lkhtabi
04-01-2006, 08:06 PM
شبكة البصرة
محمد زيدان
يجد المتتبع لما يجري على الساحة السياسية والإعلامية على مستوى الوطن العربي نفسه مجبرا على طرح مئات، بل قل آلاف التساؤلات وأكثر حول فلسفة الإعلام العربي إذا كانت له فلسفة، وحول مصادر تمويله وعلاقته بالنظام الرسمي العربي العميل، وحول طبيعته ودوره فيما تمر به الأرض العربية من محن وبالتحديد في العراق الجريح. ويجد نفسه في حيرة من أمره، ومع احترامنا للشرفاء: هل لدينا فعلا إعلام بالمعنى المهني والأخلاقي؟ وهل للإعلام العربي رسالة نبيلة وهادفة، أم أنه عبارة عن فوضى إعلامية، وخليط من اللغو والهذيان مع ظهور بعض الأصوات المتميزة، هنا وهناك؟
لطالما اشتكى النظام الرسمي العربي من تشويه الإعلام الغربي لسمعة وصورة العربي في أروبا وأمريكا، وحمًلت جهات إعلامية وثقافية اللوبي الصهيوني المتسلل إلى مواقع القرار المسؤولية. ومن الطبيعي جدا أن يستثمر العدو موقعه وإمكانياته المادية لخدمة مصالحه الاستراتيجية، فهو في حرب مع أمتنا العربية، والحرب خداع كما تعلمنا، والعيب كل العيب فينا لآن النظام الرسمي لا يفكر في مستقبل الأمة، ولم أسمع في حياتي أنه أسس معاهد ومؤسسات قومية جادة، تتولى البحث في الدراسات الاستراتيجية يشرف عليها باحثون يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة. وطبعا، فقد سمعت بمركز دراسات الوحدة العربية الذي يمول نفسه بنفسه، وليس لأحد الفضل عليه. قد يقول قائل أن لبعض الدول العربية مراكز للدراسات الاستراتيجية، ونحن نتفق معه، ولكنها بالاسم فحسب فهي في حقيقتها مراكز لتلميع أحذية السيد الحاكم القطري، وتبرير سلوكه ونزواته السياسية، وتضليل الناس عبر وسائل الإعلام العربية العميلة المرتبطة بالمحتل.
إن الإعلام الغربي براغماتي هادف، ويعرف حدوده وواجباته، فهو يقوم على أساس من الفكر والفلسفة. ومن السذاجة بمكان أن نتصور بأنه يقف ضد المصلحة الوطنية لدولته وإن بدا لنا كذالك في بعض الأحيان، فالإعلامي الغربي ينطلق من خلفية فكرية وعقائدية لا تقوم على فراغ، وإنما على أساس من الدراسات الاستراتيجية والتخطيط المنظم.
وإذا قارنا فيما بين الحالتين العربية والغربية فإن الدهشة تتملكنا للفارق الكبير. الإعلامي الغربي واع تماما بأهدافه وبأفعاله ومتوقعا لنتائج أقواله، بينما يتخبط الإعلامي العربي مع احترامنا للشرفاء، كالناقة العمياء وفي الأغلب عن جهل وسوء نية، ولنا الكثير من الشواهد، ومثال ذالك قناة الجزيرة القطرية التي تزعم بأنها تلتزم بأخلاقيات المهنة، وأنها اكتسبت شهرة عالمية وما إلى ذالك. نقول أنه لم يفكر مسؤولوها يوما في نشر بيان من بيانات حزب البعث العربي وهي كثيرة من مصادرها المعروفة، لكن أمريكا أرادت، فأذاعت في الشهر السابق، إن لم تخني الذاكرة ، بيانا منسوبا له عن وكالة أنباء أجنبية غربية تزعم فيه أن شيخ المجاهدين حفظه الله السيد عزة الدوري قد وافته المنية. والعجيب أن الخبر وصل إلى قناة الجزيرة بسرعة فائقة، ولم يسأل صحافيوها أنفسهم كيف تسنى لمناضلي البعث أن يعلموا الخبر بهذه السرعة عن شخص يلاحقه آلاف الجواسيس والخونة في كل بقعة من العراق؟ وإذا كان هذا ممكنا بالفرض فكيف يتسنى لوكالة أنباء يعيش مراسلوها متخفون خوفا وهلعا أن يطلعوا على الخبر بالسرعة المذكورة وتنشره قناتنا الحبيبة. ولم أسمع لحد الساعة أنها كذًبت الخبر، وشيخ المجاهدين ما زال في صحة جيدة ويقوم بواجبه الجهادي على النحو المطلوب كما تقول أخبار المقاومة على الأنترنات. أين هو إذن الالتزام بأخلاقية المهنة التي يتشدقون بها؟ كما أن المرء يتحير في أمر هذا السلوك من الناحية الفلسفية، فما هي الفلسفة الإعلامية التي تنتهجها القناة في تصديها لقضايا العصر وفي معالجتها للمشاكل التي يعانيها المواطن العربي المغلوب على أمره، والذي أتعبته ظروفه المعيشية. ولا يمكن للمحلل إلا وصفها بالدعارة الإعلامية المكشوفة خدمة للعدو. ليس من مصلحة الأمة التشويش على البسطاء وتضليلهم. لا نفهم كيف يتحول الإعلام العربي إلى مجرد بوق للحرب النفسية التي يشنها المحتل. لقد أتعبتنا هذه القناة بضجيجها، بعد تسريبات بريطانية يزعم فيها أن بوش فكر في قصف مقر قناة الجزيرة في قطر. مثل هذه الحيل المخابراتية معروفة ومبتذلة ولا تحتاج إلى تعليق.
والسؤال هو: كيف تقدر الإدارة الأمريكية على اتخاذ قرار سريع بفصل مسؤؤل كبير من منصبه في قناة س ن ن الأمريكية لارتكابه خطأ قد لا نعيره نحن العرب أي اهتمام، ولا تكون قادرة على إعطاء أمر لأمير قطر بإزالة قناة الجزيرة من الخريطة؟ إنها س ن ن وما أدراك ما قيمة س ن ن بالنسبة للأمريكان، ومع ذالك تتخذ في حقها مثل هذه القرارات الردعية الصارمة.
الحقيقة أن أمريكا قتلت بعض صحافيي الجزيرة أسرت البعض الآخر ليس لأنها غير راضية على قيامها بالدور المرسوم لها بدقة، ولكن لأنها خططت لتشد المشاهد العربي لفضائية الجزيرة لتمرر من خلالها أطنان الأكاذيب وكل أصناف الدس والتضليل. ونحن في هذا المقام لا نحاكم الصحافيين كل الصحافيين وكما قلنا فإن فيهم خيرون ويحاولون قدر الممكن تقديم القليل الممكن لشعبهم وأمتهم، والمواطن العربي ليس مغفلا ولكنه يعرف هؤلاء جيدا ويتمنى لهم دوام الصحة والعافية ويترحم عليهم.. سواء في هذا الموقع أو ذاك. نحن نتكلم عن سياسة القناة، أو أغلب القنوات العميلة. وفي نفس السياق فإن الجزيرة تتجنب تسمية رجال المقاومة بأسمائهم الحقيقية وتستعمل بدلها اسم مسلحون أو كلمات أخرى غامضة، لكنها بالمقابل تسمي قوات الاحتلال الأمريكية وغيرها بالقوات المتعددة الجنسيات كما تريدها أمريكا تماما. ومن يرصد هذه القناة يتعجب للحيل التي تعمد إليها لتمرير أكاذيب أمريكا وادعاءاتها. ونحن لا نتطرق لقناة العربية ولطريقتها الفجة في التعامل مع الخبر ولسقوطها الإعلامي، لأنها معروفة بممارستها الدعارة الإعلامية بطريقة مكشوفة ومفضوحة وتدعو للتقزز.
إن مثل هذه القنوات تمارس الدعارة الإعلامية مع المحتل بالجملة، أي تتلقى التمويل من أنظمة عميلة. ولكن في ظل الانحطاط الأخلاقي والحضاري في الوطن العربي نشأ نوع آخر من الفضائيات تسمي نفسها مستقلة، والحمد لله قليلة، وتمارس الدعارة الإعلامية بالتجزئة، أي تتلقى دعما ماليا مقابل كل برنامج. وهو ما شعرنا به، وآخر صرخة في الدعارة الإعلامية هو أن ظهر في سوق النخاسة الإعلامية نوع جديد من الفضائيات تموله أمريكا أو الصهاينة أو إيران أو أنظمة عربية عميلة بالوكالة عن أمريكا وتزعم أنها قنوات عراقية، بل هناك جرائد وإذاعات. والهدف منها كلها هو خدمة المحتل أو الطائفية المقيتة وليس العراق الحر المستقل السيد كما نريده نحن في المغرب العربي.
ولو عدنا إلى النماذج التي تستضيفها هذه الفضائيات التي تمارس الدعارة الإعلامية جهرا وفي وضح النهار لأمكن لنا تصنيفها إلى عدة أصناف. من هؤلاء أناس لا يجدون منبرا لإيصال الرسالة التي تخدم مصلحة الأمة، ويرون الخير الكثير في القيل الذي يمكن تقديمه على عكس نزوات المسؤولين عن القناة أو الممولين لها الذين يرون في ذالك طعما مناسبا لاصطياد المشاهدين. وصنف آخر تستهويه وسائل الإعلام ويطرب لرؤية صورته على وسيلة الإعلام أو الفضائية، فيمارس خصيان الإعلام بلسانه المنكر الإعلامي عن طريق الأسئلة الإيحائية المعروفة التي ينصح المبتدئ في العلوم الاجتماعية تجنبها لكي لا يكون متحيزا، ويستغل خصيان الإعلام وهج الكاميرا وانبهار الضحية فيسقط في الفخ ويقدم خدمات مجانية لعدو العرب والمسلمين، أي أمريكا والصهاينة ومن والاهم في المنطقة العربية.
وصنف ثالث له رأي في قضية أو انطباع عنها، فتجتهد الوسيلة في الكشف عنه واصطياده وتركيب البرنامج أو الموضوع بحيث يخدم الرسالة الدعارية، ألا وهي خدمة المحتل وعملائه في المنطقة. وأنا متعجب كيف تستغفل قناة المستقلة غير المستقلة السيد محيي الدين عميمور المعروف، ونأسف لسقوطه في اللعبة بسهولة لتشكل منه ومن غيره مشهدا يخدم الأطماع الإيرانية والمحتل الأمريكي في نهاية المطاف. نحن نتفق معه في أن محاكمة الرئيس الشرعي للعراق صدام حسين فك الله أسره وكل أسرانا في سجون الاحتلال عبارة عن مهزلة وباطلة وكذالك في لعبة التزييف الإعلامي الذي رافق احتلال بغداد، وخصيان الإعلام في الوطن العربي يعرفون منه هذا الموقف. ولكن ما أرادوه منه هو أن يحمل الرئيس صدام مسؤولية بدء الحرب مع إيران وحلبجة وما إلى ذالك. وفي واقع الحال لم تثبت جهة مستقلة ما يردده الإعلام الغربي والصفوي والعميل في المنطقة العربية، فهل أجرى السيد محيي الدين عميمور تحقيقا حول هذه القضايا ليصل إلى هذه القناعة؟ ما تجنب قوله هو أنه لو سلمنا جدلا بأن العراق هو الذي بدأ الحرب، فمن جعلها تمتد لسنوات طويلة؟ هل هو الرئيس صدام حسين أم إيران؟ وكان يجب عليه أن يشير إلى تعاون إيران مع المركًب الصهيوني الأمريكي في احتلال العراق بشهادة حكامها. وكان أفضل له أيضا أن يذكر الدول التي ضل الاحتلال الأمريكي يقصف من أراضيها العراقيين لسنوات طويلة ثم ليمر عبرها لغزو بغداد وتقتيل مئات الآلاف بدون حجة أو سبب قانوني أو أخلاقي . هل كان العراق إذن محقا عندما استرد قصبة كاظمة وهي جزء لا يتجزأ تاريخيا من أراضيه؟ لقد أثبتت الأيام أنه كان محقا لأن الاحتلال الأمريكي مر عبرها دون مبرر يذكر، ولو كانت بيده لما وقعت المصيبة.
بالمقابل، ليس هناك من الناحية القانونية دليل واحد يدين الرئيس الشرعي للعراق صدام حسين، باستثناء أقوال أعدائه ومئات الآلاف من صفحات الحرب النفسية التي تشنها أمريكا وعملاؤها في المنطقة العربية. إنه برئ ما دامت لا توجد أية إدانة له من جهة نزيهة في نظر المواطنين العرب، باستثناء ما شذ من فئران الحروب النفسية التي تصدق كل ما تروجه الدعاية الأمريكية والصفوية والدعارة الإعلامية العربية العميلة. وأذكر السيد عميمور مع احترامي له بأن عددا كبيرا من الجزائريين ربما بالآلاف يحملون اسم الرئيس صدام حسين. ولا شك أن الجزائريين سمعوا بما يروجه خصيان الإعلام في سوق النخاسة الإعلامية، ولكنهم لا يصدقون .. فلقد تعودوا على عدم تصديق الجرائد ومحطات الإذاعة والتلفزيون… فهم يقولون عن الجريدة أنها تحمل قناطير الكذب ولا تحمل كيلوغراما واحدا من السمك أو السردين. أقول للسيد عميمور بأنني احترمه لأن الكرسي اللعين لم يفقده بعضا من شهامته، وبالمناسبة فإنني من نفس المنطقة ولا اختلف عن بقية الجزائريين وسكان المغرب العربي عموما في تقززنا وتأذينا من شماتة الساقطين الذين يتشفون في أسير عربي عند أكبر عدو للعرب والمسلمين.
لقد وقفت طويلا عند هذا الصنف من الناس، ولكن هناك صنف آخر من ضيوف الفضائيات وعددهم كبير جدا وهم لا يختلفون في شيء عن هؤلاء الكتبة الذين باعوا أنفسهم في سوق النخاسة الإعلامية بمائتي دولار للجيش الأمريكي في العراق، وهو ثمن ملابسهم أو أقل بكثير. أي الرأس الواحد يكلف مائتي دولار فقط، وهذا مدهش، لأنه يكاد ينافس السلع الصينية في وقتنا الراهن في الأسواق العربية. ولقد أصبح بعضهم بحكم المهنة ضيفا دائما لدى الفضائيات، وخاصة إذا كان يتقن لغة الأفعى، أي يلوي لسانه بالأكاذيب عن لخيرين في أمة العرب والمسلمين، وله أن يدعي ما يشاء. ويا حبذا لو قال أنه عراقي وأنه ضد المقاومة العراقية التي يسميها إرهابا وأنه ضد البعثيين والوهابيين وضد الرئيس صدام حسين…
وسوف ترتفع مكانته إذا تشدق بكلمات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالخصوص في فضائية مستقلة بالتجزئة ولها رأسان، رأس اسمه المستقلة، والرأس الآخر نما لها مؤخرا واسمه الديمقراطية، ومستواها عال وراق جدا وتترفع عن عامة الناس في الوطن العربي.
لقد ابتدعت لنا فضائية الرأسين هذه حوار الأديان والمذاهب على المباشر، ووصلت إلى درجة أن أثارت حفيظة الصفويين الجدد، وألبتهم عليها ونحن في عز المعركة مع المحتل الأمريكي. هل هذا وقت حوار المذاهب والطوائف أم وقت رص صفوف المواطنين العراقيين لتحرير أراضينا المغتصبة؟ لا ..بل إنه عصر الارتزاق والدعارة الإعلامية.
وشاهدنا الكثير من شذاذ الآفاق على الفضائيات… شاهدت مؤخرا أحدا منهم يكاد زيه العربي يفرمنه، ملامحه تدل أن لا علاقة له بالعرب، وأنه يعيش في عصر آخر، وأسهب في الحديث عن القانون الدولي والأمم المتحدة وفضائلها.. وصال وجال. وأكاد أجزم أنه كائن منقرض لم تحلله حرارة باطن الأرض وأنه خرج للتو من بئر بترول، ولو تحلل لكان وقودا مثاليا لدبابات الاحتلال الأمريكي. لقد كان في لون النفط، غريب الملامح، يكاد في كل لحظة يخر ساجدا لأمريكا.
إن بشرا مثل هؤلاء إن جاز القول عنهم أنهم بشر يتشفون في الأسرى ويتلذذون بالاحتلال البغيض ويسمونه تحريرا، ويتطاولون على سادتهم، لا يمكن أن يكونوا من عالم الثقلين. بل هم صنف جديد من الكائنات الممسوخة. ولست أدري …لست أدري من أين يخرج علينا بهم الإعلام العربي العميل؟ ويبدو أن أمريكا ابتدعت أساليب جديدة في تصنيع مثل هذه الكائنات الغريبة المقرفة في مخابرها. أحقادها غير طبيعية وتفوق كل تصور.. أوأنها صناعة للمال الحرام المنهوب من الأرض العربية والمشكل في الملاهي الليلية ودور القمار في الغرب.
إذا كان الإعلام العربي يقدم لشبابنا ولأطفالنا هذه الكائنات الشاذة الغريبة الأطوار ويسميها رأيا أو الرأي الآخر، فماذا ينتظر منا أن نقول له؟ هل نقول له أحسنت وأصبت فهذه الصورة المثالية لما يجب أن يكون عليه المواطن العربي أو الطفل العربي؟ هل يقبل العربي بأن يشوه الإعلام العربي صورته أمام نفسه، ويعيث فيها فسادا؟ هل يرضيه أن يقول له خصيان سوق النخاسة الإعلامية أنك مسخ وهو يؤمن بأن الله جميل يحب الجمال؟ هل يرضى المواطن العربي أن تشوه صورة البطولة والتضحية التي يعتز بها؟ والسؤال الأخير :أيهما أكثر تشويها لسمعة العربي وصورته، الإعلام الأمريكي الصهيوني أم الإعلامي العربي العميل؟
المواطن العربي محمد زيدان
شبكة البصرة
السبت 22 ذو القعدة 1426 / 24 كانون الاول 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
محمد زيدان
يجد المتتبع لما يجري على الساحة السياسية والإعلامية على مستوى الوطن العربي نفسه مجبرا على طرح مئات، بل قل آلاف التساؤلات وأكثر حول فلسفة الإعلام العربي إذا كانت له فلسفة، وحول مصادر تمويله وعلاقته بالنظام الرسمي العربي العميل، وحول طبيعته ودوره فيما تمر به الأرض العربية من محن وبالتحديد في العراق الجريح. ويجد نفسه في حيرة من أمره، ومع احترامنا للشرفاء: هل لدينا فعلا إعلام بالمعنى المهني والأخلاقي؟ وهل للإعلام العربي رسالة نبيلة وهادفة، أم أنه عبارة عن فوضى إعلامية، وخليط من اللغو والهذيان مع ظهور بعض الأصوات المتميزة، هنا وهناك؟
لطالما اشتكى النظام الرسمي العربي من تشويه الإعلام الغربي لسمعة وصورة العربي في أروبا وأمريكا، وحمًلت جهات إعلامية وثقافية اللوبي الصهيوني المتسلل إلى مواقع القرار المسؤولية. ومن الطبيعي جدا أن يستثمر العدو موقعه وإمكانياته المادية لخدمة مصالحه الاستراتيجية، فهو في حرب مع أمتنا العربية، والحرب خداع كما تعلمنا، والعيب كل العيب فينا لآن النظام الرسمي لا يفكر في مستقبل الأمة، ولم أسمع في حياتي أنه أسس معاهد ومؤسسات قومية جادة، تتولى البحث في الدراسات الاستراتيجية يشرف عليها باحثون يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة. وطبعا، فقد سمعت بمركز دراسات الوحدة العربية الذي يمول نفسه بنفسه، وليس لأحد الفضل عليه. قد يقول قائل أن لبعض الدول العربية مراكز للدراسات الاستراتيجية، ونحن نتفق معه، ولكنها بالاسم فحسب فهي في حقيقتها مراكز لتلميع أحذية السيد الحاكم القطري، وتبرير سلوكه ونزواته السياسية، وتضليل الناس عبر وسائل الإعلام العربية العميلة المرتبطة بالمحتل.
إن الإعلام الغربي براغماتي هادف، ويعرف حدوده وواجباته، فهو يقوم على أساس من الفكر والفلسفة. ومن السذاجة بمكان أن نتصور بأنه يقف ضد المصلحة الوطنية لدولته وإن بدا لنا كذالك في بعض الأحيان، فالإعلامي الغربي ينطلق من خلفية فكرية وعقائدية لا تقوم على فراغ، وإنما على أساس من الدراسات الاستراتيجية والتخطيط المنظم.
وإذا قارنا فيما بين الحالتين العربية والغربية فإن الدهشة تتملكنا للفارق الكبير. الإعلامي الغربي واع تماما بأهدافه وبأفعاله ومتوقعا لنتائج أقواله، بينما يتخبط الإعلامي العربي مع احترامنا للشرفاء، كالناقة العمياء وفي الأغلب عن جهل وسوء نية، ولنا الكثير من الشواهد، ومثال ذالك قناة الجزيرة القطرية التي تزعم بأنها تلتزم بأخلاقيات المهنة، وأنها اكتسبت شهرة عالمية وما إلى ذالك. نقول أنه لم يفكر مسؤولوها يوما في نشر بيان من بيانات حزب البعث العربي وهي كثيرة من مصادرها المعروفة، لكن أمريكا أرادت، فأذاعت في الشهر السابق، إن لم تخني الذاكرة ، بيانا منسوبا له عن وكالة أنباء أجنبية غربية تزعم فيه أن شيخ المجاهدين حفظه الله السيد عزة الدوري قد وافته المنية. والعجيب أن الخبر وصل إلى قناة الجزيرة بسرعة فائقة، ولم يسأل صحافيوها أنفسهم كيف تسنى لمناضلي البعث أن يعلموا الخبر بهذه السرعة عن شخص يلاحقه آلاف الجواسيس والخونة في كل بقعة من العراق؟ وإذا كان هذا ممكنا بالفرض فكيف يتسنى لوكالة أنباء يعيش مراسلوها متخفون خوفا وهلعا أن يطلعوا على الخبر بالسرعة المذكورة وتنشره قناتنا الحبيبة. ولم أسمع لحد الساعة أنها كذًبت الخبر، وشيخ المجاهدين ما زال في صحة جيدة ويقوم بواجبه الجهادي على النحو المطلوب كما تقول أخبار المقاومة على الأنترنات. أين هو إذن الالتزام بأخلاقية المهنة التي يتشدقون بها؟ كما أن المرء يتحير في أمر هذا السلوك من الناحية الفلسفية، فما هي الفلسفة الإعلامية التي تنتهجها القناة في تصديها لقضايا العصر وفي معالجتها للمشاكل التي يعانيها المواطن العربي المغلوب على أمره، والذي أتعبته ظروفه المعيشية. ولا يمكن للمحلل إلا وصفها بالدعارة الإعلامية المكشوفة خدمة للعدو. ليس من مصلحة الأمة التشويش على البسطاء وتضليلهم. لا نفهم كيف يتحول الإعلام العربي إلى مجرد بوق للحرب النفسية التي يشنها المحتل. لقد أتعبتنا هذه القناة بضجيجها، بعد تسريبات بريطانية يزعم فيها أن بوش فكر في قصف مقر قناة الجزيرة في قطر. مثل هذه الحيل المخابراتية معروفة ومبتذلة ولا تحتاج إلى تعليق.
والسؤال هو: كيف تقدر الإدارة الأمريكية على اتخاذ قرار سريع بفصل مسؤؤل كبير من منصبه في قناة س ن ن الأمريكية لارتكابه خطأ قد لا نعيره نحن العرب أي اهتمام، ولا تكون قادرة على إعطاء أمر لأمير قطر بإزالة قناة الجزيرة من الخريطة؟ إنها س ن ن وما أدراك ما قيمة س ن ن بالنسبة للأمريكان، ومع ذالك تتخذ في حقها مثل هذه القرارات الردعية الصارمة.
الحقيقة أن أمريكا قتلت بعض صحافيي الجزيرة أسرت البعض الآخر ليس لأنها غير راضية على قيامها بالدور المرسوم لها بدقة، ولكن لأنها خططت لتشد المشاهد العربي لفضائية الجزيرة لتمرر من خلالها أطنان الأكاذيب وكل أصناف الدس والتضليل. ونحن في هذا المقام لا نحاكم الصحافيين كل الصحافيين وكما قلنا فإن فيهم خيرون ويحاولون قدر الممكن تقديم القليل الممكن لشعبهم وأمتهم، والمواطن العربي ليس مغفلا ولكنه يعرف هؤلاء جيدا ويتمنى لهم دوام الصحة والعافية ويترحم عليهم.. سواء في هذا الموقع أو ذاك. نحن نتكلم عن سياسة القناة، أو أغلب القنوات العميلة. وفي نفس السياق فإن الجزيرة تتجنب تسمية رجال المقاومة بأسمائهم الحقيقية وتستعمل بدلها اسم مسلحون أو كلمات أخرى غامضة، لكنها بالمقابل تسمي قوات الاحتلال الأمريكية وغيرها بالقوات المتعددة الجنسيات كما تريدها أمريكا تماما. ومن يرصد هذه القناة يتعجب للحيل التي تعمد إليها لتمرير أكاذيب أمريكا وادعاءاتها. ونحن لا نتطرق لقناة العربية ولطريقتها الفجة في التعامل مع الخبر ولسقوطها الإعلامي، لأنها معروفة بممارستها الدعارة الإعلامية بطريقة مكشوفة ومفضوحة وتدعو للتقزز.
إن مثل هذه القنوات تمارس الدعارة الإعلامية مع المحتل بالجملة، أي تتلقى التمويل من أنظمة عميلة. ولكن في ظل الانحطاط الأخلاقي والحضاري في الوطن العربي نشأ نوع آخر من الفضائيات تسمي نفسها مستقلة، والحمد لله قليلة، وتمارس الدعارة الإعلامية بالتجزئة، أي تتلقى دعما ماليا مقابل كل برنامج. وهو ما شعرنا به، وآخر صرخة في الدعارة الإعلامية هو أن ظهر في سوق النخاسة الإعلامية نوع جديد من الفضائيات تموله أمريكا أو الصهاينة أو إيران أو أنظمة عربية عميلة بالوكالة عن أمريكا وتزعم أنها قنوات عراقية، بل هناك جرائد وإذاعات. والهدف منها كلها هو خدمة المحتل أو الطائفية المقيتة وليس العراق الحر المستقل السيد كما نريده نحن في المغرب العربي.
ولو عدنا إلى النماذج التي تستضيفها هذه الفضائيات التي تمارس الدعارة الإعلامية جهرا وفي وضح النهار لأمكن لنا تصنيفها إلى عدة أصناف. من هؤلاء أناس لا يجدون منبرا لإيصال الرسالة التي تخدم مصلحة الأمة، ويرون الخير الكثير في القيل الذي يمكن تقديمه على عكس نزوات المسؤولين عن القناة أو الممولين لها الذين يرون في ذالك طعما مناسبا لاصطياد المشاهدين. وصنف آخر تستهويه وسائل الإعلام ويطرب لرؤية صورته على وسيلة الإعلام أو الفضائية، فيمارس خصيان الإعلام بلسانه المنكر الإعلامي عن طريق الأسئلة الإيحائية المعروفة التي ينصح المبتدئ في العلوم الاجتماعية تجنبها لكي لا يكون متحيزا، ويستغل خصيان الإعلام وهج الكاميرا وانبهار الضحية فيسقط في الفخ ويقدم خدمات مجانية لعدو العرب والمسلمين، أي أمريكا والصهاينة ومن والاهم في المنطقة العربية.
وصنف ثالث له رأي في قضية أو انطباع عنها، فتجتهد الوسيلة في الكشف عنه واصطياده وتركيب البرنامج أو الموضوع بحيث يخدم الرسالة الدعارية، ألا وهي خدمة المحتل وعملائه في المنطقة. وأنا متعجب كيف تستغفل قناة المستقلة غير المستقلة السيد محيي الدين عميمور المعروف، ونأسف لسقوطه في اللعبة بسهولة لتشكل منه ومن غيره مشهدا يخدم الأطماع الإيرانية والمحتل الأمريكي في نهاية المطاف. نحن نتفق معه في أن محاكمة الرئيس الشرعي للعراق صدام حسين فك الله أسره وكل أسرانا في سجون الاحتلال عبارة عن مهزلة وباطلة وكذالك في لعبة التزييف الإعلامي الذي رافق احتلال بغداد، وخصيان الإعلام في الوطن العربي يعرفون منه هذا الموقف. ولكن ما أرادوه منه هو أن يحمل الرئيس صدام مسؤولية بدء الحرب مع إيران وحلبجة وما إلى ذالك. وفي واقع الحال لم تثبت جهة مستقلة ما يردده الإعلام الغربي والصفوي والعميل في المنطقة العربية، فهل أجرى السيد محيي الدين عميمور تحقيقا حول هذه القضايا ليصل إلى هذه القناعة؟ ما تجنب قوله هو أنه لو سلمنا جدلا بأن العراق هو الذي بدأ الحرب، فمن جعلها تمتد لسنوات طويلة؟ هل هو الرئيس صدام حسين أم إيران؟ وكان يجب عليه أن يشير إلى تعاون إيران مع المركًب الصهيوني الأمريكي في احتلال العراق بشهادة حكامها. وكان أفضل له أيضا أن يذكر الدول التي ضل الاحتلال الأمريكي يقصف من أراضيها العراقيين لسنوات طويلة ثم ليمر عبرها لغزو بغداد وتقتيل مئات الآلاف بدون حجة أو سبب قانوني أو أخلاقي . هل كان العراق إذن محقا عندما استرد قصبة كاظمة وهي جزء لا يتجزأ تاريخيا من أراضيه؟ لقد أثبتت الأيام أنه كان محقا لأن الاحتلال الأمريكي مر عبرها دون مبرر يذكر، ولو كانت بيده لما وقعت المصيبة.
بالمقابل، ليس هناك من الناحية القانونية دليل واحد يدين الرئيس الشرعي للعراق صدام حسين، باستثناء أقوال أعدائه ومئات الآلاف من صفحات الحرب النفسية التي تشنها أمريكا وعملاؤها في المنطقة العربية. إنه برئ ما دامت لا توجد أية إدانة له من جهة نزيهة في نظر المواطنين العرب، باستثناء ما شذ من فئران الحروب النفسية التي تصدق كل ما تروجه الدعاية الأمريكية والصفوية والدعارة الإعلامية العربية العميلة. وأذكر السيد عميمور مع احترامي له بأن عددا كبيرا من الجزائريين ربما بالآلاف يحملون اسم الرئيس صدام حسين. ولا شك أن الجزائريين سمعوا بما يروجه خصيان الإعلام في سوق النخاسة الإعلامية، ولكنهم لا يصدقون .. فلقد تعودوا على عدم تصديق الجرائد ومحطات الإذاعة والتلفزيون… فهم يقولون عن الجريدة أنها تحمل قناطير الكذب ولا تحمل كيلوغراما واحدا من السمك أو السردين. أقول للسيد عميمور بأنني احترمه لأن الكرسي اللعين لم يفقده بعضا من شهامته، وبالمناسبة فإنني من نفس المنطقة ولا اختلف عن بقية الجزائريين وسكان المغرب العربي عموما في تقززنا وتأذينا من شماتة الساقطين الذين يتشفون في أسير عربي عند أكبر عدو للعرب والمسلمين.
لقد وقفت طويلا عند هذا الصنف من الناس، ولكن هناك صنف آخر من ضيوف الفضائيات وعددهم كبير جدا وهم لا يختلفون في شيء عن هؤلاء الكتبة الذين باعوا أنفسهم في سوق النخاسة الإعلامية بمائتي دولار للجيش الأمريكي في العراق، وهو ثمن ملابسهم أو أقل بكثير. أي الرأس الواحد يكلف مائتي دولار فقط، وهذا مدهش، لأنه يكاد ينافس السلع الصينية في وقتنا الراهن في الأسواق العربية. ولقد أصبح بعضهم بحكم المهنة ضيفا دائما لدى الفضائيات، وخاصة إذا كان يتقن لغة الأفعى، أي يلوي لسانه بالأكاذيب عن لخيرين في أمة العرب والمسلمين، وله أن يدعي ما يشاء. ويا حبذا لو قال أنه عراقي وأنه ضد المقاومة العراقية التي يسميها إرهابا وأنه ضد البعثيين والوهابيين وضد الرئيس صدام حسين…
وسوف ترتفع مكانته إذا تشدق بكلمات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالخصوص في فضائية مستقلة بالتجزئة ولها رأسان، رأس اسمه المستقلة، والرأس الآخر نما لها مؤخرا واسمه الديمقراطية، ومستواها عال وراق جدا وتترفع عن عامة الناس في الوطن العربي.
لقد ابتدعت لنا فضائية الرأسين هذه حوار الأديان والمذاهب على المباشر، ووصلت إلى درجة أن أثارت حفيظة الصفويين الجدد، وألبتهم عليها ونحن في عز المعركة مع المحتل الأمريكي. هل هذا وقت حوار المذاهب والطوائف أم وقت رص صفوف المواطنين العراقيين لتحرير أراضينا المغتصبة؟ لا ..بل إنه عصر الارتزاق والدعارة الإعلامية.
وشاهدنا الكثير من شذاذ الآفاق على الفضائيات… شاهدت مؤخرا أحدا منهم يكاد زيه العربي يفرمنه، ملامحه تدل أن لا علاقة له بالعرب، وأنه يعيش في عصر آخر، وأسهب في الحديث عن القانون الدولي والأمم المتحدة وفضائلها.. وصال وجال. وأكاد أجزم أنه كائن منقرض لم تحلله حرارة باطن الأرض وأنه خرج للتو من بئر بترول، ولو تحلل لكان وقودا مثاليا لدبابات الاحتلال الأمريكي. لقد كان في لون النفط، غريب الملامح، يكاد في كل لحظة يخر ساجدا لأمريكا.
إن بشرا مثل هؤلاء إن جاز القول عنهم أنهم بشر يتشفون في الأسرى ويتلذذون بالاحتلال البغيض ويسمونه تحريرا، ويتطاولون على سادتهم، لا يمكن أن يكونوا من عالم الثقلين. بل هم صنف جديد من الكائنات الممسوخة. ولست أدري …لست أدري من أين يخرج علينا بهم الإعلام العربي العميل؟ ويبدو أن أمريكا ابتدعت أساليب جديدة في تصنيع مثل هذه الكائنات الغريبة المقرفة في مخابرها. أحقادها غير طبيعية وتفوق كل تصور.. أوأنها صناعة للمال الحرام المنهوب من الأرض العربية والمشكل في الملاهي الليلية ودور القمار في الغرب.
إذا كان الإعلام العربي يقدم لشبابنا ولأطفالنا هذه الكائنات الشاذة الغريبة الأطوار ويسميها رأيا أو الرأي الآخر، فماذا ينتظر منا أن نقول له؟ هل نقول له أحسنت وأصبت فهذه الصورة المثالية لما يجب أن يكون عليه المواطن العربي أو الطفل العربي؟ هل يقبل العربي بأن يشوه الإعلام العربي صورته أمام نفسه، ويعيث فيها فسادا؟ هل يرضيه أن يقول له خصيان سوق النخاسة الإعلامية أنك مسخ وهو يؤمن بأن الله جميل يحب الجمال؟ هل يرضى المواطن العربي أن تشوه صورة البطولة والتضحية التي يعتز بها؟ والسؤال الأخير :أيهما أكثر تشويها لسمعة العربي وصورته، الإعلام الأمريكي الصهيوني أم الإعلامي العربي العميل؟
المواطن العربي محمد زيدان
شبكة البصرة
السبت 22 ذو القعدة 1426 / 24 كانون الاول 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس