منصور بالله
11-11-2005, 02:00 PM
الاسد وخيار شمشون
2005/11/11
عبد الباري عطوان
القي الرئيس السوري الشاب بشار الاسد العديد من الخطابات منذ توليه السلطة قبل خمس سنوات، ولكن خطابه الاخير الذي القاه امس ربما يكون الاهم والاخطر، لانه يكشف عن كيفية ادارة حكومته للأزمة الحالية التي تعيشها سورية، والخيارات التي يمـــــكن ان تأخذ بها حكومته لمواجهة الضــــغوط الداخليــة والخارجـــية، وما يمـــــكن ان يترتـــب عليها من عقوبات دولية.
سورية تعيش مأزقا خطيرا بكل المقاييس، وتبدو معزولة عربيا ودوليا، وامامها اقل من ثلاثين يوما، هي موعد تقديم ديتليف ميليس القاضي الالماني تقريره النهائي الي مجلس الامن الدولي حول نتائج تحقيقاته في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ومدي تعاون النظام السوري مع مهمته، ومن الواضح ان التقرير سيكون سلبيا، ليس لان المدة المتبقية قصيرة فقط، وانما لان العقوبات جاهزة ودائرة المناورة امام النظام السوري باتت محدودة للغاية.
هناك عدة نقاط اساسية يمكن استخلاصها من هذا الخطاب التاريخي، الذي يذكر بخطاب مماثل للرئيس العراقي صدام حسين في عيد الجيش وقبل شهرين من بدء العدوان، نوجزها في النقاط التالية:
اولا: الرئيس بشار الاسد بات عازم النية علي عدم تسليم اي من المطلوبين الستة الي لجنة ميليس، بهدف التحقيق معهم خارج سورية، وعلي رأسهم شقيق بشار الاسد ماهر، وصهره آصف شوكت، وهذا واضح من ثلاثة عروض تحدث عنها، الاول التحقيق معهم داخل مقر الجامعة العربية، والثاني في مبني سوري يرفع عليه علم الامم المتحدة، والثالث تحديد الاطار القانوني للتحقيق والمحاكمة بالاتفاق مع لجنة التحقيق السورية الرسمية. وجميع هذه العروض قوبلت بالرفض من القاضي ميليس.
ثانيا: من الواضح، ومن خلال قراءة اولية لمفردات الخطاب ولهجة ومكان إلقائه (جامعة دمشق) ان الرئيس بشار الاسد يرجح خيار شمشون ، اي مقاومة الضغوط الامريكية علي نظامه التي ترتدي ثوبا امنيا، وتتخفي خلف لجنة التحقيق الدولية، فقد قال صراحة انه اختار خيار المقاومة وليس خيار الفوضي لانه اقل تكلفة، وهدد بأنه سيصيب العملاء ومن هم خارج سورية، وهذه اشارة واضحة الي لبنان واسرائيل.
ثالثا: الخطاب تضمن تهديدا واضحا للبنان، وبالتحديد لكتلة الحريري والمتحالفين معها من شخصيات وجماعات معارضة، وهذه هي اعنف لهجة يستخدمها رئيس سوري ضد معارضي بلاده في هذا البلد، وخاصة اتهامه لـ المتاجرين بدم الحريري بتحويل لبنان الي ممر ومصنع وممول للمؤامرات علي سورية. وهذا التهديد الواضح والصريح يعني ان اي محاولة لفرض حصار او عقوبات او عدوان علي سورية ستنعكس نتائجها سلبا علي لبنان. وهذا يعني ان تدمير سورية لا يمكن ان يتم بمعزل عن تدمير لبنان.
رابعا: اكد الرئيس بشار في خطابه انه سيتعاون بالكامل مع الشرعية الدولية، ولجنة ميليس، ولكن قوله ان سورية مستهدفة ومدانة أيا كانت نتيجة التعاون، يكشف انه عاقد العزم علي عدم التعاون وفق شروط لجنة ميليس، ويتضح ذلك بجلاء من خلال قوله لن نسمح بأي اجراء يمس كرامة سورية، ودعم الشرعية الدولية لا يمكن ان يكون علي حساب التزامنا الوطني.. لن نسمح بان يكون هناك اجراء يمس بأمن سورية .
خامسا: الرئيس السوري لم يغلق الباب كلياً امام التوصل الي صفقة مع الولايات المتحدة في العراق، واعرب عن استعداده لمناقشة اي مقترحات في هذا الصدد. وهو يدرك تماما ان الضغوط علي بلاده جاءت بسبب عدم تعاونها الكامل مع المشروع الامريكي، بشقيه العسكري والسياسي، في العراق. واشارته الي ضرورة التوصل الي بروتوكول قانوني مع لجنة ميليس بشأن التحقيقات مع المتهمين، هي محاولة تعكس قراءته لملف لوكربي بعناية فائقة، فهو ربما يريد حصر التحقيقات في كبش فداء اي ضابط امن صغير (نموذج المقرحي) علي ان لا يُمس اي من حيتان الامن الكبار، ورئيس الجمهورية بالتالي.
الرئيس بشار يدرك جيداً انه سيكون علي رأس نظام متهم باغتيال الحريري، وموضوع علي مقصلة التغيير الامريكية، سواء من خلال مسلسل العقوبات الدولية التدريجي، اي الموت البطيء علي طريقة نظام البعث في العراق، او من خلال ضربات عسكرية، ولم يعد سراً ان القوات الامريكية والعراقية المتحالفة معها تتدرب علي هذه الضربات، بل وتقوم بتوجيه بعضها، وتتوغل في الاراضي السورية المحاذية للحدود العراقية بصورة شبه يومية.
انها مغامرة خطيرة يقدم عليها الرئيس السوري ونظامه، ولا نبالغ اذا قلنا انها ايضا مقامرة ربما تعطي بصيص امل بامكانية انقاذ النظام او تحسن شروط مساوماته مع الولايات المتحدة علي افضل تقدير. كما انه في الوقت نفسه ربما تعجل بسقوطه. وهو علي اي حال سيكون سقوطا في خانة الوطنية، وليس في خانة العمالة، وفق ادبيات الحركات الوطنية العربية ومبادئها.
لعل الرسالة التي يريد النظام السوري في شخص رئيسه، توصيلها الي الشعب السوري اولا، والشعوب العربية ثانيا، تتلخص في انه طالما ان الهدف هو تغييره، فإنه يفضل ان يقاوم، وان يموت واقفا، لا ذليلا راكعا.
النظـام السوري لا يريد ان يخلع ملابسه قطعة قطعة، بما في ذلك ورقة التوت، تجاوبا مع قرارات مجلس الامن الدولي، حتي ينتهي به المطاف في احدي زنزانات الحكومة الامريكية مثلما حصل مع النظام العراقي ورجالاته. وهذا يعني ان الايام المقبلة ستكون حافلة بالتحدي وما يترتب عليه من صعوبات.
اقوي ورقة يملكها الرئيس بشار الاسد هي قربه من اسرائيل والعراق معا، حيث امن الاولي هو حجر اساس الاستراتيجية الغربية في المنطقة، واستقرار الثاني هو الرهان الاكبر للادارة الامريكية الحالية.
التفجيرات التي استهدفت الاردن امس الاول البلد الذي يعتبر الاكثر امنا واستقرارا في المنطقة تخدم خيار التحدي السوري، كما ان اعلان ايران دعمها للحليف السوري يعزز من موقفه اذا ما رفض الاستسلام.
الامريكيون حشروا الرئيس الاسد في الزاوية واغلقوا عليه المنافذ، ولم يتركوا له اي ممر ولو ضيق للانسحاب. ومن الطبيعي ان يختار المقاومة والدفاع عن النفس مهما كانت النتائج.
خطاب الرئيس الاسد خلا من عامل جوهري واساسي لا يجب اغفاله، وهو انه لم يقدم اي تنازل للداخل السوري، لم يعد باصلاحات، ومنهج جديد، فطالما انه يريد الاستناد الي جبهته الداخلية فان تعزيز هذه الجبهة ووحدتها الوطنية، يظل مطلبا ملحا، لا يتأتي الا من خلال اعطاء امل ووعود، وتعهدات صادقة، بان اخطاء ثلاثين عاما من دولة الامن لن تتكرر في المستقبل، وان كرامة الانسان السوري هي في حريته واحترام آدميته في دولة يسودها القانون والمساواة والديمقراطية والمحاسبة والشفافية، واخيرا القضاء العادل المستقل.
--------------------
سوريا لها قرائة واقعية لتوازن القوات علي ارض المعركة ...و سوريا تعرف اكثر من غيرها ان جيش من تحت الارض سيخرج وراء الجيش الامريكي في حالت مهاجمةهذه الاخيرة النظام السوري ليجد الجيش الامريكي نفسه محاصر بين كماشة المقاومة السورية و جيش اولي البئس الشديد
2005/11/11
عبد الباري عطوان
القي الرئيس السوري الشاب بشار الاسد العديد من الخطابات منذ توليه السلطة قبل خمس سنوات، ولكن خطابه الاخير الذي القاه امس ربما يكون الاهم والاخطر، لانه يكشف عن كيفية ادارة حكومته للأزمة الحالية التي تعيشها سورية، والخيارات التي يمـــــكن ان تأخذ بها حكومته لمواجهة الضــــغوط الداخليــة والخارجـــية، وما يمـــــكن ان يترتـــب عليها من عقوبات دولية.
سورية تعيش مأزقا خطيرا بكل المقاييس، وتبدو معزولة عربيا ودوليا، وامامها اقل من ثلاثين يوما، هي موعد تقديم ديتليف ميليس القاضي الالماني تقريره النهائي الي مجلس الامن الدولي حول نتائج تحقيقاته في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ومدي تعاون النظام السوري مع مهمته، ومن الواضح ان التقرير سيكون سلبيا، ليس لان المدة المتبقية قصيرة فقط، وانما لان العقوبات جاهزة ودائرة المناورة امام النظام السوري باتت محدودة للغاية.
هناك عدة نقاط اساسية يمكن استخلاصها من هذا الخطاب التاريخي، الذي يذكر بخطاب مماثل للرئيس العراقي صدام حسين في عيد الجيش وقبل شهرين من بدء العدوان، نوجزها في النقاط التالية:
اولا: الرئيس بشار الاسد بات عازم النية علي عدم تسليم اي من المطلوبين الستة الي لجنة ميليس، بهدف التحقيق معهم خارج سورية، وعلي رأسهم شقيق بشار الاسد ماهر، وصهره آصف شوكت، وهذا واضح من ثلاثة عروض تحدث عنها، الاول التحقيق معهم داخل مقر الجامعة العربية، والثاني في مبني سوري يرفع عليه علم الامم المتحدة، والثالث تحديد الاطار القانوني للتحقيق والمحاكمة بالاتفاق مع لجنة التحقيق السورية الرسمية. وجميع هذه العروض قوبلت بالرفض من القاضي ميليس.
ثانيا: من الواضح، ومن خلال قراءة اولية لمفردات الخطاب ولهجة ومكان إلقائه (جامعة دمشق) ان الرئيس بشار الاسد يرجح خيار شمشون ، اي مقاومة الضغوط الامريكية علي نظامه التي ترتدي ثوبا امنيا، وتتخفي خلف لجنة التحقيق الدولية، فقد قال صراحة انه اختار خيار المقاومة وليس خيار الفوضي لانه اقل تكلفة، وهدد بأنه سيصيب العملاء ومن هم خارج سورية، وهذه اشارة واضحة الي لبنان واسرائيل.
ثالثا: الخطاب تضمن تهديدا واضحا للبنان، وبالتحديد لكتلة الحريري والمتحالفين معها من شخصيات وجماعات معارضة، وهذه هي اعنف لهجة يستخدمها رئيس سوري ضد معارضي بلاده في هذا البلد، وخاصة اتهامه لـ المتاجرين بدم الحريري بتحويل لبنان الي ممر ومصنع وممول للمؤامرات علي سورية. وهذا التهديد الواضح والصريح يعني ان اي محاولة لفرض حصار او عقوبات او عدوان علي سورية ستنعكس نتائجها سلبا علي لبنان. وهذا يعني ان تدمير سورية لا يمكن ان يتم بمعزل عن تدمير لبنان.
رابعا: اكد الرئيس بشار في خطابه انه سيتعاون بالكامل مع الشرعية الدولية، ولجنة ميليس، ولكن قوله ان سورية مستهدفة ومدانة أيا كانت نتيجة التعاون، يكشف انه عاقد العزم علي عدم التعاون وفق شروط لجنة ميليس، ويتضح ذلك بجلاء من خلال قوله لن نسمح بأي اجراء يمس كرامة سورية، ودعم الشرعية الدولية لا يمكن ان يكون علي حساب التزامنا الوطني.. لن نسمح بان يكون هناك اجراء يمس بأمن سورية .
خامسا: الرئيس السوري لم يغلق الباب كلياً امام التوصل الي صفقة مع الولايات المتحدة في العراق، واعرب عن استعداده لمناقشة اي مقترحات في هذا الصدد. وهو يدرك تماما ان الضغوط علي بلاده جاءت بسبب عدم تعاونها الكامل مع المشروع الامريكي، بشقيه العسكري والسياسي، في العراق. واشارته الي ضرورة التوصل الي بروتوكول قانوني مع لجنة ميليس بشأن التحقيقات مع المتهمين، هي محاولة تعكس قراءته لملف لوكربي بعناية فائقة، فهو ربما يريد حصر التحقيقات في كبش فداء اي ضابط امن صغير (نموذج المقرحي) علي ان لا يُمس اي من حيتان الامن الكبار، ورئيس الجمهورية بالتالي.
الرئيس بشار يدرك جيداً انه سيكون علي رأس نظام متهم باغتيال الحريري، وموضوع علي مقصلة التغيير الامريكية، سواء من خلال مسلسل العقوبات الدولية التدريجي، اي الموت البطيء علي طريقة نظام البعث في العراق، او من خلال ضربات عسكرية، ولم يعد سراً ان القوات الامريكية والعراقية المتحالفة معها تتدرب علي هذه الضربات، بل وتقوم بتوجيه بعضها، وتتوغل في الاراضي السورية المحاذية للحدود العراقية بصورة شبه يومية.
انها مغامرة خطيرة يقدم عليها الرئيس السوري ونظامه، ولا نبالغ اذا قلنا انها ايضا مقامرة ربما تعطي بصيص امل بامكانية انقاذ النظام او تحسن شروط مساوماته مع الولايات المتحدة علي افضل تقدير. كما انه في الوقت نفسه ربما تعجل بسقوطه. وهو علي اي حال سيكون سقوطا في خانة الوطنية، وليس في خانة العمالة، وفق ادبيات الحركات الوطنية العربية ومبادئها.
لعل الرسالة التي يريد النظام السوري في شخص رئيسه، توصيلها الي الشعب السوري اولا، والشعوب العربية ثانيا، تتلخص في انه طالما ان الهدف هو تغييره، فإنه يفضل ان يقاوم، وان يموت واقفا، لا ذليلا راكعا.
النظـام السوري لا يريد ان يخلع ملابسه قطعة قطعة، بما في ذلك ورقة التوت، تجاوبا مع قرارات مجلس الامن الدولي، حتي ينتهي به المطاف في احدي زنزانات الحكومة الامريكية مثلما حصل مع النظام العراقي ورجالاته. وهذا يعني ان الايام المقبلة ستكون حافلة بالتحدي وما يترتب عليه من صعوبات.
اقوي ورقة يملكها الرئيس بشار الاسد هي قربه من اسرائيل والعراق معا، حيث امن الاولي هو حجر اساس الاستراتيجية الغربية في المنطقة، واستقرار الثاني هو الرهان الاكبر للادارة الامريكية الحالية.
التفجيرات التي استهدفت الاردن امس الاول البلد الذي يعتبر الاكثر امنا واستقرارا في المنطقة تخدم خيار التحدي السوري، كما ان اعلان ايران دعمها للحليف السوري يعزز من موقفه اذا ما رفض الاستسلام.
الامريكيون حشروا الرئيس الاسد في الزاوية واغلقوا عليه المنافذ، ولم يتركوا له اي ممر ولو ضيق للانسحاب. ومن الطبيعي ان يختار المقاومة والدفاع عن النفس مهما كانت النتائج.
خطاب الرئيس الاسد خلا من عامل جوهري واساسي لا يجب اغفاله، وهو انه لم يقدم اي تنازل للداخل السوري، لم يعد باصلاحات، ومنهج جديد، فطالما انه يريد الاستناد الي جبهته الداخلية فان تعزيز هذه الجبهة ووحدتها الوطنية، يظل مطلبا ملحا، لا يتأتي الا من خلال اعطاء امل ووعود، وتعهدات صادقة، بان اخطاء ثلاثين عاما من دولة الامن لن تتكرر في المستقبل، وان كرامة الانسان السوري هي في حريته واحترام آدميته في دولة يسودها القانون والمساواة والديمقراطية والمحاسبة والشفافية، واخيرا القضاء العادل المستقل.
--------------------
سوريا لها قرائة واقعية لتوازن القوات علي ارض المعركة ...و سوريا تعرف اكثر من غيرها ان جيش من تحت الارض سيخرج وراء الجيش الامريكي في حالت مهاجمةهذه الاخيرة النظام السوري ليجد الجيش الامريكي نفسه محاصر بين كماشة المقاومة السورية و جيش اولي البئس الشديد