lkhtabi
04-01-2006, 07:57 PM
حمدان حمدان
في كتابه المعنون ضد جميع الاعداء حرب امريكا علي الارهاب، فان السيد ريتشارد كلارك، مدير مكتب مكافحة الارهاب في البيت الابيض، والذي استقال مع خريف العام 2004، يعيد الفشل في محاربة الارهاب، الي اسباب ذاتية مصممة من حكومة بوش اليمينية، علي رأسها عدم استجابة الادارة لفهم ما هو الارهاب، وهذا طبيعي من حيث ان اساءة الفهم، بما فيه رفض اقامة تعريف قانوني واخلاقي للارهاب، انما يقع في قلب سياسة انتهازية مفتوحة، لمصلحة الاتهام لدول مارقة وراعية للارهاب من جهة، في حين يتم الصمت عن اعمال ارهابية صريحة، من دول اخري، وسوف نجد بأن الولايات المتحدة نفسها، ظلت تقدم المساعدات المالية واللوجستية والاستخباراتية، للعديد من عصابات القتل في امريكا الجنوبية، ولعصابات مماثلة في عوالم اخري، فيما هي تسبغ عليها، صفات الديمقراطية والحرية والليبرالية.
لا شيء يقع في سوء تفسير الارهاب، الا ما تأمله ادارة اليمين الامريكية، في القصد والتعمد، فالمسألة ليست احجية بذاتها تتطلب عصر الفكر في قواميس التعريفات والمصطلحات حتي الان، فمنذ قرون كانت الكولونياليات الاستعمارية، الهولندية والاسبانية ثم البريطانية.. تصف مقاومات الشعوب الوطنية، بأوصاف مشابهة (بربرية وغير متمدنة وعصابات اجرام) الي آخر المعزوفة، غير ان غالبية الشعوب التي كانت تقع تحت براثن الغزاة من المستعمرين، والتي كانت تحارب باستماتة من اجل التخلص من الوضع الاحتلالي الشاذ، انما كانت تلجأ الي موفور امكانياتها المتواضعة في القتال، وما من شك انها كانت اساليب بدائية، اذا ما قورنت بامكانيات المقابل الاستعماري، لكن الاهم هنا، يبقي في اسباب اندلاع القتال الذي لا يمكن ان يكون نظيفا حتي في المستويات النظرية، فالحرب كما يقول الغرب نفسه، هي الحرب، وهذا معناه في الجوهر، ان نصف القتلي او ما يزيد، يكونون من غير المحاربين، اي من المدنيين العزل، ولما كان الارهاب، هو الصفة الامثل، بعيون استعمارية تطلقها علي المقاومة، فان قتل المدنيين لا يذهب الي ارهاب الدولة، من حيث هو الافظع في التقتيل والتدمير، بل يذهب بكليته الي ما يسمي ظلما، بارهاب الافراد او الجماعات.. اليائسة والمتطرفة.
مع ذلك، فان احرارا امريكيين يقولون كلاما مخالفا، فالبروفسور وليم بولوك، مؤسس مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة شيكاغو، يقول في دراسته الاخيرة (نحو سياسة خارجية امريكية ناجحة)، ان هذا الشكل من الصراع الوطني قديم، ففي العراق يدور الصراع ضد احتلالنا، كذلك في فلسطين ضد المحتلين ـ المستوطنين الاسرائيليين، وهو في بلاد الشيشان ضد الروس.. وقد استخدم اسلافنا الارهاب في حرب العصابات الرئيسية، التي نسميها الثورة الامريكية ضد الاحتلال البريطاني، واستخدمه الاوروبيون ضد النازيين، والايرلنديون ضد الانكليز، والارمن ضد العثمانيين..
وحين كانت توافقنا مثل تلك الاعمال، فاننا نطلق عليها صفة القتال من اجل الحرية، اما حين لا توافقنا، فانه سرعان ما نسبغ صفة الارهاب عليها.. انها لا اخلاقية المكاييل في جميع القياسات).
ان تعدد زوايا النظر الاستراتيجية والسياسية في جسم المقاومة، هو من طبيعة الاشياء وليس شذوذا عليها، لكن الجامع الوحيد في تعددية المقاومة، هو مقاومة الاحتلال، وهذا بدوره يتطلب الوفاق والتنسيق، ضمن مروحة وطنية كاملة، لا تعرف الخلاف والشقاق، مهما كانت وجاهة الاسباب، فالخلافات في جسم المقاومة، اعظم هدية للاحتلال، وفي الاساس فان الاحتلال نفسه، هو من يعمل علي زرع الشقاق بين ابناء الصف الوطني المقاوم، ولعل في بدعة الدستور والانتخابات ورد السيادة، ما يعتبر بمثابة خطوات تمهيدية، لشق الصف العراقي المقاوم للاحتلال.
في هيكلية المقاومة العراقية اليوم، ما يشي بالتماثل مع مقاومات تاريخية للشعوب، اذ غالبا ما تنشأ مجموعات مقاتلة علي هامش المجموعة المبادرة للمقاومة، ورغم القلة العددية مع نقطة البدء، الا ان (بحر الشعب) كما يسميه ماوتسي تونغ، يزودها بالامدادات والمعلومات والتخفي.. فبحر الشعب هو ساحة التجنيد التي يستعاض منها، عن اولئك الذين استشهدوا او اسروا من المقاتلين، اما المجموعة الثالثة في رديف المقاومة، فهي تلك الجماعة من الناس التي ترغب ببساطة ان تترك لشأنها في تسيير شؤون حياتها، بعيدا عن الانخراط في فعالية قد تجلب الهلاك لاصحابها.. الا ان سياسات الاحتلال، (ابو غريب، اغتصاب النساء، الاساءة للقرآن..) يمكن ان تدفع بالكثرة الكاثرة من مجموعة الحياد هذه، الي الاندفاع وراء المقاومة، ثم لينضم قسم منها الي اسماك البحر المقــاتلة، فيما تصبح البقية المتثاقلة من هذه المجموعة، في عداد ضحايا السلبية المجانية بصورة عامة.
علي الضفة المقابلة في الوضع الاحتلالي، فان مجموعتين رئيسيتين، تقفان مع الاحتلال وضد المقاومة، الا انهما ليستا من نسيج واحد، رغم انهما يصبان في استهداف واحد، فالمجموعة الاولي، تمثل الموالاة للاحتلال، تحت شتي الذرائع الهابطة، من طلب الديمقراطية وسيادة القانون، علما بان قانون الغاب، هو السيد الوحيد في ظل احتلال العراق اليوم، ومثل هذه المجموعة، كانت تكتسب اوصاف (الموالين) للاستعمار البريطاني اثناء الثورة الامريكية، وفي الجزائر كانوا يسمون (بكلاب المستوطنين الفرنسيين)، وفي فلسطين (مستعربي قطعان المستوطنين الاسرائيليين)، وفي فيتنام (عملاء الطغمة الامريكية).
وفي هذا ما يكفي للوصف والتوصيف، لعمالة عراقية مرتهنة لواقع احتلالي امريكي، سواء كانت لجهة واشنطن او لجهة طهران، طالما ان الموقف هو ذاته مع الاحتلال، وان استهداف العراق، هو مصلحة خارجية في النهاية.
ثم يأتي الدور الموضوعي، للعنصر الاجرامي ـ الانتهازي الذي يتاح له المجال نتيجة انهيار النظام العام، وهو موجود في كل تواريخ الشعوب، لكن عدم ظهوره جليا، انما يعود الي رغبة الشعوب في اخفاء المشهد الخلفي لمرحلة الفوضي المتسببة بفعل الاحتلال وتدمير نظام الامن في الدولة الواقعة تحت هيمنة الاحتلال، ومثل هذه العصابات الارهابية، موجودة في تواريخ الحرب والسلام في المجتمعات البشرية، الا ان نشاطها يزداد مع وقوع الاحتلال، وفي هذه المناسبة، فانه بالامكان، استرجاع مشاهد ارهابية متشابكة مع اعمال مقاومة وطنية، حين كان ثوار الارمن يسرقون البنوك في استامبول، والجيش الجمهوري الايرلندي، يفعل الشيء نفسه في ايرلندا، فيما تلعب تجارة المخدرات دورا فاعلا في ثورات الشعوب في كولومبيا وافغانستان والشيشان.
ويبقي الفرق قائما في التأويل، فالارهاب بجوهر تعريفه، لا يمكنه ان يكون الا في انانية استمرار الحياة والبقاء، لا الموت، وقد تعلمنا ان الارهاب يكون علي يد عصابات او افراد، طامعين بثروات غيرهم دون وجه حق، وهم علي استعداد للقتل، من اجل فدية حرام، او لسرقة مال حرام، او تهريب مواد (اسلحة، مخدرات، اموال عصابات..) تعمل علي هلاك الانسان وموته، وبايجاز فان الارهاب ينشأ من دوافع مجتمعية، فيما المقاومة تنشأ من دوافع سياسية، وفي الفارق، يكمن سلوك الانسان نفسه، ففيما الارهابي يؤثر الحياة علي الموت، طمعا بالعيش (الرغيد) جراء أكل المال الحرام، فان المقاوم يؤثر الاخرة علي الدنيا، في استحقاقات مطالب دين ووطن وكرامة، فهو لا يعيش لنفسه او حاضره، بل علي استعداد للموت في سبيل آخرين، بل ولمستقبل حريتهم وعزتهم في وطنهم.
ان هذه القيم، القادمة من جذور عميقة، تاريخية ومذهبية ووطنية، هي ما تتعمد الادارة الامريكية تجـــاهله، علما بانها كانت واقعة في التاريخ الامريكي، مع جورج واشنطن وابراهام لنكلن وودرو ويلسن.
مع دورة الجهل والتجاهل، من اسوأ ادارة عرفها تاريخ الادارات في الولايات المتحدة، ومع جرعة زائدة من العناد وركوب الرأس، فان صراع امريكا في العراق، تزداد عواقبه عمقا، فالصدام المطول لا بد ان يجلب المزيد من شعب امريكا الي ساحات الاعتصام والاحتجاج، فمع تجاوز الفي كفن باعلام امريكية، ومع تجاوز خمسة عشر الف اصابة في شباب امريكا اليافع، يزداد لهيب الحريق الذي بدأ الشعب الامريكي يشعر بآلامه، وها هي المقاومة تنتقل من المئات الي الالوف، ومنها الي عشرات الالوف، حيث ينهار الوضع تدريجيا، او ربما دفعة واحدة، حيث تتشابك مآسي الرئيس بوش (صاحب الحوارية مع الاب الاعلي)، من قتلي وجرحي، وعجوز ميزانيات وموازين، الي كاترينا ومشاكل الزنوج المستيقظة، الي سكوتر ليبي وكارل روف، الي تشيني نائب الرئيس او علي كاهله، الي جوزيف ويلسون والجلسات المغلقة في مجلس الشيوخ، الي هاري ريد والمطالبة باسترجاع شريط التضليل المتطاول في ذرائع الحرب علي العراق.
بالاستفاقة علي حرب العراق، لا تتم كرمي لعيون العراق، بقدر ما هي استهلالات توحي بخسارة القرن القطبي الامريكية كله، وبهذا المعني وفي سياقه، قال جنرال امريكا المتقاعد، ريتشارد مايرز كلاما مشابها، (ان خسارة الحرب في العراق، اشبه ما تكون بخسارة الحرب العالمية الثانية) ورغم المغالاة في القول، فان الصورة باتت شديدة الوضوح، فقناص بغداد، يقلق جيشا هو في عداد الجيوش الاولي في العالم، ووتائر المقاومة تتسارع في كل قصبة عراقية دون تمييز، والجندي الامريكي، ما زال يتساءل بكآبة، لماذا انا هنا؟ وعصبة الاحتلال جارية في عمليات النهب الاسرع، ونقل العائلات الي الخارج.
وعفوك سيدي الجنرال مايرز، انكم ستخسرون الرهان علي القرن، في العراق وليس في سواه.
ہ كاتب من فلسطين يقيم في دمشق
8
في كتابه المعنون ضد جميع الاعداء حرب امريكا علي الارهاب، فان السيد ريتشارد كلارك، مدير مكتب مكافحة الارهاب في البيت الابيض، والذي استقال مع خريف العام 2004، يعيد الفشل في محاربة الارهاب، الي اسباب ذاتية مصممة من حكومة بوش اليمينية، علي رأسها عدم استجابة الادارة لفهم ما هو الارهاب، وهذا طبيعي من حيث ان اساءة الفهم، بما فيه رفض اقامة تعريف قانوني واخلاقي للارهاب، انما يقع في قلب سياسة انتهازية مفتوحة، لمصلحة الاتهام لدول مارقة وراعية للارهاب من جهة، في حين يتم الصمت عن اعمال ارهابية صريحة، من دول اخري، وسوف نجد بأن الولايات المتحدة نفسها، ظلت تقدم المساعدات المالية واللوجستية والاستخباراتية، للعديد من عصابات القتل في امريكا الجنوبية، ولعصابات مماثلة في عوالم اخري، فيما هي تسبغ عليها، صفات الديمقراطية والحرية والليبرالية.
لا شيء يقع في سوء تفسير الارهاب، الا ما تأمله ادارة اليمين الامريكية، في القصد والتعمد، فالمسألة ليست احجية بذاتها تتطلب عصر الفكر في قواميس التعريفات والمصطلحات حتي الان، فمنذ قرون كانت الكولونياليات الاستعمارية، الهولندية والاسبانية ثم البريطانية.. تصف مقاومات الشعوب الوطنية، بأوصاف مشابهة (بربرية وغير متمدنة وعصابات اجرام) الي آخر المعزوفة، غير ان غالبية الشعوب التي كانت تقع تحت براثن الغزاة من المستعمرين، والتي كانت تحارب باستماتة من اجل التخلص من الوضع الاحتلالي الشاذ، انما كانت تلجأ الي موفور امكانياتها المتواضعة في القتال، وما من شك انها كانت اساليب بدائية، اذا ما قورنت بامكانيات المقابل الاستعماري، لكن الاهم هنا، يبقي في اسباب اندلاع القتال الذي لا يمكن ان يكون نظيفا حتي في المستويات النظرية، فالحرب كما يقول الغرب نفسه، هي الحرب، وهذا معناه في الجوهر، ان نصف القتلي او ما يزيد، يكونون من غير المحاربين، اي من المدنيين العزل، ولما كان الارهاب، هو الصفة الامثل، بعيون استعمارية تطلقها علي المقاومة، فان قتل المدنيين لا يذهب الي ارهاب الدولة، من حيث هو الافظع في التقتيل والتدمير، بل يذهب بكليته الي ما يسمي ظلما، بارهاب الافراد او الجماعات.. اليائسة والمتطرفة.
مع ذلك، فان احرارا امريكيين يقولون كلاما مخالفا، فالبروفسور وليم بولوك، مؤسس مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة شيكاغو، يقول في دراسته الاخيرة (نحو سياسة خارجية امريكية ناجحة)، ان هذا الشكل من الصراع الوطني قديم، ففي العراق يدور الصراع ضد احتلالنا، كذلك في فلسطين ضد المحتلين ـ المستوطنين الاسرائيليين، وهو في بلاد الشيشان ضد الروس.. وقد استخدم اسلافنا الارهاب في حرب العصابات الرئيسية، التي نسميها الثورة الامريكية ضد الاحتلال البريطاني، واستخدمه الاوروبيون ضد النازيين، والايرلنديون ضد الانكليز، والارمن ضد العثمانيين..
وحين كانت توافقنا مثل تلك الاعمال، فاننا نطلق عليها صفة القتال من اجل الحرية، اما حين لا توافقنا، فانه سرعان ما نسبغ صفة الارهاب عليها.. انها لا اخلاقية المكاييل في جميع القياسات).
ان تعدد زوايا النظر الاستراتيجية والسياسية في جسم المقاومة، هو من طبيعة الاشياء وليس شذوذا عليها، لكن الجامع الوحيد في تعددية المقاومة، هو مقاومة الاحتلال، وهذا بدوره يتطلب الوفاق والتنسيق، ضمن مروحة وطنية كاملة، لا تعرف الخلاف والشقاق، مهما كانت وجاهة الاسباب، فالخلافات في جسم المقاومة، اعظم هدية للاحتلال، وفي الاساس فان الاحتلال نفسه، هو من يعمل علي زرع الشقاق بين ابناء الصف الوطني المقاوم، ولعل في بدعة الدستور والانتخابات ورد السيادة، ما يعتبر بمثابة خطوات تمهيدية، لشق الصف العراقي المقاوم للاحتلال.
في هيكلية المقاومة العراقية اليوم، ما يشي بالتماثل مع مقاومات تاريخية للشعوب، اذ غالبا ما تنشأ مجموعات مقاتلة علي هامش المجموعة المبادرة للمقاومة، ورغم القلة العددية مع نقطة البدء، الا ان (بحر الشعب) كما يسميه ماوتسي تونغ، يزودها بالامدادات والمعلومات والتخفي.. فبحر الشعب هو ساحة التجنيد التي يستعاض منها، عن اولئك الذين استشهدوا او اسروا من المقاتلين، اما المجموعة الثالثة في رديف المقاومة، فهي تلك الجماعة من الناس التي ترغب ببساطة ان تترك لشأنها في تسيير شؤون حياتها، بعيدا عن الانخراط في فعالية قد تجلب الهلاك لاصحابها.. الا ان سياسات الاحتلال، (ابو غريب، اغتصاب النساء، الاساءة للقرآن..) يمكن ان تدفع بالكثرة الكاثرة من مجموعة الحياد هذه، الي الاندفاع وراء المقاومة، ثم لينضم قسم منها الي اسماك البحر المقــاتلة، فيما تصبح البقية المتثاقلة من هذه المجموعة، في عداد ضحايا السلبية المجانية بصورة عامة.
علي الضفة المقابلة في الوضع الاحتلالي، فان مجموعتين رئيسيتين، تقفان مع الاحتلال وضد المقاومة، الا انهما ليستا من نسيج واحد، رغم انهما يصبان في استهداف واحد، فالمجموعة الاولي، تمثل الموالاة للاحتلال، تحت شتي الذرائع الهابطة، من طلب الديمقراطية وسيادة القانون، علما بان قانون الغاب، هو السيد الوحيد في ظل احتلال العراق اليوم، ومثل هذه المجموعة، كانت تكتسب اوصاف (الموالين) للاستعمار البريطاني اثناء الثورة الامريكية، وفي الجزائر كانوا يسمون (بكلاب المستوطنين الفرنسيين)، وفي فلسطين (مستعربي قطعان المستوطنين الاسرائيليين)، وفي فيتنام (عملاء الطغمة الامريكية).
وفي هذا ما يكفي للوصف والتوصيف، لعمالة عراقية مرتهنة لواقع احتلالي امريكي، سواء كانت لجهة واشنطن او لجهة طهران، طالما ان الموقف هو ذاته مع الاحتلال، وان استهداف العراق، هو مصلحة خارجية في النهاية.
ثم يأتي الدور الموضوعي، للعنصر الاجرامي ـ الانتهازي الذي يتاح له المجال نتيجة انهيار النظام العام، وهو موجود في كل تواريخ الشعوب، لكن عدم ظهوره جليا، انما يعود الي رغبة الشعوب في اخفاء المشهد الخلفي لمرحلة الفوضي المتسببة بفعل الاحتلال وتدمير نظام الامن في الدولة الواقعة تحت هيمنة الاحتلال، ومثل هذه العصابات الارهابية، موجودة في تواريخ الحرب والسلام في المجتمعات البشرية، الا ان نشاطها يزداد مع وقوع الاحتلال، وفي هذه المناسبة، فانه بالامكان، استرجاع مشاهد ارهابية متشابكة مع اعمال مقاومة وطنية، حين كان ثوار الارمن يسرقون البنوك في استامبول، والجيش الجمهوري الايرلندي، يفعل الشيء نفسه في ايرلندا، فيما تلعب تجارة المخدرات دورا فاعلا في ثورات الشعوب في كولومبيا وافغانستان والشيشان.
ويبقي الفرق قائما في التأويل، فالارهاب بجوهر تعريفه، لا يمكنه ان يكون الا في انانية استمرار الحياة والبقاء، لا الموت، وقد تعلمنا ان الارهاب يكون علي يد عصابات او افراد، طامعين بثروات غيرهم دون وجه حق، وهم علي استعداد للقتل، من اجل فدية حرام، او لسرقة مال حرام، او تهريب مواد (اسلحة، مخدرات، اموال عصابات..) تعمل علي هلاك الانسان وموته، وبايجاز فان الارهاب ينشأ من دوافع مجتمعية، فيما المقاومة تنشأ من دوافع سياسية، وفي الفارق، يكمن سلوك الانسان نفسه، ففيما الارهابي يؤثر الحياة علي الموت، طمعا بالعيش (الرغيد) جراء أكل المال الحرام، فان المقاوم يؤثر الاخرة علي الدنيا، في استحقاقات مطالب دين ووطن وكرامة، فهو لا يعيش لنفسه او حاضره، بل علي استعداد للموت في سبيل آخرين، بل ولمستقبل حريتهم وعزتهم في وطنهم.
ان هذه القيم، القادمة من جذور عميقة، تاريخية ومذهبية ووطنية، هي ما تتعمد الادارة الامريكية تجـــاهله، علما بانها كانت واقعة في التاريخ الامريكي، مع جورج واشنطن وابراهام لنكلن وودرو ويلسن.
مع دورة الجهل والتجاهل، من اسوأ ادارة عرفها تاريخ الادارات في الولايات المتحدة، ومع جرعة زائدة من العناد وركوب الرأس، فان صراع امريكا في العراق، تزداد عواقبه عمقا، فالصدام المطول لا بد ان يجلب المزيد من شعب امريكا الي ساحات الاعتصام والاحتجاج، فمع تجاوز الفي كفن باعلام امريكية، ومع تجاوز خمسة عشر الف اصابة في شباب امريكا اليافع، يزداد لهيب الحريق الذي بدأ الشعب الامريكي يشعر بآلامه، وها هي المقاومة تنتقل من المئات الي الالوف، ومنها الي عشرات الالوف، حيث ينهار الوضع تدريجيا، او ربما دفعة واحدة، حيث تتشابك مآسي الرئيس بوش (صاحب الحوارية مع الاب الاعلي)، من قتلي وجرحي، وعجوز ميزانيات وموازين، الي كاترينا ومشاكل الزنوج المستيقظة، الي سكوتر ليبي وكارل روف، الي تشيني نائب الرئيس او علي كاهله، الي جوزيف ويلسون والجلسات المغلقة في مجلس الشيوخ، الي هاري ريد والمطالبة باسترجاع شريط التضليل المتطاول في ذرائع الحرب علي العراق.
بالاستفاقة علي حرب العراق، لا تتم كرمي لعيون العراق، بقدر ما هي استهلالات توحي بخسارة القرن القطبي الامريكية كله، وبهذا المعني وفي سياقه، قال جنرال امريكا المتقاعد، ريتشارد مايرز كلاما مشابها، (ان خسارة الحرب في العراق، اشبه ما تكون بخسارة الحرب العالمية الثانية) ورغم المغالاة في القول، فان الصورة باتت شديدة الوضوح، فقناص بغداد، يقلق جيشا هو في عداد الجيوش الاولي في العالم، ووتائر المقاومة تتسارع في كل قصبة عراقية دون تمييز، والجندي الامريكي، ما زال يتساءل بكآبة، لماذا انا هنا؟ وعصبة الاحتلال جارية في عمليات النهب الاسرع، ونقل العائلات الي الخارج.
وعفوك سيدي الجنرال مايرز، انكم ستخسرون الرهان علي القرن، في العراق وليس في سواه.
ہ كاتب من فلسطين يقيم في دمشق
8