منصور بالله
18-10-2005, 03:47 PM
من الرابح في الاستفتاء؟
بقلم: د. فيصل الفهد
اميركا نجحت في الايحاء بان الشعب العراقي انخرط في البرنامج السياسي الذي وضعته وان ديمقراطيتها لا تلبث ان تزهر في العراق.
ميدل ايست اونلاين
نجحت الإدارة الأمريكيّة في تحقيق مكسب دعائي مهم عندما نشرت وسائل الإعلام أخبار نجاح مسرحية الاستفتاء على مسودة الدستور والمهم في هذا النجاح هو مشاركة العرب السنّة؟ وبأعداد مهمة. وكما سبق لنا أن أكدناه اكثر من مرة فإنّ المهم للاحتلال الأمريكي ليس تمرير المسودة بقدر أهمية نجاح عملية إشراك جماهير المناطق الشديدة المقاومة لهم... أمّا الأمور الأخرى فهي تحت السيطرة، ولذلك نقول أنّ الفائز في هذا الاستفتاء ليس من ثبتوا نعم أو كلا بل من خطط لكلّ هذه المسرحيات، وهو إدارة الاحتلال. ولكي نضع النقاط على الحروف نورد هذه الملاحظات وما تدلّ عليه:
أولاً – مثلت مجموعة الحوار (خلف العليان وصالح المطلك....) بالنسبة للمشروع الأمريكي حصاناً نموذجياً تستطيع المراهنة على فوزه بأحد المراكز المتقدمة في عملية إعادة تشكيل الواجهة السياسية الجديدة في العراق، وأفراد هذه المجموعة وبحكم خلفيتهم يمكن لهم أن يضعوا قدماً هنا وأخرى هناك ولهذا فهم الأفضل في هذه المرحلة لتحقيق مكاسب لأمريكا تعجز عن تحقيقها بدون وجود مثل "مجموعة الحوار" ولا أدّعي هنا أنّني أتهم هؤلاء بالعمالة (لا سمح الله) ولكنّهم من المجموعة التي أصبحت تطلق على نفسها "الواقعيين" وهم يحظون بتأييد ودعم أمريكي واضح. وهذه المجموعات لم تقفز صدفة إلى مسرح الأحداث، بل إنّ أغلب عناصرها الفعالة (مثل خلف العليان) كانوا من أوائل من تحاورا مع الأمريكيّين ونصحوهم خصوصا بتجنّب إثارة حفيظة سكان المدن المحافظة وعدم الدخول فيها، وقد جرّب الأمريكيون حظّهم العاثر واكتشفوا أنّ جوانب مهمة من تلك النصائح فيما يتعلّق بردود أفعال تلك المدن كان صحيحاً
مئة بالمئة ومن هنا جاءت الحاجة الملحّة لإدخال هذه الأسماء لإنقاذ المشروع
الأمريكي المنهار.
وقد لعب زلماي خليل زاده سفير أمريكا في العراق (الرئيس الفعلي للنظام) دوراً مهماً (موظفاً تجربته السابقة) حيث استطاع أن يستميل هذه المجموعات "الواقعية" والتي تنتهج في مواقفها مبدأ لا (.. مع ) ولا ( ضدّ)، ومثل هذه المواقف تستقطب كثيراً من المتأرجحين الذين يؤيدون التوافقات ولا علاقة لهم بما سيترتب عليها في المستقبل لا سيّما على مستقبل البلد.
ثانياً – كان حرص الإدارة الأمريكيّة الأول إعطاء الانطباعات الحسنة عن مصداقيتها (المشكوك فيها كلياً) عبر دليل مادي وهو ثباتها في تنفيذ أجندتها حسب مواعيدها الدقيقة والأهمّ ادعاؤها أنّ هذه الأجندة تحظى بدعم وتفاعل جميع شرائح ومكونات وأطياف الشعب العراقي وأنّ هؤلاء يشكلون الغالبية المطلقة والدليل هو هذه المشاركة الواسعة في الاستفتاء لا سيّما في المدن المضطربة الساخنة، وهذا بالمحصلة يؤشر أنّ بوش وإدارته نجحوا في تمرير عمليتهم السياسية وأنّ "المسلحّين" لم يعودوا قادرين على تعطيلها، وأنّ العراقييّن (وبالذات العرب السنة) أصبحوا أكثر حماسة للمشاركة في العملية السياسية.
ثالثاً – ورغم تأكيدنا أنّنا لا نتهم مجموعة الحوار بشيء إلاّ أنّ تنفيذهم لما اتفق عليه مع الأمريكيّين رغم كلّ الجعجعة الدعائية استطاع أن يمدّ جسوراً ويقطع أخرى، وأن يكون مركزاً مهماً للاستقطاب لا سيّما وأنّ عملية إبرازهم إعلامياً كانت موفقة جداً، وقد استطاعت مجموعة الحوار أن تضرب عدة أهداف بحجر واحد عبر ولوجها في بعض دهاليز طبخة مسودة الدستور حيث فضحت مجموعة الحوار كلّ ما كان يتمنى التيار الصفوي أن يبقيه حبيس جدرانه المغلقة وبشكل أقلّ كانت هذه رغبة التيار الكردي الصهيوني، إلاّ أنّ إرادة ربّ العملية كلها (أمريكا) كانت لها حساباتها وأهدافها،
فهي تريد:
أ- أن تقلّم أظافر كلّ جماعات إيران (قائمة الائتلاف الصفوي) وأن تخفف من غلواء عملائها من ممثلي القائمة الكرديّة، وكانت تريد من هؤلاء أن يفهموا أنّ تنفيذ مصالح أمريكا هي الأساس وما عداها فهي أمور ثانوية، إضافة إلى أنّها أثبتت لهم أنّ لديها حلفاء يمكن أن يلعبوا أدواراً أكثر فاعلية وأنّ لهم امتداداتهم في العراق، وهذا
ما لاحظناه في تركيز تصريحات صالح المطلك أثناء المعارك الإعلامية داخل لجنة مناقشة مسودة الدستور عندما أكّد ما معناه أنّ للجنة الحوار قدرة تأثيرية ليس على محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والأبنار وبغداد وكركوك بل على محافظات الفرات الأوسط والجنوب أيضاً.
ب- أظهرت النتائج الأولية والتي تمّ تسريبها بشكل مقصود (وملفت للانتباه) مصداقية تصريحات د. صالح المطلك ولجنة الحوار وأنّهم فعلاً يمتلكون تأثيراً في كلّ محافظات العراق لا سيّما تلك التي حاول الصفويون أن يوحوا للعالم أنّها مقفلة لنفوذهم. فالبصرة مثلاً ورغم الوجود الإيراني وعمليات القتل بحقّ العراقييّن الشرفاء وكلّ عمليات التزوير فإنّ نسبة من قالوا كلا كانت عالية جداً، وكذلك في النجف الأشرف
(55 % نعم و45% كلا) وفي محافظات المثنى (السماوة) والقادسية (الديوانية) كانت نسبة كلا هي الغالبة وربما كانت كلمة (لا) هي كلمة العرب و(نعم) هي كلمة غيرهم، وهذا كلّـه سيجيّر لصالح الإدارة الأمريكيّة.
جـ- كان السفير زلماي زاد هو المدير المسؤول عن كلّ الطبخة عبر غرفة عمليات تعمل على مدى 24 ساعة بلا توقف.
رابعاً – أصبح واضحاً أنّ الإدارة الأمريكيّة أرادت أن تستدرك لمعالجة سياستها الخاطئة لا سيّما بعد دفع حلفائها لأن يتململوا صراحة ويحتجوا علناً على الممارسات الأمريكيّة المؤذية لأمريكا وللحلفاء في المنطقة وأبرزها الموقف السعودي إزاء التوغّل الإيراني في العراق، ومن هنا أرادت أمريكا أن تضرب عصفورين بحجر واحد عندما تمكّنت من إرضاء العرب السنّة من جهة، ومن جهة أخرى تحجيم الدور الإيراني.
خامساً – معروف أنّ الأجندة الأمريكيّة تتكون من عدة صفحات وتقتضي المصلحة الأمريكيّة في العراق أن يكون لكلّ صفحة أهدافها ورجالاتها وهؤلاء ينتهي دورهم مع انتهاء كلّ مرحلة، ولذلك فإنّ الأمريكيّين يحرقون مع كلّ مرحلة رجالهم بشكل اعتيادي أو يقضون عليهم إما بالاغتيال أو إسقاطهم سياسياً. وهذا هو مصير كلّ العملاء الموجودين الآن في الحكومة.
سادساً – لاحظنا من خلال تصريحات ليث كبة الناطق باسم الحكومة وهو أحد رجالات أمريكا المهيئين للمراحل القادمة أنّه يتحدث عن الاستفتاء والدستور بطريقة مختلفة تماماً عن رئيس حكومته ورئيس جمهوريته وكان جوهر كلامه ينصبّ على برامج وتوجهات مناقضة لكلّ ما تطرحه القوى التي تشكلت منها قائمتا الائتلاف الصفوي والكردي وبما يوحي أنّ هناك (ضمن الأجندة الأمريكيّة) توجهات لا تمتّ بصلة بما يشيعه العملاء المهيمنين على السلطة الآن.
لقد مهّد ليث كبة وفي عدة لقاءات تلفزيونية لبرنامجه الذي يركز على وجود نية للتحاور مع جميع القوى! وإدخالهم في العملية السياسية، وانتقد مسودة الدستور سواء في نصوصها أو في عجالة طرحها وأوحت عباراته أنّه لا مانع من التضحية بثلاثة أشهر لإعادة كتابة الدستور وتحشيد الناس لتأييده وأنّه لابدّ أن تكون دولة العراق قوية وأنّ الفدرالية المطروحة تضعف العراق...... الخ.
ونسأل هنا: هل ينطق ليث كبة عن الهوى؟ وهل يمكن للناطق باسم الحكومة أن يقول في أخطر وأهم مشروع لحكومته ما يشجّع على إسقاطه؟ والجواب واضح لأنّ ليث كبة هو و"مجموعة" آخرين لم يسلّط عليهم الضوء بعد وسيتم إبرازهم في الفترة القريبة القادمة وهم من سيحكمون العراق (بعقلية علمانية براغماتية أمريكية) وهؤلاء هم الذين سيحققون الهدف الموعود للسيد بوش وإدارته في بناء تجربة ديمقراطية نموذجية في العراق وتشع على الآخرين؟!
سابعاً – أمّا تصريحات إياد علاوي فرغم أنّه أظهر تأييداً للتصويت بنعم على المسودة إلاّ أنّ كلامه كان يدفع باتجاهات مغايرة لما ورد في الدستور وهذا يعني أنّه يعلم أنّه مهيأ للقيام بدور قيادي في المرحلة القريبة القادمة بعد أن استطاعت الإدارة الأمريكيّة أن تطيح بكلّ القوى الصفوية وإفشالهم بحيث لا تقوم لهم قائمة بعد أن وضعتهم في وجه المدفع في الحكومة المؤقتة بعد مسرحية الانتخابات حيث فقدت هذه القوى ما تبقى لها من المؤيدين القلائل.
ثامناً – استطاعت الإدارة الأمريكيّة أن تحجم دور المرجعية (الفارسية) في العراق (السيستاني والحكيم والفياض) وتضعف دورها بعد أن:
- تحولوا من رجال دين يعتمدون الصدق والنزاهة والأخلاق إلى رجال سياسة، من الحث على المشاركة في الانتخابات الى تشجيع التصويت بنعم على الدستور، والسياسة تقتضي استخدام كلّ الأساليب غير البريئة لتمرير أهدافها.
- نجح الأمريكيّون أن يجعلوا السيستاني والحكيم والفياض عناوين رئيسية لكلّ الإخفاقات والفشل وعمليات الاغتيال والاعتقال التي يتعرّض لها الشعب العراقي وتهم بها ميليشيات شبه حكومية من منظمة بدر والبيشمركة مثلما أصبحوا شركاء في فشل حكومة الجعفري في تنفيذ أيّ من وعودها للعراقيين في الجنوب مثلاً لا سيّما الطلب من المحتلين إعلان جدول لانسحابهم من العراق وتقديم الخدمات وغيرها من الوعود الوردية التي لم ينفذ منها أيّ شيء بل إنّ ما حدث هو العكس.
تاسعاً - عملت الإدارة الأمريكيّة ومن خلال سفيرها (حاكم العراق) زلماي خليل زاده على تفتيت عضد التفاهم بين مجاميع ما أسموها "المغيبين" عبر ما يلي:
أ- دفع الحزب الإسلامي المعروف بولائه للاحتلال للاشتراك في جبهة التفاهمات (العرب السنة) وبدأ يتصدّر المشهد بتصريحات قادته المتزمتة وفي اللحظة المناسبة وحسب ما خطط لـه يخرج هذا الحزب قبل يومين من الاستفتاء ليعلن موافقته على مسودة الدستور بعد قبوله بخدعة التعديلات التي لا تقنع أبسط مستجد في العمل السياسي وهذا ما أحدث ضجة كبيرة على هذا الموقف الغريب وطعن أعضاء التفاهم في الظهر.
ب- دفع الأمريكان مجموعة الحوار ليتصدروا المسرح السياسي ولتركز عليهم وسائل الإعلام والترويج لهم على أنّهم يمثلون تياراً معتدلاً (واقعياً)، وجانب من هدف هذه التشكيلات الأمريكيّة تحجيم دور هيئة علماء المسلمين والأطراف الأخرى التي تحمل هوية إسلامية واضحة، فالأمريكيون لا يشجعون استمرار بروز أيّة قوى إسلامية فاعلة.
عاشراً – جاءت تصريحات د. صالح المطلك وخلف العليان لتؤكد الثقة بنجاح مساعيهما في إفشال مسودة الدستور وإعلانهما عن التزوير وانتقاد تصريحات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكيّة والتهديد بإجراءات مشددة (العصيان المدني والاعتصامات وغيرها وصولاً إلى التسليم بالعمل العسكري) في حال ثبوت التزوير في نتائج الاستفتاء وكذلك التركيز على أنّ تمرير الدستور بالتزوير سيرجح كفة المقاومة المسلحة على كفة دعاة المشاركة في العملية السياسية، وأكّد صالح المطلك أنّ رجال المقاومة العراقيّة يؤكدون عدم جدوى الانخراط في العملية السياسية لأنّها ليست ذات جدوى.. كلّ هذا وغيره كان بمثابة رسالة واضحة إلى الأمريكيّين بأن يكثفوا جهودهم كي تمرّ عملية الاستفتاء بدون تزوير كما حصل في مسرحية الانتخابات في كانون ثاني من هذا العام.
أحد عشر- أخطأ كثير من المتابعين في تفسيرهم لفحوى تصريحات كونداليزا رايس، الأولى حينما أرادت أن تقول كلاماً عكس ما سوف يحدث لا سيّما في النتائج حيث لا يزال هناك احتمال كبير لأن يفشل الدستور لأنّ الإدارة الأمريكيّة وإن كانت بعض نصوص الدستور ملبية لمصالحها إلاّ أنّ نصوصاً أخرى كثيرة وردت في الدستور تثير حساسيتها وتخدم إيران وعملائها أكثر مما تخدم أمريكا، ولذلك فإنّ الأمريكيّين
لا يجدون حرجاً أو ضرراً في إعادة كتابة مسودة الدستور في ظروف أفضل وبوجود جمعيّة وطنية لا تخضع للهيمنة الإيرانية كما هو حال الجمعيّة الحالية حتى وإن كلّفهم ذلك خسارة ثلاثة أشهر.
إنّ تصريحات بوش وحلفائه بلير ورئيس وزراء استراليا وكلّ عملائهم أبرزت حقيقة تركيزهم على المشاركة السنيّة الواسعة أكثر من النتائج التي ستسفر عنها عملية الاستفتاء على الدستور، فالمهم (دعائياً) هو نجاح الديمقراطية الأمريكيّة في العراق وتحجيم دور المقاومة العراقيّة وإضعاف تأييد الشعب العراق، فبدل أن تتوسع عمليات المقاومة وتنتشر أفقياً في مدن الفرات الأوسط والجنوب فإنّ الإدارة الأمريكيّة نجحت في جذب سكان المحافظات الملتهبة للمشاركة في العملية السياسية.
وتأسيساً على ما تقدّم فإنّ الإدارة الأمريكيّة راهنت على المشاركة الواسعة للسنّة العرب في مسرحية الاستفتاء على الدستور أكثر من مراهنتها على تمرير الدستور، لأنّ توسّع قاعدة المشاركة هو أكبر إنجاز لها وهو يعادل عندها الكثير. ومن هنا يبقى الاحتمال وارداً في إسقاط الدستور وإسقاط كلّ كتلة الائتلاف الصفوي بما فيها الحكومة والجمعية الصفوية والرابح الأول تكتيكياً هو إدارة بوش.
أمّا من يربح أخيراً فالجواب لم يعد ضبابياً وأصبح أكثر وضوحاً وهو أنّ الشعب العراقي وعبر مقاومته الوطنية المسلّحة ومعه كلّ الشرفاء الوطنيين العراقيين الذين يساندون العمل المقاوم بجهودهم ومبادراتهم السياسية هم من سيحسمون الأمر بتحرير العراق.
د. فيصل الفهد
بقلم: د. فيصل الفهد
اميركا نجحت في الايحاء بان الشعب العراقي انخرط في البرنامج السياسي الذي وضعته وان ديمقراطيتها لا تلبث ان تزهر في العراق.
ميدل ايست اونلاين
نجحت الإدارة الأمريكيّة في تحقيق مكسب دعائي مهم عندما نشرت وسائل الإعلام أخبار نجاح مسرحية الاستفتاء على مسودة الدستور والمهم في هذا النجاح هو مشاركة العرب السنّة؟ وبأعداد مهمة. وكما سبق لنا أن أكدناه اكثر من مرة فإنّ المهم للاحتلال الأمريكي ليس تمرير المسودة بقدر أهمية نجاح عملية إشراك جماهير المناطق الشديدة المقاومة لهم... أمّا الأمور الأخرى فهي تحت السيطرة، ولذلك نقول أنّ الفائز في هذا الاستفتاء ليس من ثبتوا نعم أو كلا بل من خطط لكلّ هذه المسرحيات، وهو إدارة الاحتلال. ولكي نضع النقاط على الحروف نورد هذه الملاحظات وما تدلّ عليه:
أولاً – مثلت مجموعة الحوار (خلف العليان وصالح المطلك....) بالنسبة للمشروع الأمريكي حصاناً نموذجياً تستطيع المراهنة على فوزه بأحد المراكز المتقدمة في عملية إعادة تشكيل الواجهة السياسية الجديدة في العراق، وأفراد هذه المجموعة وبحكم خلفيتهم يمكن لهم أن يضعوا قدماً هنا وأخرى هناك ولهذا فهم الأفضل في هذه المرحلة لتحقيق مكاسب لأمريكا تعجز عن تحقيقها بدون وجود مثل "مجموعة الحوار" ولا أدّعي هنا أنّني أتهم هؤلاء بالعمالة (لا سمح الله) ولكنّهم من المجموعة التي أصبحت تطلق على نفسها "الواقعيين" وهم يحظون بتأييد ودعم أمريكي واضح. وهذه المجموعات لم تقفز صدفة إلى مسرح الأحداث، بل إنّ أغلب عناصرها الفعالة (مثل خلف العليان) كانوا من أوائل من تحاورا مع الأمريكيّين ونصحوهم خصوصا بتجنّب إثارة حفيظة سكان المدن المحافظة وعدم الدخول فيها، وقد جرّب الأمريكيون حظّهم العاثر واكتشفوا أنّ جوانب مهمة من تلك النصائح فيما يتعلّق بردود أفعال تلك المدن كان صحيحاً
مئة بالمئة ومن هنا جاءت الحاجة الملحّة لإدخال هذه الأسماء لإنقاذ المشروع
الأمريكي المنهار.
وقد لعب زلماي خليل زاده سفير أمريكا في العراق (الرئيس الفعلي للنظام) دوراً مهماً (موظفاً تجربته السابقة) حيث استطاع أن يستميل هذه المجموعات "الواقعية" والتي تنتهج في مواقفها مبدأ لا (.. مع ) ولا ( ضدّ)، ومثل هذه المواقف تستقطب كثيراً من المتأرجحين الذين يؤيدون التوافقات ولا علاقة لهم بما سيترتب عليها في المستقبل لا سيّما على مستقبل البلد.
ثانياً – كان حرص الإدارة الأمريكيّة الأول إعطاء الانطباعات الحسنة عن مصداقيتها (المشكوك فيها كلياً) عبر دليل مادي وهو ثباتها في تنفيذ أجندتها حسب مواعيدها الدقيقة والأهمّ ادعاؤها أنّ هذه الأجندة تحظى بدعم وتفاعل جميع شرائح ومكونات وأطياف الشعب العراقي وأنّ هؤلاء يشكلون الغالبية المطلقة والدليل هو هذه المشاركة الواسعة في الاستفتاء لا سيّما في المدن المضطربة الساخنة، وهذا بالمحصلة يؤشر أنّ بوش وإدارته نجحوا في تمرير عمليتهم السياسية وأنّ "المسلحّين" لم يعودوا قادرين على تعطيلها، وأنّ العراقييّن (وبالذات العرب السنة) أصبحوا أكثر حماسة للمشاركة في العملية السياسية.
ثالثاً – ورغم تأكيدنا أنّنا لا نتهم مجموعة الحوار بشيء إلاّ أنّ تنفيذهم لما اتفق عليه مع الأمريكيّين رغم كلّ الجعجعة الدعائية استطاع أن يمدّ جسوراً ويقطع أخرى، وأن يكون مركزاً مهماً للاستقطاب لا سيّما وأنّ عملية إبرازهم إعلامياً كانت موفقة جداً، وقد استطاعت مجموعة الحوار أن تضرب عدة أهداف بحجر واحد عبر ولوجها في بعض دهاليز طبخة مسودة الدستور حيث فضحت مجموعة الحوار كلّ ما كان يتمنى التيار الصفوي أن يبقيه حبيس جدرانه المغلقة وبشكل أقلّ كانت هذه رغبة التيار الكردي الصهيوني، إلاّ أنّ إرادة ربّ العملية كلها (أمريكا) كانت لها حساباتها وأهدافها،
فهي تريد:
أ- أن تقلّم أظافر كلّ جماعات إيران (قائمة الائتلاف الصفوي) وأن تخفف من غلواء عملائها من ممثلي القائمة الكرديّة، وكانت تريد من هؤلاء أن يفهموا أنّ تنفيذ مصالح أمريكا هي الأساس وما عداها فهي أمور ثانوية، إضافة إلى أنّها أثبتت لهم أنّ لديها حلفاء يمكن أن يلعبوا أدواراً أكثر فاعلية وأنّ لهم امتداداتهم في العراق، وهذا
ما لاحظناه في تركيز تصريحات صالح المطلك أثناء المعارك الإعلامية داخل لجنة مناقشة مسودة الدستور عندما أكّد ما معناه أنّ للجنة الحوار قدرة تأثيرية ليس على محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والأبنار وبغداد وكركوك بل على محافظات الفرات الأوسط والجنوب أيضاً.
ب- أظهرت النتائج الأولية والتي تمّ تسريبها بشكل مقصود (وملفت للانتباه) مصداقية تصريحات د. صالح المطلك ولجنة الحوار وأنّهم فعلاً يمتلكون تأثيراً في كلّ محافظات العراق لا سيّما تلك التي حاول الصفويون أن يوحوا للعالم أنّها مقفلة لنفوذهم. فالبصرة مثلاً ورغم الوجود الإيراني وعمليات القتل بحقّ العراقييّن الشرفاء وكلّ عمليات التزوير فإنّ نسبة من قالوا كلا كانت عالية جداً، وكذلك في النجف الأشرف
(55 % نعم و45% كلا) وفي محافظات المثنى (السماوة) والقادسية (الديوانية) كانت نسبة كلا هي الغالبة وربما كانت كلمة (لا) هي كلمة العرب و(نعم) هي كلمة غيرهم، وهذا كلّـه سيجيّر لصالح الإدارة الأمريكيّة.
جـ- كان السفير زلماي زاد هو المدير المسؤول عن كلّ الطبخة عبر غرفة عمليات تعمل على مدى 24 ساعة بلا توقف.
رابعاً – أصبح واضحاً أنّ الإدارة الأمريكيّة أرادت أن تستدرك لمعالجة سياستها الخاطئة لا سيّما بعد دفع حلفائها لأن يتململوا صراحة ويحتجوا علناً على الممارسات الأمريكيّة المؤذية لأمريكا وللحلفاء في المنطقة وأبرزها الموقف السعودي إزاء التوغّل الإيراني في العراق، ومن هنا أرادت أمريكا أن تضرب عصفورين بحجر واحد عندما تمكّنت من إرضاء العرب السنّة من جهة، ومن جهة أخرى تحجيم الدور الإيراني.
خامساً – معروف أنّ الأجندة الأمريكيّة تتكون من عدة صفحات وتقتضي المصلحة الأمريكيّة في العراق أن يكون لكلّ صفحة أهدافها ورجالاتها وهؤلاء ينتهي دورهم مع انتهاء كلّ مرحلة، ولذلك فإنّ الأمريكيّين يحرقون مع كلّ مرحلة رجالهم بشكل اعتيادي أو يقضون عليهم إما بالاغتيال أو إسقاطهم سياسياً. وهذا هو مصير كلّ العملاء الموجودين الآن في الحكومة.
سادساً – لاحظنا من خلال تصريحات ليث كبة الناطق باسم الحكومة وهو أحد رجالات أمريكا المهيئين للمراحل القادمة أنّه يتحدث عن الاستفتاء والدستور بطريقة مختلفة تماماً عن رئيس حكومته ورئيس جمهوريته وكان جوهر كلامه ينصبّ على برامج وتوجهات مناقضة لكلّ ما تطرحه القوى التي تشكلت منها قائمتا الائتلاف الصفوي والكردي وبما يوحي أنّ هناك (ضمن الأجندة الأمريكيّة) توجهات لا تمتّ بصلة بما يشيعه العملاء المهيمنين على السلطة الآن.
لقد مهّد ليث كبة وفي عدة لقاءات تلفزيونية لبرنامجه الذي يركز على وجود نية للتحاور مع جميع القوى! وإدخالهم في العملية السياسية، وانتقد مسودة الدستور سواء في نصوصها أو في عجالة طرحها وأوحت عباراته أنّه لا مانع من التضحية بثلاثة أشهر لإعادة كتابة الدستور وتحشيد الناس لتأييده وأنّه لابدّ أن تكون دولة العراق قوية وأنّ الفدرالية المطروحة تضعف العراق...... الخ.
ونسأل هنا: هل ينطق ليث كبة عن الهوى؟ وهل يمكن للناطق باسم الحكومة أن يقول في أخطر وأهم مشروع لحكومته ما يشجّع على إسقاطه؟ والجواب واضح لأنّ ليث كبة هو و"مجموعة" آخرين لم يسلّط عليهم الضوء بعد وسيتم إبرازهم في الفترة القريبة القادمة وهم من سيحكمون العراق (بعقلية علمانية براغماتية أمريكية) وهؤلاء هم الذين سيحققون الهدف الموعود للسيد بوش وإدارته في بناء تجربة ديمقراطية نموذجية في العراق وتشع على الآخرين؟!
سابعاً – أمّا تصريحات إياد علاوي فرغم أنّه أظهر تأييداً للتصويت بنعم على المسودة إلاّ أنّ كلامه كان يدفع باتجاهات مغايرة لما ورد في الدستور وهذا يعني أنّه يعلم أنّه مهيأ للقيام بدور قيادي في المرحلة القريبة القادمة بعد أن استطاعت الإدارة الأمريكيّة أن تطيح بكلّ القوى الصفوية وإفشالهم بحيث لا تقوم لهم قائمة بعد أن وضعتهم في وجه المدفع في الحكومة المؤقتة بعد مسرحية الانتخابات حيث فقدت هذه القوى ما تبقى لها من المؤيدين القلائل.
ثامناً – استطاعت الإدارة الأمريكيّة أن تحجم دور المرجعية (الفارسية) في العراق (السيستاني والحكيم والفياض) وتضعف دورها بعد أن:
- تحولوا من رجال دين يعتمدون الصدق والنزاهة والأخلاق إلى رجال سياسة، من الحث على المشاركة في الانتخابات الى تشجيع التصويت بنعم على الدستور، والسياسة تقتضي استخدام كلّ الأساليب غير البريئة لتمرير أهدافها.
- نجح الأمريكيّون أن يجعلوا السيستاني والحكيم والفياض عناوين رئيسية لكلّ الإخفاقات والفشل وعمليات الاغتيال والاعتقال التي يتعرّض لها الشعب العراقي وتهم بها ميليشيات شبه حكومية من منظمة بدر والبيشمركة مثلما أصبحوا شركاء في فشل حكومة الجعفري في تنفيذ أيّ من وعودها للعراقيين في الجنوب مثلاً لا سيّما الطلب من المحتلين إعلان جدول لانسحابهم من العراق وتقديم الخدمات وغيرها من الوعود الوردية التي لم ينفذ منها أيّ شيء بل إنّ ما حدث هو العكس.
تاسعاً - عملت الإدارة الأمريكيّة ومن خلال سفيرها (حاكم العراق) زلماي خليل زاده على تفتيت عضد التفاهم بين مجاميع ما أسموها "المغيبين" عبر ما يلي:
أ- دفع الحزب الإسلامي المعروف بولائه للاحتلال للاشتراك في جبهة التفاهمات (العرب السنة) وبدأ يتصدّر المشهد بتصريحات قادته المتزمتة وفي اللحظة المناسبة وحسب ما خطط لـه يخرج هذا الحزب قبل يومين من الاستفتاء ليعلن موافقته على مسودة الدستور بعد قبوله بخدعة التعديلات التي لا تقنع أبسط مستجد في العمل السياسي وهذا ما أحدث ضجة كبيرة على هذا الموقف الغريب وطعن أعضاء التفاهم في الظهر.
ب- دفع الأمريكان مجموعة الحوار ليتصدروا المسرح السياسي ولتركز عليهم وسائل الإعلام والترويج لهم على أنّهم يمثلون تياراً معتدلاً (واقعياً)، وجانب من هدف هذه التشكيلات الأمريكيّة تحجيم دور هيئة علماء المسلمين والأطراف الأخرى التي تحمل هوية إسلامية واضحة، فالأمريكيون لا يشجعون استمرار بروز أيّة قوى إسلامية فاعلة.
عاشراً – جاءت تصريحات د. صالح المطلك وخلف العليان لتؤكد الثقة بنجاح مساعيهما في إفشال مسودة الدستور وإعلانهما عن التزوير وانتقاد تصريحات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكيّة والتهديد بإجراءات مشددة (العصيان المدني والاعتصامات وغيرها وصولاً إلى التسليم بالعمل العسكري) في حال ثبوت التزوير في نتائج الاستفتاء وكذلك التركيز على أنّ تمرير الدستور بالتزوير سيرجح كفة المقاومة المسلحة على كفة دعاة المشاركة في العملية السياسية، وأكّد صالح المطلك أنّ رجال المقاومة العراقيّة يؤكدون عدم جدوى الانخراط في العملية السياسية لأنّها ليست ذات جدوى.. كلّ هذا وغيره كان بمثابة رسالة واضحة إلى الأمريكيّين بأن يكثفوا جهودهم كي تمرّ عملية الاستفتاء بدون تزوير كما حصل في مسرحية الانتخابات في كانون ثاني من هذا العام.
أحد عشر- أخطأ كثير من المتابعين في تفسيرهم لفحوى تصريحات كونداليزا رايس، الأولى حينما أرادت أن تقول كلاماً عكس ما سوف يحدث لا سيّما في النتائج حيث لا يزال هناك احتمال كبير لأن يفشل الدستور لأنّ الإدارة الأمريكيّة وإن كانت بعض نصوص الدستور ملبية لمصالحها إلاّ أنّ نصوصاً أخرى كثيرة وردت في الدستور تثير حساسيتها وتخدم إيران وعملائها أكثر مما تخدم أمريكا، ولذلك فإنّ الأمريكيّين
لا يجدون حرجاً أو ضرراً في إعادة كتابة مسودة الدستور في ظروف أفضل وبوجود جمعيّة وطنية لا تخضع للهيمنة الإيرانية كما هو حال الجمعيّة الحالية حتى وإن كلّفهم ذلك خسارة ثلاثة أشهر.
إنّ تصريحات بوش وحلفائه بلير ورئيس وزراء استراليا وكلّ عملائهم أبرزت حقيقة تركيزهم على المشاركة السنيّة الواسعة أكثر من النتائج التي ستسفر عنها عملية الاستفتاء على الدستور، فالمهم (دعائياً) هو نجاح الديمقراطية الأمريكيّة في العراق وتحجيم دور المقاومة العراقيّة وإضعاف تأييد الشعب العراق، فبدل أن تتوسع عمليات المقاومة وتنتشر أفقياً في مدن الفرات الأوسط والجنوب فإنّ الإدارة الأمريكيّة نجحت في جذب سكان المحافظات الملتهبة للمشاركة في العملية السياسية.
وتأسيساً على ما تقدّم فإنّ الإدارة الأمريكيّة راهنت على المشاركة الواسعة للسنّة العرب في مسرحية الاستفتاء على الدستور أكثر من مراهنتها على تمرير الدستور، لأنّ توسّع قاعدة المشاركة هو أكبر إنجاز لها وهو يعادل عندها الكثير. ومن هنا يبقى الاحتمال وارداً في إسقاط الدستور وإسقاط كلّ كتلة الائتلاف الصفوي بما فيها الحكومة والجمعية الصفوية والرابح الأول تكتيكياً هو إدارة بوش.
أمّا من يربح أخيراً فالجواب لم يعد ضبابياً وأصبح أكثر وضوحاً وهو أنّ الشعب العراقي وعبر مقاومته الوطنية المسلّحة ومعه كلّ الشرفاء الوطنيين العراقيين الذين يساندون العمل المقاوم بجهودهم ومبادراتهم السياسية هم من سيحسمون الأمر بتحرير العراق.
د. فيصل الفهد