الفرقاني
20-10-2005, 05:12 PM
حاكمهم قبل ان يحاكموه
شبكة البصرة
عبد الباري عطوان/ القدس العربي
جاءت وقائع محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين، التي بدأت اول جلساتها امس، مثل واقع الاحتلال الامريكي للعراق، اي قمة الفوضي والارتباك وقمة الاخطاء الفنية والقانونية والتنظيمية.
فالصوت كان سيئا، والنقل التلفزيوني اكثر سوءا، الامر الذي اوقع المحطات الفضائية العربية منها والغربية، في حرج كبير امام مشاهديها.
الرئيس صدام حسين بدا شامخا متحديا رافضا التعريف بنفسه، او القبول بشرعية المحاكمة، ولم يجد من يتضامن معه في هذا الموقف غير نائبه طه ياسين رمضان. أجواء السرية والتكتم حول مكان المحكمة، والاجراءات الامنية المشددة التي اتخذت لحمايتها والتأكد المفرط من كل شخص يتواجد فيها، كلها تعكس حالة الخوف والهلع التي تسود اوساط قوات الاحتلال والمتعاونين معها، مثلما تعكس مدي هشاشة العمليتين السياسية والامنية في البلاد!
ومن المفارقة ان من يحاكمون الرئيس العراقي اختاروا جريمة بلدة الدجيل التي وقعت عام 1982، وقتل فيها حوالي مئة وخمسين عراقيا اتهموا بالتورط فيها، لانها الاسهل علي صعيد تحضير الادلة والشهود، وينسي هؤلاء، والامريكان منهم علي وجه الخصوص، ان هذه الجريمة وقعت عندما كان التحالف بين نظام الرئيس صدام والولايات المتحدة في افضل ايامه. ولم نسمع او نقرأ كلمة ادانة واحدة من قبل الادارة الامريكية في حينها للنظام العراقي، لسبب بسيط وهو انه كان يخوض حربا ضد ايران، وبجيش غالبيته الساحقة من العرب الشيعة الغيورين علي وطنهم وهويته العربية.
المحكمة سياسية بكل المقاييس، واحكامها النهائية مكتوبة علي الحائط، وتجسد الانتقام في اوضح صوره. فما زال من غير المعروف اي قانون ستستند اليه، في مداولاتها واحكامها. ولم يصدر من طرف هيئة القضاة ورئيسها اي توضيح. وهذا امر غير مستغرب فاسماء القضاة الخمسة ظلت مجهولة حتي بدء الجلسة، ولم تعلن ولم نر وجوههم والاستثناء الوحيد كان الرئيس فقط!
هناك ثلاثة قوانين مرجحة لمقاضاة المتهمين علي اساسها، القانون العراقي، او الامريكي او الدولي، واللافت ان ايا منها لم يطبق في هذه المحاكمة المهزلة.
فالقانون المطبق حاليا في العراق هو ذلك الذي وضعه نظام حزب البعث، وهو يعطي الرئيس حصانة في مواجهة اي ملاحقات قانونية، ولذلك فان المحاكمة باطلة قانونيا في شقها المتعلق برأس الدولة علي الاقل.
ومن الواضح ان المحاكمة لا تتم وفق القانونين الامريكي او الدولي، ففي الحالة الاولي يجب ان تتم المحكمة في الولايات المتحدة، او ان ينتقل قضاة لادارة المحاكمة، وهو ما لم يحدث. اما في الحالة الثانية، اي تطبيق القانون الدولي، فهذا يتطلب نقل المتهمين الي ارض محايدة، ومحاكمتهم امام محكمة دولية، مثلما حدث مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، وهو ما لم يحدث ايضا.
النظام السابق في العراق لم يكن ديمقراطيا، ولم يقل هو ذلك، وارتكب خروقات خطيرة لحقوق الانسان، ومارس التعذيب والقتل ضد خصومه، ولا احد يجادل في ذلك. ولكن أليس من حقنا ان نسأل عن جرائم حكام العراق الجدد واسيادهم الامريكان؟
مئة الف عراقي قتلوا في العامين الماضيين في القصف الامريكي، وربما ضعفهم في الحرب الاولي عام 1991، فهل قتل هؤلاء مباح لان القاتل امريكي؟
الميليشيات التي ترتكب جرائم التطهير العرقي الطائفي في العراق، في المناطق السنية والشيعية علي حد سواء، أليست لها قيادات، وبعض هذه القيادات تحتل مواقع رئيسية في العراق الجديد . فاذا كان ابو مصعب الزرقاوي خارجا علي القانون، فماذا نقول عن قادة ميليشيا بدر التي باتت تشكل العماد الرئيسي للجيش العراقي وتمارس الخطف والقتل باسم الحكومة الحالية؟
واذا انتقلنا الي الشمال الكردي، حيث الرئيس العراقي جلال الطالباني، فمن حقنا ان نسأل عما اذا كانت يداه غير ملطختين بدماء آلاف الاكراد الذين سقطوا في حربه علي الزعامة مع غريمه السابق حليفه الحالي السيد مسعود البرزاني، والشيء نفسه يقال عن الأخير؟
ألم تمارس ميليشيا قوات بدر جرائم في جنوب العراق ضد خصومها من رجالات حزب البعث الشيعة قبل السنة اثناء الانتفاضة الشهيرة التي اندلعت بعد اخراج القوات العراقية من الكويت، فلماذا لا يقدم المسؤولون عن هذه الميليشيا الي المحاكمة ايضا جنبا الي جنب مع قادة الحكومة السابقة؟!
هذه المحاكمة تتعمد تحقيق هدفين اساسيين، الاول اذلال العرب في شخص الرئيس العراقي، وتحويل انظار العراقيين عن واقعهم المؤلم والكارثي تحت الاحتلال الامريكي. فالعراق اليوم ليس افضل مما كان عليه في عهد الرئيس صدام حسين، رغم كل اخطاء النظام وانتهاكاته لحقوق الانسان، وهي اخطاء من الصعب غفرانها، ومن المستحيل الدفاع عنها.
عراق صدام حسين لم يكن طائفيا، ولم يكن ممزقا، والفساد فيه كان في ادني حدوده بالمقارنة مع فساد حكام العراق الجدد. وفوق هذا وذاك كان يملك جيشا قويا، ومشروعا علميا حضاريا، ويشكل قوة اقليمية كبري تحافظ علي توازن عسكري وسياسي في اكثر المناطق اضطرابا في العالم.
صدام حسين حارب ايران بجيش من الشيعة العرب، وبني ترسانة عسكرية وطور برنامجا نوويا بعقول ابناء العراق جميعا، دون التمييز بين طوائفهم، وتكفي الاشارة الي فتوي السيد علي السيستاني المرجع الديني الشيعي الاعلي التي نفت تهمة الطائفية عن النظام، وان لم تنف عنه الدكتاتورية والجبروت. ويكفي ايضا التذكير بان ستة وثلاثين من المطلوبين والمعتقلين من اركان النظام هم من الشيعة، اضافة الي المسيحي طارق عزيز.
اين الارصدة السرية للرئيس العراقي واسرته، واين يخوته الفاخرة، واين ملياراته التي هربها الي الخارج باسمه واسم اولاده، بل اين اولاده؟ ومن حقنا ان نسأل عن اموال وارصدة حكام العراق الجدد التي جمعوها في اقل من عامين وهربوها الي الخارج. فعندما يختلف اللصوص تظهر المسروقات.
نكتب هذا من منطلق قول كلمة الحق في زمن التضليل وارهاب كل من يتجرأ علي السباحة عكس التيار الامريكي الجارف. فالعدالة الامريكية تتعمد ممارسة كل انواع الاذلال والعنصرية ضدنا، حتي في معاملتها لـ مجرمي الحرب . فانظروا كيف يعامل مجرم الحرب الصربي ميلوسيفيتش في لاهاي، حيث يقبع في سجن من سبعة نجوم ويتمتع بكل انواع الرفاهية، ويظهر في قفص الاتهام كنجوم السينما في قمة الاناقة والصحة، وانظروا كيف يعامل رئيس عربي، والمظهر الذي ظهر به امام المحكمة بالامس. ونترك الحكم لكم!
شبكة البصرة
الخميس 16 رمضان 1426 / 20 تشرين الاول 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
شبكة البصرة
عبد الباري عطوان/ القدس العربي
جاءت وقائع محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين، التي بدأت اول جلساتها امس، مثل واقع الاحتلال الامريكي للعراق، اي قمة الفوضي والارتباك وقمة الاخطاء الفنية والقانونية والتنظيمية.
فالصوت كان سيئا، والنقل التلفزيوني اكثر سوءا، الامر الذي اوقع المحطات الفضائية العربية منها والغربية، في حرج كبير امام مشاهديها.
الرئيس صدام حسين بدا شامخا متحديا رافضا التعريف بنفسه، او القبول بشرعية المحاكمة، ولم يجد من يتضامن معه في هذا الموقف غير نائبه طه ياسين رمضان. أجواء السرية والتكتم حول مكان المحكمة، والاجراءات الامنية المشددة التي اتخذت لحمايتها والتأكد المفرط من كل شخص يتواجد فيها، كلها تعكس حالة الخوف والهلع التي تسود اوساط قوات الاحتلال والمتعاونين معها، مثلما تعكس مدي هشاشة العمليتين السياسية والامنية في البلاد!
ومن المفارقة ان من يحاكمون الرئيس العراقي اختاروا جريمة بلدة الدجيل التي وقعت عام 1982، وقتل فيها حوالي مئة وخمسين عراقيا اتهموا بالتورط فيها، لانها الاسهل علي صعيد تحضير الادلة والشهود، وينسي هؤلاء، والامريكان منهم علي وجه الخصوص، ان هذه الجريمة وقعت عندما كان التحالف بين نظام الرئيس صدام والولايات المتحدة في افضل ايامه. ولم نسمع او نقرأ كلمة ادانة واحدة من قبل الادارة الامريكية في حينها للنظام العراقي، لسبب بسيط وهو انه كان يخوض حربا ضد ايران، وبجيش غالبيته الساحقة من العرب الشيعة الغيورين علي وطنهم وهويته العربية.
المحكمة سياسية بكل المقاييس، واحكامها النهائية مكتوبة علي الحائط، وتجسد الانتقام في اوضح صوره. فما زال من غير المعروف اي قانون ستستند اليه، في مداولاتها واحكامها. ولم يصدر من طرف هيئة القضاة ورئيسها اي توضيح. وهذا امر غير مستغرب فاسماء القضاة الخمسة ظلت مجهولة حتي بدء الجلسة، ولم تعلن ولم نر وجوههم والاستثناء الوحيد كان الرئيس فقط!
هناك ثلاثة قوانين مرجحة لمقاضاة المتهمين علي اساسها، القانون العراقي، او الامريكي او الدولي، واللافت ان ايا منها لم يطبق في هذه المحاكمة المهزلة.
فالقانون المطبق حاليا في العراق هو ذلك الذي وضعه نظام حزب البعث، وهو يعطي الرئيس حصانة في مواجهة اي ملاحقات قانونية، ولذلك فان المحاكمة باطلة قانونيا في شقها المتعلق برأس الدولة علي الاقل.
ومن الواضح ان المحاكمة لا تتم وفق القانونين الامريكي او الدولي، ففي الحالة الاولي يجب ان تتم المحكمة في الولايات المتحدة، او ان ينتقل قضاة لادارة المحاكمة، وهو ما لم يحدث. اما في الحالة الثانية، اي تطبيق القانون الدولي، فهذا يتطلب نقل المتهمين الي ارض محايدة، ومحاكمتهم امام محكمة دولية، مثلما حدث مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، وهو ما لم يحدث ايضا.
النظام السابق في العراق لم يكن ديمقراطيا، ولم يقل هو ذلك، وارتكب خروقات خطيرة لحقوق الانسان، ومارس التعذيب والقتل ضد خصومه، ولا احد يجادل في ذلك. ولكن أليس من حقنا ان نسأل عن جرائم حكام العراق الجدد واسيادهم الامريكان؟
مئة الف عراقي قتلوا في العامين الماضيين في القصف الامريكي، وربما ضعفهم في الحرب الاولي عام 1991، فهل قتل هؤلاء مباح لان القاتل امريكي؟
الميليشيات التي ترتكب جرائم التطهير العرقي الطائفي في العراق، في المناطق السنية والشيعية علي حد سواء، أليست لها قيادات، وبعض هذه القيادات تحتل مواقع رئيسية في العراق الجديد . فاذا كان ابو مصعب الزرقاوي خارجا علي القانون، فماذا نقول عن قادة ميليشيا بدر التي باتت تشكل العماد الرئيسي للجيش العراقي وتمارس الخطف والقتل باسم الحكومة الحالية؟
واذا انتقلنا الي الشمال الكردي، حيث الرئيس العراقي جلال الطالباني، فمن حقنا ان نسأل عما اذا كانت يداه غير ملطختين بدماء آلاف الاكراد الذين سقطوا في حربه علي الزعامة مع غريمه السابق حليفه الحالي السيد مسعود البرزاني، والشيء نفسه يقال عن الأخير؟
ألم تمارس ميليشيا قوات بدر جرائم في جنوب العراق ضد خصومها من رجالات حزب البعث الشيعة قبل السنة اثناء الانتفاضة الشهيرة التي اندلعت بعد اخراج القوات العراقية من الكويت، فلماذا لا يقدم المسؤولون عن هذه الميليشيا الي المحاكمة ايضا جنبا الي جنب مع قادة الحكومة السابقة؟!
هذه المحاكمة تتعمد تحقيق هدفين اساسيين، الاول اذلال العرب في شخص الرئيس العراقي، وتحويل انظار العراقيين عن واقعهم المؤلم والكارثي تحت الاحتلال الامريكي. فالعراق اليوم ليس افضل مما كان عليه في عهد الرئيس صدام حسين، رغم كل اخطاء النظام وانتهاكاته لحقوق الانسان، وهي اخطاء من الصعب غفرانها، ومن المستحيل الدفاع عنها.
عراق صدام حسين لم يكن طائفيا، ولم يكن ممزقا، والفساد فيه كان في ادني حدوده بالمقارنة مع فساد حكام العراق الجدد. وفوق هذا وذاك كان يملك جيشا قويا، ومشروعا علميا حضاريا، ويشكل قوة اقليمية كبري تحافظ علي توازن عسكري وسياسي في اكثر المناطق اضطرابا في العالم.
صدام حسين حارب ايران بجيش من الشيعة العرب، وبني ترسانة عسكرية وطور برنامجا نوويا بعقول ابناء العراق جميعا، دون التمييز بين طوائفهم، وتكفي الاشارة الي فتوي السيد علي السيستاني المرجع الديني الشيعي الاعلي التي نفت تهمة الطائفية عن النظام، وان لم تنف عنه الدكتاتورية والجبروت. ويكفي ايضا التذكير بان ستة وثلاثين من المطلوبين والمعتقلين من اركان النظام هم من الشيعة، اضافة الي المسيحي طارق عزيز.
اين الارصدة السرية للرئيس العراقي واسرته، واين يخوته الفاخرة، واين ملياراته التي هربها الي الخارج باسمه واسم اولاده، بل اين اولاده؟ ومن حقنا ان نسأل عن اموال وارصدة حكام العراق الجدد التي جمعوها في اقل من عامين وهربوها الي الخارج. فعندما يختلف اللصوص تظهر المسروقات.
نكتب هذا من منطلق قول كلمة الحق في زمن التضليل وارهاب كل من يتجرأ علي السباحة عكس التيار الامريكي الجارف. فالعدالة الامريكية تتعمد ممارسة كل انواع الاذلال والعنصرية ضدنا، حتي في معاملتها لـ مجرمي الحرب . فانظروا كيف يعامل مجرم الحرب الصربي ميلوسيفيتش في لاهاي، حيث يقبع في سجن من سبعة نجوم ويتمتع بكل انواع الرفاهية، ويظهر في قفص الاتهام كنجوم السينما في قمة الاناقة والصحة، وانظروا كيف يعامل رئيس عربي، والمظهر الذي ظهر به امام المحكمة بالامس. ونترك الحكم لكم!
شبكة البصرة
الخميس 16 رمضان 1426 / 20 تشرين الاول 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس