lkhtabi
17-01-2006, 11:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
لكم الله أيها المجاهدون!(1)
للمجاهدين في سبيل الله منزلة رفيعة في القرآن والسنة، والسيرة النبوية الشريفة... ولدى المؤمنين الصادقين، لأنهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله، قاصدين رفع راية الإسلام في الأرض، والدفاع عن ضرورات الحياة: وهي الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال، وعن أرض المسلمين التي هي دار الإسلام ومأواه.
المجاهدون الذين يهجرون الأهل والمال والمسكن... ويخاطرون بأنفسهم، في ساحات الوغى، ويرابطون في ثغور دولتهم، متعرضين لشدائد المرابطة التي لا راحة فيها للأبدان، يسهرون والناس نائمون، ويخافون والناس آمنون، يشوي جلودهم حر الصيف وقيظه، ويقطع أجسادهم برد الشتاء وزمهريره...
3 تشييع الغزاة عند خروجهم للجهاد في سبيل الله:
فقد كان من تكريم المجاهدين في سبيل الله، أن حض صلى الله عليه وسلم على توديعهم عند خروجهم ورغب فيه.
ففي ترتيب المسند: (باب تشييع الغازي، واستقباله، ووصية الإمام له) عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(لأن أشيع مجاهداً في سبيل الله، فأكفه [قال في الحاشية: (بكسر الكاف أي أخدمه وأعينه في حوائجه)] على راحلة غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها)
[ الحديث رواه أحمد ز انظر ترتيب مسند الإمام أحمد، المسمّى (بالفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني) لأحمد عبد الرحمن البنا والد الإمام حسن البنا (الساعاتي (14/51) وقال في الحاشية: (تخريجه: جه، ك، وفي إسناده ابن لهيعة وشيخه زبان بن فايد، وكلاهما فيه كلام. ورواه ابن ماجه وغيره ].
والغرض من ذلك تشجيعهم بذكر فضل الجهاد والمجاهدين وإظهار إكرامهم لحفز هممهم وهمم المقيمين على الاستعداد لقتال العدو عاجلاً أم آجلاً [انظر سيرة ابن هشام (4/8،9) وكذلك زاد المعاد (2/173)].
وطبق ذلك خلفائه من بعده:
كما في الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أنّ أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع زيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع في تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر، إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: (ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله …) [الموطأ (2/448) رقم 10].
استقبال المجاهدين والترحيب بهم
وكان المجاهدون كذلك ينالون التكريم عند رجوعهم... فيستقبلون استقبالا حافلا، وترحيبا حارا.
وهو حق من حق المجاهدين في سبيل الله على من بقي من المسلمين في البلد، أن يستقبلوهم ويرحبوا بهم، ويشعروهم بالاحترام والتقدير، لما نالوه من مشقة في سبيل الله تعالى وما واجهوا من التعب والمشقة في الحروب، من الجوع والعطش ومفارقة المضاجع والظلال.
ولكونهم أدوا الفرض وأسقطوه عن غيرهم، وهكذا كان السلف يعملون وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بوب لذلك البخاري رحمه الله فقال: "باب استقبال الغزاة" وأورد فيه حديثين: أحدهما حديث السائب بن زيد رضي الله عنه، قال: (ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع) [صحيح البخاري رقم: 3083، فتح الباري (6/191)].
وبينت رواية الترمذي لنفس الحديث أن ذلك كان عند قدومه من غزوة تبوك، وفيه توضيح أكثر للمتلقين (الناس) وهو يدل على كثرتهم وهذا نصه: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع، قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام) [الترمذي رقم الحديث: 2772، تحفة الأحوذي (5/281)].
وقال ابن القيم رحمه الله: فلمادنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج النساء والصبيان والولدان يقلن:
طلع البـدر علينـا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعـا لله داع
وبعض الرواة يَهِمُ في هذا، ويقول: إنما كان عند مقدمه المدينة من مكة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام... [زاد المعاد (3/12)].
هكذا كان السلف الصالح يعاملون المجاهدين في سبيل الله، يودعونهم عند سفرهم داعين لهم بالنصر والشهادة، ويكرمونهم عند قدومهم بالاستقبال والترحيب، لأن المقياس عندهم هو سبيل الله.
وكانوا إذا فرت طائفة من الجيش الإسلامي وتركته ورجعت إلى المدينة، بسبب ما رأت تلك الطائفة من كثرة العدو وغلبة ضعفها البشري عن التحمل والثبات، كانوا يستقبلون تلك الطائفة بالتأنيب ويَحثُون التراب عليهم، ويعيرونهم بقولهم لهم: يا فُرَّار فررتم في سبيل الله [السيرة النبوية لابن هشام (2/18) والبداية والنهاية لابن كثير (4/248)].
فهل بقي هذا المقياس للتكريم أو التأنيب عند المسلمين؟
لقد انعكست الأمور وانقلبت الموازين واختلت المقاييس وأصبح الخونة الجبناء الذين يبيعون الدين والأرض والشعوب للأعداء الكافرين، هم موضع التكريم وإذا خضع أحدهم لعدو المسلمين فركع له واستسلم وتآمر على شعبه ودينه وأرضه، ثم رجع إلي ذلك الشعب، رأيت غوغاء الناس وهم يركضون لاستقبال الزعيم والتصفيق له كأنهم قطعان من الحيوان، يهتفون بحياته ويثنون على خطواته، ويلقبونه بألقاب الفاتحين الأبطال، وقليل هم الذين يدركون الخيانة ويعرفون الخونة، فتراهم ينظرون إلى تلك الجموع الضائعة متعجبين مشفقين، يدعون لها بالهداية والإنابة إلى الله.
وهؤلاء القليل مغلبون على أمرهم لا حول لهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، محاصرون من كل جانب لا يملكون أن يوصلوا إلى تلك الجموع الضائعة الخاسرة كلمة الحق عن طريق أقل وسيلة للإعلام، وإذا تجرءوا فقالوا كلمة حق بأي وسيلة اتهموا بالشذوذ والتآمر على مصالح الشعب والخروج عن الصف، وقيل فيهم ما قال أعداء الله من قبل في ذوي الصلاح والهدى والدعوة إلى الله بأنهم خارجون على النظام مفسدون، يريدون القضاء على مكاسب الشعب التي حققها له القادة الأبطال: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، ويذهبان بطريقتكم المُثْلى} [طه:63].
وبمقدار ما تُسلط أجهزة الإعلام على أولئك الصالحين لتصفهم بكل أوصاف الذم حتى يظهروا أمام الجموع الضائعة بمظهر الشذاذ المفسدين الذين يجب نبذهم وعدم الإصغاء إلى آرائهم، بمقدار ذلك أو أكثر تكيل تلك الأجهزة المديح والثناء للأبطال المتآمرين حتى يصبحوا هم الملائكة الأبرار، الذين لا يريدون إلا الحق ولا يسلكون إلا سبيل الهداية والرشد، فيرتسم في أذهان الغوغاء أن هؤلاء الضالين المفسدين هم الهداة المهتدون، وأن أولئك المجاهدين الأبرار، هم أهل الغواية والضلال.
وقد سبق هؤلاء الذين يقلبون الحقائق، فيظهرون الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، سبقهم إخوانهم الذين سجل التاريخ عليهم كل تصرفاتهم، فلحقتهم لعائن الله في الأرض وتنتظرهم نقمته في الآخرة.
{وقال فرعون ذروني أقتلْ موسى ولْيَدْعُ ربَّه، إني أخاف أن يبدِّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} [غافر: 26].
قال فرعون {ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرَّشاد} [غافر: 29]
ومن العجائب المحزنة أن نرى الاحتفاء والتكريم لرفسة كرة قدم ناجحة في ملعب تحضره الآلاف المؤلفة من المشجعين الذين تطرب قلوبهم فرحا، وترقص أبدانهم تعبيرا عن الرضا، رافعين أعلام النصر الكروي... ثم تراهم بعد ذلك يملئون شوارع المدن وميادينها، مزعجين الناس بأبواق السيارات، وصياح الحناجر، وتصفيق الأيدي.. احتفاء بتلك الرفسة المنصورة!
ويتبع ذلك تكريم اللاعبين على أعلى المستويات في الدول العربية، وكأنهم قد أهدوا إلى أمتهم مفتاح بيت المقدس والمسجد الأقصى بعد انتصارهم على اليهود المحتلين!
وجميعهم المكرِمُون والمكرَمون يشاهدون دماء المظلومين المسفوحة، وديارهم المهدمة، وشبابهم المعصوب العينين الذي تركله أقدام اليهود، والنساء المستغيثات السائلات: (وينكم يا عرب؟)
وفي نفس الوقت... ترى أجهزة الأمن في بعض البلدان العربية تطارد المطالبين بمناصرة المظلومين في الأرض المباركة على عدوهم اليهودي المعتدي... تطاردهم أجهزة الأمن أمام المساجد في أيام الجمع، وفي حرم الجامعات... يطاردونهم بالهراوات... والغاز المسيل للدموع... وخراطيم المياه الساخنة... بل وبضباط الكلاب البوليسية ذات الرتب العليا التي تنهش لحوم الغيورين ... يضربون مشايخ العلم ورجال الفكر وزعماء الأحزاب ويهينون كرامتهم، لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر... يطلبون نصر المظلوم وردع المعتدي...!
وتختار أجهزة الأمن تلك من تحترمهم الشعوب، ويستجيبون لندائهم، فيستضيفونهم إلى المعتقلات والسجون، ويسلطون عليهم من دربوهم على التحقيق الظالم الذي تهان فيه كرامات الرجال، ويحقر فيه عظماء الأمة...
وهكذا تجد التكريم والتعظيم للراقصات والمغنيات والممثلات اللاتي تتألق أسماؤهن وأشباههن من الرجال، ويلقبون بالألقاب الرفيعة: النجوم، الرواد العظماء، المبتكرون... وتفتح لهم أبواب الظهور، حتى يصبحوا أئمة الشعوب وقادتها في تحطيم الأخلاق والمعنويات والقضاء على الرجولة الشرف، وهكذا.
والسبب في ذلك أن المقياس عند عامة الناس انقلب من سبيل الله إلى سبيل الشيطان، فكان السلف يكرم أهل سبيل الله لأنه المقياس عندهم، وأصبح المنتسبون إلى الإسلام الآن يكرمون أهل سبيل الشيطان لأنه المقياس عندهم!
الحلقة الثانية
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
لقد قام المجاهدون في أفغانستان بفريضة الجهاد في سبيل الله، تلبية لأمر الله تعالى به، ومناصرة لإخوانهم الأفغان الذين اعتدى عليهم الملحدون في الاتحاد السوفييتي، وأثبتوا للعالم أن الفئة المؤمنة قادرة على دفع العدو عن بيضة المسلمين ودينهم ونفوسهم ونسلهم وعرضهم وعقولهم وأموالهم... مهما كانت كثرة هذا العدو، ومهما عظمت عدته.
لأن الفئة المؤمنة المجاهدة تتفوق على عدوها بقوة الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة في نصره، وتنفذ أمر الله لها بالصبر والمصابرة، وتعلم أنها لا تخسر المعركة على أي حال، فهي فائزة بإحدى الحسنيين: بالنصر أو الشهادة، وتعلم أن الجهاد في سبيل الله لرفع رايته في الأرض، هو سنة أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين الذين لا تطيب نفس المؤمن إلا بالوقوف في صفهم... والسير في قافلتهم الممتدة على مدى الأمكنة الأزمان، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها:
((ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)) [النساء69]
وقد اهتبل أعداء الله الصليبيون –وعلى رأسهم الدولة الأمريكية - تلك العاطفة الجياشة في نفوس شباب الأمة، وشجاعتهم النادرة، وحبهم للشهادة والموت في سبيل الله أشد من حب أعدائهم للحياة، ففتحوا لهم كوة صغيرة يلجون منها، لدحر المد الشيوعي الذي أخافهم وهدد مصالحهم في المحيط الهندي، وبحر العرب، وخليج النفط العربي، وهدد مصالحهم في المنطقة كلها... وبخاصة استقرار الدولة اليهودية الصهيونية... وسيطرتها على الأمة الإسلامية.
اغتنمت أمريكا تلك الفرصة، ودفعت –كعادتها-دول المنطقة لتأييد رجال الجهاد من الأفغان ومن جميع الشعوب الإسلامية، فأمدوهم بالمال والسلاح، والإغاثة الغذائية والطبية، والتعليمية، ويسروا للمجاهدين من خارج أفغانستان سبل الوصول إلى أفغانستان، وبخاصة المواصلات...
واستنفروا علماء الإسلام ليحثوا الشباب على الجهاد في سبيل الله... وصدرت الفتاوى حينئذ بأن الجهاد فرض عين على كل مسلم قادر، فتنادى المسلمون علماء وعامة، شبانا وشيبا...رجالا ونساء، بل ومراهقين: حي على الجهاد...
وهيئت لهم وسائل الإعداد والتدريب... وانطلقوا في الجبال والوهاد بعزم هو أقوى من صواريخ الأعداء، يتحدون قوة لا قبل لهم بها لولا تثبيت الله لهم بقوة إيمانهم وعلمهم أنهم على حق، وأن عدوهم على الباطل...
وكانت معسكراتهم تذكر بجيوش الفتوحات الإسلامية في القرن الإسلامي الأول: قرآن تُؤَبِّ مع تاليه جبال الأرض وتتجاوب معه كواكب الفضاء... وذكر دائم يرتفع إلى السماء....وتهجد يقوي العزائم و يثبت القلوب عند اللقاء... وتدريب متواصل تتبعه في ميادين القتال مقارعة الأعداء....ونال الشهادة من المجاهدين من اصطفاهم فاتخذهم شهداء...
ونصر سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على أعدائهم المعتدين نصرا عظيما، وأذاقهم بعد ظاهر العز ذلا جسيما، فخرجوا يجرون أذيال الهزيمة جرا... وأعقبهم بعد القوة والغنى ضعفا وفقرا.
ومزقهم الله بعد الاتحاد تمزيقا، وفرق دولتهم التي طغت وتجبرت تفريقا، ولم تزل تتجرع كأس الغرور والعدوان، وتكتوي من نفخ كيرها المحرق لهيب النيران، وتستنشق من دخانه الأسود ما أصابها بأخبث أورام السرطان.
وفتح أعداء الإسلام جبهات أخرى للقضاء على المسلمين، في البوسنة والهرسك، وفي الشيشان، وفي كوسوفا... فهب شباب الجهاد مرة أخرى لنصرة إخوانهم في تلك البلدان، وأبلوا بلاء حسنا، وبدا واضحا لأعدائهم أن لهم شأنا في الوقوف ضد ظلم المسلمين في كل مكان.
وعندما رجع كثير من المجاهدين إلى بلدانهم، استقبلتهم أجهزة أمنها استقبال المجرمين، وحاصروهم حصار الأجانب المعتدين، وأغلظوا عليهم في التحقيق والتعذيب، وعاملوهم بإهانات التي لم يكونوا يظنون أن إخوانا لهم في أوطانهم قد سقطوا في حمأتها.
كما انقضت عليهم وسائل الإعلام انقضاض الوحوش على طرائدها، فأطلقت عليهم من الألقاب المنفرة الظالمة ما شاءت، مثل "الأصوليين، المتشددين، الإرهابيين"
كان ذلك جزاءهم، بدلا من الترحيب بهم، وتهنئتهم بالنصر، وتعزيتهم في زملائهم الذين لقوا ربهم، وإشعارهم بالمحبة والعطف، ووضعهم في مكانهم اللائق بهم، في المواقع العسكرية، والاستفادة من خبراتهم، وإعدادهم لليوم المحتوم مع العدو اليهودي الذي لا يصلح لمواجهته إلا أمثالهم.
ومن حَسُنَ حظُّه منهم فأطلق سراحه من زنازين الاعتقال وغياهب السجون، لقي سوء حظه في إخافته بالمراقبة الدائمة، والاستدعاء المتواصل إلى الجلادين الذين ورَّثت تحقيقاتهم الظالمة لكثير منهم أمراضا نفسية وحالات مزعجة من الإحباط، ولم يقتصر الأذى على المجاهدين، بل نال أسرهم من الأذى المعنوي الشيء الكثير.
وتواطأ غالب حكومات الشعوب الإسلامية، على التضييق على أولئك المجاهدين ومطاردتهم في كل مكان ولم يجدوا لهم مأوى يلجئون إليه ويعيشون فيه، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وشعروا أن وراء تلك المعاملة حملة أمريكية غربية ظالمة، فأثار ذلك حفيظتهم، ولم يحتملوا الضيم المسلط عليهم.
فانطلق بعضهم – ممن لم يطيقوا الصبر على تلك الحملات ضدهم - يشفون غيظ صدورهم من الإدارة الأمريكية بالتفجيرات لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في داخل البلاد وخارجها
ولجأ بعضهم إلى أفغانستان البلد الذي لم يجدوا لهم مأوى في الأرض غيره، وتطورت الأمور حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من حادث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الذي لم تظهر أسراره الحقيقية إلى يومنا هذا.
وهنا سنحت الفرصة للإدارة الأمريكية الصليبية، والشرذمة اليهودية الصهيونية، لتنفيذ مخططاتهم القديمة لضرب الإسلام في كل مكان، والقضاء على أي قوة قد يملكها المسلمون يستطيعون بها الدفاع عن أنفسهم من العدوان على بلدانهم... وحشدت أمريكا حلفاءها في الغرب والشرق، وأعلنت الحرب على ما سمته بالإرهاب في كل أقطار الأرض، وأن من لم يكن معها فهو عليها يعني أنه إرهابي أو متعاون مع الإرهاب...
وبدأت بأضعف دولة إسلامية وأفقرها وأشدها بؤسا، وهي الإمارة الإسلامية في أفغانستان، التي قالت – رغم ضعفها – لأمريكا: "لا" وأصرت على تطبيق الإسلام – بحسب فهمها له – وتعاون مع أمريكا طلاب الدولارات والمناصب الممنوحة بالقوة العسكرية...
وأمطرت أمريكا الشعب المسكين بوابل الرصاص والصواريخ والقنابل الحديثة وجميع الأسلحة الفتاكة ذات الدمار الشامل -التي هي من أهم أهداف حربها- من الجو والبر والبحر، دون أن يواجهوا المجاهدين على الأرض، واستطاعوا أن يأسروا عددا منهم عن طريق من باعوا أنفسهم وبلدهم وكرامتهم للدولة المستعمرة الجديدة.
فتنة وخذلان:
وقد رأى العالم كله تلك المناظر البشعة التي ظهر عليها الأسرى في معتقلات "غوانتنامو الكوبية" حيث حرم طغاة الصليب الأسرى المسلمين من النعم الضرورية منحهم الله إياها: نعمة السمع، ونعمة البصر، ونعمة التنفس... سدوا آذانهم، وغطوا أبصارهم، وكمموا أفواههم وأنوفهم، إضافة إلى تكبيلهم بالقيود والأغلال الثقيلة للأيدي والأرجل.
ومع تلك الحال ترى الواحد من الأسرى إذا أريد نقله من مكان إلى آخر يحيط به أربعة من الجنود المدججين بالسلاح، من الأمام ومن الخلف، وعن اليمين واليسار، أليس فعلهم هذا يدل على الرعب الذي أنزله الله في قلوبهم من رجال الجهاد؟
هذا ما أذن طغاة الظلم بإظهاره أمام العالم، فما الذي يعاملون به أولئك الأسرى في الخفاء؟!
فأين منظمات حقوق الإنسان؟
لقد رفع بعض الناس أفرادا وجماعات أصواتهم متسائلين عن مواقف منظمات حقوق الإنسان من هذا العمل المشين؟ فظهرت نداءات من هنا ومن هناك فترة قصيرة ثم اختفت أصوات حقوق الإنسان في الوقت الذي يعبث الأمريكان فيه بكل حق من حقوق الإنسان!
وإنا لنعلم علم اليقين أن منظمات الرفق بالحيوان، لو رأت من يؤذي قردا من القرود، أو كلبا من الكلاب، في أي بلد من البلدان، بأقل من إيذاء الإنسان المسلم في "غوانتنامو" لأقامت الدنيا ولم تقعدها حتى يعتذر من آذى القرد أو الكلب!
وأين الدول التي لها أسرى في "غوانتنامو"؟
لقد احتجت أستراليا وبريطانيا على أمريكا في أخذ عدد قليل من رعاياها إلى ذلك المعتقل الظالم وطالبتا بتسليمهم إليهما ليحاكموهم في بلدانهم...
أما حكومات الشعوب الإسلامية فيبدو أن غالبها قد سرها ما حصل لأبنائها من ظلم وإهانات أمام الملأ، وارتاحت نفوسهم وبردت قلوبهم أن يأتي ظلم أولئك من قبل غيرهم، ولهذا لم نسمع نداء استنكار من دول أولئك الرعايا، لما تزاوله الدولة الصليبية الظالمة من فتنة وأذى لا تقره أديان ولا قوانين.
ولو أن شخصا واحدا من أي دولة من دول الغرب، أو من الدولة اليهودية المحتلة، فجر بعض قصور الملوك والرؤساء في أي بلد إسلامي، اعتقل في تلك الدولة مجرد اعتقال، لسلطت على الدولة التي اعتقلته جميع وسائل الإعلام الغربية تدعو إلى الرفق بالمعتقل... ولرأينا الوفود السياسية والدبلوماسية، والاستخباراتية، والطبية ولإعلامية، والمنظمات الإنسانية، تبحث عن المعتقل، وتلح على مقابلته ومعرفة حالته... وتطالب بالرفق به، لأنه مواطن غال عند دولته والدول الحليفة لدولته..
بل إن دول الغرب كلها تقف صفا واحدا ضد أي دولة تعلن تطبيق الحكم الشرعي الإسلامي على أي مجرم من الغربيين، وتتهم الدولة التي تعلن ذلك بالعنصرية والرجعية وتتهم الإسلام بالوحشية.
فهل دم المجرم الغربي أغلى من دم المسلم الذي يحرم من حقوق الأسرى بل يحرم من حقوق المجرمين التي أقرتها لهم الأديان السماوية والقوانين الدولية، كما يحصل من الدولة الصليبية التي تدعي أنها راعية حقوق الإنسان؟
وهل الدول النصرانية واليهودية أولى برعاية حقوق رعاياها من حكومات الشعوب الإسلامية؟
ولقد شغلتنا الهجمة اليهودية الشرسة الأخيرة عما يعانيه إخواننا الأسرى في "غوانتنامو" ولم تعد وسائل الإعلام تذكر عنهم شيئا، ولا ندري ما ذا يجري لهم من أذى وتعذيب وإهانات، من أجهزة التحقيق الصليبية في تلك البقعة المعزولة....
وما ذا عسى أن نفعل لهم سوى الدعاء أن يفرج الله كربهم، وينزل بأسه بمن يتولى كبر ظلمهم وعقابهم، بدون محاكمات عادلة؟
ليس عندنا ما نفعله لهم إلا أن نقول: لكم الله أيها المجاهدون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الحلقة الثالثة
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
تضمنت الحلقة الأولى من هذه السلسلة منزلة المجاهدين عند الله، وعند سلفنا الصالح، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما آل إليه الأمر لدى المسلمين في العصور المتأخرة، وبخاصة في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين، وانعكست القيم.
وتضمنت الحلقة الثانية ما ناله المجاهدون من شباب الأمة الإسلامية في هذا العصر، من رفع راية الإسلام وإعادة الروح الجهادية إلى المسلمين، وكيف هزم رجال الجهاد ثاني قوتين عظميين في العالم، وهي دولة الاتحاد السوفييتي، التي خرج جيشها يجر أذيال الهزيمة، وما أعقب ذلك من تمزيق الله وحدة تلك الدولة وما نزل بها من ضعف وهوان.
وكيف عاملت الدولة الصليبية أولئك المجاهدين الذين استفادت من جهادهم القضاء على قوة عدوها اللدود "الاتحاد السوفييتي" ثم قلبت لهم ظهر المجن، وحشدت لحربهم دول العالم بما فيه دولهم، لمحاربتهم واعتقالهم، ومحاكماتهم محاكمات عسكرية ظالمة... فنالوا على جهادهم ما ناله سنمار، الذي رثى له الشاعر في قوله:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ،،،،،،،،،،،،، وحسن فعل كما يجزى سنمار
وتتضمن هذه الحلقة موقف حكومات الشعوب الإسلامية، والسلطة الفلسطينية، من شباب الحركة الجهادية في الأرض المباركة "فلسطين" الذين نذروا أنفسهم لدفع العدو اليهودي الذي احتل أرضهم، ودنس مقدساتهم ومقدسات الأمة الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي أحرقه اليهود سنة 1969م ومنعوا -ولا زالوا يمنعون- كثيرا من أهله من الصلاة فيه، ويقومون بالحفر تحته بحجة البحث عن هيكلهم المزعوم، وهدفهم من ذلك هدمه بطريقة خداع وخبث.
وشردوا أهلها من مدنهم وقراهم وبلادهم، وعاملوا من بقي منهم معاملة تتنزه عنها وحوش الغاب، واستمروا على ذلك خمسين عاما يعيش فيها أهل البلاد الأصليين عيشة ذل وهوان، وزعماء الشعوب الإسلامية ومنها الزعماء العرب يتفرجون على حالهم تفرج من لا يعبأ بشيء.
وظن اليهود والدول الصليبية المعاصرة التي غرست الدولة اليهودية في قلب العالم الإسلامي، كما ظن كثير من زعماء العرب والمسلمين، أن أبناء فلسطين قد استسلموا للأمر الواقع، وخنعوا للدولة اليهودية المحتلة، وبخاصة الجيل الذي ولد وترعرع في ظل الغطرسة اليهودية الظالمة، ولا سيما بعد هزيمة 1967م التي سيطر فيها اليهود على كافة الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر، بل وسيطرت على أراض أخرى من أراضي الدول المجاورة.
ولكن ظن الجميع خاب، عندما خرج صبية صغار من أبناء الأرض المباركة، في عام 1987م يحملون سلاحين عظيمين:
السلاح الأول: سلاح الإيمان والاعتزاز بالله والتوكل عليه، وخوفه وحده دون سواه، وتفقهه في مضامين سور الجهاد في سبيل الله، كآل عمران، و الأنفال والتوبة، والأحزاب، والحشر.. وذلك أقوى سلاح وأمضاه.
السلاح الثاني: هو الحجر الذي تحول في أيديهم من مادة جامدة، إلى صواعق ارتعدت لها فرائص العدو المدجج بتلك الأسلحة الفتاكة، الذي لم يكن يدور بخاطره أن يخيفه طفل بحجر، وهو لم يكن يعبأ بجيوش 22 دولة عربية ما يقارب خمسين سنة.
فكان ذلك أمرا عجبا أذهل اليهود والدول الصليبية التي تمدهم بالمال والسلاح والسياسة والاقتصاد والدبلوماسية، وتهدد من يفكر في أن يحرك ساكنا ضد الدولة اليهودية المحتلة، بالويل و الثبور، بل أذهل العالم كله بما فيه زعماء الشعوب العربية والإسلامية.
وتساءل الجميع: ما هذا؟ أهو حقيقة ستستمر؟ أم هي عواطف صبيان تقطعها رصاصات يهودية تسيل دم عدد منهم؟
وما درى أولئك جميعا عن ذلك السلاح المعنوي العظيم، الذي يحول المتنعم المترف إلى خشن صلب متقشف، والجبان الرعديد إلى شجاع صنديد، وذا لخمول الكسلان إلى نشاط بركان.
وكانت نتيجة تلك الحركة الجهادية المباركة، أن تحركت اليهودية الصهيونية، والصليبية العالمية، والعلمانية العربية... للبحث عن وسائل وآلات تمكنهم من القضاء على هذا المارد الذي استيقظ بعد نوم عميق، وتنبه بعد غفلة طويلة، في ظل دولة يهودية ظالمة، أخافت آباءه وأجداده بالتشريد والاعتقال والسجن والتقتيل، وأغرته بالشهوات والملهيات.
فلم يجدوا لهم مخرجا من ذلك إلا تقريب من كانوا يعتبرونهم أعداء ألداء، وهم قادة منظمة التحرير الفلسطينية، فحشدوا قادة العالم –ومنهم زعماء المسلمين من العرب وغيرهم- في مدريد، ثم حصلت الخلوة السرية غير الشرعية في أوسلو.
وتم في تلك الخلوة ما سمي باتفاقية (أوسلو) التي اشترط فيها اليهود على ما سمي فيما بعد بـ"السلطة الفلسطينية" القضاء على الحركة الجهادية، وعلى رأسها منظمة حماس والجهاد الإسلامي....
وكان هدف اليهود والأمريكان والدول الغربية، إيقاد نار الحرب بين المجاهدين الفلسطينيين والسلطة، لاعتقادهم بأن السلطة ستنفذ الشروط التي أمليت عليها، وأن المجاهدين سيصوبون سلاحهم ضد السلطة حتى يتفانى الفلسطينيون فيما بينهم، وسيمكن ذلك اليهود من الراحة والاطمئنان.
ونفذت السلطة كثيرا من شروطه اليهود، فزجت بالمجاهدين في السجون والمعتقلات، وعاملتهم معاملة وحشية في التحقيق وآذتهم أشد أذى، فكانوا بين نارين: نار العدو السافر، ونار القريب الغادر، وهذه النار أشد وأنكى من تلك:
وظلم ذوي القربى أشد مظاظة ،،،،،،،،،،،،،،،،، على المرء من وقع الحسام المهند
ولكن رجال الجهاد صبروا على أذى إخوانهم في الأرض والعروبة والإسلام! واعتبروا صبرهم عليهم نوعا من أنواع الجهاد، ليفوتوا على العدوين اليهودي والصليبي هدفهما الماكر، واستمروا في توجيه الضربات الاستشهادية للعدو اليهودي، في عمق استيطانه من القدس إلى تل أبيب وحيفا... فزلزلوا الأرض تحت أقدامه... وأنزلوا في نفوسهم رعبا لا قبل لهم بالصبر عليه...
وعندئذ تواطأت على استئصال المجاهدين والقضاء عليهم، الإدارة الأمريكية بقيادة ساستها، ودبلوماسييها واستخباراتها، بترتيب وتأييد من غالب زعماء الدول العربية وغيرهم... فعقد مؤتمر القمة لمحاربة الإرهابيين (يعني المجاهدين) في شرم الشيخ بزعامة الرئيس الأمريكي "كلنتون"
ومن نصوص الاتفاق:
(((الأمن
يعمل الطرفان وفقاً للاتفاقيات السابقة على ضمان علاج فوري ناجع وفعال في كل حدث بما ينطوي على تهديد بالإرهاب أو ممارسة العنف أو التحريض عليه سواء نفذ من قبل فلسطينيين أو إسرائيليين، لذا يتعاون الطرفان ويتبادلان المعلومات وينسقان المواقف ويردان بقوة وبشجاعة على الأحداث التي تقع أو يتوقع حدوثها. وأكدت الاتفاقية على التزام الطرف الفلسطيني بتنفيذ كل تعهداته في المجال الأمني وخاصة فيما يتعلق بـ:
- قضية جمع السلاح غير القانوني وتقديم تقرير عن ذلك.
- تقديم قائمة بأسماء الشرطة الفلسطينية للطرف الإسرائيلي.
- إلقاء القبض على المشتبه فيهم وتقديم تقرير بذلك للطرف الإسرائيلي في موعد أقصاه 13/9/1999.)))
http://www.aljazeera.net/in-depth/documents/2001/1/1-13-3.htm
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2000/12/12-27-4.htm
وقامت السلطة الفلسطينية بغالب ما طلب منها من إلقاء القبض على المجاهدين من حماس والجهاد الإسلامي، وأودعتهم في السجون والمعتقلات، وضيقت الخناق على من بقي منهم في منازلهم، حتى الشيخ المعاق أحمد يس حكمت عليه بالإقامة الجبرية في منزله، ومنعت جماعته وجيرانه من زيارته، وأحاطت الشرطة بمنزله.
وتعاون عملاء اليهود معهم تعاونا قضى على كثبر من رجال الجهاد، ومنهم أحمد عياش والشقاقي... وغيرهم... بل إن السلطة الفلسطينية أطلقت نيران أسلحتها على المجاهدين من حماس وأعوانهم في يوم جمعة بعد خروجهم من الصلاة، إرضاء للأمريكان واليهود، ووفاء بما التزمت به.
ولا نريد الاستطراد في هذا الأمر، فهو معروف للقاصي والداني، ويكفي أن نعلم أن بعض أعضاء السلطة الفلسطينية أطلق على المجاهدين الاستشهاديين مصطلح الصليبيين واليهود "إرهابيين" بل إن ياسر عرفات نفسه أطلق عليهم ذلك، محاولا إثبات صدقه في وعده لوكالة الاستخبارات الأمريكية التي تتولى رئاسة الاجتماعات الأمنية بين السلطة و اليهود.
وما الغضب الأمريكي واليهودي على السلطة الفلسطينية الحالية، إلا لأنها لم تستأصل الجهاد والمجاهدين، اللذين يوصفان لدى الأطراف الثلاثة بالإرهاب والإرهابيين.
الحلقة الرابعة
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
يتبع!!
لكم الله أيها المجاهدون!(1)
للمجاهدين في سبيل الله منزلة رفيعة في القرآن والسنة، والسيرة النبوية الشريفة... ولدى المؤمنين الصادقين، لأنهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله، قاصدين رفع راية الإسلام في الأرض، والدفاع عن ضرورات الحياة: وهي الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال، وعن أرض المسلمين التي هي دار الإسلام ومأواه.
المجاهدون الذين يهجرون الأهل والمال والمسكن... ويخاطرون بأنفسهم، في ساحات الوغى، ويرابطون في ثغور دولتهم، متعرضين لشدائد المرابطة التي لا راحة فيها للأبدان، يسهرون والناس نائمون، ويخافون والناس آمنون، يشوي جلودهم حر الصيف وقيظه، ويقطع أجسادهم برد الشتاء وزمهريره...
3 تشييع الغزاة عند خروجهم للجهاد في سبيل الله:
فقد كان من تكريم المجاهدين في سبيل الله، أن حض صلى الله عليه وسلم على توديعهم عند خروجهم ورغب فيه.
ففي ترتيب المسند: (باب تشييع الغازي، واستقباله، ووصية الإمام له) عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(لأن أشيع مجاهداً في سبيل الله، فأكفه [قال في الحاشية: (بكسر الكاف أي أخدمه وأعينه في حوائجه)] على راحلة غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها)
[ الحديث رواه أحمد ز انظر ترتيب مسند الإمام أحمد، المسمّى (بالفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني) لأحمد عبد الرحمن البنا والد الإمام حسن البنا (الساعاتي (14/51) وقال في الحاشية: (تخريجه: جه، ك، وفي إسناده ابن لهيعة وشيخه زبان بن فايد، وكلاهما فيه كلام. ورواه ابن ماجه وغيره ].
والغرض من ذلك تشجيعهم بذكر فضل الجهاد والمجاهدين وإظهار إكرامهم لحفز هممهم وهمم المقيمين على الاستعداد لقتال العدو عاجلاً أم آجلاً [انظر سيرة ابن هشام (4/8،9) وكذلك زاد المعاد (2/173)].
وطبق ذلك خلفائه من بعده:
كما في الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أنّ أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع زيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع في تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر، إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: (ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله …) [الموطأ (2/448) رقم 10].
استقبال المجاهدين والترحيب بهم
وكان المجاهدون كذلك ينالون التكريم عند رجوعهم... فيستقبلون استقبالا حافلا، وترحيبا حارا.
وهو حق من حق المجاهدين في سبيل الله على من بقي من المسلمين في البلد، أن يستقبلوهم ويرحبوا بهم، ويشعروهم بالاحترام والتقدير، لما نالوه من مشقة في سبيل الله تعالى وما واجهوا من التعب والمشقة في الحروب، من الجوع والعطش ومفارقة المضاجع والظلال.
ولكونهم أدوا الفرض وأسقطوه عن غيرهم، وهكذا كان السلف يعملون وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بوب لذلك البخاري رحمه الله فقال: "باب استقبال الغزاة" وأورد فيه حديثين: أحدهما حديث السائب بن زيد رضي الله عنه، قال: (ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع) [صحيح البخاري رقم: 3083، فتح الباري (6/191)].
وبينت رواية الترمذي لنفس الحديث أن ذلك كان عند قدومه من غزوة تبوك، وفيه توضيح أكثر للمتلقين (الناس) وهو يدل على كثرتهم وهذا نصه: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع، قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام) [الترمذي رقم الحديث: 2772، تحفة الأحوذي (5/281)].
وقال ابن القيم رحمه الله: فلمادنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج النساء والصبيان والولدان يقلن:
طلع البـدر علينـا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعـا لله داع
وبعض الرواة يَهِمُ في هذا، ويقول: إنما كان عند مقدمه المدينة من مكة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام... [زاد المعاد (3/12)].
هكذا كان السلف الصالح يعاملون المجاهدين في سبيل الله، يودعونهم عند سفرهم داعين لهم بالنصر والشهادة، ويكرمونهم عند قدومهم بالاستقبال والترحيب، لأن المقياس عندهم هو سبيل الله.
وكانوا إذا فرت طائفة من الجيش الإسلامي وتركته ورجعت إلى المدينة، بسبب ما رأت تلك الطائفة من كثرة العدو وغلبة ضعفها البشري عن التحمل والثبات، كانوا يستقبلون تلك الطائفة بالتأنيب ويَحثُون التراب عليهم، ويعيرونهم بقولهم لهم: يا فُرَّار فررتم في سبيل الله [السيرة النبوية لابن هشام (2/18) والبداية والنهاية لابن كثير (4/248)].
فهل بقي هذا المقياس للتكريم أو التأنيب عند المسلمين؟
لقد انعكست الأمور وانقلبت الموازين واختلت المقاييس وأصبح الخونة الجبناء الذين يبيعون الدين والأرض والشعوب للأعداء الكافرين، هم موضع التكريم وإذا خضع أحدهم لعدو المسلمين فركع له واستسلم وتآمر على شعبه ودينه وأرضه، ثم رجع إلي ذلك الشعب، رأيت غوغاء الناس وهم يركضون لاستقبال الزعيم والتصفيق له كأنهم قطعان من الحيوان، يهتفون بحياته ويثنون على خطواته، ويلقبونه بألقاب الفاتحين الأبطال، وقليل هم الذين يدركون الخيانة ويعرفون الخونة، فتراهم ينظرون إلى تلك الجموع الضائعة متعجبين مشفقين، يدعون لها بالهداية والإنابة إلى الله.
وهؤلاء القليل مغلبون على أمرهم لا حول لهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، محاصرون من كل جانب لا يملكون أن يوصلوا إلى تلك الجموع الضائعة الخاسرة كلمة الحق عن طريق أقل وسيلة للإعلام، وإذا تجرءوا فقالوا كلمة حق بأي وسيلة اتهموا بالشذوذ والتآمر على مصالح الشعب والخروج عن الصف، وقيل فيهم ما قال أعداء الله من قبل في ذوي الصلاح والهدى والدعوة إلى الله بأنهم خارجون على النظام مفسدون، يريدون القضاء على مكاسب الشعب التي حققها له القادة الأبطال: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، ويذهبان بطريقتكم المُثْلى} [طه:63].
وبمقدار ما تُسلط أجهزة الإعلام على أولئك الصالحين لتصفهم بكل أوصاف الذم حتى يظهروا أمام الجموع الضائعة بمظهر الشذاذ المفسدين الذين يجب نبذهم وعدم الإصغاء إلى آرائهم، بمقدار ذلك أو أكثر تكيل تلك الأجهزة المديح والثناء للأبطال المتآمرين حتى يصبحوا هم الملائكة الأبرار، الذين لا يريدون إلا الحق ولا يسلكون إلا سبيل الهداية والرشد، فيرتسم في أذهان الغوغاء أن هؤلاء الضالين المفسدين هم الهداة المهتدون، وأن أولئك المجاهدين الأبرار، هم أهل الغواية والضلال.
وقد سبق هؤلاء الذين يقلبون الحقائق، فيظهرون الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، سبقهم إخوانهم الذين سجل التاريخ عليهم كل تصرفاتهم، فلحقتهم لعائن الله في الأرض وتنتظرهم نقمته في الآخرة.
{وقال فرعون ذروني أقتلْ موسى ولْيَدْعُ ربَّه، إني أخاف أن يبدِّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} [غافر: 26].
قال فرعون {ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرَّشاد} [غافر: 29]
ومن العجائب المحزنة أن نرى الاحتفاء والتكريم لرفسة كرة قدم ناجحة في ملعب تحضره الآلاف المؤلفة من المشجعين الذين تطرب قلوبهم فرحا، وترقص أبدانهم تعبيرا عن الرضا، رافعين أعلام النصر الكروي... ثم تراهم بعد ذلك يملئون شوارع المدن وميادينها، مزعجين الناس بأبواق السيارات، وصياح الحناجر، وتصفيق الأيدي.. احتفاء بتلك الرفسة المنصورة!
ويتبع ذلك تكريم اللاعبين على أعلى المستويات في الدول العربية، وكأنهم قد أهدوا إلى أمتهم مفتاح بيت المقدس والمسجد الأقصى بعد انتصارهم على اليهود المحتلين!
وجميعهم المكرِمُون والمكرَمون يشاهدون دماء المظلومين المسفوحة، وديارهم المهدمة، وشبابهم المعصوب العينين الذي تركله أقدام اليهود، والنساء المستغيثات السائلات: (وينكم يا عرب؟)
وفي نفس الوقت... ترى أجهزة الأمن في بعض البلدان العربية تطارد المطالبين بمناصرة المظلومين في الأرض المباركة على عدوهم اليهودي المعتدي... تطاردهم أجهزة الأمن أمام المساجد في أيام الجمع، وفي حرم الجامعات... يطاردونهم بالهراوات... والغاز المسيل للدموع... وخراطيم المياه الساخنة... بل وبضباط الكلاب البوليسية ذات الرتب العليا التي تنهش لحوم الغيورين ... يضربون مشايخ العلم ورجال الفكر وزعماء الأحزاب ويهينون كرامتهم، لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر... يطلبون نصر المظلوم وردع المعتدي...!
وتختار أجهزة الأمن تلك من تحترمهم الشعوب، ويستجيبون لندائهم، فيستضيفونهم إلى المعتقلات والسجون، ويسلطون عليهم من دربوهم على التحقيق الظالم الذي تهان فيه كرامات الرجال، ويحقر فيه عظماء الأمة...
وهكذا تجد التكريم والتعظيم للراقصات والمغنيات والممثلات اللاتي تتألق أسماؤهن وأشباههن من الرجال، ويلقبون بالألقاب الرفيعة: النجوم، الرواد العظماء، المبتكرون... وتفتح لهم أبواب الظهور، حتى يصبحوا أئمة الشعوب وقادتها في تحطيم الأخلاق والمعنويات والقضاء على الرجولة الشرف، وهكذا.
والسبب في ذلك أن المقياس عند عامة الناس انقلب من سبيل الله إلى سبيل الشيطان، فكان السلف يكرم أهل سبيل الله لأنه المقياس عندهم، وأصبح المنتسبون إلى الإسلام الآن يكرمون أهل سبيل الشيطان لأنه المقياس عندهم!
الحلقة الثانية
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
لقد قام المجاهدون في أفغانستان بفريضة الجهاد في سبيل الله، تلبية لأمر الله تعالى به، ومناصرة لإخوانهم الأفغان الذين اعتدى عليهم الملحدون في الاتحاد السوفييتي، وأثبتوا للعالم أن الفئة المؤمنة قادرة على دفع العدو عن بيضة المسلمين ودينهم ونفوسهم ونسلهم وعرضهم وعقولهم وأموالهم... مهما كانت كثرة هذا العدو، ومهما عظمت عدته.
لأن الفئة المؤمنة المجاهدة تتفوق على عدوها بقوة الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة في نصره، وتنفذ أمر الله لها بالصبر والمصابرة، وتعلم أنها لا تخسر المعركة على أي حال، فهي فائزة بإحدى الحسنيين: بالنصر أو الشهادة، وتعلم أن الجهاد في سبيل الله لرفع رايته في الأرض، هو سنة أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين الذين لا تطيب نفس المؤمن إلا بالوقوف في صفهم... والسير في قافلتهم الممتدة على مدى الأمكنة الأزمان، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها:
((ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)) [النساء69]
وقد اهتبل أعداء الله الصليبيون –وعلى رأسهم الدولة الأمريكية - تلك العاطفة الجياشة في نفوس شباب الأمة، وشجاعتهم النادرة، وحبهم للشهادة والموت في سبيل الله أشد من حب أعدائهم للحياة، ففتحوا لهم كوة صغيرة يلجون منها، لدحر المد الشيوعي الذي أخافهم وهدد مصالحهم في المحيط الهندي، وبحر العرب، وخليج النفط العربي، وهدد مصالحهم في المنطقة كلها... وبخاصة استقرار الدولة اليهودية الصهيونية... وسيطرتها على الأمة الإسلامية.
اغتنمت أمريكا تلك الفرصة، ودفعت –كعادتها-دول المنطقة لتأييد رجال الجهاد من الأفغان ومن جميع الشعوب الإسلامية، فأمدوهم بالمال والسلاح، والإغاثة الغذائية والطبية، والتعليمية، ويسروا للمجاهدين من خارج أفغانستان سبل الوصول إلى أفغانستان، وبخاصة المواصلات...
واستنفروا علماء الإسلام ليحثوا الشباب على الجهاد في سبيل الله... وصدرت الفتاوى حينئذ بأن الجهاد فرض عين على كل مسلم قادر، فتنادى المسلمون علماء وعامة، شبانا وشيبا...رجالا ونساء، بل ومراهقين: حي على الجهاد...
وهيئت لهم وسائل الإعداد والتدريب... وانطلقوا في الجبال والوهاد بعزم هو أقوى من صواريخ الأعداء، يتحدون قوة لا قبل لهم بها لولا تثبيت الله لهم بقوة إيمانهم وعلمهم أنهم على حق، وأن عدوهم على الباطل...
وكانت معسكراتهم تذكر بجيوش الفتوحات الإسلامية في القرن الإسلامي الأول: قرآن تُؤَبِّ مع تاليه جبال الأرض وتتجاوب معه كواكب الفضاء... وذكر دائم يرتفع إلى السماء....وتهجد يقوي العزائم و يثبت القلوب عند اللقاء... وتدريب متواصل تتبعه في ميادين القتال مقارعة الأعداء....ونال الشهادة من المجاهدين من اصطفاهم فاتخذهم شهداء...
ونصر سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على أعدائهم المعتدين نصرا عظيما، وأذاقهم بعد ظاهر العز ذلا جسيما، فخرجوا يجرون أذيال الهزيمة جرا... وأعقبهم بعد القوة والغنى ضعفا وفقرا.
ومزقهم الله بعد الاتحاد تمزيقا، وفرق دولتهم التي طغت وتجبرت تفريقا، ولم تزل تتجرع كأس الغرور والعدوان، وتكتوي من نفخ كيرها المحرق لهيب النيران، وتستنشق من دخانه الأسود ما أصابها بأخبث أورام السرطان.
وفتح أعداء الإسلام جبهات أخرى للقضاء على المسلمين، في البوسنة والهرسك، وفي الشيشان، وفي كوسوفا... فهب شباب الجهاد مرة أخرى لنصرة إخوانهم في تلك البلدان، وأبلوا بلاء حسنا، وبدا واضحا لأعدائهم أن لهم شأنا في الوقوف ضد ظلم المسلمين في كل مكان.
وعندما رجع كثير من المجاهدين إلى بلدانهم، استقبلتهم أجهزة أمنها استقبال المجرمين، وحاصروهم حصار الأجانب المعتدين، وأغلظوا عليهم في التحقيق والتعذيب، وعاملوهم بإهانات التي لم يكونوا يظنون أن إخوانا لهم في أوطانهم قد سقطوا في حمأتها.
كما انقضت عليهم وسائل الإعلام انقضاض الوحوش على طرائدها، فأطلقت عليهم من الألقاب المنفرة الظالمة ما شاءت، مثل "الأصوليين، المتشددين، الإرهابيين"
كان ذلك جزاءهم، بدلا من الترحيب بهم، وتهنئتهم بالنصر، وتعزيتهم في زملائهم الذين لقوا ربهم، وإشعارهم بالمحبة والعطف، ووضعهم في مكانهم اللائق بهم، في المواقع العسكرية، والاستفادة من خبراتهم، وإعدادهم لليوم المحتوم مع العدو اليهودي الذي لا يصلح لمواجهته إلا أمثالهم.
ومن حَسُنَ حظُّه منهم فأطلق سراحه من زنازين الاعتقال وغياهب السجون، لقي سوء حظه في إخافته بالمراقبة الدائمة، والاستدعاء المتواصل إلى الجلادين الذين ورَّثت تحقيقاتهم الظالمة لكثير منهم أمراضا نفسية وحالات مزعجة من الإحباط، ولم يقتصر الأذى على المجاهدين، بل نال أسرهم من الأذى المعنوي الشيء الكثير.
وتواطأ غالب حكومات الشعوب الإسلامية، على التضييق على أولئك المجاهدين ومطاردتهم في كل مكان ولم يجدوا لهم مأوى يلجئون إليه ويعيشون فيه، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وشعروا أن وراء تلك المعاملة حملة أمريكية غربية ظالمة، فأثار ذلك حفيظتهم، ولم يحتملوا الضيم المسلط عليهم.
فانطلق بعضهم – ممن لم يطيقوا الصبر على تلك الحملات ضدهم - يشفون غيظ صدورهم من الإدارة الأمريكية بالتفجيرات لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في داخل البلاد وخارجها
ولجأ بعضهم إلى أفغانستان البلد الذي لم يجدوا لهم مأوى في الأرض غيره، وتطورت الأمور حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من حادث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الذي لم تظهر أسراره الحقيقية إلى يومنا هذا.
وهنا سنحت الفرصة للإدارة الأمريكية الصليبية، والشرذمة اليهودية الصهيونية، لتنفيذ مخططاتهم القديمة لضرب الإسلام في كل مكان، والقضاء على أي قوة قد يملكها المسلمون يستطيعون بها الدفاع عن أنفسهم من العدوان على بلدانهم... وحشدت أمريكا حلفاءها في الغرب والشرق، وأعلنت الحرب على ما سمته بالإرهاب في كل أقطار الأرض، وأن من لم يكن معها فهو عليها يعني أنه إرهابي أو متعاون مع الإرهاب...
وبدأت بأضعف دولة إسلامية وأفقرها وأشدها بؤسا، وهي الإمارة الإسلامية في أفغانستان، التي قالت – رغم ضعفها – لأمريكا: "لا" وأصرت على تطبيق الإسلام – بحسب فهمها له – وتعاون مع أمريكا طلاب الدولارات والمناصب الممنوحة بالقوة العسكرية...
وأمطرت أمريكا الشعب المسكين بوابل الرصاص والصواريخ والقنابل الحديثة وجميع الأسلحة الفتاكة ذات الدمار الشامل -التي هي من أهم أهداف حربها- من الجو والبر والبحر، دون أن يواجهوا المجاهدين على الأرض، واستطاعوا أن يأسروا عددا منهم عن طريق من باعوا أنفسهم وبلدهم وكرامتهم للدولة المستعمرة الجديدة.
فتنة وخذلان:
وقد رأى العالم كله تلك المناظر البشعة التي ظهر عليها الأسرى في معتقلات "غوانتنامو الكوبية" حيث حرم طغاة الصليب الأسرى المسلمين من النعم الضرورية منحهم الله إياها: نعمة السمع، ونعمة البصر، ونعمة التنفس... سدوا آذانهم، وغطوا أبصارهم، وكمموا أفواههم وأنوفهم، إضافة إلى تكبيلهم بالقيود والأغلال الثقيلة للأيدي والأرجل.
ومع تلك الحال ترى الواحد من الأسرى إذا أريد نقله من مكان إلى آخر يحيط به أربعة من الجنود المدججين بالسلاح، من الأمام ومن الخلف، وعن اليمين واليسار، أليس فعلهم هذا يدل على الرعب الذي أنزله الله في قلوبهم من رجال الجهاد؟
هذا ما أذن طغاة الظلم بإظهاره أمام العالم، فما الذي يعاملون به أولئك الأسرى في الخفاء؟!
فأين منظمات حقوق الإنسان؟
لقد رفع بعض الناس أفرادا وجماعات أصواتهم متسائلين عن مواقف منظمات حقوق الإنسان من هذا العمل المشين؟ فظهرت نداءات من هنا ومن هناك فترة قصيرة ثم اختفت أصوات حقوق الإنسان في الوقت الذي يعبث الأمريكان فيه بكل حق من حقوق الإنسان!
وإنا لنعلم علم اليقين أن منظمات الرفق بالحيوان، لو رأت من يؤذي قردا من القرود، أو كلبا من الكلاب، في أي بلد من البلدان، بأقل من إيذاء الإنسان المسلم في "غوانتنامو" لأقامت الدنيا ولم تقعدها حتى يعتذر من آذى القرد أو الكلب!
وأين الدول التي لها أسرى في "غوانتنامو"؟
لقد احتجت أستراليا وبريطانيا على أمريكا في أخذ عدد قليل من رعاياها إلى ذلك المعتقل الظالم وطالبتا بتسليمهم إليهما ليحاكموهم في بلدانهم...
أما حكومات الشعوب الإسلامية فيبدو أن غالبها قد سرها ما حصل لأبنائها من ظلم وإهانات أمام الملأ، وارتاحت نفوسهم وبردت قلوبهم أن يأتي ظلم أولئك من قبل غيرهم، ولهذا لم نسمع نداء استنكار من دول أولئك الرعايا، لما تزاوله الدولة الصليبية الظالمة من فتنة وأذى لا تقره أديان ولا قوانين.
ولو أن شخصا واحدا من أي دولة من دول الغرب، أو من الدولة اليهودية المحتلة، فجر بعض قصور الملوك والرؤساء في أي بلد إسلامي، اعتقل في تلك الدولة مجرد اعتقال، لسلطت على الدولة التي اعتقلته جميع وسائل الإعلام الغربية تدعو إلى الرفق بالمعتقل... ولرأينا الوفود السياسية والدبلوماسية، والاستخباراتية، والطبية ولإعلامية، والمنظمات الإنسانية، تبحث عن المعتقل، وتلح على مقابلته ومعرفة حالته... وتطالب بالرفق به، لأنه مواطن غال عند دولته والدول الحليفة لدولته..
بل إن دول الغرب كلها تقف صفا واحدا ضد أي دولة تعلن تطبيق الحكم الشرعي الإسلامي على أي مجرم من الغربيين، وتتهم الدولة التي تعلن ذلك بالعنصرية والرجعية وتتهم الإسلام بالوحشية.
فهل دم المجرم الغربي أغلى من دم المسلم الذي يحرم من حقوق الأسرى بل يحرم من حقوق المجرمين التي أقرتها لهم الأديان السماوية والقوانين الدولية، كما يحصل من الدولة الصليبية التي تدعي أنها راعية حقوق الإنسان؟
وهل الدول النصرانية واليهودية أولى برعاية حقوق رعاياها من حكومات الشعوب الإسلامية؟
ولقد شغلتنا الهجمة اليهودية الشرسة الأخيرة عما يعانيه إخواننا الأسرى في "غوانتنامو" ولم تعد وسائل الإعلام تذكر عنهم شيئا، ولا ندري ما ذا يجري لهم من أذى وتعذيب وإهانات، من أجهزة التحقيق الصليبية في تلك البقعة المعزولة....
وما ذا عسى أن نفعل لهم سوى الدعاء أن يفرج الله كربهم، وينزل بأسه بمن يتولى كبر ظلمهم وعقابهم، بدون محاكمات عادلة؟
ليس عندنا ما نفعله لهم إلا أن نقول: لكم الله أيها المجاهدون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الحلقة الثالثة
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
تضمنت الحلقة الأولى من هذه السلسلة منزلة المجاهدين عند الله، وعند سلفنا الصالح، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما آل إليه الأمر لدى المسلمين في العصور المتأخرة، وبخاصة في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين، وانعكست القيم.
وتضمنت الحلقة الثانية ما ناله المجاهدون من شباب الأمة الإسلامية في هذا العصر، من رفع راية الإسلام وإعادة الروح الجهادية إلى المسلمين، وكيف هزم رجال الجهاد ثاني قوتين عظميين في العالم، وهي دولة الاتحاد السوفييتي، التي خرج جيشها يجر أذيال الهزيمة، وما أعقب ذلك من تمزيق الله وحدة تلك الدولة وما نزل بها من ضعف وهوان.
وكيف عاملت الدولة الصليبية أولئك المجاهدين الذين استفادت من جهادهم القضاء على قوة عدوها اللدود "الاتحاد السوفييتي" ثم قلبت لهم ظهر المجن، وحشدت لحربهم دول العالم بما فيه دولهم، لمحاربتهم واعتقالهم، ومحاكماتهم محاكمات عسكرية ظالمة... فنالوا على جهادهم ما ناله سنمار، الذي رثى له الشاعر في قوله:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ،،،،،،،،،،،،، وحسن فعل كما يجزى سنمار
وتتضمن هذه الحلقة موقف حكومات الشعوب الإسلامية، والسلطة الفلسطينية، من شباب الحركة الجهادية في الأرض المباركة "فلسطين" الذين نذروا أنفسهم لدفع العدو اليهودي الذي احتل أرضهم، ودنس مقدساتهم ومقدسات الأمة الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي أحرقه اليهود سنة 1969م ومنعوا -ولا زالوا يمنعون- كثيرا من أهله من الصلاة فيه، ويقومون بالحفر تحته بحجة البحث عن هيكلهم المزعوم، وهدفهم من ذلك هدمه بطريقة خداع وخبث.
وشردوا أهلها من مدنهم وقراهم وبلادهم، وعاملوا من بقي منهم معاملة تتنزه عنها وحوش الغاب، واستمروا على ذلك خمسين عاما يعيش فيها أهل البلاد الأصليين عيشة ذل وهوان، وزعماء الشعوب الإسلامية ومنها الزعماء العرب يتفرجون على حالهم تفرج من لا يعبأ بشيء.
وظن اليهود والدول الصليبية المعاصرة التي غرست الدولة اليهودية في قلب العالم الإسلامي، كما ظن كثير من زعماء العرب والمسلمين، أن أبناء فلسطين قد استسلموا للأمر الواقع، وخنعوا للدولة اليهودية المحتلة، وبخاصة الجيل الذي ولد وترعرع في ظل الغطرسة اليهودية الظالمة، ولا سيما بعد هزيمة 1967م التي سيطر فيها اليهود على كافة الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر، بل وسيطرت على أراض أخرى من أراضي الدول المجاورة.
ولكن ظن الجميع خاب، عندما خرج صبية صغار من أبناء الأرض المباركة، في عام 1987م يحملون سلاحين عظيمين:
السلاح الأول: سلاح الإيمان والاعتزاز بالله والتوكل عليه، وخوفه وحده دون سواه، وتفقهه في مضامين سور الجهاد في سبيل الله، كآل عمران، و الأنفال والتوبة، والأحزاب، والحشر.. وذلك أقوى سلاح وأمضاه.
السلاح الثاني: هو الحجر الذي تحول في أيديهم من مادة جامدة، إلى صواعق ارتعدت لها فرائص العدو المدجج بتلك الأسلحة الفتاكة، الذي لم يكن يدور بخاطره أن يخيفه طفل بحجر، وهو لم يكن يعبأ بجيوش 22 دولة عربية ما يقارب خمسين سنة.
فكان ذلك أمرا عجبا أذهل اليهود والدول الصليبية التي تمدهم بالمال والسلاح والسياسة والاقتصاد والدبلوماسية، وتهدد من يفكر في أن يحرك ساكنا ضد الدولة اليهودية المحتلة، بالويل و الثبور، بل أذهل العالم كله بما فيه زعماء الشعوب العربية والإسلامية.
وتساءل الجميع: ما هذا؟ أهو حقيقة ستستمر؟ أم هي عواطف صبيان تقطعها رصاصات يهودية تسيل دم عدد منهم؟
وما درى أولئك جميعا عن ذلك السلاح المعنوي العظيم، الذي يحول المتنعم المترف إلى خشن صلب متقشف، والجبان الرعديد إلى شجاع صنديد، وذا لخمول الكسلان إلى نشاط بركان.
وكانت نتيجة تلك الحركة الجهادية المباركة، أن تحركت اليهودية الصهيونية، والصليبية العالمية، والعلمانية العربية... للبحث عن وسائل وآلات تمكنهم من القضاء على هذا المارد الذي استيقظ بعد نوم عميق، وتنبه بعد غفلة طويلة، في ظل دولة يهودية ظالمة، أخافت آباءه وأجداده بالتشريد والاعتقال والسجن والتقتيل، وأغرته بالشهوات والملهيات.
فلم يجدوا لهم مخرجا من ذلك إلا تقريب من كانوا يعتبرونهم أعداء ألداء، وهم قادة منظمة التحرير الفلسطينية، فحشدوا قادة العالم –ومنهم زعماء المسلمين من العرب وغيرهم- في مدريد، ثم حصلت الخلوة السرية غير الشرعية في أوسلو.
وتم في تلك الخلوة ما سمي باتفاقية (أوسلو) التي اشترط فيها اليهود على ما سمي فيما بعد بـ"السلطة الفلسطينية" القضاء على الحركة الجهادية، وعلى رأسها منظمة حماس والجهاد الإسلامي....
وكان هدف اليهود والأمريكان والدول الغربية، إيقاد نار الحرب بين المجاهدين الفلسطينيين والسلطة، لاعتقادهم بأن السلطة ستنفذ الشروط التي أمليت عليها، وأن المجاهدين سيصوبون سلاحهم ضد السلطة حتى يتفانى الفلسطينيون فيما بينهم، وسيمكن ذلك اليهود من الراحة والاطمئنان.
ونفذت السلطة كثيرا من شروطه اليهود، فزجت بالمجاهدين في السجون والمعتقلات، وعاملتهم معاملة وحشية في التحقيق وآذتهم أشد أذى، فكانوا بين نارين: نار العدو السافر، ونار القريب الغادر، وهذه النار أشد وأنكى من تلك:
وظلم ذوي القربى أشد مظاظة ،،،،،،،،،،،،،،،،، على المرء من وقع الحسام المهند
ولكن رجال الجهاد صبروا على أذى إخوانهم في الأرض والعروبة والإسلام! واعتبروا صبرهم عليهم نوعا من أنواع الجهاد، ليفوتوا على العدوين اليهودي والصليبي هدفهما الماكر، واستمروا في توجيه الضربات الاستشهادية للعدو اليهودي، في عمق استيطانه من القدس إلى تل أبيب وحيفا... فزلزلوا الأرض تحت أقدامه... وأنزلوا في نفوسهم رعبا لا قبل لهم بالصبر عليه...
وعندئذ تواطأت على استئصال المجاهدين والقضاء عليهم، الإدارة الأمريكية بقيادة ساستها، ودبلوماسييها واستخباراتها، بترتيب وتأييد من غالب زعماء الدول العربية وغيرهم... فعقد مؤتمر القمة لمحاربة الإرهابيين (يعني المجاهدين) في شرم الشيخ بزعامة الرئيس الأمريكي "كلنتون"
ومن نصوص الاتفاق:
(((الأمن
يعمل الطرفان وفقاً للاتفاقيات السابقة على ضمان علاج فوري ناجع وفعال في كل حدث بما ينطوي على تهديد بالإرهاب أو ممارسة العنف أو التحريض عليه سواء نفذ من قبل فلسطينيين أو إسرائيليين، لذا يتعاون الطرفان ويتبادلان المعلومات وينسقان المواقف ويردان بقوة وبشجاعة على الأحداث التي تقع أو يتوقع حدوثها. وأكدت الاتفاقية على التزام الطرف الفلسطيني بتنفيذ كل تعهداته في المجال الأمني وخاصة فيما يتعلق بـ:
- قضية جمع السلاح غير القانوني وتقديم تقرير عن ذلك.
- تقديم قائمة بأسماء الشرطة الفلسطينية للطرف الإسرائيلي.
- إلقاء القبض على المشتبه فيهم وتقديم تقرير بذلك للطرف الإسرائيلي في موعد أقصاه 13/9/1999.)))
http://www.aljazeera.net/in-depth/documents/2001/1/1-13-3.htm
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2000/12/12-27-4.htm
وقامت السلطة الفلسطينية بغالب ما طلب منها من إلقاء القبض على المجاهدين من حماس والجهاد الإسلامي، وأودعتهم في السجون والمعتقلات، وضيقت الخناق على من بقي منهم في منازلهم، حتى الشيخ المعاق أحمد يس حكمت عليه بالإقامة الجبرية في منزله، ومنعت جماعته وجيرانه من زيارته، وأحاطت الشرطة بمنزله.
وتعاون عملاء اليهود معهم تعاونا قضى على كثبر من رجال الجهاد، ومنهم أحمد عياش والشقاقي... وغيرهم... بل إن السلطة الفلسطينية أطلقت نيران أسلحتها على المجاهدين من حماس وأعوانهم في يوم جمعة بعد خروجهم من الصلاة، إرضاء للأمريكان واليهود، ووفاء بما التزمت به.
ولا نريد الاستطراد في هذا الأمر، فهو معروف للقاصي والداني، ويكفي أن نعلم أن بعض أعضاء السلطة الفلسطينية أطلق على المجاهدين الاستشهاديين مصطلح الصليبيين واليهود "إرهابيين" بل إن ياسر عرفات نفسه أطلق عليهم ذلك، محاولا إثبات صدقه في وعده لوكالة الاستخبارات الأمريكية التي تتولى رئاسة الاجتماعات الأمنية بين السلطة و اليهود.
وما الغضب الأمريكي واليهودي على السلطة الفلسطينية الحالية، إلا لأنها لم تستأصل الجهاد والمجاهدين، اللذين يوصفان لدى الأطراف الثلاثة بالإرهاب والإرهابيين.
الحلقة الرابعة
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
يتبع!!