2006 نقلات على رقعة الشطرنج مع واشنطن المحاصرة في "قلعة" بغداد. وأخطر نقلة تقوم بها إيران المتمترسة وراء "قلعة" بغداد تزيل العقبة التقنية أمام اعتماد نظام "اليورو النفطي" في سوق النفط العالمية البديلة. تؤسس النقلة "مؤشر اليورو" Euro marker للمتاجرة بالنفط مقابل مؤشرات النفط الخام الثلاثة القائمة على الدولار: "ويست تكساس"، و"برنت"، و"دبي".
"مؤشر اليورو" وليس الهذر الإعلامي يفسر اختلاف وجهات النظر الأوروبية والأميركية حول حظر مبيعات السلاح للصين، ومعالجة السلاح النووي الإيراني، وإرسال قوات إلى العراق. واستيرادات دول الوحدة الأوروبية من الأوبك أكثر من استيرادات الولايات المتحدة، ونسبة استيرادات دول منطقة الشرق الأوسط من الوحدة الأوروبية يعادل 45 في المائة من مجموع استيراداتها. وموضوع تأمين تجهيزات الطاقة يحتل المرتبة الأولى في أولويات الأمن الأوروبي، حسب أندريس بايبلغز، المفوض الأوروبي الجديد لشؤون الطاقة. استمرار ارتفاع أسعار الطاقة، وتزايد حاجات دول الاقتصادات الجديدة في شرق أوروبا للطاقة، وتعاظم ظمأ الصين والهند للنفط، يطرح على صانعي القرار، في تقدير المفوض الأوروبي "موقفاً مغايراً تماماً عما كان قبل خمس سنوات". "حلف الناتو" نفسه تغيّر إلى حد فشلت واشنطن في توريطه بحرب العراق، ولم تثمر ضغوطها المكثفة عليه سوى عن "تقديم معونات مالية شحيحة لتدريب قوى حفظ الأمن العراقية. ورفضت أكثر دول الناتو إرسال مدربين داخل العراق". ذكرت ذلك صحيفة "نيويورك تايمز"، ونفت أن تكون لجهود "الناتو" المتواضعة سوى "قيمة رمزية لن تؤثر على الوضع الأمني المتردي في العراق".
"يورو النفط" كلمة السر في الانشقاق الأطلسي. و"بورصة النفط الإيرانية" IOB القائمة على "اليورو" ستنافس سوقي النفط في نيويورك NYMEX ولندن IPE القائمتين على الدولار، والمملوكتين من قبل شركات أميركية. هذا يعني بداية نهاية الهيمنة الأميركية على العالم. فالاقتصاد الأميركي قائم على طبع مئات المليارات من الدولارات، التي تستخدمها الدول الأخرى لشراء النفط من دول الأوبك. ويُعاد تحويل "الدولارات النفطية" من دول الأوبك إلى مستندات الخزانة الأميركية وغيرها من المدّخرات بالدولار، كالأسهم الأميركية والعقارات. ويحقق اعتماد الدولار في التعاملات النفطية قيام الولايات المتحدة بدور الخزانة العالمية، التي تطبع عملات مقبولة في كل مكان. هذه النقود الورقية لا تعتمد على غطاء الذهب أو الفضة، بل على نفط لا تملكه الحكومة الأميركية، والتزامها بالدفع مقابل هذه الأوراق. تمتلك بذلك الولايات المتحدة النفط العالمي دون مقابل، في حين تحول الدول الأخرى منتجاتها وسلعها وثرواتها إلى احتياطيات مالية بالدولار حجمها 8 تريليونات دولار، موظفة في المصارف والمستندات الأميركية. وثلثا مبادلات العملات العالمية يتم حالياً عبر الدولار، وأكثر من أربعة أخماس المبادلات التجارية الدولية، ونصف الصادرات العالمية يتحكم بها الدولار، الذي يمثل ثلثي الاحتياطيات المالية العالمية. "اليورو النفطي" يهدد هذه الهيمنة، ويجعل أوروبا والعالم ينطقان بكلام "دون كيخوته" "لا تستعطِ أبداً ما تستطيع أن تكسبه بقوّتك".
هل يحقق ذلك نبوءة الزعيم الفرنسي ديغول بأن تقرر أوروبا الموحدة مصير العالم؟ ربما. فخريطة العالم الجيواستراتيجية الجديدة تضع القارة الأورو- آسيوية في مواجهة الولايات المتحدة. وهذا موضوع مقالة قادمة بعون الله عن "الزحف القاري"، الذي يهز العالم، ويبعث في أوروبا المملوءة بالشكوك تساؤلات "دون كيخوته" الفلسفية: "عندما تبدو الحياة مخبولة من يعرف أين الجنون؟ لعل الجنون أن تصبح عملياً جداً. أن تتخلى عن الأحلام هو الجنون بعينه... كثير من العقل قد يكون جنوناً، وأكثر الأمور جنوناً أن ترى الحياة كما هي لا كما ينبغي أن تكون"
أبو شمخي
02-02-2006, 12:40 AM
أمريكا تتحكم بنفط الخليج والسعودية والعراق. فلن ينكسر الدولار والمد العربي مستمر لأمريكا ... نفط ... وأسواق مفتوحه ... وهبات بالمليارات شهريا.
العلة تكمن في كلاب العرب الزعماء الذين يسندون أمريكا واسرائيل وأوروبا بكل ما تملكه بلادنا من ثروات.
الراعي
02-02-2006, 06:02 AM
أمريكا تتحكم بنفط الخليج والسعودية والعراق. فلن ينكسر الدولار والمد العربي مستمر لأمريكا ... نفط ... وأسواق مفتوحه ... وهبات بالمليارات شهريا.
العلة تكمن في كلاب العرب الزعماء الذين يسندون أمريكا واسرائيل وأوروبا بكل ما تملكه بلادنا من ثروات.
كلامك صحيح ابو شمخي
احس من كلامك الغضب والحقد على هذه الحثالة ممن يسمون حكامآ الذين دمروا هذه الامة ومقدراتها بغبائهم وعمالتهم وجبنهم. لا تظن انك وحدك الذي عنده هذا الاحساس. هناك الكثير مثلك ولكنهم يدفنون مشاعرهم ولا حول ولا قوة الا بالله.
امة تحمل رسالة الله الى العالمين وتسبح على بحار من النفط ولكنها غثاء كغثاء السيل.
منصور بالله
02-02-2006, 12:52 PM
لعن الله البترول الذى عَمَر الغرب ودمر الشرق وجعل الأسافل على رؤوس الأشراف وجل للأراذل قيمة وللسفهاء سعر ومنزلة .. .ولعن الله ملوك وامراء الطوائف الذين رهنو ثروات الامة في بنوك اليهود والنصاري...
البصري
02-02-2006, 01:32 PM
لا تلعنوا شيئاً مِن خلق الله .
لا يجوز اللعن إلاّ على مَن نصّ القرآن والسنة على لعنه . مثل عموم الكفار كالنصارى واليهود ، قال الله تعالى : (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )) المائدة{78} ،، وقوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )) البقرة{159} .
منصور بالله
02-02-2006, 01:48 PM
عندما نلعن البترول فأننا نلعن تجارة و سياسة البترول وليس البترول في حد ذاته...وكل المصائب التي انجرت من و راء البحث و تجارة البترول...
منصور بالله
10-02-2006, 01:41 PM
لعبة الشطرنج الإيرانية بالعراق والقنبلة والبورصة
محمد عارف
في مطلع الشهر المقبل يُفترض أن يبحث مجلس الأمن ملف إيران النووي، وفي 21 منه، الذي يصادف عيد نوروز وبدء العام الإيراني الجديد يُتوقع أن تبدأ العمل بورصة النفط في طهران· العلاقة بين الحدثين أكثر من ظرفية، فكلاهما حجر في رقعة الشطرنج الإيرانية، والعراق ''القلعة'' التي يحتمي بها الإيرانيون، الذين ابتكروا لعبة الشطرنج· قرار إحالة ملف إيران، الذي صدر الأسبوع الماضي عن مجلس أمناء ''الوكالة الدولية للطاقة الذرية''، أمهل طهران شهراً تقريباً قبل مناقشته في مجلس الأمن· وشهرٌ في لعبة الشطرنج زمن طويل، استهلّه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بالاستهانة بتهديدات فرض الحظر على بلده ''نحن لا نحتاجكم قطّ، بل أنتم بحاجة إلى الشعب الإيراني''· سبقت ذلك تهديدات بمنع قيام مفتشي الوكالة الدولية بجولات مفاجئة على المواقع الذرية، وإلغاء تعهد سابق بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم، الذي يُعتبر خطوة أساسية نحو امتلاك القدرة النووية، وأعقبه وزير الخارجية منوشهر مُتقي بالتصريح أن ''قرار الوكالة الدولية تركنا أمام خيارين فقط، المقاومة أو الاستسلام، وقد اخترنا المقاومة''· وهــــذه شعارات إعلاميـــــة قد تتردد، لكن ليس في تعهّد الرئيس الإيراني بأن يلتزم بلــــده في ''جميـــع نشاطاته السلمية بإطـــــار عمـــــل اتفاقية عــــدم الانتشــــار النـــووي''·
وواضح هنا أن إيران لم تنتهك التزاماتها وفق الاتفاقية، التي ''تسمح بتطوير بحوث إنتاج واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية''· ورغم كل ما يُقال عن ''نظام الملالي'' في إيران فهو أكثر ديمقراطية من أنظمة ديكتاتورية عسكرية أخرى، لم تواجه أي عقوبات بسبب برنامجها النووي العسكري، أو إسرائيل، التي تملك أكبر مخزون للرؤوس النووية الحربية خارج القوى العظمى، وتحتل منذ نحو نصف قرن أراضي فلسطين وسوريا ولبنان، وترتكب جرائم يومية بحق شعوب المنطقة والسلم العالمي·
ويعترف الكاتب السياسي البريطاني تيموثي غارتن آش، أستاذ التاريخ في جامعة أوكسفورد بأن ''لعبة الشطرنج الإيرانية هذه متعددة الأبعاد وتجسّد واقع عالم متعدد الأقطاب''· ويعتقد آش أن إيران تحتاج إلى ما بين 3 و8 سنوات لتصبح قادرة على تقرير ما إذا كانت تنوي المضي في تحويل برنامجها النووي إلى سلاح· وجدير بالذكر أن روسيا والصين، اللتان صوّتتا إلى جانب قرار مجلس أمناء الوكالة الذرية أصدرتا بيانين منفصلين أكّدتا فيهما العزم على حصر الموضوع في نطاق الوكالة· ولم يحدد مجلس الأمن موعد مناقشة القرار ليتيح لممثلي الدول الأعضاء مناقشته في جلسات خاصة مغلقة، ولن تتّخذ أي خطوة داخل مجلس الأمن قبل اجتماع مجلس أمناء الوكالة الدولية لمراجعة موقف إيران، وتقرير ما إذا كان يستدعي طرحه في مجلس الأمن· والمعروف أن ملف كوريا الشمالية أحيل مرتين إلى مجلس الأمن، الذي اكتفى بالإدانة ولم يفرض أيّة عقوبات، على كوريا، بالرغم من انسحابها من ''اتفاقية عدم الانتشار''، وإعلانها عن المضي في بناء أسلحة نووية·
والنفط في السياسة الدولية كلعبة الشطرنج، التي يعتبرها بطل العالم الأميركي بوب فيتشر، الملاحق بتهمة معاداة اليهود ''حرباً تهدف إلى تحطيم دماغ الخصم''· وقد يوضح هذا تعهّد جورج بوش في خطابه السنوي بالتحرر من نفط الشرق الأوسط، وهي لعبة مارسها كل رئيس أميركي منذ عهد نيكسون، لكنها افتضحت في الموازنة المالية الجديدة· أثارت الموازنة، التي قيل إنها تبلغ نحو 3 تريليونات دولار موجة سخرية حادة، واعتبرتها صحيفة ''نيويورك تايمز'' بمثابة ''رواية خيالية متنكرة برداء الحقيقة''، وأضافت ''حتى الرواية الخيالية هنا منتحلة من موازنات مالية فاشلة في الماضي''·
وعلى ضوء الموازنة المالية الأميركية تبدو ''بورصة النفط الإيرانية'' المرتقبة كلعبة الشطرنج، التي يقول عنها اللاعب الروسي غاري كاسباروف إنها ''غابة بالأبيض والأسود''· فبورصة النفط ستتعامل بعملة اليورو الأوروبية· وهنا قد يكون منظر السحابة النووية فوق صحراء ''دشتي لوت'' الإيرانية أقل إثارة للاضطراب من ظهور منافس لسوقي النفط القائمتين على الدولار Nymex في نيويــورك، وipe في لندن· هذا هو حجم صدمة ''بورصة إيران النفطية'' في تقدير مارتن ووكر، الكاتب السياسي البريطاني، ورئيس تحرير وكالة أنباء ''يونايتد بريس إنترناشيونال''· يشاركه في الرأي وليام كلارك، مؤلف كتاب ''حرب البترودولارات: النفط والعراق ومستقبل الدولار''· اعتماد اليورو بدل الدولار في التعاملات النفطية، وهو الإجراء، الذي بادر إليه العراق عام 2000 وكان السبب المباشر في قرار الحرب ضده، قد يكون الأمل الوحيد لإنقاذ اقتصادات معظم دول العالم، التي توظف مدخراتها بالدولارات·
فالرفاه الأميركي قائم على تدوير كدّ وكدح أكثر من ملياري إنسان في الصين وروسيا والهند والمنطقة العربية، التي توظف أموالها بالدولارات في المصارف والسندات الأميركية· وفي العام الماضي أنفق الأميركيون أموالا أكثر مما حققوا· هذه ظاهرة لم يحدث مثيل لها في الولايات المتحدة منذ الكساد الاقتصادي مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي·
هل تفسر هذه الحقائق سبب تجاهل الإعلام العالمي كليّة تقريباً موضوع ''بورصة النفط الإيرانية''؟ أم لأن ''بورصة النفط الإيرانية'' كلعبة الشطرنج ''99 في المئة منها تكتيك''، حسب بطل العالم الألماني ريتشارد تيتشمان؟ أسئلة عدة أخرى تنتظر الإجابة حول مراسيم ''بورصة النفط الإيرانية''، وهياكلها الارتكازية؟ وكيف سيتم التعامل بالعقود، ومن هي بنوك المقاصة؟ وهل هناك جهة قانونية، اسمها ''بورصة النفط الإيرانية''، أو جهة ما تقوم ببيع وشراء السندات وعقود البورصة؟ وأين بياناتها المالية، وهل تخضع للتدقيق الحسابي، ومن يقوم بذلك؟ ومن هم أعضاء البورصة، ومن المسموح لهم بالتعامل بعقود البورصة وسدادها؟
والعراق الذي جعله الاحتلال ''قلعة'' على رقعة الشطرنج الإيرانية هو اللعبة الأخطر، في تقدير طارق علي، الكاتب السياسي الباكستاني البريطاني المعروف· ''فلو لم يقاوم البعثيون والعسكريون الوطنيون الغزو الأميركي البريطاني للعراق لظّل موضوع تغيير نظام الحكم في طهران قائماً، على الرغم من تواطؤ الإيرانيين مع الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق· والمفارقة في تقديره أن المقاومة العراقية، هي التي جعلت ذلك مستحيلاً على المدى المتوسط· ويُحمّل طارق علي، الذي أصدر كتابين عن غزو العراق السيد السيستاني مسؤولية ثلم الوحدة الوطنية للعراقيين· ''إذ لو لم يمنع الجماعات الشيعيـــــة من المقاومــــة لكان يمكن أن يؤدي فتح جبهتين ضد الاحتـــلال إلـــى قيـــــام حكومــــة وحــدة وطنيــــة فــــي العــــراق لاحقاً''·
مع ذلك يتوقع طارق علي أن تنهار وحدة الجماعات الشيعية، التي فرضها رجال الدين، عندما تزول عنها تغطية القوات الأميركية، وينشأ وضع جديد يحول دون بلقنة العراق وتقسيمــــه· وقــــد يمكــــن حدوث هــــذا برأيـــــه لو تقـــــرر طهــــــران أن عراقــــــــاً مستقـــــلاً بشكـــــل حقيقي خير ضمان لمصالح المنطقة· ''إلاّ أن الحسابات العقلانية ليست السمة الأقوى للملالي''
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved