المهند
28-01-2006, 09:08 PM
قناص بغداد وزيارات رب بوش
صلاح المختار
قصة قصيرة
الاهداء : .
مصارحة : اعترف بانني لم اكتب هذه القصة بل أملاها علي (رب بوش) الذي زارني في ليلة سهر طويل ، كنت فيها في منطقة الشفق ، أي بين اليقظة والمنام ، فبدا لي محاربا مصابا بداء القتل وشرب الدماء البشرية ، بسيفه الذي يقطر دما وعيناه المبعوجتان وذيله الطويل المنتهي برأس رمح ، وامرني ان ادون ما يريد فكانت هذه القصة ، لذلك فالفضل كل الفضل في هذه القصة هو لرب بوش .
1
وهو ممسوس نهض (دوبيا )* من فراشه الوثير وجسمه يختض فرقا ، كنخلة ضربها اعصار كاترينا ، ورفع سماعة الهاتف وقال :
- اريد ان اكلم كوندي فورا !
فرك موظف السكرتارية الخفر في المكتب البيضاوي عينيه ، وهو يقاوم موجة نعاس تفترسه باسنان وحش لا يرحم وقال :
- ولكن يا سيدي الرئيس الساعة الان الخامسة فجرا !
أدار دوبيا الوسنان والفرقان عينيه في انحاء الغرفة ، وجسمه يترنح من فرط اهتزازاته اللاارادية ، وكرر بنرفزة منفلتة :
- قلت لك اطلب كوندي لا تناقش .
أجاب موظف السكرتارية باستسلام ، زرعته في لسانه رغبته الجامحة في العودة للنوم :
- طيب .
كانت كوندي تغط في نوم عميق مستسلمة ، بتلذذ عنيف لحلم يتكرر يوميا منذ شهر ، تأتيها فيه موزة صومالية ضخمة ، بقشرتها الصفراء الزاهية ، وتبتسم لها بخبث داعر ، ثم تندس تحت بطانيتها التي تفح دفئا في ليل واشنطن القاسية البرد ، وتبدأ بدغدغة قدمي كوندي متنقلة ببطء في حركات مدروسة ، فتصعد بتؤدة الى الاعلى ، حتى تصل وجهها ، وعند ذاك تتسمر امام عينيها الغائرتين محملقة فيهما كمن يريد ان يقفز الى مجاهلهما الداكنة :
- هل تريدين التهامي ؟
كان وجه الموزة يبتسم بتحد ، وهو يتراقص لصق عيني كوندي ، تابعت الموزة قائلة وهي مستمرة في تحدي كوندي :
- انا اعرف انك تشتهينني حد الموت الان ، ولكنك لن تستطيعي التهامي ابدأ .
كانت كوندي ، كلما زارها الحلم الغريب ، تفتح فهمها الواسع كفم جرية ** تتلبط بيأس عند اصطيادها ، تحاول قضم الموزة التي تهرب منها متزحلقة من بين يديها كالجرية عند انزلاقها من يد صياد غشيم ، ثم تبدأ بالتقافز امام ناظريها وهي تضحك بصوت عال ساخر ، وكوندي تقاتل محاولة امساك الموزة المتقافزة ،وهي تحس بشهوة قاتلة تزلزل معدتها على نحو لم تشعر بمثله طيلة حياتها ! وحينما تحصرالموزة في زاوية الغرفة الكئيبة وتمد كوندي يديها للامساك بها ، وفرح كاذب يعصف بكيانها ، تنفجر الموزة فجأء وتتناثر كقنبلة مزروعة في شارع حيفا ببغداد بانتظار مدرعة همفي امريكية ! تغطي شظايا الموزة المتناثرة وجهها المغموس بلون ازرق خفيف ، فيصبح لوحة زيتية رسمها عشوائيا ذيل حمار ، كان ، هو الاخر، يحلم ولكن بحزمة برسيم طرية ! كانت كوندي تنهض مذعورة عقب الانتهاء من حلمها المفزع الذي يذكرها بزيارتها المخيفة لبغداد ! في اللحظة التي نهضت مفزوعة رن جرس الهاتف في غرفتها التي مازال الظلام الداكن يخيم عليها . نهضت وذعر اضافي يحط على وجهها لغرابة وقت المكالمة ، جاءها صوت متهدج يقول :
- سيدتي الرئيس يريد التحدث اليك .
دمدمت كوندي بصوت عال :
- ماذا يريد الرئيس في هذه اللحظة من الفجر ؟ لابد ان حدثا خطيرا قد وقع !
جاء صوت دوبيا كلمات متراقصة على ايقاع طبل مثقوب تتدفق منه اصوات مرتبكة :
- كوندي ... كوندي ، يجب ان تأتي فورا ! لا تبدلي ملابسك تعالي فورا ، وابلغي السافل ابن الكلبة ***ان يأتي معك !
ردت باستسلام وهي تعتصر ذهنها لمعرفة ما حدث ، هل هوجمت امريكا مرة اخرى ؟ وماذا استخدم المهاجمون هذه المرة ؟ واين وقع الهجوم ووووو!
- سيدي الرئيس أي ابن كلبة فيهم ؟
جاء صوت دوبيا وهو مازال يتراقص على انغام طبل مثقوب :
- الا تعرفينه ؟ انه مدير السي . اي. أي ابن الكلبة ، جديه واجلبيه معك .
2
نهضت كوندي راكضة وقدماها المرتعشتان ، من الحدث الذي اجبر الرئيس على طلبها عند الفجر ، تتصادمان ولا تستطيعان حملها . تساءلت بغضب وهي ترتدي معطفها وتخرج :
- اين اجد ابن الكلبة الان وهو يذوب في اماكن داعرة بعد منتصف الليل ؟!
زعقت بوجه حارسها وهي تتثائب متوفزة الاعصاب :
- اطلب مدير السي أي أي وقل له ان يوافيني في مكتب الرئيس فورا .
وقبل ان تسمع رد حارسها ، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ، اخذ القلق يسربل وجهه لمنظر كوندي المرعوبة بشعرها الخشن الذي قاوم كل محاولات تنعيمه وتصفيفه ، فبدا ابرا طويلة ! خرجت كوندي من الباب وقفزت بحركة لا ارادية الى داخل سيارتها التي طارت بسرعة جنونية في شوارع مقفرة .
كان دوبيا يرتدي بيجامة زرقاء منقطة بلون احمر فاقع ، وكان ما أثار دهشتها هو رؤيته وقد الصق ظهره الى الحائط وعيناه زائغتان وهما تدوران في محجريهما بحركات لا ارادية ، وبسرعة تنبئ عن قلق عميق يجتاح دوبيا ! وكانت سارة زوجته تحادثه بكلمات متناثرة لا تربط بينها سوى رغبة جامحة في تهدئته، فيما كانت الدموع تترقرق من عينيها المحاطتين بدوائر سود . وحينما رات كوندي تدخل بمعطفها الواسع ، والذي جعلها تبدو كقزم دس جسده في كرسي كبير جدا فضاع فيه . صرخت بارتياع :
- شكرا لله انك اتيت بسرعة .
صرخت كوندي بصوت تردد صداه مكتوما في الغرفة الوسيعة :
- ماذا حصل ؟!
قبل ان تجيب سارة ارتسمت على وجه دوبيا ، المرتعش الملامح ، ابتسامة غبية مرتبكة ذكرت كوندي فورا بابتسامة النجم المشهور جاك نيكلسون ، الذي كان يمثل دور شخص مجنون في مصح عقلي ! ردد دوبيا بكلمات مرتعشة :
- هلو كوندي ... انا بخير ، وكل شيئ تحت السيطرة ، كل شيئ تمام .
لم يتحرك من مكانه وبقي ظهره ملتصقا بالحائط وموجة خوف صاعق تترقص على وجهه ، تمتمت سارة :
- كوندي لقد استيقظ دوبيا فجأة وهو يصرخ : مؤخرتي ... مؤخرتي ، وقفز من السرير بسرعة والتصق بالحائط كما ترينه ، وهو كذلك منذ نصف ساعة يرفض الاستدارة وترك الحائط ،كما يرفض ان يقول أي شيئ اخر سوى انه طلبك انت ! لقد اردت اقناعه بشرب كاس ماء لكنه رفض واصر على ان لا يقترب منه احد بما في ذلك انا !
تصنع دوبيا السرور ، وقال وهو يلوح بيده اليمنى ، وفوق وجهه المرتاع تسيل ابتسامة مشحونة بقلق دبق ينداح حوله :
- هلو كوندي ... انا بخير وكل شيئ تحت السيطرة ، كل شيئ تمام .
كانت كوندي تزداد ارتباكا وقلقا وهي ترى وجه دوبيا الذي بدى وجه مجنون هرب من مصح عقلي لتوه وامسك بيديه بعمود كهرباء لمنع الحراس من اعادته اليه ,واخذ يهدد بالانتحار ان هم اجبروه على ذلك !قالت بصوت خفيض مرتعش :
- ماذا جرى ؟
ردد دوبيا كلمات ميتة بصوت اتى كأنه صوت روبوت تعلم الحديث لتوه ، فيما كانت عيناه مازالتا تدوران في محجريهما بهوس مرضي :
- كل شيئ تحت السيطرة كوندي لا تقلقي ، فقط انا اتخذ اجراءات احتياطية .
توقفت عيناه عن الدوران وسمرهما على وجه كوندي وهو يصرخ :
- اين ابن الكلبة هذا لم لم يأتي ؟
ردت كوندي وهي تقترب منه بحذر :
- انه في طريقه الى هنا ، قل لي سيدي ماذا جرى ؟
مرة اخرى عادت عيناه الى التراقص الفوضوي في محجريهما وابتسامة بلهاء تطفر منهما :
- كلا ... كلا ، كوندي اريد ان اكلم ابن الكلبة بالذات لانه هو المسؤول عما حدث .
حل قلق مصطنع صامت فوق رؤوس الثلاثة ، كوندي وسارة ودوبيا ، الذي كان يقضم اظافره بنرفزة شديدة . وكان الحراس يتوزعون في الغرفة واياديهم تستقر على مسدساتهم في حالة تاهب لمقاتلة عدو لم يعرفونه بعد ! دخل ابن الكلبة لاهثا ولسانه يتدلى طويلا جدا من فمه الواسع واطلق صرخة مدوية اربكت الحراس :
- ماذا جرى ؟
ردد دوبيا بهدوء مصطنع وكلمات متقطعة :
- الم اطلب منك حسم موضوع قناص بغداد ؟ لقد اخبرتني انني يجب ان احسبه في عداد الموتى ، واليوم ابلغت بانه دخل البيت الابيض واندس بين موظفيه ! بل انه حصل على باج الدخول المفتوح من مكتب الحرس الرئاسي ! وهذا يعني انه يستطيع دخول أي مكان هنا ! ماذا تفعل بحق الجحيم يا ابن الكلبة ؟
كان وجه ابن الكلبة ممتقعا وهو يرى الرئيس وقد لصق مؤخرته بالحائط ويرفض كشفها ، وكان اكثر ما اقلقه هو كلمات دوبيا ، التي كانت تتدفق من فمه ، كمياه آسنة فاضت ، بعد امتلاء الخزان ! لقد فقد دوبيا السيطرة على لسانه من فرط قلقه ! تسائل ابن الكلبة :
- سيدي الرئيس ماذا يجري بحق الحجيم ؟ من اخبرك بان القناص دخل البيت الابيض ؟! وكيف دخل ونحن نفتش حتى نسمات الهواء ؟قل لي بربك من اخبرك ؟
توقفت ملامح دوبيا عن الاتعاش اللارادي ، وافترشت وجهه رسائل خبال دافق وقال بهدوء مصطنع مؤشرا بعينيه الى السقف :
- انه هو !
نظر الجميع الى السقف ليروا من هو ، ولم يكن فيه سوى الثريا الفخمة ، سألت كوندي بقلق ممزوج بفضول اخذ يزداد حدة وغموضا :
- سيدي الرئيس من هو الذي اخبرك ؟
ردد دوبيا وهو تائه في دوامة فقدان بوصلة الادراك :
- الا تعلمون من هو ؟ ومن غيره ؟
بفضول مدمر نبح ابن الكلبة :
- سيدي باسم الرب قل لنا من هو ؟
انفجرت بغته ضحكة عالية النبرات من فم دوبيا ، وتناثرت قطعا صغيرة في ارجاء الغرفة ثم عاد السكون الصاخب يحل فوق وجوه الحضور، وصرخ دوبيا :
- لقد ذكرت اسمه !
- من هو سيدي ؟
نبح ابن الكلبة متسائلا بصوت حاول ان يجعله خفيضا . تغيرت ملامح دوبيا واصبح واعضا وتقمص شخصية الواعظ الديني بات روبرتسن وقال :
- هل نسيت ان الرب يزورني بانتظام ؟ حسنا ، لقد زارني الرب مجددا هذا اليوم وحذرني بشدة من ان القناص انتقل من بغداد الى البيت الابيض .
صعقت الوجوه الحائرة من غرابة ما يجري ، وغرقت كلماتهم في افواههم ، وحل صمت يصرخ باسئلة مكتومة عن صحة الرئيس العقلية ! دمدم ابن الكلبة في دخيلته : لقد جن الرئيس! كانت عيون الوجوه الثلاثة تتبادل النظرات الحائرة ، وعلى شفافها المتيبسة يلتصق سؤال واحد : هل اصاب الرئيس مس من جنون ام انه جن فعلا ؟ تطوعت سارة بالكلام وكانت الدموع تترقرق من عينيها :
- ماذا تقول يا دوبيا ؟ الرب كلمك ثانية ؟ وكيف تصدق ان قناص بغداد قد دخل بيتنا ولدينا كل هؤلاء الحراس ؟
رمى دوبيا ببصره بتوتر مازال يجتاح وجهه وقال :
- كم جنديا لدينا في العراق ؟ اليس لدينا اكثر من 150 الف جندي ؟ طيب كيف فشل كل هؤلاء في القبض عليه ؟ هل حراسنا هنا افضل من جنودنا في العراق ؟ لقد حذرني الرب اليوم من ان القناص سيأتيني وهو يرتدي وجه اقرب الناس الي ! وقد يرتدي وجهك يا سارة ، او وجهك انت يا كوندي ، او وجهك انت يا ابن الكلبة !
ارادت كوندي ان ترطب الاجواء المتوترة فقالت :
- سيدي الرئيس دعنا نجلس لنتحدث بهدوء في الامر .
رد دوبيا بهستيريا وهو يزيد لصق مؤخرته بالحائط :
- كلا ... كلا ، لن اجلس ابدا الا بعد القبض على القناص ! هل حقا انت كوندي ؟ ام ان القناص ارتدى وجهك ؟ كلا ... لن ادعه يحقق ما امره به سيده ان يفعل بي .
ردت كوندي بحزن ودون ياس :
- سيدي الرئيس انا كوندي ولا ارتدي وجها غير وجهي !طيب لنبقى هكذا واقفين ، ولكن قل ماذا يريد القناص ؟
فجر دوبيا مرة اخرى ضحكة عالية تفصح عن خوفه المكنون وقال :
- الا تعلمين ؟
- كلا سيدي ، وكيف لي ان اعلم وانت لم تخبرنا بعد ؟
تلاشت تعابير القلق من وجه دوبيا وحل محلها تعبير واحد ، وهو تفكيره الجاد في سؤال كوندي، وكان راسه منكسا يحملق في الارض، وسذاجة فطرية تتدفق من عينيه اللتين تجمدتا حول سؤال كوندي ، فجأة رفع راسه وخرج من صومعة (تأمله الفلسفي) وعاد الى ابتسامته البلهاء المتراقصة على وجهه وقال :
- هذا صحيح انا لم اخبرك . طيب ليبقى سرا بيننا ، هل تسمعني يا ابن الكلبة ؟ ليبقى (توب سيكرت) بيننا .
كان وجه ابن الكلبة يزداد شحوبا وهو يتلوى تحت وطأة تعابير متناقضة اجتاحت وجهه ، فثمة تعابير الغضب من اصرار دوبيا على مخاطبته بابن الكلبة ، وتزاحم مشاعرالغضب احاسيس غريبة بان الرئيس قد دخل عالم الجنون مما سيحدث ازمة خطيرة في امريكا خصوصا وان نائبه ديك سيحال لمحاكمة قريبا بتهمة الفساد ! صرخ ابن الكلبة في الحراس :
- اخرجوا ودعونا وحدنا مع الرئيس .
ارتفع نعيق شق طبلات أذان التائهين في الغرفة من فم دوبيا وهو يصرخ :
- كلا ، لا تخرجوا ، اذن انت القناص يا ابن الكلبة ؟ تريد الانفراد بي وقنصي ؟!
اسقط بيد ابن الكلبة ، ورمى جسده المتهالك على اقرب أريكة وهو يردد
- اللعنة ماذا يجري بحق الرب !
تدخلت كوندي وراسها يوشك على الانفجار واقتربت من دوبيا وقالت :
- سيدي الرئيس ، قل لنا ما لديك كي نتخذ كافة الاحتياطات الامنية التي تريد .
ردد دوبيا ومؤخرته مازالت تقبل الحائط بوله وعشق غريبين ، كأن صمغا مجنونا دمجها بالحائط وصارت جزء من طابوقه :
- اوكي ... اوكي ، اسمعوا جيدا فما ساقوله (توب سيكرت) ، (توب سيكرت) هيه !؟ ويجب ان لا تعلم الصحافة واي شخص غيركم به اليس كذلك ؟
هز الثلاثة رؤوسهم موافقين ببلاهة ، تابع دوبيا خطبته وقد تقمص مرة اخرى شخصية بات روبرتسون وحرك عينيه يمنة ويسرة وقال بصوت خفيض:
- طيب ، لقد زارني الرب هذا المساء وكرعنا الخمر سوية ، لكنني اقسم اننا لم نتعاطى الماريوانا ، فقط كرعنا بضعة كؤوس خمر ، وحينما سكر الرب خدعته وجعلته يخبرني بما يعلمه عن مستقبلي ، فحذرني من ان صدام حسين قد ارسل قناص بغداد الى هنا ، ونجح في دخول البيت الابيض .
صمت دوبيا ، وتدافعت انفاسه ، وعادت عيناه تتزاحمان مع الجنون وهما معلقتان في السقف . لم تتحمل سارة لحظات الانتظار فصرخت بصوت حاد هز اجساد الحضور :
- تكلم يا دوبيا لقد حطمت اعصابي ! هل اخبرك الرب متى سيغتالك القناص ؟
ابتسم دوبيا ومسحة خجل غريب تتكدس فوق وجهه ورد ببرود مباغت :
- ومن قال انه يريد اغتيالي ؟ انه يريد الاسوأ !
- وماهو الاسوأ من الاغتيال ؟
سألت كوندي ودهشة عارمة تضرب خريطة وجهها المرسومة بفرشاة اطفال عابثين , وتابعت متوسلة :
- ماهو هدفه اذن ؟ تفجير البيت الابيض ؟
قهقه دوبيا وغير نبرات صوته وشرع يتحدث بصوت ناعم لتلميذ ابتدائية :
- انه يريد اصابتي برصاصة في مؤخرتي ، لذلك تروني احمي مؤخرتي بالحائط ، واخفيها عنكم جميعا ، فلربما يكون القناص يرتدي وجه احدكم !
انفجرت سارة باكية وهي تسأل
- ماذا ؟ يريد فقط اصابتك في مؤخرتك ؟ ولماذا لا يقتلك ؟
- لقد قال لي الرب ان صدام حسين ماكر لذلك امرالقناص ان لا يقتلني بل ان يصيبني في مؤخرتي ليجعل مني موضع سخرية العالم ، لان اصابة المؤخرة لن تسمح لي بالجلوس ابدا ، فسوف احكم امريكا وانا واقف ، واحضر جلسات الكونغرس وانا واقف واتناول طعامي وانا واقف ، واضاجع سارة وانا واقف ، سارة : هل تعجبك فكرة مضاجعتك وانا واقف ؟ واصلي للرب وانا واقف ! والاسوأ ، في دراما الوقوف هذه ،هو انني ساضطر لقضاء حاجتي وانا واقف ! كيف سافعل ذلك ؟ اخبروني بحق الرب كيف ؟ صدام يريد ان ينتقم مني بالسخرية مني ، ولذلك لم يأمر بقتلي بل امر باصابة مؤخرتي فارسل لي اعظم قناص لديه قتل حتى الان اكثر من ستين امريكيا في العراق . والان هل عرفتم لم الصق مؤخرتي بالحائط ؟
تقابلت عشرون عين بفوضى دهشة ماحقة زرعتها قصة دوبيا ، رددت كوندي بسرها : لقد جن الرجل ! اما ابن الكلبة فقد قال بسره ايضا ؛ ياللكارثة رئيس الولايات المتحدة اصابه الخبال ! كان الجميع مصعوقين مما سمعوه ، فاطبق صمت الموتى على المكان . عاد دوبيا يتحدث بصوت رقيق لصبي لم يبلغ بعد :
- والان يجب استنفار كل وكلاء السي أي أي والاف بي أي ، واجلبوا قبل ذلك المحقق الذي لا اتذكر اسمه ولعب دور البطل في مسلسل (ايكس فايل) ليحقق في امر غيبي له صلة بربنا في العلى .
كانت سارة مازالت مستسلمة لنشيج حاد، والدمع يهطل من عينيها بلا انقطاع ، وهي صريعة فكرة جامحة : ماذا سيجري لنا وقد جن دوبيا ؟ اما كوندي فقد تهدلت ملامح وجهها وشعرت بان اطرافها تتحرك بدون امر منها ! وهيمنت عليها فكرة واحدة : لا فائدة من الكلام ! وعلى النقيض منهما كان ابن الكلبة مدير السي أي أي يريد ان ينبح ، فعوى :
- انا ارى ان نطلب حضور طبيب الرئيس .
- اخرس ياابن الكلبة ، هل تريد ان تفضحنا ؟ انا لست مريضا بل انا انقل رسالة من الرب .
قاطعه دوبيا بحدة وقد استعمرت وجهه تعابير عدوانية لا حدود لها .ردد ابن الكلبة بارتباك :
- سيدي لم اقصد انك مريض اردت فقط القول انك متعب وتحتاج للراحة والطبيب يستطيع تحديد كيفية تحقيق ذلك ، ربما باعطائك مهدئا .
- ها ...انت تريدني ان اعود لتعاطي المخدرات يا ابن الكلبة ؟ هل عرفت الان لم اصر على مناداتك بابن الكلبة ؟
تدخلت كوندي وقالت مقلدة فيصل القاسم وهو يهدأ ديوكه المتناحرة :
- يا جماعة بهدوء ... بهدوء علينا ان نهدأ ونستمع لما يقوله الرئيس ، دعوه يخبرنا بالمزيد مما سمعه من الرب .
ابتسم دوبيا بفرح مفاجئ وقال بسرعة :
- نعم انت الوحيدة التي تفهمينني يا كوندي ، اما هذه الغبية سارة فانها لا تعرف سوى الحملقة الغبية في كلبتنا ، لا ادري لم تزوجتها ؟! هل تتزوجينني يا كوندي ؟
كانت سارة تصغي بذهول لما يقوله دوبيا عنها ، فانتقلت من النشيج الصامت الى البكاء بصوت عال وهي تتسائل بصمت : هل ارد عليه ام اتحمل نوبة الجنون التي اصابته ؟ وكان وجه كوندي قد امتقع فازداد ازرقاقا وقالت :
- سيدي الرئيس حدثنا عما قاله الرب لك ولم تخبرنا به .
قطب دوبيا جبينه وزالت ملامح الغبطة الطارئة من وجهه وصرخ :
- ايتها العاهرة الزرقاء اللون ، هل تريدين السخرية مني قبل ان يهشم القناص مؤخرتي ؟ اخرجوا جميعا ، اخرجي ايتها الزرقاء اللون !
3
خرج الجميع وبقيت سارة وحدها مع دوبيا ، وكانت كوندي تخاطب ابن الكلبة وهما يخرجان من البيت الابيض قائلة :
- ليبقى الامر سرا بيننا الى ان نجد حلا ، اليس كذلك ؟
4
حينما كانت كوندي تقود سيارتها ابلغت سكرتيرها هاتفيا ان يخبر مجلس الامن القومي بان اجتماعا طارئا يجب ان يعقد في مكتبها بعد ربع ساعة . في بيتها غسلت وجهها وتطلعت في المراّة وكلمات دوبيا ( وجهك ازرق ) ترن في اذنيها . وتساءلت بحزن ممض :
- هل حقا ان لون وجهي ازرق ؟
5
في اجتماع مجلس الامن القومي اوجزت كوندي أعضاءه ، بحضور نائب الرئيس ، بما حصل للرئيس ، فران صمت طويل والدهشة تتسلق وجوه الحضور ، قطع ديك الصمت قائلا :
- لكي لا تحدث أزمة قومية ونحن في حالة حرب في العراق ارى ان نقنع الرئيس بان كافة الاجراءات قد اتخذت للقبض على قناص بغداد في البيت الابيض ، وعلينا ان نعثر على اول امريكي من اصل عربي ونعتقله ونرسله الى معسكر الاعتقال الامريكي في بولونيا، لانتزاع الاعترافات منه بانه جاء من العراق لضرب الرئيس في مؤخرته باسرع وقت ممكن .
غضبت كوندي وقالت مزمجرة :
- هذا لا يكفي لان الرب سيزور الرئيس مجددا ليخبره بان القناص يمكن ان يستنسخ نفسه وينتشر بالاف النسخ في كل مكان يمكن ان يذهب الرئيس اليه ، خصوصا وان الرئيس مولع بالكلونة ( الاستنساخ البشري ) .
كان ابن الكلبة صامتا يتأمل دراما زيارة الرب بسخرية مريرة ، لكنه لا يجرأ على نفي القصة خوفا من طرده ! لكنه ما ان سمع كوندي تتحدث بهذه الطريقة حتى قال بهدوء مصطنع :
-
صلاح المختار
قصة قصيرة
الاهداء : .
مصارحة : اعترف بانني لم اكتب هذه القصة بل أملاها علي (رب بوش) الذي زارني في ليلة سهر طويل ، كنت فيها في منطقة الشفق ، أي بين اليقظة والمنام ، فبدا لي محاربا مصابا بداء القتل وشرب الدماء البشرية ، بسيفه الذي يقطر دما وعيناه المبعوجتان وذيله الطويل المنتهي برأس رمح ، وامرني ان ادون ما يريد فكانت هذه القصة ، لذلك فالفضل كل الفضل في هذه القصة هو لرب بوش .
1
وهو ممسوس نهض (دوبيا )* من فراشه الوثير وجسمه يختض فرقا ، كنخلة ضربها اعصار كاترينا ، ورفع سماعة الهاتف وقال :
- اريد ان اكلم كوندي فورا !
فرك موظف السكرتارية الخفر في المكتب البيضاوي عينيه ، وهو يقاوم موجة نعاس تفترسه باسنان وحش لا يرحم وقال :
- ولكن يا سيدي الرئيس الساعة الان الخامسة فجرا !
أدار دوبيا الوسنان والفرقان عينيه في انحاء الغرفة ، وجسمه يترنح من فرط اهتزازاته اللاارادية ، وكرر بنرفزة منفلتة :
- قلت لك اطلب كوندي لا تناقش .
أجاب موظف السكرتارية باستسلام ، زرعته في لسانه رغبته الجامحة في العودة للنوم :
- طيب .
كانت كوندي تغط في نوم عميق مستسلمة ، بتلذذ عنيف لحلم يتكرر يوميا منذ شهر ، تأتيها فيه موزة صومالية ضخمة ، بقشرتها الصفراء الزاهية ، وتبتسم لها بخبث داعر ، ثم تندس تحت بطانيتها التي تفح دفئا في ليل واشنطن القاسية البرد ، وتبدأ بدغدغة قدمي كوندي متنقلة ببطء في حركات مدروسة ، فتصعد بتؤدة الى الاعلى ، حتى تصل وجهها ، وعند ذاك تتسمر امام عينيها الغائرتين محملقة فيهما كمن يريد ان يقفز الى مجاهلهما الداكنة :
- هل تريدين التهامي ؟
كان وجه الموزة يبتسم بتحد ، وهو يتراقص لصق عيني كوندي ، تابعت الموزة قائلة وهي مستمرة في تحدي كوندي :
- انا اعرف انك تشتهينني حد الموت الان ، ولكنك لن تستطيعي التهامي ابدأ .
كانت كوندي ، كلما زارها الحلم الغريب ، تفتح فهمها الواسع كفم جرية ** تتلبط بيأس عند اصطيادها ، تحاول قضم الموزة التي تهرب منها متزحلقة من بين يديها كالجرية عند انزلاقها من يد صياد غشيم ، ثم تبدأ بالتقافز امام ناظريها وهي تضحك بصوت عال ساخر ، وكوندي تقاتل محاولة امساك الموزة المتقافزة ،وهي تحس بشهوة قاتلة تزلزل معدتها على نحو لم تشعر بمثله طيلة حياتها ! وحينما تحصرالموزة في زاوية الغرفة الكئيبة وتمد كوندي يديها للامساك بها ، وفرح كاذب يعصف بكيانها ، تنفجر الموزة فجأء وتتناثر كقنبلة مزروعة في شارع حيفا ببغداد بانتظار مدرعة همفي امريكية ! تغطي شظايا الموزة المتناثرة وجهها المغموس بلون ازرق خفيف ، فيصبح لوحة زيتية رسمها عشوائيا ذيل حمار ، كان ، هو الاخر، يحلم ولكن بحزمة برسيم طرية ! كانت كوندي تنهض مذعورة عقب الانتهاء من حلمها المفزع الذي يذكرها بزيارتها المخيفة لبغداد ! في اللحظة التي نهضت مفزوعة رن جرس الهاتف في غرفتها التي مازال الظلام الداكن يخيم عليها . نهضت وذعر اضافي يحط على وجهها لغرابة وقت المكالمة ، جاءها صوت متهدج يقول :
- سيدتي الرئيس يريد التحدث اليك .
دمدمت كوندي بصوت عال :
- ماذا يريد الرئيس في هذه اللحظة من الفجر ؟ لابد ان حدثا خطيرا قد وقع !
جاء صوت دوبيا كلمات متراقصة على ايقاع طبل مثقوب تتدفق منه اصوات مرتبكة :
- كوندي ... كوندي ، يجب ان تأتي فورا ! لا تبدلي ملابسك تعالي فورا ، وابلغي السافل ابن الكلبة ***ان يأتي معك !
ردت باستسلام وهي تعتصر ذهنها لمعرفة ما حدث ، هل هوجمت امريكا مرة اخرى ؟ وماذا استخدم المهاجمون هذه المرة ؟ واين وقع الهجوم ووووو!
- سيدي الرئيس أي ابن كلبة فيهم ؟
جاء صوت دوبيا وهو مازال يتراقص على انغام طبل مثقوب :
- الا تعرفينه ؟ انه مدير السي . اي. أي ابن الكلبة ، جديه واجلبيه معك .
2
نهضت كوندي راكضة وقدماها المرتعشتان ، من الحدث الذي اجبر الرئيس على طلبها عند الفجر ، تتصادمان ولا تستطيعان حملها . تساءلت بغضب وهي ترتدي معطفها وتخرج :
- اين اجد ابن الكلبة الان وهو يذوب في اماكن داعرة بعد منتصف الليل ؟!
زعقت بوجه حارسها وهي تتثائب متوفزة الاعصاب :
- اطلب مدير السي أي أي وقل له ان يوافيني في مكتب الرئيس فورا .
وقبل ان تسمع رد حارسها ، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ، اخذ القلق يسربل وجهه لمنظر كوندي المرعوبة بشعرها الخشن الذي قاوم كل محاولات تنعيمه وتصفيفه ، فبدا ابرا طويلة ! خرجت كوندي من الباب وقفزت بحركة لا ارادية الى داخل سيارتها التي طارت بسرعة جنونية في شوارع مقفرة .
كان دوبيا يرتدي بيجامة زرقاء منقطة بلون احمر فاقع ، وكان ما أثار دهشتها هو رؤيته وقد الصق ظهره الى الحائط وعيناه زائغتان وهما تدوران في محجريهما بحركات لا ارادية ، وبسرعة تنبئ عن قلق عميق يجتاح دوبيا ! وكانت سارة زوجته تحادثه بكلمات متناثرة لا تربط بينها سوى رغبة جامحة في تهدئته، فيما كانت الدموع تترقرق من عينيها المحاطتين بدوائر سود . وحينما رات كوندي تدخل بمعطفها الواسع ، والذي جعلها تبدو كقزم دس جسده في كرسي كبير جدا فضاع فيه . صرخت بارتياع :
- شكرا لله انك اتيت بسرعة .
صرخت كوندي بصوت تردد صداه مكتوما في الغرفة الوسيعة :
- ماذا حصل ؟!
قبل ان تجيب سارة ارتسمت على وجه دوبيا ، المرتعش الملامح ، ابتسامة غبية مرتبكة ذكرت كوندي فورا بابتسامة النجم المشهور جاك نيكلسون ، الذي كان يمثل دور شخص مجنون في مصح عقلي ! ردد دوبيا بكلمات مرتعشة :
- هلو كوندي ... انا بخير ، وكل شيئ تحت السيطرة ، كل شيئ تمام .
لم يتحرك من مكانه وبقي ظهره ملتصقا بالحائط وموجة خوف صاعق تترقص على وجهه ، تمتمت سارة :
- كوندي لقد استيقظ دوبيا فجأة وهو يصرخ : مؤخرتي ... مؤخرتي ، وقفز من السرير بسرعة والتصق بالحائط كما ترينه ، وهو كذلك منذ نصف ساعة يرفض الاستدارة وترك الحائط ،كما يرفض ان يقول أي شيئ اخر سوى انه طلبك انت ! لقد اردت اقناعه بشرب كاس ماء لكنه رفض واصر على ان لا يقترب منه احد بما في ذلك انا !
تصنع دوبيا السرور ، وقال وهو يلوح بيده اليمنى ، وفوق وجهه المرتاع تسيل ابتسامة مشحونة بقلق دبق ينداح حوله :
- هلو كوندي ... انا بخير وكل شيئ تحت السيطرة ، كل شيئ تمام .
كانت كوندي تزداد ارتباكا وقلقا وهي ترى وجه دوبيا الذي بدى وجه مجنون هرب من مصح عقلي لتوه وامسك بيديه بعمود كهرباء لمنع الحراس من اعادته اليه ,واخذ يهدد بالانتحار ان هم اجبروه على ذلك !قالت بصوت خفيض مرتعش :
- ماذا جرى ؟
ردد دوبيا كلمات ميتة بصوت اتى كأنه صوت روبوت تعلم الحديث لتوه ، فيما كانت عيناه مازالتا تدوران في محجريهما بهوس مرضي :
- كل شيئ تحت السيطرة كوندي لا تقلقي ، فقط انا اتخذ اجراءات احتياطية .
توقفت عيناه عن الدوران وسمرهما على وجه كوندي وهو يصرخ :
- اين ابن الكلبة هذا لم لم يأتي ؟
ردت كوندي وهي تقترب منه بحذر :
- انه في طريقه الى هنا ، قل لي سيدي ماذا جرى ؟
مرة اخرى عادت عيناه الى التراقص الفوضوي في محجريهما وابتسامة بلهاء تطفر منهما :
- كلا ... كلا ، كوندي اريد ان اكلم ابن الكلبة بالذات لانه هو المسؤول عما حدث .
حل قلق مصطنع صامت فوق رؤوس الثلاثة ، كوندي وسارة ودوبيا ، الذي كان يقضم اظافره بنرفزة شديدة . وكان الحراس يتوزعون في الغرفة واياديهم تستقر على مسدساتهم في حالة تاهب لمقاتلة عدو لم يعرفونه بعد ! دخل ابن الكلبة لاهثا ولسانه يتدلى طويلا جدا من فمه الواسع واطلق صرخة مدوية اربكت الحراس :
- ماذا جرى ؟
ردد دوبيا بهدوء مصطنع وكلمات متقطعة :
- الم اطلب منك حسم موضوع قناص بغداد ؟ لقد اخبرتني انني يجب ان احسبه في عداد الموتى ، واليوم ابلغت بانه دخل البيت الابيض واندس بين موظفيه ! بل انه حصل على باج الدخول المفتوح من مكتب الحرس الرئاسي ! وهذا يعني انه يستطيع دخول أي مكان هنا ! ماذا تفعل بحق الجحيم يا ابن الكلبة ؟
كان وجه ابن الكلبة ممتقعا وهو يرى الرئيس وقد لصق مؤخرته بالحائط ويرفض كشفها ، وكان اكثر ما اقلقه هو كلمات دوبيا ، التي كانت تتدفق من فمه ، كمياه آسنة فاضت ، بعد امتلاء الخزان ! لقد فقد دوبيا السيطرة على لسانه من فرط قلقه ! تسائل ابن الكلبة :
- سيدي الرئيس ماذا يجري بحق الحجيم ؟ من اخبرك بان القناص دخل البيت الابيض ؟! وكيف دخل ونحن نفتش حتى نسمات الهواء ؟قل لي بربك من اخبرك ؟
توقفت ملامح دوبيا عن الاتعاش اللارادي ، وافترشت وجهه رسائل خبال دافق وقال بهدوء مصطنع مؤشرا بعينيه الى السقف :
- انه هو !
نظر الجميع الى السقف ليروا من هو ، ولم يكن فيه سوى الثريا الفخمة ، سألت كوندي بقلق ممزوج بفضول اخذ يزداد حدة وغموضا :
- سيدي الرئيس من هو الذي اخبرك ؟
ردد دوبيا وهو تائه في دوامة فقدان بوصلة الادراك :
- الا تعلمون من هو ؟ ومن غيره ؟
بفضول مدمر نبح ابن الكلبة :
- سيدي باسم الرب قل لنا من هو ؟
انفجرت بغته ضحكة عالية النبرات من فم دوبيا ، وتناثرت قطعا صغيرة في ارجاء الغرفة ثم عاد السكون الصاخب يحل فوق وجوه الحضور، وصرخ دوبيا :
- لقد ذكرت اسمه !
- من هو سيدي ؟
نبح ابن الكلبة متسائلا بصوت حاول ان يجعله خفيضا . تغيرت ملامح دوبيا واصبح واعضا وتقمص شخصية الواعظ الديني بات روبرتسن وقال :
- هل نسيت ان الرب يزورني بانتظام ؟ حسنا ، لقد زارني الرب مجددا هذا اليوم وحذرني بشدة من ان القناص انتقل من بغداد الى البيت الابيض .
صعقت الوجوه الحائرة من غرابة ما يجري ، وغرقت كلماتهم في افواههم ، وحل صمت يصرخ باسئلة مكتومة عن صحة الرئيس العقلية ! دمدم ابن الكلبة في دخيلته : لقد جن الرئيس! كانت عيون الوجوه الثلاثة تتبادل النظرات الحائرة ، وعلى شفافها المتيبسة يلتصق سؤال واحد : هل اصاب الرئيس مس من جنون ام انه جن فعلا ؟ تطوعت سارة بالكلام وكانت الدموع تترقرق من عينيها :
- ماذا تقول يا دوبيا ؟ الرب كلمك ثانية ؟ وكيف تصدق ان قناص بغداد قد دخل بيتنا ولدينا كل هؤلاء الحراس ؟
رمى دوبيا ببصره بتوتر مازال يجتاح وجهه وقال :
- كم جنديا لدينا في العراق ؟ اليس لدينا اكثر من 150 الف جندي ؟ طيب كيف فشل كل هؤلاء في القبض عليه ؟ هل حراسنا هنا افضل من جنودنا في العراق ؟ لقد حذرني الرب اليوم من ان القناص سيأتيني وهو يرتدي وجه اقرب الناس الي ! وقد يرتدي وجهك يا سارة ، او وجهك انت يا كوندي ، او وجهك انت يا ابن الكلبة !
ارادت كوندي ان ترطب الاجواء المتوترة فقالت :
- سيدي الرئيس دعنا نجلس لنتحدث بهدوء في الامر .
رد دوبيا بهستيريا وهو يزيد لصق مؤخرته بالحائط :
- كلا ... كلا ، لن اجلس ابدا الا بعد القبض على القناص ! هل حقا انت كوندي ؟ ام ان القناص ارتدى وجهك ؟ كلا ... لن ادعه يحقق ما امره به سيده ان يفعل بي .
ردت كوندي بحزن ودون ياس :
- سيدي الرئيس انا كوندي ولا ارتدي وجها غير وجهي !طيب لنبقى هكذا واقفين ، ولكن قل ماذا يريد القناص ؟
فجر دوبيا مرة اخرى ضحكة عالية تفصح عن خوفه المكنون وقال :
- الا تعلمين ؟
- كلا سيدي ، وكيف لي ان اعلم وانت لم تخبرنا بعد ؟
تلاشت تعابير القلق من وجه دوبيا وحل محلها تعبير واحد ، وهو تفكيره الجاد في سؤال كوندي، وكان راسه منكسا يحملق في الارض، وسذاجة فطرية تتدفق من عينيه اللتين تجمدتا حول سؤال كوندي ، فجأة رفع راسه وخرج من صومعة (تأمله الفلسفي) وعاد الى ابتسامته البلهاء المتراقصة على وجهه وقال :
- هذا صحيح انا لم اخبرك . طيب ليبقى سرا بيننا ، هل تسمعني يا ابن الكلبة ؟ ليبقى (توب سيكرت) بيننا .
كان وجه ابن الكلبة يزداد شحوبا وهو يتلوى تحت وطأة تعابير متناقضة اجتاحت وجهه ، فثمة تعابير الغضب من اصرار دوبيا على مخاطبته بابن الكلبة ، وتزاحم مشاعرالغضب احاسيس غريبة بان الرئيس قد دخل عالم الجنون مما سيحدث ازمة خطيرة في امريكا خصوصا وان نائبه ديك سيحال لمحاكمة قريبا بتهمة الفساد ! صرخ ابن الكلبة في الحراس :
- اخرجوا ودعونا وحدنا مع الرئيس .
ارتفع نعيق شق طبلات أذان التائهين في الغرفة من فم دوبيا وهو يصرخ :
- كلا ، لا تخرجوا ، اذن انت القناص يا ابن الكلبة ؟ تريد الانفراد بي وقنصي ؟!
اسقط بيد ابن الكلبة ، ورمى جسده المتهالك على اقرب أريكة وهو يردد
- اللعنة ماذا يجري بحق الرب !
تدخلت كوندي وراسها يوشك على الانفجار واقتربت من دوبيا وقالت :
- سيدي الرئيس ، قل لنا ما لديك كي نتخذ كافة الاحتياطات الامنية التي تريد .
ردد دوبيا ومؤخرته مازالت تقبل الحائط بوله وعشق غريبين ، كأن صمغا مجنونا دمجها بالحائط وصارت جزء من طابوقه :
- اوكي ... اوكي ، اسمعوا جيدا فما ساقوله (توب سيكرت) ، (توب سيكرت) هيه !؟ ويجب ان لا تعلم الصحافة واي شخص غيركم به اليس كذلك ؟
هز الثلاثة رؤوسهم موافقين ببلاهة ، تابع دوبيا خطبته وقد تقمص مرة اخرى شخصية بات روبرتسون وحرك عينيه يمنة ويسرة وقال بصوت خفيض:
- طيب ، لقد زارني الرب هذا المساء وكرعنا الخمر سوية ، لكنني اقسم اننا لم نتعاطى الماريوانا ، فقط كرعنا بضعة كؤوس خمر ، وحينما سكر الرب خدعته وجعلته يخبرني بما يعلمه عن مستقبلي ، فحذرني من ان صدام حسين قد ارسل قناص بغداد الى هنا ، ونجح في دخول البيت الابيض .
صمت دوبيا ، وتدافعت انفاسه ، وعادت عيناه تتزاحمان مع الجنون وهما معلقتان في السقف . لم تتحمل سارة لحظات الانتظار فصرخت بصوت حاد هز اجساد الحضور :
- تكلم يا دوبيا لقد حطمت اعصابي ! هل اخبرك الرب متى سيغتالك القناص ؟
ابتسم دوبيا ومسحة خجل غريب تتكدس فوق وجهه ورد ببرود مباغت :
- ومن قال انه يريد اغتيالي ؟ انه يريد الاسوأ !
- وماهو الاسوأ من الاغتيال ؟
سألت كوندي ودهشة عارمة تضرب خريطة وجهها المرسومة بفرشاة اطفال عابثين , وتابعت متوسلة :
- ماهو هدفه اذن ؟ تفجير البيت الابيض ؟
قهقه دوبيا وغير نبرات صوته وشرع يتحدث بصوت ناعم لتلميذ ابتدائية :
- انه يريد اصابتي برصاصة في مؤخرتي ، لذلك تروني احمي مؤخرتي بالحائط ، واخفيها عنكم جميعا ، فلربما يكون القناص يرتدي وجه احدكم !
انفجرت سارة باكية وهي تسأل
- ماذا ؟ يريد فقط اصابتك في مؤخرتك ؟ ولماذا لا يقتلك ؟
- لقد قال لي الرب ان صدام حسين ماكر لذلك امرالقناص ان لا يقتلني بل ان يصيبني في مؤخرتي ليجعل مني موضع سخرية العالم ، لان اصابة المؤخرة لن تسمح لي بالجلوس ابدا ، فسوف احكم امريكا وانا واقف ، واحضر جلسات الكونغرس وانا واقف واتناول طعامي وانا واقف ، واضاجع سارة وانا واقف ، سارة : هل تعجبك فكرة مضاجعتك وانا واقف ؟ واصلي للرب وانا واقف ! والاسوأ ، في دراما الوقوف هذه ،هو انني ساضطر لقضاء حاجتي وانا واقف ! كيف سافعل ذلك ؟ اخبروني بحق الرب كيف ؟ صدام يريد ان ينتقم مني بالسخرية مني ، ولذلك لم يأمر بقتلي بل امر باصابة مؤخرتي فارسل لي اعظم قناص لديه قتل حتى الان اكثر من ستين امريكيا في العراق . والان هل عرفتم لم الصق مؤخرتي بالحائط ؟
تقابلت عشرون عين بفوضى دهشة ماحقة زرعتها قصة دوبيا ، رددت كوندي بسرها : لقد جن الرجل ! اما ابن الكلبة فقد قال بسره ايضا ؛ ياللكارثة رئيس الولايات المتحدة اصابه الخبال ! كان الجميع مصعوقين مما سمعوه ، فاطبق صمت الموتى على المكان . عاد دوبيا يتحدث بصوت رقيق لصبي لم يبلغ بعد :
- والان يجب استنفار كل وكلاء السي أي أي والاف بي أي ، واجلبوا قبل ذلك المحقق الذي لا اتذكر اسمه ولعب دور البطل في مسلسل (ايكس فايل) ليحقق في امر غيبي له صلة بربنا في العلى .
كانت سارة مازالت مستسلمة لنشيج حاد، والدمع يهطل من عينيها بلا انقطاع ، وهي صريعة فكرة جامحة : ماذا سيجري لنا وقد جن دوبيا ؟ اما كوندي فقد تهدلت ملامح وجهها وشعرت بان اطرافها تتحرك بدون امر منها ! وهيمنت عليها فكرة واحدة : لا فائدة من الكلام ! وعلى النقيض منهما كان ابن الكلبة مدير السي أي أي يريد ان ينبح ، فعوى :
- انا ارى ان نطلب حضور طبيب الرئيس .
- اخرس ياابن الكلبة ، هل تريد ان تفضحنا ؟ انا لست مريضا بل انا انقل رسالة من الرب .
قاطعه دوبيا بحدة وقد استعمرت وجهه تعابير عدوانية لا حدود لها .ردد ابن الكلبة بارتباك :
- سيدي لم اقصد انك مريض اردت فقط القول انك متعب وتحتاج للراحة والطبيب يستطيع تحديد كيفية تحقيق ذلك ، ربما باعطائك مهدئا .
- ها ...انت تريدني ان اعود لتعاطي المخدرات يا ابن الكلبة ؟ هل عرفت الان لم اصر على مناداتك بابن الكلبة ؟
تدخلت كوندي وقالت مقلدة فيصل القاسم وهو يهدأ ديوكه المتناحرة :
- يا جماعة بهدوء ... بهدوء علينا ان نهدأ ونستمع لما يقوله الرئيس ، دعوه يخبرنا بالمزيد مما سمعه من الرب .
ابتسم دوبيا بفرح مفاجئ وقال بسرعة :
- نعم انت الوحيدة التي تفهمينني يا كوندي ، اما هذه الغبية سارة فانها لا تعرف سوى الحملقة الغبية في كلبتنا ، لا ادري لم تزوجتها ؟! هل تتزوجينني يا كوندي ؟
كانت سارة تصغي بذهول لما يقوله دوبيا عنها ، فانتقلت من النشيج الصامت الى البكاء بصوت عال وهي تتسائل بصمت : هل ارد عليه ام اتحمل نوبة الجنون التي اصابته ؟ وكان وجه كوندي قد امتقع فازداد ازرقاقا وقالت :
- سيدي الرئيس حدثنا عما قاله الرب لك ولم تخبرنا به .
قطب دوبيا جبينه وزالت ملامح الغبطة الطارئة من وجهه وصرخ :
- ايتها العاهرة الزرقاء اللون ، هل تريدين السخرية مني قبل ان يهشم القناص مؤخرتي ؟ اخرجوا جميعا ، اخرجي ايتها الزرقاء اللون !
3
خرج الجميع وبقيت سارة وحدها مع دوبيا ، وكانت كوندي تخاطب ابن الكلبة وهما يخرجان من البيت الابيض قائلة :
- ليبقى الامر سرا بيننا الى ان نجد حلا ، اليس كذلك ؟
4
حينما كانت كوندي تقود سيارتها ابلغت سكرتيرها هاتفيا ان يخبر مجلس الامن القومي بان اجتماعا طارئا يجب ان يعقد في مكتبها بعد ربع ساعة . في بيتها غسلت وجهها وتطلعت في المراّة وكلمات دوبيا ( وجهك ازرق ) ترن في اذنيها . وتساءلت بحزن ممض :
- هل حقا ان لون وجهي ازرق ؟
5
في اجتماع مجلس الامن القومي اوجزت كوندي أعضاءه ، بحضور نائب الرئيس ، بما حصل للرئيس ، فران صمت طويل والدهشة تتسلق وجوه الحضور ، قطع ديك الصمت قائلا :
- لكي لا تحدث أزمة قومية ونحن في حالة حرب في العراق ارى ان نقنع الرئيس بان كافة الاجراءات قد اتخذت للقبض على قناص بغداد في البيت الابيض ، وعلينا ان نعثر على اول امريكي من اصل عربي ونعتقله ونرسله الى معسكر الاعتقال الامريكي في بولونيا، لانتزاع الاعترافات منه بانه جاء من العراق لضرب الرئيس في مؤخرته باسرع وقت ممكن .
غضبت كوندي وقالت مزمجرة :
- هذا لا يكفي لان الرب سيزور الرئيس مجددا ليخبره بان القناص يمكن ان يستنسخ نفسه وينتشر بالاف النسخ في كل مكان يمكن ان يذهب الرئيس اليه ، خصوصا وان الرئيس مولع بالكلونة ( الاستنساخ البشري ) .
كان ابن الكلبة صامتا يتأمل دراما زيارة الرب بسخرية مريرة ، لكنه لا يجرأ على نفي القصة خوفا من طرده ! لكنه ما ان سمع كوندي تتحدث بهذه الطريقة حتى قال بهدوء مصطنع :
-