منصور بالله
21-12-2005, 01:27 PM
مشهد فلسطيني مؤسف
2005/12/21
عبد الباري عطوان
يبدو المشهد الفلسطيني مثيراً للاحباط بكل المقاييس، تسوده البلبلة والفراغ القيادي، والفوضي التنظيمية والأمنية، واتساع دائرة البلطجة السياسية علي جميع المستويات من القمة الي القاعدة.
السلطة الفلسطينية ضعيفة، منهارة، فاسدة، ورئيسها بات فاقد الهيبة، غير قادر علي ممارسة مهامه، ولا يحمل أي مشروع او رؤية للمستقبل، وحزب السلطة الحاكم بات برأسين، وقائمتين انتخابيتين، وتشظي الي عدة منظمات غير منضبطة علي الارض، تتنافس فيما بينها، ويحتل بعضها مقار السلطة في وضح النهار.
ومن المفارقة ان هذا الوضع البائس يأتي قبل بضعة اسابيع من اجراء انتخابات تشريعية تعتبر الأهم في الحياة السياسية الفلسطينية لأنها من المفترض ان تشكل نموذجاً للديمقراطية الفلسطينية.
الرئيس الامريكي جورج بوش يلتزم صمت القبور تجاه الانتخابات المقبلة هذه، لأن نتائجها لن تأتي علي الشكل الذي يريده ويتطلع اليه، كما ان اتصالاته مع رئيس السلطة، التي كانت مكثفة في مطلع هذا العام، انقطعت، ولا يوجد ما يشير الي انها ستستأنف قريباً.
الانتخابات الفلسطينية المقبلة لا يريدها أحد، باستثناء حركة حماس لأنها واثقة من الفوز بالنصيب الأكبر من مقاعد المجلس التشريعي، تماماً مثلما فعلت في الانتخابات البلدية الاخيرة. ولهذا بدأت الضغوط تتصاعد لتأجيلها او الغائها.
فليس صدفة ان يهدد خافيير سولانا الممثل الاوروبي الأعلي للسياسة الخارجية باعادة النظر في المساعدات المالية الاوروبية للسلطة الفلسطينية في حال فازت حماس في الانتخابات، ولم تقبل التخلي عن العنف.
ومن المؤسف ان هذه التهديدات لم تواجه بشكل احتجاجي قوي من جانب السلطة ورئيسها، باعتبارها تشكل تدخلاً في شؤون البيت الفلسطيني، وتحاول ان تفرض نوعاً من الديمقراطية مفصلاً علي مقاس الاحتلال الاسرائيلي ومواقفه.
السيد سولانا، وكل المبعوثين الاوروبيين الآخرين طالما تغنوا بالدولة العبرية باعتبارها الديمقراطية الوحيدة الحقيقية في المنطقة، ولكن عندما يحاول الفلسطينيون ان يحاكوا هذا النموذج، يتدخل هؤلاء لتزوير ارادة الشعب الفلسطيني، وحرف اختياراته من خلال التهديد بالتجويع والحصار.
الاوروبيون الذين يمثلهم السيد سولانا لم يتدخلوا مطلقاً لمنع الاحزاب العنصرية اليهودية المتطرفة من المشاركة في الانتخابات الاسرائيلية، ولم يعترضوا علي دخول الحاخام عفاديا يوسف وكتلته الكنيست الاسرائيلي وهو الذي وصف العرب بالحشرات التي يجب سحقها، او العنصري الآخر زئيفي الذي يطالب حزبه بطرد جميع العرب من الدولة العبرية.
فاذا كانت حماس مذنبة في نظر الاوروبيين لأنها تتمسك بخيار المقاومة، ومتهمة في الوقت نفسه بالعمل علي تدمير اسرائيل، وهي تهم غير دقيقة وتحتاج الي اثبات عملي، فان اسرائيل تمارس فعلاً تدمير دولة فلسطين، التي نصت عليها خريطة الطريق ، من خلال بناء السور العنصري، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وحول القدس وداخلها، وتشديد الحصار الخانق علي الاقتصاد الفلسطيني، فهل نطمع بتدخلات اوروبية وعقوبات ضد الدولة العبرية بسبب هذه الانتهاكات الفاضحة للقانون الدولي؟
الانتخابات تحت الاحتلال غير شرعية، وتحسن وجه الدولة العبرية في مخيلة الكثيرين، لأنها تصورها دولة ديمقراطية رحيمة علي من تحتلهم، وتبرز الفلسطينيين علي انهم جهلة متخلفون متناحرون ليسوا اهلاً بالهبة الديمقراطية الممنوحة اليهم. ولكن طالما ان هذه الانتخابات ستعقد، ونحن نشك في ذلك، فان من حق جميع ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل المشاركة فيها، انتخاباً وترشيحاً، وعلي المجتمع الدولي احترام الخيار الفلسطيني ايا كانت النتائج.
حركة حماس اكتسحت الانتخابات البلدية، ومن المتوقع ان تواصل انتصاراتها في الانتخابات التشريعية لأنها تتمسك بخيار المقاومة، وتقدم خياراً سياسياً بديلاً لسلطة فاسدة، تضم رموزاً تتعاون في وضح النهار مع مخططات اسرائيلية ـ امريكية تريد اسقاط حق العودة والتنازل عن القدس.
اختلفنا ونختلف مع الكثير من طروحات السيد محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة، ولكننا نقر بأن الرجل يواجه كل هذه المشاكل والانشقاقات، ليس لأنه يمثل الحرس القديم، وانما لرفضه اعلان الحرب علي حركات المقاومة ونزع اسلحتها. فهو يدرك ان الاقدام علي هذه الخطوة يعني اشعال فتيل الحرب الاهلية واغراق الفلسطينيين في بحر من الدماء.
شباب فتح الحقيقيون هم اولئك الذين يقاومون الاحتلال، ويتصدون للتوغلات الاسرائيلية باجسادهم الطاهرة، ولا يعرفون السيارات الفارهة ولا ربطات العنق، وبطاقات V.i.p، ويتسللون عبر الحدود والحواجز لتنفيذ العملـــيات الفدائية ضد الاحتلال وتجمعاته، ولا يظهرون علي شاشات التلفزة، وان ظهـــروا فملثمــين لاخفاء هويتهم.
شهر كانون الثاني (يناير) المقبل سيكون احد ابرز المفاصل الخطيرة في حياة الشعب الفلسطيني، لأنه سيؤرخ لحدثين مهمين، الاول انتهاء الهدنة التي اتفقت عليها الفصائل الفلسطينية المسلحة مع رئيس السلطة وبرعاية مصرية، ونتيجة حوارات مطولة، والثاني هو الانتخابات التشريعية التي من المفترض ان تعقد في الخامس والعشرين منه.
الحدثان مترابطان، فاجراء انتخابات نظيفة سيعني سيطرة حركة حماس ، وشرفاء حركة فتح ، والمستقلون علي معظم مقاعد المجلس التشريعي المقبل، الأمر الذي يعني اختيار حكومة وطنية تتمسك بالثوابت، وتقضي علي الفساد وتقدم رموزه للمحاكمة.
أما عدم اجراء الانتخابات فسيؤدي حتماً الي انهاء اتفاق التهدئة، وتحرر حركتي حماس و الجهاد الاسلامي والفصائل الاخري منه، وعودة الانتفاضة بشقيها السلمي والمسلح. وهذا هو الاحتمال الأرجح حسب المعطيات الحالية علي الارض.
لا نعرف ما هو الخيار النهائي للسيد عباس، ولكن أي خيار آخر يقدم عليه غير المضي قدماً في اجراء انتخابات تشريعية نزيهة و حرة فعلاً، سيعني نهايته ونهاية السلطة، وقد يكون ذلك في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته علي المدي البعيد
2005/12/21
عبد الباري عطوان
يبدو المشهد الفلسطيني مثيراً للاحباط بكل المقاييس، تسوده البلبلة والفراغ القيادي، والفوضي التنظيمية والأمنية، واتساع دائرة البلطجة السياسية علي جميع المستويات من القمة الي القاعدة.
السلطة الفلسطينية ضعيفة، منهارة، فاسدة، ورئيسها بات فاقد الهيبة، غير قادر علي ممارسة مهامه، ولا يحمل أي مشروع او رؤية للمستقبل، وحزب السلطة الحاكم بات برأسين، وقائمتين انتخابيتين، وتشظي الي عدة منظمات غير منضبطة علي الارض، تتنافس فيما بينها، ويحتل بعضها مقار السلطة في وضح النهار.
ومن المفارقة ان هذا الوضع البائس يأتي قبل بضعة اسابيع من اجراء انتخابات تشريعية تعتبر الأهم في الحياة السياسية الفلسطينية لأنها من المفترض ان تشكل نموذجاً للديمقراطية الفلسطينية.
الرئيس الامريكي جورج بوش يلتزم صمت القبور تجاه الانتخابات المقبلة هذه، لأن نتائجها لن تأتي علي الشكل الذي يريده ويتطلع اليه، كما ان اتصالاته مع رئيس السلطة، التي كانت مكثفة في مطلع هذا العام، انقطعت، ولا يوجد ما يشير الي انها ستستأنف قريباً.
الانتخابات الفلسطينية المقبلة لا يريدها أحد، باستثناء حركة حماس لأنها واثقة من الفوز بالنصيب الأكبر من مقاعد المجلس التشريعي، تماماً مثلما فعلت في الانتخابات البلدية الاخيرة. ولهذا بدأت الضغوط تتصاعد لتأجيلها او الغائها.
فليس صدفة ان يهدد خافيير سولانا الممثل الاوروبي الأعلي للسياسة الخارجية باعادة النظر في المساعدات المالية الاوروبية للسلطة الفلسطينية في حال فازت حماس في الانتخابات، ولم تقبل التخلي عن العنف.
ومن المؤسف ان هذه التهديدات لم تواجه بشكل احتجاجي قوي من جانب السلطة ورئيسها، باعتبارها تشكل تدخلاً في شؤون البيت الفلسطيني، وتحاول ان تفرض نوعاً من الديمقراطية مفصلاً علي مقاس الاحتلال الاسرائيلي ومواقفه.
السيد سولانا، وكل المبعوثين الاوروبيين الآخرين طالما تغنوا بالدولة العبرية باعتبارها الديمقراطية الوحيدة الحقيقية في المنطقة، ولكن عندما يحاول الفلسطينيون ان يحاكوا هذا النموذج، يتدخل هؤلاء لتزوير ارادة الشعب الفلسطيني، وحرف اختياراته من خلال التهديد بالتجويع والحصار.
الاوروبيون الذين يمثلهم السيد سولانا لم يتدخلوا مطلقاً لمنع الاحزاب العنصرية اليهودية المتطرفة من المشاركة في الانتخابات الاسرائيلية، ولم يعترضوا علي دخول الحاخام عفاديا يوسف وكتلته الكنيست الاسرائيلي وهو الذي وصف العرب بالحشرات التي يجب سحقها، او العنصري الآخر زئيفي الذي يطالب حزبه بطرد جميع العرب من الدولة العبرية.
فاذا كانت حماس مذنبة في نظر الاوروبيين لأنها تتمسك بخيار المقاومة، ومتهمة في الوقت نفسه بالعمل علي تدمير اسرائيل، وهي تهم غير دقيقة وتحتاج الي اثبات عملي، فان اسرائيل تمارس فعلاً تدمير دولة فلسطين، التي نصت عليها خريطة الطريق ، من خلال بناء السور العنصري، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وحول القدس وداخلها، وتشديد الحصار الخانق علي الاقتصاد الفلسطيني، فهل نطمع بتدخلات اوروبية وعقوبات ضد الدولة العبرية بسبب هذه الانتهاكات الفاضحة للقانون الدولي؟
الانتخابات تحت الاحتلال غير شرعية، وتحسن وجه الدولة العبرية في مخيلة الكثيرين، لأنها تصورها دولة ديمقراطية رحيمة علي من تحتلهم، وتبرز الفلسطينيين علي انهم جهلة متخلفون متناحرون ليسوا اهلاً بالهبة الديمقراطية الممنوحة اليهم. ولكن طالما ان هذه الانتخابات ستعقد، ونحن نشك في ذلك، فان من حق جميع ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل المشاركة فيها، انتخاباً وترشيحاً، وعلي المجتمع الدولي احترام الخيار الفلسطيني ايا كانت النتائج.
حركة حماس اكتسحت الانتخابات البلدية، ومن المتوقع ان تواصل انتصاراتها في الانتخابات التشريعية لأنها تتمسك بخيار المقاومة، وتقدم خياراً سياسياً بديلاً لسلطة فاسدة، تضم رموزاً تتعاون في وضح النهار مع مخططات اسرائيلية ـ امريكية تريد اسقاط حق العودة والتنازل عن القدس.
اختلفنا ونختلف مع الكثير من طروحات السيد محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة، ولكننا نقر بأن الرجل يواجه كل هذه المشاكل والانشقاقات، ليس لأنه يمثل الحرس القديم، وانما لرفضه اعلان الحرب علي حركات المقاومة ونزع اسلحتها. فهو يدرك ان الاقدام علي هذه الخطوة يعني اشعال فتيل الحرب الاهلية واغراق الفلسطينيين في بحر من الدماء.
شباب فتح الحقيقيون هم اولئك الذين يقاومون الاحتلال، ويتصدون للتوغلات الاسرائيلية باجسادهم الطاهرة، ولا يعرفون السيارات الفارهة ولا ربطات العنق، وبطاقات V.i.p، ويتسللون عبر الحدود والحواجز لتنفيذ العملـــيات الفدائية ضد الاحتلال وتجمعاته، ولا يظهرون علي شاشات التلفزة، وان ظهـــروا فملثمــين لاخفاء هويتهم.
شهر كانون الثاني (يناير) المقبل سيكون احد ابرز المفاصل الخطيرة في حياة الشعب الفلسطيني، لأنه سيؤرخ لحدثين مهمين، الاول انتهاء الهدنة التي اتفقت عليها الفصائل الفلسطينية المسلحة مع رئيس السلطة وبرعاية مصرية، ونتيجة حوارات مطولة، والثاني هو الانتخابات التشريعية التي من المفترض ان تعقد في الخامس والعشرين منه.
الحدثان مترابطان، فاجراء انتخابات نظيفة سيعني سيطرة حركة حماس ، وشرفاء حركة فتح ، والمستقلون علي معظم مقاعد المجلس التشريعي المقبل، الأمر الذي يعني اختيار حكومة وطنية تتمسك بالثوابت، وتقضي علي الفساد وتقدم رموزه للمحاكمة.
أما عدم اجراء الانتخابات فسيؤدي حتماً الي انهاء اتفاق التهدئة، وتحرر حركتي حماس و الجهاد الاسلامي والفصائل الاخري منه، وعودة الانتفاضة بشقيها السلمي والمسلح. وهذا هو الاحتمال الأرجح حسب المعطيات الحالية علي الارض.
لا نعرف ما هو الخيار النهائي للسيد عباس، ولكن أي خيار آخر يقدم عليه غير المضي قدماً في اجراء انتخابات تشريعية نزيهة و حرة فعلاً، سيعني نهايته ونهاية السلطة، وقد يكون ذلك في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته علي المدي البعيد