منصور بالله
09-01-2006, 12:05 PM
حفلات البكاء علي شارون
2006/01/09
عبد الباري عطوان
لم يكن السيد احمد قريع رئيس وزراء السلطة الفلسطينية موفقا عندما قال للصحافيين انه يصلي لله من اجل شفاء ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي من ازمته الصحية، والشيء نفسه يقال ايضا عن الدكتور صائب عريقات وزير المفاوضات (اين المفاوضات) الذي عبر عن خشيته علي العملية السلمية، والانعكاسات السلبية التي يمكن ان تترتب عليها من جراء غيابه عن الساحة السياسية الاسرائيلية.
فمثل هذه التصريحات الدبلوماسية التي تفتقر الي الحصافة، والــــقراءة الجيدة للخـــريطة السياسية تؤكد انطباعا مغلوطا في الغرب، يجسد شارون علي انه رجل سلام، او انه الاسرائيلي الوحيد القادر علي دفع العملية التفاوضية بما يؤدي في نهاية المطاف الي قيام الــدولة الفلسطينية العتيدة.
ولعل اطفال المخيمات الفلسطينية الجوعي في مدينة خان يونس بقطاع غزة، كانوا الاصدق تعبيرا عن مشاعرهم ومشاعر الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين عندما وزعوا الحلوي ابتهاجا بغيبوبة شارون، ووفاته سياسيا بسبب الجلطة الدماغية التي اصابته.
فالمسؤولون الاسرائيليون، وعلي رأسهم شارون نفسه، لم يصلوا مطلقا من اجل نجاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما كان يرقد علي سرير المرض يصارع اعراض السموم التي دسوها في جسمه، ولم يخفوا ابتهاجهم بنهايته، لانهم كانوا يرون فيه عقبة في طريق السلام تجب ازالتها باسرع وقت ممكن، وبأية وسيلة.
ربما يكون سلوك اطفال الحلوي غير حضاري في نظر الكثيرين من العرب، والفلسطينيين المستغربين ، ولكن ماذا يتوقعون من اناس فقدوا آباءهم واشقاءهم وبيوتهم واسمالهم وكراريسهم في مجازر شارون وغاراته وبلدوزراته، وتوغلاته واغتيالاته التي طبعت تاريخه العسكري والسياسي علي مدي ستين عاما؟!
شارون خدع الاسرائيليين عندما اعطاهم شعوراً زائفا بالامان، وخدع المسؤولين الامريكيين والاوروبيين عندما اوهمهم بانه تحول من دب كاسر الي ارنب وديع، سيكرس سنواته المقبلة لتطبيق خريطة الطريق، ورمي اليهم عظمة الانسحاب الشكلي من قطاع غزة.
فالاسرائيليون كانوا اكثر امانا قبل مجيئه الي السلطة، وسمعتهم الـــدولية كانت اقــــل سوءا، فقد جاء الي السلطة بعد زيارته المشؤومة للحرم القدسي الشريف، تـــلك الزيارة التي فـــجرت الانتفاضة، وضاعفت من العمليات الفدائية، واوقعت ما يقرب من ألف قتيل اسرائيلي ودمرت السياحة والاقتصاد.
واوهم شارون الاسرائيليين بانه يستطيع حمايتهم ببناء الجدار العنصري العازل، والانسحاب من قطاع غزة للحفاظ علي يهودية دولتهم وسلامة عرقها، وجعلهم الاغلبية امام الزحف الديموغرافي الفلسطيني. وثبت ان مليارا ونصف المليار التي انفقت علي هذا الجدار قد ذهبت هباء، لانه لم يمنع الاستشهاديين المزنرين بالاحزمة الناسفة من الوصول الي الخضيرة ونتانيا، وبدأت الصواريخ تنهال مثل المطر علي المدن والمستوطنات الاسرائيلية شمال قطاع غزة، وتصيب اهدافها بكل دقة.
شارون اعاد احتلال الضفة الغربية لمنع عمليات المقاومة، فازدادت هذه العمليات وتضاعفت، وحاصر ياسر عرفات قبل ان يقتله بالسم، لانه يمثل في رأيه عقبة في طريق السلام، وللبحث عن شريك معتدل، فدمر السلطة، ومزق حزبها الحاكم، وحول الضفة والقطاع الي ساحة من الفوضي والفلتان الامني ومرتع للجماعات المسلحة المتطرفة الخارجة علي جميع قوانين الانضباط.
والمؤسف ان المسؤولين الغربيين يتباكون عليه، ويتمنون له الشفاء لانه في نظرهم هو المنقذ لعملية السلام، وكأن هؤلاء الذين من المفترض ان يكونوا علميين في تحليلاتهم السياسية، ينسون ان الرجل رفض كل اتفاقات السلام العربية ـ الاسرائيلية، ابتداء من كامب ديفيد الاولي والثانية واتفاقات اوسلو، ولم يلتزم بأي تعهد قدمه للعرب.
شارون هو الذي وسع مستوطنة معاليه ادوميم لخنق القدس وعزلها عن الضفة الغربية واعاد توطين المستوطنين الذين اجلاهم عن قطاع غزة في مستوطنات الضفة، وصادر ما مجموعه 350 ميلا مربعا من اراضي القدس وما حولها لبناء مستوطنات جديدة وتوسيع ما هو قائم، اي ضعف المساحة التي اخلاها في قطاع غزة.
سياسة شارون الاحادية الجانب خلقت فوضي دموية في قطاع غزة والضفة، ودمرت مصداقية محمود عباس امام الفلسطينيين عندما خرق كل بنود التهدئة في قمة شرم الشيخ، وواصل عمليات الاستيطان، وسياسة الاغتيالات لقادة الجهاد وكتائب شهداء الاقصي، ورفض الافراج عن المعتقلين واقام 376 حاجزا عسكريا في الضفة لاذلال الفلسطينيين وخنق ما تبقي من اقتصادهم.
خروج شارون من الحياة السياسية ميتا او معاقا ذهنيا قد يكون مكسبا للاسرائيليين اكثر مما هو مكسب للفلسطينيين، لان الرجل باعهم حملا كاذبا بالامن والامان، مستغلا نقطة ضعفهم كشعب يعاني من عقدة الخوف ويبحث دائما عن جنرال قوي يوفر لهم الحماية.
الفلسطينيون لن يذرفوا دمعة واحدة علي شارون، ولا علي اي مسؤول اسرائيلي آخر، حولهم الي حقل تجارب للاسلحة الامريكية والاسرائيلية الصنع، وقتل الالاف منهم من مختلف الاعمار والاجناس. وعندما يوزعون الحلوي فلا يجب ان يلومهم احد ويتهمهم بالتخلف مثلما يحلو للبعض، ولو فعل شارون ما فعله بالفلسطينيين بأي شعب آخر لكان رد الفعل مماثلا ان لم يكن اكثر.
2006/01/09
عبد الباري عطوان
لم يكن السيد احمد قريع رئيس وزراء السلطة الفلسطينية موفقا عندما قال للصحافيين انه يصلي لله من اجل شفاء ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي من ازمته الصحية، والشيء نفسه يقال ايضا عن الدكتور صائب عريقات وزير المفاوضات (اين المفاوضات) الذي عبر عن خشيته علي العملية السلمية، والانعكاسات السلبية التي يمكن ان تترتب عليها من جراء غيابه عن الساحة السياسية الاسرائيلية.
فمثل هذه التصريحات الدبلوماسية التي تفتقر الي الحصافة، والــــقراءة الجيدة للخـــريطة السياسية تؤكد انطباعا مغلوطا في الغرب، يجسد شارون علي انه رجل سلام، او انه الاسرائيلي الوحيد القادر علي دفع العملية التفاوضية بما يؤدي في نهاية المطاف الي قيام الــدولة الفلسطينية العتيدة.
ولعل اطفال المخيمات الفلسطينية الجوعي في مدينة خان يونس بقطاع غزة، كانوا الاصدق تعبيرا عن مشاعرهم ومشاعر الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين عندما وزعوا الحلوي ابتهاجا بغيبوبة شارون، ووفاته سياسيا بسبب الجلطة الدماغية التي اصابته.
فالمسؤولون الاسرائيليون، وعلي رأسهم شارون نفسه، لم يصلوا مطلقا من اجل نجاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما كان يرقد علي سرير المرض يصارع اعراض السموم التي دسوها في جسمه، ولم يخفوا ابتهاجهم بنهايته، لانهم كانوا يرون فيه عقبة في طريق السلام تجب ازالتها باسرع وقت ممكن، وبأية وسيلة.
ربما يكون سلوك اطفال الحلوي غير حضاري في نظر الكثيرين من العرب، والفلسطينيين المستغربين ، ولكن ماذا يتوقعون من اناس فقدوا آباءهم واشقاءهم وبيوتهم واسمالهم وكراريسهم في مجازر شارون وغاراته وبلدوزراته، وتوغلاته واغتيالاته التي طبعت تاريخه العسكري والسياسي علي مدي ستين عاما؟!
شارون خدع الاسرائيليين عندما اعطاهم شعوراً زائفا بالامان، وخدع المسؤولين الامريكيين والاوروبيين عندما اوهمهم بانه تحول من دب كاسر الي ارنب وديع، سيكرس سنواته المقبلة لتطبيق خريطة الطريق، ورمي اليهم عظمة الانسحاب الشكلي من قطاع غزة.
فالاسرائيليون كانوا اكثر امانا قبل مجيئه الي السلطة، وسمعتهم الـــدولية كانت اقــــل سوءا، فقد جاء الي السلطة بعد زيارته المشؤومة للحرم القدسي الشريف، تـــلك الزيارة التي فـــجرت الانتفاضة، وضاعفت من العمليات الفدائية، واوقعت ما يقرب من ألف قتيل اسرائيلي ودمرت السياحة والاقتصاد.
واوهم شارون الاسرائيليين بانه يستطيع حمايتهم ببناء الجدار العنصري العازل، والانسحاب من قطاع غزة للحفاظ علي يهودية دولتهم وسلامة عرقها، وجعلهم الاغلبية امام الزحف الديموغرافي الفلسطيني. وثبت ان مليارا ونصف المليار التي انفقت علي هذا الجدار قد ذهبت هباء، لانه لم يمنع الاستشهاديين المزنرين بالاحزمة الناسفة من الوصول الي الخضيرة ونتانيا، وبدأت الصواريخ تنهال مثل المطر علي المدن والمستوطنات الاسرائيلية شمال قطاع غزة، وتصيب اهدافها بكل دقة.
شارون اعاد احتلال الضفة الغربية لمنع عمليات المقاومة، فازدادت هذه العمليات وتضاعفت، وحاصر ياسر عرفات قبل ان يقتله بالسم، لانه يمثل في رأيه عقبة في طريق السلام، وللبحث عن شريك معتدل، فدمر السلطة، ومزق حزبها الحاكم، وحول الضفة والقطاع الي ساحة من الفوضي والفلتان الامني ومرتع للجماعات المسلحة المتطرفة الخارجة علي جميع قوانين الانضباط.
والمؤسف ان المسؤولين الغربيين يتباكون عليه، ويتمنون له الشفاء لانه في نظرهم هو المنقذ لعملية السلام، وكأن هؤلاء الذين من المفترض ان يكونوا علميين في تحليلاتهم السياسية، ينسون ان الرجل رفض كل اتفاقات السلام العربية ـ الاسرائيلية، ابتداء من كامب ديفيد الاولي والثانية واتفاقات اوسلو، ولم يلتزم بأي تعهد قدمه للعرب.
شارون هو الذي وسع مستوطنة معاليه ادوميم لخنق القدس وعزلها عن الضفة الغربية واعاد توطين المستوطنين الذين اجلاهم عن قطاع غزة في مستوطنات الضفة، وصادر ما مجموعه 350 ميلا مربعا من اراضي القدس وما حولها لبناء مستوطنات جديدة وتوسيع ما هو قائم، اي ضعف المساحة التي اخلاها في قطاع غزة.
سياسة شارون الاحادية الجانب خلقت فوضي دموية في قطاع غزة والضفة، ودمرت مصداقية محمود عباس امام الفلسطينيين عندما خرق كل بنود التهدئة في قمة شرم الشيخ، وواصل عمليات الاستيطان، وسياسة الاغتيالات لقادة الجهاد وكتائب شهداء الاقصي، ورفض الافراج عن المعتقلين واقام 376 حاجزا عسكريا في الضفة لاذلال الفلسطينيين وخنق ما تبقي من اقتصادهم.
خروج شارون من الحياة السياسية ميتا او معاقا ذهنيا قد يكون مكسبا للاسرائيليين اكثر مما هو مكسب للفلسطينيين، لان الرجل باعهم حملا كاذبا بالامن والامان، مستغلا نقطة ضعفهم كشعب يعاني من عقدة الخوف ويبحث دائما عن جنرال قوي يوفر لهم الحماية.
الفلسطينيون لن يذرفوا دمعة واحدة علي شارون، ولا علي اي مسؤول اسرائيلي آخر، حولهم الي حقل تجارب للاسلحة الامريكية والاسرائيلية الصنع، وقتل الالاف منهم من مختلف الاعمار والاجناس. وعندما يوزعون الحلوي فلا يجب ان يلومهم احد ويتهمهم بالتخلف مثلما يحلو للبعض، ولو فعل شارون ما فعله بالفلسطينيين بأي شعب آخر لكان رد الفعل مماثلا ان لم يكن اكثر.