lkhtabi
07-01-2006, 08:45 PM
[الكاتب: عبد الله عزام] بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: {إنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.
1) هل القتال في أفغانستان وفلسطين وغيرهما من بلاد المسلمين التي تعرضت للغزو فرض عين أم فرض كفاية؟
2) هل يمكن تطبيق النفير عمليا في هذه الأيام؟
3) هل نجاهد وليس هناك قائد واحد؟
4) هل نقاتل في أفغانستان والقادة مختلفون ومتفرقون؟
5) هل يقاتل المسلم وحده إذا قعد الناس؟
6) هل نستعين بالكفار إذا كنا ضعافا؟
7) هل نقاتل مع مسلمين ليسوا على مستوى مقبول من التربية؟
8) هل نبدأ بأفغانستان أو بفلسطين؟
هذه الأسئلة المحيرة التي تدور في الأذهان الآن واختلف الناس في فهمها كل حسب اجتهاده تجد لها جوابا - بإذن الله - في هذا الكتاب بنصوص شرعية تكاد تكون متواترة لكبار أئمة المسلمين وفقهائهم. مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.
أما بعد:
فهذه الفتوى كتبتها وكانت أكبر من هذا الحجم، ثم عرضتها على فضيلة شيخنا الكبير سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقرئت عليه واستحسنها، وقال: (إنها طيبة)، ووافق عليها، إلا أنه اقترح علي أن أختصرها حتى يكتب لها مقدمة ننشرها بها ثم اختصرتها، ولكن وقت الشيخ كان مزدحما أيام الحج، ولم يتسع المجال لعرضها عليه مرة أخرى.
ثم أفتى الشيخ حفظه الله ورعاه في مسجد ابن لادن في جدة وفي الجامع الكبير في الرياض، أن الجهاد بالنفس اليوم فرض عين، ثم عرضت هذه الفتوى بحالها - دون الأسئلة الستة الأخيرة - على أصحاب الفضيلة؛ الشيخ عبد الله علوان وسعيد حو ى ومحمد نجيب المطيعي والدكتور حسين حامد حسان وعمر سيف. وقرأتها عليهم، ووافقوا عليها ووقع معظمهم عليها، وكذلك الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين قرأتها عليه ووقع عليها. وأفتى بمثلها الشيوخ الكرام عبد الرزاق عفيفي وحسن أيوب والدكتور أحمد العسال.
ثم عرضت فحواها في خطبة في منى في مركز التوعية العامة في الحج، حيث يجتمع فيها أكثر من مائة عالم من جميع أنحاء العالم الإسلامي وقلت لهم: إتفق السلف والخلف وجميع الفقهاء والمحدثين في جميع العصور الإسلامية؛ أنه إذا اعتدي على شبر من أراضي المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بحيث يخرج الولد دون إذن والده، والمرأة دون إذن زوجها، وأنا أقرر أمام أمير المجاهدين سياف ومن خلال معايشتي للجهاد الأفغاني ثلاث سنوات أن الجهاد في أفغانستان يحتاج إلى رجال، فمن كان منكم أيها العلماء عنده اعتراض فليعترض، فلم يعترض أحد. بل قال الدكتور الشيخ إدريس: (يا أخي هذا الأمر لا خلاف فيه).
من أجل هذا طبعت هذه الفتوى عسى الله أن ينفعنا بها في الدارين وينفع بها جميع المسلمين.
عبد الله عزام , الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان إن الحمد لله نحمده ونستعنه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجميعن.
وبعد:
فلقد اختار الله برحمته هذا الدين ليكون رحمة للعالمين، وأرسل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ليكون خاتما للنبيين بهذا الدين، ونصر هذا الدين بالسيف والسنان، بعد أن وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجة والبيان، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والطبراني: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) [1].
وقد اقتضت حكمة الله أن يقيم صلاح الأرض على قانون الدفع فقال سبحانه وتعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}، أي أن الله عز وجل تفضل على البشرية بأن سن لهم هذا الناموس وبين لهم هذا القانون (قانون الدفع)، أو بعبارة أخرى الصراع بين الحق والباطل وذلك من أجل صلاح البشرية وسيادة الحق وانتشار الخير، بل إن الشعائر التعبدية ودور العبادة محمية بهذا القانون لقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
وهذا القانون (قانون الدفع) أو الجهاد قد احتل صفحات كثيرة من كتاب الله عزوجل، لأن الحق لا بد له من قوة تحميه، فكم من حق و ضع بسبب خذلان أهله له، وكم من باطل رفع لأن له أنصارا ورجالا يضحون من أجله.
والجهاد يقوم على ركنين أساسين هما: الصبر، الذي يظهر شجاعة القلب والجنان، والكرم الذي هو بذل المال والروح (والجود بالنفس أقصى غاية الجود) ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد: (الإيمان الصبر والسماحة) [2].
يقول ابن تيمية [3]: (ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم بينلله سبحانه أن من تولى عن الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}).
ولذا فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى شر الصفات وهي البخل والجبن التي تؤدي إلى فساد النفوس وتدمير المجتمعات، ففي الحديث الصحيح: (شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع) [4].
ولقد مرت أزمان على سلفنا الصالح أخذوا بهذا القانون فسادوا الدنيا وأصبحوا أساتذة الأنام كما قال الله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لم ا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل) [5].
ثم جاءت ذراري المسلمين وأهملت قوانين الله ونسيت ربها فنسيها، وضيعوا أحكامه فضاعوا {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}، زين لهم سوء أعمالهم واتبعوا أهواءهم، جاء في الحديث الصحيح: (إن الله يبغض كل جعظري جو اظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا، جاهل بالآخرة) [6].
ومن أهم الفرائض الغائبة والواجبات المنسية فريضة الجهاد التي غابت عن واقع المسلمين فأصبحوا كغثاء السيل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، قيل: يا رسول الله أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: (لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب أعدائكم، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت)، وفي رواية: قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حبكم للدنيا وكراهيتكم للقتال) [7].
[1] صحيح الجامع الصغير (2828) للألباني.
[2] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (554).
[3] مجموع الفتاوى 28/157.
[4] رواه أبو داود وهو صحيح.
[5] رواه أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي، صحيح الجامع الصغير (3739).
[6] (صحيح الجامع الصغير) (1874)، جعظري: فض غليظ مستكبر. جواظ: جماع مناع، سخاب: ثرثار.
[7] سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (958)، رواه أحمد بإسناد جيد وأبو داود، وفي رواية وكراهية الموت وهو حديث صحيح. جهاد الكفار نوعان وجهاد الكفر نوعان:
1) جهاد الطلب (طلب الكفار في بلادهم): بحيث يكون الكفار في حالة لا يحشدون لقتال المسلمين، فالقتال فرض كفاية وأقل فرص الكفاية سد الثغور بالمؤمنين لإرهاب أعداء الله، وإرسال جيش في السنة على الأقل، فعلى الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين، وعلى الرعية إعانته، فإن لم يبعث كان الإثم عليه [8]، وقد قاسها الفقهاء على الجزية، قال الأصوليون: (الجهاد دعوة قهرية فتجب إقامته بقدر الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم) [9].
2) جهاد الدفع (دفع الكفار من بلادنا): وهذا يكون فرض عين بل أهم فروض الأعيان، ويتعين في حالات:
أ) إذا دخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين.
ب) إذا التقى الصفان وتقابل الزحفان.
ج) إذا استنفر الإمام أفراد أو قوما وجب عليهم النفير.
د) إذا أسر الكفار مجموعة من المسلمين.
الحالة الأولى: دخول الكفار بلدة من بلاد المسلمين:
ففي هذه الحالة اتفق السلف والخلف وفقهاء المذاهب الأربعة والمحدثون والمفسرون في جميع العصور الإسلامية إطلاقا أن الجهاد في هذه الحالة يصبح فرض عين على أهل هذه البلدة - التي هاجمها الكفار- وعلى من قرب منهم، بحيث يخرج الولد دون إذن والده، والزوجة دون إذن زوجها، والمدين دون إذن دائنه، فإن لم يكف أهل تلك البلدة أو قصروا أو تكاسلوا أو قعدوا يتوسع فرض العين على شكل دوائر الأقرب فالأقرب، فإن لم يكفوا أو قصروا فعلى من يليهم ثم على من يليهم حتى يعم فرض العين الأرض كلها.
يقول شيخ الإسلام بن تيمية: (وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط - كالزاد والراحلة – بل ي دفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم).
ويعلل ابن تيمية رأيه بعدم اشتراط الراحلة في رده على القاضي الذي قال: إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد فمن شرط وجوبه الزاد والراحلة إذا كانوا على مسافة القصر قياسا على الحج، قال ابن تيمية: (وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ي نقل عن أحد وهو ضعيف، فإن وجوب الجهاد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة، ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة، فبعض الجهاد أولى، وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه فأوجب الطاعة عمادها الإستنفار في العسر واليسر، وهنا نص في وجوبه مع الإعسار بخلاف الحج، هذا في قتال الطلب، وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه) [10].
وإليك نصوص مذاهب الفقهاء الأربعة التي تجمع على هذه القضية:
أولا: فقهاء الحنفية:
قال ابن عابدين [11]: (وفرض عين إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسلام فيصير فرض عين على من قرب منه، فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو أو لم يعجزوا عنها ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه، وثم وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا على هذا التدريج)، وبمثل هذا أفتى الكاساني [12] وابن نجيم [13] وابن الهمام [14].
ثانيا: عند المالكية:
جاء في حاشية الدسوقي: (ويتعين الجهاد بفجء العدو)، قال الدسوقي: (أي توجه الدفع بفجئ } مفاجأة } على كل أحد وإن امرأة أو عبدا أو صبيا، ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدين) [15].
ثالثا: عند الشافعية:
جاء في نهاية المحتاج للرملي: (فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم، من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة) [16].
رابعا: عند الحنابلة:
جاء في المغني لابن قدامة: (ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
1) إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان.
2) إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
3) إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير) [17].
ويقول ابن تيمية: (إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير اليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا) [18].
وهذه الحالة تعرف بالنفير العام...
[8] حاشية ابن عابدين (3/138).
[9] حاشية الشرواني وابن القاسم على تحفة المحتاج على المنهاج (9/213).
[10] من كتاب الإختيارات العلمية لابن تيمية ملحق بالفتوى الكبرى (4/608).
[11] حاشية ابن عابدين (3/238).
[12] بدائع الصنائع (7/72).
[13] البحر الرائق لابن نجيم (5/191).
[14] فتح القدير لابن الهمام (5/191).
[15] حاشية الدسوقي (2/174).
[16] نهاية المحتاج (8/58).
[17] المغني (8/345).
[18] الفتاوى الكبرى (4/608). أدلة النفير العام ومبرراته أدلة النفير العام ومبرراته:
1) قال الله عز وجل: {إنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}. وقد جاءت الآية قبلها ترتب العذاب والإستبدال جزاء لترك النفير، ولا عذاب إلا على ترك واجب أو فعل حرام.
{إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}.
قال ابن كثير: (أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وقد بوب البخاري }باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية}، وأورد هذه الآية، وكان النفير العام بسبب أنه ترامي إلى أسماع المسلمين أن الروم يتعدون على تخوم الجزيرة لغزو المدينة، فكيف إذا دخل الكفار بلد المسلمين، أفلا يكون النفير أولى؟ قال أبو طلحة رضي الله عنه في معنى قوله تعالى {خفافا وثقالا} كهولا وشبابا ما سمع الله عذر أحد) [19].
وقال الحسن البصري: (في العسر واليسر).
ويقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى [20]: (فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم وعلى غير المقصودين، كما قال تعالى {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن، وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله مع القلة والكثرة والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد).
وقال الزهري: (خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنك عليل فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع) [21].
2) ويقول الله عز وجل: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين}.
قال ابن العربي: (كافة يعني محيطين بهم من كل جانب وحالة) [22].
3) ويقول الله عزوجل: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}. والفتنة هي الشرك كما قال ابن عباس والسدي [23]، وعند هجوم الكفار واستيلائهم على الديار فالأمة مهددة في دينها ومعرضة للشك في عقيدتها فيجب القتال لحماية الدين والنفس والعرض والمال.
4) قال صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، فإذا استنفرتم فانفروا) [24].
فيجب النفير إذا استنفرت الأمة، وفي حالة هجوم الكفار فالأمة مستنفرة لحماية دينها، ومدار الواجب على حاجة المسلمين أو استنفار الإمام كما قاله ابن حجر في شرح هذا الحديث.
قال القرطبي: (كل من علم بضعف المسلمين عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج اليهم) [25].
5) إن كل دين نزل من عند الله جاء للحفاظ على الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال.
ولذا فيجب المحافظة على هذه الضرورات بأي وسيلة، ومن هنا شرع الإسلام دفع الصائل [26]، والصائل: هو الذي يسطو على غيره قهرا يريد نفسه أو ماله أو عرضه.
أ) الصائل على العرض: ولو كان مسلما إذا صال على العرض وجب دفعه باتفاق الفقهاء ولو أدى إلى قتله، ولذا فقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للمرأة أن تستسلم للأسر ولو قتلت إذا خافت على عرضها.
ب) أما الصائل على المال أو النفس: فيجب دفعه عند جمهور العلماء، ويتفق مع الرأي الراجح في مذهبي مالك والشافعي ولو أدى إلى قتل الصائل المسلم، ففي الحديث الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد) [27].
قال الجصاص بعد هذا الحديث: (لا نعلم خلافا أن رجلا لو شهر سيفا على رجل ليقلته بغير حق أن على المسلمين قتله) [28]. وفي هذه الحالة – الصيال - إذا قتل الصائل فهو في النار ولو كان مسلما، وإذا قتل العادل فهو شهيد.
هذا حكم الصائل المسلم، فكيف إذا صال الكفار على أرض المسلمين حيث يتعرض الدين والعرض والنفس والمال للذهاب والزوال؟ ألا يجب في هذه الحالة على المسلمين دفع الصائل الكافر والدولة الكافرة؟!
6) تترس الكفار بأسرى المسلمين: إذا اتخذ الكفار أسرى المسلمين كترس أمامهم وتقدموا لاحتلال بلاد المسلمين يجب قتال الكفار، ولو أدى إلى قتل أسرى المسلمين.
يقول ابن تيمية في مجمع الفتاوى [29]: (بل لو فيهم – الكفار - قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا بقتل هؤلاء لقتلوا أيضا، فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بأسرى المسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنه يجوز أن نرميهم - ونقصد الكفار - ولو لم نخف على المسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضا على أحد قولي العلماء).
وفي الصفحة [45] يقول: (والسنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار، ففي الصحيح: "من قتل دون ماله فهو شهيد").
وذلك لأن حماية بقية المسلمين من الفتنة والشرك وحماية دينهم وعرضهم ومالهم، أولى من إبقاء بعض المسلمين أحياء، وهم الأسرى في يد الكفار المتترس بهم.
7) قتال الفئة الباغية: يقول الله عزوجل: {وإن طائفتان من المؤمين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}.
فإذا فرض الله علينا قتال الفئة الباغية المسلمة حفظا لوحدة كلمة المسلمين وحماية دينهم وأعراضهم وأموالهم فكيف يكون الحكم في قتال الدولة الكافرة الباغية، أليس هذا أولى وأجدر؟
8) حد الحرابة: قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.
هذا حكم المحاربين من المسلمين الذين يخيفون عامة المسلمين ويفسدون في الأرض فيعبثون بأموال الناس وأعراضهم، ولقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين كما جاء في الصحيحين [30]، وفي الحديث عن أنس؛ (أن نفرا من عكل وعرينة تكلموا بالإسلام، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم أهل ضرع ولم يكونوا أهل ريف وشكوا حمى المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وأمرهم أن يخرجوا من المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا فكانوا في ناحية الحرة فكفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقوا الذود، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم، فأتي بهم فسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم. فكيف بالدولة الكافرة التي تفسد على الناس دينهم ومالهم وعرضهم أليس قتالها أوجب على المسلمين وأحرى؟!
هذه بعض الأدلة والمبررات للنفير العام إذا دخل الكفار أرض المسلمين.
إن دفع العدو الكافر هو أجب الواجبات بعد الإيمان وكما قال ابن تيمية: (فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بد الإيمان من دفعه) [31].
[19] مختصر ابن كثير (2/144).
[20] (82/358).
[21] الجامع لأحكام القرآن (8/150).
[22] الجامع لأحكام القرآن (8/150).
[23] القرطبي (2/253).
[24] رواه البخاري.
[25] فتح الباري (6/30).
[26] جامع الأحكام (8/150).
[27] حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، حاشية ابن عابدين (5/383)، والزيعلي (6/110)، ومواهب الجليل (6/323)، تحفة المحتاج (4/124)، الإقناع (4/290)، والروضة البهية (2/371)، والبحر الزخار (6/268)، وتاج العروس صحيح الجامع الصغير للألباني (6321).
[28] أحكام القرآن للجصاص (1/2402).
[29] (82/537).
[30] أنظر الفتح الرباني ترتي مسند الإمام أحمد الشيباني لأحمد عبد الرحمن البنا (81/128).
[31] الفتاوى الكبرى (4/608). حكم القتال الآن في فلسطين وأفغانستان لقد تبين فيما سبق أنه إذا اعتدي على شبر من أراضي المسلمين فإن الجهاد يتعين على أهل تلك البقعة وعلى من قرب منهم فإن لم يكفوا أو قصروا أو تكاسلوا يتوسع فرض العين على من يليهم، ثم يتدرج فرض العين بالتوسع حتى يعم الأرض كلها شرقا وغربا.
وفي هذه الحالة لا إذن للزوج على زوجته وللوالد على ولده وللدائن على مدينه، وعليه:
1) فإن الإثم باق في رقاب المسلمين جميعا ما دامت أي بقعة كانت إسلامية في يد الكفار.
2) يزداد الإثم طرديا حسب القدرة والإمكانية والطاقة، فإثم العلماء والقادة والدعاة البارزين في مجتمعاتهم أشد من إثم الدهماء والعامة.
3) إن إثم تقاعس جيلنا عن النفير في القضايا المعاصرة -كأفغانستان وفلسطين والفلبين وكشمير ولبنان وتشاد وأريتيريا - أشد من إثم سقوط الأراضي الإسلامية السابقة والتي عاصرتها أجيال مضت.
وكنا نقول: يجب أن نركز جهودنا على أفغانستان وفلسطين الآن، لأنها قضايا مركزية والعدو المحتل ماكر يحمل برنامجا توسعيا في المنطقة كلها، ولأن في حلها حلا لكثيرا من القضايا في المنطقة الإسلامية كلها، وحمايتها حماية للمنطقة كلها. البدء بأفغانستان من استطاع من العرب أن يجاهد في فلسطين فعليه أن يبدأ بها، ومن لم يستطع فعليه أن يذهب إلى أفغانستان، وأما بقية المسلمين فإني أرى أن يبدأوا جهادهم في أفغانستان، إننا نرى البدأ بأفغانستان قبل فلسطين لا لأن أفغانستان أهم من فلسطين، بل فلسطين هي قضية الإسلام الأولى وقلب العالم الإسلامي وهي الأرض المباركة، ولكن هناك أسباب تجعل البدء بأفغانستان قبل فلسطين أولى، منها:
1) إن المعركة في أفغانستان لا زالت قائمة وعلى أشدها وتشهد ذرى الهندوكوش في أفغانستان معارك لم يشهد التاريخ الإسلامي عبر القرون كثيرة لها نظيرا.
2) إن الراية في أفغانستان إسلامية واضحة لا إله إلا الله محمد رسول الله، والغاية واضحة (لتكون كلمة الله هي العليا)، ولقد نص دستور الإتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان في المادة الثانية: (أن الهدف من هذا الإتحاد هو إقامة دولة إسلامية في أفغانستان). وفي المادة الثالثة: (إن هدفنا منبثق من قوله تعالى (إن الحكم إلا لله) فالحاكمية المطلقة لرب العالمين.
3) لقد سبق الإسلاميون غيرهم إلى قيادة المعركة في أفغانستان، فالذين يقودون الجهاد في أفغانستان هم أبناء الحركة الإسلامية والعلماء وحفظة القرآن، بينما الأمر مختلف في فسلطين، فلقد سبق إلى القيادة أناس خلطاء، منهم المسلم الصادق ومنهم الشيوعي ومنهم المسلم العادي، ورفعوا راية الدولة العلمانية.
4) إن القضية في أفغانستان لا زالت بيد المجاهدين، ولا زالوا يرفضون المساعدة من الدول المشركة، بينما اعتمدت الثورة الفلسطينية كليا على الإتحاد السوفيتي، فتركتهم روسيا في أحلك الظروف يواجهون مصيرهم بأنفسهم أمام المؤامرة العالمية، وأصبحت القضية لعبة في يد الدول الكبرى تقامر على الأرض والشعب والعرض في فلسطين، بل تابعتهم فوق أرض الدول العربية حتى أنهت وجودهم العسكري وصفتهم جسديا وعسكريا.
5) إن حدود أفغانستان مفتوحة أمام المجاهدين، فهناك أكثر من ثلاثة آلاف كم من الحدود المفتوحة، بالإضافة إلى أن حول أفغانستان منطقة القبائل التي لا تخضع لسلطة سياسية، وهذه تشكل درعا حصينا للمجاهدين، أما بالنسبة لفلسطين فالأمر مختلف تماما، فالحدود مغلقة والأيدي موثقة وعيون المسؤولين متربصة بكل من حاول أن يخترق حدودهم لقتال اليهود.
قال الشافعي في الأم [32]: (فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض، فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف أو الأنكى ولا بأس أن يفعل، وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف لمن بدأ به لما لا يخاف من غيره مثلا، وتكون هذه بمنزلة الضرورة، لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحارث بن أبي ضرار أنه مجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب).
6) ثم إن شعبها فريد في صلابته وعزته وكأن الله عزوجل أعد جبالها وأرضها للجهاد.
يتبع
1) هل القتال في أفغانستان وفلسطين وغيرهما من بلاد المسلمين التي تعرضت للغزو فرض عين أم فرض كفاية؟
2) هل يمكن تطبيق النفير عمليا في هذه الأيام؟
3) هل نجاهد وليس هناك قائد واحد؟
4) هل نقاتل في أفغانستان والقادة مختلفون ومتفرقون؟
5) هل يقاتل المسلم وحده إذا قعد الناس؟
6) هل نستعين بالكفار إذا كنا ضعافا؟
7) هل نقاتل مع مسلمين ليسوا على مستوى مقبول من التربية؟
8) هل نبدأ بأفغانستان أو بفلسطين؟
هذه الأسئلة المحيرة التي تدور في الأذهان الآن واختلف الناس في فهمها كل حسب اجتهاده تجد لها جوابا - بإذن الله - في هذا الكتاب بنصوص شرعية تكاد تكون متواترة لكبار أئمة المسلمين وفقهائهم. مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.
أما بعد:
فهذه الفتوى كتبتها وكانت أكبر من هذا الحجم، ثم عرضتها على فضيلة شيخنا الكبير سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقرئت عليه واستحسنها، وقال: (إنها طيبة)، ووافق عليها، إلا أنه اقترح علي أن أختصرها حتى يكتب لها مقدمة ننشرها بها ثم اختصرتها، ولكن وقت الشيخ كان مزدحما أيام الحج، ولم يتسع المجال لعرضها عليه مرة أخرى.
ثم أفتى الشيخ حفظه الله ورعاه في مسجد ابن لادن في جدة وفي الجامع الكبير في الرياض، أن الجهاد بالنفس اليوم فرض عين، ثم عرضت هذه الفتوى بحالها - دون الأسئلة الستة الأخيرة - على أصحاب الفضيلة؛ الشيخ عبد الله علوان وسعيد حو ى ومحمد نجيب المطيعي والدكتور حسين حامد حسان وعمر سيف. وقرأتها عليهم، ووافقوا عليها ووقع معظمهم عليها، وكذلك الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين قرأتها عليه ووقع عليها. وأفتى بمثلها الشيوخ الكرام عبد الرزاق عفيفي وحسن أيوب والدكتور أحمد العسال.
ثم عرضت فحواها في خطبة في منى في مركز التوعية العامة في الحج، حيث يجتمع فيها أكثر من مائة عالم من جميع أنحاء العالم الإسلامي وقلت لهم: إتفق السلف والخلف وجميع الفقهاء والمحدثين في جميع العصور الإسلامية؛ أنه إذا اعتدي على شبر من أراضي المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بحيث يخرج الولد دون إذن والده، والمرأة دون إذن زوجها، وأنا أقرر أمام أمير المجاهدين سياف ومن خلال معايشتي للجهاد الأفغاني ثلاث سنوات أن الجهاد في أفغانستان يحتاج إلى رجال، فمن كان منكم أيها العلماء عنده اعتراض فليعترض، فلم يعترض أحد. بل قال الدكتور الشيخ إدريس: (يا أخي هذا الأمر لا خلاف فيه).
من أجل هذا طبعت هذه الفتوى عسى الله أن ينفعنا بها في الدارين وينفع بها جميع المسلمين.
عبد الله عزام , الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان إن الحمد لله نحمده ونستعنه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجميعن.
وبعد:
فلقد اختار الله برحمته هذا الدين ليكون رحمة للعالمين، وأرسل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ليكون خاتما للنبيين بهذا الدين، ونصر هذا الدين بالسيف والسنان، بعد أن وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجة والبيان، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والطبراني: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) [1].
وقد اقتضت حكمة الله أن يقيم صلاح الأرض على قانون الدفع فقال سبحانه وتعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}، أي أن الله عز وجل تفضل على البشرية بأن سن لهم هذا الناموس وبين لهم هذا القانون (قانون الدفع)، أو بعبارة أخرى الصراع بين الحق والباطل وذلك من أجل صلاح البشرية وسيادة الحق وانتشار الخير، بل إن الشعائر التعبدية ودور العبادة محمية بهذا القانون لقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
وهذا القانون (قانون الدفع) أو الجهاد قد احتل صفحات كثيرة من كتاب الله عزوجل، لأن الحق لا بد له من قوة تحميه، فكم من حق و ضع بسبب خذلان أهله له، وكم من باطل رفع لأن له أنصارا ورجالا يضحون من أجله.
والجهاد يقوم على ركنين أساسين هما: الصبر، الذي يظهر شجاعة القلب والجنان، والكرم الذي هو بذل المال والروح (والجود بالنفس أقصى غاية الجود) ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد: (الإيمان الصبر والسماحة) [2].
يقول ابن تيمية [3]: (ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم بينلله سبحانه أن من تولى عن الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}).
ولذا فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى شر الصفات وهي البخل والجبن التي تؤدي إلى فساد النفوس وتدمير المجتمعات، ففي الحديث الصحيح: (شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع) [4].
ولقد مرت أزمان على سلفنا الصالح أخذوا بهذا القانون فسادوا الدنيا وأصبحوا أساتذة الأنام كما قال الله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لم ا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل) [5].
ثم جاءت ذراري المسلمين وأهملت قوانين الله ونسيت ربها فنسيها، وضيعوا أحكامه فضاعوا {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}، زين لهم سوء أعمالهم واتبعوا أهواءهم، جاء في الحديث الصحيح: (إن الله يبغض كل جعظري جو اظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا، جاهل بالآخرة) [6].
ومن أهم الفرائض الغائبة والواجبات المنسية فريضة الجهاد التي غابت عن واقع المسلمين فأصبحوا كغثاء السيل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، قيل: يا رسول الله أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: (لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب أعدائكم، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت)، وفي رواية: قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حبكم للدنيا وكراهيتكم للقتال) [7].
[1] صحيح الجامع الصغير (2828) للألباني.
[2] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (554).
[3] مجموع الفتاوى 28/157.
[4] رواه أبو داود وهو صحيح.
[5] رواه أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي، صحيح الجامع الصغير (3739).
[6] (صحيح الجامع الصغير) (1874)، جعظري: فض غليظ مستكبر. جواظ: جماع مناع، سخاب: ثرثار.
[7] سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (958)، رواه أحمد بإسناد جيد وأبو داود، وفي رواية وكراهية الموت وهو حديث صحيح. جهاد الكفار نوعان وجهاد الكفر نوعان:
1) جهاد الطلب (طلب الكفار في بلادهم): بحيث يكون الكفار في حالة لا يحشدون لقتال المسلمين، فالقتال فرض كفاية وأقل فرص الكفاية سد الثغور بالمؤمنين لإرهاب أعداء الله، وإرسال جيش في السنة على الأقل، فعلى الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين، وعلى الرعية إعانته، فإن لم يبعث كان الإثم عليه [8]، وقد قاسها الفقهاء على الجزية، قال الأصوليون: (الجهاد دعوة قهرية فتجب إقامته بقدر الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم) [9].
2) جهاد الدفع (دفع الكفار من بلادنا): وهذا يكون فرض عين بل أهم فروض الأعيان، ويتعين في حالات:
أ) إذا دخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين.
ب) إذا التقى الصفان وتقابل الزحفان.
ج) إذا استنفر الإمام أفراد أو قوما وجب عليهم النفير.
د) إذا أسر الكفار مجموعة من المسلمين.
الحالة الأولى: دخول الكفار بلدة من بلاد المسلمين:
ففي هذه الحالة اتفق السلف والخلف وفقهاء المذاهب الأربعة والمحدثون والمفسرون في جميع العصور الإسلامية إطلاقا أن الجهاد في هذه الحالة يصبح فرض عين على أهل هذه البلدة - التي هاجمها الكفار- وعلى من قرب منهم، بحيث يخرج الولد دون إذن والده، والزوجة دون إذن زوجها، والمدين دون إذن دائنه، فإن لم يكف أهل تلك البلدة أو قصروا أو تكاسلوا أو قعدوا يتوسع فرض العين على شكل دوائر الأقرب فالأقرب، فإن لم يكفوا أو قصروا فعلى من يليهم ثم على من يليهم حتى يعم فرض العين الأرض كلها.
يقول شيخ الإسلام بن تيمية: (وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط - كالزاد والراحلة – بل ي دفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم).
ويعلل ابن تيمية رأيه بعدم اشتراط الراحلة في رده على القاضي الذي قال: إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد فمن شرط وجوبه الزاد والراحلة إذا كانوا على مسافة القصر قياسا على الحج، قال ابن تيمية: (وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ي نقل عن أحد وهو ضعيف، فإن وجوب الجهاد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة، ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة، فبعض الجهاد أولى، وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه فأوجب الطاعة عمادها الإستنفار في العسر واليسر، وهنا نص في وجوبه مع الإعسار بخلاف الحج، هذا في قتال الطلب، وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه) [10].
وإليك نصوص مذاهب الفقهاء الأربعة التي تجمع على هذه القضية:
أولا: فقهاء الحنفية:
قال ابن عابدين [11]: (وفرض عين إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسلام فيصير فرض عين على من قرب منه، فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو أو لم يعجزوا عنها ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه، وثم وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا على هذا التدريج)، وبمثل هذا أفتى الكاساني [12] وابن نجيم [13] وابن الهمام [14].
ثانيا: عند المالكية:
جاء في حاشية الدسوقي: (ويتعين الجهاد بفجء العدو)، قال الدسوقي: (أي توجه الدفع بفجئ } مفاجأة } على كل أحد وإن امرأة أو عبدا أو صبيا، ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدين) [15].
ثالثا: عند الشافعية:
جاء في نهاية المحتاج للرملي: (فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم، من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة) [16].
رابعا: عند الحنابلة:
جاء في المغني لابن قدامة: (ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
1) إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان.
2) إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
3) إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير) [17].
ويقول ابن تيمية: (إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير اليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا) [18].
وهذه الحالة تعرف بالنفير العام...
[8] حاشية ابن عابدين (3/138).
[9] حاشية الشرواني وابن القاسم على تحفة المحتاج على المنهاج (9/213).
[10] من كتاب الإختيارات العلمية لابن تيمية ملحق بالفتوى الكبرى (4/608).
[11] حاشية ابن عابدين (3/238).
[12] بدائع الصنائع (7/72).
[13] البحر الرائق لابن نجيم (5/191).
[14] فتح القدير لابن الهمام (5/191).
[15] حاشية الدسوقي (2/174).
[16] نهاية المحتاج (8/58).
[17] المغني (8/345).
[18] الفتاوى الكبرى (4/608). أدلة النفير العام ومبرراته أدلة النفير العام ومبرراته:
1) قال الله عز وجل: {إنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}. وقد جاءت الآية قبلها ترتب العذاب والإستبدال جزاء لترك النفير، ولا عذاب إلا على ترك واجب أو فعل حرام.
{إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}.
قال ابن كثير: (أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وقد بوب البخاري }باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية}، وأورد هذه الآية، وكان النفير العام بسبب أنه ترامي إلى أسماع المسلمين أن الروم يتعدون على تخوم الجزيرة لغزو المدينة، فكيف إذا دخل الكفار بلد المسلمين، أفلا يكون النفير أولى؟ قال أبو طلحة رضي الله عنه في معنى قوله تعالى {خفافا وثقالا} كهولا وشبابا ما سمع الله عذر أحد) [19].
وقال الحسن البصري: (في العسر واليسر).
ويقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى [20]: (فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم وعلى غير المقصودين، كما قال تعالى {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن، وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله مع القلة والكثرة والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد).
وقال الزهري: (خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنك عليل فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع) [21].
2) ويقول الله عز وجل: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين}.
قال ابن العربي: (كافة يعني محيطين بهم من كل جانب وحالة) [22].
3) ويقول الله عزوجل: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}. والفتنة هي الشرك كما قال ابن عباس والسدي [23]، وعند هجوم الكفار واستيلائهم على الديار فالأمة مهددة في دينها ومعرضة للشك في عقيدتها فيجب القتال لحماية الدين والنفس والعرض والمال.
4) قال صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، فإذا استنفرتم فانفروا) [24].
فيجب النفير إذا استنفرت الأمة، وفي حالة هجوم الكفار فالأمة مستنفرة لحماية دينها، ومدار الواجب على حاجة المسلمين أو استنفار الإمام كما قاله ابن حجر في شرح هذا الحديث.
قال القرطبي: (كل من علم بضعف المسلمين عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج اليهم) [25].
5) إن كل دين نزل من عند الله جاء للحفاظ على الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال.
ولذا فيجب المحافظة على هذه الضرورات بأي وسيلة، ومن هنا شرع الإسلام دفع الصائل [26]، والصائل: هو الذي يسطو على غيره قهرا يريد نفسه أو ماله أو عرضه.
أ) الصائل على العرض: ولو كان مسلما إذا صال على العرض وجب دفعه باتفاق الفقهاء ولو أدى إلى قتله، ولذا فقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للمرأة أن تستسلم للأسر ولو قتلت إذا خافت على عرضها.
ب) أما الصائل على المال أو النفس: فيجب دفعه عند جمهور العلماء، ويتفق مع الرأي الراجح في مذهبي مالك والشافعي ولو أدى إلى قتل الصائل المسلم، ففي الحديث الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد) [27].
قال الجصاص بعد هذا الحديث: (لا نعلم خلافا أن رجلا لو شهر سيفا على رجل ليقلته بغير حق أن على المسلمين قتله) [28]. وفي هذه الحالة – الصيال - إذا قتل الصائل فهو في النار ولو كان مسلما، وإذا قتل العادل فهو شهيد.
هذا حكم الصائل المسلم، فكيف إذا صال الكفار على أرض المسلمين حيث يتعرض الدين والعرض والنفس والمال للذهاب والزوال؟ ألا يجب في هذه الحالة على المسلمين دفع الصائل الكافر والدولة الكافرة؟!
6) تترس الكفار بأسرى المسلمين: إذا اتخذ الكفار أسرى المسلمين كترس أمامهم وتقدموا لاحتلال بلاد المسلمين يجب قتال الكفار، ولو أدى إلى قتل أسرى المسلمين.
يقول ابن تيمية في مجمع الفتاوى [29]: (بل لو فيهم – الكفار - قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا بقتل هؤلاء لقتلوا أيضا، فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بأسرى المسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنه يجوز أن نرميهم - ونقصد الكفار - ولو لم نخف على المسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضا على أحد قولي العلماء).
وفي الصفحة [45] يقول: (والسنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار، ففي الصحيح: "من قتل دون ماله فهو شهيد").
وذلك لأن حماية بقية المسلمين من الفتنة والشرك وحماية دينهم وعرضهم ومالهم، أولى من إبقاء بعض المسلمين أحياء، وهم الأسرى في يد الكفار المتترس بهم.
7) قتال الفئة الباغية: يقول الله عزوجل: {وإن طائفتان من المؤمين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}.
فإذا فرض الله علينا قتال الفئة الباغية المسلمة حفظا لوحدة كلمة المسلمين وحماية دينهم وأعراضهم وأموالهم فكيف يكون الحكم في قتال الدولة الكافرة الباغية، أليس هذا أولى وأجدر؟
8) حد الحرابة: قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.
هذا حكم المحاربين من المسلمين الذين يخيفون عامة المسلمين ويفسدون في الأرض فيعبثون بأموال الناس وأعراضهم، ولقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين كما جاء في الصحيحين [30]، وفي الحديث عن أنس؛ (أن نفرا من عكل وعرينة تكلموا بالإسلام، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم أهل ضرع ولم يكونوا أهل ريف وشكوا حمى المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وأمرهم أن يخرجوا من المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا فكانوا في ناحية الحرة فكفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقوا الذود، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم، فأتي بهم فسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم. فكيف بالدولة الكافرة التي تفسد على الناس دينهم ومالهم وعرضهم أليس قتالها أوجب على المسلمين وأحرى؟!
هذه بعض الأدلة والمبررات للنفير العام إذا دخل الكفار أرض المسلمين.
إن دفع العدو الكافر هو أجب الواجبات بعد الإيمان وكما قال ابن تيمية: (فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بد الإيمان من دفعه) [31].
[19] مختصر ابن كثير (2/144).
[20] (82/358).
[21] الجامع لأحكام القرآن (8/150).
[22] الجامع لأحكام القرآن (8/150).
[23] القرطبي (2/253).
[24] رواه البخاري.
[25] فتح الباري (6/30).
[26] جامع الأحكام (8/150).
[27] حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، حاشية ابن عابدين (5/383)، والزيعلي (6/110)، ومواهب الجليل (6/323)، تحفة المحتاج (4/124)، الإقناع (4/290)، والروضة البهية (2/371)، والبحر الزخار (6/268)، وتاج العروس صحيح الجامع الصغير للألباني (6321).
[28] أحكام القرآن للجصاص (1/2402).
[29] (82/537).
[30] أنظر الفتح الرباني ترتي مسند الإمام أحمد الشيباني لأحمد عبد الرحمن البنا (81/128).
[31] الفتاوى الكبرى (4/608). حكم القتال الآن في فلسطين وأفغانستان لقد تبين فيما سبق أنه إذا اعتدي على شبر من أراضي المسلمين فإن الجهاد يتعين على أهل تلك البقعة وعلى من قرب منهم فإن لم يكفوا أو قصروا أو تكاسلوا يتوسع فرض العين على من يليهم، ثم يتدرج فرض العين بالتوسع حتى يعم الأرض كلها شرقا وغربا.
وفي هذه الحالة لا إذن للزوج على زوجته وللوالد على ولده وللدائن على مدينه، وعليه:
1) فإن الإثم باق في رقاب المسلمين جميعا ما دامت أي بقعة كانت إسلامية في يد الكفار.
2) يزداد الإثم طرديا حسب القدرة والإمكانية والطاقة، فإثم العلماء والقادة والدعاة البارزين في مجتمعاتهم أشد من إثم الدهماء والعامة.
3) إن إثم تقاعس جيلنا عن النفير في القضايا المعاصرة -كأفغانستان وفلسطين والفلبين وكشمير ولبنان وتشاد وأريتيريا - أشد من إثم سقوط الأراضي الإسلامية السابقة والتي عاصرتها أجيال مضت.
وكنا نقول: يجب أن نركز جهودنا على أفغانستان وفلسطين الآن، لأنها قضايا مركزية والعدو المحتل ماكر يحمل برنامجا توسعيا في المنطقة كلها، ولأن في حلها حلا لكثيرا من القضايا في المنطقة الإسلامية كلها، وحمايتها حماية للمنطقة كلها. البدء بأفغانستان من استطاع من العرب أن يجاهد في فلسطين فعليه أن يبدأ بها، ومن لم يستطع فعليه أن يذهب إلى أفغانستان، وأما بقية المسلمين فإني أرى أن يبدأوا جهادهم في أفغانستان، إننا نرى البدأ بأفغانستان قبل فلسطين لا لأن أفغانستان أهم من فلسطين، بل فلسطين هي قضية الإسلام الأولى وقلب العالم الإسلامي وهي الأرض المباركة، ولكن هناك أسباب تجعل البدء بأفغانستان قبل فلسطين أولى، منها:
1) إن المعركة في أفغانستان لا زالت قائمة وعلى أشدها وتشهد ذرى الهندوكوش في أفغانستان معارك لم يشهد التاريخ الإسلامي عبر القرون كثيرة لها نظيرا.
2) إن الراية في أفغانستان إسلامية واضحة لا إله إلا الله محمد رسول الله، والغاية واضحة (لتكون كلمة الله هي العليا)، ولقد نص دستور الإتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان في المادة الثانية: (أن الهدف من هذا الإتحاد هو إقامة دولة إسلامية في أفغانستان). وفي المادة الثالثة: (إن هدفنا منبثق من قوله تعالى (إن الحكم إلا لله) فالحاكمية المطلقة لرب العالمين.
3) لقد سبق الإسلاميون غيرهم إلى قيادة المعركة في أفغانستان، فالذين يقودون الجهاد في أفغانستان هم أبناء الحركة الإسلامية والعلماء وحفظة القرآن، بينما الأمر مختلف في فسلطين، فلقد سبق إلى القيادة أناس خلطاء، منهم المسلم الصادق ومنهم الشيوعي ومنهم المسلم العادي، ورفعوا راية الدولة العلمانية.
4) إن القضية في أفغانستان لا زالت بيد المجاهدين، ولا زالوا يرفضون المساعدة من الدول المشركة، بينما اعتمدت الثورة الفلسطينية كليا على الإتحاد السوفيتي، فتركتهم روسيا في أحلك الظروف يواجهون مصيرهم بأنفسهم أمام المؤامرة العالمية، وأصبحت القضية لعبة في يد الدول الكبرى تقامر على الأرض والشعب والعرض في فلسطين، بل تابعتهم فوق أرض الدول العربية حتى أنهت وجودهم العسكري وصفتهم جسديا وعسكريا.
5) إن حدود أفغانستان مفتوحة أمام المجاهدين، فهناك أكثر من ثلاثة آلاف كم من الحدود المفتوحة، بالإضافة إلى أن حول أفغانستان منطقة القبائل التي لا تخضع لسلطة سياسية، وهذه تشكل درعا حصينا للمجاهدين، أما بالنسبة لفلسطين فالأمر مختلف تماما، فالحدود مغلقة والأيدي موثقة وعيون المسؤولين متربصة بكل من حاول أن يخترق حدودهم لقتال اليهود.
قال الشافعي في الأم [32]: (فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض، فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف أو الأنكى ولا بأس أن يفعل، وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف لمن بدأ به لما لا يخاف من غيره مثلا، وتكون هذه بمنزلة الضرورة، لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحارث بن أبي ضرار أنه مجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب).
6) ثم إن شعبها فريد في صلابته وعزته وكأن الله عزوجل أعد جبالها وأرضها للجهاد.
يتبع