المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإعداد أنواعه ـ حكمه ـ أهميته



lkhtabi
18-01-2006, 04:00 PM
الإعداد
أنواعه ـ حكمه ـ أهميته



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.
الإعداد: هو رفع جاهزية الفرد أو الجماعة إلى مستوى المهام الشرعية المطلوبة، الخاصة منها والعامة، ويشمل ذلك الجانب المادي والمعنوي معاً.
الإعداد المعنوي: يُعنى ببناء الفرد أو الجماعة بناءً إيمانياً، وفقهياً، وفكرياً .. يرقى بالفرد أو الجماعة إلى مستوى هذا الدين .. ومستوى أخلاقه ومهامه .. ومستوى التحديات والشبهات التي تحاك وتثار ضد الإسلام والمسلمين.
الإعداد المعنوي الذي يُعين السائرين في الطريق على تحمل تبعات المسير .. و مشاق الطريق .. مهما امتد بهم الطريق، وطال المسير ..!
كثير من الناس ممن يستهينون بهذا الجانب الهام من الإعداد .. تراهم يتساقطون في أول الطريق أو منتصفه .. ويتهاوون في أصغر حُفرة تُنصب لهم ..!
ولأدنى فتنة أو بلاء يُصيبهم .. تراهم يرفعون رايات الاستسلام والخنوع .. والركون إلى الظالمين المجرمين .. ليقدموا لهم أسمى آيات الطاعة والولاء!
طريق الإسلام لا يعرف فترة زمنية محددة من البذل والعطاء .. ثم بعدها يلجأ الإنسان إلى الراحة والاسترخاء .. مواسياً نفسه بأنه قد قام بالواجب والمطلوب .. وعلى الآخرين أن يُكملوا عنه المسير والطريق .. كما يحلو ذلك للبعض .. لا .. طريق الإسلام ليس شيئاً من ذلك .. وإنما هو بذل وعطاء، وجهاد .. من المهد إلى اللحد!
المسلم لا يعرف الراحة الحقيقية إلا في جنان الخلد .. هذا المُستفاد من البيع والشراء الذي تكلم عنه ربنا ?:? إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ?التوبة:111. البيع قد تم .. والشراء قد تم .. والعقد قد مضى .. لا رجوع فيه ولا انتكاس .. والله قد وفَّى وأجزل الوفاء .. ولا بد للعبد من الوفاء!
إذا عرفنا ذلك عرفنا المراد من قول النبي ?:" إنما الناسُ كإبلٍ مائة لا تكاد تجدُ فيها راحلةً " متفق عليه. أي راحلة تتحمل مشاق السفر .. ووعثاءه .. وتبعاته .. وإلى نهاية الطريق!
أما الإعداد المادي:

فهو يمتد ليشمل ويستحوذ على جميع أسباب القوة المادية ابتداءً ببناء الإنسان لجسمه بناءً رياضياً صحيحاً يقدر من خلاله على التكيف والاستجابة مع جميع الأجواء والمراحل التي قد يمر بها، ويتعرض لها وهو في طريقه وجهاده من أجل إعلاء كلمة الله تعالى في الأرض .. لينتهي به عند الامتلاك والتعرف ـ قدر المستطاع ـ على آخر ما توصل إليه الإنسان من صناعات في مجال العتاد والسلاح ..!
أما حكم الإعداد بنوعيه الآنفي الذكر: فهو واجب لسببين:
أولاً: لدلالة النصوص الشرعية التي تفيد الوجوب، كما في قوله تعالى:

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }الأنفال:60. فقوله تعالى:? وأعدُّوا ? أمر يُفيد الوجوب.
وفي الحديث عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ? وهو على المنبر يقول:? وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ?؛ ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، إلا إن القوة الرمي "مسلم.
وقال ?:" مَن علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى "مسلم. وهذا وعيد يفيد الوجوب ..!
ومما يدخل في الرمي المراد من الحديث: الرمي على المسدس .. إلى البندقية .. إلى المدفع .. إلى الدبابة .. إلى الرمي على الصواريخ .. فكل فنون الرماية هذه تدخل في المراد من كلمة " الرمي " الواردة في الحديث .. والتي يجب على المسلم أن يأتي منها ما يستطيع ويقدر عليه!
وكذلك قوله ?:" المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير، واحرص على ما ينفعك "مسلم. والقوة هنا يُراد منها جانبي القوة والإعداد: المادي منها والمعنوي.
ثانياً: ومما يدل على وجوب الإعداد كذلك أنه واجب لغيره .. فلا يمضي الجهاد إلا به .. ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فمن أراد الجهاد لزمه الإعداد ولا بد .. ومن لم يعد للجهاد عدته .. فهو كمن ينشد الشيء ولا يسعى إليه من أسبابه ووسائله التي تؤدي إليه .. وهو كذلك يحكم على نفسه بالكذب والخداع، وأنه لا يريد الجهاد ولا أن يجاهد .. وإن زعم بلسانه ألف مرة أنه يريد الجهاد .. ويحب الجهاد والمجاهدين!
كما في قوله تعالى:

{ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } التوبة:46.
كحال الأنظمة العربية الخائنة العميلة التي تتظاهر بالعجز والضعف أمام طغيان وظلم واعتداءات دويلة بني صهيون في فلسطين .. وأنهم لا يقدرون على المواجهة والتحرير .. وإغاثة الملهوفين المستضعفين من أبناء فلسطين!
نقول لهم: كذبتم .. ثم كذبتم ألف مرة .. لو أردتم الجهاد والتحرير .. وصدقتم في ذلك لأعددتم للخروج والتحرير عدته .. ولكن لما مضى على حكمكم عشرات السنين .. وأنتم في كل عام تزدادون ضعفاً وتعاجزاً .. وتخاذلاً .. عن العام الذي قبله .. علمنا بالضرورة أنكم لا تريدون التحرير ولا الجهاد .. بل ولا تفكرون به مجرد تفكير .. وأنكم تكذبون على أنفسكم وعلى المغفلين من شعوبكم .. عندما ترفعون شعارات التحرير .. والصمود والتصدي!
فإن قيل: على من يجب الإعداد ..؟
أقول: يجب الإعداد على من يجب عليه الجهاد ..!
فإن قيل: ما حد الإعداد الذي يجب تحقيقه ..؟
أقول: حد الإعداد ينتهي عند حدود أعلى درجات الطاقة، والاستطاعة، والقدرة التي يتمتع بها الإنسان؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وكما قال تعالى:? وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ?. فكل امرئٍ مطالب بأن يعد للجهاد عدته على قدر استطاعته، وما يقدر عليه؛ فإن كان يستطيع أن يعد بمائة دينار ثم أعد بخمسين دينار فهو آثم بخمسين؛ وهو الفارق بين الخمسين والمائة .. ومن كان قادراً على أن يعد للجهاد بندقية أو رشاشاً ثم أعد مسدساً فهو آثم على قدر الفارق بين المسدس والرشاش .. ومن كان قادراً على الإعداد بماله وبدنه فأعد بماله دون بدنه فهو آثم على تفريطه الإعداد ببدنه .. وهكذا!
قال سيد قطب في الظلال 3/1543: فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد، والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها.
فهي حدود الطاقة إلى أقصاها .. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سببٍ من أسباب القوة يدخل في طاقتها ا- هـ.
وتأتي أهمية الإعداد إضافة إلى كونه سبباً لا يمضي الجهاد إلا به .. أنه الأداة التي تُرهب العدو، وتمنعه من التجاسر على الاعتداء والتعدي.
فالعدو عندما يعلم أن للمسلمين قوة تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم وحرماتهم .. وحقوقهم .. لا يتجرأ على الاعتداء .. وتراه يفكر ألف مرة .. ويحسب ألف حساب بعواقب الأمور عليه .. قبل أن يخطو أية خطوة نحو الاعتداء ..!
أما إن أدرك وتيقن أن للمسلمين ليس لهم القوة الرادعة .. التي بها يُدافعون عن أنفسهم وحرماتهم، ومقدساتهم .. ترى الجميع يتجرأون عليهم .. ويتطاولون عليهم وعلى حرماتهم .. وعلى صفعهم متى شاءوا .. ومن دون أن يحسبوا لهم أدنى حساب .. وما أكثر الشواهد على ذلك في هذا الزمان!!
ما من أمة أو دولة إلا ولها القدر الكافي من الإعداد والقوة .. والسلاح .. كسورٍ أمني تحمي به نفسها ودولتها من اعتداءات الآخرين .. إلا المسلمين .. لا يجوز أن تكون لهم دولة .. ولا سوراً أمنياً يحميهم .. بل ولا قوة يُدافعون بها عن أنفسهم، وحقوقهم، وحرماتهم ..!
ما من أمة من الأمم المعاصرة إلا وتجد بيوتها محصنة مصانة، مقفلة الأبواب أيما إقفال .. إلا أمة الإسلام يجب أن تبقى بيوتها مشرعة الأبواب .. لا أقفال لها ولا حصانة .. سهلة المنال لمن تُطاوعه نفسه على النيل منها .. أو التسوّر عليها .. أو التغوط فيها ..!!
فما هو حلال لهم .. حرام على أمة الإسلام .. وما كان حقاً لهم .. كان باطلاً وحراماً على غيرهم ..!
هذه هي عدالة الأمم الطاغية الكافرة .. وهذه هي شريعة التسابق على التسلّح في هذا الزمان .. وهذا الذي يريدونه من الإسلام والمسلمين ..!
ولكن أنّى لهم أن يتحقق مرادهم هذا .. مادام قول الله تعالى:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }الأنفال:60. يلاحق عقول وضمائر المسلمين على مدار الأوقات والساعات .. يستحثهم على النهوض والقيام .. ونفض غبار الذل والهوان .. وعلى الإعداد والاستعداد ..!
أمة الإسلام تغفو .. لكنها لا ولن تموت ..!
أمة الإسلام تكبو .. لكن سرعان ما تنهض لتستأنف المسير .. ولتباشر دورها الريادي في قيادة ورعاية الأمم والشعوب، كما قدّر الله لها أن تكون:? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ?آل عمران:110.
أمة الإسلام .. قد يتعثر عطاؤها في مرحلة من المراحل .. لكنه لا يتوقف .. وإلى الأبد .. وهاهي بشائر النصر، والخير، والعطاء .. التي تظهر هنا وهناك .. تُصدق ذلك كله .. وتبشر
بفجرٍ جديدٍ قريبٍ للأمة، ولسائر الأمم والشعوب إن شاء الله.
قال رسول الله ?:" إن الله زوى ـ أي جمع وضمَّ ـ لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها " مسلم.
وقال ?:" ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيزٍ أو بذلِّ ذليل، عزاً يعزُّ الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر ".
وهذا أمر كائن ولا بد .. ولتعلمنَّ نبأه ولو بعد حين .. والحمد لله رب العالمين.
*************
الحمد لله رب العالمين أن كان بيننا هؤلاء العلماء الصادقين
نسأل الله لشيخنا أبو بصير التوفيق والسداد
وجزاه الله عنا كل خير


يتبع

lkhtabi
18-01-2006, 04:02 PM
المركز الاسلامي الاعلامي يقجم
ا\تنظيم الجهاد المصري
في رسالة العمليات الاستشهادية
إعداد
الجزء الاول
اللجنة الشرعية بجماعة الجهاد



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، وقال تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} أما بعد:

فإن الله تعالى قد افترض الجهاد في سبيله على عباده المؤمنين فقال تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}([1]).

وقال تعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد}([2]).

وقال تعالى {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}([3])، وقال تعالى {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}([4]).

ولقد بيـَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرب خدعة بين المؤمنين وأعدائهم فقال صلى الله عليه وسلم: (الحرب خَدْعة)([5])، وهذا من أساليب حصر المبتدأ (الحرب) في الخبر (خدعة) أي إن أساس الحرب وأهم أركانها الخداع، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)([6])، أي أهم ما في الحج الوقوف بعرفة، مع أن هناك أركانا أخرى في الحج، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)([7]).

والخداع في الحرب يقتضي من المجاهد تحين الفرص من عدوه والعمل على تجنب المواجهة كيفما أمكن، فإن الظفر إنما يكون في الغالب مع المخادعة، وإن كان الظفر يحصل مع المواجهة ولكن الخطر فيها كبير، وهذه المخادعة لا بد أن تكون منضبطة بضبط الشرع، وإلا فإن كل مصلحة لا تنضبط بضبط الشارع فليست بمعتبرة، فلا يجوز ارتكاب المحرمات بذريعة المخادعة، ولذلك قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل. اهـ([8])

وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: وأصل الخداع إظهار أمر وإضمار خلافـه، وفيـه ـ أي في الحديث ـ التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار، وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه.

قال ابن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك، وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب، بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة، ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه هذا الحديث، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، قال ابن المنير: معنى الحرب خدعة: أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. اهـ([9])

وفي هذه الرسالة نبين إن شاء الله تعالى مشروعية صورة من صور المخادعة للأعداء، وهي صورة العمليات الاستشهادية والتي دار حول مشروعيتها جدل كبير، سواء من أهل الإسلام أنفسهم أو من أعدائه، وفي بياننا لمشروعية العمليات الاستشهادية نتعرض للمسائل التالية:

مقدمة في وجوب الجهاد وفضل الشهادة

المسألــة الأولى: حكم العمليـات الاستشـهاديـة من المنظور الشرعي

المسألة الثانية: جواز رمي الكفار إذا اختلط بهم من لا يجوز قتله من المسلمين وغيرهم

المسألة الثالثة: حكم أعوان الطواغيت وجنودهم
مقدمة في وجوب الجهاد وفضل الشهادة
* * * * *

يقول الله تبارك وتعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}([10]).

وعن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن للشهيد عند الله خصالا: يُغفر له من أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُحلى حلية الإيمان، ويُزوج من الحور العين، ويُجار من عذاب القبر، ويَأمن الفزع الأكبر، ويُوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويُزوج اثني وسبعين من الحور العين، ويُشفع في سبعين إنسانا من أقاربه)([11]).

ولما كان للشهادة وللشهيد هذه المنزلة العظيمة جاز طلب الشهادة وتمني الموت في سبيل الله، كما قال عبد الله بن جحش صلى الله عليه وسلم: اللهم لقني من المشركين رجلا عظيما كفره شديدا حرده فأقاتله فيقتلني فيك ويسلبني ثم يجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك قلتَ: يا عبد الله بن جحش فيم جدعت؟ قلتُ: فيك يارب([12]).

ولذلك فقد بـَوَّب البخاري في صحيحه باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء وقال عمر رضي الله عنه: اللهم ارزقني شهادة في بلد رسولك([13]).

وقد فرض الله تعالى على المؤمنين أن يقاتلوا من كفر به سبحانه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قال تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}([14]).

ومن هؤلاء الذين يجب قتالهم في هذا الزمان: الحكام الذين يحكمون الناس بغير ما أنزل الله، ويقاتلون أهل الإسلام، ويوالون أهل الكفر من اليهود والنصارى وغيرهم، وقد نقل ابن كثير الإجماع على وجوب قتال هؤلاء الحكام([15]).

وهؤلاء الحكام وأعوانهم هم من أئمة الكفر الذين قال الله تعالى فيهم {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}([16]).

وقد أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل وخرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه. اهـ([17])

ولما قام المسلمون بالجهاد في سبيل الله كانوا أعز الناس، فلما تركوه أذلهم الله جزاءً وفاقا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)([18])

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجهاد سبب الذل والهوان وجعل العز كل العز في العودة للجهاد في سبيل الله تعالى وسماه عودة إلى الدين.

وقد قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}([19]) قال: قال أبو عبيدة: عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تَغلبون وتَظفرون وتَغنمون وتُؤجرون، ومن مات مات شهيدا، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تُغلبون وتذلون ويذهب أمركم، قال القرطبي: وهذا صحيح لا غبار عليه، كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار، فاستولى العدو على البلاد وأي بلاد؟ فقتل وأسر وسبى واسترق فإنا لله وإنا إليه راجعون، ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته([20]).

وفي بيان سبب القعود عن الجهاد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث (لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها): والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد... إلى أن قال: والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا، فنبه هذا المتأخر إن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا. اهـ([21])

ما سبق يدل على فضل الشهادة ووجوب قتال أئمة الكفر وأعوانهم، وأن ترك الجهاد والتعلق بالدنيا فيه الذل وضياع الأموال والأعراض والبلاد، وأن حب الشهادة والإقدام على الجهاد فيه العز والتمكين.

ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الناس مؤمن خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع منهما بشيء، كما روى أحمد في مسنده وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الناس: رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بخير الناس منزلة بعده رجل معتزل في غنم أو غنيمة يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله لا يشرك به شيئا([22])، وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خطب الناس بتبوك: ( ما في الناس مثل رجل آخذ برأس فرسه يجاهد في سبيل الله عز وجل ويجتنب شرور الناس...) الحديث([23]).

فخير الناس منزلة من كان متأهبا للجهاد في سبيل الله تعالى يطلب الشهادة في مظانها كلما سمع هيعة الجهاد طار إليها حتى يأتيه أمر الله وهو على ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير معايش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله ويطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه إليها يبتغي الموت أو القتل في مظانه ....) الحديث([24]).

فمن بذل نفسه لله تعالى وقدمها في سبيل الله راضياً مختاراً فهو خير الناس بشهادة أصدق الخلق صلى الله عليه وسلم.
المسألة الأولى: العمليات الاستشهادية من المنظور الشرعي
* * * * *

نتناول في هذا الموجز عرضا لأهم الأدلة وكلام العلماء على جواز العمليات الاستشهادية، ونقسم هذا العرض كالآتي:

أولا: جواز إتلاف النفس لمصلحة إعزاز الدين وإظهاره.

ثانيا: إجماع العلماء على جواز تقحم المهالك في الجهاد.

ثالثا: جواز حمل الواحد على العدد الكثير من العدو في الجهاد وإن تيقن الهلكة.

رابعا: خروج من قتل نفسه لمصلحة الدين عن النهي الوارد في قتل النفس.

خامسا: خروج من عرّض نفسه للقتل في سبيل الله عن إلقاء النفس في التهلكة.

سادسا: فضل الصبر ـ لمن أيقن الأسرـ والقتال حتى الموت ورفض الاستئسار.

سابعا: فضل الصبر على القتل وعدم النطق بالكفر.

ثامنا: فضل الصبر على القتل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تاسعا: جواز قتل النفس لعدم إفشاء الأسرار تحت التعذيب.

أولا: جواز إتلاف النفس لمصلحة إعزاز الدين وإظهاره
* * * * *

قال تعالى {قُتِل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}([25])، وروى مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك من رد عليك بصرك؟، قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟، قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟، قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال: له الملك ما فعل أصحابك؟، قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟، قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال، باسم الله رب الغلام ثم رماه، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق([26]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: روى مسلم في صحيحه قصة أصحاب الأخدود وفيها: أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد، مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره، كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى. اهـ([27])

ويستفاد من هذه الحادثة عدة أمور:

1. أن الغلام قتل نفسه بأمره وإرادته بعد أن فشل الملك في قتله مرتين، فأخبره الغلام بالطريقة التي يقتله بها (إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال الملك: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني).

2. أن هذا القتل جاء من أجل نـُصرة الدعوة وإقامة الحجة على الناس ليدخلوا في دين الله سبحانه وتعالى، فكان هذا القتل انتصارا للدعوة، وهو غرض شرعي محمود من أجل نصرة الدين، وهو أوسع من إحداث النكاية في صفوف الأعداء في الحرب.

3. أن هذه الحادثة ذكرها القرآن على سبيل المدح وتثبيت المؤمنين، وذكر فيها أيضا كيف اختار المؤمنون القتل على الكفر، ولذلك قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: قال علماؤنا: أعلمَ الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية ما كان يلقاه من وحّد قبلهم من الشدائد يؤنسهم بذلك، وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتـَصَلـُّبه في الحق وتمسكه به وبذله نفسه في حق إظهار الدعوة ودخول الناس في الدين، مع صغر سنه وعظم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نُشر بالمنشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا في دينهم، قال ابن العربي: وهذا منسوخ عندنا، قلت: ليس بمنسوخ عندنا، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى، قال الله تعالى مخبرا عن لقمان {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}([28]).

ورُوي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) خرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب([29])، وروى ابن سنجر (محمد بن سنجر) عن أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كنت أُوضِئ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل قال: أوصني، فقال: لا تشرك بالله وإن قطعت أو حرقت بالنار....)([30])، قال علماؤنا: ولقد امتُحن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل والصلب والتعذيب الشديد ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك، ويكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما، وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق وغير ذلك، وقد مضى في النحل أن هذا إجماع ممن قوي في ذلك فتأمله هناك. اهـ([31])

فأمر الغلام للملك لا يمكن أن يكون ظلما وعدوانا كما سيأتي في الإجماع الذي حكاه ابن حجر رحمه الله، ولا يمكن أن يكون إلقاء بالنفس إلى التهلكة كما سيأتي في تفسير قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وما ورد فيها عن عمر وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما.

4. إن المؤمنين الذين آمنوا برب الغلام آثروا القتل بإرادتهم على الكفر إظهارا للدين، كما جاء في الحديث (فأمر ـ أي الملك ـ بالأخاديد في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق)، فدخولهم النار بأنفسهم لا يمكن أن يكون ظلما ولاعدوانا، ولا يمكن أن يكون إلقاء بالنفس في التهلكة، بل إن هذا العمل يحبه الله سبحانه ويمدحه وإنه يترتب عليه من المصالح والحِكم ما لا يعلمه إلا الله.

5. إن هذا الحديث من قوة دلالته على مسألة جواز إتلاف المؤمن لنفسه من أجل مصلحة الدين استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية على جواز الانغماس في صف الكفار كما سبق ذكره، واستدل به الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ على صورة أخرى من إتلاف النفس لمصلحة الدين وهي قتل الأسير نفسه خشية أن يبوح بأسرار المسلمين وسيأتي ذكر نص كلامه رحمه الله، فكأن هذا الحديث صار أصلا في المسألة تقاس عليها صورها المختلفة، ولا يجوز أن يُعترض على الاستدلال بقصة الغلام بأنه من شرع من قبلنا، فقد احتج بها شيخ الإسلام وغيره في المسألة وهذا من شرع من قبلنا الذي جاءت الشريعة ببيان صحته وإقراره([32]).

6. إن طريق الدعاة وأتباع الرسل الصبر على الأذى والثبات على الحق ونصر الدعوة والمجاهرة بالحق في وجه الملوك والطغاة والجبابرة وإن أدى ذلك إلى القتل، فإن هذا سبيل المؤمنين، كما في قصة سحرة فرعون حيث {قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى}([33]).

وكما ورد في قصة الإمام أحمد بن حنبل في محنته التي شاء الله تعالى أن يحفظ بها السنة، وقد قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة في قوله تعالى {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}([34])، هذا سبيل المؤمنين إن كانوا مستضعفين غير ممكنين، وسبيلهم إن مكن الله لهم في الأرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وهو من جنس الجهاد في سبيل الله ـ والدعوة إلى الله تعالى، ولذلك قال تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}([35]).

هذا سبيل المؤمنين، أما أدعياء العلم في هذا الزمان فيمهدون الأرض للطواغيت بفتاواهم المقعدة عن الجهاد، وإذا قام أتباع الرسل بمعاداة الطواغيت وإعلان البراءة منهم والعمل على خلعهم، قام هؤلاء الأدعياء يشنعون عليهم ويحرضون الطواغيت على قتلهم، كما أن من تمكن في الأرض من هؤلاء الطواغيت وعلمائهم المنافقين كانت سيرتهم موالاة أعداء الإسلام والخضوع لهم كحال حكام بلاد المسلمين الآن، وما كانت سيرتهم أبدا جهاد أعداء الله تعالى، فبهذا يتضح لك أن حال أتباع الرسل نصرة الدين بالكتاب والحديد كما قال تعالى {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوي عزيز}([36]).

فإن المؤمنين إن كانوا مستضعفين جاهدوا بقلوبهم وألسنتهم، وإن كانوا ممكنين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وجاهدوا الكفار ونشروا دعوة التوحيد، وبهذا يتضح لك الفرق بين أتباع الرسل الموحدين وبين المنتفعين من أدعياء العلم الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا خدمة للمرتدين وُكلاء أعداء المسلمين من المستكبرين، وقد قال تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}([37]).

ومما يقوى هذا المعنى وهو "جواز إتلاف النفس من أجل إظهار الدين" ما حكاه الحافظ ابن كثير رحمه الله في كيفية أخذ العدو "عكا" من يدي السلطان حيث قال:

لما كان شهر جمادى الأولى اشتد حصار الفرنج لعنهم الله لمدينة عكا، وتمالؤا عليها من كل فج عميق، وقدم عليهم ملك الإنكليز في جم غفير، وجمع كثير، في خمسة وعشرين قطعة مشحونة بالمقاتلة وابتلي أهل الثغر منهم ببلاء لا يشبه ما قبله، فعند ذلك حركت الكؤسات في البلد، وكانت علامة ما بينهم وبين السلطان، فحرك السلطان كؤساته فاقترب من البلد وتحول إلى قريب منه، ليشغلهم عن البلد، وقد أحاطوا به من كل جانب ونصبوا عليه سبعة منجانيق، وهي تضرب في البلد ليلا ونهارا، ولا سيما على برج عين البقر، حتى أثرت به أثرا بيِّنا، وشرعوا في ردم الخندق بما أمكنهم من دواب ميتة ومن قتل منهم ومن مات أيضا ردموا به، وكان أهل البلد يلقون ما ألقوه فيه إلى البحر وتلقى ملك الإنكليز بطشة عظيمة للمسلمين قد أقبلت من بيروت مشحونة بالأمتعة والأسلحة فأخذها، وكان واقفا في البحر في أربعين مركبا لا يترك شيئا يصل إلى البلد بالكلية، وكان بالبطشة ستمائة من المقاتلين الصناديد الأبطال فهلكوا عن آخرهم رحمهم الله، فإنه لما أحيط بهم وتحققوا إما الغرق أو القتل خرقوا جوانبها كلها فغرقت ولم يقدر الفرنج على أخذ شيئ منها لا من الميرة ولا من الأسلحة، وحزن المسلمون على هذا المصاب حزنا عظيما، فإنا لله وإنا إليه راجعون. اهـ([38])

فانظر رحمك الله أيها المجاهد الموحد إلى الحافظ ابن كثير رحمه الله كيف صوب فعلهم وترحم عليهم، وانظر إلى هؤلاء الأبطال الصناديد ـ كما وصفهم الحافظ ابن كثير رحمه الله ـ كيف خرقوا مركبهم بأيديهم فقتلوا أنفسهم من أجل مصلحتين شرعيتين عظيمتين: الأولى: عدم القتل بأيدي الأعداء أو الوقوع في أسرهم، والثانية: حرمان الأعداء من الغنيمة.

ونقصُ في هذا المقام أحد الأمثلة الرائعة التي حدثت في أوائل الثمانينات والتي يعرفها ويتناقلها كثير ممن عايش هذه الأحداث التي دارت على أرض الكنانة (مصر) حيث دارت معركة بين ثلاثة من الإخوة المجاهدين الأبطال ـ عصام القمري وإبراهيم سلامة ـ رحمهما الله ـ ونبيل نعيم ـ فك الله أسره ـ، وبين جحافل الأمن المركزي جنود النظام المرتد العميل هناك، وكانت نتيجة هذه المعركة وبفضل الله تبارك وتعالى أن فرت هذه الجحافل كقطعان الشياة ـ لا تلوي على شئ ـ من قنابل ونيران الإخوة، وبعدما لجأ الإخوة الثلاثة إلى أحد الأماكن الآمنة سقطت من يد الأخ إبراهيم سلامة قنبلة يدوية منزوعة الفتيل فما كان منه ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ إلا أن ألقى بنفسه عليها ـ حماية لأخويه ـ فمزقته تمزيقا (فنحسبه شهيدا ولا نزكيه على الله).

هؤلاء هم فرسان التوحيد المدافعون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، أعداء أمريكا وإسرائيل الذين يصفهم علماء السوء بالإرهابيين ويصفهم تلاميذهم مُدّعوا السلفية بالمبتدعين ويصفهم الإخوان بالمجرمين المتطرفين {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}([39]) وحسبنا الله ونعم الوكيل
ثانيا: إجماع العلماء على جواز تقحم المهالك في الجهاد
* * * * *

بوب البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه في كتاب الإكراه باب: من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، وروى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كـُن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار).

قال ابن حجر: قوله "باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر" تقدمت الإشارة إلى ذلك في الباب الذي قبله وأن بلالا كان ممن اختار الضرب والهوان على التلفظ بالكفر، وكذلك خباب المذكور في هذا الباب ومن ذكر معه وأن والدَيْ عمار ماتا تحت العذاب.

وقال أيضا: ووجه أخذ الترجمة منه أنه سوى بين كراهية الكفر وكراهية دخول النار، والقتل والضرب والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار فيكون أسهل من الكفر إن اختار الأخذ بالشدة، ذكره ابن بطال، وقال أيضا: فيه حجة لأصحاب مالك، وتعقبه ابن التين بأن العلماء متفقون على اختيار القتل على الكفر، وإنما يكون حجة على من يقول إن التلفظ بالكفر أولى من الصبر على القتل..... إلى أن قال: وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد، انتهى، وهذا يقدح في نقل ابن التين الاتفاق المذكور. اهـ([40])



ثالثا: جواز حمل الواحد على العدد الكثير من العدو في الجهاد
* * * * *

ذكرنا من قبل صورتين وردتا في القرآن والسنة لمؤمنين قتلوا أنفسهم بإرادتهم لمصلحة إظهار الدين وهما صورة أمر الغلام للملك بقتله وتعريفه طريقة ذلك، وصورة المؤمنين الذين اقتحموا الأخدود امتناعا من التلفظ بالكفر ولم يترددوا في ذلك، حتى أن الصبي قال لأمه التي تقاعست (يا أمه اصبري فإنك على الحق).

وذكرنا صورة أخرى من التاريخ الإسلامي ـ ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله ـ للمجاهدين الذين خرقوا مركبهم حتى لا يظفر العدو بهم ولا بعدتهم، ونحن هنا نذكر بعون الله تعالى صورا عدة ـ من السنة المطهرة وسير الصحابة رضي الله عنه ـ لمجاهدين أقدموا على المهالك فقتلهم الأعداء، ثم نورد أقوال أهل العلم في ذلك، ثم نبين إن شاء الله تعالى أنه لا فرق بين هذه الصور وتلك التي ذكرناها من قبل.

أ - صور من السنة المطهرة وسير الصحابة رضوان الله عليهم لمجاهدين أقدموا على المهالك فقتلهم الأعداء.

1. روى مسلم في صحيحه عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى أنت سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفه فألقاها، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل([41]).

2. وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: (انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قول بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة! فرمي بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل)([42]).

3. قصة أنس بن النضر رضي الله عنه: بوب البخاري رحمه الله باب قول الله عز وجل {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}([43])، وروى عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبتُ عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين لأرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني أصحابــه ـ وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين ـ ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، فقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعة وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى ـ أو نظن ـ أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.

قال ابن حجر: وفي قصة أنس بن النضر من الفوائد: جواز بذل النفس في الجهاد، وفضل الوفاء بالعهد ولوشق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها، وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء في التهلكة، وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والورع وقوة اليقين. اهـ([44])

4. وفي الصحيحين عن جابر قال: (قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: في الجنة، فألقى تمرات كن في يده فقاتل حتى قتل)([45])، وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال: (يا رسول الله أرأيت إن انغمست في المشركين فقاتلتهم حتى قتلت أإلى الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، فانغمس الرجل في صف المشركين فقاتل حتى قتل)([46])، وروى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: (لما التقى الناس يوم بدر قال عوف بن الحارث: يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟ قال صلى الله عليه وسلم: أن يراه غمس يده في القتال يقاتل حاسرا، فنزع درعه ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيدا)([47]).

5. وعن أنس رضي الله عنه قال ـ وهو يذكر يوم اليمامة: (أتيت ثابت بن قيس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط، فقلت: يا عم ما يحبسك ألاَّ تجيء؟ قال: الآن يا ابن أخي، وجعل يتحنط ثم جاء فجلس ـ فذكر في الحديث انكشافا من الناس ـ فقال ثابت: هكذا عن وجوهنا حتى نضارب القوم، ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بئس ما عودتم أقرانكم)([48]).

6. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله ثم انهزم أصحابه، فعلم ما عليه فرجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه)([49])، وذكر ابن حجر في الإصابة بسنده عن أبي إسحاق قال: زحف المسلمون إلى المشركين يوم اليمامة حتى ألجؤهم إلى حديقة فيها عدو الله مسيلمة فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم على حديقة حتى فتحها على المسلمين فقتل الله مسيلمة، وذكر الحافظ أيضا عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رب أشعث أغبر لا يُؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك)، فلما كان يوم تستر من بلاد فارس انكشف المسلمون، فقال المسلمون يا براء: أقسم على ربك، فقال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتنا بنبيك، فحمل وحمل الناس معه، فقتل مرزبان الزارة من عظماء الفرس وأخذ سلبه فانهزم الفرس وقتل البراء([50])، وعن مدرك بن عوف قال: إني لعند عمر فقلت: إن لي جارا رمى بنفسه في الحرب فقتل، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كذبوا، ولكنه اشترى الآخرة بالدنيا([51]).

7. وعن أسلم بن عمران قال: كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم رجع مقبلا، فصاح الناس سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: أيها الناس إنكم تؤولون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا بيننا سرا: إن أموالنا قد ضاعت فلو أننا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله هذه الآية فكانت التهلكة الإقامة التي أردناها([52])، وعن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين أهو ممن يُلقي بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، لأن الله تعالى قد بعث محمدا فقال {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك}([53])، فإنما ذلك في النفقة([54])، وروى البيهقي في سننه أن عكرمة بن أبي جهل ترجل يوم اليرموك فقال له خالد: لا تفعل فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال: خل عني يا خالد، فإنه قد كانت لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى حتى قتل.



ب - أقوال أهل العلم في جواز حمل الواحد على العدد الكثير وإن تيقن القتل.

قال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله: لا بأس أن يحمل الرجل وحده ـ أي على العدو ـ وإن ظن أنه يقتل إذا كان يرى أنه يصنع شيئا يقتل أو يجرح أو يهزم .... ثم قال: فأما إذا كان يعلم أنه لا ينكي فيهم فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم، قال السرخسي في التعليق على ما سبق: فالشرط أن تكون حملته تنكي فيهم ظاهرا([55]).

ونقل عنه الجصاص رحمه الله: إن رجلا لو حمل على ألف رجل وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية فإنني أكره له ذلك لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين، وإنما ينبغي للرجل أن يفعل ذلك إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه يجرئ المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل فلا بأس بذلك إن شاء الله، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو ولا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم، فكذلك إن طمع أن ينكي غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك وأرجو أن يكون فيه مأجورا، وإنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه، وإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك، لأن هذا أفضل النكاية وفيه منفعة للمسلمين. انتهى، قال الجصاص: والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره .....إلى أن قال:

فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين، فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون}([56])، وقال {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}([57])، وقال {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}([58])، في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بذل نفسه لله. اهـ([59])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: روى مسلم في صحيحه قصة أصحاب الأخدود وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد، مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره، كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى. اهـ([60])

ونقل عنه المرداوي في الإنصاف: وذكرالشيخ تقي الدين أنه يُسن انغماسه في العدو لمنفعة المسلمين، وإلا نُهي عنه وهو من التهلكة. اهـ([61])

قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد المأخوذة من غزوة أحد: ومنها جواز الانغماس في العدو كما انغمس أنس بن النضر وغيره. اهـ([62])

وقال ابن حجر رحمه الله: وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو، فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع، ولا سيما إذا ترتب على ذلك وهنٌ بالمسلمين والله أعلم. اهـ([63])

قال ابن حجر: وفي قصة أنس بن النضر من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد، وفضل الوفاء بالعهد ولوشق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها، وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء في التهلكة، وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والورع وقوة اليقين. اهـ([64])

قال القرطبي رحمه الله: اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده، فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا: لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم يكن فيه قوة فذلك من التهلكة، وقيل إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل لأن مقصوده واحد منهم، وذلك بيِّن في قوله تعالى {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}، وقال ابن خويز منداد: فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة من العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أنه يُقتل ولكن سينكي نكاية أو سيبلي أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفِيَلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنَّس به فرسه حتى ألِفه فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذي يقدمها، فقيل: إنه قاتلك، فقال: لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين، وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة، قال رجل من المسلمين: ضعوني في الجحفة وألقوني إليهم ففعلوا وقاتلهم وحده وفتح الباب.

قلت (أي القرطبي): ومن هذا ما روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا؟ قال: فلك الجنة، فانغمس في العدو حتى قتل([65])، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: (من يردهم عنا وله الجنة، أو قال هو رفيقي في الجنة)، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنصفنا أصحابنا) ـ وذكر رحمه الله كلام محمد بن الحسن السابق ـ ثم قال: وعلى هذا ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رجا نفعا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهداء، قال الله تعالى {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}([66])، وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله). اهـ([67])

قال ابن عابدين في حاشيته في شرح قول صاحب المتن: مطلب: إذا علم أنه يقتل يجوز له أن يقاتل بشرط أن ينكي فيهم وإلا فلا بخلاف الأمر بالمعروف، فإن علم أنه إذا حارب قتل وإن لم يحارب أُسر لم يلزمه القتال، قال: قوله لم يلزمه القتال يشير إلى أنه لو قاتل حتى قتل جاز، لكن ذكر في شرح السير أنه لا بأس أن يحمل الرجل وحده وإن ظن أنه يقتل، إذا كان يصنع شيئا بجرح أو بقتل أو بهزم، فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومدحهم على ذلك، فأما إذا علم أنه لا ينكي فيهم فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم لأنه لا يحصل بحملته شيء من إعزاز الدين بخلاف نهي فسقة المسلمين عن منكر. اهـ([68])

ج - بيان أنه لا فرق بين أن يقتل الإنسان نفسه بيده أو أن يقتلها بفعل غيره.

بينَّا فيما سبق أنه لا فرق بين من يتسبب في قتل نفسه بأمره ـ كما في حادثة الغلام ـ حيث قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال الملك: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.

أو أن يقتل نفسه بفعله ـ كما فعل أصحاب الأخدود ـ حيث ألقوا أنفسهم في النار اختيارا، أو يُقتل بفعل غيره ـ كما في حمل الواحد على الجيش الكثيرـ كل هؤلاء ممدوحون مثابون إذا كان هذا من أجل مصلحة الدين وإعلاءً لشأنه، وهذا يبين أنه لا فرق بين أن يقتل الإنسان نفسه، أو ينغمس في صف العدو فيقتله أو يأمر الإنسان غيره بقتله إذا كان ذلك لمصلحة إعزاز الدين.

ويؤكد هذا أنه لا فرق في التحريم بين من قتل نفسه بيده وبين من أمرغيره بقتله، مثل من أمر غيره أن يسقيه سما أو يحقنه بسم، وبين من قتل نفسه بفعل غيره كمن ألقى نفسه تحت سيارة أو قطار، فالحكم في الحالات كلها واحد طالما أن كل ذلك بسبب الجزع واليأس من رحمة الله تعالى.

ويؤكد هذا أيضا ما سيأتي في قول ابن حجر في قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، وكما سنبينه في حكم من رفض الاستئسار ومن اختار القتل على النطق بالكفر، وكما سيأتي في كلام الشيخ محمد بن إبراهيم في جوازه أن يقتل الأسير نفسه حتى لا يبوح بأسرار المجاهدين للأعداء.
رابعا: خروج من قتل نفسه لمصلحة الدين عن النهي الوارد في قتل النفس
* * * * *

نقل ابن حجر رحمه الله في شرح باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، عن المهلب: أن قوما منعوا من اختيار القتل على النطق بكلمة الكفر واحتجوا بقوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} الآية، قال المهلب: ولا حجة فيه لأنه قال تلو الآية المذكورة {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما} فقيده بذلك، وليس من أهلك نفسه في طاعة الله ظالما ولا معتديا، وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد. اهـ([69])



خامسا: خروج من عرّض نفسه للقتل في سبيل الله عن إلقاء النفس في التهلكة
* * * * *

تقدم بيان جواز حمل الرجل الواحد على العدد الكثير من العدو، وجواز قتل النفس لمصلحة إعزاز الدين، ونذكر هنا أيضا أن من عرض نفسه للقتل في سبيل الله تعالى فلا يدخل في النهي الوارد عن الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة.

قال ابن حجر رحمه الله: وروى ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن مدرك بن عوف قال: إني لعند عمر فقلت: إن لي جارا رمى بنفسه في الحرب فقتل، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كذبوا، ولكنه اشترى الآخرة بالدنيا. اهـ([70])

وأخرج مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أسلم بن عمران قال: كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم رجع مقبلا، فصاح الناس سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: أيها الناس إنكم تؤولون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه، قلنا بيننا سرا: إن أموالنا قد ضاعت فلو أننا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله هذه الآية فكانت التهلكة الإقامة التي أردناها([71])

وقد قال ابن حجر رحمه الله في قصة أنس بن النضر رضي الله عنه والتي أوردناها سابقا: من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد، وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها، وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء في التهلكة، وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والورع وقوة اليقين. اهـ([72])






سادسا: فضل الصبر ـ لمن أيقن الأسر ـ والقتال حتى الموت ورفض الاستئسار
* * * * *

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهطا عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذُكروا لبني لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا أثرهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا، قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم خـَبـِّرعنا نبيك، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة ـ يريد القتلى ـ فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر ـ وذكر قصة قتل خبيب ـ إلى أن قال: استجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا.([73])

قال الشوكاني رحمه الله في شرح الحديث: ووجه الاستدلال بذلك أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ما وقع من الثلاثة المذكورين من الدخول تحت أسر الكفار، ولا أنكر ما وقع من السبعة المقتولين من الإصرار على الامتناع من الأسر، ولو كان ما وقع من إحدى الطائفتين غير جائز لأخبرالنبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعدم جوازه وأنكره، فدل ترك الإنكار على أنه يجوز لمن لا طاقة له بعدوه أن يمتنع من الأسر وأن يستأسر.اهـ([74])

وقال الخطابي رحمه الله في شرح الحديث: وفيه من العلم: أن المسلم يجالد العدو إذا أُرهق ولا يستأسر له، ما قدر على الامتناع منه. اهـ([75])

وذكر ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان، ولا يمكن من نفسه، ولو قتل أنفة من أن يجري عليه حكم الكافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإن أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن، قال الحسن البصري: لا بأس بذلك، وقال سفيان الثوري: أكره ذلك. اهـ([76])

قال ابن قدامة: وإذا خشي الأسر فالأولى له أن يقاتل حتى يقتل، ولا يسلم نفسه بالأسر، لأنه يفوز بثواب الدرجة الرفيعة ويسلم من تحكم الكفار عليه بالتعذيب والاستخدام والفتنـة، وإن استأسر جاز لما روى أبو هريـرة ـ وذكر خبر عاصم بن ثابت رضي الله عنه السابق ـ فعاصم أخذ بالعزيمة وخبيب وزيد أخذا بالرخصة وكلهم محمود غير مذموم ولا ملوم. اهـ([77])

وقال المرداوي في شرح قول ابن قدامة في المقنع "فإن زاد الكفار فلهم الفرار": قال الإمام أحمد: لا يعجبني أن يستأسر، يقاتل أحب إليَّ، الأسر شديد ولابد من الموت، وقد قال عمار: من استأسر برأت منه الذمة، فلهذا قال الآجري: يأثم بذلك فإنه قول أحمد. اهـ([78])

قلت: وهكذا ترى أيها الأخ المجاهد عن دين الإسلام أن العلماء قد اتفقوا على جواز عدم استئسار المسلم للعدو ـ حتى ولو تيقن الموت ـ بل منهم من جعله واجبا وذلك هروبا من الذل وتحكم الكفار في المسلمين، وهذه صورة أخرى من صور إتلاف النفس ليس فقط لمصلحة الدين ولكن أيضا أنفة من أن يعلو الكافر على المسلم فيذله.




سابعا: فضل الصبر على القتل وعدم النطق بالكفر
* * * * *

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...} الآية([79]): أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة، واختلفوا فيمن أكره على غير القتل من فعل ما لا يحل له، فقال أصحاب مالك: الأخذ بالشدة في ذلك واختيار القتل والضرب أفضل عند الله من الأخذ بالرخصة، ذكره ابن حبيب وسحنون، وذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنه إذا تهدد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف فله أن يفعل ما أكره عليه من شرب خمر أو أكل خنزير، فإن لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما لأنه كالمضطر، وروى خباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)([80]).

فوصفه صلى الله عليه وسلم هذا عن الأمم السالفة على جهة المدح لهم والصبر على المكروه في ذات الله، وأنهم لم يكفروا في الظاهر وتبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم، وهذه حجة من آثرالضرب والقتل والهوان على الرخصة والمقام بدار الجنان ـ وذكر أبو محمد بن الفرج البغدادي بسنده إلى الحسن ـ أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذهبوا بهما إلى مسيلمة، فقال لأحدهما أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، فخلى عنه، وقال للآخر: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: وتشهد أني رسول الله؟ قال: أنا أصم لا أسمع، فقدمه فضرب عنقه، فجاء هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكتُ قال صلى الله عليه وسلم: ما أهلكك؟ ـ فذكر الحديث ـ قال صلى الله عليه وسلم: أما صاحبك فأخذ بالثقة وأما أنت فأخذت بالرخصة، على ما أنت عليه الساعة؟، قال: أشهد أنك رسول لله، قال صلى الله عليه وسلم: أنت على ما أنت عليه. اهـ([81])

وقال القرطبي رحمه الله في تفسير آيات البروج: قال علماؤنا: أعلَمَ الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية ما كان يلقاه من وحـَّد قبلهم من الشدائد يؤنسهم بذلك، وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها، ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به وبذله نفسه في حق إظهار الدعوة ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا في دينهم، قال ابن العربي: وهذا منسوخ عندنا، قلت: ليس بمنسوخ عندنا، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى ..... وقد سبق.

قلت: وهذه صورة أخرى من صور اختيار إتلاف النفس والإقدام على القتل وتفضيل ذلك على النطق بالكفر، وقد مدح الشرع هذه الأفعال ومدح أصحابها.






ثامنا: فضل الصبر على القتل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
* * * * *

قال الجصاص رحمه الله بعد ذكر كلام محمد بن الحسن الشيباني: وعلى هذا ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنه متى رجا نفعا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهداء، قال الله تعالى {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}([82])، وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله)([83])، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ـ وروى بسنده ـ إلى أبي هريرة أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع)([84])، وذم الجبن يوجب مدح الإقدام والشجاعة فيما يعود نفعه على الدين ولو أيقن فيه التلف والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ([85])

وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم}([86]): وزعم ابن العربي أن من رجا زواله ـ يعني المنكر ـ وخاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل جاز له عند أكثر العلماء الاقتحام عند هذا الغرر، وإن لم يرج زواله فأي فائدة عنده، قال: والذي عندي أن النية إذا خلصت فيلقتحم كيفما كان ولا يبالي، قلت: هذا خلاف ما ذكره أبو عمر من الإجماع، وهذه الآية تدل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع خوف القتل، وقال تعالى {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} وهذا إشارة إلى الإذاية. اهـ([87])

وقال ابن عابدين بعد أن ذكر أنه لا بأس أن يحمل الرجل وحده وإن ظن القتل: وهذا بخلاف نهي فسقة المسلمين عن منكر إذا علم أنهم لا يمتنعون بل يقتلونه، فإنه لا بأس بالإقدام وإن رخص له السكوت، لأن المسلمين يعتقدون ما يأمرهم به، فلابد أن يكون فعله مؤثرا في باطنهم بخلاف الكفار.اهـ([88])

قلت: وهذه صورة أخرى من صور الإقدام على ما يتأكد معه الموت من أجل المصلحة الدينية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


يتبع

lkhtabi
18-01-2006, 04:05 PM
المركز الاسلامي الاعلامي يقدم
ا\تنظيم الجهاد المصري
في رسالة العمليات الاستشهادية
إعداد
الجزء الثاني
اللجنة الشرعية بجماعة الجهاد



تاسعا: جواز قتل النفس لعدم إفشاء الأسرار تحت التعذيب
* * * * *

ونحن نذكر هنا بعون الله تعالى صورة هامة من صور إتلاف النفس للمصلحة العامة وهي قتل الأسير نفسه حتى لا يُفشي أسرار المجاهدين للأعداء، وسترى أن من أفتى فيها اعتمد في استدلاله بالسنة المطهرة على حديث الغلام الذي ذكرناه سابقا، وذكرنا أن العلماء يعتبرونه أصل هام في هذه المسألة.

وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله من بعض المجاهدين الجزائريين إبان حرب التحرير عن مسألة قتل الأسير لنفسه لمنع إفشاء الأسرار للأعداء وكان السؤال:

الفرنساويون في هذه السنين تصلبوا في الحرب ويستعملون الشرنقات إذا استولوا على واحد من الجزائريين ليعلمهم بالذخائر والمكامن، ومن يأسرونه قد يكون من الأكابر فيخبرهم أن في المكان الفلاني كذا وكذا، وهذه الإبرة تسكره إسكارا مقيدا، ثم هو مع هذا كلامه ما يختلط فهو يختص بما يبينه بما كان حقيقة وصدقا، فهل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة ويقول: أموت أنا وأنا شهيد مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب؟ فأجاب: إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله (آمنا برب الغلام) وقول بعض أهل العلم: إن السفينة .... إلخ، إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه، ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا، فالقاعدة محكمة وهو مقتول ولابد. اهـ([89])

قلت: قوله رحمه الله: الشرنقات، هو ما يسميه العامة السرنجات أي الحقن التي تستخدم لحقن الأدوية والعقاقير.

وقوله رحمه الله: وقول بعض أهل العلم: إن السفينة .... إلخ، يشير إلى مسألة احتراق السفينة في البحر هل لركابها أن يلقوا بأنفسهم في الماء اختيارا للغرق على الحريق أم لا؟ وقد جاء في المدونة للإمام مالك: قلت ـ والقائل هو سحنون يسأل شيخه ابن القاسم تلميذ الإمام مالك ـ أرأيت السفينة إذا أحرقها العدو فيها أهل الإسلام أكان مالك يكره لهم أن يطرحوا بأنفسهم؟ وهل يراهم قد أعانوا على أنفسهم؟ قال: بلغني أن مالكا سئل عنه فقال: لا أرى به بأسا إنما يفرون من الموت إلى الموت .... اهـ([90])

قال ابن قدامة: وإذا ألقى الكفار نارا في سفينة فيها مسلمون فاشتعلت فيها، فما غلب على ظنهم السلامة فيه من بقائهم في مركبهم أو إلقاء أنفسهم في الماء فالأولى لهم فعله، وإن استوى عندهم الأمران فقال أحمد: كيف شاء صنع، وقال الأوزاعي: هما موتتان فاختر أيسرهما([91])، وقد ذكرنا من قبل ما حكاه الحافظ ابن كثير عن المجاهدين الستمائة الذين أغرقوا سفينتهم وغرقوا جميعا حتى لا يقعوا في الأسر ولا يظفر الأعداء بعدتهم.

وأما قول الشيخ محمد بن إبراهيم: إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه، ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا، فالقاعدة محكمة، يدل على فقهه رحمه الله حيث غلب مفسدة إفشاء أسرار المجاهدين على مفسدة قتل النفس.

فائدة: هل يقتل المسلم نفسه ليغيظ عدوه؟
قال الشيخ حسن أيوب رحمه الله: الأصل في قتل النفس أنه حرام من الكبائر ـ ثم ذكر الأدلة على ذلك ـ ثم قال: فقاتل نفسه يعذب يوم القيامة عذابا شديدا طويلا، وهذا القتل يعتبر تعديا لحدود الله وظلما عظيما للنفس التي حرم الله قتلها إلا لأسباب شرعها الله، ويعتبر فاعله ساخطا على قضاء الله وقدره وغير راض بحكم الله فيه لذلك أسرع فتخلص من ألمه بقتل نفسه، وهذا النوع هو المسمى بالانتحار وحرمته لا شك فيها.

ولكن هناك حالات يقع فيها المقاتل أو الفدائي تحت أيدي عدوه، فيقوم عدوه بتعذيبه أشد أنواع التعذيب، سواء بالإحراق بالنار أو بتقطيع أجزاء من جسده أو بنفخه أو بتعليقه من خطاطيف مدلاة من السقف من رجليه بحيث يكون رأسه إلى أسفل أو بتسليط الكهرباء عليه من وقت لآخر ..... إلى آخر هذه الأنواع التي صارت سمة كلاب العصر الحديث، والتي اخترعها النازيون والشيوعيون ونفذه جميع كلاب البشر الذين لا إنسانية عندهم ولا رحمة في قلوبهم، فما الحكم لو وقع إنسان تحت طائلة هذا العذاب هل يحق له أن ينتحر أم لا؟ الجواب: الذي أراه في هذا الموضوع الخطير أخذا من النصوص ومن أقوال العلماء هو:

1. أن الانتحار إن كان له مبرر أصيل وقوي ويتصل بأمر يخص المسلمين وينفعهم وبدونه يحصل الضرر للمسلمين فإنه حينئذ يكون جائزا، وذلك كأن يعذب إنسان من أجل الإفضاء بأسرار تتعلق بمواقع الفدائيين أو بأسمائهم أو بكشف خطط الجيش الإسلامي أو بمواقع الذخيرة أو السلاح إلى آخر ما يعتبر علم العدو به خطر على الجيش الإسلامي أو على أفراد المسلمين أو على حريمهم وذراريهم، ويرى أنه لا صبر له على التعذيب وأنه مضطر أن يفضي بهذه الأسرار أو يعلم أن الأعداء يحقنونه بمادة مؤثرة على الأعصاب بحيث يبوح بما عنده من أسرار تلقائيا بدون تفكير أو شعور بخطورة ما يقول.

ويشهد لذلك أقوال العلماء فيمن ألقى بنفسه على الأعداء وهو يعلم بأنه مقتول لا محالة، ولكنه يرى أن في ذلك خيرا للإسلام أو للمسلمين وحالتنا هذه أهم وأخطر.

2. أما إذا كان الانتحار بسبب أنه تأكد من أنهم يقتلونه ولكنهم يعذبونه قبل ذلك تنكيلا به وإغاظة للمسلمين فإنه إن انتحر في هذه الحالة فإن انتحاره يكون حراما، ولكنه لا يكون كبيرة من الكبائر ولا يبعد جوازه..... إلى أن قال:

وفي قصة الصحابي الذي كان مع عاصم بن ثابت ورفضه الأسر وهو يعلم أنهم قاتلوه بسبب هذا الرفض ما يشهد لذلك، وإن كان لم يقتل نفسه بنفسه وإنما قتلها بيد عدوه، والواقع أن مثل هذه الحالات لا يعتبر المسلم فيها قاتل نفسه وإنما قاتله هو عدوه، لأن عدوه هو الذي تمكن منه وهو الذي يعذبه وهو الذي لا يتركه حتى يقتله وهذا رأيي في الموضوع لأنه لا نص فيه ولم أر فيه فتوى لأحد من العلماء وربما كان هناك فتوى لم أراها.اهـ([92])

قلت: وللشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فتوى سابقة على كلام الشيخ حسن أيوب قد أوردناها سابقا.




المسألة الثانية: جواز رمي الكفار إذا اختلط بهم من لا يجوز قتله من المسلمين وغيرهم
* * * * *

سبق بيان فضل الجهاد ووجوبه، وأن جهاد الكفار سبب العزة والكرامة وأن تركه سبب في الذلة والمهانة، وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)([93])

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لئن تركتم الجهاد وأخذتم بأذناب البقر وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه)([94])

وقد يختلط بالكفار الذين يقصدهم المجاهدون بالقتال من ليس منهم ممن لا يحل قتلهم من المسلمين أو أهل الذمة أو النساء والصبيان وأمثالهم، فهل يُترك الجهاد المتعين والحالة هذه حذرا من الوقوع في الدم المحـرم، أم أن قتـل هذه الأصناف ـ عرضـا لا قصدا ـ يُغتفر أمام المصالح العليا المتحققة من جهاد الكفار وأعداء الله تعالى، هذا السؤال هو محل البحث في هذا الباب فنقول وبالله التوفيق:

هذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:

المذهب الأول: وهو المنع مطلقا، وحكي عن مالك والأوزاعي وخالفه فيه متأخروا المالكية.

قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}: هذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن، إذا لم يكن إذاية الكافر إلا بإذاية المؤمن، قال أبو زيد: قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم، حصرهم أهل الإسلام، وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم، أيحرق هذا الحصن أم لا؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى؟ قال: فقال مالك: لا أرى ذلك لقوله تعالى لأهل مكة {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}، وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه، وإن فعل ذلك فاعل فأتلف أحدا من المسلمين فعليه الدية والكفارة، فإن لم يعلموا فلا دية ولا كفارة ....إلى أن قال:

قال ابن العربي: وكذلك قال مالك: وقد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنها الماء، فكانوا ينزلون الأسارى يستقون لهم الماء، فلا يقدر أحد على رميهم بالنبل فيحصل لهم الماء بغير اختيارنا، فقد جوز أبو حنيفة وأصحابه والثوري الرمي في حصون المشركين وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفالهم، ولو تترس كافر بولد مسلم رمي المشرك وإن أصيب أحد من المسلمين فلا دية فيه ولا كفارة، وقال الثوري: فيه الكفارة ولا دية وقال الشافعي بقولنا، وهذا ظاهر، فإن التوصل إلى المباح بالمحذور لا يجوز سيما بروح المسلم فلا قول إلا ما قاله مالك رحمه الله.انتهى

قلت ـ والكلام القرطبي ـ قد يجـوز قتل الترس ولا يكون فيه اختلاف إن شاء الله وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية، فمعنى كونها ضرورية أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس، ومعنى أنها كلية أنها قاطعة لكل الأمة، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة، ومعنى كونها قطعية أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعا.

قال علماؤنا: وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها، لأن الفرض أن الترس مقتول قطعا، فإما بأيدي العدو فتحصل المفسدة العظيمة التي هي استيلاء العدو على كل المسلمين، وإما بأيدي المسلمين فيهلك العدو وينجو المسلمون أجمعون، ولا يتأتى لعاقل أن يقول: لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه، لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين، لكن لما كانت هذه المصلحة غير خالية من المفسدة نفرت منها نفس من لم يمعن النظر فيها، فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما يحصل منها عدم أو كالعدم والله أعلم. اهـ([95])

قال الشيخ محمد عرفة الدسوقي المالكي: إن تترسوا بمسلم قوتلوا ولم يقصد الترس بالرمي. اهـ([96])

قلت: أما قول ابن العربي رحمه الله عن الشافعي: وقال الشافعي بقولنا، فإن كان يقصد تحريم رمي المشركين إذا تترسوا بمسلمين فقد خالف فيه الصواب، فإن الشافعي رحمه الله أباح رمي المشركين إذا اختلط بهم المسلمون سواء تترسوا بهم أم لا كما سيأتي من قوله إن شاء الله.

ويُلاحظ من قول من منع من قتل الترس أن هذا المنع إنما يكون في جهاد الطلب حيث يقصد المسلمون أهل الكفر في ديارهم وهذا واضح في مناط قول مالك رحمه الله حيث كان ذلك في حصار حصن أو رمي مراكب الكفار، أما إذا كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية، وهذه الصورة متحققة قطعا في جهاد الدفع حيث يقاتل الكفار الذين حلوا بديار المسلمين فلا مانع من قتل من لا يستحق القتل عَرَضَا لا قصدا، حيث أن الضرر عائد على كل المسلمين إذا ترك القتال حينئذ، وهذا المعنى واضح من كلام القرطبي رحمه الله، فهذا مذهب من منع من قتل الترس.

المذهب الثاني: مذهب من أجاز رمي الكفار مطلقا وإن كان فيهم مسلمون.

وقد نقل الجصاص رحمه الله قول مالك والأوزاعي بتفصيل، فقال: وقال مالك لا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى من المسلمين لقوله تعالى {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} إنما صرف النبي صلى الله عليه وسلم عنهم لما كان فيهم من المسلمين ولو تزيل الكفار عن المسلمين لعذب الكفار، وقال الأوزاعي: إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقوله تعالى {ولولا رجال مؤمنون ...} الآية، قال: ولا يحرق المركب فيه أسارى المسلمين ويرمى الحصن بالمنجنيق وإن كان فيه أسارى مسلمون، فإن أصاب أحد من المسلمين فهو خطأ، وإن جاءوا يتترسون بهم رمي وقصد العدو وهو قول الليث بن سعد ... إلى أن قال:

نقل أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان وقد علم صلى الله عليه وسلم أنه قد يصيبهم، ولا يجوز تعمدهم بالقتل فدل على أن كون المسلمين فيما بين أهل الحرب لا يمنع رميهم إذا كان القصد فيه المشركين دونهم، وعن الصعب بن جثامة قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الديار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال: هم منهم)، وكان يأمر السرايا بأن ينتظروا بمن يغزوهم فإن أذّنوا للصلاة أمسكوا عنهم، وإن لم يسمعوا أذانا أغاروا، وعلى ذلك مضى الخلفاء الراشدون، ومعلوم أن من أغار على هؤلاء لا يخلوا من أن يصيب من ذراريهم ونسائهم المحذور قتلهم، فكذلك إذا كان فيهم مسلمون، ووجب أن لا يمنع ذلك من شن الغارة عليهم ورميهم بالنشاب وغيره إن خيف عليهم إصابة المسلمين .... إلى أن قال:

وأما احتجاج من يحتج بقوله {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ... } الآية في منع رمي الكفار لأجل من فيهم من المسلمين، فإن الآية لا دلالة فيها على موضع الخلاف، وذلك لأن أكثر ما فيها أن الله كف المسلمين عنهم لأنهم كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم وذلك إنما يدل على إباحة ترك رميهم والإقدام عليهم، فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين لأنه جائز أن يبيح الكف عنهم لأجل المسلمين، وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير، فإذاً لا دلالة فيها على حظر الإقدام.

فإن قيل في فحوى الآية ما يدل على الحظر وهو قوله تعالى {لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم} فلولا الحظر ما أصابتهم معرة من قتلهم بإصابتهم إياهم، قيل: قد اختلف أهل التأويل في معنى المعرة هنا فروي عن ابن إسحاق أنه غرم الدية، وقال غيره: الكفارة، وقال غيرهما: الغم باتفاق قتل المسلم على يده لأن المؤمن يغتم لذلك وإن لم يقصده، وقال آخرون: العيب، وحكي عن بعضهم أنه قال: المعرة الإثم، وهذا باطل لأنه تعالى قد أخبر أن ذلك لو وقع كان بغير علم منا لقوله تعالى {لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم} ولا مأثم عليه فيما لم يعلمه .... إلى أن قال:

وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين، لأن القصد في الحالين رمي المشركين دونهم، ومن أصيب منهم فلا دية فيه ولا كفارة، كما أن من أصيب برمي حصون الكفار من المسلمين الذين في الحصن لم تكن فيه دية ولا كفارة، ولأنه قد أبيح لنا الرمي مع العلم بكون المسلمين في تلك الجهة، فصاروا في الحكم بمنزلة من أبيح قتله فلا يجب به شيء. اهـ([97])

قال الشيخ محمد الشربيني الخطيب رحمه الله في حكاية المذاهب في ذلك: فإن دعت الضرورة إلى رميهم ـ أي المسلمون ـ بأن تترسوا بهم حال التحام القتال بحيث لو كففنا عنهم ظفروا بنا وكثرت نكايتهم، جاز رميهم حينئذ في الأصح ونقصد بذلك قتال المشركين ونتوقى المسلمين وأهل الذمة بحسب الإمكان، لأن مفسدة الإعراض ـ أي الكف عن القتال ـ أعظم من مفسدة الإقدام ويحتمل هلاك طائفة للدفع عن بيضة الإسلام ومراعاة الأمور الكلية، والقول الثاني: المنع إذا لم يأتى رمي الكفار إلا برمي مسلم أو ذمي والمستأمن كالذمي. اهـ([98])

ويظهر من القول السابق أن مدار كلام العلماء سواء من أجاز ومن منع دائر على اعتبار المصالح، فإن كانت مصلحة أهل الإسلام متحققة من قتل الترس جاز وإلا منع، وإن كانت مفسدة ترك قتال الكفار والحالة هذه أعظم من مفسدة قتل من معهم ممن لا يجوز قتلهم، اغتفرت مفسدة الإقدام على القتل بجانب مصلحة الدفاع عن الإسلام وأهله ورد أعدائه الذين يريدون استباحة محرمات المسلمين، وهذا كله إذا كان تواجد آهل الإسلام بين أهل الكفر بسبب جائز كتجارة مثلا.

أما من كان معهم لغرض آخر مثل معاونتهم على المسلمين والخروج معهم لقتال أهل الإسلام أو التجسس على المسلمين وإخبار الأعداء بأخبار المسلمين فهو منهم وحكمه حكمهم وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في حكم أعوان الحكام.

قال ابن الهمام الحنفي: ولا بأس برميهم ـ أي الكفار في حصونهم ـ وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر، بل لو تترسوا بأسارى المسلمين وصبيانهم، سواء علم أنهم إن كفوا عن رميهم انهزم المسلمون أو لم يعلموا ذلك، إلا أنه لا يقصد برميهم إلا الكفار.... وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز رميهم في صورة تترس إلا إذا كان في الكف عن رميهم في هذه الحالة انهزام المسلمين وهو قول الحسن بن زياد. اهـ([99])

المذهب الثالث: مذهب من قال بالتفصيل والتفريق بين الحاجة إلى ذلك وغير الحاجة.

قال الشافعي رحمه الله: فإن قال قائل كيف أجزت الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين وفيهم الولدان والنساء وهم منهي عن قتلهم، قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بني المصطلق وهم غارون وأمر بالبيات وبالتحريق والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء، وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة، وإنما نهي أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا، فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجارا مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبهه غير محرم له تحريما بيّنا، وذلك أن الدار إن كانت مباحة فلا بيّن أن تحرق بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه، وإنما كرهت ذلك احتياطا، ولأن مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن نجاوزها فلا نقاتلها، وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق، ولكن إذا التحم المسلمون فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك لهم أن يفعلوه ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين: أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين.

فإن تترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقفون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل، وقد قيل يكف عن المتترس بهم، ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمون، فلا يكف عن المتترس ويضرب المشركين ويتوقى المسلمين جهده، فإن أصاب في شيء من هذه الحالات أعتق رقبة .اهـ([100])

وقال أيضا رحمه الله في العدو يغلقون الحصون على النساء والأطفال والأسرى هل ترمى الحصون بالمنجنيق؟ قال: إذا كان في حصن المشركين نساء وأطفال وأسرى مسلمون فلا بأس بأن ينصب المنجنيق على الحصن دون البيوت التي فيها الساكن، إلا أن يلتحم المسلمون قريبا من الحصن فلا باس أن ترمى بيوته وجدرانه، فإذا كان في الحصن مقاتلة محصنون رميت البيوت والحصون، وإذا تترسوا بالصبيان المسلمين أو غير المسلمين والمسلمون ملتحمون فلا بأس أن يعمدوا المقاتلة دون المسلمين والصبيان، وإن كانوا غير ملتحمين أحببت الكف عنهم حتى يقاتلوهم غير متترسين([101]).

ويظهر من قول الشافعي رحمه الله المعنى الذي ذكرناه سابقا من أن ترك قتل المسلم المختلط بأهل الكفر إنما يكون إذا كان هناك مندوحة لأهل الإسلام في ترك قتال الكفار، وهذا قد يكون في بعض صور جهاد الطلب غير المتعين، حيث يطلب المسلمون أهل الكفر في ديارهم وحصونهم، وذلك واضح في قوله رحمه الله: ولأن مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن نجاوزها فلا نقاتلها، وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق، ولكن إذا التحم المسلمون فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك لهم أن يفعلوه ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين: أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين. انتهى

أما إذا كان المسلمون يدافعون عن دينهم وحرماتهم، وقد أحاط بهم أهل الكفر من كل جانب وهم الذين يطلبونهم وإن ظفروا بهم عذبوهم وقتلوهم، أو حل الكفار بديار المسلمين يريدون حملهم على الكفر بقوة السلاح، ويقيمون فيهم أحكام الكفار بعد أن تركوا حكم الله تعالى، ففي هذه الحالة يتعين على كل مسلم قتال هؤلاء بما يستطيعه من أنواع القتال، ولا يُترك القتال الواجب المتعين لأجل من يُقتل من المسلمين عرضا لا قصدا، وكان من يُقتل في ذلك من أهل الإسلام يبعث على نيته بين يدي الله تعالى ونرجو أن يكون شهيدا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم، وإن لم يخف على المسلمين ففي جواز القتال المفضي إلى قتل هؤلاء قولان مشهوران للعلماء، وهؤلاء المسلمون إذا قتلوا كانوا شهداء، ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيدا، فإن المسلمين إذا قاتلوا الكفار فمن قتل من المسلمين يكون شهيدا، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغزو هذا البيت جيش من الناس، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم، فقيل: يا رسول الله وفيهم المكره، فقال صلى الله عليه وسلم: يبعثون على نياتهم) فإذا كان العذاب الذي ينزله الله بالجيش الذي يغزو المسلمين ينزله بالمكره، فكيف بالعذاب الذي يعذبهم الله به أو بأيدي المؤمنين، كما قال تعالى {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا}. اهـ ([102])

وقال ابن قدامة رحمه الله: وكذلك الحكم في فتح البثوق عليهم ليغرقهم إن قدر عليهم بغيره لم يجز، إذا تضمن ذلك إتلاف النساء والذرية الذين يحرم إتلافهم قصدا، وإن لم يقدر عليهم إلا به جاز كما يجوز البيات المتضمن لذلك، ويجوز نصب المنجنيق عليهم وظاهر كلام أحمد جوازه مع الحاجة وعدمها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وممن رأى ذلك الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نصب المنجنيق على أهل الطائف، وعن عمرو بن العاص أنه نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية، ولأن القتال به معتاد فأشبه الرمي بالسهام. اهـ([103])

وقال أيضا رحمه الله: وإن تترسوا بمسلم ولم تدع حاجة إلى رميهم لكون الحرب غير قائمة أو لإمكان القدرة عليهم بدونه أو للأمن من شرهم لم يجز رميهم، فإن رماهم فأصاب مسلما فعليه ضمانه، وإن دعت الحاجة إلى رميهم للخوف على المسلمين جاز رميهم لأنها حال ضرورة ويقصد الكفار، وإن لم يخف على المسلمين ولكن لم يقدر عليهم إلا بالرمي، فقال الأوزاعي والليث لا يجوز رميهم لقول الله تعالى {ولولا رجال مؤمنون ...} الآية، قال الليث: ترك فتح حصن قدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق، وقال الأوزاعي: كيف يرمون من لا يرونه؟ إنما يرمون أطفال المسلمين، وقال القاضي والشافعي: يجوز رميهم إذا كانت الحرب قائمة لأن تركه يفضي إلى تعطيل الجهاد، فعلى هذا إن قتل مسلما فعليه كفارة، وفي الدية على عاقلته روايتان. اهـ([104])

وبعد أن سردنا ما تيسر لنا من أقوال العلماء من المذاهب المختلفة في مسألة رمي الكفار إذا اختلطوا أو تترسوا بالمسلمين أو بمن لا يجوز قتلهم من النساء والصبيان أو الذميين أو المستأمنين، نخلص إلى أنه قد افترقت أقوال الفقهاء إلى ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: المنع مطلقا وهو المحكي عن مالك والأوزاعي.

المذهب الثاني: الجواز مطلقا مع سقوط الدية والكفارة وهو قول الأحناف وأحمد وبعض الحنابلة ومتأخري المالكية.

المذهب الثالث: التفصيل وهو قول الشافعية وجمهور الحنابلة، حيث لم يمنعوا رمي المشركين إذا تترسوا بغيرهم أو اختلطوا بهم طالما كانت هناك ضرورة أو حاجـة للمسلمين ولا يقصد مسلم ـ ومن لا يجوز قتله ـ بالرمي، وإن ترك الرمي في هذه الحالة يفضي إلى تعطيل الجهاد، وإن اختلفوا فيمن يقتل من المسلمين هل على قاتله الدية مع الكفارة أم الكفارة فقط، وهل تكون الدية عليه أم على العاقلة؟

والقول بهذا التفصيل ـ وخاصة قول الإمام الشافعي ـ هو القول الذي نطمئن إليه من جواز الرمي للضرورة والحاجة حتى لا يتعطل الجهاد، وبناء على ذلك فإننا نرى:

1. أن رمي مؤسسات الكفار والمرتدين في هذا الزمان أصبح من ضروريات الجهاد في حربنا مع الطواغيت، حيث يحارب المجاهدون المستضعفون جحافل جرارة شاكية السلاح تامة الاستعداد بحيث أصبح من الصعوبة بمكان الدخول معهم في مواجهة مفتوحة.

2. إن تحصن الطواغيت وقادة الكفر بالسيارات المصفحة وبالدروع الواقية وبالحراسات الكثيفة وإجراءات الأمن المعقدة بحيث أصبح من العسير جدا الوصول إليهم بغير استخدام المتفجرات والصواريخ وما أشبهها، ولذلك جاز رميهم بها.

3. يحرص الطواغيت وأعداء الله دائما على أن تكون تجمعاتهم ومواكبهم وسط الناس والجماهير مما يتعذر اقتناصهم منعزلين، وإذا تركنا جهادهم أدى ذلك إلى تعطيل الجهاد، ومما يجب التنبيه عليه أن من تمكن من قتله منعزلا من أعداء الله تعالى دون التعرض لقتل المسلمين أو من لا يجوز قتلهم، فإننا نقصده منعزلا ومنفردا بعيدا عن الناس وهذا أولى وأحرى، بل هو أوجب.

4. أثبتت هذه الوسائل ـ استعمال المتفجرات والصواريخ ـ فعالية شديدة وذلك في مصر والجزائر وفلسطين ولبنان وأحدثت نكاية شديدة في صفوف أعداء الله تعالى.

5. يجب أن يحرص المجاهدون على تكرار إنذار المسلمين المخالطين للطواغيت وأعوانهم بالابتعاد عن مقارهم ومكاتبهم وتجمعاتهم، ويكون الإنذار عاما بحيث لا يؤدي إلى كشف المجاهدين وإنزال الخسائر بهم.

6. لا ريب أن هؤلاء المخالطين للكفار والمرتدين وأعوانهم باختيار أقل حرمة في الدين من المسلمين المكرهين المتترس بهم الذين أباح العلماء رمي الكفار وهم وسطهم.

7. أما من يقتل من المسلمين فالذي يلزم المجاهدين خاصة الكفارة إن علموه مسلماً والدية احتياطاً للدين وخروجاً من الخلاف، ويؤجل دفع الدية إلى أن يفيض المال عن حاجة الجهاد، هذا إذا كان الاختلاط لسبب مباح مثل التجارة أو غيرها، ونحن نظن أن هؤلاء المقتولين شهداء، ونرى فيهم ما قاله شيخ الإسلام المجاهد ابن تيمية رحمه الله: وهؤلاء المسلمون إذا قتلوا كانوا شهداء، ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيدا.

وأما قول أصحاب الشبهات إن الجهاد الآن ينبغي أن يـُترك خروجاً من الشبهات، فليعلم هؤلاء أن ضياع الدين أعظم ضررا من ضياع المال والنفس، وهؤلاء أصحاب هذا القول لو علموا أقوال العلماء التي ذكرناها سابقا لما قالوا ما قالوه، ونحن نرى أن شبهتهم هذه لا قيمة لها بعد ما ذكرناه من التفصيل، وخاصة أن ما يقوم به المجاهدون في كثير من البلدان هو من جهاد الدفع لا من جهاد الطلب.

وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده.اهـ([105])

فهؤلاء ـ أصحاب هذا القول ـ ومن يوسوس لهم من علماء السلاطين الذين يسعون في تثبيط المسلمين عن الجهاد حتى يستولي عليهم الكفار ويقضون عليهم قضاء تاما لا يجب أن يستمع لهم، بل الواجب أن يستمع للعلماء المجاهدين كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين، فلا يؤخذ برأيهم ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا. اهـ([106])
المسألة الثالثة: حكم أعوان الطواغيت وجنودهم
* * * * *

أما من يٌقتلون من أعوان الطواغيت وجنودهم ومن يشاركهم في مواكبهم ومجالسهم ومؤتمراتهم وحربهم على الإسلام والمسلمين بأي صورة من صور المعاونة والمساعدة، فهؤلاء منهم لا فرق بينهم وبين الطواغيت الذين يقصدهم المجاهدون بالقتل، وهناك بعض المفاهيم الفاسدة التي يحتج بها هؤلاء ومن يدافعون عنهم نوردها فيما يلي مع بيان ما فيها من مؤاخذات ومخالفات:

أولا: أن الأتباع مبرؤون من المسئولية طالما أنهم ارتكبوا جرائمهم طاعة لأسيادهم، وهذه الفِرية الساقطة التي يتداولها أهل الباطل في كل زمان والتي تنتشر في كثير من البلدان الآن تحت اسم "عبد المأمور"، فما دمت عبداً للمأمور فأنت بريء معذور، فطالما أن السيد المعبود من دون الله قد أمرك فلا إثم عليك ولا حرج، سواء كان هذا السيد المطاع فرعونا أو ملكاً أو رئيسا أو نائبا لرئيس أو موظفا أعلى من غيره، المهم أن الأمر قد صدر إليك ممن هو أعلى منك.

ولأن هؤلاء يـَعبدون راتبهم من دون الله، ومن أجل هذا الراتب يعظمون أُناسا ويحتقرون آخرين، ويحبون أقواما ويبغضون آخرين، ويعادون أقواما ويوالون آخرين، ويسالمون أقواما ويقاتلون آخرين، فطالما أن الأمر قد صدر ممن يدفع الراتب فهذا الأمر شرعي واجب الطاعة ومُـنفذه سالم من أي عقوبة أو لوم.

فهذه العقيدة الجاهلية رفضها الإسلام تماما، وفضح القرآن الكريم قائليها وتوعدهم بالعقاب في الدنيا والخسران في الآخرة، يقول المولى تبارك وتعالى في وصف هؤلاء {إذ تبرأ الذين اتُبِعوا من الذين اتَّبَعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتُبِعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}([107]).

وقال تعالى {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}([108]).

وقال تعالى عن فرعون وجنوده {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}([109]).

وقال تعالى {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}([110]).

وقال تعالى {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدي بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين قال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}([111]).

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيـر هذه الآيات: {يقول الذين استضعفوا } وهم الأتباع {للذين استكبروا} منهم وهم قادتهم وسادتهم {لولا أنتم لكنا مؤمنين} أي لولا أنتم تصدونا لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاءوا به، فقال لهم القادة والسادة وهم الذين استكبروا {أنحن صددناكم عن الهدي بعد إذ جاءكم} أي أنحن فعلنا بكم أكثر من أنا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الرسل لشهوتكم واختياركم لذلك، ولهذا قالوا {بل كنتم مجرمين}،{وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار} بل مكركم بالليل والنهار{إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا} أي نظراء وآلهة معه وتقيموا لنا شبها وأشياء من المحال تضلونا بها، {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} أي الجميع من السادة والأتباع، كلٌ نَدِم على ما سلف منه {وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم{هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}، أي إنما نجازيكم بأعمالكم، كل بحسبه للقادة عذاب بحسبهم، والأتباع بحسبهم . اهـ([112])

فهذه الآيات وغيرها كثير في معناها يدل على أن الأتباع يحتجون هم ومن كانوا يطيعونهم في الدنيا أمـام الله تعالى يوم القيامــة، معتذرين ـ أي الأتبـاع ـ بأنهم كانوا ضعفاء مقهورين، وأنهم كانوا يطيعون أسيادهم حينما يأمرونهم بمعصية الله تعالى لأنهم الأسياد الذين تجب طاعتهم فهم القادة والعظماء والكبراء، وظن هؤلاء المجرمون أنهم ناجون بذلك من العذاب، فبين الله تعالى في قرآنه أنه جامعهم هم ومن كانوا يطيعونهم في الدنيا في العذاب، لا فرق بين تابع ومتبوع ولا يغني عنهم ما اعتذروا به شيئا.

وهذه العقيدة الفاسدة ـ عقيدة عدم مؤاخذة الأتباع إذا أمرهم الأسياد ـ ترفضها أحكام الشريعة أيضا للوجوه التالية:

1- قد تقرر من أحكام الشريعة أن الذي يتولى الكافرين وينصرهم بالقول والفعل ويقاتل المسلمين معهم فإن حكمه حكمهم([113]) وذلك:

+ لقوله تعالى {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}([114]).

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله: ومعنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنين الكفار ظهرا وأنصارا، توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك {فليس من الله في شيء} يعني بذلك فقد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. اهـ([115])

+ولقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}([116]).

قال الإمام الطبري رحمه الله: فالصواب أن يُحكم لظاهر التنزيل بالعموم على ما عَمَّ ...إلى قوله رحمه الله:

غير أنه لا شك أن الآية نزلت في منافق كان يوالي اليهود أو النصارى خوفا على نفسه من دوائر الدهر، لأن الآية التي بعد هذه تدل على ذلك، وذلك قوله تعالى {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة}.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يُقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله.

وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين وأن الله ورسوله منه بريئان ...إلى أن قال:

يعني تعالى ذكره بقوله {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، أي ومن يتول اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم.

يقول فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتول متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه. اهـ([117])

وقال جمال الدين القاسمي رحمه الله: قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} أي من جملتهم وحكمه حكمهم، وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة.اهـ([118])

وقال ابن تيمية رحمه الله: قال تعالى {ومن يتولهم منكم} فيوافقهم ويعينهم، {فإنه منهم}.

وقال أيضا في تفسير هذه الآية: والمفسرون متفقون على أنها نزلت بسبب قوم ممن كان يظهر الإسلام وفي قلبه مرض خاف أن يغلب أهل الإسلام فيوالي الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم للخوف الذي في قلوبهم لا لاعتقادهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كاذب وأن اليهود والنصارى صادقون. اهـ([119])

وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى {ومن يتولهم منكم} أي يعضدهم على المسلمين، {فإنه منهم}، بيَّن تعالى أن حكمه كحكمهم؛ وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة.... إلى قوله رحمه الله:

{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} شرط وجوابه: أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم، فصار منهم أي من أصحابهم.اهـ([120])

قال سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله: نهى سبحانه وتعالى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، وأخبر أن من تولاهم من المؤمنين فهو منهم، وهكذا حكم من تولى الكفار من المجوس وعباد الأوثان، فهو منهم ...إلى قوله رحمه الله:

ولم يفرق تبارك وتعالى بين الخائف وغيره، بل أخبر تعالى أن الذين في قلوبهم مرض يفعلون ذلك خوف الدوائر، وهكذا حال هؤلاء المرتدين. اهـ([121])

قلت: وهذه الآية وما ورد فيها من كلام أهل العلم والتفسير يدلان دلالة واضحة على كفر وردة من والى الكفار ونصرهم على المؤمنين أو كان معهم في قتال المسلمين.

وأبلغ من ذلك وأكبر من كان من جنود الكفار وعسكرهم الذين تتمثل مهمتهم في محاربة دين الله تعالى والصد عنه، وسُجل في دواوينهم وتسلم على محاربة المسلمين المرتبات والنياشين، وأبلى في ذلك أعظم البلاء وأنفق فيه الأعمار، فهذا كافر بالله العظيم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.

وما جر هؤلاء إلى موالاة أعداء الله تعالى وطاعتهم والكون معهم في حرب المسلمين وعداوتهم إلا أنهم كانوا فاسقين خارجين عن طاعة الله تعالى.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: الأمر الثالث من نواقض الإسلام موالاة المشرك والركون إليه ونصرته، وإعانته باليد أو اللسان أو المال، كما قال تعالى {فلا تكونن ظهيرا للكافرين}([122])، وقال تعالى {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين}([123])، وقال تعالى {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}، وهذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين من هذه الأمة، فانظر أيها السامع أين تقع من هذا الخطاب وحكم هذه الآيات. اهـ([124])

+ وقوله تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}([125]).

قال القرطبي: ظاهر هذه الآية أنها خطاب لجميع المؤمنين كافة، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة في قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين .... إلى أن قال رحمه الله:

{ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}، قال ابن عباس: هو مشرك مثلهم، لأن من رضي بالشرك فهو مشرك. اهـ([126])

وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ضمن نواقض الإسلام التي يكفر بها المسلم: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، لقوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}. اهـ([127])

وقال أيضا رحمه الله: إن كانت الموالاة مع مساكنتهم في ديارهم والخروج معهم في قتال ونحو ذلك فإنه يُحكم على صاحبها بالكفر، كما قال تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، وقوله تعالى {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}. اهـ([128])

+ ولقوله تعالى {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}([129]).

قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله: فأخبر تعالى أن سبب ما جرى عليهم من الردة وتسويل الشيطان وإملائه لهم، هو قولهم للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر.

فإذا كان من وعد المشركين الكارهين لما أنزل الله بطاعتهم في بعض الأمر كافرا وإن لم يفعل ما وعدهم به، فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما أنزل الله من الأمر بعبادته وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه من الأنداد والطواغيت والأموات وأظهر أنهم على هدى وأن أهل التوحيد مخطئون في قتالهم، وأن الصواب في مسالمتهم والدخول في دينهم الباطل، فهؤلاء أولى بالردة من أولئك الذين وعدوا المشركين بطاعتهم في بعض الأمر. اهـ([130])

فمن تأمل الآية الكريمة وكلام الشيخ سليمان رحمه الله علم حكم من والى الكفار ونفذ مخططاتهم في محاولة القضاء على الإسلام والمسلمين وكان اليد التي تبطش بكل من نادى بتحكيم شريعة الله تعالى العادلة في العالمين ودعا إلى ذلك.

فإذا كان من وعد الكفار بالطاعة في بعض الأمر ولَـمَّا ينفذ ما وعدهم به يعد كافرا مرتدا بنص الآية الكريمة، فما حكم من دخل فعلا في طاعتهم في بعض الأمر؟ فما حكم من دخل في طاعتهم في كل الأمر وكان منفذا لكل ما يقولون؟ هو كافر لا شك في ذلك.

وقد قال الشيخ الشنقيطي: والآية الكريمة تدل على أن كل من أطاع من كره ما نزل الله في معاونته له على كراهته ومؤازرته له على ذلك الباطل أنه كافر بالله([131]).

وقد سُئل ابن يتيمة رحمه الله عمن يتعمد قتل المسلم بسبب دينه فأجاب رحمه الله: أما إذا قتله على دين الإسلام مثل ما يقاتل النصراني المسلمين على دينهم، فهذا كافر شر من الكافر المعاهد، فإن هذا كافر محارب بمنزلة الكفار الذين يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهؤلاء مخلدون في جهنم كتخليد غيرهم من الكفار.

وأما إذا قتله قتلا محرما لعداوة أو مال أو خصومة ونحو ذلك، فهذا من الكبائر، ولا يكفر بمجرد ذلك عند أهل السنة والجماعة، وإنما يُكفِّر بمثل هذا الخوارج. اهـ([132])

ووجه كفر الحكام المرتدين وجنودهم وأعوانهم في هذه المسألة هو اعتبارهم قتل المسلمين المتدينين والمجاهدين أمرا مشروعا مباحا، وذلك بموجب قوانينهم الوضعية الكافرة والتي تعاقب بالقتل كل من أراد تغير نظام الحكم الجاهلي إلى نظام إسلامي يحكم الناس فيه بشريعة الله رب العالمين.

ومن استحل دم المسلم المعصوم بغير حق بهذه القوانين الكافرة الجائرة فقد كفر بالله العظيم، لأن استحلاله هذا هو من باب التكذيب للنصوص المتواترة الدالة على حرمة دماء المسلمين.

ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله: والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء. اهـ([133])

والملاحظ من كلام شيخ الإسلام أنه قسم القتال في ذلك إلى قسمين: قتال بسبب الدين والعقيدة والمنهج، وقتال بسبب العداوة على أمر الدنيا أو المال أو الخصومة، وأن من قاتل المسلم على دينه وبسبب عقيدته فهو كافر خالد في نار جهنم وهو بمنزلة الكفار الذين كانوا يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن عرف حال هؤلاء الطواغيت وجنودهم وأعوانهم وما يقاتلون عليه المسلمين والمجاهدين، علم يقينا دخولهم في كلام شيخ الإسلام رحمه الله السابق.

فمن المعلوم لكل أحد أنه لا خصومة بين المسلمين وهؤلاء الطواغيت إلا رفض الطواغيت تحكيم شريعة رب العالمين في خلقه، وليس لهم خصومة على مال أو أمر من أمور الدنيا.

وليس أدل على كره هؤلاء الطواغيت وجنودهم لدين الإسلام من قتالهم المسلمين ـ والقتال هو أعلى مظـاهر البغض والكره ـ وهـذا هو المناط المكفر الثاني ـ بعد استحلال المحرم ـ في هذه المسألة.

وقد قال ابن تيمية رحمه الله عن حكم من يقاتل المسلمين معتقدا حل دمائهم: فالذي يعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم أولى بأن يكون محاربا لله ورسوله ساعيا في الأرض فسادا من هؤلاء.

كما أن الكافر الحربي الذي يستحل دماء المسلمين وأموالهم ويرى جواز قتالهم أولى بالمحاربة من الفاسق الذي يعتقد تحريم ذلك. اهـ([134])

2- وقد تقرر في أحكام الشريعة أن الذي يلحق بطائفة يحكم عليه بحكمها ويعاقب معها.

قال ابن تيمية رحمه الله: وإذا كان المحاربون الحرامية جماعة، فالواحد منهم باشر القتل، والباقون له أعوان وردء له، فقد قيل: إنه يقتل المباشر فقط، والجمهور على أن الجميع يقتلون، ولو كانوا مائة، وأن الردء والمباشر سواء، وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل ربيئة المحاربين، والربيئة هو الناظر الذي يجلس على مكان عال، ينظر منه لهم من يجيء، ولأن المباشر إنما تمكن من قتله بقوة الردء ومعونته. اهـ([135])

وقال ابن قدامة رحمه الله: وحكم الردء من القطاع حكم المباشر، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: ليس على الردء إلا التعزير لأن الحد يجب بارتكاب المعصية فلا يتعلق بالمعين كسائر الحدود.

ولنا: أنه حكم يتعلق بالمحاربة، فاستوى فيه الردء والمباشر كاستحقاق الغنيمة، وذلك لأن المحاربة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة، فلا يتمكن المباشر من فعله إلا بقوة الردء. اهـ([136])

قال ابن حزم: ولو أن كافرا مجاهدا غلب على دار من دور الإسلام، وأقر المسلمين بها على حالهم إلا أنه هو المالك لها المنفرد بنفسه في ضبطها، وهو معلن بدين غير دين الإسلام، لكفر بالبقاء معه من عاونه وإن ادعى أنه مسلم. اهـ([137])

وقال ابن حزم أيضا: وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو لامتناع طريق فهو معذور، فإن كان هنالك محاربا للمسلمين معينا للكفار بخدمة طريق أو كتابة فهو كافر. اهـ([138])

وقد استقرت أحكام الشريعة بأن من كان مع قوم غير منكر عليهم فحكمه حكمهم فيما يأتونه، لأن وجوده معهم بغير إكراه يدل على إقراره لأفعالهم ورضاه عنها، ولذلك فقد قال تعالى {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا}([139]).

قال الطبري رحمه الله: قوله {إنكم إذا مثلهم} يعني إن جالستم من يكفر بآيات الله ويُستهزأ بها وأنتم تسمعون فأنتم مثلهم.

يعني: فإن لم تقوموا عنهم في تلك الحال مثلهم في فعله؛ لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يكفر بها ويُستهزأ بها كما عصوه باستهزائهم بآيات الله، فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتوا منها، فأنتم إذا مثلهم في ركوب معصية الله وإتيانكم ما نهاكم الله عنه. اهـ([140])

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يُكفر فيه بآيات الله ويُستهزأ بها ويتنقص بها وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال تعالى {إنكم إذا مثلهم} ... إلى قوله رحمه الله:

وقوله {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} أي: كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبدا ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال. اهـ([141])

فإذا كان الله جل ثناؤه قد حكم على من يجلس مع الكفار وهم يكفرون ويستهزءون بآيات الله تعالى ولم يقم عنهم، أنه كافر مثلهم وحكمه حكمهم وسيحشرون محشرا واحدا يوم القيامة.

فما حكم من يذهب إليهم مختارا ويجلس معهم وهم يكفرون بآيات الله تعالى ويستهزءون بها.

وقد جمعوا إلى ذلك التخطيط المستمر لفتنة المسلمين وصدهم عن دينهم واستحلال حرماتهم وصدهم عن سبيل ربهم، والتخطيط ليل نهار للقضاء على دين الله تعالى وشرائعه وأحكامه في الأرض وإحلال القوانين الوضعية الكافرة مكان شريعة الله تعالى تنفيذا لأوامر أسيادهم في الكونجرس أو مجلس العموم أو الكرملين.

فمما لا شك فيه أن هؤلاء أشد كفرا ممن ذكرهم الله تعالى في الآية الكريمة، ولا ينفعهم أن يعتذروا عن ذلك بخوفهم من قوة الكفار ومكرهم فإن الله تعالى لم يعذر أحدا إلا المكره كما سبق في كلام أهل العلم.

ولذلك قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}([142]): قال علماؤنا: فالفتنة إذا عمت هلك الكل، وذلك عن ظهور المعاصي وانتشار المنكر وعدم التغيير .... إلى قوله:

إن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره فإذا سكت عليه فكلهم عاص؛ هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة الفاعل فانتظم في العقوبة.اهـ([143])

وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما (إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم)، قال: ويستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار ومن الظلمة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس إلى التهلكة، هذا إن لم يعنهم ولم يرض بأفعالهم، فإن أعان أو رضي فهو منهم. اهـ([144])

ولذلك كان مضحكا أن يخرج علينا الإعلام الرسمي للحكومات المرتدة العميلة في هذا الزمان‎ بأن هؤلاء الجنود والأعوان أبرياء (وذلك بعد أي عملية للمجاهدين يقتل فيها من يقتل من الجنود وأعوان الطواغيت) !!!.

فهؤلاء الأبرياء هم أعوان هذه الحكومات المرتدة العميلة وأنظمتهم الذين يحاربون بهم الإسلام، وبأيديهم ينفذون جرائمهم وكفرهم.

هؤلاء الأبرياء هم الجنود والأوتاد الذين يثبتون أركان هذه الحكومات المرتدة العميلة التي تمنع حكم الإسلام وتفرض الدستور العلماني والقوانين الوضعية بقوة السلاح وبالمعتقلات والتعذيب وهتك الأعراض والانتخابات المزورة والإعلام المضلل.

هؤلاء الأبرياء هم ممثلوا الحكومات المرتدة العميلة التي تطارد المجاهدين والدعاة بالاتفاقات الأمنية في كل مكان.

هؤلاء الأبرياء هم ممثلوا الحكومات المرتدة العميلة الذين يمارسون أشد أنواع البطش والتنكيل ضد المسلمين، حيث يرزح في سجونها آلاف المعتقلين، يُقتل منهم كل شهر عشرات من التعذيب والتجويع والتنكيل، وحيث المحاكمات العسكرية التي تـُصدر أحكام الإعدام ظلما وعدوانا على الشباب المسلم لأبسط الأسباب.

هؤلاء الأبرياء هم ممثلوا الحكومات التي ارتمت تحت أقدام أمريكا وباعت لها بلاد المسلمين، وحولت جيوشها إلى مرتزقة يحاربون دفاعا عن مصالح أمريكا في الكويت والعراق والصومال والبوسنة، ومنحتهم القواعد والمطارات والتسهيلات العسكرية في الأرض والبحر والجو.

هؤلاء الأبرياء هم ممثلوا الحكومات التي باعت فلسطين، واعترفت بإسرائيل، واستسلمت لها، وقبلت منها سيناء منزوعة السلاح بدون سيادة، وفتحت لإسرائيل سفارة في قاهرة صلاح الدين يرفرف فوقها علم إسرائيل مدنسا سماء مصر ومتحديا مآذنها.

هؤلاء الأبرياء هم ممثلوا الحكومات التي تعمل وكيلا لإسرائيل في المنطقة للدعوة إلى الاستسلام وفتح السفارات في إسرائيل وتمهيد الأرض أمامها لغزو المنطقة اقتصاديا وثقافيا.

وبالمناسبة فإن كل الحكومات التي تسمي نفسها عربية أو إسلامية، وكل الحركات العلمانية والقومية في المنطقة قد باعت فلسطين لإسرائيل، ولا تتصور أن تعود فلسطين محررة كما يدجلون أو على التحقيق كما كانوا يدجلون.

فإن كل هذه الدول والحركات تعترف بشرعية الأمم المتحدة وقراراتها وإسرائيل عضوا في الأمم المتحدة يلتزم جميع الأعضاء بقرارات المنظمة التي تقر بوجود إسرائيل، حتى منظمة التحرير يوم أن كانت تدعي الثورية كانت تطالب بوطن يضم اليهود والمسلمين والنصارى في دولة علمانية، أي أنهم قد احتفظوا للملايين من اليهود المهاجرين بقوة السلاح بحقهم في أرض فلسطين وحكومتها، هذه كانت ادعاءاتهم يوم أن كانوا في قمة التشدد، أما الآن وهم في حضيض الاستسلام فلم يبقوا على شيء.

وهذه المسألة الهامة: أردت أن أنبه القارئ الكريم إليها لأنها من الفروق العملية بين العلمانيين من الشيوعيين والناصرين والبعثيين والقوميين وأشباههم وبين المسلمين، فكل هؤلاء من غير المسلمين قد باعوا فلسطين ولكنهم اختلفوا فقط على ثمن البيع: هل هو السلام؟ أم بلدية ياسر عرفات؟ أم حدود 1967 م؟ .... إلخ، أما عودة فلسطين للأمة المسلمة فقد فرطوا فيها منذ رضاهم باتفاقيات الهدنة عام 1949م ومنذ رضاهم بشرعية الأمم المتحدة.

لم يبق لفلسطين إلا المسلمون لأنهم لا يستطيعون التفريط في أصولٍ، إنكارها يعد إنكارا لأمور معلومة من الدين بالضرورة يكفر من ينكرها، فالمفرط بفلسطين يقر بشرعية اغتصاب الكفار لأرض المسلمين ويقر بإسقاط الجهاد ضد الكفار المستولين على ديار المسلمين.

فهذه من المسائل الهامة التي فرط فيها العلمانيون، وليس هذا بمستغرب فإنهم لما فرطوا في دينهم هان عليهم التفريط في أرضهم وأعراضهم وحرماتهم وحقوق أمتهم.

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
فانتبهوا أيها الإخوة المسلمون لهذا الفارق الهام بين المسلمين والعلمانيين، وشَنِّعُوا عليهم به وافضحوا عوراتهم بنشره.

وهؤلاء الأبرياء هم ممثلوا الحكومات المرتدة العميلة التي تسرق ثروات المسلمين وتسلمها لأمريكا وإسرائيل، وتنفق على جيوش أمريكا وحلفائها من أموال المسلمين حماية لمصالح أمريكا والغرب.

وهؤلاء الأبرياء هم ممثلوا الحكومات المرتدة العميلة التي تنشر الفسق والعهر في الإعلام الرسمي باسم الفن والثقافة.

الحكومة المرتدة يـُخرج عليها ويـُقتل أعوانها وجنودها حتى ولو كانوا من أبناء نفس الوطن والعشيرة

ومن القيم الفاسدة التي يرددها الإعلام والمفتونين من العملاء أيضا: تلك المقولة المتهافتة وملخصها: كيف يقتل المسلم الوطني أبناء وطنه؟ وهذه المقولة ساقطة في حساب الإسلام ودالة على تناقضهم وتخبطهم:

أ- فأما في حساب الإسلام: فإن مناط الموالاة والمعادة، هو الدين وليست العصبية أو القومية أو غيرها من الروابط الأرضية:

يقول المولى سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وأبناءكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}([145]).

ويقول عز من قائل {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}([146]).

ويقول سبحانه وتعالى {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير}([147]).

ويقول الله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}([148]).

ب- في حساب الإسلام وأصول شريعته يقدم قتال هؤلاء الحكام المرتدين على غيرهم من الكفار الأصليين لثلاثة أسباب:

الأول: أنه قتال دفع متعين وهو مقدم على قتال الطلب، لأن هؤلاء الحكام المرتدين عدو تسلط على بلاد المسلمين.

قال ابن تيمية: أما قتال الدفع، فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه. اهـ([149])

الثاني: أن المرتد أغلظ جرما من الكافر الأصلي.

قال ابن تيمية: وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي([150])، وقال أيضا: وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي([151])، وقال أيضا: والصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة بدءوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه، وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة وإظهار الدين، وحفظ رأس المال مقدم على الربح([152]).

الثالث: لأنهم العدو الأقرب.

قال ابن قدامة: مسألة: ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو، والأصل في هذا قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}([153])، ولأن الأقرب أكثر ضررا، وفي قتاله دفع ضرره عن المقابل له وعمن وراءه، والاشتغال بالبعيد عنه يُمَكِّنه من انتهاز الفرصة في المسلمين لاشتغالهم عنه ....إلى أن قال:

إذا ثبت هذا فإن كان له عذر في البداية بالأبعد لكونه أخوف أو المصلحة في البداية به لقربه وإمكان الفرصة منه، أو لكون الأقرب مهادنا أو يمنع من قتاله مانع فلا بأس بالبداية بالأبعد لكونه موضع حاجة).اهـ([154])

ج- أما دلالة هذا القول على تناقض هذا الإعلام : فلأن الذين تقتلهم الحكومة المصرية وتعلقهم على المشانق بأحكام محاكمها العسكرية وتسلخ جلودهم وتنتهك أعراضهم وتقتلهم تحت الضرب والتعذيب هم من المصريين، ولكن يفعل بهم كل هذا إرضاء لأعداء الأمة من الأمريكان واليهود.

كانت هذه بعض المعاني الفاسدة التي ينسفها المجاهدون مع كل عملية استشهادية، هؤلاء المجاهدون الذين يمثلون جيلا قرر أن يضحي بنفسه وماله في سبيـل الله، لأنهم علموا أن هذا هو طريق الانتصـار ـ طريق الشهادة والحرص على الموت ـ وهو السلاح الذي لا يملكه الطواغيت وأعوانهم الذين يعبدون راتبهم من دون الله، ذلك الجيل الذي كفر بوهن الآخرين وضعفهم وتنازلهم عن الحق لإرضاء الحكام دون جدوى، أولئك الحكام الذين لا يرضون إلا أن يتابعهم المحكومون على ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}([155]).

ذلك الجيل الذي آل على نفسه أن يرسم الطريق لمن بعده حتى وإن كان نصيبه أن يقتل وأن يلقى الله على الحق غير مفرط ولا متردد قبل أن يدرك النصر، ذلك الجيل الذي يقدم كل شيء قربة إلى الله تعالى في الوقت الذي تتساقط فيه الأسماء الرنانة على الطريق في متاهات الدنيا وفتنها، مغلفة قعودها بالفتاوى والتبريرات المكشوفة، ذلك الجيل الذي اعتز بالله تعالى واستعان به وأيقن أن عدوه لابد وأن يسقط لأن هذه هي سنة الله مع أعدائه.

ولا يسعنا في ختام هذه الكلمات إلا أن نتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يتغمد جميع الشهداء الكرام ـ الذين يقدمون أرواحهم فداءاً لهذا الدين ـ برحمته سبحانه، وأن يجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء، فإننا نتعلم منهم ما لم نتعلمه من آلاف الكتب والمواعظ، ونسأل الله سبحانه أن يثبتنا على طريق الجهاد حتى يتوفانا وهو راض عنا غير مبدلين ولا متخاذلين، وأن يجعل مصارع هؤلاء العملاء على أيدينا وأيدي إخواننا وأن يريهم منا ما يحذرون وينزل عليهم بأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين، وهذا آخر ما نذكره في هذه الرسالة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الهوامش

([1]) سورة البقرة، الآية:190.

([2]) سورة التوبة، الآية: 5.

([3]) سورة التوبة، الآية: 26.

([4]) سورة التوبة، الآية: 12.

([5]) رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي= =والبيهقي والبزار والطبراني عن جابر وأبي هريرة وكعب بن مالك وعائشة وزيد بن ثابت والحسين بن علي والنواس بن سمعان ونعيم بن مسعود y.

([6]) رواه أحمد والحاكم والبيهقي عن عبد الرحمن بن يعمر t.

([7]) رواه مسلم وابو داود والنسائي وأحمد عن تميم ، والترمذي وأبو نعيم عن أبي هريرة، وأحمد والبخاري في التاريخ عن ابن عباس t.

([8]) شرح صحيح مسلم للإمام النووي، ج12/45.

([9]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج6/158.

([10]) سورة التوبة، الآية: 111.

([11]) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح.

([12]) راجع زاد المعاد، ج3/212. بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط.

([13]) فتح الباري ج6/10.

([14]) سورة الأنفال، الآية: 39.

([15]) راجع البداية والنهاية، ج13/119، وتفسير ابن كثير،ج2/67.

([16]) سورة التوبة، الآية: 12.

([17]) صحيح مسلم بشرح النووي، ج12/229، وفتح الباري،ج13/9.

([18]) رواه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

([19]) سورة البقرة، الآية: 216.

([20]) تفسير القرطبي، ج3/43، ط دار الحديث.

([21]) فتح الباري، ج6/14.

([22]) رواه أحمد برقم 10361.

([23]) رواه أحمد برقم 1883.

([24]) رواه مسلم برقم 3503، وابن ماجة برقم 3967.

([25]) سورة البروج، الآية: 4 : 8.

([26]) الحديث رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام، ورواه أحمد عن صهيب t.

([27]) مجموع الفتاوى، ج28/540.

([28]) سورة لقمان، الآية: 17.

([29]) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والطبراني في الكبير وابن عدي عن أبي أمامة t، وأحمد والنسائي والبيهقي عن طارق= =ابن شهاب، والحاكم عن أبي سعيد t، وإسناده جيد.

([30]) رواه ابن ماجة في كتاب الفتن وأحمد في مسنده وهو حسن.

([31]) تفسير القرطبي، ج19/293. ط مكتبة المعارف، دمشق.

([32]) المراد بشرع من قبلنا الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة، ولا خلاف بين العلماء في أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يوجبه أو يصححه، ولا خلاف أيضا بينهم في= =أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا إذا ورد ما يُخالفه في شرعنا، ولكن الخلاف بين العلماء فيما كان شرعا لمن قبلنا ولم يأت في شرعنا ما يصححه أو يعتبره أو ما يُبطله، والراجح والله أعلم أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يُبين عدم اعتباره، وذلك لأن حكايتة مع السكوت عليه يعتبر من باب الإقرار له، راجع في هذه المسألة: المستصفى للغزالي ص:132 وما بعدها، والإحكام للآمدي ج2/186 وما بعدها، وشرح مُسَلَّم الثبوت لعبد العلي محمد الأنصاري ج2/184ـ185، الإحكام لابن حزم ج5/724، تفسير القرطبي ج7 / 38، ط دار الحديث القاهرة.

([33]) سورة طه، الآية: 72، 73.

([34]) سورة السجدة، الآية: 24.

([35]) سورة الحج، الآية: 41.

([36]) سورة الحديد، الآية: 25.

([37]) سورة آل عمران، الآية: 187.

([38]) البداية والنهاية للحافظ ابن كثير، ج12/342، 343. مكتبة المعارف: بيروت.

([39]) سورة الأعراف، الآية: 89.

([40]) فتح الباري، ج12/330.

([41]) صحيح مسلم حديث رقم 1902.

([42]) صحيح مسلم حديث رقم 1901.

([43]) سورة الأحزاب، الآية: 23.

([44]) فتح الباري، ج6/26 : 29، شرح حديث رقم 2805.

([45]) رواه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة أحد حديث رقم4046.

([46]) رواه الحاكم.

([47]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر رقم 6092.

([48]) رواه البخاري في كتاب الجهاد رقم 2845، وفي زيادة في غير الصحيحين (فتقدم فقاتل حتى قتل)، وفي أخرى (فحمل فقاتل حتى قتل).

([49]) رواه أبو داود عن ابن مسعود وأحمد وابن حبان والحاكم بسند حسن.

([50]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر رقم 6092.

([51]) راجع فتح الباري، كتاب التفسير شرح حديث رقم4516.

([52]) رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم.

([53]) سورة النساء، الآية: 84.

([54]) أخرجه أحمد في مسنده، راجع فتح الباري كتاب التفسير شرح الحديث رقم 4516.

([55]) شرح السِّير الكبير، ج1/163 ـ 164.

([56]) سورة التوبة، الآية: 111.

([57]) سورة آل عمران، الآية: 169.

([58]) سورة البقرة، الآية: 207.

([59]) أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص، ج3/262 - 263، طبعة دار الفكر.

([60]) مجموع الفتاوى، ج28/540.

([61]) الإنصاف في معرفة الخلاف على مذهب الإمام أحمد للمرداوي، ج 4 / 125، ط السنة المحمدية.

([62]) زاد المعاد، ج3/211.

([63]) فتح الباري كتاب التفسير، ج8/33، شرح حديث رقم4516.

([64]) فتح الباري، ج6/26 : 29، شرح حديث رقم 2805.

([65]) رواه مسلم كتاب الجهاد باب غزوة أحد.

([66]) سورة لقمان، الآية: 17.

([67]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج2/364، ط مؤسسة مناهل العرفان: بيروت، والحديث رواه الحاكم والضياء عن جابرt بلفظ (سيدالشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) ورواه الطبراني في الكبير عن علي t بلفظ قريب من هذا.

([68]) رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين،ج3/222.

([69]) فتح الباري، ج12/330.

([70]) راجع فتح الباري، كتاب التفسير شرح حديث رقم4516.

([71]) رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم.

([72]) فتح الباري، ج6/26 : 29، شرح حديث رقم 2805.

([73]) رواه البخاري كتاب المغازي حديث رقم 4086، ورواه أبو داود وابن سعد.

([74]) نيل الأوطار، ج7/253 : 255. ط دار الكتب العلمية : بيروت.

([75]) معالم السنن للخطابي، ج4/9، ط دار المعرفة: بيروت.

([76]) فتح الباري، كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، ص444.

([77]) المغني لابن قدامة كتاب الجهاد، ج 8 / 483، ط مكتبة الرياض الحديثة.

([78]) الإنصاف في معرفة الخلاف للمرداوي، ج4/124، ط السنة المحمدية.

([79]) سورة النحل، الآية: 106.

([80]) أخرجه البخاري كتاب الإكراه باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر.

([81]) تفسير القرطبي، ج10/ 188، ط مؤسسة مناهل العرفان: بيروت، والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور، ج4/133.

([82]) سورة لقمان، الآية: 17.

([83]) رواه الحاكم والضياء عن جابر ورواه الطبراني في الكبير عن علي t.

([84]) رواه أبو داود والبخاري في التاريخ عن أبي هريرة t وهو صحيح.

([85]) أحكام القرآن للجصاص، ج3/263. ط دار الفكر، وراجع تفسير القرطبي، ج2/364. ط مؤسسة مناهل العرفان: بيروت.

([86]) سورة آل عمران، الآية:21.

([87]) تفسير القرطبي، ج4/48. ط مؤسسة مناهل العرفان: بيروت.

([88]) حاشية ابن عابدين، ج3/222.

([89]) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ص 208، فتوى رقم 1479.

([90]) المدونة للإمام مالك رواية سحنون بن سعيد، ج2/25.

([91]) المغني، ج 8/487. ط مكتبة الرياض الحديثة.

([92]) الجهاد والفدائية في الإسلام للشيخ حسن أيوب، ص165:167.

([93]) رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما.

([94]) رواه أحمد في مسنده.

([95]) تفسير القرطبي، ج16/286: 288، ط: مؤسسة مناهل العرفان.

([96]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج2/178، ط دار الفكر: بيروت، وراجع منح الجليل شرح مختصر خليل للشيخ محمد عليش، ط دار الفكر: بيروت.

([97]) أحـكام القرآن للجصاص، تفســـير سورة الفتح، ج3/395:396.

([98]) مغني المحتاج، ج4/224، ط: الحلبي، راجع حاشية ابن عابدين، ج3/223.

([99]) فتح القدير لابن الهمام الحنفي، ج5/448، ط: دار الفكر، بيروت.

([100]) الأم للشافعي، ج2/244، وراجع ص 246.

([101]) الأم للشافعي، ج2/246.

([102]) مجموع الفتاوى، ج28/546 : 547، وراجع ج4/607:608، والآية من سورة التوبة: 52.

([103]) المغني لابن قدامة، ج4/448 : 449، ط مكتبة الرياض.

([104]) المغني، ج4/450 : 451، وراجع الإنصاف في معرفة الخلاف للمرداوي، ج4/129.

([105]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية، ج4/608 : 609.

([106]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية، ج4/609 : 610.

([107]) سورة البقرة، الآية: 166 - 167.

([108]) سورة الأحزاب، الآية: 64 - 68.

([109]) سورة القصص، الآية: 38 - 42.

([110]) سورة إبراهيم، الآية: 21.

([111]) سورة سبأ، الآية: 31 ـ 33.

([112]) تفسير ابن كثير، ج3/539.

([113]) أصل الموالاة من الوَلْي ـ بسكون اللام ـ وهو القرب والدنو، ومنه قوله r للغلامكل مما يليك) أي مما يقاربك.ووالى بين شيئين: تابع بينهما بلا تفرقة، فأصل الموالاة: القرب والمتابعة، والولي ضد العدو، والولي هو:الناصر والمعين والحليف والمحب والصديق والقريب في النسب والمُعتِق والمُعتـَق والعبد، وكل من قام بأمر فهو وليه؛ كولي الأمر وولي المرأة، وضد الموالاة المعاداة؛ وهي المباعدة والمخالفة، والبراء بمعنى الخلاص والتباعد، يقال برئ إذا تخلص وتنزه وتباعد، وليلة البراء ليلة يتبرأ فيها القمر من الشمس وهي أول ليلة من الشهر، (راجع لسان العرب لابن منظور، مادة: ولي، ج 15 / 406 : 415)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الولاية ضد العداوة؛ وأصل الولاية المحبة والقرب؛ وأصل العداوة البغض والبعد؛ والولي القريب، يقال هذا يلي هذا أي يقرب منه. فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه؛ كان المعادي لوليه معاديا له، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}.(راجع الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية / 7)، وقال محمد نعيم ياسين: اعلم أن لفظ الولاية مشتق من الولاء وهو الدنو والقرب، والولاية ضد العداوة، والولي عكس العدو. والمؤمنون أولياء الرحمن؛ والكافرون أولياء الطاغوت والشيطان. ومن هنا يتبين أن موالاة الكفار تعني التقرب إليهم وإظهار الود= = لهم بالأقوال والأفعال والنوايا .... إلى أن قال: ويدخل فيه معاونتهم والتآمر والتخطيط معهم وتنفيذ مخططاتهم والدخول في تنظيماتهم وأحلافهم والتجسس من أجلهم ونقل عورات المسلمين وأسرار الأمة إليهم والقتال في صفهم. (راجع الإيمان لمحمد نعيم ياسين / 111)

([114]) سورة آل عمران، الآية: 28.

([115]) تفسير الطبري، ج 6 / 313.

([116]) سورة المائدة، الآية: 51.

([117]) تفسير الطبري، ج6/276 : 277.

([118]) محاسن التأويل للقاسمي، ج6/240.

([119]) مجموع الفتاوى، ج7/193 : 194.

([120]) تفسير القرطبي، ج6/217.

(3) الرسالة الحادية عشرة من مجموعة التوحيد/338.

([122]) سورة القصص، الآية: 86.

([123]) سورة القصص، الآية: 17.

([124]) المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال/291.

([125]) سورة التوبة، الآية: 23.

([126]) تفسير القرطبي، ج 8 / 93 : 94.

([127]) مجموعة التوحيد / 33.

([128]) مجموعة التوحيد / 175.

([129]) سورة محمد، الآية: 25 : 28.

([130]) الرسالة الحادية عشرة من مجموعة التوحيد/346 : 347.

([131]) أضواء البيان، ج7/587 : 560.

([132]) مجموع الفتاوى، ج 34 / 136 : 137.

([133]) مجموع الفتاوى، ج 3 / 267.

([134]) مجموع الفتاوى، ج 28 / 470.

([135]) مجموع الفتاوى، ج28/311.

([136]) المغني، ج8/297.

([137]) المحلى، ج11/200، وقول ابن حزم: (كافرا مجاهدا) لعله تصحيف صوابه (كافرا مجاهرا) والله أعلم.

([138]) المحلى، ج11/200.

([139]) سورة النساء، الآية: 140.

([140]) تفسير الطبري، ج 9 / 320 : 322.

([141]) تفسير ابن كثير، ج 1 / 566 : 567، ط دار المعرفة بيروت.

([142]) سورة الأنفال، الآية: 25.

([143]) تفسير القرطبي، ج 7/374 : 375، وراجع أحكام القرآن لابن العربي، ج2 / 847.

([144]) فتح الباري، ج13/61، والحديث رواه البخاري رقم 7108.

([145]) سورة التوبة، الآية: 24.

([146]) سورة المجادلة، الآية: 22.

([147]) سورة الممتحنة، الآية: 4.

([148]) سورة التغابن، الآية: 14.

([149]) الاختيارات الفقهية، ص 309.

([150]) مجموع الفتاوى، ج28/478.

([151]) مجموع الفتاوى، ج28/524.

([152]) مجموع الفتاوى، ج35/158 - 159.

([153]) سورة التوبة، الآية: 123.

([154]) المغني والشرح الكبير، ج10/372.

يتبع

lkhtabi
18-01-2006, 04:08 PM
القدس عاصمة إسرائيل = الاستشهاد ولا بديل
(في أمة مقَاتَلة... القول للمقاتِلة)



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً

لم يعد هناك حدود للبغي الأمريكي والصهيوني على الإسلام والمسلمين؛ فاستفزازاهما وتقصدهما للمسلمين لا ينكره إلا من أعمى الله بصيرته؛ جراء سحت يأكله أو غول يتعاطاه. لم تكتف أمريكا عبدة الصهاينة بكل ما فعلته بالمسلمين من قتل وخيانات، وحصار ومؤامرات، وسفالة ونهب ثروات، حتى انبعث أشقاها بالأمس ليقرر علنا أن "الكونـ جرس"، التابع للكنيست، قد قرر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بدون علم "الرئيس" الدمية البلاستيكي بوش، الذي برطم بدوره؛ فقط لأنه لم يكن هو المتقيئ بالبشارة الصهيونية، والغدرة الاستفزازية لأمة الإسلام.

وتشاغل الحكام العرب كالعادة عن الخبر، وقد أُعلموا سلفاً، فشنوا الحملات الأمنية المعهودة قبل كل طبخة وغدرة مقصودة، ثمناً لما أكلوا ثمنه مسبقاً، وعربون ما يرجونه لاحقاً، فقد حان وقت الأداء وذهب زمن الحياء! فلتذهب الشعوب والمقدسات إلى ... وليبق الحكام ... أعداء الشريعة والإسلام.

ثم تخاذل المشايخ وعلماء السلاطين، أكلة السحت وورثة سجين، ومنهم من غمغم؛ فأغَمَّ وغَمَّ؛ لا بيَّن ولا انكتم. جبنوا وتقاعصوا عن نصرة المسلمين والإسلام، بعدما أكلوا منهما اللحم وتلمظوا للعظام! وكنزوا ثمن تواطئهم مع الحكام؛ فحرَّموا الخروج عليهم ولو حكموا بالكفر البواح ... والتظاهر ضدهم، وخذلوا إخوانهم من العلماء الثقات، وأجازوا لحكام الغفلة التعدي على قادة الأمة بالسجن والنفي وغيره ... كانوا ولا يزالون للأسف كالكلب المدرب؛ لا ينبح إلا بأمر سيده ولا يقوم إلا بما دُرب عليه ... فتعساً لأمة هؤلاء رموزها ... والمتحدثين باسمها في النوازل .. بالخزي والمهازل!
وكذلك تخاذل الكثير من الناس عن النصرة الفعلية، للدين والمجاهدين، مع توحشهم على بعضهم البعض، ثم سلق بعضهم المجاهدين بألسنة حداد، وهمزوهم ولمزوهم، حسداً من عند أنفسهم، ولأسباب دون ذلك، ولكن بوسائل غير شرعية ولا عقلية البتة!

لاجرم إذن أن تكون الجماعات الجهادية القتالية، وما كان على غرارها، هي صاحبة الحق الشرعي في التحدث، وأخذ المواقف الجادة باسم هذه الأمة ... فهي المعتزة بدينها، الباسلة الباذلة المقاتلة على شرعها، المتوكلة على ربها، الناصرة للملهوفين من إخوانها وأخواتها ... نعم .. لا يتصدر القرار الآن غيرها ... أو كما يقال: يتول أمرها من يعاني حرها ... لاسيما في غياب الدولة الإسلامية، والشريعة، ووجود مثل هذة التركيبة العجيبة من المخلوقات المحسوبة على أمتنا! .. واستحكام التحديات الحثيثة للقضاء على كل من وما يصلح لنهضتها.

وليتكلم الآخرون باسم أشباح الأمة وغثائها وذئابها وذبابها؛ فلم يأتوا بمفيد ولن يأتوا بجديد ... لقد شبعت أمتنا فهما ... فتبلدت غماً ... وهاهي تكاد تحتضر ثبوراً ولطماً ... كل ذلك على أنغام الدجالين وألغام الجلادين ... فكيف تسمع لهم الأمة بعد الآن ودمائها تجري بين أيديهم وثرواتها في كروشهم وقصورهم وأرصدتهم؟! ..... لم يبق لأمتنا ما تخاف عليه إلا دينها .. فليخرس إذن المرتدون والمنافقون والفاسقون والعلمانيون والمداهنون ... وكل من وضعنا تحت حذاء شارون ... فقد بان الصبح لذي عينين وحان وقت البذل والعمل.
رأينا كيف غلب سفهاء بني صهيون "حكماء" وعلماء بني فهدون، وقطرون، وسوريون، وأزهرون ... غلبوهم وكانوا في القتال والانفعال أكثر وأسرع نفيراً .... عظموا مقاتليهم وجمعوهم من أشتات الأرض .... و" حكماؤنا" قتلوا جنود الإسلام وسجنوهم وبعثروهم في بقاع الأرض ... فلا جرم أن أصابنا الله بالنكسة بعد الوكسة ... ثم الصفعة والبصقة والرفسة ... وما خفي وآت هو أعظم ... فهذا نتاج فقه التملق والارتزاق ... والركون إلى الكفار والفساق ... وسنن الله الكونية والشرعية لا تتخلف ولا تحابي أحداً ... وإن لم يتصد المجاهدون لمخططات الكفار ويُعاونوا فلا مناص من سيناريو اقتحام الصليبين والتتار ... فحكامنا المقبوحين يعيدون مشاهد أسلافهم ... حذو القذة ... نفس المواقف التاريخية المشينة للحكام ... وبلا خفاء ولا حياء ولا استتار.
وصبراً بني صهيون إن موعدكم الملحمة الكبرى ... ولا بأس أن يتسلى معكم المجاهدون قبلها ليسوئوا وجوهكم الخبيثة الآثمة.

االلجنة الإعلامية بأنصار الشريعة

2/10/2002م

للجنة الإعلامية بأنصار الشريعة

المسئول الإعلامي : الشيخ أحمد مسلم المسئول الشرعي: الشيخ أبو حمزة المصري



مـعـالم الطـــائـفـة المـنـصـورة في عـقـر دار المـؤمـنين (بـلاد الشـام)



أبو قتادة


( بشـارة و وعد )
عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله؛ أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لاجهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن جاء دور القتال، ولايزال من أمتي أمَّةٌ يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إليّ أني مقبوض غير ملَبَّث، وأنتم تتبعونني أفناداً، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشام". {الحديث صحيح رواه النسائي وغيره}


بـسـم الله الــرحـمـن الرحـيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
{يا أيها الناس اتَقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}. {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون}. {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بـــعـد:
فإن أحسن الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار:
في هذا الوقت الذي يعيشه المسلمون؛ عيشة الذل والعار؛ فقدوا من أنفسهم معالم الهدى والرشد، وانقطع حبل الله الذي جمعهم عليه، حبل التمكين والسيادة، فتصاغروا أمام أنفسهم وأمام أعدائهم، وتغطرس الباطل في بلادهم، وصار تيار الردّة هو الأقوى والأعلى، وتواثقت حبال الشر بين الردّة الداخلية والكفر الخارجي، وانشغل المسلمون باللهو والعبث، وتداعت الجماعات والفرق الإسلامية ألى أفكار الرجال واجتهاداتهم بعيداً عن مصدر الهدى والنور - كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - واشتدت الغربة على المتمسكين بهذا الهدي واشتاقت نفوسهم إلى الوعد الإلهي القادم - النصر أو الشهادة - في هذا الوقت والغربة قائمة، غربة الدين و معالمه، وغربة أهل الحق وابتلاؤهم، نلقي على المسلمين رسالتنا هذه؛ تدعوك أيها المسلم لتبصر الحق من خلالها، وترشدك إلى سواء السبيل، واعتقادنا أننا لسنا بدعا في الزمان، بل نحن حلقة من حلقات هذه الطائفة (طائفة الحق والجهاد) آلينا على أنفسنا - بعون الله وتوفيقه - أن نتمسك بها مادام فينا عرق ينبض، ونَفَس يتلجلج، وابتغاؤنا ومقصدنا أن ندخل في خطاب العبودية لرب العالمين، ثم نكاية في أعداء الملة والدين، {ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار إلا كتب لهم به عمل صالح}، لنقلب حياتهم التي أرادوها سعادة ونعيماً شقاوةً وعذاباً، ماداموا على ماهم عليه من الكفر والظلم.
أيها المسلم: بطاقتنا إليك صغيرة الجناح، وراءها ما وراءها بتوفيق الله ومعونته وأول ما وراءها -إن شاء الله تعالى-:
1- على كل قول تراه فيها دليل ساطع، يهتدي به السالك فلا يذل ولايخزى، بل له نسبة إلى خير ما ينتسب الناس إليه {كونوا ربانيين}. وقد عجلنا لك فيها بعض ماعلمنا من الحق لأهميته وضرورته. وسنكون معك في رسالة قادمة بل رسائل إن شاء الله تعالى نمدك فيها بالأدلة الناصعة الواضحة.
2- إخوة لك وطّنوا أنفسهم وأموالهم على إمضاء العقد الذي أمضاه سلفهم {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن}. ونحن على مائدة الله عز وجل نحمل العجز والضعف طمعاً في زيادة الخير، وأمام أعداء الله فقوّة لا تلين. {وكفى بربك هاديا ونصيرا}.
أيها المسلم: إن رأيتنا وعلمتنا فكن معنا، تحمل التكليف مع إخوانك {وتعاونوا على البر والتقوى} وإلا ففي هذه الرسالة ماهو تكليف لك منفردا -علما و جهادا- (أي أنك لن تعجز أن تكون مثل أبي بصير رضي الله عنه). هذا هو طريقنا، عَبَّدَهُ الأنبياء والصدّيقون والشهداء والصالحون، فأقبِل على الله بكليّتك، ولا تبخس نفسك حقّها.
{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

هـذه عـقـيـدتـنـا
نعتقد ماكان عليه سلفنا الصالح من القرون الأولى جملةً وتفصيلا. فنحن على قول أهل السنة والجماعة في مسمىّ الإيمان، وسط بين المرجئة والخوارج، فنقول أن الإيمان قول وعمل ونية وسنّة، وكذلك الكفر قول وعمل، وأنّ الإيمان مراتب وشعب وهي على درجات متفاوتة ونستثني في كمال الإيمان، والكفر منه الأكبر ومنه الأصغر، والقول بأن " الكفر العملي مطلقاً كفر أصغر، والكفر الإعتقادي مطلقاً كفر أكبر" هو قول بدعي. فالكفر العملي منه الأكبر ومنه الأصغر، والكفر الإعتقادي منه الأكبر ومنه الأصغر، ونعتقد في قول القائل " أنّ المرء لا يكفر إلا بجحود قلبي " قول بدعي من أقوال المرجئة، فالجحود يكون بالعمل والقول كما يكون بالقلب، ونعتقد أنّ العمل الظاهر هو دليل على الباطن إذ أن العمل عند أهل السنة والجماعة قدرة وإرادة فحيث كان العمل كانت الإرادة إلا في حال الإكراه.
والكفر عندنا كفر جهل وكفر إعراض. ونؤمن أن عامة كفر الناس هو العناد والإعراض وهو الكفر الذي قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه، وكفر الطوائف كان عامته في العبادة وهي النسك والولاء والبراء والحكم والتشريع.
ونعتقد أن أصل الدين واحد هو إفراد الرب بالعبادة وهو دين الإسلام، وإن اختلفت شرائعه، قال صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء ديننا واحد). ونعتقد أن الفُرقة واتباع المتشابهات دون المحكمات، والهوى دون الهدى هي من علامات أهل البدع. ونعتقد أن البدع ليست على مرتبة واحدة، فمنها ماهو كفر صراح كبدعة الجاهلية، مثل قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا}. وقوله تعالى: {وقالوا مافي بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتةً فهم فيه شركاء}. وقوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرةٍ و لاسائبةٍ ولا وصيلةٍ ولاحام}. وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعةً لحفظ النفوس والأموال. ومنها ماهو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا: كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة. ومنها ماهو معصية ويتفق عليها ليست بكفر: كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس والخصا بقصد قطع شهوة الجماع. ومنها ماهو مكروه: كالإجتماع للدعاء عشية عرفة، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة.
ونعتقد في أسماء الله وصفاته ماكان عليه السلف الصالح وقولهم وسط بين المعطلة والمشبهة.
ونحن وسط بين المرجئة و الخوارج في باب الوعد والوعيد. ووعده ووعيده حق كله والمسلم إذا عصى ولم يتب توبةً نصوحاً فهو موكول إلى رحمة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ونعتقد بكل ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب على الحقيقة كالجنة والنار والكرسي والعرش والصراط والميزان والمحشر وعذاب القبر.
ونحن وسط في القدر بين الجبرية والقدرية فأفعالنا ومشيئتنا مخلوقتان، والإنسان فاعل مختار له إرادة ومشيئة وهو فاعل لأفعاله على الحقيقة.
والدنيا دار سنن لايجوز تركها مع القدرة عليها. والإلتفات إليها شرك، وتركها معصية، وعدم اعتبارها زندقة.
ونعتقد أن الصوفية نحلة بدعية باطلة وأنها تفسد الدنيا والدين، وأن الشيعة الروافض طائفة كفر وهم من شر الخلق تحت أديم السماء من جهة المسلمين. وأن الجماعات الإسلامية التي تدخل الإنتخابات والمجالس التشريعية هي جماعات بدعية نبرأ إلى الله من أفعالها، وأن المجالس التشريعية في البلاد العلمانية عمل من أعمال الكفر.
والتقليد شر لابد منه لمن لم يسعه إلا ذلك.
ونعتقد أن الحاكم وطائفته المبدلين للشريعة هم كفار مرتدّون والخروج عليهم بالسلاح والقوّة فرض عين على كل مسلم، وأن المعطِّـلين لجهاد هؤلاء تحت أي دعوى؛ كعدم وجود الإمام أو الإحتجاج بالحجج القدرية كفساد الناس أو عدم التمايز أو الإحتجاج بمذهب ابن آدم الأول: {لإن بسطت إلىَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي أليك لأقتلك} هم جاهلون، يقولون على الله مالا يعلمون.
والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة تحت كل برِّ وفاجر، ولاتجوز طاعته في معصية الله.
ونعتقد أن أي طائفة من الناس إجتمعوا على مبدأ غير الإسلام هي طائفة ردّة وكفر كالأحزاب القومية والوطنية والشيوعية والبعثية والعلمانية والديمقراطية. وأن دعوى عدم التمايز بين المسلم والكافر تحت دعوى المواطنة هي دعوى جاهلية باطلة، وكذلك دعوى التمايز على أساس العرق أو الوطن كما هو حال الدول الآن.
ونعتقد أن مقولة (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم) هي عند أصحابها على معني جبريّ إرجائي.
ونعتقد أن الوعود الإلهية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي أوامر للمسلمين لتحصيل أسبابها والسعي في إدراكها.
ونعتقد أن المفتي إذا كان على هوى السلطان، يفتيه بحسب ما يريد وإن كان على خلاف الشرع، ويدور معه حيث دار، فيبرر له أفعاله، وينصره بالحق والباطل هو كافر مرتد.
وأما من تقلد المناصب عند طوائف الردّة من العلماء والمشايخ فهم أقسام:
1- قسم لبّس عليهم الطاغوت حاله، فخفي أمره عليهم فهؤلاء قوم معذورون عند الله.
2- قسم علم حال الطاغوت، ولكنّه أراد أن يخفف شرّه، وأن يحقق خيراً لأهل الحق والدين فهذا مأجور مثاب.
3- قسم علم حال الطاغوت، فوالاه ونصره، ودافع عنه، و زوّر على الناس دينهم، وكتم ما أتاه الله من علم خدمة للطاغوت، طلباً للدنيا والرياسة فهذا كافر مرتد. هذا في نفس الأمر والله يعلم السرائر وليس لنا إلا الحكم بالظاهر وقرائن الحال.
ونعتقد أن كل من دان بغير دين الإسلام هو كافر، سواء بلغته الرسالة أم لم تبلغه، فهو كافر كفر عناد وإعراض، ومن لم تبلغه فهو كافر كفر جهل.
ونعتقد أن من دخل الإسلام بيقين لايخرج منه إلا بيقين، ولحوق الرجل بالكفر أسرع من لحوقه بالإسلام.
ونعتقد أن شرائع الإسلام هي شعب الإيمان، من ترك واجباً من الواجبات خرج من الإيمان مع بقاء حكم الإسلام عليه. وإن أتى العبد بناقض من نواقض الإسلام لم تنفعه بقية الشعب إن وجدت.
ولا نكفر بمطلق المعاصي والذنوب والكبائر، وهناك من المعاصي ماهو كفر بواح كَسَبِّ الأنبياء وامتهان دينهم.
ونُحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونلعن مبغضيهم.
ونعتقد أن إجراء الأحكام الشرعية ليس له علاقة بأصل الدين، ولا نكفّر أحدا من المسلمين باجتهاد وتأويل لاينقض عقد الإلتزام، ولا تلازم بين الخطأ والإثم كما لا تلازم بين كفر النوع وكفر المعين.
ونعتقد أنّ تقدم المسلمين وتأخرهم مناطه انحسار الإيمان أو وضوحه علما و عملا.
وأنّ ديار المسلمين التي حكمت بأحكام الكفر هي ديار جامعة للوصفين: وصف دار الكفر ووصف دار الإسلام. أي كل واحد فيها بحسبه. فالمسلم مسلم والكافر كافر، والأصل في أهلها الإسلام سواء منهم المعروف أو مستور الحال.
ونعتقد أن الطائفة المنصورة هي طائفة علمٍ وجهاد.
والحمد لله رب العالمين
الطائـفة المنصـورة طائـفة مقـاتلة:
1- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم تعال صلِ لنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة).
2- عن عقبة بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال).
3- عن عقبة بن عامر فال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرّهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك).
4- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتي تقوم الساعة).
فهذه الأحاديث تدل على أنّ الطائفة المنصورة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرطها القتال في سبيل الله لإظهار الدين، وهي طائفة قائمة لم تنقطع أبداً ( لا تزال طائفة ...) وهي قائمة على الحق ومعناه اتباع السلف الصالح، تهتدي بهدي الكتاب والسنة، ترفض الدخيل، أصيلة بانتسابها إلى الحق، وأما قول كثير من السلف الصالح أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث؛ فهذا معنى حق ومعنى قولهم هذا أي أنها على عقيدة أهل الحديث، وعقيدتهم هي الأسلم والأعلم.
قال النووي رحمه الله: قال أحمد بن حنبل: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم".
قال القاضي عياض: "إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد بمذهب أهل الحديث".
قال ابن تيمية في فتواه بوجوب قتال التتار عندما ذكر الطائفة المنصورة: "أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما، فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم".

لمـاذا الـجـهاد؟
خلق الله الخلق لعبادته {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وانقسم الخلق إلى قسمين: منهم من آمن به ومنهم من كفر (فريق في الجنة وفريق في السعير. ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدة، ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير). وجعل بعضهم لبعض فتنة (وجعلنا بعضكم لبعض فتنةً أتصبرون). قال الله تعالى في الحديث القدسي: (إنما بعثتك لأبتليك و أبتلي بك). فالمؤمن يفتن بالكافر {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}.
وقد أمر الله المؤمنين دعوة الكافرين إلى الهدى والحق فمن أبى و أعرض أمر الله بقتاله حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله. قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله). وقال: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لاشريك له).
فالجهاد أمر شرعي رباني لتحقيق دين الله في الأرض ولتزول الفتنة (الشرك) من الأرض، وحتى لايبقى سلطان في هذا الوجود إلا سلطان الله {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
والجهاد هو هوية المسلم في وجوده. قال صلى الله عليه وسلم: (والجهاد ذروة سنام الإسلام). وقال الله عز وجل في الحديث القدسي مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتك لأبتليك و أبتلي بك - إلى قوله- استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك).
وبالجهاد يتميز الناس إلى صفوف؛ صف أهل الإيمان والتوحيد، وصف الكفر وأهله، وصف الخذلان والنفاق. قال تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم، والله أعلم بما يكتمون}.

مــن نقــاتل؟:
قال على رضي الله عنه: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف:
1- سيف المشركين: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم. إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين. فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم}.
2- سيف أهل الكتاب: {قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ماحرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب}.
3- سيف البغاة: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي}.
4 - سيف المنافقين: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}.

لماذا طوائف الردّة التي تحكم بلاد المسلمين قبل غيرها؟
مع ماتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعدّة أسياف ومناط الجهاد هو {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} إلا أننا نعتقد أن قتال طوائف الردّة مقدّم على قتال غيرهم من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وذلك لأسباب عدّة:
1- أنّهم أقرب إلينا من غيرهم: قال تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة}{التوبة}. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأولاً، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام، ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليهم مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجاً، شرع في قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب". قال ابن قدامة: مسألة: "ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو لأن الأقرب أكثر حرزاً، وفي قتاله دفع ضرره عن المقابل له وعمّن وراءه، والإشتغال بالبعيد عنه يمكّنه من انتهاز الفرصة في المسلمين لإشتغالهم عنه".
2- لكون المرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي: قال تقي الدين ابن تيمية: "وقد استقرّت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة منها: أن المرتد يقتل بكل حال، ولايضرب عليه جزية، ولاتعقد له ذمة، بخلاف الكافر الأصلي، ومنها أن المرتد يقتل وإن كان عاجزاً عن القتال، بخلاف الكافر الأصلي". وقال أيضاً: "وكفر الردّة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي". وقال أيضاً: "والصدّيق رضي الله عنه وسائر الصحابة بدأوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين" ثم قال: "وحفظ رأس المال مقدم على الربح".
3- أنّ قتالهم من جنس قتال الدفع: قال ابن تيمية: "فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان". وهذه الطائفة لا يُرى منها في بلاد المسلمين إلا إفساداً للدين بنشر الفاحشة وترويج الرذيلة، وتزيين الكفر، ومطاردة الدعاة، ولا نرى منهم إلا إفساداً للدنيا فنشروا الفقر، وباعوا مقدّرات الأمة من خيرات الله فيها إلى أعدائها، وربطوا حياة الشعوب بما يستورد من مفاسد الغرب من شؤون الحياة.
4- ولما كان الأمر الشرعي مطابق للأمر القدري، فإننا نرى أنه لم يصبح للكافرين على المسلمين سبيل إلا بحبل هؤلاء المرتدين، فمن الذي مكَّن لليهود في فلسطين، فكانت قوّاتهم وطوائفهم لا عمل لها إلا حماية هذا الكيان المسخ، ومن الذي جعل لقوات الكفر والشرك وجوداً في بلاد المسلمين على شكل عساكر وجنود وأسياداً للمال والحياة، إنهم بلا شك قادة الردّة وطوائفهم.

حكم قتال طوائف الردة في بلاد المسلمين:
1- إذا ارتدّ الحاكم وجب على المسلمين جميعاً من غير ذوي الأعذار الشرعية خلعه والخروج عليه، وهذا الحكم قد أجمعت عليه طوائف أهل السنة بلا مخالف يُعلم: قال ابن حجر عند شرحه لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه حيث يقول: "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثره علينا، وأن لاننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان". قال ابن حجر: "وملخصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك".
وقال النووي: " قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أنّ الإمامة لاتنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل". وقال: " فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر".
2- ومما يؤيد هذا الوجوب أنّ هؤلاء المرتدين قد حلّوا بديار المسلمين، وقد ذكر الفقهاء أنّ الجهاد فرض كفاية إلا في مواطن منها أن يحلّ الكافر في ديار المسلمين فإنه يكون فرض عين.
قال الماوردي: "لأنه قتال دفاع وليس قتال غزو فيصير فرضه على كل مطيق".
قال البغوي: " إذا دخل الكفار دار الإسلام فالجهاد فرض عين على من قرب وفرض كفاية على من بعد".
قال ابن تيمية: "إذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة".
فتسلط المرتدين على بلاد المسلمين هو من جنس دخول الكفرة بشوكتهم بلاد المسلمين لأن مناطه مناطه فقتالهم فرض عين "حتى يظهر دين الله، وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو".
قتال الواحد من المسلمين للكفار جهاد كجهاد طائفة المسلمين وإن عدم الإمام:
من مظاهر التحريف في هذا العصر أن يزعم أقوام فيه أن قتال الواحد والعشرة والعشرين والأربعين من المسلمين ليس بجهاد، كذلك دعوى عدم القتال وشرعيته إلا بوجود إمام مُمَكَّن، وهي دعوى عريضة ليس لها قوائم، بل مجرد تصورها كاف بالحكم عليها بالجهل والتباب، والقول بهذه الشروط وأمثالها من دعاوى كثيرة هي في الحقيقة مآلها إلى تعطيل الشريعة، وفيها دعوى الركون إلى الأرض، وليس هناك من حديث واحد يستطيع المُدّعي أن يستند إليه، أو يزعم أنّ فيه هذا المعنى، مع العلم أنّ القول بالشرطية هو من أبعد ما يخطر على بال طالب العلم، بل وأقوال أهل العلم طافحة بالرد عليه، والأدلة الشرعية النقلية فيها الغناء لرد هذا الغثاء:
1- قال ابن حزم رحمه الله تعالى: مسألة: ويُغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق ومع المتغلب والمحارب، كما يُغزى مع الإمام، ويغزهم المرء وحده.
2- قال ابن قدامة المقدسي في المغني (8/353): فإن عُدِمَ الإمام لم يؤخر الجهاد، لأن مصلحته تفوت بتأخيره، فإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع.
3- - قال ابن تيمية: ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس هو صاحب الكتاب، والذي يقوم بالجهاد هو صاحب الحديد، إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك، فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يُطاع فيما أمر به من طاعة الله في ذلك.
4 - قال الشوكاني: وقد اختلف المسلمون في غزو الكفار إلى ديارهم هل يشترط فيه الإمام الأعظم أم لا؟ والحقّ أنّ ذلك واجب على كل فرد من أفراد المسلمين، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية مطلقة غير مقيدة.
ومن الأدلة على ذلك:
1- عدم وجود نص يفيد الشرطية: قال صديق حسن خان: والشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط كما أقره أهل الأصول لا يصلح للدلالة عليها إلا ما كان يفيد ذلك مثل نفي القبول أو نحو لا صلاة لمن صلى في مكان متنجس أو النهي عن الصلاة في المكان المتنجس لدلالة النهي عن الفساد، وأما مجرد الأمر فلا يصلح لإثبات الشروط. فأين هذا النص الذي يفيد هذا لشرط؟ بل يوجد من الأحاديث ما يرد هذا المعنى كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماضٍ منذ أن بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل). وقد تقدمت أحاديث الطائفة المنصورة وفيها هذا المعنى.
2- قوله تعالى: ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا تفسك وحرض المؤمنين) {النساء:84} قال القرطبي: "هي أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المنافقين وبالجد في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك". ثم قال: " ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو لوحده".
3- حادثة أبي بصير رضي الله عنه: وقد تبين من قصته رضي الله عنه أنه لم يكن تحت راية إمام، إذ لم يلتزم بالعقد والعهد الذي عاهد الإمام الكفار عليه، وقاتلهم لوحده منفرداً دون راية إمام مُمَكَّن. وحادثة أبي بصير ليست حادثة عين كما يظن بعضهم بل احتج فيها شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية كما ذكر ابن القيم في الزاد عند ذكره للفوائد الفقهية المستفادة من صلح الحديبية. قال: ومنها أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم، ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم، ومنعهم منهم. وسواءٌ دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه أو لم يدخلوا، والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه بينهم. وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم، ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين. وقد قال الله تعالى: {وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} {التوبة}
4 - قول أبي بكر رضي الله عنه في قتال المرتدين: " والله لو لم يبق إلا الذر لجاهدتهم به" فانظر إلى الصديق رضي الله عنه كيف يرى وجوب مقاتلة هؤلاء المرتدين ولو وحده دون بقية الناس فسبحان من قسَّم الهداية والعقول.

بماذا سَنُـتَّهَم في جهادنا؟
لقد درج أعداء الله صوناً لعقائدهم ورياستهم أن يتهموا المؤمنين بشتى التهم: كاذبين على الله جل وعلا وعلى أنفسهم وعلى الناس، وهي إحدى الطرق في الصد عن سبيل الله تعالى، وقد فضح الله هذه الدعاوى وكشف أمرها للمؤمنين ليكونوا على بصيرة ونور من ربهم، فلا تخبو جذوة الإيمان في قلوبهم، ولاينصرفوا عن شرعه خجلاً منه، واستحياءاً من أن يظهروه أو يعلنوه ومن هذه التهم:
1- سَنُتَّهَم أنّنا نسعى إلى المناصب والحكم. قال تعالى: {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض} {يونس: 78}.
2- سَنُتَّهَم بالإفساد في الأرض والإتيان بدين جديد {قال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد} {غافر:26}.
3- سَنُتَّهَم أننا باتباعنا يحصل الفقر وتعطل موارد الإقتصاد (كقطع السياحة وتعطيل دور الخنا والفنادق): {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} {وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون} {القصص:57}.
4- إتهامهم لنا بفرض الرأي بالقوة والغلبة وليس عن طريق الأغلبية. قال تعالى: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمةٌ قليلون} {الشعراء:54}.
وجماع ذلك كله أن يردّوا الناس عن دين الله والهدى. قال تعالى: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} {النساء:89}. {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} {البقرة:12}. {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} {إبراهيم:13}. {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً} {الكهف:20}.
فكن أخي المسلم على حذر من أن يفتنوك، واعتصم بحبل الله الذي لا يضل من تمسك به، تكن من الناجين، واستعن بالله ولا تعجز، فإنما وراءك جنان الخلد {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} إن قاربت وسدَّدت أو نصر من الله وتمكين.
{وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}. واطلب الموت توهب لك الحياة.
والحــــمــد لله رب الـعـــالـمــيــن


يتبع

lkhtabi
18-01-2006, 04:11 PM
التهيئة الإيمانية والتعبئة النفسية
قبل الإعداد العسكري للجهاد



الحمد لله رب العالمين، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الملك الديان، والصلاة والسلام على أشرف الأولين والآخرين، الذي جاهد في اللهِ حق جاهده، فأدى الأمانة ونصح لِلأمة، أما بعد:ـ

أيها الأخوة والأخوات الأحباء في الله تعالى، كلنا يعلمُ فضل الجهاد، وما يلي إشارات وإيماءات لطيفة، لِلتذكر والتنبيهِ، وتجديد العزم، من الكتاب والسنة.

يقول الله عزَّ وجلَّ:ـ ] قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[سورة التوبة آية 24 ، هذه دعوة قوية ومباشرة لِتقديم الجهاد في سبيل الله على أي شيء عداه، ويقول عزَّ من قائل:ـ ] وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [ سورة الحج آية78 ،وهذا أمر بإحاطة الجهاد بالعناية الكبرى وكما ينبغي لهُ، من استغراق الوسع والطاقة ـ أي الممكن ـ في ذلك، وأنهُ تبارك وتعالى لمْ يفرض علينا في هذا الدين ضيق أو مشقة، ولمْ يلزمنا ما لا نطيق القيام بهِ، بل على العكس، اصطفانا لأعظم شرف واختصنا بأكرم الرُسل، لِنكون شهداء على الأمم.

ويقول الرسول، صلى اللهُ عليهِ وسلم: ـ " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط اللهُ عليكم ذُلاً لا ينزعهُ حتى ترجعوا لِدينكم " . قال الشيخ سلمان العودة في هذا الحديث (( فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تبايعتم بالعينة" يعني الربا، وتحدَّث ما شئت عن قيام الاقتصاد في البلاد الإسلامية كلها على الربا ! هذه واحدة. "ورضيتم بالزرع" فالزرع -أيضًا- نموذج ومثال للتعلق بالدنيا، وليس من الضروري أن يكون الرضا بالزرع فقط؛ بل قد يرضى بالتجارة، أو المنصب والوظيفة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الأخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ) [التوبة:38]. "وتركتم الجهاد" فحين ألقيتم السلاح، وقلتم: لا جهاد، واشتغلتم بالدنيا، سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم. وقد يقول قائل: أين الأحاديث الدالة على أن الجهاد باق، مع أنه في حديث ابن عمر ذكر أنهم تركوا الجهاد؟ نقول: حتى حديث ابن عمر نفسه يذكر أن الجهاد باق؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" دليل على أن هذه الحال من الذل لن تستمر؛ بل سوف يعقبها رجوع إلى الدين، بما في ذلك من إحياء لشعيرة الجهاد والقتال في سبيل الله سبحانه وتعالى)) .انتهى كلام الشيخ سلمان العودة .
" كما يقول عليهِ أفضل الصلاة والسلام:ـ " ما اغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسهُ النار. " ويقول، صلى اللهُ عليهِ وسلم " الجهاد سنام الإسلام. " أي الذروة منهُ.

كما أن أمرَ الأجل قد حُسم في الإسلام، فيقول الحق عزَّ وجلَّ:ـ] وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ [ـ ] مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ [سورة الحجر آية 4و 5 ، ]مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ [سورة المؤمنون أية 43] وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ [ ] وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [سورة المنافقون آية 10و 11
فعندما تحين منية العبد لن يؤخرها أو يؤجلها وجود المرء في بيتهِ وبين أهلهِ أو بين حرسهِ، ولن يعجل بالمنية وجود المرء في ساحات الجهاد، ويقول تبارك وتعالى:ـ ] أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [سورة النساء 78 ] قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (سورة الجمعة آية 8، فلا يرد الموت أي احتياطات أو دفاعات بشرية يُوجدها بني آدم.

ويقول الرسولُ، صلى الله عليهِ وسلم:ـ " لن يموت أحدكم إلا وقد استكمل رزقهُ وأجله، فأجملوا في الطلب. " ؛ أي اختاروا الطريق الطيب أو الوسيلة الجميلة. فمقدار الرزق والأجل محدد لِلمرء والمرأة منذ كان أحدهم مضغة في رحم أمهِ، وما تُرك لِلعبد خيارٌ في هذا، فمن ابتلى بالثراء ـ ولمْ أقل الغنى فإن الغنى قد يتحقق مع قلة ذات اليد ـ فلن يموت إلا وقد جمع كل ما كَتبَ اللهُ لهُ من الأموال، والخِِِيرة التي لهُ هي الوسيلة التي يجمع منها هذا الرزق، من الحلال أم من الحرام، من التجارة في الذهب والمجوهرات أو الأنعام أو العقارات،….. الخ، أو من تجارة المخدرات أو من الخمور أو من السرقة أو من الرشاوى، …..الخ. ومن ابتلاه الله بالفقر فلن يتحقق له الثراء ولو واصل النهار بالليل في العمل في جمع المال بالحلال أو بالحرام، فلن يجمع إلا ما كتب الله لهُ، فإن كان من الحلال فاز، وإن كان من الحرام أثم. وكذلك الأجل محدد لِلمرءِ والمرأة، فليس لأي منهما الخيرة في فترة بقائه في هذه الدنيا، كأن يموت أو تموت يوم الولادة، أو أن يعيش حتى يتم مئة عام، وما لهُ فيه الخيرة أن يقضي عمره الذي كتبهُ له في طاعة الله أو في معصيتهِ، أن يموت وهو يجاهد في سبيل الله أو أن يموت معاقراً لِلخمر، …الخ.

لذلك المسلم المؤمن يحبُ الجهاد ويُحدثُ نفسهُ بهِ على الدوام، سائلاً الله أن يكتبهُ لهُ، ولا يخاف الموت ولا يستعجلهُ، فهو يعلمُ أن لهُ أجلٌ لن يسبق الموت قبل حلولهِ ولن يعجل به ملاقاة العدو في ساحات الجهاد، لِذلك فإن المسلم لا يهابُ الجهاد، بل تتوق نفسه لِلانضمام لِسرايا الجهاد.

وكل ما تقدم مقتطفات جذابة من تراثنا العظيم، الذي بين لنا حقائق الدنيا والآخرة، وأختتم بهذا الأقوال الواضحة المعنى، النبيلة الغاية، العذبة الألفاظ، يقول اللهُ العلي العظيم:ـ ]فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً [ سورة النساء 84 ؛ وجاء في صحيح البخاري:ـ " حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا أبو لإسحاق عن حميد قال: سمعت أنساً رضي اللهُ عنهُ يقول: خرج رسول الله، صلى اللهُ عليهِ وسلم، إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداةٍ باردةٍ، فلمْ يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع، قال: " اللَّهُمَّ إن العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة فاغفر لِلأنصار والمُهَاجِرَة. " فقالوا مُجِيبينَ لهُ.
نَحْنُ الََّذِينَ بايعوا مُحَمَّدَا ******* عَلَى الجِهَادِ ما بَقِينَا أبَدَا.
" اللَّهُمَّ إن العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة فاغفر لِلأنصار والمُهَاجِرَة. " فقالوا مُجِيبينَ لهُ.
نَحْنُ الََّذِينَ بايعوا مُحَمَّدَا ******* عَلَى الجِهَادِ ما بَقِينَا أبَدَا.
" اللَّهُمَّ إن العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة فاغفر لِلأنصار والمُهَاجِرَة. " فقالوا مُجِيبينَ لهُ.
نَحْنُ الََّذِينَ بايعوا مُحَمَّدَا ******* عَلَى الجِهَادِ ما بَقِينَا أبَدَا.

إعلان الجهاد على الأمريكيين المحتلين لبلاد الحرمين
( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب )
رسالة من أسامة بن محمد بن لادن
إلى إخوانه المسلمين في العالم كافة وجزيرة العرب خاصة



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
الحمد لله القائل {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}. [هود: 88].
الحمد لله القائل: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. [آل عمران: 110].
والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) . [رواه أبو داود والترمذي والنسائي].
أما بعد :-
فلا يخفى عليكم ما أصاب أهل الإسلام من ظلمٍ وبغيٍ وعدوانٍ من تحالف اليهودِ والنصارى وأعوانهم، حتى أصبحت دماء المسلمين أرخص الدماء، وأموالهم وثرواتهم نهباً للأعداء، فها هي دماؤهم قد سُفِكَت فلسطين، والعراق، وما زالت الصور الفظيعة لمجزرة قانا في لبنان عالقة بالأذهان، وكذلك المجازر في طاجكستان، وبورما، وكشمير، وآسام، والفلبين، وفطاني، والأوجادين، والصومال، وإريتريا، والشيشان، وفي البوسنة والهرسك، حيث جرت مذابح للمسلمين هناك تقشعرُ لها الأبدان، ويهتز من هولها الوجدان، وذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع، بل وبتآمر واضح من أمريكا وحلفائها بمنعهم السلاح عن المستضعفين هناك تحت ستار الأمم المتحدة الظالمة، فانتبه أهل الإسلام إلى أنهم الهدف الرئيسي لعدوان التحالف اليهودي الصليبي، وزالت كل تلك الدعايات الكاذبة عن حقوق الإنسان تحت الضربات والمجازر التي ارتُكِبْت ضد المسلمين في كل مكان.
وكان آخر هذه الاعتداءات أن أُصيبَ المسلمون بمصيبة من أعظم المصائب التي أُصيبوا بها منذ وفاة النبي r ألا وهي احتلال بلاد الحرمين - عقر دار الإسلام، ومهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وبها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أجمعين- وذلك من قبل جيوش النصارى من الأمريكيين وحلفائهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
في ظلال هذا الواقع الذي نعيشه، وفي ظل الصحوة المباركة العارمة التي شملت بقاع العالم، والعالم الإسلامي خاصة، ألتقي اليوم معكم بعد طول غياب فرضته الحملة الصليبية الظالمة التي تتزعمها أمريكا على علماء الإسلام ودعاته خشية أن يحرضوا الأمة الإسلامية ضد أعدائها تأسياً بعلماء السلف رحمهم الله كابن تيمية والعز بن عبد السلام. وهكذا قام هذا التحالف الصليبي اليهودي بقتل واعتقال رموز العلماء الصادقين والدعاة العاملين - ولا نزكي على الله أحداً- فقام بقتل الشيخ المجاهد/ عبد الله عزام، واعتقال الشيخ المجاهد/ أحمد ياسين. في مسرى النبي عليه الصلاة والسلام، والشيخ المجاهد/ عمر عبد الرحمن في أمريكا، كما اعتقل بإيعازٍ من أمريكا عددٌ كبيرٌ جداً من العلماء والدعاة والشباب في بلاد الحرمين من أبرزهم الشيخ/ سلمان العودة والشيخ/ سفر الحوالي وإخوانهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد أصابنا بعض ذلك الظلم بمنعنا من الحديث مع المسلمين، ومطاردتنا في باكستان والسودان وأفغانستان؛ مما أدى إلى هذا الغياب الطويل، ولكن بفضل الله تيسر وجود قاعدة آمنة في خٌرسان، فوق ذرى الهندوكوش، تلك الذرى التي تحطمت عليها - بفضل الله - أكبر قوة عسكرية ملحدة في الأرض، وتلاشت عليها أسطورة القوى الكبرى أمام صيحات المجاهدين - الله أكبر- . واليوم من فوق نفس الذرى من أفغانستان نعمل على رفع الظلم الذي وقع على الأمة من التحالف اليهودي الصليبي، وخاصة بعد احتلاله مسرى النبي عليه الصلاة والسلام واستباحته بلاد الحرمين، ونرجو الله أن يمن علينا بالنصر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وها نحن اليوم نبدأ منها الحديث والعمل والتذاكر لبحث سبل الإصلاح لما حل بالعالم الإسلامي عامة، وببلاد الحرمين خاصة، ونريد أن نتدارس السبل التي يمكن بسلوكها إعادة الأمور إلى نصابها، والحقوق إلى أصحابها، بعد أن أصاب الناس ما أصابهم من خطب عظيم وضرر جسيم في أمور دينهم ودنياهم، أصاب الناس بجميع فئاتهم، أصاب المدنيين كما أصاب العسكريين ورجال الأمن، أصاب الموظفين كما أصاب التجار، وأصاب الصغار والكبار، أصاب طلاب المدارس والجامعات كما أصاب المتخرجين من الجامعات العاطلين عن العمل، وهم بمئات الألوف، بل أصبحوا يشكلون شريحة عريضة في المجتمع.
أصاب أهل الصناعة كما أصاب أهل الزراعة، وأصاب أهل الحضر والمدر، كما أصاب أهل البادية والوبر، والكل يشتكي من كل شيء تقريباً، وبات الوضع في بلاد الحرمين أشبه ببركان هائل يكاد أن ينفجر فيقضي على الكفر والفساد مهما كانت مصادره، وما انفجارا الرياض والخبر إلا نذر لهذا السيل الهادر الذي تولد عن المعاناة والكبت المرير، والقهر، والظلم الفادح والبغي المذل والفقر.
وقد شُغل الناس بأمور معاشهم شغلاً عظيماً، الحديث عن التردي الاقتصادي وغلاء الأسعار وكثرة الديون وامتلاء السجون هو حديث الجميع فحدث عنه ولا حرج، فهؤلاء موظفون من ذوي الدخل المحدود يحدثونك عن ديونهم بعشرات ومئات الألوف من الريالات، ويشتكون من التدني الهائل والمستمر لقيمة الريال الشرائية مقابل معظم العملات الرئيسية، بينما يحدثك كبار التجار والمقاولين عن ديونهم بمئات وآلاف الملايين من الريالات على الدولة، وقد بلغت الديون الداخلية للمواطنين على الدولة أكثر من ثلاثمائة وأربعين ألف مليون من الريالات تزداد يومياً بسبب الفوائد الربوية ناهيك عن ديونها الخارجية، والناس يتساءلون أحقاً نحن أكبر دولة مصدرة للنفط، بل ويشعرون أن هذا عذاب من الله على هم لأنهم سكتوا عن ظلم النظام وتصرفاته غير الشرعية ومن أبرزها عدم التحاكم إلى شرع الله، ومصادرة حقوق العباد الشرعية، وإباحة بلاد الحرمين للمحتلين الأمريكيين، وإيداع العلماء الصادقين ورثة الأنبياء السجون ظلماً وعدواناً. هذا المصاب العظيم قد تنبه له أهل الفضل والخير من المختصين في أمور الدين، كالدعاة والعلماء، وكذلك من المختصين في أمور الدنيا كالتجار والاقتصاديين والوجهاء، فبذلت كل فئة جهدها للتحرك السريع لتدارك الموقف. والجميع مجمعٌ على أن البلاد تسير نحو هوة سحيقة ومصيبة فظيعة لا يعلم مداها إلا الله، وعلى حد تعبير كبار التجار [إن الملك يقود البلاد إلى ستين داهية]، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كما أن العديد من الأمراء يشاركون الشعب همومه ويعبرون في مجالسهم الخاصة عن اعتراضهم على ما يجري في البلاد من إرهاب وقمع وفساد. وإن تنافس الأمراء المتنفذين على المصالح الشخصية قد دمر البلاد، وأن النظام قد مزق شرعيته بيده بأعمال كثيرة أهمها:
1 - تعطيله لأحكام الشريعة الإسلامية، واستبدالها بالقوانين الوضعية، مع دخوله في مواجهة دامية مع العلماء الصادقين والشباب الصالحين, ولا نزكي على الله أحداً.
2 - عجزه عن حماية البلاد وإباحتها السنين الطوال لأعداء الأمة من القوات الصليبية الأمريكية التي أصبحت السبب الرئيسي في نكبتنا بجميع نواحيها وبخاصة الاقتصادية نتيجة الإنفاق الثقيل عليها بغير حق، ونتيجة للسياسات التي تفرضها على البلاد وخاصة السياسة النفطية حيث تحدد الكمية المنتجة من البترول والسعر بما يحقق مصالحهم الاقتصادية ويهمل مصالح البلاد الاقتصادية، ونتيجة لصفقات الأسلحة باهظة التكاليف التي تفرض على النظام حتى أصبح الناس يتساءلون: ما فائدة وجود النظام إذاً؟.
فبذلت كل فئة جهدها للتحرك السريع لتدارك الموقف، وتلافي الخطر، فنصحوا سراً وجهراً، ونثراً وشعراً، زرافات ووحدانا، وأرسلوا العرائض تتلوها العرائض، والمذكرات تتبعها المذكرات، وما تركوا سبيلاً إلا ولجوه ولا رجلاً مؤثراً إلا وأدخلوه معهم في تحركهم الإصلاحي، وقد كانوا متوخين في كتاباتهم أسلوب الرفق واللين بالحكمة والموعظة الحسنة داعين إلى الإصلاح والتوبة من المنكرات العظام والمفاسد الجسام التي شمل فيها التجاوز مُحْكَمَات الدين القطعية وحقوق المواطنين الشرعية.
ولكن - للأسف الشديد- لم يجدوا من النظام إلا الصدود والإعراض، بل والسخرية والاستهزاء، ولم يقف الأمر عند حد تسفيههم فقط، بل تعززت المخالفات السابقة بمنكرات لاحقة أكبر وأكثر، كل ذلك في بلاد الحرمين!! فلم يعد السكوت مستساغاً، ولا التغاضي مقبولا.
ولما بلغ التجاوز ما بلغ، وتعدى حدود الكبائر والموبقات، إلى نواقض الإسلام الجليات، قامت مجموعة من العلماء والدعاة الذين ضاقت صدورهم ذرعاً بما أصم آذانهم من أصوات الضلال، وغشي أبصارهم من حجب الظلم، وأزكم أنوفهم من رائحة الفساد.
فانبعثت نذر الرفض، وارتفعت أصوات الإصلاح داعية لتدارك الموقف، وتلافي الوضع، وانضم إليهم في ذلك المئات من المثقفين، والوجهاء، والتجار، والمسؤولين السابقين، فرفعوا إلى الملك العرائض والمذكرات المتضمنة المطالبة بالإصلاح، ففي سنة 1411 هـ إبّان حرب الخليج رفعت إلى الملك عريضة وقعها حوالي أربعمائة شخصية من هؤلاء تدعوه لإصلاح أوضاع البلاد، ورفع الظلم عن العباد، غير أنه تجاهل النصح، واستهزأ بالناصحين، وظلت الأوضاع تزداد سوءاً على سوء .
وحينئذٍ أعاد هؤلاء الناصحون الكرة من جديد بمذكرات وعرائض أخرى كان من أهمها مذكرة النصيحة التي سُلِمَتْ للملك في محرم 1413 هـ والتي شَخَّصت الداء ووصفت الدواء، في تأصيل شرعي قويم، وعرض علمي سليم، فتناولت بذلك الفجوات الكبرى في فلسفة النظام، ومواضع الخلل الرئيسية في دعائم الحكم، فبينت ما يعانيه رموز المجتمع وقياداته الداعية للإصلاح - كالعلماء والدعاة وشيوخ القبائل والتجار والوجهاء وأساتذة الجامعات- من تهميشٍ وتحييد، بل ومن ملاحقة وتضييق.
وأوضحت حالة الأنظمة واللوائح في البلاد، وما تضمنته من مخالفات شملت التحريم والتحليل تشريعاً من دون الله.
وتعرضت لوضع الإعلام في البلاد الذي أصبح وسيلة لتقديس الأشخاص والذوات، وأداة لطمس الحقائق، وتزييف الوقائع والتشهير بأهل الحق، والتباكي على قضايا الأمة لتضليل الناس دون عمل جاد، وتنفيذ خطط الأعداء لإفساد الناس وإبعادهم عن دينهم، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، قال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور، آية: 19].
وتطرقت إلى حقوق العباد الشرعية المهدورة والمصادرة في هذه البلاد.
وتناولت الوضع الإداري، وما يحكمه من عجز، ويشيع فيه من فساد.
وأبانت حالة الوضع المالي والاقتصادي للدولة، والمصير المخيف المرعب الذي ينتظره في ظل الديون الربوية التي قصمت ظهر الدولة، والتبذير الذي يبدد أموال الأمة إشباعاً للنزوات الشخصية الخاصة !! ثم تُفرض الضرائب والرسوم والمكوس و غير ذلك على الشعب ؟!!! وقد قال r عن المرأة التي زنت وتابت وأقام عليها الحد: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكسٍ لغُفِرَ له) [رواه أحمد]. مما يبين عظَمَ ذنبِ صاحب المكس، بينما لا زال بعض الناس يدعون على المنابر لصاحب المكس، المجاهر بكبيرة الربا المشرّع لها، وذلك كفرٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكشفت عن حالة المرافق الاجتماعية المزرية داخل البلاد، والتي استفحلت بعد المذكرة وتفاقمت، وبخاصة خدمات المياه أهم مقومات الحياة.
وعرضت حالة الجيش وما كشفته أزمة الخليج، من قلة أفراده، وضعف إعداده، وعجز قائد قوَّاده، رغم ما أنفق عليه من أرقام فلكية لا تعقل!! ولا تخفى؟.
وعلى مستوى القضاء والمحاكم بينت المذكرة تعطيل العديد من الأحكام الشرعية واستبدالها بالقوانين الوضعية.
وعلى صعيد سياسة الدولة الخارجية كشفت المذكرة ما تميزت به هذه السياسة من خذلان وتجاهل قضايا المسلمين، بل ومن مناصرة ومؤازرة الأعداء ضدهم وليست [غزة - أريحا ] والشيوعيون في جنوب اليمن عنا ببعيد، وغيرهما كثير.
ولا يخفى على أحد أن تحكيم القوانين الوضعية، ومناصرة الكافر على المسلم معدودة في نواقض الإسلام العشرة، كما قرر ذلك أهل العلم، وقد قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]، وقال تعالى أيضاً {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء: 65].
ومع أن المذكرة عرضت كل ذلك بلين عبارة، ولطف إشارة، مذكرة بالله، واعظة بالحسنى، في أسلوب رقيق ومضمون صادق ورغم أهمية النصيحة في الإسلام، وضرورتها لمن تولى أمر الناس، ورغم عدد ومكانة الموقعين على هذه المذكرة، والمتعاطفين معها، فإن ذلك لم يشفع لها، إذ قوبل مضمونها بالصد والرد، ومُوقْعُوها والمتعاطفون معها بالتسفيه والعقاب والسجن.
وهكذا ظهر بكل وضوح حرص الدعاة والمصلحين على سلوك سبل الإصلاح السلمية حرصاً على وحدة البلاد، وحقناً لدماء العباد. فلماذا يوصد النظام جميع سبل الإصلاح السلمية ويدفع الناس دفعاً نحو العمل المسلح ؟!!! وهو الباب الوحيد الذي بقي أمام الناس لرفع الظلم وإقامة الحق والعدل. ولمصلحة من يقحم الأمير سلطان والأمير نايف البلاد والعباد في حرب داخلية تأكل الأخضر واليابس، ويستعين ويستشير من أشعل الفتن الداخلية في بلاده، وجيّش أبناء الشعب من الشرطة لإجهاض الحركة الإصلاحية هناك، وضرب أبناء الشعب بعضهم ببعض، وبقي العدو الرئيسي في المنطقة وهو التحالف اليهودي الأمريكي في أمن وأمان، بعد أن وجد أمثال هؤلاء الخائنين لأمتهم ينفذون سياساته لاستنزاف طاقات الأمة البشرية والمالية داخلياً.
وهذا الذي يستشيره وزير الداخلية الأمير نايف لم يتحمله الشعب في بلده لشدة قذارته وبغيه على شعبه، فأقيل من منصبه هناك، ولكنه جاء ليجد صدراً رحباً لدى الأمير نايف!!! للتعاون على الإثم والعدوان، فملأ السجون بخيرة أبناء الأمة، وذرفت لذلك العيون، عيون الأمهات اللواتي سُجِنَ أبناؤهنّ بغير حق ظلماً وزوراً وبهتاناً، فهل يريد النظام أن يضرب الشعب من المدنيين والعسكريين بعضهم ببعض كما حصل في بعض البلدان المجاورة ؟!!! لا شك أن هذه سياسة العدو التحالفي الإسرائيلي الأمريكي وهو المستفيد الأول من ذلك. ولكن بفضل الله فإن الغالبية العظمى من الشعب من مدنيين وعسكريين متنبهون لهذا المخطط الخبيث، ويربؤون بأنفسهم أن يكونوا أداة لضرب بعضهم بعضاً، تنفيذاً لسياسة العدو الرئيسي التحالف الأمريكي الإسرائيلي عبر وكيله في البلاد النظام السعودي.
ولذا اتفق الجميع على أنه [لا يستقيم الظل والعود أعوج] فلا بد من التركيز على ضرب العدو الرئيسي الذي أدخل الأمة في دوامات ومتاهات منذ بضعة عقود بعد أن قسمها إلى دول ودويلات، وكلما برزت حركة إصلاحية في الدول الإسلامية دفع هذا التحالف اليهودي الصليبي وكلاءه في المنطقة من الحكام لاستنزاف وإجهاض هذه الحركة الإصلاحية بطرق شتى وبما يتناسب معها، فأحيانا يجهضها بجرها إلى الصدام المسلح محدداً الزمان والمكان لهذه المعركة فيقضي عليها في مهدها.
وأحياناً يطلق عليها رجاله من وزارة الداخلية والذين تخرجوا من كليات شرعية ليشوشوا على المسيرة الإصلاحية وليشتتوا الأمة والشعب عن هذه المسيرة، وأحيانا يستزلون أقدام بعض الصالحين للدخول في حرب كلامية مع علماء ورموز الحركة الإصلاحية ليستنزف طاقة الجميع ويبقى الكفر الأكبر مسيطراً على الأمة مظللاً لها، وتستمر المناقشات في الفروع بينما توحيد الله بالعبادة والتحاكم إلى شريعته مغيب عن الواقع، وفي ظل هذه المناقشات والردود يلتبس الحق بالباطل وكثيراً ما تنتهي إلى عداوات شخصية يتحزب الناس مع هذا أو ذاك مما يزيد الأمة انقساماً وضعفاً إلى ضعفها، وتغيب الأولويات في العمل الإسلامي، فينبغي التنبه إلى هذه الحيل الشيطانية وأمثالها التي تنفذها وزارة الداخلية. والصواب في مثل هذه الحالة التي نعيشها هو كما قرره أهل العلم، ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو تكاتف جميع أهل الإسلام للعمل على دفع الكفر الأكبر الذي يسيطر على بلاد العالم الإسلامي، مع تحمل الضرر الأدنى في سبيل دفع الضرر الأكبر ألا وهو الكفر الأكبر. وإذا تزاحمت الواجبات قدم آكدها، ولا يخفى أن دفع هذا العدو الأمريكي المحتل هو أوجب الواجبات بعد الإيمان، فلا يٌقَدَمُ عليه شيء كما قرر ذلك أهل العلم، ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: "وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين،ن فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يُشترط له شرط، بل يُدفع بحسب الإمكان". [كتاب الاختيارات العلمية، ملحق بالفتاوى الكبرى: 4/608]، فإذا تعذر دفع هذا العدو الصائل إلا باجتماع المسلمين بقض هم وقضيضهم وغثهم وسمينهم، كان ذلك واجباً في حقهم مع التغاضي عن بعض القضايا الخلافية والتي ضَرَر التغاضي عنها في هذه المرحلة أقل من ضرر بقاء الكفر الأكبر جاثماً على بلاد المسلمين، ولذا قال شيخ الإسلام مبيناً هذه المسألة منبهاً على أصل عظيم ينبغي مراعاته وهو العمل على دفع أعظم الضررين بالتزام أدناهما واصفاً حالة المجاهدين والمسلمين وإن كان فيهم عسكر كثير الفجور، فإنه لا يعفى من ترك الجهاد ضد العدو الصائل.
فقال رحمه الله بعد أن ذكر شيئاً من أحوال التتار وما هم عليه من تبديل شرائع الله؛ فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية في رضوان الله وإعزاز كلمته وإقامة دينه وطاعة رسوله r وإن كان فيهم من فيه فجور وفساد نية بأن يكون يقاتل على الرياسة أو يتعدى عليهم في بعض الأمور وكانت مفسدة ترك قتالهم أعظم على الدين من مفسدة قتالهم على هذا الوجه، كان الواجب أيضاً قتالهم دفعاً لأعظم المفسدتين بالتزام أدناهما، فإن هذا من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها، ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم كما اخبر بذلك النبي r لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور فإنه لا بد من أحد أمرين إما ترك الغزو معهم فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضرراً في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام، وإن لم يمكن إقامة جميعها، فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه". [مجموع الفتاوى 28/506].
وبرغم أن المفاسد العظام قد فشت، والمنكرات الجسام قد طغت، ولا ينكر وجودها أعمى أو أصم ناهيك عن أن ينكرها سميع بصير حتى وصلت إلى الظلم العظيم وهو الشرك بالله ومشاركة الله في تشريعه للناس، قال تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمُ عظيمٌ} [لقمان: 13]، فشرعت التشريعات الوضعية تبيح ما حرم الله كالربا وغيره حتى في البلد الحرام عند المسجد الحرام، حيث إن بنوك الربا تزاحم الحرمين مجاهرة لله بالحرب معاندة لأمر الله القائل: {وأحل الله البيع وحرم الربا…} الآية [البقرة: 275] وقد توعد الله سبحانه وتعالى صاحب كبيرة الربا في كتابه الكريم بوعيد لم يتوعده أحداً من المسلمين في كتابه فقال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله…} الآية [البقرة: 278-279]. هذا للمسلم المرابي، فكيف لمن جعل من نفسه نداً لله وشريكاً يشرع ويحلل لعباد الله ما حرم ربهم عليهم، برغم ذلك كله نرى الدولة تستزل أقدام بعض الصالحين من العلماء والدعاة، وتجرهم بعيداً عن إنكار المنكر الأعظم والكفر الأكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والذي ينبغي في مثل هذه الحالة أن يبذل الجميع قصارى الجهد في تحريض وتعبئة الأمة ضد العدو الصائل والكفر الأكبر المخيم على البلاد والذي يفسد الدين والدنيا ولا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، ألا وهو التحالف الإسرائيلي الأمريكي المحتل لبلاد الحرمين ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وتذكير المسلمين بتجنب الدخول في قتال داخلي بين أبناء الأمة المسلمة؛ وذلك لما له من نتائج وخيمة، من أهمها:
1 - استنزاف الطاقات البشرية حيث إن معظم الإصابات والضحايا ستكون من أبناء الشعب المسلم.
2 - استنزاف الطاقات المالية.
3 - تدمير البنية التحتية للدولة.
4 - تفكك المجتمع.
5 - تدمير الصناعات النفطية حيث إن تواجد القوات العسكرية الصليبية والأمريكية في دول الخليج الإسلامي براً وجواً وبحراً هو الخطر الأعظم والضرر الأضخم الذي يهدد أكبر احتياطي بترولي في العالم، حيث أن هذا التواجد يستفز أهل البلاد ويعتدي على دينهم ومشاعرهم وعزتهم وقد دفعهم نحو الجهاد المسلح ضد الغزاة المحتلين وإن انتشار القتال في تلك الأماكن يعرض البترول لمخاطر الاحتراق مما يؤدي للإضرار بالمصالح الاقتصادية لدول الخليج ولبلاد الحرمين بل وأضرار جسيمة للاقتصاد العالمي. ونقف هنا وقفة ونهيب بإخواننا أبناء الشعب المجاهدين بأن يحافظوا على هذه الثروة وبأن لا يقحموها في المعركة لكونها ثروة إسلامية عظمى وقوة اقتصادية كبرى هامة لدولة الإسلام القادمة بإذن الله، كما نحذر وبشدة الولايات المتحدة الأمريكية المعتدية من إحراق هذه الثروة الإسلامية في نهاية الحرب خوفاً من سقوط هذه الثروة في أيدي أصحابها الشرعيين وإضراراً منها بمنافسيها الاقتصاديين في أوروبا والشرق الأقصى، وبخاصة اليابان الذي يعتبر المستهلك الرئيسي لبترول المنطقة.
6 - تقسيم بلاد الحرمين واستيلاء إسرائيل على الجزء الشمالي منها، حيث إن تقسيم بلاد الحرمين يعتبر مطلباً ملحاً للتحالف اليهودي الصليبي؛ لأن وجود دولة بهذا الحجم وهذه الطاقات تحت حكم إسلامي صحيح قادم بإذن الله يمثل خطورة على الكيان اليهودي في فلسطين، حيث إن بلاد الحرمين تمثل رمزاً لوحدة العالم الإسلامي نظراً لوجود الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أجمعين، وكذلك فإن بلاد الحرمين تمثل قوةً اقتصاديةً هامةً في العالم الإسلامي؛ لوجود أكبر احتياطي بترول في العالم فيها، كما أن أبناء الحرمين يرتبطون بسيرة أجدادهم من الصحابة رضوان الله عليهم ويعتبرونها قدوة لهم ومثلاً في إعادة مجد الأمة، وإعلاء كلمة الله من جديد، بالإضافة إلى وجود عمق استراتيجي ومدد بكثافة بشرية مقاتلة في سبيل الله في اليمن السعيد، وقد قال r : ( يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني وبينهم)[رواه أحمد بسندٍ صحيح] مما يسبب خطورة على تواجد التحالف اليهودي الصليبي في المنطقة.
7 - وإن أي قتال داخلي مهما تكن مبرراته مع وجود قوات الاحتلال الأمريكي يشكل خطأ كبيراً حيث إن هذه القوات ستعمل على حسم المعركة لصالح الكفر العالمي.
إخواننا في القوات المسلحة والحرس الوطني والأمن حفظكم الله ذخراً للإسلام والمسلمين:
يا حماة التوحيد وحراس العقيدة، يا خلف أولئك السلف الذين حملوا نور الهداية ونشرَوهُ على العالمين، يا أحفاد سعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثة الشيباني والقعقاع بن عمرو التميمي، ومن جاهد معهم من الصحابة الأخيار. لقد تسابقتم للانضمام إلى الجيش والحرس رغبة في الجهاد في سبيل الله "لتكون كلمة الله هي العليا" ولتذودوا عن حياض الإسلام وبلاد الحرمين ضد الغزاة والمحتلين وذلك ذروة سنام الدين، إلا أن النظام قلب الموازين، وعكس المفاهيم، وأذل الأمة وعصى الملة، ففي الوقت الذي لم تسترجع الأمة بعد قبلتها الأولى، ومسرى نبيها عليه الصلاة والسلام بعد الوعود التي قطعها الحكام منذ ما يقرب من نصف قرن باسترجاعها حتى ذهب ذلك الجيل، وجاء جيل جديد تبدلت معه الوعود وسُلِمَ الأقصى لليهود، ولا زالت جراحات الأمة تنزف دماً هناك منذ ذلك الوقت، رغم هذا كله، إذ بالنظام السعودي يفجع الأمة بما تبقى لها من مقدسات مكة المكرمة والمسجد النبوي بأن جلب نساء جيوش النصارى للدفاع عنه، وأباح بلاد الحرمين للصليبيين - ولا عجب في ذلك بعد أن لبس الملك الصليب- وفتحها بطولها وعرضها لهم، فامتلأت بقواعد جيوش أمريكا وحلفائها؛ لأنه أصبح عاجزاً أن يقف بدون مساعدتهم، وأنتم أعلم الناس بهذا التواجد وحجمه وأهدافه وخطورته، فخان بذلك الأمة، ووالى الكفّار وناصرهم وظاهرهم على المسلمين، ولا يخفى أن ذلك معدود في نواقض الإسلام العشرة، وقد خالف بإباحته الجزيرة العربية للصليبيين الوصية التي أوصى بها رسول الله r أمته وهو على فراش الموت حيث قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).[رواه البخاري]. وقد قال أيضاً: (لئن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) [صحيح الجامع الصغير].
وإن الادعاء بأن تواجد القوات الصليبية على أرض الحرمين ضرورة ملحة ومسألة مؤقتة للدفاع عنها قضية قد تجاوزها الزمن، وخاصة بعد تدمير العراق تدميراً وحشياً أصاب البنية العسكرية والمدنية، وأظهر مدى الحقد الصليبي اليهودي على المسلمين وأطفالهم، وبعد الإصرار على عدم استبدال تلك القوات الصليبية بقوات إسلامية من أبناء البلاد وغيرهم، ثم إن هذا الادعاء أُزيل من أساسه وهُدِمَت أركانه بعد التصريحات المتتالية لأئمة الكفر في أمريكا، وكان آخرها تصريح وزير الدفاع الأمريكي وليام بيري بعد انفجار الخبر للجنود الأمريكيين هناك بأن وجودهم في بلاد الحرمين إنما هو لحماية المصالح الأمريكية، وقد ألف الشيخ سفر الحوالي -فرج الله عنه- كتاباً من سبعين صفحة، ساق فيه الأدلة والبراهين على أن تواجد الأمريكيين في الجزيرة العربية هو احتلالّ عسكريّ مخططّ له من قبل. وإن هذا الادعاء هو خدعة أخرى يريد النظام أن تنطلي على المسلمين كما انطلت خدعته الأولى على المجاهدين الفلسطينيين وكانت سبباً في ذهاب المسجد الأقصى، وذلك أنه لما هب الشعب المسلم في فلسطين في جهاده الكبير ضد الاحتلال البريطاني عام 1354 هـ الموافق لعام 1936 م، عجزت بريطانيا أن تقف أمام المجاهدين أو أن توقف جهادهم، ثم أوحى إليهم شيطانهم أنه لا سبيل إلى إيقاف الجهاد المسلح في فلسطين إلا بواسطة الملك عبد العزيز والذي في استطاعته خداع المجاهدين، وقد قام الملك عبد العزيز بمهمته تلك حيث أرسل ابنيه فالتقيا مع قادة المجاهدين في فلسطين وأبلغاهم بتعهد الملك عبد العزيز بضمان وعود الحكومة البريطانية بأنها ستخرج إذا أوقفوا الجهاد وستلبي مطالبهم، وهكذا تسبب الملك عبد العزيز في ضياع القبلة الأولى للمسلمين، ووالى النصارى ضد المسلمين، وخذل المجاهدين بدلاً من تبني قضية المسجد الأقصى، ونصرة المجاهدين في سبيل الله لتحريره، واليوم يحاول ابنه الملك فهد أن تنطلي الخدعة الثانية على المسلمين، ليذهب ما تبقى لنا من مقدسات، فَكَذَب على العلماء الذين أفتوا بدخول الأمريكان، وكذلك على الجمع العظيم من علماء وقيادات العالم الإسلامي في مؤتمر الرابطة في مكة المكرمة بعد أن استنكر العالم الإسلامي دخول القوات الصليبية بلاد الحرمين بحجة الدفاع عنها، حيث قال لهم إن الأمر يسير، وأن القوات الأمريكية وقوات التحالف سوف تخرج بعد بضعة أشهر، وها نحن اليوم ندخل في السنة السابعة بعد مجيئهم، والنظام عاجز عن إخراجهم، ولا يريد أن يعترف لشعبه بعجزه، فاستمر يكذب على الناس، ويدعي أن الأمريكيين سيخرجون، وهيهات هيهات، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والسعيد من اتعظ بغيره.
وبدلاً من أن يدفع النظام الجيش والحرس ورجال الأمن لمواجهة المحتلين، جعلهم حماة لهم، إمعاناً في الإذلال ومبالغة في الإهانة والخيانة ولا حول ولا قوة إلا الله، ونذكر أولئك النفر القليل من الجيش والشرطة والحرس والأمن الذين يستزلهم النظام، ويضغط عليهم ليعتدوا على حقوق المسلمين ودمائهم بقوله تعالى في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) [رواه البخاري]، وقوله r: ( يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: يا رب هذا قتلني، فيقول الله له: لم قتلته، فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجيء الرجلُ آخذاً بيد الرجل، فيقول: أي ربِ إن هذا قتلني، فيقول الله: لم قتلته، فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثم ) [رواه النسائي بسندٍ صحيح]، وفي لفظٍ عن النسائي أيضاً: ( يجيء المقتول يوم القيامة متعلقاً بقاتله،ن فيقول الله، فيمَ قتلت هذا، فيقول: في ملك فلان).
واليوم قد بدأ إخوانكم وأبناؤكم من أبناء الحرمين الجهاد في سبيل الله لإخراج العدو المحتل من بلاد الحرمين، ولا شك أنكم ترغبون في القيام بهذه المهمة لإعادة العزة للأمة وتحرير مقدساتها المحتلة، غير أنه لا يخفى عليكم أن المرحلة تستدعي اتباع أساليب قتالية مناسبة نظراً لعدم التوازن بين قواتنا النظامية المسلحة وقوات العدو، وذلك بواسطة قوات خفيفة سريعة الحركة، تعمل في سرية تامة، وبعبارة أخرى شن حرب عصابات يشارك فيها أبناء الشعب من غير القوات المسلحة. وتعلمون أنه من الحكمة في هذه المرحلة تجنيب قوات الجيش المسلحة الدخول في قتال تقليدي مع قوات العدو الصليبي، ويستثنى من ذلك العمليات القوية الجريئة التي يقوم بها أفراد من القوات المسلحة بصورة فردية، أي بدون تحريك قوات نظامية بتشكيلاتها التقليدية، بحيث لا تنعكس ردود الأفعال بشكل قوي على الجيش ما لم تكن هناك مصلحة كبيرة راجحة، ونكاية عظيمة فادحة في العدو، تحطم أركانه وتزلزل بنيانه، وتعين على إخراجه مهزوماً مدحوراً مقهوراً، مع الحذر الشديد من أن تُسْفَكَ في ذلك دماء مسلمة.
والذي يرجوه إخوانكم وأبناؤكم المجاهدون منكم في هذه المرحلة هو تقديم كل عون ممكن من المعلومات والمواد والأسلحة اللازمة لعملهم، ويرجون من رجال الأمن خاصة التستر عليهم، وتخذيل العدو عنهم، والإرجاف في صفوفه، وكل ما من شأنه إعانة المجاهدين على العدو المحتل.
وننبهكم إلى أن النظام قد يلجأ إلى افتعال أعمالٍ ضد أفراد القوات المسلحة أو الحرس أو الأمن، ويحاول نسبتها للمجاهدين؛ للوقيعة بينهم وبينكم، فينبغي تفويت هذه الفرصة عليه.
وفي الوقت الذي نعلم أن النظام يتحمل المسؤولية كاملة في ما أصاب البلاد وأرهق العباد، إلا أن أساس الداء ورأس البلاء هو العدو الأمريكي المحتل، فينبغي تركيز الجهود على قتله وقتاله وتدميره ودحره والتربص به والترصد له حتى يُهْزَمَ بإذن الله تعالى. وستأتي المرحلة - بإذن الله - التي تقومون فيها بدوركم بحسم الأمور لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، والضرب بيد من حديد على المعتدين، وإعادة الأمور إلى نصابها، والحقوق إلى أصحابها، والقيام بواجبكم الإسلامي الصحيح، وسوف يكون لنا حديث مستقل بإذن الله حول هذه القضايا.
أخي المسلم في كل مكان وفي جزيرة العرب خاصة:
¨ إن الأموال التي تدفعها ثمناً للبضائع الأمريكية تتحول إلى رصاصات في صدور إخواننا في فلسطين،¨ وغداً في صدور أبناء بلاد الحرمين.
¨ إننا بشراء بضائعهم نقوي اقتصادهم،¨ بينما نزداد نحن فقراً وضنكاً.
أخي المسلم في بلاد الحرمين:
هل يُعقل أن تكون بلادنا أكبر مُشتري للسلاح في العالم من أمريكا، كما أنها أكبر شريك تجاري للأمريكان في المنطقة، الذين يحتلون بلاد الحرمين، ويساندون بالمال والسلاح والرجال إخوانهم اليهود في احتلال فلسطين، وقتل وتشريد المسلمين هناك؟!!!.
¨ إن حرمان هؤلاء المحتلين من العوائد الضخمة لتجارتهم معنا،¨ إنما هو مساعدة هامة جداً في الجهاد ضدهم،¨ وهو تعبيرٌ معنويٌ هام في إظهار غضبنا عليهم وكرهنا لهم،¨ ونكون بذلك قد ساهمنا في تطهير مقدساتنا من اليهود والنصارى،¨ وأرغمناهم على مغادرة أراضينا مهزومين مدحورين،¨ مخذولين بإذن الله.
¨ وننتظر من النساء في بلاد الحرمين وغيرها أن يقمن بدورهنّ في ذلك بمقاطعة البضائع الأمريكية.
وإذا تضافرت المقاطعة الاقتصادية مع الضربات العسكرية للمجاهدين، فإن هزيمة العدو تكون قريبة بإذن الله، والعكس صحيح.. فإذا لم يتعاون المسلمون مع إخوانهم المجاهدين ويشدوا من أزرهم بقطع التعامل الاقتصادي مع العدو الأمريكي، فإنهم بذلك يدفعون إليه بالأموال التي هي عماد الحرب وحياة الجيوش، وبذلك يطول أمد الحرب، وتشتد الوطأة على المسلمين.
¨ إن كل أجهزة الأمن والاستخبارات في العالم لا يمكنها أن ترغم مواطناً على شراء بضائع أعدائه.
فالمقاطعة الاقتصادية لبضائع العدو الأمريكي هي سلاح فعّال للغاية لإضعاف العدو والإضرار به، ومع ذلك فهو سلاح لا يقع تحت طائلة أجهزة القمع.
وقبل الختام لنا حديثٌ هامٌ، وهامٌ جداً مع شباب الإسلام، رجال المستقبل المشرق لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، حديثنا مع الشباب عن واجبهم في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا، هذه المرحلة التي لم يتقدم فيها لأداء الواجبات في جميع الاتجاهات إلا الشباب حفظهم الله، فبعد أن تردد بعض الذين يُشار إليهم بالبنان عن أداء الواجب للذود عن الإسلام، ولإنقاذ أنفسهم وأموالهم من الظلم والبغي والقمع والإرهاب الذي تمارسه الدولة، مع استخدام الإعلام لتغييب وعي الأمة، تقدم الشباب حفظهم الله لرفع راية الجهاد عالية خفاقة ضد التحالف الأمريكي اليهودي الذي احتل مقدسات الإسلام - في الوقت الذي تقدم غيرهم؛ نتيجة لإرهاب الدولة لهم، أو من زلت أقدامهم طمعاً في دنيا فانية، تقدموا ليضفوا الشرعية على هذه الخيانة العظمى والمصيبة الكبرى على احتلال بلاد الحرمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله- ولا غرو ولا عجب من هذا الإقدام، وهل كان أصحاب محمد r إلا شباباً، وهؤلاء الشباب هم خير خلف لخير سلف، وهل قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل إلا الشباب؟.
يقول عبد الرحمن بن عوف t إني لفي الصف يوم بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل، فقلت: فما تصنع به، قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله r، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منّا، فتعجبتُ لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه.
الله أكبر.. هكذا كانت همم الفتيان رضي الله عنهم، وهكذا كانت همم آبائنا، فهذان فَتَيان صغيرا السن كبيرا الهمة والجرأة والعقل والغيرة على دين الله، يسأل كل واحد منهما عن أهم مقتل للعدو ألا وهو قتل فرعون هذه الأمة وقائد المشركين في بدر أبي جهل، وكان دور عبد الرحمن بن عوف t هو دلالتهما على أبي جهل، وهذا هو الدور المطلوب من أهل المعرفة والخبرة بمقاتل العدو، بأن يرشدوا أبناءهم وإخوانهم إليها، وبعد ذلك سيقول الشباب كما قال سلفهم: "والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منّا".
وفي قصة عبد الرحمن بن عوف مع أمية بن خلف يظهر مدى إصرار بلال t على قتل رأس الكفر، حيث قال: "رأس الكفر أمية بن خلف.. لا نجوت إن نجا".
وقبل أيام.. نقلت وكالات الأنباء تصريحاً لوزير الدفاع الأمريكي الصليبي المحتل، قال فيه إنه تعلم درساً واحداً من انفجاري الرياض والخبر، وهذا الدرس هو عدم الانسحاب أمام الإرهابيين الجبناء.
فنقول لوزير الدفاع إن هذا الكلام يضحك الثكلى التي مات وحيدها، وظاهر منه حجم الخوف الذي يعتريكم، فأين هذه الشجاعة الزائفة في بيروت بعد حوادث التفجير عام 1403 هـ الموافق لعام 1983 م والتي جعلتكم شذر مذر وقطعاً وأشلاءً بمقتل 241 جندياً أغلبهم من المارينز، وأين هذه الشجاعة الزائفة في عدن بعد حادثي انفجار جعلاكم تخرجون لا تلوون على شيء في أقل من أربع وعشرين ساعة.
ولكن فضيحتكم الكبرى كانت في الصومال، فبعد ضجيج إعلامي عنيفٍ لعدة أشهر عن قوة أمريكا بعد الحرب الباردة، وتزعمها للنظام العالمي الجديد، دفعتم بعشرات الألوف من القوات الدولية منها ثمانية وعشرون ألف جندي أمريكي إلى الصومال.
ولكن بعد معارك صغيرة، قُتل فيها بضع عشرات من جنودكم، وسُحِلَ طيار أمريكي في أحد شوارع مقديشو، خرجتم منها مهزومين مدحورين تحملون قتلاكم، وتجرون أذيال الخيبة والخسران والهوان، ولقد ظهر كلينتون أمام العالم يتهدد ويتوعد بأنه سينتقم، بينما كان ذلك التهديد تمهيداً للانسحاب، وقد أخزاكم الله وانسحبتم، وظهر جلياً مدى عجزكم وضعفكم، ولقد كان منظركم وأنتم تنهزمون في هذه المدن الإسلامية الثلاث [بيروت، وعدن ومقديشو] يدخل السرور على قلب كل مسلم، ويشفي صدور قومٍ مؤمنين.
وأقول: لئن كان أبناء بلاد الحرمين قد خرجوا لقتال الروس في أفغانستان والصرب في البوسنة والهرسك، وهم يجاهدون اليوم في الشيشان وقد فتح الله عليهم ونصرهم على الروس المتحالفين معكم، ويقاتلون بفضل الله أيضاً في طاجكستان.. أقول: "لئن كان أبناء الحرمين عندهم شعورٌ وإيمانٌ بضرورة الجهاد ضد الكفر في كل مكان، فهم أكثر ما يكونون عدداً وقوةً وحماسةً على أرضهم التي ولدوا عليها للدفاع عن أعظم مقدساتهم - الكعبة المشرفة، قبلة المسلمين أجمعين- ويعلمون أن المسلمين في العالم أجمع، سينصرونهم ويؤازرونهم في قضيتهم الكبرى، قضية كل المسلمين، ألا وهي تحرير مقدساتهم، وأن هذا هو واجبُ كل مسلم في العالم".
وأقول لك يا وليام: "إن هؤلاء الشباب يحبون الموت كما تحبون الحياة، وقد ورثوا العزة والإباء والشجاعة والكرم والصدق والإقدام والتضحية كابراً عن كابر، وإنهم لصبرٌ في الحرب صدقٌ عند اللقاء، وقد ورثوا هذه الصفات عن أجدادهم في الجاهلية وجاء الإسلام فأقر تلك الأخلاق وكم لها"، كما قال رسول الله r: (إنما بُعثت لأتمم صالحَ الأخلاق) [صحيح الجامع الصغير]، وعندما أراد الملك عمرو بن هند أن يذلّ عمرو بن كلثوم أخذ عمرو بن كلثوم السيف وقطع رأس الملك، رافضاً للذل والهوان والضيم، وأنشد قصيدة منها:


إذا ما المَلْكُ سَامَ الناسَ خسفاً أبينا أن نُقِرَّ الذلَ فيـنا
بأي مشيئة عمـرو بنَ هنـدٍ تريدُ بأن نكون الأرذلينا
بأي مشيئة عمـرو بنَ هنـدٍ تطيعُ بنا الوُشَاةَ وتزدْرينا
فإن قناتنا يـا عمـرو أعـيت على الأعداء قبلك أن تلينا
هؤلاء الشباب يؤمنون بالجنة بعد الموت، ويؤمنون بأن الأجل لا يقدمه إقدامهم على القتال ولا يؤخره تأخرهم، كما قال تعالى: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً.. } الآية[آل عمران: 145]، ويؤمنون بحديث رسول الله r: (يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفت الصحف) [صحيح الجامع الصغير].
ويتمثلون قول الشاعر :
إذا لم يكن من الموت بدٌ فمن العجز أن تموت جباناً
وقول الآخر :
من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحدُ
هؤلاء الشباب يؤمنون بما أخبر الله به ورسوله r عن عظيم أجر المجاهد والشهيد، حيث يقول الله عز وجل: {والذين قُتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويُصلح بالهم، ويُدخلهم الجنة عرفها لهم} [محمد: 4-6]، ويقول تعالى أيضاً: {ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لا تشعرون} [البقرة: 154]، ويقول رسول الله r: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماءِ والأرض) [صحيح الجامع الصغير]، ويقول أيضاً: (أفضل الشهداء الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك يتَلبطون في الغرف العلا من الجنة، ويضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حساب عليه) [أخرجه أحمد بسندٍ صحيح]، ويقول أيضاً: (الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم مسّ القرصة) [صحيح الجامع الصغير]، ويقول أيضاً: (إن للشهيد عند الله خصالاً: أن يُغْفَرَ له من أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُحلى حلية الإيمان، ويُزوج من الحور العين، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويُشفع في سبعين إنساناً من أقاربه) [أخرجه أحمد والترمذي بسندٍ صحيح].
هؤلاء الشباب يعلمون أن أجرهم في قتالكم مضاعفٌ عن أجرهم في قتالِ غيركم من غير أهل الكتاب، ولا همّ لهم إلا دخول الجنة بقتلكم، لا يجتمع الكافرُ وقاتلُه في النار.
وهم يرددون ويرتلون قوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفِ صدور قومٍ مؤمنين} [التوبة: 14]. وقول رسول الله r وهو يحرض المسلمين في بدر (والذي نفسُ محمدٍ بيده لا يقاتلهم اليوم رجلٌ فيُقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة)، وقوله لهم بعد ذلك: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض).
وهم يرتلون أيضاً قوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب…} الآية [محمد: 4]. وهؤلاء الشباب لا يحبون الكلام معكم، والعتاب لكم، لسانُ كل واحدٍ منهم يقول لكم:
ليس بيني وبينكم من عتابِ سوى طعن الكلى وضرب الرقابِ
وهم يقولون لك ما قال جدهم أمير المؤمنين هارون الرشيد لجدك نقفور عندما تهدد وتوعد المسلمين في رسالته إلى هارون الرشيد، فرد عليه هارون الرشيد برسالته التي جاء فيها "من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما ترى لا ما تسمع"، ثم سار بجيوش الإسلام إلى ملاقاة نقفور وجيشه، فهزم الله نقفور هزيمة منكرة.
فهؤلاء الشباب الذين تقول عنهم إنهم جبناء، يقولون لك: "لا يُقَعْقَعُ لنا بالشِّنان ولا يُلَوَّحُ لنا بالسِّنان، والجواب ما ترى لا ما تسمع" فهم يتنافسون على قتلكم وقتالكم، كتنافس الأوس والخزرج في قتال المشركين، وقد قال أحدهم:
جيـش الصليب غدا هبـاءً يـوم فجــرنا الخُـبَر
بشــبـابِ إسلامٍ كُمَاة لا يهـابون الخـطـر
إن قِيلَ يقتــلكَ الطُغـاةُ يقــول في قتلي ظَفَرْ
أنـا ما غدرت بذا المليـكِ إذ بقبلـتـنا غَــدَرْ
وأبـاحَ ذا البـلدَ الحـرامَ لــشرِ أنجاسِ البـشر
أقسـمت بالله العـظـيم بـأن أقاتــلَ من كَفَر
وهم قد حملوا السلاح على أكتافهم عشر سنوات في أفغانستان، وهم قد عاهدوا الله على أن يستمروا في حمله ضدكم حتى تخرجوا خائبين مهزومين مدحورين - بإذن الله - ما دام فيهم عرقٌ ينبضٌ أو عينٌ تطرف، ولسان حالهم يقول:
غداً ستعلم يا وليـــام أي فتىً يلقى أخاك الذي قد غرَّه العصبُ
فتىً يخوض غمـار الحرب مبتسماً وينثني وسنـان الرمح مُختضبُ
لا أبعد الله عن عيني غـطــارفةً إنسا إذا نزلوا جناً إذا ركــبوا
ليوثُ غـابٍ لـكن نيوبَ لـهم إلا الأسـنة والـهندية القـضبُ
والخيل تشهد لي أني أكفكفـــها والطعن مثل شـرار النار يلتـهبُ
والنقع يوم طراد الخيل يشهــد لي والطعن والضرب والأقلام والكتبُ
وإن شَتْمَك أحفاد الصحابة y بوصفهم بالجبن، وتحديك لهم بعدم الخروج من بلاد الحرمين، فيه عدم اتزان، وتظاهر بالجنون دواؤه عند شباب الإسلام، حيث يُقال فيهم:
فدت نفسي وما ملكت يميني فوارس صدَّقوا فيهم ظنــوني
فوارس لا يملون المنـايــا وإن دارت رحى الحرب الزَبُونِ
وإن حمي الوطيس فلا يبالـوا وداوَوْا بالجنــونِ من الجنونِ
وإن إرهابنا لكم وأنتم تحملون السلاح على أرضنا هو أمرٌ واجبٌ شرعاً ومطلوبٌ عقلاً، وهو حقٌ مشروعٌ في أعراف جميع البشر، بل والكائنات الحية، ومثلكم ومثلنا كمثل أفعى دخلت دار رجلٍ فقتلها، وإن الجبان من يترككم تمشون على أرضه بسلاحكم آمنين مطمئنين.
وهؤلاء الشباب يختلفون عن جنودكم، فمشكلتكم هي كيفية إقناع جنودكم بالإقدامِ إلى الحرب، أما مشكلتنا فهي كيفية إقناع شبابنا بانتظار دورهم في العمليات والقتال.
فلله درُ هؤلاء الشباب، فهم أهلٌ للمدح والثناء، حيث وقفوا لنصرة الدين يوم أضلت الدولة كبار الناس، واستزلتهم لإصدار فتاوى ليس لها سندٌ في كتاب الله، ولا في سنة نبيه r بتسليم اليهود المسجد الأقصى وإباحة بلاد الحرمين لجيوش النصارى، وإن ليَّ أعناق النصوص لن يغير من هذه الحقيقة شيئاً، ففيهم - أي في ذم القاعدين- وفي مدح المجاهدين يقول الشاعر:
كفرت بكل من عذلـوا وعن درب الهدى عـدلوا
ومـن بِنَديِّهِمْ والنــار تزحف يكثـر الجــدلُ
ومن بالوهـم رغـم التِيه ظنوا أنهم وصــلــوا
وأكبرتُ الذين مضــوا وعما شـقَّ ما سألــوا
وعن غاياتـهم رغـم اع تساف الدرب ما نكـلوا
ومن دمهـم أُضيــئت في دياجي الحَيْـرَةِ الشُّعَلُ
أنا ما زال جرح القـدس في جَنْبَيَّ يعتـــمـلُ
وَوَقْدَ مُصَابِهَا كالنــار في الأحشــاء يشتعـلُ
أنا ما خنـتُ عهـد اللهِ لمّا خـانت الـــدولُ
وقد قال جدهم عاصم بن ثابت t عندما طلب منه الكفار المفاوضة وعدم القتال :
ما علَّتِي وأنا جَلْدٌ نابلُ والقوس فيها وَتَرٌ عنابلُ
الموت حقٌ والحياةُ باطلُ إن لم أقاتلكم فأمي هابلُ
وإن الشباب يعتبرونكم مسؤولين عن كل ما يقوم به إخوانكم اليهود في فلسطين ولبنان من قتلٍ وتشريدٍ وانتهاكٍ لحرمات المسلمين، حيث إنكم تمدونهم بالمال والسلاح جهاراً نهاراً، وإن أطفال العراق والذين قد مات منهم أكثر من ستمائة ألف بسبب نقص الغذاء والدواء نتيجة حصاركم الظالم على العراق وشعبه هم أطفالنا، فأنتم تتحملون بذلك مع النظام السعودي دماء هؤلاء الأبرياء، كل ذلك يجعل كل عهد لكم معنا منقوضاً، فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام اعتبر صلح الحديبية لاغياً بعد أن ساعدت قريشٌ بني بكرٍ على خزاعة حلفاء رسول الله r، فقاتل قريشاً وفتح مكة، وقد اعتُبِرَ العهدُ مع بني قينقاع منقوضاً؛ لأن يهودياً منهم آذى امرأة في السوق، فكيف بقتلكم مئات الألوف من المسلمين، واستباحتكم لمقدساتهم، وبذلك يظهر أن الذين يزعمون أن دماء جنود هذا العدو الأمريكي المحتل لبلاد المسلمين معصومة، إنما يرددون مُكرهين ما يمليه النظام عليهم خوفاً من بطشه وطمعاً في السلامة، والواجب على كل قبيلة في جزيرة العرب أن تجاهد في سبيل الله وتطهر أرضها من هؤلاء المحتلين، وعَلِمَ اللهُ أن دماءهم مهدورة وأموالهم غنيمة، ومن قتل قتيلاً فله سَلَبُه . وقد قال تعالى في آية السيف: {فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد… } الآية[التوبة: 5]. والشباب يعلمون أن هذه المهانة التي لحقت بالمسلمين باحتلال مقدساتهم لا تزول ولا تدك بغير الجهاد والمتفجرات، وهم يرددون قول الشاعر:



جُدُرُ المذلة لا تُـــدَك بغير زخات الرصـــاصِ
والحر لا يُلْقِى القيــادَ لكل كَفَّارٍ وعــــاصي
وبغير نَضْحِ الــــدم لا يُمْحَى الهوانُ من النواصي
وأقول لشباب العالم الإسلامي الذين جاهدوا في أفغانستان, والبوسنة والهرسك بأموالهم وأنفسهم وألسنتهم وأقلامهم، بأن المعركة لم تنتهِ بعد، وأذكرهم بحديث جبريل مع رسول الله r بعد غزوة الأحزاب (فلما انصرف رسول الله r إلى المدينة لم يكن إلا أن وضع سلاحه، فجاءه جبريل، فقال: أوضعت السلاح؟ والله إن الملائكة لم تضع أسلحتها بعد، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائرٌ أمامك أُزلزلُ بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موكبه من الملائكة ورسول الله r على أثره في موكبه من المهاجرين والأنصار…} [رواه البخاري].
وهؤلاء الشباب يعلمون أن من لم يُقتلَ يموت، وإن أشرف ميتة عندنا هي القتل في سبيل الله، ويرددون قول جدهم الصحابي الجليل عبدالله بن رواحة t وخاصة بعد قُتْلِ الأبطال الأربعة الذين فجروا الأمريكيين في الرياض، أولئك الشباب الذين رفعوا رأس الأمة شامخاً، وأذلوا أعداءها من الأمريكيين المحتلين بعمليتهم الشجاعة تلك:
يا نفسُ إلا تُقْتَلي تــموتي هَذي حِيَاضُ الموتِ قد صُلِيْتِ
وما تمنيت فقد أُعطِيــتِ إن تفعلي فعلهما هُديِـــتِ
وقول جعفر t:-
يا حبذا الجنة واقتــرابها طيِّبةٌ وباردٌ شــرابها
والرومُ رومٌ قد دنا عذابها عليّ إن لاقيتها ضِرَابُهَا
وأما عن أمهاتنا وأخواتنا ونسائنا وبناتنا فهن يتخذنّ من الصحابيات الجليلات رضي الله عنهنّ قدوة لهنّ بعد رسول الله r، ويقتبسن من سيرتهنّ الجرأة والتضحية والإنفاق لنصرة دين الله عز وجل، ويتذكرنّ جرأة وصلابة فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها في الحق أمام أخيها عمر بن الخطاب قبل أن يسلم، وتحديها له بعدما علم بإسلامها بقولها له: "أرأيت إن كان الحق في غير دينك يا عمر" ويتذكرن موقف أسماء بنت أبي بكر يوم الهجرة، حيث شقّت طاقها نصفين وعلقت بأحدهما السفرة التي أخذها رسول الله r وأبو بكر معهما في رحلتهما إلى المدينة، وسُميت بذلك ذات النطاقين، ويتذكرنّ موقف نسيبة بنت كعب وهي تدافع عن رسول الله r يوم أُحد حتى أصابها اثنا عشر جرحاً بينها جرحٌ أجوفٌ في عاتقها، ويتذكرنّ بذل الصحابيات وإنفاقهنّ لحليهنّ لتجهيز جيوش المسلمين الغازية في سبيل الله، وقد ضربت نساؤنا في هذا العصر مثلاً رائعاً في الانفاق في سبيل الله، وفي تحريض أبنائهنّ وإخوانهنّ وأزواجهنّ على الجهاد في سبيل الله، وذلك في أفغانستان، وفي البوسنة والهرسك، والشيشان… وغيرها. فنسأل الله أن يتقبل منهنّ ويفرج عن أبنائهنّ وآبائهنّ وأزواجهنّ وإخوانهنّ، وأن يزيدهنّ إيماناً ويثبتهنّ على هذا الطريق، طريق التضحية والفداء لتكون كلمة الله هي العليا.
وإن نساءنا لا يرثين إلا الرجال المقاتلين في سبيل الله، كما قيل:
ولا تَرْثِيْنَ إلا لَيـثَ غَـــاب شجـاعاً في الحروب الثائراتِ
دعوني في الحروبِ أمــت عزيزاً فمـوت العـز خيرٌ من حياتي
وهنّ يحرضن إخوانهنّ على الجهاد في سبيل الله متمثلاتٍ قول الشاعر:
تَأَهَّبْ مثل أُهْبةَ ذي كفـاح فإن الأمر جَلَّ عن التَــلاحي
أتتركنا وقد كَثرت عليــنا ذئاب الكفر تأكل من جنـاحي
ذئاب الكفر ما فتئَت تُؤَلِّـبْ بـني الأشرار مـن شتَّى البِطاح
فأين الحر من أبنـاء ديــني يذود عن الحَرائر بالســـلاح
وخير من حياة الذل مــوتٌ وبعـض العار لا يمحـــوه ماحِ
إخواننا المسلمين في العالم أجمع:
إن إخوانكم في بلاد الحرمين وفلسطين يستنصرونكم، ويطلبون منكم مشاركتهم في جهادهم ضد أعدائهم وأعدائكم من الإسرائيليين والأمريكيين بالنكاية فيهم بكل ما من شأنه أن يخرجهم مهزومين مدحورين من المقدسات الإسلامية، كلٌ بحسب استطاعته، قال تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر…} الآية [الأنفال: 72].
فيا خيل الله اركبي.. وهذا أوان الشّدِّ فاشتدُّوا، اعلموا أن اجتماعكم وتعاونكم من أجل تحرير مقدسات الإسلام هو خطوة صحيحة نحو توحيد كلمة الأمة تحت راية كلمة التوحيد .
ولا يسعنا ونحن في هذا المقام إلا أن نرفع أكف الضراعة، سائلين المولى عز وجل أن يرزقنا السداد والتوفيق في الأمر كله.
اللهم إن علماء الإسلام الصادقين، وشباب الأمة الصالحين قد وقعوا في الأسر، اللهم فرج عنهم، اللهم ثبتهم، اللهم اخلفهم في أهلهم بخير.
اللهم إن أهل الصليب قد جاءوا بخيلهم ورجلهم، واستباحوا بلاد الحرمين، وإن اليهود يعيثون فساداً في المسجد الأقصى مسرى رسول الله r اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وامنحنا اللهم أكتافهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم إنّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم أرنا فيهم يوماً أسوداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم .
اللهم أنت عضدنا، وأنت نصيرنا، بك نجول، وبك نصول، وبك نقاتل، حسبنا الله ونعم الوكيل.
اللهم هؤلاء الشباب قد اجتمعوا لنصرة دينك ورفع رايتك، اللهم أمدهم بمددٍ من عندك واربط على قلوبهم.
اللهم ثبت شباب الإسلام، وسدد رميهم، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، ووحد بين صفوفهم، ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعَزُ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُ فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
وصلِ اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين