المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طلقة في الفراغ



منصور بالله
03-01-2006, 03:35 PM
طلقة في الفراغ

ناهض حتر



سواء أقبلت دمشق ام رفضت طلب لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري, مقابلة الرئيس السوري بشار الاسد, أي, عمليا, »التحقيق« معه. فالنتيجة واحدة. فاخراج شهادة عبد الحليم خدام من الجراب الامبريالي, ليس مصادفة, بل بداية العد العكسي للتصعيد ضد سورية.

»شهد« خدام, صراحة, بأنه علم من الاسد, شخصيا, أن الاخير أسمع الحريري, »كلاما قاسيا« مفاده انه »سيسحق« كل من يعارض القرار السوري في لبنان, ولا توجد, بالطبع, قيمة موضوعية لهذه الشهادة, اذ لا يوجد لها سند او اثبات, سوى »ضمير« خدام, والذي تدل المعطيات على انه باعه منذ زمان طويل حين تآمر على دفن نفايات نووية في الصحراء السورية لقاء عمولات. كذلك, فان حالة الخصومة السياسية المستجدة بين »الشاهد« وبين النظام السوري, تغرق شهادته بشبهة التسييس.

ومع ذلك, فانه من الصعب تجاهل مكانة خدام السابقة في النظام السوري, ما يجعل لشهادته, قيمة ما..

سوف يصدر, اذن, تقرير »اللجنة«, وهو يدين سورية على اعلى مستوى, خصوصاً وان خدام اغلق الباب امام التسويات المحتملة, حين قال ان اي جهاز امني سوري لا يستطيع قتل الحريري من دون قرار سياسي..

اذا لم يستجب الاسد, سيقال بأن سورية لم تتعاون, واذا استجاب, فلسوف يعتبر متهما, وفي الحالتين, سوف يدفع التحالف الامريكي - الفرنسي, باتجاه اصدار قرار دولي بفرض عقوبات على سورية, تنشئ سياقا سياسيا - وربما عسكريا- يهدف الى اسقاط النظام السوري, وتفكيك البلد على اسس طائفية في تكرار جوهري للأنموذج العراقي ... وفي اطار التوجه الامريكي لاعادة تركيب المعادلات الطائفية في الهلال الخصيب »تشييع العراق وتسنين سورية, تحت الهيمنة الامريكية«.

سوى ان هذا التطور الدراماتيكي لن يغير شيئا جوهريا في موازين القوى الداخلية والاقليمية والدولية بالنسبة لسورية:

- فالشعب السوري, على الرغم من شعوره بالاختناق جراء سياسات الفساد والاستبداد ليس ميالا لتغيير يأتي من الخارج, ليس فحسب بسبب تقاليد المعارضة الوطنية, ولكن, ايضا, لان انموذج التغيير الذي صنعه الامريكيون في العراق, مرعب الى درجة ان السوريين مستعدون للصبر طويلا على ان يقعوا في المصيدة العراقية ذاتها.

لقد فقد المشروع الامريكي »وهجه«, وتمزقت اثوابه, وخسر كل اوراق التوت في العراق. ولذلك, لم يعد قابلا للتصدير الى بلد عربي اخر.

على الصعيد الاقليمي, تستمر المقاومة العراقية, وتتصاعد, وتطرح على جدول اعمال الامريكيين انسحابا عاجلا وفوريا من العراق. وبكل الاحوال, فليست الادارة الامريكية في وضع يسمح لها بشن حرب اخرى في الشرق الاوسط, لا من حيث القدرة العسكرية, ولا من حيث القدرة على تأمين الدعم الكافي داخل الولايات المتحدة.

حلفاء سورية في لبنان, ما زالوا موجودين, واكثر صراحة في الدفاع عن الحليف السوري. ولهؤلاء من الثقل والحضور والتسليح - ما يجعل السياسة اللبنانية مشلولة فعلا.

على المستوى الدولي, هناك بالاضافة الى اشكال الدعم المختلفة من ايران, الحليف الاقليمي الذي اظهر, حتى الآن, اصرارا واضحا على حماية سورية من العقوبات والعدوان في قرار دولي, بينما لن تستطيع واشنطن ان تذهب الى الحرب, وحدها, هذه المرة.

طلقة خدام مدوية ومزعجة, لكنها ستنتهي الى الفراغ. اما نقطة الضعف الجوهرية, لدى السوريين, فانها تظل تكمن في الجبهة الداخلية, حيث انصار الاستعمار مزروعون في مفاصل الحكم, والمناضلون في السجون