المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقفاص الطيور الفارغة



منصور بالله
10-12-2005, 02:55 PM
أقفاص الطيور الفارغة



بقلم : محمود شنب

mahmoudshanap@yahoo.com

mahmoudshanap@hotmail.com



أتى الحزب الحاكم فى المرحلة الأخيرة من انتخابات مجلس الشعب المصرى بأفعال معيبة ومشينة وفاضحة يحاسب عليها القانون الذى وضعوه بأنفسهم ، علمًا بأن التزوير كان قد واكب كل مراحل الانتخابات السابقة ، لكنه فى هذه المرة فاق كل حدود التصور والتوقع ، وحدث بصورة إجرامية ودون مواربة أو استحياء فوقف الشعب ما بين أعمال بلطجة منفلتة يقف خلفها نظام فاسد ومستبد ، وما بين قوات أمن تمنعه من الإدلاء بصوته فيأذن القضاه للشعب بتسلق الأسوار والصعود إلى اللجان عبر سلالم خشبية للإدلاء بأصواتهم بعد أن شاهدوا المهازل بأنفسهم من نظام لم يعد يستحى من فعل أى شئ دون أدنى حياء !!

لقد رأى الحزب الوطنى ـ أو الوثنى ـ أن التزوير أسهل من الإصلاح وأن الغش أسهل بكثير من العمل على كسب ثقة الشعب من خلال تعديل أموره المعوجة ، وهذا يذكرنا بالطالب الفاشل الذى يستسهل الغش على كل ما سواه ، ويعتمد عليه دون المذاكرة والاجتهاد والتحصيل حتى لو أرهق نفسه فى وسائل الغش وأساليبه وبذل من الجهد ما يفوق جهد المذاكرة وإتباع الطرق السليمة التى تؤدى إلى النجاح .

إن الحزب الوثنى لا يجد نفسه إلا من خلال البلطجة والغش والتسلق والتزوير ، وما حدث فى المرحلة الثالثة والأخيرة كان أمرًا خطيرًا بعدما أعلن الحزب عن نفسه بكل وضوح وقلع برقع الحياء وشمر عن سواعد الإجرام وأعلنها صريحة : إما قاتل أو مقتول ... فراح يطفئ أنوار الأمل بكراسى الأمن ويطفئ مصابيح الكرامة بأعمال البلطجة التى أهدرت كرامة شعب صبر كثيرًا على أعمال النهب والسلب والتدليس التى يمارسها أعضاء هذا الحزب الفاشى .

لقد شاهد العالم كله صورة غير حضارية عن مصر نقلها له نظام لا يستحق إلا الشنق والوقوف عليه بالأقدام ، وفى غمرة هذه الوقائع والأحداث تساءل الجميع : أين مبارك من كل ما يحدث ؟!! ... إنه يشاهد ما نشاهده ولديه من المعلومات أكثر مما لدينا ، ولا يفسر هذا الصمت المخزى والغير مبرر إلا مشاركة مبارك الضمنية فى كل ما يحدث من أعمال بلطجة وتزوير بعد أن أخذ من أسياده فى أمريكا الضوء الأخضر بعدما أرعبهم من خطورة الزحف الشعبى تحت نهج الإسلام ، وبمجرد أن أغمضت أمريكا عيونها عما يحدث فعل هو ونظامه كل ما يحلو لهم من أعمال عربدة وبلطجة يستحى "العربجية" من فعلها .

لقد شعر الشعب المصرى بأن بلاده ليس لها حاكم ، وبأن من يريد أن يفعل شيئـًا يفعله دون خوف من قانون أو دستور ، وبالمناسبة وتعبيرًا عن الإنفلات الحادث فى كل نواحى الحياة فى مصر أعرض لكم إعلانـًا نشرته بعض الصحف الصومية ـ هذا الإعلان يعبر بكل صدق عما آلت إليه أحوالنا فى عهد مبارك والحزب الوطنى .. يقول الإعلان : ( المستشار القانونى سعيد عبد الوهاب شحاته ونخبه من أكفأ الساده المستشارين واللواءات المحامين ... متخصصون للدفاع عنك حتى البراءة من جميع القضايا :

· القتل والمخدرات والتزوير والتزييف والسرقة والنصب .

· تنفيذ الأحكام وأحراز السلاح والقضايا العسكرية .

· الطلاق والخلع والنفقة والمتعة وضم الأولاد وقائمة المنقولات .

· توثيق زواج المصريين بالأجانب وإثبات الزواج .

· الشيكات وإيصالات الأمانة والسب والقذف والتهرب الضريبى . ) .

هذا الإعلان منشور بجريدة المساء المصرية الصادرة بتاريخ 9/11/2005 ، والإعلان بأسلوبه وهدفه لا يحتاج إلى مزيدًا من الشرح أو الإيضاح ، فهو يقول لك بمنتهى الثقة : إقتل .. إنهب .. إزنى .. إهرب من التجنيد .. إفعل كل ما يحلو لك وسنضمن لك البراءة من جميع القضايا !!

هذا الكلام خطير ويعد سابقة خطيرة فى حياة الأمم العظيمة ومؤشرًا حقيقيًا على قرب السقوط المدوى للمجتمع المصرى إن لم يتداركنا الله برحمته وإن لم نقصى هذا الحزب الوثنى ونبعده عن مقدرات الحياة فى مصر .

ياليتنا أمام حزب يفعل الخير ويفعل الشر ، وينحاز يومًا للشعب ويومًا للأعداء ، ويأخذ من ثروة البلاد ما يكفيه ثم يترك الباقى للشعب ... إننا نواجه حزب لا يفعل الخير أبدًا ولو على سبيل التمثيل وذلك بسبب الغباء السياسى الذى يتميز به كل أعضاء هذا الحزب الوثنى .. هذا الغباء الذى لم يترك عضوًا ولا قياديًا فى هذا الحزب إلا ووصمه بالعار والتخلف ، وكل ما يفعله الحزب الوثنى من أخطاء وتجاوزات يمهد الطريق لنجاح وتمكين حركات التغيير وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين .. إنه كمن يفرش الأرض بالورود والرمال لكل من يريد الإصلاح والتغيير ، وبنظرة سريعة على الساحة الإعلامية فى مصر نجد أنه كلما اشتدت الحملة الإعلامية على جماعة الإخوان والتى يقف ورائها أعضاء وقيادات الحزب الحاكم كلما أكسبت الحملة أرضًا جديدة لمن يريد التغيير وازداد تعاطف واندماج الشعب مع حركة الإخوان المسلمون حتى من قبل بعض الأقباط والمعتدلين .. كل يوم خلال الحملات الانتخابية يستضيف الإعلام المصرى العديد من الشواذ فكريًا والساقطين أدبيًا واللصوص والمرتشين ليسبوا الإخوان المسلمين ويحدثوننا فى أمور الدين .. هذه الممارسات الغير مسئولة جعلت الحزب الوطنى يتصادم دومًا مع مشاعر المسلمين فيخسر معاركه ويفقد مصداقيته دون أن يدرى .. إنه حزب لا يدافع عن أى فضيلة تجعل الشعب يتقرب منه ..

ماذا يضير النظام المصرى والحزب الحاكم لو ارتدت المذيعات الحجاب وظهرن به على الشاشة ؟!!

هل ستنقلب الدنيا ويفسد الإعلام وينهدم المعبد على رأس من فيه ؟!!

إنها أمور بسيطة لكنها تترك عظيم الآثر فى نفوس أبناء المجتمع .

ماذا لو علمنا أولادنا تاريخ أمتنا الصحيح بدلا من التاريخ الذى يكتبه لنا الأعداء ؟!!

ماذا لو علمناهم مكارم الأخلاق ولم نحارب فيهم التدين والإصلاح وكل المظاهر الإسلامية بما فيها اللحية والحجاب ؟!!

ما الذى يخيف النظام من الدعوة إلى الله ؟!!

وكيف يفضل الحزب الحاكم التهريج على الجدية ، والإنحراف عن الإستقامة ، والإباحية على الحياء ؟!!

لماذا تترك الدولة دومًا فعل الخيرات للجماعات الإسلامية ثم تحاسبهم على ذلك دون أن تفكر يومًا فى أن تزاحمهم فى الرحمة وفعل الخيرات وحسن إدارة الأزمات عند النكبات والكوارث حيث لا يجد الشعب المصرى فى كل مرة يتعرض فيها لمحنة غير جماعة الإخوان إلى جواره ، وعندها تتحرج الدولة من ذلك ، وبدلا من أن تستحى من تقاعسها وغفلتها وعدم مشاركتها الإخوان المسلمون فى التعاطف والتراحم ـ تسن القوانين التى تحظر جمع التبرعات وفعل الخيرات !!

ألا يُعد هذا غباء من الحزب الحاكم ؟!!

لماذا التضييق على بناء المساجد ووضع العراقيل المتواصلة فى هذا الشأن للدرجة التى طغى فيها النظام وتجاوز كل حدود العقل وناشد السلطات الكويتية عدم بناء المزيد من المساجد فى مصر ؟!!

أليس هذا غباء من الحزب الحاكم ؟!!

لماذا إغماض العين عن كل مظاهر التعرى والإنحلال التى سادت المجتمع والتستر على اللصوص والخونة وإسباغ الحماية عليهم وعلى ذويهم ؟!!

أليس هذا غباء من الحزب الحاكم ؟!!

يغفل السياسيون فى الحزب الوطنى عن فعل الخيرات أى كان نوعها ولو على سبيل التضليل وكسب ثقة الشعب ؟!!

ماذا لو سار جمال مبارك يومًا ضمن الحشود المطالبة بالتغيير ، وماذا لو أعلن فى أى منتدى أو مؤتمر صحفى موقفـًا مخالفـًا للنظام بشأن الحرب فى العراق وفلسطين ؟!!

ماذا لو انحاز شكلاً لجيش العاطلين وطالب بخلق فرص عمل حقيقية لهؤلاء الشباب البائسين ؟!!

ماذا لو طالب بالإفراج الفورى عن المعتقلين ؟!!

ماذا لو طالب بتحسين أوضاع العاملين ورعاية المرضى والمسنين ؟!!

أليست هذه الأمور كفيلة بتوريثه الحكم دون مشاكل وبمطلب من الشعب نفسه حتى وإن لم يستجب النظام لمطالبه الخاصة بالإصلاح ؟!!

ماذا لو بنى جمال مبارك على نفقته الخاصة أو نفقة والده ـ الذى يحكم البلاد منذ أكثر من ربع قرن ـ مستشفى لمعالجة سرطان الأطفال بدلاً من التسول عبر الفضائيات لمثل هذا العمل البسيط الذى يستطيع أى لص بالسلطة القيام به دون مساعدة من أحد ودون أن يهتز موقفه المالى ؟!!

ماذا ؟!!

وماذا ؟!!

وماذا ؟!!

أمور كثيرة وعديدة غفل عن فعلها من يريدون الإستمرار فى السلطة دون تجميل صورتهم فى أذهان الشعب وكسب رضاه وتأييده ..

إنه الغباء المحكم الذى أطبق على عيونهم وعقولهم وقلوبهم فصاروا لا يفكروا فى فعل الخير أبدًا ولو على سبيل السهو والخطأ .. إنهم يستنزفوا الشعب حتى آخر قطرة من دماء الغلابة والمساكين ولا شئ يجبرهم على تغيير سياستهم طالما لا توجد مقاومة شعبية فاعلة تجعلهم يعيدون حساباتهم وعلاقاتهم بالشعب ..

ما الذى يجبرهم على عمل الخير وتقديم أى نوع من أنواع الدعم الذى حتمًا سوف يستنزف جزءًا من أموالهم الحرام ؟!!

وحسنـًا ما فعلوا فالله طيب لا يقبل إلا الطيب ، والشعب المصرى نفسه طيب ولا يقبل إلا الطيب حتى لو أهلكته الحاجة وأضناه العوز والحرمان ..

فى إحدى خطبه يحكى لنا الشيخ عبد الحميد كشك ـ عليه رحمة الله ـ قصة أحد المبشرين الذين كانوا يجوبون مصر طولاً وعرضًا أيام الاحتلال البريطانى بغرض تنصير المسلمين من خلال حاجتهم للمال والعطايا فيقول : نزل هذا المبشر بأحد الأحياء الشعبية الفقيرة وطلب من مساعديه جمع أكبر عدد من الفقراء والمحتاجين ، وبعد أن وزع عليهم المال والهدايا وقف يخطب فيهم ويدعوهم للنصرانية لساعات طويلة ، وعندما تعب من الوقوف وتعبوا من الجلوس أعطاهم راحة ليستريحوا ويستريح ، وأثناء الاستراحة وقف رجل من أبناء البلد وبطريقة عفوية صاح وسط الجميع قائلاً "وحدوووه" وإذ بالجميع يردون عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله .

إنها العقيدة السلمية والفطرة النقية التى لا ينال منها مال ولا طعام ..

إن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب ، والشعب المصرى لديه رصيد إيمانى ضخم ولولا ذلك لضاعت معالمنا وتحقق هدف الأعداء فالكيد لهذا الشعب لم يتوقف يومًا واحدًا منذ دخوله الإسلام ... يموت المصرى البسيط هو وأولاده من الجوع والعوز ، لكنه لا يجبر فتياته على البغاء .. يصبر على كيد ونهب اللصوص ، لكنه يثأر لكرامته فى الوقت المناسب الذى يقدره الله ..

وإننا فى هذه الأيام الصعبة نواجه حزب يملك كل مقدرات الحياة فى مصر .. يدخل السجون الشرفاء أيام الانتخابات ويُخرج منها اللصوص والمسجلات آداب من أجل تنفيذ ما يطلب منهم من أعمال بلطجة واعتداء على الآمنين من أبناء الشعب .. هؤلاء المساجين لا يتورعوا عن فعل أى شئ يرضى السلطات .. لقد ألقوا بماء النار على وجوه المحجبات فى انتخابات الشرقية ، وتلفظوا عليهن بأفظع وأشد الألفاظ المعيبة التى لا يمكن ذكرها .. كانوا يجذبون من على رؤوسهن الأخمرة وأغطية الرأس وكانوا يحاولون شق ثياب المؤمنات الطاهرات من أجل ترويعهم ومنعهم من المشاركة فى الانتخابات ...

إننا نواجه حزب إجرامى وغبى ليس له هدف ولا نظرية ولا أوراق عمل تهدف لنشر العدل والخير بين الناس .. حزب هدفه الوحيد مساندة كل من يسقط من أعضاءه وتمكينه من الإفلات والهروب دون محاسبة أو مساءلة ..

يسقط كل يوم شيخ الأزهر بمواقفه الضالة والمضلة دون أن يجد من يقاومه ..

يتسافل كمال الشاذلى ويتطاول على أسياده الأشراف والعظماء من أبناء الأمة دون أن يجد من يردعه ويزجره ويحمله إلى أقرب صندوق للقمامة ..

يروج فاروق حسنى للشذوذ ويطبع على نفقة الدولة ما يسب الله ورسوله دون أن يجد من يضعه تحت الحذاء ـ المكان المناسب له ..

يجلب لنا يوسف والى الأمراض من كل حدب وصوب ويغتال صحة الشعب المصرى ونتركه يهنأ فى مملكته بالفيوم دون حساب أو عقاب ..

يقلب فتحى سرور الحق باطلاً والباطل حق ويزيف الحقائق والأحداث ويخضعها قسرًا لمفهوم القانون والدستور ولا يجد من يسقطه عن المنصة ..

يفتح صفوت الشريف كل منافذ البلاد لكل صنوف الدعارة الإعلامية بكل ما تحمله من قتل للإنتماء وتغييب للحياء ولا يجد من يبصق فى وجهه الذى صار مثل قفص الطيور الفارغ ..

حسنى مبارك نفسه يتخابر مع أمريكا ويمدها بأدق أسرار الدول الإسلامية ويمكنها من احتلال العراق وأفغانستان ويعترف بذلك ولا يستحى ولا يجد من يحاسبه أو يردعه ...!!

لقد استهان اللصوص بالشعب ووصلت إهانتهم فى الفترة الأخيرة إلى حدود غير محتملة ، فالانتخابات الأخيرة كانت الكاشفة والفاضحة حيث أظهرت عورات النظام كاملة ، ويجب ألا يلهينا فوز الإخوان المسلمون ببعض المقاعد عن مشاهدة الصورة كاملة وتحليل ما يحدث من تجاوزات خطيرة حدثت فى حق أبناء هذا الوطن المنكوب بنظامه وحكامه .

إن فلسفة الحزب الوثنى باتت واضحة فى شتى الأمور ، فكل ما يصبو ويهدف إليه يتمثل فى أمرين لا ثالث لهما : احتكار السلطة واحتقار الشعب ، وما الانتخابات الأخيرة إلا وصمة عار على جبين مبارك ونجله وحزبه الوثنى ، وسيكون للشعب المصرى موقفـًا مختلفـًا فى الفترة القادمة ـ أقل هذه المواقف سيتمثل فى المساندة الفعلية والفاعلة لكل حركات التغيير التى ظهرت أخيرًا على الساحة المصرية لكنها لم تجد حظها من الدعم الجماهيرى القادم لا محالة ... والله غالب على أمره ولو كره الكافرون .