lkhtabi
17-11-2005, 08:24 PM
شبكة البصرة
الدكتور غالب الفريجات
عسكرة المجتمع لا تعني ان جميع المواطنين تخضع لاحكام المؤسسة العسكرية النظامية ، بل اننا نعني خضوع المجتمع بكافة قرارات الدولة ومؤسساتها ، والمجتمع المدني وقراراته لادارة الاجهزة الامنية ، وهو ما يحصل في كل انظمة العالم الثالث ، والوطن العربي على وجه التحديد .
ان النظام السياسي العربي يعتمد اعتمادا مطلقا ، ليس لاستشارة الاجهزة الامنية فقط ، بل لقراراتها ، وبشكل خاص في الوظائف في الجهاز الحكومي ، وفي الانتخابات بكل مستوياتها المحلية والوطنية ، وانتخابات مؤسسات المجتمع المدني من نوادي وجمعيات واتحادات ونقابات مهنية ، واذا كانت هذه الانظمة تعيب على انظمة الحزب الواحد كأنظمة شمولية ، فهي تمارس الشمولية باسلوب الجهاز الامني ـ المخابرات ـ الذي يدس انفه حتى في الاستيراد والتصدير والترخيص لهذا المحل او ذاك .
هذا النوع من الممارسات الامنية يشمل موافقة الجهاز الامني على تعيين الوزير والعين ، والتدخل في الانتخابات لهذا المرشح او ذاك من اعضاء مجلس الشعب ، وعضو هيئة التدريس ورئيس الجامعة ، وحتى المراسل في دائرة حكومية ...الخ .
لن يكون في مقدور المجتمع ان يتطور اذا كانت المؤسسة الامنية تطوق عنقه ، وتتعمد ان يكون جميع الناس اما اعضاء عاملين او مخبرين ، ومن غير المعقول ان يكون عضو هذه المؤسسة اكثر وطنية وحرصا من بقية المواطنين ، كما لا يعقل ان يخضع تعيين الاستاذ الجامعي على سبيل المثال ، وهو من يحمل ارقى الدرجات العلمية لرغبة وهوى عضو المؤسسة الامنية ، الذي لا يرقى مستواه العلمي عن الشهادة الجامعية الاولى ، وان التقييم لن يكون من خلال الكفاءة العلمية والخبرات الاكاديمية والبحوث والدراسات ، اذ هذه هي المسؤولة عن مخرجات التعليم الجامعي ، الذي يأخذ بيد المجتمع نحو الرقي والتقدم ، ولهذا نرى تدني مستوى المخرجات الجامعية ، يضاف الى ذلك ان من يقود المؤسسات الاكاديمية ، يتم تقييمهم من خلال رأي المؤسسة الامنية الغالب على كل رأي .
المؤسسات الامنية هي مؤسسات وطنية انحرفت الانظمة بوظيفتها ، فبدلا من ان تكون في خدمة المجتمع ولحمايته اصبحت عبئا عليه ، ونخر جسدها الفساد ، ويخجل كل المنتسبين اليها ان يكشفوا وجوههم للناس ، وبشكل خاص بعد انتهاء مدة الخدمة ، مما يعني انهم في قرارة انفسهم يعلمون ان المجتمع لا يقبل بسلوكياتهم ، وفي كثير من الحالات يتنصلون مما قاموا به ، وتسمع من كل واحد فيهم الكلام المعهود ، انما انا عبد مأمور .
يا انظمة امتنا العربية المقهورة كفي عن ممارسة قتل الحياة في الناس ، وليكن الوطن ودستوره وقوانينه هي الحكم بينكم وبين الجماهير ، لان المجتمع المسلوب الارادة لن يكون الا كقطيع من الاغنام ، لن يحمي نفسه ولن يقوى على حمايتكم ، كما انه مجتمع غير قابل للابداع والانتاج ، رغم كل طبول الاعلام التي تدقونها حول التنمية والتقدم ، التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
الدستور والقانون هما المظلة التي يستظل بها كل مواطن ، والولاء لا يأت بالخوف ، بل بالامن والامان ، ومن يعتقد ان العصا الغليظة على رؤوس العباد ، والقيود الامنية في اياديهم ، ولجم الناس من خلال تقارير المخابرات والمخبرين ، والتضييق على الناس في حلهم وترحالهم ، سيخلق حالة الطمأنينة للنظام ، فانتم واهمون ، الم تقرأوا ما قيل في حق الفاروق عندما وجد نائما تحت الشجرة ، عدلت فأمنت ونمت يا عمر ؟ .
الم تعلموا ان الاعناق والارزاق من عند الله ، وانكم تسيرون لتكونو سببا واداة ، لتحل عليكم لعنة العباد ، فاتقوا الله في انفسكم وفي اوطانكم ومجتمعاتكم ، ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ، فاعملوا على تغيير انفسكم اولا ، حتى يغير الله احوال الناس جميعا الى احسن حال ، ومن اجل امتكم التي تكالبت عليهم جميع الامم ، فكونوا عونا لها لا عونا عليها .
المجتمعات لا تحكم بالحديد والنار ولا بالترويع والخوف ، وانما تحكم بالقانون الذي يخضع له الجميع بدون استثناء ، واما حكم الاجهزة الامنية القمعية فهو مفسدة للناس جميعا ، ووبال على الحاكمين والمحكومين ، ومن لا يرى غير ذلك فليتصفح تجارب التاريخ الحديث والقديم .
شبكة البصرة
الخميس 15 شوال 1426 / 17 تشرين الثاني 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
الدكتور غالب الفريجات
عسكرة المجتمع لا تعني ان جميع المواطنين تخضع لاحكام المؤسسة العسكرية النظامية ، بل اننا نعني خضوع المجتمع بكافة قرارات الدولة ومؤسساتها ، والمجتمع المدني وقراراته لادارة الاجهزة الامنية ، وهو ما يحصل في كل انظمة العالم الثالث ، والوطن العربي على وجه التحديد .
ان النظام السياسي العربي يعتمد اعتمادا مطلقا ، ليس لاستشارة الاجهزة الامنية فقط ، بل لقراراتها ، وبشكل خاص في الوظائف في الجهاز الحكومي ، وفي الانتخابات بكل مستوياتها المحلية والوطنية ، وانتخابات مؤسسات المجتمع المدني من نوادي وجمعيات واتحادات ونقابات مهنية ، واذا كانت هذه الانظمة تعيب على انظمة الحزب الواحد كأنظمة شمولية ، فهي تمارس الشمولية باسلوب الجهاز الامني ـ المخابرات ـ الذي يدس انفه حتى في الاستيراد والتصدير والترخيص لهذا المحل او ذاك .
هذا النوع من الممارسات الامنية يشمل موافقة الجهاز الامني على تعيين الوزير والعين ، والتدخل في الانتخابات لهذا المرشح او ذاك من اعضاء مجلس الشعب ، وعضو هيئة التدريس ورئيس الجامعة ، وحتى المراسل في دائرة حكومية ...الخ .
لن يكون في مقدور المجتمع ان يتطور اذا كانت المؤسسة الامنية تطوق عنقه ، وتتعمد ان يكون جميع الناس اما اعضاء عاملين او مخبرين ، ومن غير المعقول ان يكون عضو هذه المؤسسة اكثر وطنية وحرصا من بقية المواطنين ، كما لا يعقل ان يخضع تعيين الاستاذ الجامعي على سبيل المثال ، وهو من يحمل ارقى الدرجات العلمية لرغبة وهوى عضو المؤسسة الامنية ، الذي لا يرقى مستواه العلمي عن الشهادة الجامعية الاولى ، وان التقييم لن يكون من خلال الكفاءة العلمية والخبرات الاكاديمية والبحوث والدراسات ، اذ هذه هي المسؤولة عن مخرجات التعليم الجامعي ، الذي يأخذ بيد المجتمع نحو الرقي والتقدم ، ولهذا نرى تدني مستوى المخرجات الجامعية ، يضاف الى ذلك ان من يقود المؤسسات الاكاديمية ، يتم تقييمهم من خلال رأي المؤسسة الامنية الغالب على كل رأي .
المؤسسات الامنية هي مؤسسات وطنية انحرفت الانظمة بوظيفتها ، فبدلا من ان تكون في خدمة المجتمع ولحمايته اصبحت عبئا عليه ، ونخر جسدها الفساد ، ويخجل كل المنتسبين اليها ان يكشفوا وجوههم للناس ، وبشكل خاص بعد انتهاء مدة الخدمة ، مما يعني انهم في قرارة انفسهم يعلمون ان المجتمع لا يقبل بسلوكياتهم ، وفي كثير من الحالات يتنصلون مما قاموا به ، وتسمع من كل واحد فيهم الكلام المعهود ، انما انا عبد مأمور .
يا انظمة امتنا العربية المقهورة كفي عن ممارسة قتل الحياة في الناس ، وليكن الوطن ودستوره وقوانينه هي الحكم بينكم وبين الجماهير ، لان المجتمع المسلوب الارادة لن يكون الا كقطيع من الاغنام ، لن يحمي نفسه ولن يقوى على حمايتكم ، كما انه مجتمع غير قابل للابداع والانتاج ، رغم كل طبول الاعلام التي تدقونها حول التنمية والتقدم ، التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
الدستور والقانون هما المظلة التي يستظل بها كل مواطن ، والولاء لا يأت بالخوف ، بل بالامن والامان ، ومن يعتقد ان العصا الغليظة على رؤوس العباد ، والقيود الامنية في اياديهم ، ولجم الناس من خلال تقارير المخابرات والمخبرين ، والتضييق على الناس في حلهم وترحالهم ، سيخلق حالة الطمأنينة للنظام ، فانتم واهمون ، الم تقرأوا ما قيل في حق الفاروق عندما وجد نائما تحت الشجرة ، عدلت فأمنت ونمت يا عمر ؟ .
الم تعلموا ان الاعناق والارزاق من عند الله ، وانكم تسيرون لتكونو سببا واداة ، لتحل عليكم لعنة العباد ، فاتقوا الله في انفسكم وفي اوطانكم ومجتمعاتكم ، ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ، فاعملوا على تغيير انفسكم اولا ، حتى يغير الله احوال الناس جميعا الى احسن حال ، ومن اجل امتكم التي تكالبت عليهم جميع الامم ، فكونوا عونا لها لا عونا عليها .
المجتمعات لا تحكم بالحديد والنار ولا بالترويع والخوف ، وانما تحكم بالقانون الذي يخضع له الجميع بدون استثناء ، واما حكم الاجهزة الامنية القمعية فهو مفسدة للناس جميعا ، ووبال على الحاكمين والمحكومين ، ومن لا يرى غير ذلك فليتصفح تجارب التاريخ الحديث والقديم .
شبكة البصرة
الخميس 15 شوال 1426 / 17 تشرين الثاني 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس